داود بن نصير الطائي أبي سليمان
تاريخ الوفاة | 165 هـ |
مكان الولادة | الكوفة - العراق |
مكان الوفاة | الكوفة - العراق |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
أَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بْن نصير الطائي وَكَانَ كبير الشأن.
أَخْبَرَنَا الشيخ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه , قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَر بْن مطر , قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُسَيِّب , قَالَ: حَدَّثَنَا ابْن خبيق , قَالَ: قَالَ يُوسُف بْن سباط: ورث دَاوُد الطائي عشرين دِينَارًا فأكلها فِي عشرين سنة.
سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق رحمه اللَّه يَقُول كَانَ سبب زهد دَاوُد الطائي أَنَّهُ كَانَ يمر ببغداد فمر يوما فنحاه المطرقون بَيْنَ يدي حميد الطوسي فالتفت دَاوُد فرأى حميدا , فَقَالَ: دَاوُد أف لدنيا سبقك بِهَا حميد ولزم الْبَيْت وأخذ فِي الجهد والعبادة , وسمعت ببغداد بَعْض الفقراء , يَقُول: إِن سبب زهده أَنَّهُ سمع نائحة تنوح , وتقول:
بأي خديك تبدى البلى ... وأي عينيك إذن سالا
وقيل: كَانَ سبب زهده أَنَّهُ كَانَ يجالس أبا حَنِيفَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَة يوما: يا أبا سُلَيْمَان , أما الأداة فَقَدْ أحكمناها , فَقَالَ لَهُ دَاوُد: فأي شَيْء بقى؟ قَالَ: العمل بِهِ.
قَالَ دَاوُد: فنازعتني نفسي إِلَى العزلة فَقُلْتُ لنفسي حَتَّى تجالسهم ولا تتكلم فِي مسألة قَالَ: فجالستهم سنة لا أتكلم فِي مسألة وكانت المسألة تمر بي , وأنا إِلَى الْكَلام فِيهَا أشد نزاعا من العطشان عَلَى الماء البارد ولا أتكلم بِهِ،
ثُمَّ صار أمره إِلَى مَا صار , وقيل: حجم جنيد الحجام دَاوُد الطائي , فأعطاه دِينَارًا , فقيل لَهُ: هَذَا إسراف , فَقَالَ: لا عُبَادَة لمن لا مروءة لَهُ.
وَكَانَ يَقُول بالليل: إلهي , همك عطل عَلَى الهموم الدنيوية وحال بيني وبين الرقاد.
سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الصوفي , يَقُول: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُوسُفَ , قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَمْرو , قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حرب الموصلي , قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن زِيَاد الطائي , قَالَ: قَالَتْ دابة دَاوُد الطائي لَهُ: أما تشتهى الخبز؟ فَقَالَ: بَيْنَ مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
ولما توفي دَاوُد رآه بَعْض الصالحين فِي المنام وَهُوَ يعدو فَقَالَ لَهُ: مَالِك؟ فَقَالَ: الساعة تخلصت من السجن فاستيقظ الرجل من منامه , فارتفع الصياح بقول النَّاس مَات دَاوُد الطائي.
وَقَالَ لَهُ رجل: أوصني , فَقَالَ: عسكر الْمَوْت ينتظرونك ودخل بَعْضهم عَلَيْهِ , فرأى جرة ماء انبسطت عَلَيْهَا الشَّمْس , فَقَالَ لَهُ: ألا تحولها إِلَى الظل , فَقَالَ: حِينَ وضعتها لَمْ يكن شمس , وأنا أستحي أَن يراني اللَّه أمشى لما فِيهِ حظ نفسي.
ودخل عَلَيْهِ بَعْضهم فجعل ينظر إِلَيْهِ , فَقَالَ: أما علمت أنهم كَانُوا يكرهون فضول النظر كَمَا يكرهون فضول الْكَلام.
