عبد الملك بن مروان بن الحكم القرشي الأموي أبي الوليد

الموفق لأمر الله

تاريخ الولادة26 هـ
تاريخ الوفاة86 هـ
العمر60 سنة
مكان الولادةالمدينة المنورة - الحجاز
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • دمشق - سوريا

نبذة

أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف: مات سنة ست وثمانين، قال الواقدي: مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وذكر القتيبي أنه مات وله اثنتان وستون سنة..

الترجمة

أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف:
مات سنة ست وثمانين، قال الواقدي: مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وذكر القتيبي أنه مات وله اثنتان وستون سنة. وروى عبادة بن نسي قال: قيل لابن عمر: إنكم معشر أشياخ قريش توشكون أن تتفرقوا فمن نسأل بعدكم؟. قال: إن لمروان ابناً فقيهاً فاسألوه. وقال أبو الزناد: كان يعد فقهاء المدينة أربعة: سعيد وعبد الملك وعروة وقبيصة.
- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -

 

 

عَبْدِ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْن عَبْد شَمْسِ بْن عَبْد مَناف بْن قُصَيِّ بْنِ كِلابٍ الْخَلِيفَةُ، أَبُو الْوَلِيدِ الْقُرَشِيُّ الأُمَوِيُّ. [الوفاة: 81 - 90 ه]
بُويِعَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ فِي خِلافَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَبَقِيَ عَلَى مِصْرَ وَالشَّامِ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى بَاقِي الْبِلادِ مُدَّةَ سَبْعِ سِنِينَ، ثُمَّ غَلَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الْعِرَاقِ، وَمَا وَالاهَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَبَعْدَ سَنَةٍ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَاسْتَوْسَقَ الأَمْرُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ.
وُلِدَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: وَكَانَ عَابِدًا نَاسِكًا بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْخِلافَةِ، وَشَهِدَ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ أَبِيهِ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، وَحَفِظَ أَمْرَهُمْ: قَالَ: وَاسْتَعْمَلَهُ معاوية على المدينة وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً.
قُلْتُ: هَذَا لا يُتَابِعُ ابْنَ سَعْدٍ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ مُعَاوِيَةَ لَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ.
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ وَجِيهٍ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ " صِفَةِ الْخُلَفَاءِ " فِي خِزَانَةِ الْمَأْمُونِ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ رَجُلا طَوِيلا، أَبْيَضَ، مَقْرُونَ الْحَاجِبَيْنِ، كَبِيرَ الْعَيْنَيْنِ، مُشْرِفَ الأَنْفِ، رَقِيقَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْجِسْمِ، لَيْسَ بِالْقَضِيفِ وَلا الْبَادِنِ، أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. [ص:971]
قُلْتُ: سَمِعَ عُثْمَانَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيدٍ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَبُرَيْرَةَ مَوْلاةَ عائشة، وابن عمر، ومعاوية.
رَوَى عَنْهُ: عروة، وخالد بن معدان، وإسماعيل بن عبيد الله، ورجاء بن حيوة، وربيعة بن يزيد، ويونس بن ميسرة، والزهري، وحريز بن عثمان، وطائفة.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلاءِ بْنِ زَبْرٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لا يَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ يُجَهِّزُ غَازِيًا، أَوْ يَخْلُفُهُ بِخَيْرٍ إِلا أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ الْمَوْتِ ".
قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ فِي الإِسْلامِ عَبْد الْمَلِكِ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: أُمُّهُ هِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.
وَقَالَ ضَمْرَةُ، عَنْ رَجَاءِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ قَالَ: قِيلَ لابْنِ عُمَرَ: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ أَشْيَاخِ قُرَيْشٍ يُوشَكُ أَنْ تَنْقَرِضُوا، فَمَنْ نَسْأَلُ بَعْدَكُمْ؟ فَقَالَ: إِنَّ لِمَرْوَانَ ابْنًا فَقِيهًا فَسَلُوهُ.
وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ الْيَمَامِيِّ، عَنْ سُحَيْمٍ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ غُلامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: هَذَا يَمْلُكُ الْعَرَبَ.
مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ وَمَا بِهَا شَابٌّ أَشَدُّ تَشْمِيرًا، وَلا أَفْقَهُ، وَلا أَنْسَكُ، وَلا أَقْرَأُ لِكِتَابِ اللَّهِ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ. [ص:972]
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: وَلَدَ النَّاسُ أَبْنَاءً، وَوَلَدَ مَرْوَانُ أَبًا.
وَعَنْ عَبْدَةَ بْنِ رِيَاحٍ الْغَسَّانِيِّ، أَنَّ أُمَّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ - تَعْنِي عَبْدَ الْمَلِكِ - مَا زِلْتُ أَتَخَيَّلُ هَذَا الأَمْرَ فِيكَ مُنْذُ رَأَيْتُكَ. قَالَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْكَ مُحَدِّثًا، وَلا أَحْلَمَ مِنْكَ مُسْتَمِعًا.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ: قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ صلى في المسجد بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ وَفِتْيَانٌ مَعَهُ، كَانُوا إِذَا صَلَّى الإِمَامُ الظُّهْرَ قَامُوا فَصَلُّوا إِلَى الْعَصْرِ، فَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: لَوْ قُمْنَا فَصَلَّيْنَا كَمَا يُصَلِّي هَؤُلاءِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: لَيْسَتِ الْعِبَادَةُ بِكَثْرَةِ الصَّلاةِ وَلا الصَّوْمِ، إِنَّمَا الْعِبَادَةُ التَّفَكُّرُ فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَالْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ.
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَدًا إِلا وَجَدْتُ لِي عَلَيْهِ الْفَضْلَ، إِلا عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ، فَإِنِّي مَا ذَاكَرْتُهُ حَدِيثًا إِلا زَادَنِي فِيهِ، وَلا شِعْرًا إِلا زَادَنِي فِيهِ.
وَقَالَ خَلِيفَةُ: قَالَ لِي أَبُو خَالِدٍ: أَغْزَى مُسْلِمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ مُعَاوِيَةَ بْنَ حديج سَنَةَ خَمْسِينَ، وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَرْوَانَ، أَنِ ابْعَثْ عَبْدَ الْمَلِكِ عَلَى بَعْثِ الْمَدِينَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ، فَقَدِمَ عَبْدُ الْمَلِكِ، فَدَخَلَ إِفْرِيقِيَّةَ مَعَ معاوية بن حديج، فبعثه ابن حديج إِلَى حِصْنٍ، فَحَصَرَ أَهْلَهُ، وَنَصَبَ عَلَيْهِ الْمَنْجَنِيقَ.
وقال حماد بن سلمة: أخبرنا حُمَيْدٌ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، أَنَّ يَهُودِيًّا أَسْلَمَ، وَكَانَ اسْمُهُ يُوسُفَ، قَدْ قرأ الكتب، فَمَرَّ بِدَارِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: وَيْلٌ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى تَجِيءَ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ. وَكَانَ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَضَرَبَ يَوْمًا عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِذَا مَلَكْتَهُمْ. فَقَالَ: دَعْنِي وَيْحَكَ، وَدَفَعَهُ، مَا شَأْنِي وَشَأْنُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِهِمْ.
