محمد بن صبيح العجلي أبي العباس القاص الكوفي

ابن السماك محمد

تاريخ الوفاة183 هـ
مكان الوفاةالكوفة - العراق
أماكن الإقامة
  • الكوفة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

محمد بن صبيح، أبو العباس المذكر مولى بني عجل، ويعرف بابن السماك: سمع هشام بْن عروة، وإِسْمَاعِيل بْن أبي خَالِد، وسليمان بن الأعمش، وعائذ بن نسير، ويزيد بن أبي زياد، والسري بن يحيى، والعوام بن حوشب، وسفيان الثوري. روى عنه: الحسين بن علي الجعفي، وعمر بن حفص بن غياث، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن صالح العجلي، والعلاء بن عمرو الحنفي، ويحيى بن أيوب المقابري، وأحمد بن حنبل. وهو كوفي، قدم بغداد زمن هارون الرشيد، فمكث بها مدة، ثم رجع إلى الكوفة فمات بها.

الترجمة

محمد بن صبيح، أبو العباس المذكر مولى بني عجل، ويعرف بابن السماك:
سمع هشام بْن عروة، وإِسْمَاعِيل بْن أبي خَالِد، وسليمان بن الأعمش، وعائذ بن نسير، ويزيد بن أبي زياد، والسري بن يحيى، والعوام بن حوشب، وسفيان الثوري.
روى عنه: الحسين بن علي الجعفي، وعمر بن حفص بن غياث، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الله بن صالح العجلي، والعلاء بن عمرو الحنفي، ويحيى بن أيوب المقابري، وأحمد بن حنبل. وهو كوفي، قدم بغداد زمن هارون الرشيد، فمكث بها مدة، ثم رجع إلى الكوفة فمات بها.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ المقرئ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجُرِّيُّ- بِمَكَّةَ، في المسجد الحرام- حدّثنا أحمد بن يحيى الحلوانيّ، حدّثنا يحيى بن أيّوب العابد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَبِيحِ بْنِ السَّمَّاكِ، عَنْ عَائِذِ بْنِ نُسَيْرٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ فِي هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ، لَمْ يُعْرَضْ وَلَمْ يُحَاسَبْ، وَقِيلَ لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ».

وَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِالطَّائِفِينَ».

أَخْبَرَنَا ابن الفضل، أخبرنا عليّ بن إبراهيم المستملي، حدّثنا أبو أحمد بن فارس، حدّثنا البخاريّ. قال: محمّد بن السماك القاص كوفي سمع عائذ بن نسير عن محمّد ابن عبد الله، عن عطاء، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ويقال: محمد بن صبيح بن السماك أبو العباس قدم بغداد.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ، أخبرنا محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، وأَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ مُحَمَّد بْنُ الْحُسَيْن بْنِ أَحْمَدَ بن بكير، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أبي، حدّثنا محمّد بن السِّمَاكِ- زَادَ الشَّافِعِيُّ- أَبُو الْعَبَّاسِ- ثُمَّ اتَّفَقَا- عن يزيد بن أبي زياد، عن الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ».