أَخْبَرَنَا عَن عَبْد اللَّهِ بْن يُوسُفَ الأَصْبَهَانِي , قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن يَحْيَي المزكي , قَالَ: حَدَّثَنَا قاسم بْن أَحْمَد , قَالَ: سمعت ميمونا الغزال , قَالَ: قَالَ أَبُو الرَّبِيع الواسطي: قُلْت لداود الطائي: أوصني.
قَالَ: صم عَنِ الدنيا , واجعل فطرك الْمَوْت , وفر من النَّاس كفرارك من السبع.
الرسالة القشيرية. لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري.
داود الطائي - 165 للهجرة
داود بن نصير الطائي أبي سليمان. كان كبير الشأن، سمع الحديث، واشتغل بالفقه مدة، ثم اختار العبادة والزهد، فبلغ منهما الغاية.
ورث عن ابيه عشرين ديناراً، فأكلها في عشرين سنة، كل سنة ديناراً، منه يصل، ومنه يتصدق.
وكان بدء توبته أنه دخل المقبرة، فسمع امرأة عند قبر تقول:
مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب
نريد تلاقى كل يوم وليلة ... وتبلى كما تبلى وأنت حبيب
وقيل: سبب زهده أنه سمع نائحة تندب وتقول:
بأي خديك تبدى البلى ... وأي عينيك إذا سالا؟
مات بالكوفة سنة خمس - وقيل: ست - وستين ومائة، فى خلافة المهدى.
من كلامه: " ما أخرج الله عبداً من ذل المعاصي إلى عز التقوى إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، واّنسه بلا بشر ".
ودخل عليه رجل، فقال له: " ما حاجتك؟ "، قال: " زيارتك " فقال: " أما أنت فقد فعلت خيراً حين زرت، ولكن انظر ما ينزل بي أنا، إذا قال لي: من أنت لتزار؟. من الزهاد؟ لا والله. أنت من العباد؟ لا والله. أنت من الصالحين؟. لا والله ". ثم أقبل يوبخ نفسه " كنت في الشبيبة فاسقاً، ولما شبت صرت مرائياً ".
وقال عبد الله بن ادريس، قلت لداود: " أوصني " فقال: " أقلل من معرفة الناس ". قلت: " زدني "، قال: " ارض باليسير من الدنيا، عن سلامة الدين، كما رضى أهل الدنيا بالدنيا، مع فساد الدين ". قلت: " زدني "، قال: " اجعل الدنيا كيوم صمته، ثم أفطر على الموت ".
وأحتجم داود، فأعطى الحجام ديناراً، فقيل له: " هذا أسراف "، فقال: " لا عبادة لمن لا مروءة له ".
ودخل عليه بعض أصحابه، فرأى جرة ماء، قد انبسطت عليها الشمس، فقال له: " ألا تحملها إلى الظل؟ " فقال: " حين وضعتها لم يكن شمس، وأنا أستحي من الله أن يراني أمشى لما فيه حظ نفسي ".
وقيل له: " قد رضيت من الدنيا باليسير "، فقال: " ألا أدلك على من رضى بأقل من ذلك؟. من رضى بالدنيا كلها عوضاً عن الآخرة ".
ويروى أنه خرج يوماً إلى السوق، فرأى الرطب، فاشتهته نفسه، فجاء إلى البائع فقال: " أعطني بدرهم إلى الغد ". فقال له: " اذهب إلى عملك " فرآه بعض من يعرفه، فأخرج له صرة فيها مائة درهم، وقال له: " اذهب فان أخذ منك بدرهم رطباً فالمائة لك ". فلحقه البائع، وقال له: " ارجع خذ حاجتك " فقال: لا حاجة لي فيه. أنا جربت هذه النفس، فلم أرها تسوى فى هذه الدنيا درهماً، وهى تريد الجنة غداً ".
ودخل عليه رجل، فوجده يأكل ملحاً جريشاً بخبز يابس، فقال له: " كيف يشتهى هذا؟ " قال: " ادعه حتى أشتهيه ".
واشتكى داود أياماً، وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار، فكررها مراراً في ليلته، فأصبح مريضاً، ووجدوه قد مات، ورأسه على لبنه.
ورآه بعض الصالحين في المنام، فقال له: " الساعة خلصت من السجن " فاستيقظ الرجل، وإذا الصياح: " قد مات داود ".
طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.
داود الطائي
الإمام، الفقيه، القدوة، الزاهد، أبي سليمان داود بن نصير الطَّائِيُّ، الكُوْفِيُّ، أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ.
وُلِدَ: بَعْدَ المائَةِ بِسَنَوَاتٍ.
وَرَوَى عَنْ: عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمير، وحُميد الطويل، وهشام بن عروة، وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، وَجَمَاعَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عُليَّة، وَزَافِرُ بنُ سُلَيْمَانَ، وَمُصْعَبُ بنُ المِقْدَامِ، وَإِسْحَاقُ بنُ مَنْصُوْرٍ السَّلُوْلِيُّ، وَأبي نُعَيْمٍ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الفَقْهِ وَالرَّأْيِ، بَرَعَ فِي العِلْمِ بِأَبِي حَنِيْفَةَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى شَأْنِهِ، وَلَزِمَ الصَّمْتَ، وَآثَرَ الخُمُوْلَ، وَفَرَّ بِدِيْنِهِ.
سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ حَدِيْثٍ، فَقَالَ: دَعْنِي أُبَادِرْ خُرُوْجَ نَفْسِي.
وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُعَظِّمُهُ، وَيَقُوْلُ: أَبصَرَ دَاوُدُ أَمرَهُ.
قَالَ ابْنُ المُبَارَكِ: هَلِ الأَمْرُ إِلاَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ دَاوُدُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ غَرَّق كُتُبَهُ.
وَسَأَلَه زَائِدَةُ عَنْ تَفْسِيْرِ آيَةٍ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ، انْقَطَعَ الجوَابُ.
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ دَاوُدُ مِمَّنْ عَلِمَ وَفَقُهَ، وَنَفَذَ فِي الكَلاَمِ، فَحَذَفَ إِنْسَاناً، فَقَالَ أبي حَنِيْفَةَ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ! طَالَ لِسَانُكَ وَيَدُكَ. فَاخْتَلَفَ بَعْدَ ذَلِكَ سَنَةً، لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يُجِيْبُ.
قُلْتُ: حَرَّب نَفْسَهُ وَدرَّبَهَا، حَتَّى قَوِيَ عَلَى العُزْلة.
قَالَ أبي أُسَامَةَ: جِئْتُ أَنَا وَابْن عُيَيْنَةَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ جِئْتُمَانِي مَرَّةً، فَلاَ تَعُودَا. وَقِيْلَ: كَانَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الفَرِيْضَةِ أَسرَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَوْصِنِي. قَالَ: اتَّقِ الله، وَبِرَّ وَالِدَيكَ، وَيْحَكَ! صُمِ الدُّنْيَا، وَاجْعَلْ فِطْرَكَ المَوْتَ، وَاجْتَنِبِ النَّاسَ غَيْرَ تَارِكٍ لِجَمَاعَتِهِم.
وَعَنْهُ قَالَ: كَفَى بِاليَقِيْنِ زُهداً، وَكَفَى بِالعِلْمِ عِبَادَةً، وَكَفَى بِالعِبَادَةِ شُغُلاً.
قَالَ أبي نُعَيْمٍ: رَأَيتُ دَاوُدَ الطَّائِيَّ، وَكَانَ مِنْ أَفصَحِ النَّاسِ وَأَعْلَمِهِم بِالعَرَبِيَّةِ، يَلْبَسُ قَلَنْسُوة طَوِيْلَةً سَوْدَاءَ.
