محمد بن علي بن منصور الشنواني الشافعيّ:
فاضل مصري. ولي مشيخة الجامع الأزهر. نسبته إلى (شنوان الغرف) من قرى المنوفية.
من كتبه (حاشية على شرح اللقاني على الجوهرة - خ) في التوحيد، و (حاشية على مختصر البخاري لابن أبي جمرة - ط) و (حاشية على شرح العضدية في آداب البحث - خ) و (حاشية على شرح السمرقندية - خ) و (ثبت - خ) صغير، في دار الكتب (110 تيمور) .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ محمد الشنواني الأزهري الشافعي
حبر العلماء الأعلام وبحر الفضلاء الفخام، شيخ الإسلام وعمدة الأنام، الفقيه العلامة والنحرير الفهامة، شيخ الجامع الأزهر والمكان الأبهى الأنور، النحوي الأصولي الفقيه والمحدث المفسر النبيه، حضر الأشياخ الأوائل والسادة الأفاضل، كالشيخ فارس وكالصعيدي والدردير والقرماوي، وتفقه على الشيخ عيسى البراوي، ولازم دروسه وبه تخرج، وأقرأ الدروس وأفاد الطلبة بالجامع المعروف بالفاكهاني، مهذب النفس كثير التواضع والانكسار والبشاشة لكل أحد من الناس، ويشمر ثيابه ويخدم بنفسه ويكنس الجامع ويسرج القناديل.
ولما توفي الشيخ عبد الله الشرقاوي اختاروه للمشيخة فامتنع وهرب إلى مصر العتيقة، فأحضروه قهراً عنه وولوه المشيخة. ولم يزل ملازماً لجامع الفاكهاني كعادته وأقبلت عليه الدنيا فلم يتهن بها. واعترته الأمراض ولازمه داء الزحير أشهراً، ثم عوفي ثم لازمته الحمى وانقطع بها في داره، إلى أن توفي يوم الأربعاء رابع عشرين محرم الحرام سنة ألف ومائتين وثلاث وثلاثين، وصلى عليه في الأزهر في مشهد عظيم، ودفن في تربة المجاورين.
وله عدة تآليف منها حاشية جليلة على شرح الشيخ عبد السلام على الجوهرة وتقلد مشيخة الأزهر بعده الشيخ محمد بن الشيخ أحمد العروسي من غير معارض ولا منازع.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
الشيخ الشنواني
هو الإمام الشيخ محمد بن علي بن منصور الشنواني الشافعي.
لم تذكر الكتب التي ترجمت له شيئاً عن نشأته، التحق بالأزهر وتلقى علومه على أيدى علماء عصره أمثال الشيخ فارس، والشيخ الصعيدي والشيخ الدردير والشيخ الفرماوي، وتفقه على الشيخ عيسى البراوي والتزم به ولازم دروسه وقرأ على يديه، وقد أجازه الشيخ بعد أن أعطاه جل ما عنده، واطمأن لعلمه لأن الشيخ الشنواني كان ذكياً فطناً جيد الحفظ، فأولاه أستاذه عنايته، واختصه بنفسه لاجتهاده وأدبه.
وقد عرف الشيخ الشنواني - نسبة إلى بلدته شنوان الغرب - منذ مطلع حياته بالتواضع والبعد عن المظاهر الدنيوية، لذا لم يلهث وراء التدريس بالجامع الأزهر بعداً عن المشاحنات ومضايقة الغير، وقنع بالتدريس بجامع الفكهاني القريب من منزله بالعقادين، وكان الشيخ ذا أخلاق عالية وآداب سامية، ومكانة علمية مرموقة فأفاد طلبته علماً وخلقاً، وكان لهم مثلاً أعلى في أمور الدنيا والدين، فانتفعوا بآرائه ونهلوا من علمه ودروسه.
وصفه الجبرتي بقوله: هو شيخ الإسلام، وعمدة الأنام، الفقيه العلامة، والنحرير الفهامة الشيخ محمد الشنواني الأزهري الفقيه النحوي المعقولي (أي الذي درس علوم المنطق والجدل والفلسفة والميقات والحساب وغيرها من العلوم العقلية.
كان مهذب النفس مع التواضع والانكسار، والبشاشة لكل أحد من الناس، وكان عند فراغه من الدروس يغير ثيابه ويكنس المسجد، ويغسل القناديل ويعمرها بالزيت والفتائل حتى يكنس المراحيض، وكان قانعاً بهذا لا يتطلع إلى أي مظهر من مظاهر الدنيا يتهافت عليه الآخرون.
