أحمد بن محمد بن القاسم أبي علي الروذباري

أبي علي الروذباري

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة322 هـ
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةمصر - مصر
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق
  • مصر - مصر

نبذة

أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي واسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم ابْن مَنْصُور بن شهريار بن مهرذاذاز بن فرغدد بن كسْرَى كَذَا ذكره لي عبد الله بن عَليّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن عَطاء الرُّوذَبَارِي يَقُول ذَلِك وَهُوَ من أهل بَغْدَاد سكن مصر وَصَارَ شيخها وَمَات بهَا صحب أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد وَأَبا الْحُسَيْن النوري وَأَبا حَمْزَة وحسنا المسوحي وَمن فِي طبقتهم من مَشَايِخ بَغْدَاد وَصَحب بِالشَّام ابْن الْجلاء وَكَانَ عَالما فَقِيها عَارِفًا بِعلم الطَّرِيقَة حَافِظًا للْحَدِيث توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة كَذَلِك ذكره لي الْحُسَيْن بن أَحْمد الرَّازِيّ وَأسْندَ الحَدِيث

الترجمة

أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي واسْمه أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم ابْن مَنْصُور بن شهريار بن مهرذاذاز بن فرغدد بن كسْرَى

كَذَا ذكره لي عبد الله بن عَليّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن عَطاء الرُّوذَبَارِي يَقُول ذَلِك وَهُوَ من أهل بَغْدَاد سكن مصر وَصَارَ شيخها وَمَات بهَا صحب أَبَا الْقَاسِم الْجُنَيْد وَأَبا الْحُسَيْن النوري وَأَبا حَمْزَة وحسنا المسوحي وَمن فِي طبقتهم من مَشَايِخ بَغْدَاد وَصَحب بِالشَّام ابْن الْجلاء وَكَانَ عَالما فَقِيها عَارِفًا بِعلم الطَّرِيقَة حَافِظًا للْحَدِيث
توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وثلاثمائة كَذَلِك ذكره لي الْحُسَيْن بن أَحْمد الرَّازِيّ وَأسْندَ الحَدِيث
أخبرنَا أَبُو الْفضل نصر بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الطوسي قَالَ حَدثنَا قسيم بن أَحْمد غُلَام الرقَاق حَدثنَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي الصُّوفِي حَدثنَا يُوسُف حَدثنَا الْحُسَيْن بن نصر عَن وَرْقَاء عَن أبي نجيح عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} النَّحْل 50 ذَاك مَخَافَة الإجلال
أخبرنَا أَبُو الْفضل قَالَ حَدثنَا قسيم قَالَ حَدثنَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي حَدثنَا مَسْعُود بن مُحَمَّد بن مَسْعُود الرَّمْلِيّ حَدثنَا عمرَان بن هَارُون الصُّوفِي حَدثنَا سليم بن حَيَّان عَن دَاوُد عَن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِن الله تَعَالَى ليعمر بالقوم الديار وَيكثر لَهُم الْأَمْوَال وَمَا نظر إِلَيْهِم مُنْذُ خلقهمْ بغضا قيل يَا رَسُول الله وَكَيف ذَلِك قَالَ بصلتهم أرحامهم
سَمِعت عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي وَسُئِلَ عَن الْإِشَارَة فَقَالَ الْإِشَارَة الْإِبَانَة عَمَّا يتضمنه الوجد من الْمشَار إِلَيْهِ لَا غير وَفِي الْحَقِيقَة إِن الْإِشَارَة تصحبها الْعِلَل والعلل بعيدَة من عين الْحَقَائِق
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي وَسُئِلَ عَن المريد وَالْمرَاد فَقَالَ المريد الَّذِي لَا يُرِيد لنَفسِهِ إِلَّا مَا اراد الله لَهُ وَالْمرَاد لَا يُرِيد من الكونين شَيْئا غَيره
سَمِعت ابا الْقَاسِم الدِّمَشْقِي يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي يَقُول الصول على من دُونك ضعف وعَلى من فَوْقك قحة
وسمعته يَقُول سُئِلَ أَبُو عَليّ عَمَّن يسمع الملاهي وَيَقُول هِيَ لي حَلَال لِأَنِّي قد وصلت إِلَى دَرَجَة لَا يُؤثر فِي اخْتِلَاف الْأَحْوَال فَقَالَ نعم قد وصل لعمري وَلَكِن إِلَى سقر
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي وَسُئِلَ عَن التصوف يَقُول هَذَا مَذْهَب كُله جد فَلَا تخلطوه بِشَيْء من الْهزْل
سَمِعت أَبَا بكر الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي يَقُول فضل الْمقَال على الفعال منقصة وَفضل الفعال على الْمقَال مكرمَة
سَمِعت أَبَا نصر الطوسي يَقُول سَمِعت أَبَا سعيد الكازروني يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي يَقُول لَا رضى لمن لَا لَا يصبر وَلَا كَمَال لمن لَا يشْكر وَبِاللَّهِ وصل العارفون إِلَى محبته وشكروه على نعْمَته
سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله الرُّوذَبَارِي يَقُول قَالَ لي خَالِي أَبُو عَليّ لَو تكلم أهل التَّوْحِيد بِلِسَان التَّجْرِيد لما بَقِي محق إِلَّا مَاتَ

سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس النسوي يَقُول سَمِعت أَحْمد بن عَطاء يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد الزقاق قَالَ سَأَلت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي عَن التَّوْبَة فَقَالَ الِاعْتِرَاف والندم والإقلاع
أَنْشدني أَحْمد بن عَليّ بن جَعْفَر قَالَ أَنْشدني إِبْرَاهِيم بن فاتك لأبي عَليّ الرُّوذَبَارِي
(روحي إِلَيْك بكلها قد أَجمعت ... لَو أَن فِيك هلاكها مَا أقلعت)
(تبْكي إِلَيْك بكلها عَن كلهَا ... حَتَّى يُقَال من الْبكاء تقطعت)
(فَانْظُر إِلَيْهَا نظرة بتعطف ... فلطالما متعتها فتمتعت)
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الرُّوذَبَارِي يَقُول والاهم قبل أفعالهم وعاداهم قبل أفعالهم ثمَّ جازاهم بأفعالهم
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمراعات للأبصار
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ من نظر إِلَى نَفسه مرّة عمي عَن النّظر بِالِاعْتِبَارِ إِلَى شَيْء من الأكوان
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي مَا ادّعى أحد قطّ إِلَّا لخلوه عَن الْحَقَائِق وَلَو تحقق فِي شَيْء لنطقت عَنهُ الْحَقِيقَة وأغناه عَن الدعاوي
سَمِعت عَليّ بن سعيد يَقُول سَمِعت عبد السَّلَام المخرمي يَقُول أَنْشدني أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي لنَفسِهِ بك كتمان وجده بك عَنهُ ... لَك مِنْهُ وَعنهُ مَا لَك مِنْهُ)
(من إِذا لَاحَ لائح لمشوق ... هام وجدا إِن لم تكنه)
(وَإِذا أفل الأفول ببين ... بَان عَنهُ فَبَان إِن لم تبنه)

 (يَا فَتى الْحبّ بل يَا فَتى الْحق سري ... عَنْك مستودع لديك فصنه)
سَمِعت أَبَا بكر الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت ابا عَليّ الرُّوذَبَارِي يَقُول أَنْفَع الْيَقِين مَا عظم الْحق فِي عَيْنَيْك وَصغر مَا دونه عنْدك وَأثبت الْخَوْف والرجاء فِي قَلْبك
قَالَ وَسمعت أَبَا عَليّ يَقُول مَا أظهر من نعمه دَلِيل على مَا أبطن من كرمه
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ يَقُول من الاغترار أَن تسيء فَيحسن إِلَيْك فَتتْرك الْإِنَابَة وَالتَّوْبَة توهما أَنَّك تسَامح فِي الهفوات وَترى أَن ذَلِك فِي بسط الْحق لَك
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ كَيفَ تشهده الاشياء وَبِه فنيت بذواتها عَن ذواتها أم كَيفَ غَابَتْ الْأَشْيَاء عَنهُ وَبِه ظَهرت وبصفاته فسبحان من لَا يشهده شَيْء وَلَا يغيب عَنهُ شَيْء
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ تشوقت الْقُلُوب إِلَى مُشَاهدَة ذَات الْحق فألقيت إِلَيْهَا الْأَسَامِي فركنت إِلَيْهَا والذات مستترة إِلَى أَوَان التجلي وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى فَادعوهُ بهَا} أَي وقفُوا مَعهَا عَن إِدْرَاك الْحَقَائِق
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ أظهر الْحق الاسامي وأبداها لِلْخلقِ ليسكن بهَا شوق المحبين إِلَيْهِ وتأنس بهَا قُلُوب العارفين لَهُ
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ أَبُو عَليّ أستاذي فِي التصوف الْجُنَيْد وأستاذي فِي الْفِقْه أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وأستاذي فِي الْأَدَب ثَعْلَب وأستاذي فِي الحَدِيث إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ

طبقات الصوفية - لأبو عبد الرحمن السلمي.

 

أبي عَلَى أَحْمَد بْن مُحَمَّد الروذباري بغدادي أقام بمصر وَمَاتَ بِهَا سنة اثنين وعشرين وثلاث مائة صحب الجنيد والنوري وابن الجلاء، والطبقة، أظرف المشايخ، وأعلمهم بالطريقة.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي رحمه اللَّه يَقُول: سمعت أبا القاسم الدمشقي يَقُول: سئل أبي عَلَى الروذباري عمن يسمع الملاهي وَيَقُول: هِيَ لي حلال لأني وصلت إِلَى درجة لا تؤثر فِي اختلاف الأحوال فَقَالَ: نعم قَدْ وصل ولكن إِلَى سقر.
وسئل عَنِ التصوف فَقَالَ: هَذَا مذهب كُلهُ جد فلا تخلطوه بشيء من الهزل، سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن رحمه اللَّه يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت أبا عَلِيّ الروذباري يَقُول: من علامة الاغترار أَن تسئ فيحسن اللَّه إليك فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح فِي الهفوات وترى أَن ذَلِكَ من بسط الحق لَك، وَقَالَ: كَانَ أستاذي فِي التصوف الجنيد، وَفِي الفقه أبي الْعَبَّاس بْن سريج، وَفِي الأدب ثعلب، وَفِي الْحَدِيث إِبْرَاهِيم الحربي.

الرسالة القشيرية.   لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري.
 

