محمد بن عبد الله بن مصطفى الخاني
تاريخ الولادة | 1213 هـ |
تاريخ الوفاة | 1279 هـ |
العمر | 66 سنة |
مكان الولادة | خان شيخون - سوريا |
مكان الوفاة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
محمد بن عبد الله بن مصطفى الخاني:
فاضل متصوف. ولد في خان شيخون (بين حماة وحلب) ونشأ بحماة. وانتقل إلى دمشق سنة 1241 فاستقر، وتوفي بها.
له (البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية - ط) و (السعادة الأبدية فيما جاء به النقشبندية - ط) .
-الاعلام للزركلي-
الشيخ محمد بن عبد الله بن مصطفى الخاني الشافعي النقشبندي الخالدي
عالم غير أنه بعلمه عامل، ومرشد إلا أنه بإرشاده كامل، كأنما بينه وبين القلوب نسب، وبينه وبين الحياة من موت الجهل أقوى سبب. له فضل قد اعتلا على هام المناقب، وأدب نبوي تتوقد به نجوم الليل الثواقب، وشمائل قد كاثرت رمل النقا، وفضائل قد أربت على الجواهر في الرونق والنقا. مع ماله من كرم يخجل الأجواد، وسخاء هو في الأعناق كالأطواق في الأجياد. لم ترو صحاح التواريخ كأحاديثه الحسان، ولم تحرر كآثاره في صحائف الحسن والإحسان، وجاه قد استوى على سماء القبول، وقدر قد احتوى على ما يفوق المأمول. وهو من رجال الحدائق الوردية في حقائق أجلاء النقشبندية، لحفيده الأديب الكامل والأريب الفاضل، عبد المجيد أفندي فقال في ترجمة هذا السيد الأستاذ والسند العمدة الملاذ: فاتحة الأتقياء المهتدين، وخاتمة الخلفاء المرشدين، وقبلة أولياء العلماء، ورحلة علماء الأولياء، روض المعارف الوارف، يأوي إلى ظل فضله وفضل ظله كل عارف، جامع فرق الإرشاد، وفارق جمع الأمداد، منهل أنواء الأنوار الشعشعانية، ومظهر إسراء الأسرار الربانية. إلى رقيق أخلاق يعرفها كل من له في الطريق خلاق، وأنفاس تشف عن علو كشف وأذواق، ربى بها من السالكين نفوساً شموساً، فأشرقوا في فلك الهداية أقماراً وشموساً، وكرم وكرامات تثبت ماله من جلالة الهمم والمقامات، فهو الكوكب الذي قابل بقابليته المحمدية ضياء شمس الذات الخالدية، فانطبعت في لوح مرآته الصقيلة كافة صفاته الجلية الجليلة، فأشرق في سماء الولاية بدراً وفي دولة الهداية صدراً، وأصبح منه فصلاً في وصل، والنسخة الثانية المقابلة على الأصل، وورثه رشداً فرضاً وردا.
ولد قد وأناله بقربه تمام المسرة، سنة ثلاث عشرة ومائتين وألف في خان شيخون، محل مشهور في طريق حلب على مرحلة من حماه، منه سيدنا العارف الكبير الشيخ قاسم الخاني صاحب كتاب سير السلوك إلى ملك الملوك، وشرح عنقاء مغرب لخاتمة الأولياء المحمديين الشيخ الأكبر محيي الدين، قدس الله سره ورزقنا نظره وبره، آمين. وكان أبيه عبد الله معززاً في قومه موقراً في أهله، دمث الأخلاق حسن الأوصاف. توفي هذا العزيز، والجد الأمجد في سن التمييز، واشتغل بقراءة القرآن والكتابة وهو في حجر والدته الصالحة التوابة الأوابة، الصوامة القوامة، الذاكرة الشاكرة. ثم ارتحل قدس الله سره مع والدته إلى حماة المحمية، واشتغل بتحصيل العلوم الشرعية والآداب المرضية. فتفقه في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه على العالم الفاضل الشيخ خالد السيد، والعالم الفاضل الشيخ عبد الرحيم البستاني، وقرأ النحو وطرفاً من الآلات على العالم الفاضل الأديب الشيخ حمود زهير، ولازم العبد الصالح الشيخ فارس - الذي كان في حلبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أول فارس - مدة ست سنين، ثم أخذ الطريقة العلية القادرية من السيد الشيخ محمد الكيلاني الأزهري قدس سره، واشتغل بها وبتعليم الناس الأحكام الشرعية، وصرف قصارى الهمة لإحياء السنة السنية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بنفسه، فكم أزال من بدعة ومحا من ضلالة، حتى كان يحضر الناس قهراً إلى المسجد ويعلمهم فرائض الدين، والتوبة من المعاصي وتجديد الإسلام والعقود، فحصل على يده نفع عظيم، واشتهر في أرجاء حماة اشتهار الشمس في رابعة النهار، وصار يعبر عنه بمهدي الزمان، وكان جلوسه في جامع الجامع