حسن مرزوق حبنكة الميداني

تاريخ الولادة1326 هـ
تاريخ الوفاة1398 هـ
العمر72 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • الأردن - الأردن
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • دمشق - سوريا

نبذة

حسن مرزوق حبنّكة الميداني: العالم العلّامة، المجاهد، المربّي. ولد بمحلة الجزماتية في حي الميدان بدمشق، لأسرة قدمت من بادية حماة، يرجع أصلها إلى العرب المعروفين ببني خالد. أخذ عن الشيخ عمر الحمصي الطريقة البدوية وهو صغير. كما أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ عبد الرزاق الطرابلسي. وتتلمذ على كبار علماء دمشق.

الترجمة

حسن مرزوق حبنّكة الميداني (1326 - 1398 هـ- 1908 - 1978 م)
العالم العلّامة، المجاهد، المربّي.
ولد بمحلة الجزماتية في حي الميدان بدمشق، لأسرة قدمت من بادية حماة، يرجع أصلها إلى العرب المعروفين ببني خالد.
أخذ عن الشيخ عمر الحمصي الطريقة البدوية وهو صغير. كما أخذ الطريقة النقشبندية عن الشيخ عبد الرزاق الطرابلسي. وتتلمذ على كبار علماء دمشق. ولزم دروس الشيخ علي الدقر الوعظية والإرشادية العامة، وكان يعتمد عليه وخاصة بالإشراف على مدارس الجمعية الغراء، فقد أوكل إليه تنظيم مدرسة سعادة الأبناء في محلة الخيضرية بالشاغور، ثم اعتمد عليه في تأسيس مدرسة وقاية الأبناء في زقاق العسكرية بالميدان، وأدار مدرسة الريحانية بزقاق المحكمة قرب سوق الخياطين.
تفقه أولا على مذهب الإمام أبي حنيفة، ثم على مذهب الإمام الشافعي، ورسخت معرفته بسائر العلوم، من تفسير وحديث وسيرة وعلوم العربية والتوحيد والتربية والمنطق والفلسفة، وألمّ بعلم الهيئة والنبات، واطلع على علوم الطب، كما اتصل بالمعلومات العصرية والسياسية والاجتماعية.
وكان شغوفا بالتدريس وبذل العلم؛ درّس العلوم على اختلافها، وبقي في حلقاته وعطائه حتى آخر حياته.
تولى الخطابة، واستمرّ فيها أكثر من أربعين سنة. وكان فصيح اللسان، سليم اللغة، رفيع الأدب، جمع بين عمق التفكير وسهولة التعبير.
ولما قامت الثورة السورية خرج مع الثوار، ورافق الشيخ محمدا الأشمر، وانضمّ معه جماعة من طلاب الشيخ علي الدقر وغيرهم .. وكان يحمل السلاح متنقلا من مسجد إلى مسجد، ومن حي إلى حي، يقاتل المستعمر الفرنسي. ثم التجأ إلى الأردن مع بعض الثوار عند ما ضعفت شوكة الثورة، وبقي هناك سنتين تقريبا.
واستقرّ بدمشق معلما ومتعلما، يواظب على التدريس، ويصحب طلابه إلى حلقات شيوخه، ويزورهم في منازلهم ..
ولما أراد الفرنسيون فرض قانون الطوائف وقف مع من وقف من علماء دمشق الوقفة الصامدة حتى تراجعت فرنسا عنه.
أسس جمعية التوجيه الإسلامي التي أخذت على عاتقها نشر العلوم الإسلامية وتخريج الدعاة من حملة الشهادات الشرعية، إلى جانب قيامها بالمهام الاجتماعية، ثم تمخّض عنها إنشاء معهد التوجيه الإسلامي في جامع منجك. ونشط المعهد أيما نشاط.
كما أسهم في تأسيس رابطة العلماء بدمشق، وكان أمينها العام، ثم صار رئيسا بعد وفاة الشيخ مكي الكتاني.
كما أسهم في إنشاء جمعيات خيرية، منها جمعية أسرة العمل الخيري.
انتخب عضوا للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، وكان يحضر جلساته كل سنة.