 

محمد بن أحمد بن القاسم، أبو علي الروذباري  :
من كبار الصوفية. سكن مصر، وكان من أهل الفضل والفهم، وله تصانيف حسان في التصوف نقلت عنه فأخبرنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَن إِسْمَاعِيل بْن أَحْمَد الحيري قال: أنبأنا محمد بن الحسين أَبُو عَبْد الرَّحْمَن السلمي. قَالَ: أَبُو علي الروذباري الحسن بن همام ويقال أحمد بن محمد قال: وهذا أصح. أصله بغدادي كان من أبناء الرؤساء وصار شيخ الصوفية ورئيسهم بها.
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن سمعت عَبْد اللَّهِ بْن علي يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول: كان اسم خالي أبو عَلِيّ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن القَاسِم بْن منصور بْن شهريار بْن مهرذاذاز بن فرغدذ بن كسرى.
قال الشيخ أبو بكر: ولا أشك أن الذي حكى عن أحمد بن عطاء هو الواهم في اسم أبي علي، وذلك أن اسمه: محمد بن أحمد بن القاسم، ذكره غير واحد، وحكت عنه أخته أم سلمة فاطمة بنت أحمد، وزوجته أم اليمن عزيزة بنت محمّد ابن عمرو بن فارس.
وَحَدَّثَنِي محمد بن علي الصوري. قَالَ: رأيت أجزاء بخط أبي علي الروذباري وفي آخرها مكتوب: وكتب محمد بن أحمد بن القاسم. علي أن شهرة اسمه تغني عن الاستشهاد بما ذكرته.
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن أحمد الحيري قال أنبأنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ سمعتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا يَقُولُ: سمعت أَحْمَد بْن عطاء يقول: كَانَ خالي يتفقه بالحديث؛ ويفتي بالمقاطيع.
وقَالَ سمعتُ أَحْمَد بْن مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا يَقُولُ سمعت أبا عبد الله الروذباري يقول قَالَ لي أبو أحمد الرندي الحافظ: ما رأينا أحفظ من خالك أبي علي.
قرأت على مُحَمَّد بن أَبِي الْحَسَن الساحلي عَنْ أَبِي الْعَبَّاس أَحْمَد بن مُحَمَّد النسوي قَالَ: سمعت أحمد بن أحمد الرازي يقول سمعت محمد بن عمر الجعابي الحافظ يقول: قصدت عبدان الأهوازي فقصدت مسجده، فرأيت شيخا وحده قاعدا في المسجد ربعا حسن الشيبة عليه كساء بركان حسن، فذاكرني بأكثر من مائتي حديث في الأبواب، وكنت قد سلبت في الطريق فأعطاني الذي كان عليه، فلما دخل عبدان المسجد ورآه اعتنقه وبش به، فقلت لهم: من هذا الشيخ؟ قالوا: هذا أبو علي الروذباري، ثم كان له معاودة في الحديث، فرأيت من حفظه للحديث ما تعجبت.
وَقَالَ لي محمد بن أبي الحسن: بلغني عن أبي علي الروذباري أنه قَالَ: أستاذي في الصّوفيّة الجنيد، وأستاذي في الحديث والفقه إبراهيم الحربي، وأستاذي في النحو أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْفَتْحِ الْحَرْبِيُّ قَالَ أنبأنا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن النيسابوري قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عثمان المغربي يقول: كان ابن الكاتب إذا ذكر الروذباري. يقول: سيدنا أبو علي. فقيل له في ذلك فقال: لأنه ذهب من علم الشريعة إلى علم الحقيقة، ونحن رجعنا من علم الحقيقة إلى علم الشريعة.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن الواعظ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن عطاء الروذباري بصور الساحل قَالَ: كان خالي أبو علي قد خرج من القرافة يريد الجامع. فإذا بأصحاب الحديث قد خرجوا من عند رجل قد كتبوا عنه. فقال لهم: يا أصحاب الحديث جعلكم الحديث حديثا.
أَخْبَرَنَا إسماعيل الحيري قَالَ أنبأنا أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن قَالَ سمعت سعيد بن سلام المغربي يقول سمعت أبا علي الكاتب يقول: ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة والحقيقة من أبي علي الروذباري.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا محمّد بن الحسين السلمي قال نا أَبُو الْفَضْلِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ قال نا قسيم بن أحمد غلام الزقاق قال نا أبو على الروذباري الصّوفيّ قال نا أبو عبد الله بن بحر قال نا الحسين بن نصر قال نا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
. قَالَ: مَخَافَةَ الإِجْلالِ.
أَخْبَرَنِي أَبُو عَلِيّ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدِ بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النيسابوري بالري قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن سعيد السرخسي ببخارى يقول:
سئل أبو علي الروذباري فقيل له: من الصوفي؟ فقال: من لبس الصوف على الصفا، وسلك طريق المصطفى، وأطعم الهوى ذوق الجفا، وكانت الدنيا منه على القفا.
أنشدنا أحمد بن الحسين الواعظ قَالَ أنشدنا أبو الفرج الورثاني الصوفي قَالَ أنشدني محمد بن عبد العزيز الصوفي قَالَ أحمد بن الحسين- وقد رأيته ولم أسمع منه- قَالَ أنشدني أبو علي الروذباري:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال المحرما
وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه ... على جامد الصلت الأصم تهدما
ويظهر سري عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاس الطرف عنه تكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما إن أرى حبا صحيحا مسلما
أَخْبَرَنَا القاضي أبو الطيب الطبري قَالَ أنشدنا أبو علي محمد بن عمر البلخي قَالَ أنشدنا أبو علي الروذباري الصوفي لنفسه بصور:
أهلا بمن زار فما وارد ... أحق بالإكرام من زائر
ونحن لا نسأم من أمنا ... ونضمر الحزن على السائر
أنشدني أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ الطَّيِّبِ الدسكري بحلوان للروذباري:
ولو مضى الكل مني لم يكن عجبا ... وإنما عجبي للبعض كيف بقي
أدرك بقية روح فيك قد تلفت ... قبل الفراق فهذا آخر الرمق
حَدَّثَنَا أَبُو نصر إِبْرَاهِيم بْن هبة اللَّه بْن إبراهيم الجرباذقاني بها قال نبأنا أبو منصور معمر بْن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن زِيَاد الأصبهاني قَالَ بلغني عن أبي علي الروذباري أنه قَالَ: أنفقت على الفقراء كذا وكذا ألفا فما وضعت شيئا في يد فقير فإني كنت أضع ما أدفع إلى الفقراء في يدي فيأخذونه من يدي حتى تكون يدي تحت أيديهم، ولا تكون يدي فوق يد فقير.
حَدَّثَنِي محمد بن أبي الحسن قَالَ أَخْبَرَنِي أبو الحسن محمد بن العباس بن عبد الملك المعدل بصور قال نا أبو القاسم عبد السلام بن محمد المخرمي بمكة قَالَ أنشدنا أبو علي محمد بن أحمد الروذباري لنفسه:
إني أجلك عن روحي وأبذلها ... فداء عبدك حال أنت واهبها
وكيف تفديك روح أنت تملكها ... وقد مننت على من يفتديك بها