وَعَنْ حَفْصٍ الجُعْفِيِّ، قَالَ: وَرِثَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ مِنْ أُمِّهِ أَرْبَعَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَكَثَ يَتَقَوَّتُ بها ثلاثين عامًا، فلما نفذت، جَعَلَ يَنْقُضُ سُقُوفَ الدُّوَيْرَةِ، فَيَبِيْعُهَا.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ: عَاشَ دَاوُدُ عِشْرِيْنَ سَنَةً بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ السَّلُوْلِيُّ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَعِيْدٍ، قَالَتْ: كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ جِدَارٌ قَصِيْرٌ، فَكُنْتُ أَسْمَعُ حَنِيْنَه عَامَّةَ اللَّيْلِ، لاَ يَهْدَأُ، وَرُبَّمَا تَرَنَّمَ فِي السَّحَرِ بِالقُرْآنِ، فَأَرَى أَنَّ جَمِيْعَ النَّعِيْمِ قَدْ جُمِعَ فِي تَرَنُّمِهِ، وَكَانَ لاَ يُسرجُ عَلَيْهِ.
قَالَ أبي دَاوُدَ الحَفَري: قَالَ لِي دَاوُدُ الطَّائِيُّ: كُنْتَ تَأْتِيْنَا إِذْ كُنَّا، ثُمَّ مَا أُحِبُّ أَنْ تأتيني.
قَالَ أبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَضَرتُ دَاوُدَ، فَمَا رَأَيتُ أَشدَّ نَزْعاً مِنْهُ.
وَقَالَ حَسَنُ بنُ بِشْرٍ: حَضَرتُ جَنَازَةَ دَاوُدَ الطَّائِيِّ، فَحُمِلَ عَلَى سَرِيْرِيْنَ أَوْ ثَلاَثَةٍ، تكسَّر مِنَ الزِّحَامِ.
قِيْلَ: إِنَّ دَاوُدَ صَحِبَ حَبِيْباً العَجَمِيَّ، وَلَيْسَ يَصِحُّ، وَلاَ عَلِمنَا دَاوُدَ سَارَ إِلَى البَصْرَةِ، وَلاَ قَدِمَ حَبِيْبٌ الكُوْفَةَ. وَمَنَاقِبُ دَاوُدَ كَثِيْرَةٌ، كَانَ رَأْساً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَلَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِ جِنَازَتِه، حَتَّى قِيْلَ: بَاتَ النَّاسُ ثَلاَثَ لَيَالٍ مَخَافَةَ أَنْ يَفُوْتَهُم شُهُوْدُهُ.
مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَدْ سُقْتُ مِنْ حَدِيْثِهِ وَأَخْبَارِهِ فِي: "تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ"، وَلَمْ يُخَلِّفْ بِالكُوْفَةِ أَحَداً مِثْلَهُ.
سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدنا الشيخ داود بن نصير الطائي رحمه الله تعالى .
الإمام الفقيه ، القدوة الزاهد أبو سليمان داود بن نصير الطائي وكان كبير الشأَن. كان في أيام المهدي العباسي. أصله من خراسان، ومولده بالكوفة. رحل إلى بغداد، فأخذ عن أبي حنيفة وغيره، وعاد إلى الكوفة، فاعتزل الناس، ولزم العبادة إلى أن مات فيها. قال أحد معاصيريه: أ«و كان داود في الأمم الماضية لقص الله شيئاً من خبره». وله أخبار مع أمراء عصره وعلمائه.
لقي الشيخ حبيب العجمي معروفا الكرخي في أواخر عصره فوجده القادر على حمل أسرار الطريقة بالرغم من صغر سنه وحداثة اسلامه على يد الإمام علي الرضا ، المرشد العلوي في ذلك الزمان والذي بالرغم من سنه أيضاً إلا أنه كان حجة لا يضاهى الاقناع ويهابه الكثير من علماء وقته ، ورث الأخلاق النبوية والأنوار المحمدية من آباءه واجداده .
قال أبو سليمان الداراني: ورث داود الطائي من أمه دارا فكان يتنقل في بيوت الدار كلما تخرب بيت من الدار انتقل منه إلى ءاخر ولم يعمره، حتى أتى على عامة بيوت الدار.
قال يوسف بن سباط: ورث داود الطائي عشرين ديناراً فأكلها في عشرين سنة.