قَالَ القطيعي: قَالَ أبو عبد الرحمن: قَالَ أبي: وحدثنا به هشيم عن يزيد فلم يرفعه.
قلت: كذلك رواه زائدة، عن قدامة، عن يزيد بن أبي زياد موقوفا على ابن مسعود وهو الصحيح.
أَخْبَرَنَا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم. وأخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنِي أبي قال: سمعت محمّد بن السماك يقول: كتبت إلى صديق لي: إن الرجاء حبل في قلبك قيد في رجلك، فأخرج الرجاء من قلبك، تحل القيد من رجلك.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّه الأصبهانيّ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصير الخالدي، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق، حَدَّثَنَا محمد بن بشير الكندي العابد قَالَ: سمعت ابن السماك العابد يقول: الذباب على العذرة؛ أحسن من القارئ على أبواب الملوك.
أخبرنا عبد العزيز بن عليّ الورّاق، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بن إسماعيل الربعيّ، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري، عن ابن السماك:
أنه كان يعاتب نفسه يقول فيما يعاتبها به: تقولين قول الزاهدين، وتعملين عمل المنافقين؟ والجنة تطمعين تدخلين؟ هيهات للجنة قوما آخرين.
كذا رواه لنا عبد العزيز والصواب: هيهات إن للجنة قوما آخرين، ولهم أعمال غير ما تعملين.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن أحمد النّيسابوري، أخبرنا زاهر بن أحمد السّرخسيّ، حدّثنا محّمد بن معاذ الماليني، حَدَّثَنَا الفرياناني- يعني أحمد بن عبد الله- حَدَّثَنَا أحمد بن حميد قَالَ: قَالَ محمد بن السماك: كم من شيء إذا لم ينفع لم يضر، ولكن العلم إذا لم ينفع ضر.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَتُّوثِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو الحسن علي بن محمد المصري- فيما أجاز لنا- حدّثنا أحمد بن محمّد الكوفيّ، حَدَّثَنَا عبد الله بن عبد الرحمن الخوارزمي، حَدَّثَنَا أحمد بن حماد قَالَ: كان ابن السّمّاك يقول: يا ابن آدم إنما تغدو في كسب الأرباح فاجعل نفسك فيما تكسبها، فإنك لن تكسب مثلها. ثم يقول:
أراك تحب أن تدعى حكيما ... وأنت لكل ما تهوى ركوب
وتضحك دائبا ظهرا لبطن ... وتذكر ما عملت فلا تتوب
أَخْبَرَنَا أبو القاسم الأزهريّ، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي هارون بن سفيان المستملي، حدّثني عبد الله بن صالح العجليّ، حَدَّثَنِي محمد بن صبيح مولى بني عجل. وهو ابن السماك- قَالَ: كتب رجل من مياسير أهل بغداد إلي يسألني أن أصف له الدّنيا، فكتبت إليه: أما بعد، فالله حفها بالشهوات، ثم ملأها بالآفات، ومزج حلالها بالمؤونات، ومزج حرامها بالتبعات، فحلالها حساب، وحرامها عذاب.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُرْهَانَ الْغَزَّالُ، حَدَّثَنَا عبد الباقي بن قانع القاضي- إملاء- حدّثنا بشر بن موسى، حَدَّثَنَا عبد الله بن صالح قَالَ: كتب رجل إلى محمد ابن السماك: صف لي الدنيا، فكتب إليه، ثم ذكر نحو ما تقدم.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقٍ- إِمْلاءً- حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصير الخالدي، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق، حَدَّثَنِي محمد بن خلف التيمي قَالَ:
سمعت أبي يقول: دخلت مع محمّد بن السماك على مريض مدنف فسأله عن حاله ثم انصرف، وهو يقول:
ما يعرف المرء إذا لم يصب ... بنكبة ما موقع العافيه
والميت لا يألم ما مضه ... ومستريح صاحب الواقيه