قَالَ: وأنشدنا أبو علي الروذباري لنفسه أيضا:
لو كل جارحة مني لها لغة ... تثني عليك بما أوليت من حسن
لكان ما زال شكري إذ أشرت به ... إليك أجمل في الإحسان والمنن
أبو القاسم عبد السلام بن محمد قَالَ أنشدني أبو علي الروذباري لنفسه:
كم نعمنا بغلة الأشجان ... وجرينا مع الهوى في عنان
ونسيم للأنس في ظل عيش ... تحت سجف من لحظ طرف الزمان
بك تاج الوفاء بالود لاحت ... فيه أنوار بهجة الإحسان
أَخْبَرَنَا إسماعيل بن أحمد الحيري قال نا محمد بن الحسين السلمي قَالَ سمعت الحسين بن أحمد يقول: توفي أبو علي الروذباري سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. قَالَ محمد وذكر أبو زرعة الطبري أنه مات سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

أبي علي الروذباري:
شَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ.
قِيْلَ: اسْمُهُ: أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ مَنْصُوْرٍ. وَقِيْلَ: اسْمُهُ حَسَنُ بنُ هَارُوْنَ.
سَكَنَ مِصْرَ، صَحِبَ: الجُنَيْدَ، وَأَبَا الحُسَيْنِ النُّوْرِيَّ، وَأَبَا حَمْزَةَ البَغْدَادِيَّ، وَابْنَ الجَلاَّءِ.
وَحَدَّثَ عَنْ: مَسْعُوْدٍ الرَّمْلِيِّ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ: أُسْتَاذِي فِي الفِقْهِ: ابْنُ سُرَيْجٍ، وَفِي الأَدَبِ: ثَعْلَبٌ، وَفِي الحَدِيْثِ: إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ.
وَعَنِ الجِعَابِيِّ قَالَ: رَحَلَتُ إِلَى عَبْدَانَ، فَأَتَيتُ مَسْجِدَه، فَوَجَدْتُ شَيْخاً، فَكَلَّمتُهُ، فَذَاكَرَنِي بِأَكْثَرَ مِنْ مائَتَي حَدِيْثٍ فِي الأبياب، وكنت قد سُلِبْتُ فِي الطَّرِيْقِ، فَأَعطَانِي مَا عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدَانُ المَسْجَدَ، اعْتَنَقَهُ، وَبَشَّ بِهِ، فَقُلْتُ لَهُم: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا أبي عَلِيٍّ الروذباري.
قِيْلَ: سُئِلَ أبي عَلِيٍّ عَمَّنْ يَسْمَعُ المَلاَهِي وَيَقُوْلُ: هِيَ حَلاَلٌ لِي؛ لأَنِّي قَدْ وَصَلتُ إِلَى رُتْبَةٍ لاَ يُؤَثِّرُ فِيْهِ اخْتِلاَفُ الأَحْوَالِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ وَصَلَ، وَلَكِنْ إِلَى سَقَرَ.
وَقَالَ: أَنْفَعُ اليَقِيْنِ مَا عَظَّمَ الحَقَّ فِي عَيْنِكَ، وَصَغَّرَ مَا دُوْنَهُ عِنْدَكَ، وَثَبَّتَ الرَّجَاءَ وَالخَوْفَ فِي قَلْبِكَ.
قَالَ أبي عَلِيٍّ الكَاتِبُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَجْمَعَ لِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَالحَقِيْقَةِ مِنْ أَبِي عَلِيٍّ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَطَاءٍ الرُّوْذبَارِيُّ: كَانَ خَالِي أبي عَلِيٍّ يُفْتِي بِالحَدِيْثِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخَذَ عَنْهُ: ابْنُ أُخْتِهِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الوَجِيْهِيُّ، وَمَعْرُوْفٌ الزنجاني، وآخرون.

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

 

أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن شهريار الشَّيْخ أَبِي علي الروذباري
أحد أَئِمَّة الصُّوفِيَّة
وَاخْتلف فى اسْمه وَالأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ وإياه أورد الشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى والأستاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح
وَقيل الْحسن بن همام
وَقَالَ الْخَطِيب وَابْن السمعانى مُحَمَّد بن أَحْمد
وروذبار بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو والذال الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وفى آخرهَا الرَّاء
كَانَ هَذَا الشَّيْخ بغدادى الأَصْل من أَبنَاء الوزراء والرؤساء والكتبة يتَّصل نسبه بكسرى أنوشروان
صحب فى التصوف الشَّيْخ الْجُنَيْد وفى الْفِقْه ابْن سُرَيج وفى النَّحْو ثعلبا وفى الحَدِيث إِبْرَاهِيم الحربى وَكَانَ يفتخر بمشايخه هَؤُلَاءِ
أَقَامَ بِمصْر وَصَارَ شيخها
وَكَانَ فَقِيها مُحدثا روى عَن مَسْعُود الرملى وَغَيره
روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان الرازى وَغَيره
قَالَ أَبُو على الْكَاتِب مَا رَأَيْت أحدا أجمع لعلم الشَّرِيعَة والحقيقة من الروذبارى
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى أظرف الْمَشَايِخ وأعلمهم بالطريقة
توفى سنة اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاث وَعشْرين وثلاثمائة