وهذه رواية تحدثنا عن نقطة التحول وعن سبب تصوف الإمام داود الطائي وزهده يرويها صاحب الحلية بسنده عن سيدي أحمد بن أبي الحواري تلميذ سيدي أبي سليمان الدارني إذ قال : حدثني بعض أصحابنا قال :- إنما كان سبب داود الطائي – أي سبب زهده وتصوفه – أنه كان يجالس الإمام أبا حنيفة وكان من أكابر أصحاب الإمام أبو حنيفة النعمان وقد أخذ عنه الفقه واحكمه حتى أنه لا تكاد تطرح مسالة في مجلسه الا ويتصدى لها بالإجابة وظل يتزود من معين العلم الفياض حتى صار بحرا خضما فقال له أبو حنيفة : يا أبا سليمان , أما الأداة فقد أحكمناها .فقال داود : فأي شيء بقي ؟ قال : بقى العمل به .
قال : فنازعتني نفسي الى العزلة والوحدة , فقلت لها : حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسألة .
قال : فكان يجالسهم سنة قبل أن يعتزل .
وكان يقول :فكانت المسألة تجيء وأنا أشد شهوة للجواب فيها من العطشان الى الماء فلا أجيب فيها . قال : فاعتزلتهم بعد .
من تلك الواقعة ينكشف لنا ان نقطة التحول كانت لفتة كريمة من الإمام أبي حنيفة لسيدي داود .
ولم يعتزل سيدي داود دروس العلم ومجالس التفقه والدرس ألا بعد ان أصبح أماما عظيم الشأن في مختلف ميادين المعرفة وقد شهد له بذلك أساطين العلماء والفقهاء , فقد قال عنه الحافظ الذهبي (رحمه الله : (كان أماما فقيها ذا فنون عديدة ثم تعبد وآثر الخلوة والوحدة وأقبل على شانه وساد اهل زمانه .
ومما يدلك على أنه لم يعتزل حتى غدا عالما فقيها ما رواه الصيمري قال: (قال حفص بن غياث : كان داود الطائي يجالسنا عند أبي حنيفة حتى برع في الرأي ثم رفض ذلك ورفض الحديث وكان قد أكثر منه ولزم العبادة والتوحش من الناس) اهـ.
وفي مدة اعتزاله كان أبو حنيفة يزوره كما رأيته عند القاضي الصيمري مسندا قال: (أخبرنا عمر بن إبراهيم المقرئ قال ثنا مكرم بن أحمد قال ثنا عبدالصمد بن عبيد الله عن الفضل بن يوسف قال ثنا محمد بن عمران الربعي قال حدثني محمد بن سويد الطائي قال رأيت داود الطائي يغدو ويروح إلى أبي حنيفة ثم رأيته قد تخلى وترك الناس فرأيت أبا حنيفة قد جاءه زائرا له غير مرة)اهـ.
وقال عنه الامام سفيان بن عينية : كان داود ممن فقه ثم علم ثم عمل.
وقد كان سيدي داود من رواة الحديث النبوي الشريف الثقات وأحد من زخرت بأسانيدهم أمهات كتب السنة والمراجع الحديثية الشريفة , وقد روى الإمام أبو نعيم في الحلية للإمام داود نيفا وعشرين حديثا من مروياته وتحدث عن إسناده قائلا : ( أسند داود بن نصير الطائي عن جماعة من التابعين منهم عبد الله بن عمير وإسماعيل بن أبي خالد , وحميد الطويل , وأكثر روايته عن الأعمش أروى الناس عن داود بن صعب بن المقدام وروى عنه إسماعيل بن علية وزافر بن سليمان) .
ومما ذكره الحافظ أبو نعيم من مسانيد الإمام الطائي ما رواه بسنده عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله تعالى عليه و سلم انه قال : إن لكل نبي دعوة مستجابة , وأني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي .
وقيل: حجم جنيد الحجام داود الطائي، فأعطاه ديناراً، فقيل له: هذا إسراف. فقال: لا عبادة لمن لا مروءة له.
وكان يقول بالليل: الهي همُّك عطَّل علي الهموم الدنيوية، وحلل بين وبين الرقاد.
وقالت دايةُ داود الطائي له أما تشتهي الخبز؟ فقال: بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءةُ خمسين آية.