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَلِيّ الجوهري، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن العبّاس الخزّاز، حدّثنا علّان الرّزّاز، حَدَّثَنَا الجاماسبي قَالَ: قَالَ لي رجل: كنت عند ابن السماك إذ جاءه رجل فقال له: أعزك الله، إني قد أتيتك في حاجة. فقال: والله ما عندنا صفر ولا بيض قَالَ: والله ما جئنا في شيء من هذين الجوهرين. قَالَ: وفيم ذاك؟ قَالَ: سألني هذا الرجل أن أكلمك في أن تكلم بعض إخوانك في صداق أهله. قَالَ: فأخذ ابن السّمّاك رقعة وكتب فيها: أطال الله بقاك يا أبا العباس إن الدهر قد كلح فجرح وجمح فطمح، وأفسد ما أصلح، فإن لم تعن عليه فضح. ودفعها إلى الرجل فقال: أوصلها إلى الفضل بن يحيى، قَالَ: فأوصلها فدعا الفضل صاحب بيت ماله فقال: ما في بيت ما لنا؟ قَالَ: ألف ومائتا دينار وثلاثون ألف درهم قَالَ: احملها إلى أبي العباس وأعلمه أنا في ضيقة. فلما أتي بالمال. قَالَ: ادفعوه إلى الرجل فقال: إنما يكفي هذا الرجل ألف أو ألفان، قَالَ: ما جاء بسببه فهو له.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن يوسف بن دوست البزاز، وأَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّه بْن بشران المعدل- قَالَ أحمد: حَدَّثَنَا وَقَالَ علي: أَخْبَرَنَا عليّ بن محمّد المصري، حدّثنا محمّد بن عمرو بن خالد، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: بعث هارون أمير المؤمنين إلى محمّد بن السماك في آخر شعبان فأحضره، فقال له يحيى بن خالد: أتدري لم بعث إليك أمير المؤمنين؟ قَالَ: لا أدري. قَالَ له يحيى بن خالد: بعث لما بلغه عنك من حسن دعائك للخاصة والعامة، فقال له ابن السماك: أما ما بلغ أمير المؤمنين عني من ذلك فبستر الله الذي ستره علي، ولولا ستره لم يبق لنا ثناء ولا التقاء على مودة، فالستر هو الذي أجلسني بين يديك يا أمير المؤمنين، إني والله ما رأيت وجها أحسن من وجهك، فلا تحرق وجهك بالنار. قَالَ: فبكى هارون بكاء شديدا ثم دعا بماء فاستسقى فأتى بقدح فيه ماء فقال: يا أمير المؤمنين: أكلمك بكلمة قبل أن تشرب هذا الماء؟ قَالَ: قل ما أحببت، قَالَ يا أمير المؤمنين لو مُنعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتديها بالدنيا وما فيها حتى تصل إليك فقال: نعم! قَالَ: فاشرب ريا بارك الله فيك. فلما فرغ من شربه قَالَ له: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو مُنعت إخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدي ذلك بالدنيا وما فيها؟ قَالَ: نعم! قَالَ: يا أمير المؤمنين فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه؟ قَالَ: فبكى هارون واشتد بكاؤه، قَالَ: فقال يحيى بن خالد: يا ابن السماك قد آذيت أمير المؤمنين، فقال له: وأنت يا يحيى فلا يغرنك رفاهية العيش ولينه.
أَخْبَرَنِي بكران بن الطيب السقطي- بجرجرايا- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد الْمُفِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، حدّثنا أبي، حَدَّثَنِي أبي المغيرة بن شعيب قَالَ: حضرت يحيى بن خالد البرمكي يقول لابن السماك: إذا دخلت على هارون أمير المؤمنين فأوجز ولا تكثر عليه، قَالَ: فلما دخل عليه وقام بين يديه قَالَ: يا أمير المؤمنين: إن لك بين يدي الله مقاما، وإن لك من مقامك منصرفا فانظر إلى أين منصرفك، إلى الجنة أم إلى النار؟! قَالَ: فبكى هارون حتى كاد أن يموت.
أَخْبَرَنِي أبو القاسم الأزهريّ، حدّثنا الحسين بن محمّد الدهقان، حدّثنا محمّد بن الحسن المقرئ، حَدَّثَنَا أحمد بْن عَبْد العزيز قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد بْن منصور. قَالَ: لما حضرت ابن السماك الوفاة. قَالَ: اللهم إنك تعلم أني لم أجلس مجلسا للناس إلا لأحببك إلي خلقك، وأحبب خلقك إليك.
أَخْبَرَنَا علي بن محمد الدَّقَّاق قَالَ: قرأنا على الْحُسَيْن بْن هارون، عن أبي العباس ابن سعيد. قَالَ: حَدَّثَنِي عبد اللَّه بْنُ إِبْرَاهِيم بْن قتيبة قَالَ: سَمِعْتُ ابْن نمير يقول:
حدّثنا محمّد بن السماك وكان صدوقا، ما علمته ربما حدث عن الضعفى.
أَخْبَرَنَا محمد بن الحسين القطان، أخبرنا جعفر بن محمّد الخالدي، أخبرنا محمّد ابن عبد الله الحضرمي قَالَ: مات أبو العباس محمّد بن صبيح بن السماك سنة ثلاث وثمانين ومائة