وَمن كَلَامه وفوائده
قَالَ فى حد الصوفى إِنَّه من لبس الصُّوف على الصَّفَا وسلك طَرِيق الْمُصْطَفى وَأطْعم الْهوى ذوق الجفا وَكَانَت الدُّنْيَا مِنْهُ على الْقَفَا
وَقَالَ أَنْفَع الْيَقِين مَا عظم الْحق فى عَيْنك وَصغر مَا دونه عنْدك وَأثبت الرَّجَاء وَالْخَوْف فى قَلْبك
وَسُئِلَ عَمَّن يسمع الملاهى وزعمها حَلَالا لَهُ وَقَالَ لأنى وصلت إِلَى دَرَجَة لَا يُؤثر فى اخْتِلَاف الْأَحْوَال
فَقَالَ نعم قد وصل لعمرى وَلَكِن إِلَى سقر
قلت وَقد توصل من حكى هَذِه الْحِكَايَة إِلَى دَعْوَى أَنه كَانَ لَا يرى السماع وَالْأَظْهَر عندى فى معنى قَوْله أَنه أنكر من هَذَا الْقَائِل إِظْهَاره الْوُصُول إِلَى هَذِه الدرجَة فَإِن الْوَاصِل إِلَى هَذِه الدرجَة لَا يتظاهر بذلك إِلَّا عَن إِذن وَلَيْسَ مُرَاد الروذبارى تَحْرِيم السماع وَلَا إِنْكَار أَن بعض النَّاس لَا يُؤثر فِيهِ اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَكَيف يكون ذَلِك وَمن كَلَام الروذبارى أَيْضا السماع مكاشفة الْأَسْرَار إِلَى مُشَاهدَة المحبوب أسْندهُ عَنهُ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم فى الرسَالَة
وَعَن الروذبارى جزت بقصر فَرَأَيْت شَابًّا حسن الْوَجْه مطروحا وَحَوله نَاس فَسَأَلت عَنهُ فَقَالُوا إِنَّه جَازَ بِهَذَا الْقصر وَجَارِيَة تغنى
(كَبرت همة عبد ... طمعت فى أَن تراكا)
(أَو مَا حسب لعينى ... أَن ترى من قد رآكا)
أسْندهُ القشيرى أَيْضا عَنهُ

وَعَن فَاطِمَة أُخْت أَبى على الرُّوذَبَارِي قَالَت لما قرب أجل أخى أَبى على وَكَانَ رَأسه فى حجرى فتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ هَذِه أَبْوَاب السَّمَاء فتحت وَهَذِه الْجنان قد زينت وَهَذَا قَائِل يَقُول لى يَا أَبَا على قد بلغناك الرُّتْبَة القصوى وَإِن لم تردها ثمَّ أنْشد يَقُول
(وحقك لَا نظرت إِلَى سواكا ... بِعَين مَوَدَّة حَتَّى أراكا)
(أَرَاك معذبى بفتور لحظ ... وبالخد المورد من جناكا)
ثمَّ قَالَ يَا فَاطِمَة الأول ظَاهر والثانى فِيهِ إِشْكَال
كَذَا أورد الْحِكَايَة القشيرى وَغَيره
وَمَا أحسن إشكاله الثانى وَلَيْسَ هُوَ عِنْد التَّحْقِيق بمشكل وَلكنه وَالله أعلم استقصر عقول النِّسَاء عَن دركه وخشى عَلَيْهِنَّ غائلة أَن يفهمن أَن الْأَمر على ظَاهره
وَعَن الروذبارى رَأَيْت فى الْبَادِيَة حَدثا فَلَمَّا رآنى قَالَ أما يَكْفِيك أَنه شغفنى بحبه حَتَّى علنى ثمَّ رَأَيْته يجود بِرُوحِهِ فَقلت لَهُ قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَنْشَأَ يَقُول
(أيا من لَيْسَ لى عنة ... وَإِن عذبنى بُد)
(وَيَا من نَالَ من قلبى ... منالا مَا لَهُ حد)
وَعنهُ قدم علينا فَقير فَمَاتَ فدفنته وكشفت عَن وَجهه لأضعه فى التُّرَاب ليرحم الله غربته فَفتح عَيْنَيْهِ وَقَالَ يَا أَبَا على أتذللنى بَين يدى من دللنى فَقلت لَهُ يَا سيدى أحياة بعد موت فَقَالَ بل أَنا حى وكل محب لله حى لأنصرنك غَدا بجاهى يَا روذبارى
وَعنهُ من الاغترار أَن تسئ فَيحسن إِلَيْك فَتتْرك الْإِنَابَة توهما أَنَّك تسَامح فى الهفوات وَترى أَن ذَلِك من بسط الْحق لَك