قَالَ: وَجَهَّزَ يَزِيدُ جَيْشًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ، أَيَبْعَثُ إِلَى حَرَمِ اللَّهِ فضرب يوسف منكبه وَقَالَ: جَيْشُكَ إِلَيْهِمْ أَعْظَمُ. [ص:973]
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِشَامِ بْنِ يحيى الغساني: حدثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ الْمَدِينَةَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسْتُ إِلَى جَنْبِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الْمَلِكِ: أَمِنْ هَذَا الْجَيْشِ أَنْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَتَدْرِي إِلَى مَنْ تَسِيرُ؟ إِلَى أَوَّلِ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ، وَإِلَى ابْنِ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِلَى ابْنِ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، وَإِلَى مَنْ حَنَّكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ جِئْتَهُ نَهَارًا وَجَدْتَهُ صَائِمًا، وَلَئِنْ جِئْتَهُ لَيْلا لَتَجِدَنَّهُ قَائِمًا، فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الأَرْضِ أَطْبَقُوا عَلَى قَتْلِهِ لأَكَبَّهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فِي النَّارِ. فَلَمَّا صَارَتِ الْخِلافَةُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، وَجَّهْنَا مَعَ الْحَجَّاجِ حَتَّى قَتَلْنَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَائِشَةَ: أَفْضَى الأَمْرُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَالْمُصْحَفُ فِي حِجْرِهِ، فَأَطْبَقَهُ وَقَالَ: هَذَا آخِرُ الْعَهْدِ بِكَ.
وقال الأصمعي: حدثنا عَبَّادُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَكِبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ بِكْرًا، فَأَنْشَأَ قَائِدُهُ يَقُولُ:
يَأَيُّهَا الْبِكْرُ الَّذِي أَرَاكَا ... عَلَيْكِ سهل الأَرْضِ فِي مَمْشَاكَا
وَيْحَكَ هَلْ تَعْلَمُ مَنْ عَلاكَا ... خَلِيفَةُ اللَّهِ الَّذِي امْتَطَاكَا لَمْ يَحْبُ بِكْرًا مِثْلَ مَا حَبَاكَا
فَلَمَّا سَمِعَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ قَالَ: إيها يَا هَنَاهْ، قَدْ أَمَرْتُ لَكَ بِعَشَرَةِ آلافِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَجَّلَ عَلَيْكَ الشَّيْبُ، فَقَالَ: وَكَيْفَ لا، وَأَنَا أَعْرِضُ عَقْلِي عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.
وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ قَالَ: اعْفِنِي مِنْ أَرْبَعٍ، وَقُلْ بَعْدَهَا مَا شِئْتَ: لا تَكْذِبْنِي فَإِنَّ الْمَكْذُوبَ لا رَأْيَ لَهُ، وَلا تُجِبْنِي فِيمَا لا أَسْأَلُكَ، فَإِنَّ فِيمَا أَسْأَلُكَ عنه شغلا، وَلا تُطْرِنِي فَإِنِّي أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْكَ، وَلا تحملني عَلَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنِّي إِلَى الرِّفْقِ بِهِمْ أَحْوَجُ.
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَكَتَبَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ.
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الدِّينَارِ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَفِي الْوَجْهِ الآخَرِ: " لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ "، وَطَوَّقَهُ بِطَوْقٍ فِضَّةٍ، وَكَتَبَ [ص:974] فِيهِ " ضُرِبَ بِمَدِينَةِ كَذَا "، وَكَتَبَ فِي خَارِجِ الطَّوْقِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ: لَحَنَ جَلِيسٌ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فقال رجل: زد ألف، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ، وَأَنْتَ فَزِدْ أَلْفًا.
وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونَ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ إِذَا قَعَدَ لِلْحُكْمِ قَيِمَ عَلَى رَأْسِهِ بِالسُّيُوفِ.
وَرَوَى الأَصْمَعِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ الزِّيَادِيِّ قَالَ: قِيلَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: مَنْ أَفْضَلُ النَّاسِ؟ قَالَ: مَنْ تَوَاضَعَ عَنْ رِفْعَةٍ وَزَهِدَ عَنْ قُدْرَةٍ، وَأَنْصَفَ عَنْ قُوَّةٍ.
وَرَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ:
لعمري لَقَدْ عُمِّرْتُ فِي الدَّهْرِ بُرْهةً ... وَدَانَتْ لِيَ الدُّنْيَا بِوَقْعِ الْبَوَاتِرِ
فَأَضْحَى الَّذِي قَدْ كَانَ مِمَّا يَسُرُّنِي ... كَلَمْحٍ مَضَى فِي الْمُزْمِنَاتِ الْغَوَابِرِ
فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَعْنِ بِالْمُلْكِ سَاعَةً ... وَلَمْ أَلْهُ فِي لَذَّاتِ عَيْشٍ نَوَاضِرِ
وَكُنْتُ كَذِي طِمْرَيْنِ عَاشَ بِبُلْغَةٍ ... مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى زَارَ ضَنْكَ الْمَقَابِرِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ كَثِيرًا مَا يَجْلِسُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ بِدِمَشْقَ، فَقَالَتْ لَهُ مَرَّةً: بَلَغَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّكَ شَرِبْتَ الطِّلاءَ بَعْدَ النُّسُكِ وَالْعِبَادَةِ، فَقَالَ: أَيْ وَاللَّهِ، والدماء، قَدْ شَرِبْتُهَا!
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ: إِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ كَانَ أَبْخَرَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ لِسَتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ كَانَ فَاسِدَ الْفَمِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: خَطَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبِي عِظَامٌ، وَإِنَّهَا صِغَارٌ فِي جَنْبِ عَفْوِكَ، فاغفرها لِيَ يَا كَرِيمُ.
قَالُوا: تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ، وَخِلافَتُهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا مِنْ وَسَطِ سَنَةِ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ.
وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا احْتَضَرَ دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ ابْنُهُ، فتمثل: [ص:975]
كَمْ عَائِدٍ رَجُلا وَلَيْسَ يَعُودُهُ ... إِلا لِيَعْلَمَ هَلْ تَرَاهُ يَمُوتُ
وَتَمَثَّلَ أَيْضًا:
وَمُسْتَخْبِرٌ عَنَّا يُرِيدُ بِنَا الرَّدَى ... وَمُسْتَخْبِرَاتٌ وَالْعُيُونُ سَوَاجِمُ
فَجَلَسَ الْوَلِيدُ يَبْكِي، فَقَالَ: مَا هَذَا، تَحِنُّ حَنِينَ الأَمَةِ! إِذَا مِتُّ فَشَمِّرْ وَائْتَزِرْ وَالْبَسْ جِلْدَ النَّمِرِ، وَضَعْ سَيْفَكَ عَلَى عَاتِقِكَ، فَمَنْ أَبْدَى ذَاتَ نَفْسِهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ مَاتَ بِدَائِهِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَائِنِيُّ: لَمَّا أَيْقَنَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْمَوْتِ دَعَا مَوْلاهُ أَبَا عِلاقَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مُنْذُ وُلِدْتُ إِلَى يَوْمِي هَذَا حَمَّالا. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْبَنَاتِ إِلا وَاحِدَةً، وَهِيَ فَاطِمَةُ، وَكَانَ قَدْ أَعْطَاهَا قِرْطَيْ مَارِيَّةَ، وَالدُّرَّةَ الْيَتِيمَةَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أُخْلِفْ شَيْئًا أَهَمَّ مِنْهَا إِلَيِّ فَاحْفَظْهَا، فَتَزَوَّجَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَوْصَى بَنِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الْفُرْقَةِ وَالاخْتِلافِ، وَقَالَ: انْظُرُوا مُسْلِمَةَ وَاصْدُرُوا عَنْ رَأْيِهِ - يَعْنِي أَخَاهُمْ - فَإِنَّهُ مَجَنَّكُمُ الَّذِي بِهِ تَجْتَنُّونَ وَنَابَكُمُ الَّذِي عَنْهُ تَفْتَرُّونَ، وَكُونُوا بَنِي أُمٍّ بَرَرَةً، وَكُونُوا فِي الْحَرْبِ أَحْرَارًا، وَلِلْمَعْرُوفِ مَنَارًا، فَإِنَّ الْحَرْبَ لَمْ تُدْنِ مَنِيَّةً قَبْلَ وَقْتِهَا، وَإِنَّ الْمَعْرُوفَ يَبْقَى أَجْرُهُ وَذِكْرُهُ، وَاحْلَوْلَوْا فِي مَرَارَةٍ، وَلِينُوا فِي شِدَّةٍ، وَكُونُوا كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّيْبَانِيُّ:
إِنَّ الْقِدَاحَ إِذَا اجْتَمَعْنَ فَرَامَهَا ... بِالْكَسْرِ ذُو حَنَقٍ وَبَطْشٍ أَيِّدِ
عَزَّتْ فَلَمْ تُكْسَرْ، وَإِنْ هِيَ بُدِّدَتْ ... فَالْكَسْرُ وَالتَّوْهِينُ لِلْمُتَبَدِّدِ
يَا وَلِيدُ اتَّقِ اللَّهَ فِيمَا أُخْلِفُكَ فِيهِ، وَاحْفَظْ وَصِيَّتِي، وَخُذْ بِأَمْرِي، وانظر أَخِي مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ ابْنُ أُمِّي، وَقَدِ ابْتُلِيَ فِي عَقْلِهِ بِمَا عَلِمْتَ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَآثَرْتُهُ بِالْخِلافَةِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَاحْفَظْنِي فِيهِ، وَانْظُرْ أَخِي مُحَمَّدَ بْنَ مَرْوَانَ، فَأَقِرَّهُ عَلَى الْجَزِيرَةِ، وَلا تعزله، وانظر أخاك عبد الله، فلا توآخذه، وَأَقْرِرْهُ عَلَى عَمَلِهِ بِمِصْرَ، وَانْظُرِ ابْنَ عَمِّنَا هَذَا عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ إِلَيْنَا بِمَوَدَّتِهِ وَهَوَاهُ وَنَصِيحَتِهِ، وَلَهُ نَسَبٌ وَحَقُّ، فَصِلْ رَحِمَهُ وَاعْرَفْ حَقَّهُ، وَانْظُرِ الْحَجَّاجَ فَأَكْرِمْهُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي وَطَّأَ لَكُمُ الْمَنَابِرَ، وَهُوَ سَيْفُكَ يَا وَلِيدُ، وَيَدُكَ عَلَى مَنْ نَاوَأَكَ، فَلا تَسْمَعَنَّ فِيهِ قَوْلَ أَحَدٍ، وَأَنْتَ إِلَيْهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَيْكَ. وَادْعُ النَّاسَ إِذَا مِتُّ إِلَى الْبَيْعَةِ، فَمَنْ قَالَ بِرَأْسِهِ هَكَذَا، فَقُلْ [ص:976] بِسَيْفِكَ هَكَذَا، ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا ... وَهَلْ بِالْمَوْتِ يَا لِلنَّاسِ عَارُ
وَعَاشَ إِحْدَى وَسِتِّينَ سَنَةً، وَكَانَ لَهُ سَبَعَةَ عَشَرَ وَلَدًا.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ: فَمِنْ أَوْلادِهِ: الْوَلِيدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَمَرْوَانُ الأَكْبَرُ، وَعَائِشَةُ، وَأُمُّهُمْ وَلادَةُ بِنْتُ الْعَبَّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَازِنٍ.
وَيَزِيدُ، وَمَرْوَانُ الأَصْغَرُ، ومعاوية، وأم كلثوم، وأمهم عَاتِكَةُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ.
وَهِشَامٌ، وَأُمُّهُ أُمُّ هِشَامٍ بِنْتُ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ.
وَأَبُو بَكْرٍ، وَأُمُّهُ عَائِشَةُ بِنْتُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ.
وَالْحَكَمُ، وَمَاتَ قَدِيمًا، أُمُّهُ أُمُّ أَيُّوبَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
وَفَاطِمَةُ، وَأُمُّهَا أُمُّ الْمُغِيرَةِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيَّةُ.
وَمُسْلِمَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ، وَالْمُنْذِرُ، وَعَنْبَسَةُ، وَالْحَجَّاجُ، لأُمَّهَاتِ أَوْلادِ.
وَتَزَوَّجَ أَيْضًا بِأُمِّ أَبِيهَا بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَبِنْتَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام - لشمس الدين أبو عبد الله بن قَايْماز الذهبي.