ولما توفى الشيخ الشرقاوي شيخ الجامع الأزهر، لم يكن هناك أهل لهذه المكانة سوى الشيخ الشنواني فاتجهت إليه الأنظار، فلما علم ذلك ترك بيته وذهب إلى مكان غير معروف هرباً من هذه المسئولية وبعداً عن المظاهر الدينوية، واختفى الشيخ عن العيون التي ظلت تبحث عنه، وجمع القاضي المشايخ عنده، ليسألهم من يكون بعد الشيخ الشرقاوى؛ وقبل أن يفعل القاضي ذلك سأل: هل جميع المشايخ موجود؟ فقالوا: لم يتخلف سوى ابن العروسي والشنواني، والهيثمي، فأرسل القاضي إليهم، فحضر كل من الهيثمي وابن العروسي، ولم يحضر الشنواني، فقال القاضي: لن يتم ذلك إلا بحضور الشيخ الشنواني ..لابد من حضوره، وأرسل له في بيته، فجاء الرسول إلى القاضي قائلاً: إن الشيخ الشنواني قد ترك بيته منذ أيام ثلاثة، وقد ترك بها رسالة للقاضي، ففتح القاضي الرسالة أمام الجمع من العلماء وجهر بقراءتها، وهي تقول:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، إنما نزلنا عن المشيخة للشيخ بدوى الهيثمي.. فضج المشايخ وحدث بينهم لغط وقال بعضهم: كيف يتحدث الشيخ الشنواني عن المشيخة، وهى لم تثبت له ليتنازل عنها لغيره، وقال البعض الآخر: لا تكون مشيخة الأزهر لمن لم يدرس فى الجامع الأزهر، والشيخ الشنواني لم يدرس بالأزهر، وأدلى كل من المشايخ بدلوه في هذا الأمر، فتدخل القاضي لينهي هذه المعركة الكلامية، فهدأ من روعهم، وسألهم: من ترضونه شيخاً للجامع الأزهر؟ فأجمعوا على الشيخ المهدى، فوافق القاضي، وقام الجميع وصافحوا الشيخ المهدي بمنصبه الجديد، وقرأوا الفاتحة على ذلك.
وكتب القاضي بهذا الأمر إلى محمد على والى مصر، ولكن محمد علي رفض الشيخ المهدي لأنه صاحب تاريخ حافل في الزعامة ورفض الضيم، لذا فقد أرسل محمد علي من يبحث عن الشيخ الشنواني، وجد في البحث حتى عثر عليه في أحد الأماكن بمصر القديمة.
وأرسل محمد علي إلى المشايخ بالحضور إلى مقره بالقلعة، فلما حضروا، وجدوا الوالي وعنده الشيخ الشنواني، فأعلن محمد علي الشيخ الشنواني شيخاً للجامع الأزهر، ولم يعترض الشيوخ على ذلك، وهنأوا الشيخ الشنواني، وعادوا معه إلى بيته الذي كان صغيراً متواضعاً، ولم يسع كل هذه الجموع التي أتت لتهنئته، فاستضافه السيد المحروقي في دار بلن الزليجي بحارة خوشقدم، وأرسل إليه الطباخين والفراشين والأغنام والأرز والحطب والسمن والعسل والسكر والقهوة، والشربات، وماء الورد والبخور، لإكرام الشيخ مع الموكب الرسمي الذي جاء به، وجموع المهنئين، وأتى الناس من كل مكان لتهنئة الشيخ بهذا المنصب الذي لم يسع إليه قط.
لم يترك الشيخ فرصة يجدها لنصح الحكام إلا واغتنمها، ولم يكن يتردد في الشفاعة عندهم لرفع أذى، ولقد استدعاه الشيخ أبو السعود البكري شيخ البكرية قبل وفاته، ليلتمس منه أن يذهب للوالي ويتشفع عنده من أجل تولية ابنه محمد مكانه في مشيخة البكرية، وفعل الشيخ ذلك، واستجاب الوالي، ورضي الشيخ البكري عن هذه الفعلة التي ختمت عمره بعد أن تجاوز التسعين عاماً.
وكانت للشيخ الشنواني مؤلفات عظيمة أفاد بها طلابه، ونعرف منها:
- حاشية الشنواني على مختصر البخاري لابن أبي جمرة.
- حاشية على شرح الجوهري (جوهرة التوحيد).
- الجواهر السنية بمولد خير البرية.
- ثبت الشنواني: وهي إجازة أجاز بها تلميذه مصطفى بن محمد المبلط قال فيها: لازمني - يقصده تلميذه - مدة عديدة، وسنين عديدة حضوراً وسماعاً وبحثا، حتى غزر علمه...ثم التمس مني الإجازة وكتابة السند، فأجبته لذلك بشرط ألا يترك الإفادة.
وأصيب الشيخ بالأنفلونزا - وكانت من الأمراض الخطيرة في ذلك الوقت - فلازم بيته شهوراً طويلة من جراء هذه الإصابة التي أقعدته عن تأدية أسمى عمل يقوم به المرء في حياته، خدمة العلم والدين.
وتوفى الشيخ الشنواني - رحمه الله - يوم الأربعاء 14 من المحرم عام 1233هـ وصلى عليه بالجامع الأزهر في مشهد حافل عظيم، ودفن بقرافة المجاورين.
رحم الله الإمام الشنواني الذي عمل من أجل دينه، واجتهد في سبيل علمه، وتواضع في شؤون حياته، فكان قدوة ومثلاً للتسامح.
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج/2 – ص21-24.