ولما توفي داود رآه بعض الصالحين في المنام وهو يعدو فقيل له: مالك؟ فقال: الساعة تخلَّصت من السجن. فاستيقظ الرجل من منامه، فارتفع الصياح بقول الناس: مات داود الطائي.
وقال له رجل: أوصني. فقال له : عسكر الموتِ ينتظرونك.
ودخل بعضهم عليه، فرأى جرة ماء انبسطت عليها الشمس، فقال له: ألا تحولها إلى الظل؟ فقال: حين وضعتها لم يكن شمس، وأنا أستحي أن يراني الله أَمشي لما فيه حظُّ نفسي.
ودخل عليه بعضهم، فجعل ينظر إليه، فقال: أما علمت أنهم كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام.
قال أبو أسامة : جئت أنا وابن عيينة إليه ، فقال : قد جئتماني مرة ، فلا تعودا .
وقيل : كان إذا سلم من الفريضة ، أسرع إلى منزله .
قال له رجل : أوصني . قال : اتق الله ، وبر والديك ، ويحك ! صم الدنيا ، واجعل فطرك الموت ، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم. وعنه قال : كفى باليقين زهدا ، وكفى بالعلم عبادة ، وكفى بالعبادة شغلا .
قال أبو نعيم : رأيت داود الطائي ، وكان من أفصح الناس ، وأعلمهم بالعربية ، يلبس قلنسوة طويلة سوداء
وروى عن : عبد الملك بن عمير ، وحميد الطويل ، وهشام بن عروة وسليمان الأعمش ، وجماعة .
حدث عنه : ابن علية ، وزافر بن سليمان ، ومصعب بن المقدام ، وإسحاق بن منصور السلولي ، وأبو نعيم ، وآخرون .
وكان من كبار أئمة الفقه والرأي ، برع في العلم بأبي حنيفة ، ثم أقبل على شأنه ، ولزم الصمت ، وآثر الخمول ، وفر بدينه .
وقال إسحاق السلولي : حدثتني أم سعيد ، قالت : كان بيننا وبين داود الطائي جدار قصير ، فكنت أسمع حنينه عامة الليل ، لا يهدأ ، وربما ترنم في السحر بالقرآن ، فأرى أن جميع النعيم قد جمع في ترنمه ، وكان لا يسرج عليه وقال حسن بن بشر : حضرت جنازة داود الطائي ، فحمل على سريرين أو ثلاثة ، تكسر من الزحام .
ومناقب داود كثيرة ، كان رأسا في العلم والعمل ،
ومن كراماته : قال : ماتت امرأة بجواري ولم يكن لها كبير طاعة فقيل لي ياداود : اطلع في قبرها ، فاطلت فرأيت فيه نوراً عظيماً وفرشاً وطيئة وسرراً عالية.
فقلت : بم استوجبت هـذا . فنوديت ، استأنست بنا في سجدتها فأنسناها في وحدتها .
ولم يسمع بمثل جنازته ، حتى قيل : بات الناس ثلاث ليال مخافة أن يفوتهم شهوده مات سنة اثنتين وستين ومائة وقيل : سنة خمس وستين . يقول يونس بن عروة : زحموني في جنازة داود الطائي حتى قطعوا نعلي فذهبت، وسلوا ردائي عن منكبي فذهب، وذلك لكثرة الخلائق والزحام.
قال ابن السماك عند دفن داود رحمه الله:
"يا داود كنت تسهر ليلك إذ الناس ينامون". فقال القوم جميعاً: صدقت.
"وكنت تربح إذا الناس يخسرون" –يعني في أمور الآخرة. فقال الناس جميعاً: صدقت.
"وكنت تسلم إذا الناس يخوضون". فقال الناس جميعاً: صدقت.
حتى عدد فضائله كلها، فقام أبو بكر النهشلي وقد خاف على الناس أن يفتنوا بكثرة تلك الفضائل، وأراد أن يذكرهم بأن العبد مهما صلحت حاله، فقير لفضل الله تعالى ورحمته وإحسانه، فحمد الله ثم قال: يارب إن الناس قد قالوا ما عنده مبلغ ما علموا، فاغفر له برحمتك ولا تكله إلى عمله.