 

 

عبد الملك بن مروان
ابْنِ الحَكَمِ بنِ أَبِي العَاصِ بنِ أُمَيَّةَ، الخَلِيْفَةُ، الفَقِيْهُ، أبي الوَلِيْدِ الأُمَوِيُّ. وُلِدَ: سَنَةَ سِتٍّ
وَعِشْرِيْنَ.
سَمِعَ عُثْمَانَ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا سَعِيْدٍ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَمُعَاوِيَةَ، وَابْنَ عُمَرَ، وَبَرِيْرَةَ، وَغَيْرَهُم.
ذَكَرْتُهُ لِغَزَارَةِ عِلْمِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: عُرْوَةُ، وَخَالِدُ بنُ مَعْدَانَ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ، ويونس بن ميسرة, وآخرون.
تَمَلَّكَ بَعْدَ أَبِيْهِ الشَّامَ وَمِصْرَ، ثُمَّ حَارَبَ ابْنَ الزُّبَيْرِ الخَلِيْفَةَ، وَقَتَلَ أَخَاهُ مُصْعَباً فِي وَقْعَةِ مَسْكِنَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى العِرَاقِ وَجْهَّزَ الحَجَّاجَ لحرب بن الزُّبَيْرِ، فَقَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ، وَاسْتَوْسَقَتِ المَمَالِكُ لِعَبْدِ المَلِكِ.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ قَبْلَ الخِلاَفَةِ عَابِداً نَاسِكاً بِالمَدِيْنَةِ. شَهِدَ مَقْتَلَ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ، وَاسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى المَدِيْنَةِ -كَذَا قَالَ- وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَ أَبَاهُ.
وَكَانَ أَبْيَضَ، طَوِيْلاً، مَقْرُوْنَ الحَاجِبَيْنِ، أَعْيَنَ, مُشْرِفَ الأَنْفِ، رَقِيْقَ الوَجْهِ، لَيْسَ بِالبَادِنِ, أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ.
عَبْدُ اللهِ بنُ العَلاَءِ بنِ زَبْرٍ: عَنْ يُوْنُسَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ، أَنَّهُ قَالَ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُوْلُ: قَالَ رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ لاَ يَغْزُو، أَوْ يُجَهِّزُ غَازِياً أَوْ يَخْلُفُهُ بِخَيْرٍ إلَّا أَصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ المَوْتِ" .
قَالَ عُبَادَةُ بنُ نُسَيٍّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ لِمَرْوَانَ ابْناً فَقِيْهاً، فَسَلُوْهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا هُرِيْرَةَ نَظَرَ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ وَهُوَ غُلاَمٌ فَقَالَ هَذَا يملك العرب.
جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ المَدِيْنَةَ وَمَا بِهَا شَابٌّ أَشَدُّ تَشْمِيْراً وَلاَ أَفْقَهُ وَلاَ أَنْسَكُ وَلاَ أَقْرَأُ لِكِتَابِ اللهِ مِنْ عَبْدِ المَلِكِ.
وَقَالَ أبي الزِّنَادِ: فُقَهَاءُ المَدِيْنَةِ: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَعَبْدُ المَلِكِ، وَعُرْوَةُ، وَقَبِيْصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: وُلِدَ النَّاسُ أَبْنَاءً وَوُلِدَ مَرْوَانُ أَباً.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيِّ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ عَبْدُ المَلِكِ بنُ مَرْوَانَ، وفتيان معه كانوا يصلون إلى العصر.
إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ, عَنِ الشَّعْبِيِّ, قَالَ: مَا جَالَسْتُ أَحَداً إلَّا وَجَدْتُ لِي عَلَيْهِ الفَضْلَ إلَّا عَبْدُ المَلِكِ وَقِيْلَ: إِنَّهُ تَأَوَّهَ مِنْ تَنْفِيْذِ يَزِيْدَ جَيْشَهُ إِلَى حَرْبِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَلَمَّا وَلِيَ الأَمْرَ جَهَّزَ إِلَيْهِ الحَجَّاجَ الفَاسِقَ.
قَالَ ابْنُ عَائِشَةَ أَفْضَى الأَمْرُ إِلَى عَبْدِ المَلِكِ وَالمُصْحَفُ بَيْنَ يَدَيْهِ, فَأَطْبَقَهُ, وَقَالَ: هَذَا آخِرُ العَهْدِ بِكَ.
قُلْتُ: اللَّهُمَّ لاَ تَمْكُرْ بِنَا.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: قِيْلَ لِعَبْدِ المَلِكِ: عَجِلَ بِكَ الشَّيْبُ. قَالَ: وَكَيْفَ لاَ وَأَنَا أَعْرِضُ عَقْلِي عَلَى النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ: أَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيْرَ عَبْدُ الملك, وكتب عليها القرآن.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ المَاجِشُوْنِ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ إِذَا جَلَسَ لِلْحُكْمِ, قِيْمَ عَلَى رَأْسِهِ بِالسُّيُوْفِ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى الغَسَّانِيِّ, قَالَ: كَانَ عَبْدُ المَلِكِ كَثِيْراً مَا يَجْلِسُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي مُؤَخَّرِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ. فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّك شَرِبْتَ الطِّلاَءَ1 بَعْدَ النُّسْكِ وَالعِبَادَةِ! فَقَالَ: إِي وَاللهِ وَالدِّمَاءَ.
وَقِيْلَ: كَانَ أَبْخَرَ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: خَطَبَ عَبْدُ المَلِكِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوْبِي عِظَامٌ, وَهِيَ صِغَارٌ فِي جَنْبِ عَفْوِكَ يَا كَرِيْمُ فَاغْفِرْهَا لِي.
قُلْتُ: كَانَ مِنْ رِجَالِ الدَّهْرِ وَدُهَاةِ الرِّجَالِ وَكَانَ الحَجَّاجُ مِنْ ذُنُوْبِهِ.
تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ستٍّ وَثَمَانِيْنَ, عن نيف وستين سنة.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