ـ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

 

ابن السَّمَّاك الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، سَيِّدُ الوعَّاظ، أبي العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن صَبيح العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم، الكُوْفِيُّ، ابْنُ السَّمَّاكِ.
رَوَى عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَالأَعْمَشِ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، وَطَائِفَةٍ، وَلَمْ يُكثِرْ.
رَوَى عَنْهُ: يَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَيَحْيَى بنُ أَيُّوْبَ العَابِدُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ، وَآخَرُوْنَ
قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: صَدُوْقٌ.
قُلْتُ: مَا وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي الكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ القَائِلُ: كَمْ مِنْ شَيْءٍ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ لَمْ يَضُرَّ، لَكِنَّ العِلْمَ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ، ضَرَّ.
قِيْلَ: وَعَظَ مَرَّةً فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! إِنَّ لَكَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ مُقَاماً، وَإِنَّهُ لَكَ مِنْ مُقَامِك مُنصَرَفاً، فَانْظُرْ إِلَى أَيْنَ تَكُوْنُ. فَبَكَى الرَّشِيْدُ كَثِيْراً.
قِيْلَ: دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاك عَلَى رَئِيْسٍ فِي شَفَاعَةٍ لِفَقِيْرٍ، فَقَالَ: إِنِّيْ أَتَيْتُكَ فِي حَاجَةٍ، وَالطَّالبُ وَالمُعْطِي عَزِيْزَانِ إِنْ قُضِيَتِ الحَاجَةُ، ذَلِيْلاَنِ إِنْ لَمْ تُقْضَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ عِزَّ البَذْلِ عَنْ ذُلِّ المَنَعِ، وَعِزَّ النُّجح عَلَى ذُلِّ الرَّدِّ.
وَعَنْهُ قَالَ: هِمَّةُ العَاقِلِ فِي النَّجَاةِ وَالهَرَبِ، وَهِمَّةُ الأَحْمَقِ فِي اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ، عَجَباً لِعَيْنٍ تَلَذُّ بِالرُّقَادِ، وَمَلَكُ المَوْتِ مَعَهَا عَلَى الوِسَادِ، حَتَّى مَتَى يُبَلِّغُنَا الوُعَّاظُ أَعْلاَمَ الآخِرَة، حَتَّى كَأَنَّ النُّفُوْسَ عَلَيْهَا وَاقِفَةٌ، وَالعُيُونَ نَاظرَةٌ، أَفَلاَ مُنْتَبِهٌ مِنْ نَوْمَتِهِ، أَوْ مُسْتِيْقظٌ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَمُفِيْقٌ مِنْ سَكْرَتِهِ، وَخَائِفٌ مِنْ صَرْعَتِهِ، كَدْحاً لِلدُّنْيَا كَدْحاً، أَمَا تَجْعَلُ لِلآخِرَةِ مِنْكَ حظّاً، أُقسِمُ بِاللهِ، لَوْ رَأَيْتَ القِيَامَةَ تَخفِقُ بِأَهْوَالِهَا، وَالنَّارَ مُشرِفَةً عَلَى آلِهَا، وَقَدْ وُضِعَ الكِتَابُ، وَجِيْءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهدَاءِ، لَسَرَّكَ أَنْ يَكُوْنَ لَكَ فِي ذَلِكَ الجَمعِ مَنْزِلَةٌ، أَبَعْدَ الدُّنْيَا دَارُ مُعْتَمَلٍ، أَمْ إِلَى غَيْرِ الآخِرَةِ مُنْتَقَلٌ? هَيْهَاتَ، وَلَكِنْ صُمَّتِ الآذَانُ عَنِ المَوَاعِظِ، وَذَهلَتِ القُلُوْبُ عَنِ المنَافِعِ، فَلاَ الوَاعِظُ يَنْتَفِعُ وَلاَ السَّامِعُ يَنْتَفِعُ.
وَعَنْهُ: هَبِ الدُّنْيَا فِي يَدَيْكَ، وَمِثْلُهَا ضُمَّ إِلَيْكَ، وَهَبِ المَشْرِقَ وَالمَغْرِبَ يَجِيْءُ إِلَيْكَ، فَإِذَا
جَاءكَ المَوْتُ، فَمَاذَا فِي يَدَيْكَ?! أَلاَ مَنِ امْتَطَى الصَّبْرَ قَوِيَ عَلَى العِبَادَةِ، وَمَنْ أَجْمَعَ النَّاسَ اسْتَغْنَى عَنِ النَّاسِ، وَمَنْ أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ لَمْ يُوْلِ مرمَّتها غَيْرَه، وَمَنْ أَحَبَّ الخَيْرَ وُفِّقَ لَهُ، وَمَنْ كَرِهَ الشَّرَّ جُنِّبَهُ، أَلاَ مُتَأَهِّبٌ فِيْمَا يُوصَفُ أَمَامَهُ، أَلاَ مُسْتَعِدٌّ لِيَوْمِ فَقْرِه، أَلاَ مُبَادِرٌ فَنَاءَ أَجَلِهِ، مَا يَنْتَظِرُ مَنِ ابْيَضَّتْ شَعْرَتُهُ بَعْدَ سَوَادِهَا، وَتَكَرَّشَ وَجْهُه بَعْد انبِسَاطِه، وَتَقَوَّسَ ظَهْرُهُ بَعْدَ انْتِصَابِهِ، وَكَلَّ بَصَرُه، وَضَعُفَ رُكنُهُ، وَقَلَّ نَوْمُهُ، وَبَلِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ فِي حَيَاتِهِ، فَرَحِمَ اللهَ امْرَأً عَقَلَ الأَمْرَ، وَأَحْسَنَ النَّظَرَ، وَاغتَنَمَ أَيَّامَهُ.
وَعَنْهُ: الدُّنْيَا كُلُّهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي بَقِيَ مِنْهَا قَلِيْلٌ، وَالَّذِي لَكَ مِنَ البَاقِي قَلِيْلٌ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ قَلِيْلِكَ إِلاَّ قَلِيْلٌ، وَقَدْ أَصْبَحتَ فِي دَارِ العَزَاءِ، وَغَداً تَصِيْرُ إِلَى دَارِ الجَزَاءِ، فَاشْتَرِ نَفْسَكَ، لَعَلَّكَ تَنجُو.
تُوُفِّيَ ابْنُ السَّمَّاكِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَقَدْ أسن.
سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