كانت له مكانة مرموقة في الأوساط العلمية والدينية في البلاد الإسلامية، ودعي لكثير من المؤتمرات والندوات الإسلامية.
عرضت عليه الدولة منصب القضاء والفتوى فرفض، ووظيفة شيخ الإسلام في عهد الوحدة بين سورية ومصر.
تخرّج من تلاميذه علماء ارتفع ذكرهم، منهم ابنه عبد الرحمن، والشيخ حسين خطاب، ومحمد كريم راجح، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومحمد مصطفى الخن، ومحمد مصطفى البغا وغيرهم.
توفي بدمشق ليلة الاثنين 14 ذي القعدة، ودفن في حجرة من ملحقات جامع الحسن في الميدان.
بكاه كثيرون، ورثاه عدة شعراء، منهم الشاعر محمد علي الحريري بقصيدة طويلة مطلعها:
أيّ المطالع تصلح استهلالا ... شرد البيان فما أطيق مقالا
ومما قال فيها:
جاهدت طورا باللسان وطالما ... قد كنت تتقن بالسنان قتالا
وبقيت رمز العنفوان لأمة ... ضربت بعزّة نفسك الأمثالا
أبقيت للإسلام فتية أمة ... شابوا وقد ربيتهم أطفالا
ومن آثاره:
- شرح نظم الغاية والتقريب للعمريطي.
- مولد نبوي شريف (مخطوط).
- مقالات في موضوعات دينية وإرشادية (مخطوط).
تتمة الأعلام للزركلي [وفيات (1396 - 1415 هـ) -يليه المستدرك الأول والثاني-محمد خير رمضان يوسف.

 

 

حسن حبنكة الميداني – بقلم د. محمد موسى الشريف.
في العصر الحديث عشرات الآلاف من العلماء والمشايخ وطلبة العلم، وبعض هؤلاء قد بلغ من العلم مبلغًا عظيمًا، لكن قليلًا من هؤلاء من كانت له عند قومه منـزلة وتأثيـر، وقليل من هؤلاء مَن كان له في بلده عمل جليل، ومن هؤلاء القلة كان الشيخ حسن حبنكة الميداني، يرحمه الله تعالى.
ولد الشيخ حسن في حي الميدان في دمشق سنة 1326هـ/1908م، وهو حي الشجعان وأهل المروءة والفتوّة وأولي القوة، وأبوه هو مرزوق بن عرابي بن غنيم من عرب بني خالد من بادية حماة، أما حَبَنّكة والميداني فهما لقبان له عرفت عائلته باللقب الأول واشتهر هو باللقب الآخر، وكان أبوه مرزوق من أهل الصلاح والاستقامة، صاحب محل لبيع المواد الغذائية، وأمه خديجة من أصول مصرية أتت لأبيه بأربعة أبناء وبنتين، أكبرهم هو الشيخ حسن يرحمه الله، وقد توفيت – يرحمها الله تعالى – أثناء عودتها من الحج مع ابنها الشيخ حسن.