عبد الْملك بن مَرْوَان
عبد الْملك بن مَرْوَان ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ بن أُميَّة بن عبد شمس، الْأمَوِي الْقرشِي.
أمه عَائِشَة بنت مُعَاوِيَة.
بُويِعَ بالخلافة بعد موت أَبِيه - إِن كَانَ لِأَبِيهِ حق فِي الْخلَافَة -.
ولقب بالموفق لأمر الله. ومولده [فِي] سنة سِتّ وَعشْرين.
قَالَ ابْن سعد: وَكَانَ عابدا، ناسكا بِالْمَدِينَةِ قبل الْخلَافَة، وَشهد يَوْم الدَّار مَعَ أَبِيه وَهُوَ ابْن عشر سِنِين [وَاسْتَعْملهُ مُعَاوِيَة على الْمَدِينَة وَهُوَ ابْن سِتَّة عشر سنة] .
قَالَ الذَّهَبِيّ: هَذَا لَا يُتَابع ابْن سعد عَلَيْهِ أحد من اسْتِعْمَال مُعَاوِيَة لَهُ على الْمَدِينَة.
قلت: أما ولَايَة أَبِيه على الْمَدِينَة؛ فبالإجماع.
قَالَ صَالح بن دحْيَة: قَرَأت فِي كتاب صفة الْخُلَفَاء - فِي خزانَة الْمَأْمُون -: كَانَ عبد الْملك [رجلا] طَويلا، أَبيض، مقرون الحاجبين، كَبِير الْعَينَيْنِ، مشرف الْأنف، رَقِيق الْوَجْه، حسن الْجِسْم، لَيْسَ بالقصيف وَلَا البادن، أَبيض الرَّأْس واللحية. إنتهى.
وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه كَانَ فَقِيها، دينا؛ فَلَمَّا أَتَتْهُ الْخلَافَة تغير عَن ذَلِك [كُله] .
يُقَال: إِنَّه أَتَتْهُ الْخلَافَة والمصحف فِي حجره؛ فأطبقه وَقَالَ: هَذَا آخر الْعَهْد مِنْك.
وَلما ولي الْخلَافَة استفتحها بِقِتَال مُصعب بن الزبير. والتقى مَعَه غير مرّة حَتَّى قَتله بعد سِنِين - كَمَا تقدم ذكره -.
ثمَّ أرسل الْحجَّاج إِلَى عبد الله بن الزبير بِمَكَّة؛ فَتوجه [الْحجَّاج] إِلَى مَكَّة وحاصر ابْن الزبير، وَرمى الْبَيْت الْحَرَام بالمنجنيق وَأحرقهُ بالنَّار؛ فَنزلت صَاعِقَة من السَّمَاء؛ فحرقت المنجنيق وَالَّذين كَانُوا يرْمونَ [بِهِ] ؛ فأحضر الْحجَّاج منجنيقا آخر ونصبه وَرمى بِهِ وَقَالَ: أَنا أخبر بصواعق أَرض تهَامَة.
ولازال على ذَلِك حَتَّى ظفر بِابْن الزبير وَقَتله - حَسْبَمَا تقدم ذكره -.
قيل: إِن الْحسن الْبَصْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - سُئِلَ عَن عبد الْملك بن مَرْوَان؛ فَقَالَ: مَا أَقُول فِي رجل الْحجَّاج؟ ! سَيِّئَة من سيئاته.
ويحكى أَن عبد الْملك كَانَ إِذا دخل عَلَيْهِ رجل يَقُول لَهُ: اعفني من ثَلَاث وَقل مَا شِئْت بعْدهَا: لَا تكذبني فَإِن الكذوب لَا رَأْي لَهُ، وَلَا تجبني فِيمَا لَا أَسأَلك عَنهُ، وَلَا تطرني فَإِنِّي أعلم بنفسي مِنْك، وَلَا تحملنِي على الرّعية. وَكَانَ عبد الْملك كثيرا مَا يجلس مَعَ أم الدَّرْدَاء؛ فَقَالَت لَهُ مرّة: بَلغنِي أَنَّك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ شربت الطلا بعد [النّسك وَالْعِبَادَة] ! قَالَ: إِي وَالله، والدماء.
وَقيل: لما احْتضرَ عبد الْملك دخل [عَلَيْهِ] الْوَلِيد [وَلَده] يعودهُ، فتمثل عبد الْملك [فَقَالَ] :
(كم عَائِد رجلا وَلَيْسَ يعودهُ ... أَلا ليعلم هَل يرَاهُ يَمُوت)
قيل: إِن عبد الْملك رأى فِي مَنَامه كَأَنَّهُ بَال فِي محراب النَّبِي -[صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]- أَربع بولات؛ فتأثر من ذَلِك، وَسَأَلَ أهل التَّعْبِير فعبروا لَهُ أَنه: يتَخَلَّف من أَوْلَاده لصلبه أَرْبَعَة؛ فَكَانَ كَذَلِك، وهم: الْوَلِيد، وَسليمَان، وَيزِيد، وَهِشَام الْآتِي ذكرهم - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.
وَتُوفِّي عبد الْملك فِي شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ من الْهِجْرَة. وَكَانَت خِلَافَته إِحْدَى وَعشْرين سنة وأشهرا.
مورد اللطافة في من ولي السلطنة والخلافة - يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي، أبو المحاسن، جمال الدين.