وَعنهُ المريد الذى لَا يُرِيد لنَفسِهِ إِلَّا مَا أَرَادَ الله لَهُ وَالْمرَاد لَا يُرِيد من الكونين شَيْئا غَيره
وَقَالَ الصول على من دُونك ضعف وعَلى من فَوْقك قحة
وَقَالَ التَّوْبَة الِاعْتِرَاف والندم والإقلاع
وَأنْشد لنَفسِهِ
(روحى إِلَيْك بكلها قد أَجمعت ... لَو أَن فِيك هلاكها مَا أقلعت)
(تبكى إِلَيْك بكلها عَن كلهَا ... حَتَّى يُقَال من الْبكاء تقطعت)
(فَانْظُر إِلَيْهَا نظرة فلطالما ... متعتها من نعْمَة فتمتعت)
وَقَالَ كَيفَ تشهده الْأَشْيَاء وَبِه فنيت ذواتها عَن ذواتها أم كَيفَ غَابَتْ الْأَشْيَاء عَنهُ وَبِه ظَهرت بصفاته فسبحان من لَا يشهده شئ وَلَا يغيب عَنهُ شئ
وَقَالَ أظهر الْحق الأسامى وأبداها لِلْخلقِ ليسكن بهَا شوق المحبين إِلَيْهِ وتأنس قُلُوب العارفين لَهُ
وَأنْشد لنَفسِهِ
(إِن الْحَقِيقَة غير مَا تتوهم ... فَانْظُر لنَفسك أى حَال تعزم)
(أتكون فى الْقَوْم الَّذين تَأَخَّرُوا ... عَن حَقهم أَو فى الَّذين تقدمُوا)
(لَا تخدعن فَتلوم نَفسك حِين لَا ... يجدى عَلَيْك تأسف وتلوم)
وَمن شعر الروذبارى
(لَو كل جارحة منى لَهَا لُغَة ... تثنى عَلَيْك بِمَا أوليت من حسن)
(لَكَانَ مازان شكرى إِذا أشْرب بِهِ ... إِلَيْك أجمل فى الْإِحْسَان والمنن)

وَمِنْه
(وَلَو مضى الْكل منى لم يكن عجبا ... وَإِنَّمَا عجبى للْبَعْض كَيفَ بقى)
(أدْرك بَقِيَّة فِيك قد تلفت ... قبل الْفِرَاق فَهَذَا آخر الرمق)
قَالَ أَبُو على التفكر على أَرْبَعَة أوجه فكرة فى آيَات الله وعلامتها تولد الْمحبَّة وفكرة فى وعد الله بثوابه وعلامتها تولد الرَّغْبَة وفكرة فى وعيده تَعَالَى بِالْعَذَابِ وعلامتها تولد الرهبة وفكرة فى جفَاء النَّفس مَعَ إِحْسَان الله وعلامتها تولد الْحيَاء من الله
وَأنْشد
(فَإِن شِئْتُم وَصلى فَذَاك أريده ... وَإِن شِئْتُم هجرى فَذَلِك أوثر)
(أَلَسْت أرى أَهلا بِحَال يسركم ... بذلك أزهو مَا حييت وأفخر)
وَمن شعره أَيْضا
(بك كتمان وجده بك عَنهُ ... لَك مِنْهُ وعنك مَالك مِنْهُ)
(من إِذا لَاحَ مشرقى ... هام وجدا عَلَيْك إِن لم تكنه)
(وَإِذا قَالَ لَا أَقُول ببين ... بَان عَنهُ فَبَان إِن لم تبنه)
(يَا فَتى الْحبّ بل فَتى الْحق سرى ... عَنْك مستودع لديك فصنه)
وَقَالَ مَا ادّعى أحد قطّ إِلَّا لخلوة عَن الْحَقَائِق وَلَو تحقق فى شئ لنطقت عَنهُ الْحَقِيقَة وأغنته عَن الدَّعْوَى

وَقَالَ كَانَ عندنَا بِبَغْدَاد عشرَة فتيَان مَعَهم عشرَة أَحْدَاث مَعَ كل وَاحِد وَاحِد وَكَانُوا مُجْتَمعين فى مَوضِع فوجهوا وَاحِدًا من الْأَحْدَاث ليَأْخُذ لَهُم حَاجَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِم وغضبوا من تَأْخِيره ثمَّ أقبل وَهُوَ يضْحك وَبِيَدِهِ بطيخة يقلبها ويشمها فَقَالُوا لَهُ احْتبست عَنَّا ثمَّ جئتنا تضحك
فَقَالَ جِئتُكُمْ بفائدة رَأَيْت بشر بن الْحَارِث وضع يَده على هَذِه البطيخة فَلم أزل وَاقِفًا حَتَّى اشْتَرَيْتهَا بِعشْرين درهما أتبرك بِموضع يَده عَلَيْهَا
فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم البطيخة وَجعل يقبلهَا ويضعها على عَيْنَيْهِ فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم بشر كَانَ مَعنا صَاحب عصبية أيش بلغ بِهِ هَذَا كُله حَتَّى تَفعلُوا بِهِ هَذَا
قَالُوا تقوى الله وَالْعَمَل الصَّالح
فَقَالَ أَنا أشهد الله وأشهدكم أَنى تائب إِلَى الله من كل شئ لَا يرضاه منى وَأَنا على حَالَة بشر وطريقته
فَقَالُوا كلهم مثل ذَلِك فتابوا بأجمعهم وَخَرجُوا إِلَى طرسوس وغزوا واستشهدوا كلهم فى مَوضِع وَاحِد
وَأنْشد أَبُو على لنَفسِهِ
(فلاذوا بِهِ من بعد كل نِهَايَة ... لياذ مقرّ بالخضوع مَعَ الْحَد)
(بعجز وتقصير عَن الْوَاجِب الذى ... بِهِ عرفوه للودود من الود)
(وَكَانَ لَهُم بالعز فى غَايَة المنى ... شكُورًا لما أولاه من رتب الْحَمد)
(وَمن بأسرار الذَّخَائِر بَينه ... وَبينهمْ عَن مُضْمر الكتم للجهد)
وروى أَن أَبَا على اتخذ مرّة أحمالا من السكر الْأَبْيَض ودعا بِجَمَاعَة من الحلاوانيين حَتَّى عمِلُوا من السكر جدارا عَلَيْهِ شرافات ومحاريب على أعمدة ونقشوها كلهَا من سكر ثمَّ دَعَا الصُّوفِيَّة حَتَّى هدموها وكسروها وانتهبوها