داود الطائي : كان من أصحاب أبي حنيفة ثم غلب عليه الزهد فاشتغل به, [وتوفي داود سنة 162].
- طبقات الفقهاء / لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.
دَاوُد بن نصير الطاي أَبُو سُلَيْمَان الْكُوفِي الإِمَام الرباني كَانَ مِمَّن درس الْفِقْه وَغَيره من الْعُلُوم ثمَّ اخْتَار بعد ذَلِك الْعُزْلَة كَانَ محَارب بن دثار يَقُول لَو كَانَ دَاوُد فى الإمم الْمَاضِيَة لقص الله علينا من خَبره وَكَانَ ابْن الْمُبَارك يَقُول وَهل الْأَمر إِلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ دَاوُد وَكَانَ سَبَب انْقِطَاعه عَن النَّاس أَنه مر يَوْمًا بِامْرَأَة عِنْد الْمَقَابِر تَقول يَا يحيى لَيْت شعري بِأَيّ خديك بدا البلا قَالَ بكر سُئِلَ دَاوُد عَن الرجل يُصَلِّي فى الْقَمِيص وَهُوَ محلول الأزرار فَقَالَ إِذا كَانَت لحيته كَبِيرَة فَلَا بَأْس بِهِ مَاتَ سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَة سمع 22الْأَعْمَش وَابْن أبي ليلى وروى عَنهُ ابْن عُيَيْنَة وَابْن علية وَوَثَّقَهُ يحيى بن معِين وروى لَهُ النَّسَائِيّ قَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا ابْن أبي عمرَان أَنبأَنَا مُحَمَّد بن مَرْوَان الْخفاف قَالَ سَمِعت إِسْمَعِيل بن حَمَّاد ابْن أبي حنيفَة يَقُول قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن كنت آتِي دَاوُد الطَّائِي فى بَيته فأسأله عَن المسئلة فَإِن وَقع فى قلبه أَنَّهَا مِمَّا أحتاج إِلَيْهِ لأمر ديني أجابني فِيهَا وَإِن وَقع فى قلبه أَنَّهَا من مسائلنا هَذِه تَبَسم فى وَجْهي وَقَالَ إِن لنا شغلا إِن لنا شغلا
الجواهر المضية في طبقات الحنفية - عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي محيي الدين الحنفي.
داود بن نصير الطائي، أبو سليمان:
من أئمة المتصوفين. كان في أيام المهدي العباسي. أصله من خراسان، ومولده بالكوفة. رحل إلى بغداد، فأخذ عن أبي حنيفة وغيره، وعاد الى الكوفة، فاعتزل الناس، ولزم العبادة إلى أن مات فيها. قال أحد معاصريه: لو كان داود في الأمم الماضية لقص الله تعالى شيئا من خبره. وله أخبار مع أمراء عصره وعلمائه .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ الإمام الزاهد أبو سليمان داود بن نُصَير الطَّائي الكُوفي الحنفي، المتوفى بالكوفة سنة خمس وستين ومائة وقيل ست. سمع الأعمش وغيره وروى عنه إسمعيل بن عُلَيَّة وغيره، درَّس الفقه وغيره من العلوم مدة ثم اختار العزلة والانفراد ولزم العبادة واجتهد فيها إلى آخر عمره. وكان يختلف إلى أبي حنيفة، وروي أنه لم يكن في مجلس أبي حنيفة أرفع صوتا من داود. وكان يعيش بثلاثمائة درهم عشرين سنة، وورث من أبيه دنانير، فكان يتقوتها حتى كُفِّن بآخرها. وكان حافظاً لكتاب الله وسنة رسول الله والآثار والفقه والنحو والشعر وأيام الناس.
قال ابن عدي: صام داود أربعين سنة، ما علم به أهله. كان خزّازاً وكان يحمل غداه معه ويتصدق به.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.
أبي سليمان داود بن نضر الطائي الكوفي ولد بعد المائة بسنوات ،مات سنة اثنين وستين ومئة ، ينظر:سير اعلام :7/29.ووفيات الاعيان :2/259