 


أبو العباس محمدُ بنَ صبح مولى بنى عِجْل المعروف بابن السماك، القاصُّ الكوفيُّ، الزاهدُ المشهورُ.
لقي جماعة من الصدر الأول، وأخذ عنهم؛ مثل: هشام بن عروة، والأعمش، وغيرهما، وروى عنه أحمد بن حنبل وأنظاره.
ومن كلامه: خَفِ الله كأنك لم تُطعه، وارجُ الله كأنك لم تَعصه. ودخل على بعض الأمراء يشفع إليه في رجل، فقال له: إني أتيتك في حاجة، وإن الطالب والمطلوب منه عزيزان، إن قضيت الحاجة ذليلان، إن لم تقضها فاختر لنفسك: عزَّ البذل على ذل المنع، واختر لي عزَّ النجح على ذلِّ الرد، فقضى حاجته. ومن كلامه: من جرعته الدنيا حلاوتها بميله إليها، جرعته الآخرة مرارتَها بتجافيها عنه.
توفي سنة 183 بالكوفة. والسماك - بالميم المشددة -: نسبة إلى بيع السمك، وصيده.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

 

ابن السماك : محمد بن صبيح أبي العباس ، المعروف بابن السماك القاص الكوفي الزاهد المشهور؛ كان زاهدا عابدا حسن الكلام صاحب مواعظ، وأخذ عن: هشام بن عروة والأعمش وغيرهما. وروى عنه أحمد بن أحمد بن حنبل وأنظاره ؛ مات بالكوفة سنة ثلاث وثمانين ومائة (ت : 183 ه ) ، رحمه الله تعالى. والسماك:، نسبة إلى بيع السمك وصيده. ينظر : وفيات الاعيان ، 4 / 302 ، وتاريخ الاسلام ، 12 /368 .