نشأة الشيخ حسن حبنكة: نشأ الشيخ حسن في حي الميدان، وتعلم في الكتّاب القراءة والكتابة، وقراءة القرآن العظيم، ثم درس في مدرسة الشيخ شريف اليعقوبي الابتدائية، ثم قرأ بعض العلوم على الشيخ طالب هيكل، ثم على الشيخ عبد القادر الأشهب، ثم على الشيخ محمود العطار والشيخ أمين سويد، وقرأ العلوم العقلية على عالم بخاري وآخر كردي، ثم قرأ على الشيخ المحدث بدر الدين الحسني، وتفقه بالمذهب الحنفي ثم درس المذهب الشافعي والتـزمه علمًا وتعليمًا. والتحق الشيخ حسن بالشيخ علي الدقر، وصار من جملة تلاميذه والسائرين على منهجه، وتولى إدارة مدرستين تابعتين للشيخ علي، وأخلص له في همة منقطعة النظير، وكان هو المقدم بين أصحاب الشيخ علمًا وتعليمًا وإدارة، وقد جلب له هذا الحسد والكيد فوشى به عند الشيخ بعض أتباعه بأن الشيخ حسن يريد الزعامة وينافس الشيخ علي، واشتد الأمر فما كان من الشيخ حسن إلا أن اعتـزل مؤسسة الشيخ على إيثارًا للسلامة، لكن الشيخ حسن ظل متصلا به ومتأدبًا معه حتى مات الشيخ علي يرحمه الله. ثم إن الشيخ – يرحمه الله تعالى – أسس جمعية خاصة به سماها «جمعية التوجيه الإسلامي» سنة 1365هـ/1946م، وكانت الجمعية تستقبل الطلاب من كل مكان، وتُعنى بهم وتدرسهم مجانًا، بل إنها كانت تهيئ السكن لمن لا سكن له، وبفضل الله استطاعت أن تنشئ مساجد كثيرة في دمشق وتُعنى بالقديم منها وأنشأت مدارس ومعاهد للبنين والبنات، ودارًا للقرآن في جامع منجك – الذي كان المقر الرئيس للشيخ حسن طوال حياته – وظلت الجمعية معطاءة مدرارة إلى سنة 1387هـ/1967م حيث أُلغيت بمراسيم جمهورية وضمت مبانيها إلى وزارة الأوقاف.
صفات الشيخ حسن حبنكة: كان للشيخ يرحمه الله صفات جليلة من أعظمها:
[1] الهمة العالية:
فقد تعلق قلبه بالعلم منذ صغره حتى آخر أيامه، وكانت له دروس عديدة تبدأ من قبل صلاة الفجر!! وتستمر عامة النهار وطرفًا من الليل، وكان يلـزم طلابه بالهمـة العالية؛ فقد تعلّم على يديه طالب يسمى إسماعيل الصباغ، وكان يُلزمـه أن يأتيه في وقت محدد في السحر للدراسة، فإذا تأخر بضع دقائق لم يأذن له، وكان هذا الطالب إسماعيل يسكن خارج حي الميدان، فكان يمشي في ظلمة الليل من بيته إلى بيت شيخه ليصل إليه قبل الفجر بساعة، فما أحسن الهمـة العاليـة في الشخص فهي الموصلة له إلى أعلى الدرجات. ومن دلائل همـة الشيخ حسن أنه كان له شيخ اسمه محمود العطار وهو فقيه حنفي متمكن من الفقه، فكان يجلس بين يديه على ركبتيه عدة ساعات كل يوم، وكان للشيخ محمود رغبة في الخروج إلى البساتين والقرى وحُبب إليه ذلك، فكان الشيخ حسن يتبعه من بستان إلى بستان، ومن قرية إلى قرية رغبة في طلب العلم. وقد ظهرت همة الشيخ العالية في تصدره للتدريس وإفادة الجمهور؛ فقد كان له درس عام جامع للعامة بعد الفجر إلى الضحى، ثم يفطر مع الطلاب، ثم يدرس كبار الطلاب إلى قُبيل صلاة الظهر، ثم إنه يفرغ لنفسه من الظهر إلى العصر، وبعد العصر بقليل كان له درس إلى أذان المغرب مع كبار طلابه، ثم بعد المغرب يحين وقت الدرس العام الجامع للعامة، وبعد العشاء درس للطلاب الذين لا تسعفهم أحوالهم للدراسة النهارية فيأتون إليه ليلا، ثم بعد فراغ الدرس يعود إلى بيته، لكنه كان كثيرًا ما يحب البقاء في الجامع والبيات فيه ليوقظ طلابه لصلاة الفجر جماعة، ويقوم سحرًا للصلاة والدعاء والتسبيح، وربما طالع بعض كتب العلم في ذلك الوقت، هذا عدا قضايا المسلمين العامة التي كانت تؤرقه وتأتي على الوقت الذي بقي له من يومه وليلته. وكان له طريقة حسنة في التعليم؛ وهي إيقاف الطلاب على مبادئ العلم ومفاتيحه، ويدربهم على استخراج المسائل من مظانها، ومِن ثَمّ يعقد حلقات للمناقشة وهذه طريقة فريدة. وكان يدفع بطلابه إلى التدريس والخطابة وإلقاء المواعظ في المساجد، خاصة في رمضان للتدرب على مواجهة الجمهور وإفادتهم. وكان يدرب طلابه على السباحة والفروسية وركوب الخيل، ويسير بهم في القرى والبساتين لتدريبهم على القوة واحتمال المشاق، وربما بات معهم في المساجد أو البيوت التي يستأجرها لهذا الغرض، وربما باتوا في أرض أو سفح جبل، وفي تلك الرحلات يفيدون أهل القرى بالدروس والمواعظ.