 

 

مولد عبد الملك بن مروان ولد عبد الملك بن مروان في المدينة المنورّة، إحدى مدن شبه الجزيرة العربيّة، وكان مولده عام (646م أو 647م)، ونشأ عبد الملك بن مروان في المدينة المنورّة، وكان فقيهاً، ومتبحّراً في العلم، ومتعبّداً، وناسكاً، وشهد مع والده وقعة يوم الدار، ومكث في المدينة إلى أنْ اضطُر إلى مغادرتها عام 683م، وذلك بعد بدء الحرب الأهلية الثانية، ففي هذه الحرب تحدّى عبد الله بن الزبير حكم الأمويين في مكة المكرمة، وكانت وفاته في دمشق في شهر تشرين الأول من عام 705م. من أعمال عبد الملك بن مروان عبد الملك بن مروان خامس الخلفاء الأمويين، ومكث في خلافة بني أميّة من (685-705م)، وهو أحد أبناء السلالة الأمويّة العربيّة التي حكمت دمشق، وهو الذي أعاد تنظيم الحكومة، واعتمد اللغة العربيّة اللغة الإدارية في جميع أنحاء إمبراطوريته، ويُذكر أنَّ معاوية بن أبي سفيان استعمله في شؤون المدينة المنورّة وهو ابن 16 عاماً، وهذا دليل واضح على فطنته وقوته، وبعد وفاة والده عام 65 هـ انتقلت إليه خلافة أبيه، فتمكّن من ضبط أمور البلاد، وأظهر قوته، وهيبته، وجبروته على المعاندين الحاقدين، ويُعزى إليه الفضل في نقل الدواوين من اللغة الفارسيّة والروميّة إلى اللغة العربيّة، وضبط النقاط والحركات على الحروف، وهو أول من صك الدنانير في الإسلام، وأول من نقش على الدراهم باللغة العربية. من صفات عبد الملك بن مروان اتصف عبد الملك بن مروان بالصفات الآتية: أبيض اللون. طويل القامة. رقيق الوجه. مفتوح الفم، ويملك أسنان مشبكة وذهبيّة. مقرون الحاجبين. مشرف الأنف. أبيض الشعر واللحية. ليس نحيل الجسم ولا بديناً. تميّز الخليفة عبد الملك بن مروان بنقش خاتمه الذي يحمل عبارة (آمنت بالله مخلصاً).=https://mawdoo3.com/=

 

 

عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبو الوليد:
من أعاظم الخلفاء ودهاتهم. نشأ في المدينة، فقيها واسع العلم، متعبدا، ناسكا. وشهد يوم الدار مع أبيه. واستعمله معاوية على المدينة وهو ابن 16 سنة. وانتقلت إليه الخلافة بموت أبيه (سنة 65 هـ فضبط أمورها وظهر بمظهر القوة، فكان جبارا على معانديه، قويّ الهيبة. واجتمعت عليه كلمة المسلمين بعد مقتل مصعب وعبد الله ابني الزبير في جربهما مع الحجاج الثقفي. ونقلت في أيامه الالدواوين من الفارسية والروميّة إلى العر بية، وضبطت الحروف بالنقط والحركات. وهو أول من صك الدنانير في الإسلام، وأول من نقش بالعربية على الدارهم، وكان عمر بن الخطاب قد صك الدراهم. وكان يقال: معاوية للحلم، وعبد الملك للحزم. ومن كلام الشعبي: ما ذاكرت أحدا إلا وجدت لي الفضل عليه، إلا عبد الملك، فما ذاكرته حديثاً ولاشعرا إلا زادني فيه. وكان أبيض طويلا أعين رقيق الوجه، أفوه مفتوح الفم مشبك الأسنان بالذهب، مقرون الحاجبين، مشرف الأنف، ليس بالنحيل ولا البدين، أبيض الرأس واللحية، ونقش خاتمه " آمنت باللَّه مخلصا ". توفي في دمشق .
-الاعلام للزركلي-