وَمن كَلَامه المشاهدات للقلوب والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمرايات للأبصار

 

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

 

أَحْمد بن مُحَمَّد [000 - 322] )
ابْن الْقَاسِم بن مَنْصُور بن شهريار، أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي.
يتَّصل نسبه بكسرى، حَكَاهُ أَبُو عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن أَحْمد بن عَطاء.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس النسوي: روذبار قَرْيَة من قرى بَغْدَاد، وَذكره فِي المحمدين، وَقَالَ على مَا فِي النّسخ: مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مَنْصُور، وَقَالَ: بغدادي سكن مصر، وَبهَا مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَثَلَاث مئة، كَانَ من أَوْلَاد الْكتاب، وَكَانَ من أهل الحَدِيث وَالْعلم والعربية، وَكَانَ شيخ الصُّوفِيَّة فِي وقته.

قَالَ: وَكَانَ يحفظ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر أَن لَهُ تصانيف كَثِيرَة.
وَذكر أَبُو الْعَبَّاس النسوي عَن ابْن أُخْته أبي عبد الله الرُّوذَبَارِي قَالَ: كَانَ خَالِي يتفقه بِالْحَدِيثِ، ويغني بالمقاطيع.
وَقَالَ: كَانَ خَالِي يقْرَأ للكسائي رِوَايَة ابْن الْحَارِث، قَرَأَهَا على ابْن مُجَاهِد.
قَالَ: وَفِيمَا ذكره نصر بن مُحَمَّد، عَن أبي عبد الله الرَّازِيّ، سَمِعت مُحَمَّد بن عمر الجعابي الْحَافِظ يَقُول: قصدت عَبْدَانِ الْأَهْوَازِي وقصدت مَسْجده فَرَأَيْت شَيخا وَحده، قَاعِدا فِي الْمَسْجِد، ربعا، حسن الْقَامَة والشيبة، عَلَيْهِ كسَاء تركاني حسن، فذاكرني بِأَكْثَرَ من مئتي حَدِيث فِي الْأَبْوَاب: وَكنت قد سلبت فِي الطَّرِيق، فَأَعْطَانِي الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دخل عَبْدَانِ الْمَسْجِد وَرَآهُ اعتنقه وبش بِهِ، فَقلت لَهُم: من هَذَا الشَّيْخ؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي، ثمَّ كَانَت لَهُ معاودة فِي الحَدِيث فَرَأَيْت من حفظه للْحَدِيث مَا تعجبت مِنْهُ.
وَقَالَ ابْن خَمِيس: كَانَ فَقِيها، حَافِظًا للأحاديث، ظريفا، عَارِفًا بالطريقة، وَكَانَ يفتخر بمشايخه، فَيَقُول: شَيْخي فِي التصوف الْجُنَيْد، وَفِي الْفِقْه أَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج، وَفِي الْأَدَب ثَعْلَب، وَفِي الحَدِيث إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

محمد بن أحمد بن القاسم، أبو علي الروذباري:
فاضل. من كبار الصوفية من أولاد الرؤساء والورزاء. له تصانيف حسان في التصوف. أصله من بغداد. سكن مصر .

-الاعلام للزركلي-

 

أبي علي الرذباري - 322 للهجرة
أبي على أحمد بن محمد الروذبارى البغدادي ثم المصري. مات سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة، وقال السمعاني: سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة.
وروذبار يقال لمواضع عند الأنهار الكبار؛ وهذا الموضع عند طوس كما قال السمعاني؛ وقال الطلحي: " قرية من بغداد ".

صحب الجنيد والنوري وابن الجلاء وغيرهم. كان أظرف المشايخ وأعلمهم بالطريقة، كبير الشأن.
من كلامه: " من الاغترار أن تسيء فيحسن اليك، فتترك الإنابة والتوبة توهماً انك تسامح فى الهفوات، وترى أن ذلك من بسط الحق عليك ".
وقال: " لو تكلم أهل التوحيد بلسان التجريد ما بقى محب إلا مات ".
وأنشد:
نعمى تسر إذا رأتك، وأختها ... تبكى بطول تباعد وفراق
فاحفظ لواحدة أوان سرورها ... وعد التي أبكيتها بتلاقي
وقال: " قدم علينا فقير في يوم عيد، في هيئة رثة، فقال: " هل عندك مكان نظيف، يموت فيه فقير غريب؟ ". فقلت كالمتهاون به: " ادخل ومت حيث شئت؟ ". فدخل فتوضأ وصلى ركعتين، ثم اضطجع ومات. فجهزته، فلما دفنته وكشفت عن وجهه لأضعه في التراب، ليرحم الله غربته، فتح عينيه وقال: " يا أبا على!. أتدللني بين يدي من يدللنى؟! ". فقلت: " يا سيدى! أحياة بعد الموت؟! ". قال: " نعم! أنا حي، وكل محب لله حي، لأنصرنك غداً بجاهي يا روذبارى ".
قالت فاطمة أخته: " لما قربت وفاة أخي كانت رأسه في حجري، ففتح عينيه وقال: هذه أبياب السماء قد فتحت، وهذه الجنان قد زينت، وهذا قائل يقول: يا أبا على! قد بلغناك الرتبة القصوى، وان لم تسالها، وأعطيناك درجة الأكابر وان لم تردها ". وأنشأ يقول:
وحقك لا نظرت إلى سواكا ... بعين مودة حتى أراكا
أراك معذبي بفتور لحظ ... وبالخد المورد من جناكا
ثم قال: " يا فاطمة! الأول ظاهر، والثاني أشكال ".
وقال: " رأيت بالبادية حدثاً، فلما رآني قال: " ما يكفيه أن شغفني بحبه حتى أعلني! ". ثم رأيته يجود بروحه، فقلت له: " قل: لا اله إلا الله! ". فأنشأ يقول:

أيا من ليس لي منه ... وان عذبني بد
ويا من نال من قلبي ... منالاً ما له حد
وقال: " دخلت مصر، فرأيت الناس مجتمعين، فقالوا: كنا في جنازة فتى سمع قائلا يقول:
كبرت همة عين ... طمعت في أن تراكا
أو ما حسب عين ... ان ترى من قد رآكا
قال: فشهق شهقة ومات ".
ومن شعره:
تشاغلتم عنى فكلى أفكر ... لأنكم منى بما بي أخبر
فان شئتم وصلى فذاك أريده ... وان شئتم هجري فذلك أوثر
فلست أرى إلا بحال يسركم ... بذلك أزهو ما حييت وأفخر
ولني على أخت زاهدة مشهورة، وهى والدة أحمد بن عطاء الروذبارى، الآتي ذكره. لها كلام حسن.

حكى عنها أخوها فقال:
" تكلمت يوماً في المروة، فرجعت إلى أختي، فأخبرتني بذلك، وقالت: وقع في نفسي أنها - مع الله - حفظ أسراره، والقيام بما يوصلك أليه. والمروءة مع الخلق الشفقة عليهم، والاحتمال عنهم، ورؤية فضلهم عليك، بمشاهدة نقصانك ". فاستحسنت ذلك منها ".
قلت: واحمد هذا هو أبي عبد الله، شيخ الشام في وقته مات بصور، سنة تسع وستين وثلثمائة.
ومن كلامه: التصوف ينفى عن صاحبه البخل، وكتب الحديث ينفى عن صاحبه الجهل؛ فإذا اجتمعا في شخص فناهيك به نبلاً ".
وأنشد لنفسه:
فما مل ساقيها وما مل شارب ... عقار لحاظ كأسه يذهب اللبا
يدور بها طرف من السحر فاتر ... على جسم نور ضوؤه يخطف القلبا

يقول بلفظ يخجل الصب حسنه: ... تجاوزت يا مشغوف في حالك الحبا
فسكرك من لحظي هو الوجد كله ... وصحوك من لفظي يبيح لك الشربا
وقال: " أقبح من كل قبيح صوفي شحيح ".
وأنشد:
أشرت إلى الحبيب بلحظ طرفي ... فاعرض عن إجاباتي المليح
فقلت: أضاع مذهبه المرجى ... ومزق ذلك العهد الصحيح!
ألم تسمع بألا قبح إلا ... وأقبح منه صوفي شحيح!
وقال: " من خدم الملوك بلا عقل أسلمه الجهل إلى القتل ".
وقال: " أن الخشوع في الصلاة) علامة (فلاح المصلى، قال تعالى:) قد أفلح المؤمنون. الذين هم فى صلاتهم خاشعون (وقال، في قوله تعالى:) أن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا (: " استقاموا بالرضاء، على مر القضاء، والصبر على البلاء، والشكر في النعماء ".
روى أنه دخل يوماً دار بعض أصحابه، فوجده غائباً، ورأى فيه باب بيت مقفل، فقال الأستاذ: " اكسروا القفل " فكسروه؛ وأمر بجميع ما في البيت فباعوه، وأصلحوا بثمنه وقتاً ن وجاسوا في الدار. فدخل صاحب الدار ولم يقل شيئاً، ودخلت زوجته بعده إلى الدار، وعليها كساء، فدخلت بيتاً ورمت بالكساء، وقالت: " يا اصحابنا، هذا من جملة المتاع، فبيعوه! "، فقال لها الزوج: " ما حملك على هذا؟! ". قالت له: " مثل الشيخ يباسطنا، ويحكم علينا، ويبقى بنا شيء ندخره عنه؟! ".
وقال أبي طاهر الرقى: " سمعت أحمد بن عطاء يقول: " كلمني جمل في طريق مكة. رأيت الجمال والمحامل عليها، وقد مدت أعناقها ليلا، فقلت: " سبحان من يحمل عنها ما هي فيه! ". فالتفت جمل وقال: " قل: جل الله ".

وأنشد أحمد هذا:
إذا أنت صاحبت الرجال فكن فتى ... كأنك مملوك لكل رفيق
وكن مثل طعم الماء عذباً وبارداً ... على الكبد الحرى لكل صديق
ومن أصحابه أبي على الحسن بن أحمد الكاتب، أحد مشايخ وقته، من كبار اهل مصر. مات سنة نيف وأربعين وثلثمائة.
من كلامه: " إذا انقطع العبد إلى الله تعالى بكليته، فأول ما يفيد الاستغناء به عن الناس ".
وقال: " صحبة الفساق داء، والدواء مفارقتهم ".
وقال: " إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه ".

وانشد:
إذا ما أسرت انفس الناس ذكره ... تبينته فيهم ولم يتكلموا
تطيب به أنفاسهم فتذيعه ... وهل سر مسك أودع الريح مكتم؟
وأنشد متمثلا:
ولست بنظار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر
وانى لصبار على ما ينوبني ... وحسبك أن الله أثنى على الصبر
وقال: " روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وان كتموها، وتغلب عليهم دلائلها وان أخفوها، وتدل عليهم وان ستروها ".

طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.