[2] الحكمـة:
وقد قال تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرً‌ا كَثِيرً‌ا}[البقرة:269]، وقد تجلت حكمته في مداراته للأنظمـة الحاكمـة في بلاد الشام آنذاك فيما يعود على البلاد والعباد بالخيـر، وقد ظهرت حكمته في مواقف، منها يوم اشتدت السلطات البعثية الحاكمة في الشام على الشعب وضيقت عليه في أمور دينه، فأرادت مجموعات من الشباب أن تعتصم بالجامع الأموي، ووافقهم بعض العلماء على ذلك، واجتمعوا في المسجد وتوالت الاتصالات من الجامع تستحث الشيخ أن يأتي هو وطلبته، وكان المستحث أحد المشايخ المتعاونين مع الدولة، وجاء مجموعة من المشايخ إلى الشيخ حسن في مكانه في جامع مَنْجك، وكان منهم د. محمد أمين المصري ورجحوا المشاركة واستحثوه ليذهب، فقال لهم: هل أنتم الذين دبرتم هذا الأمر وأعددتم له عدته؟ هل أنتم الذين بعثتم طلابكم ومريديكم للدعوة إليه؟ قالوا: لا. فقال لهم: وما يدريكم أنه فخ صنع لكم حتى تُقتلوا أو تأخذكم الدولة بجرم القيام بثورة مسلحة. أنتم بين خيارين: إما أن أحبسكم عندي هنا في البيت، وإما أن تنصرفوا إلى بيوتكم، ولا أسمح لأحد منكم بالمشاركة في هذا الأمر، إن المسلمين بحاجة لكم فلا تمكنوا أعداءكم منكم. فانصرف العلماء إلى بيوتهم مستجيبين لأمر الشيخ، ووقع ما تفرس فيه الشيخ، فقد هجمت الدولة على الجامع، وكسرت بابه بدبابة، وقتلت خلقًا كثيرًا ممن وجدته فيه في مجزرة شنيعة، واستاقت الباقي لتعذبهم عذابًا مروعًا ثم أعدمت جماعة منهم، وكان يراد استئصال المشايخ وطلبة العلم كلهم لكن الله نجّاهم بحكمة الشيخ. ومن الأمثلـة على حكمته رفضه الدعوات المتكررة من سفارة الاتحاد السوفييتي في بيروت لحضور مؤتمر عقدوه للسلام، مع أنهم وعدوه بأنهم سيسمحون له بالحديث كما يشاء، لكنه رفض لأنه يعلم أنهم لن ينشروا له شيئًا، وفي الوقت نفسه سيخدعون كثيرًا من الناس بحضوره.
[3] التصدر للناس:
كان الشيخ زعيمًا للشعب، متصدرًا لحل مشكلاتهم، مصلحًا بينهم، مدافعًا عن مظلومهم، مجيبًا لمطالبهم، مغيثًا لملهوفهم، مجيبًا لدعوة من دعاه من خواص إخوانه وطلابه، ثم إنه كان الموصل لمطالب الشعب إلى الحاكم والوزير والمسئول، على أنه كان يخالطهم بعزة العالم المسلم، وكان عدد من رؤساء الجمهورية يزورونه في مسجده وفي غرفته في المسجد ويصلون عنده الجمعة؛ فلم يُثن عليهم قط، وإنما كان يصدعهم بالحق وينصحهم ويوجههم، وكذلك الحال إذا اجتمع بهم في حفل عام أو اجتماع فإنه يصدع بالحق في وجوههم ويريهم عزة العلماء.
ومن مواقفه مع حكام المسلمين، أنه كان في وفد من علماء الشام لتهنئة الملك سعود – يرحمه الله تعالى – بالحكم، فنصح الملك وحثه على الاستمساك بالشرع والعمل به، وحثه على إعادة إعمار سكة حديد الحجاز، وبعد ذلك أهدي له وللعلماء ساعات وعطايا مالية فقبلوا الساعات وردوا المال. وكان له فضل على العلماء والدعاة، فقد توسط لدى حافظ الأسد لإطلاق الشيخ سعيد حوى ففعل، ولإطلاق الشيخ محمد علي مشعل فاستجاب لوساطته، وكان الحمى الحقيقي بعد الله تعالى للمشايخ والعلماء في بلاد الشام. وقد كان الشيخ في زمانه يُعد العالم الأول في توجيه الشعب، ولذلك أحبه الناس والتفوا حوله، لكن مع ذلك لم يكن ينخدع باجتماع عشرات الآلاف من الناس حوله؛ لأنه يعلم أنهم إذا حزبه شيء فلن ينصروه، وهذه عادة الجماهير في كل زمان ومكان، ولذلك كانت له مقولة حكيمة قالها لتلميذه الشيخ حسين خطاب لما جاءه عشرات الآلاف من الناس لتهنئته بالقدوم من الحج، فقد قال له: يا شيخ حسين، لا تغتر بكل هذه الجماهير، فهي كرغوة الصابون، وصدق الشيخ والله.
[4] القوة والشجاعة:
لقد كان من أبرز صفات الشيخ القوة والشجاعة والإقدام، وعلى ذلك أمثلـة عدة، فمنها: لما أراد الاستخراب الفرنسي في سورية سَنّ قانون الطوائف، وفيه تجويز زواج المسلمات باليهـود والنصارى وغيرهم من طوائف بلاد الشام؛ قام الشيخ في وجه الاحتلال الفرنسي وبقوة، ونظم مظاهرة كبيرة خرجت من حي الميدان تريد مبنى رئاسة الوزراء، وضجت الحكومة بها وخافت من عواقبها وطلبت من الشيخ حسن إرجاع المتظاهرين ليتسنى للمندوب السامي الفرنسي الاتصال بحكومة بلاده واستشارتها في إلغاء القانون فوافق الشيخ، ثم ألغي القانون بعد ذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل قوة الشيخ وإقدامه، ولقد كان شعار المظاهرة: “ديننا لا نبغي به بديلا، وليسقط قانون الطوائف”.
ومن الأمثلـة أيضًا أنه شارك في الثورة ضد الفرنسيين مجاهدًا، ولحق بجماعة الشيخ محمد الأشمر الذي كان من أفذاذ المجاهدين وشجعانهم، لكنه لما رأى أن شوكة الفرنسيين قد اشتدت وأنهم قد استقروا في بلاد الشام؛ خرج من بلاده إلى الأردن وأقام فيه حوالي سنتين.
ومن الأمثلـة على شجاعته وقوته أنه صدع بالحق بقوة أمام رئيس الجمهورية الفريق أمين الحافظ يوم استدعى العلماء ليوبخهم على وقوفهم ضد قوانين التأميم الاشتراكيـة التي صدرت سنة 1384هـ/1965م، وأسمع الرئيس ومعاونيه حكم الإسلام في صنيعهم بقوة وشجاعة بالغة مع أنه كان ينتظر السجن هو ومن معه من العلماء، وكان ذلك في رمضان ومن ثم أعادوهم إلى بيوتهم معززين مكرمين، وبعد أيام صدر المرسوم الجمهوري بعزل الشيخ حسن وبعض المشايخ من وظائفهم في الخطابة!!
محنة الشيخ حسن حبنكة: وفي سنة 1386هـ/1966م حج الشيخ، وقابل الملك فيصل – يرحمهما الله تعالى – في لقاء خاص، ولما عاد أعد له الشعب استقبالا جليلا جدًّا في المطار وفي جامعه وَحيَّه بالميدان، وغاظ هذا الحكومة السورية بزعامة نور الدين الأتاسي، بل إن السوفييت حذروا السوريين من هذا الشيخ الذي استقبل مثل هذا الاستقبال، فعزمت الحكومة على الإيقاع به؛ فأوعزت إلى أحد الملاحدة المجرمين أن يكتب مقالا مسمومًا يستهزئ فيه بالله – تعالى عَزّ وجَلّ – في مجلة الجيش الرسمية، فإذا قام الشيخ لينكر ويثير الشعب كعادته دُس بين صفوف المتظاهرين عناصر المباحث ليفسدوا المظاهرة ويحيدوا بها عن أهدافها، وحذر جماعة من المشايخ الشيخ حسن من الخطبة في جامعه في يوم جمعة خصه الشيخ للحديث عن الموضوع، لكنه خطب لمدة ساعة خطبة هائلة تجاوب معه فيها المصلون، ومنع هو وطلابه العناصر المدسوسة من التظاهر ضد الحكومة حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، وقبضت عليه الشرطة وسُجن في سجن القلعة حيث سجن شيخ الإسلام ابن تيمية، وعُذب بالسهر المتواصل وتسليط الأضواء الشديدة عليه، وأرادوا قتله لكن الله تعالى نجاه بالنكبـة التي نُكبت فيها بلاد الشام في حرب سنة 1387هـ/1967م، وقررت القيادة إطلاق سراحه، فطلب إطلاق سراح المسجونين بسبب قضيته وهم ألوف فوافقت القيادة وأطلقت الجميع، لكن كانت السلطة قد أصدرت مراسيم بإلغاء جمعيته بعد سجنه وصادرت أملاكها.
المناصب التي تولاها الشيخ حسن حبنكة: لم يكن الشيخ يحب الوظائف الرسمية، وعلى هذا لم يكن يطلبها أو يتشوف إليها، لكن عُهد إليه ببعض الوظائف والمناصب، فمن ذلك:
[1] أمانة رابطة العلماء: كان الشيخ قد اشترك مع بعض العلماء في تأسيس رابطة للعلماء، وقد اختاروا أكبرهم سنًا رئيسًا لها وهو الشيخ أبو الخير الميداني، والشيخ محمد مكي الكتاني نائبًا للرئيس، والشيخ حسن حبنكة أمينًا عامًا للرابطة. وكان للرابطة نشاط جليل، وعمل بارز في الدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبقيت عشر سنوات ثم ضعفت وانتهى أمرها.
[2] عضوية المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بعد أن فرغ مقعد سورية بموت الشيخ محمد مكي الكتاني.
[3] عرض عليه الشيخ تاج الدين الحسني يوم كان رئيسًا للجمهورية السورية منصب مدير عام الأوقاف فرفض.
[4] ونافس في انتخابات تعيين مفتي الشام، وحصل فيها ضغط حكومي للحيلولة دون وصوله، وأُثر على بعض العلماء الناخبين، ومع كل ذلك لم يسقط إلا بفارق صوت واحد عن منافسه الذي فاز وهو الشيخ أحمد كفتارو.
[5]وعين له بدون علمه وظيفة عالم في دار الفتوى، ثم عدلت الوظيفة لتكون باسم مدرس، ثم عزل عنها بعد أحداث سنة 1386هـ/1967م كما فصلتها في مكانها من هذه الترجمة.
شعر الشيخ حسن حبنكة: كان للشيخ شعر جيد على أنه لم يكن مكثرًا، فمن شعره:
بني ديني هلمـوا أنقـذونا فنار الكفر تلتـهم البنينا
وأنتم عاكفون على فسوق فكم نشقى وأنتم نائمـونا
فتنـتم بالذي يفنى سريعًا وأغراكم خـداع الكافرينا
فعن نهج السداد صرفتمونا ومن ثدي الجحود غذوتمونا
وقال أيضًا:
صفق القلب للحجـاز وثارا شَفّه الشوق للحبـيب فطارا
واقتفت أثره الجسـوم غرامًا فجرى الركب في الرمال وسارا
يا ديار الحبيـب يا أُنس قلبي عدل الدهر في الهـوى أو جارا
يا بقاع الأنوار من فيض ربي حدثيـني عن الرسـول جِهارا
حدثيني عن زمزم والمُصَـلّى حدثيـني فلا أطيـق اصـطبارا
لم يفرغ الشيخ للتصنيف؛ وإنما كان يقول: أنا أؤلف الرجال، وكان له مؤلف واحد فقط، وهو شرح على نظم “الغاية والتقريب” في الفقه الشافعي.
طلاب الشيخ حسن حبنكة: تتلمذ على يديه مئات من طلاب العلم، وصار بعضهم من العلماء الكبار والمشهورين مثل د. محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله، ود. مصطفى الخن، ود. مصطفى البُغا، وشيخ قراء الشام حسين خطاب، وشيخ قراء الشام من بعده محمد كريّم راجح، وابنه الشيخ عبدالرحمن.
تزوج الشيخ وهو في سن الخامسة عشرة من فتاة تصغره بعامين من عائلة السودان الميدانية المعروفة بالتدين، فكان يُعنى بزوجه الصغيرة، ويوقظها ليصليا في ثلث الليل الآخر معًا. ورزقه الله تعالى سبعة أبناء وخمس بنات، ومن أبنائه الشيخ المشهور صاحب المصنفات المفيدة عبد الرحمن، وقد مات من قريب، يرحمه الله تعالى.
توفي يرحمه الله تعالى سنة 1398هـ/1978م، عقب مرض نـزل به، وجَلَطات قلبية انتابته قبل وفاته بثلاث سنوات إلى أن حانت منيته، ووافاه أجله، وصُلي عليه في جامع بني أمية، وشيع جنازته قرابة ستمائة ألف، وهذا لم يكن في دمشق لأحد من العلماء منذ عقود طويلة، رحمه الله تعالى وأعلى درجته في عليين.
أقوال العلماء عن الشيخ حسن حبنكة: وهذه بعض أقوال لعلماء أثنوا على الشيخ:
– قال فيه الشيخ أبو الحسن الندوي يرحمهما الله تعالى وكان قد عرفه قديمًا ودعاه للذهاب إلى لكنو في الهند لحضور احتفال ندوة العلماء بذكرى تأسيسها، فوافق الشيخ وارتحل إلى الهند والتقى بالشيخ أبي الحسن: “من نوادر العلماء والمشيخة الذين جمعوا بين الرسوخ في العلم والتضلع من الثروة العلمية المتوارثة والمكتبة الإسلامية الغنية، والاشتغال الدائم بالتدريس وتخريج العلماء والدارسين، وإنشاء المدارس وبناء المساجد، وبين العناية الخاصة بالأوضاع الراهنة في البلاد المهددة أو المتحدية لمستقبل الشعب المسلم السوري الديني”. وقال فيه أيضًا: “كان عالمًا ربانيًا، وكبقية السلف الصالح في الورع والتقى، والاتصال بالله والثقة الكاملة فيه، والتفاني في سبيله، كما كان آية في الأخلاق الفاضلة والنـزاهة والبعد عن زخارف الدنيا وشواغلها، قلّما يوجد له نظير في هذا الوقت”.
– وقال فيه الدكتور عدنان زرزور: “كان في ساحة العلماء والشيوخ من هو أكبر منه سنًّا، وربما أغزر مادة في بعض فروع العلم ومسائله الكثيرة، ولكن أحدًا منهم لم يكن مهيئًا ليقوم على الثغرة التي كان يقوم عليها الشيخ حسن يرحمه الله، ولا ليؤدي الدور الكبير الذي كان منوطًا به في ذلك الحين، بحكم الإعداد والتكوين، وبحكم المواهب والاستعداد”.
وقال فيه تلميذه الشيخ حسين خطاب شيخ قراء الشام: “أمضيت في صحبته وتحت إشرافه وتوجيهه وتعليمه وتأديبه نحوًا من خمسين سنة في غدوه ورواحه، وسفره وحضره، وجده وهزله الذي ما كان يخرج فيه على دائرة الحشمة، وفي طعامه وشرابه، وحزنه وفرحه، وألمه وصحته، وسِلْمه ونضاله، فوجدته خير مُربٍ، وخير معلم، وخير ناصح.
(المصدر: موقع قصة التاريخ / مجلة كلمة حق).