للعلوم والعرفان، الولي الكامل بلا دفاع الشيخ علوان الحموي قدس الله سره، وإقامته كانت في زاويته، وحصل له بذلك مدد عظيم من روحانيته، ولم يزل كذلك إلى أن شرف الديار الشامية قطب دائرة الإرشاد وبحر الهداية والإمداد، ذو الجناحين وعلامة الثقلين، أبي البهاء ضياء الدين، حضرة سيدنا ومولانا الشيخ خالد قدس الله سره العزيز، فتشرف بأخذ الطريقة العلية النقشبندية عنه، كما ذكر ذلك في البهجة السنية، ودخل الرياضة حالاً في جامع العداس، فأدركته جذبة من جذبات الحق التي توازي عمل الثقلين، فحصل له بعد ثلاثة أيام النسبة المعبر عنها بالوصول والفناء، وهو دوام مقام الإحسان، ولم يزل في ذكر وفكر يترقى إلى أعلا المقامات، حتى أتم الأربعينية، فاستأذن بالذهاب إلى أهله في حماة فأذن له، ثم لم يبرح أن عاد فأدخله الرياضة ثانياً، فلما تمت عاد إلى أهله أيضاً ثم رجع فدخل الرياضة ثالثاً ونفسه متشوقة إلى ختم المقامات والترقي في مقام الأولياء، فبعد أن أكمل الرياضة انقلب إلى أهله فمكث غير بعيد، إذا بأمر من حضرة مولانا قدس الله سره بحضوره وعائلته إلى دمشق الشام، فلم يتأخر عن الإجابة لحظة، وذلك سنة إحدى وأربعين، فأقبل عليه قدس الله سره، لما رأى من علو همته وصفاء فطنته وفطرته، ووفور علمه وتوقد ذكاء ذكائه وفهمه، وكان قد ابتدأ يقرأ النهاية شرح المنهاج في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه، لعلامة الدنيا شمس الدين الشيخ محمد الرملي الأزهري نور الله مرقده، صباحاً في مدرسة داره، ويعيد له الدرس سليل العلماء عمر أفندي الغربي رحمه الله، فلما حضر الجد الأمجد جعله محله وسر به سروراً عظيماً، وبشره بأنه سيصير شيخ الشام، وقد حقق الله بشارته كما سبق الألماع بذلك. في ترجمة حضرة مولانا قدس الله سره العزيز.
ولما توفي خليفة جامع المرادية المشهور بالسويقة، العالم الفاضل والمرشد الكامل، ملا خالد الكردي قدس الله سره، عينه لمكانته عنده مكانه وخلفه خلافة مطلقة، وأذن له بالإرشاد وتلاوة الذكر الخوجكاني والتوجه للإخوان في الجامع المذكور، وكتب له صك الخلافة وختمه بخاتمه الشريف انتهى.
ولم يزل في ذلك المكان المذكور يرشد الناس إلى فضائل الأمور، مع تقوى وعبادة وقناعة وزهادة، وذكر وقيام وصلاة وصيام، إلى أن توفي رحمه الله وأعلا في مدارج السعادة مرتقاه، وذلك سحر يوم الاثنين تاسع عشر صفر الخير سنة تسع وسبعين ومائتين وألف، ودفن أعلا الله مقامه وبلغه في دار الجزاء مرامه، بتربة كعبة الإسعاد وختم الإرشاد سيدي الشيخ خالد الحضرة في صالحية دمشق، وقد رثاه حفيده عبد المجيد أفندي بهذه المرثية الجليلة وإن كانت في حقه حقيرة وقليلة:
متى يسعف الصبر الجميل ويسعد ... وحزن على حزن يقيم ويقعد
أثار بقلبي ما أثار من الجوى ... فنيرانه بين الجوانح توقد
ورزء يذوب الصخر من صدماته ... ويرجف قاف منه والبحر يجمد
فكم أورث الألباب بحران دهشة ... إلى أن غدت في صدقه تتردد
وشق قلوباً لا جيوبا مشقة ... ومزق أكباداً له تتكبد
وأرسل من أهواله سحب عبرة ... بلا فترة بل حين تصدر تورد
على فقد جد طالما جد في العلا ... وأصبح للدين الحنيف يجدد
على العلم والإرشاد والزهد والتقى ... على الجود والإمداد والخير يفقد
على الأمر بالمعروف والنهي زاجراً ... عن المنكر المطلوب فيه التقيد
على بحر عرفان موارده صفت ... لكل مريد فيه لله مورد
على شمس أسرار تضيء هداية ... وتحيي الطريق المجتبى وتؤيد
على صائم الأيام وهي هواجر ... يجاهد في الله ولله يجهد
على قائم الليلات وهي دياجر ... يقسمها ذكراً وفكراً ويسجد
على مرشد يهدي إلى الحق نوره ... فمن جاءه يسعى فبالله يسعد
على وارث القطب المعظم خالد ... بصدق له الذكر الجميل يخلد
فمن لدروس العلم يحيي دروسها ... بتحرير تقرير يحل ويعقد
ومن لعلوم القوم يظهر سرها ... بذوق له العلم اللدني مسند
ومن للطريق الخالدية بعده ... يشيد من أركانها ما يشيد
فيا طالما أحيا مآثر قطبه ... وآثاره الكبرى بذلك تشهد
وعزز من قاموا بحق مقامه ... فكانت بهم تحمى الطريق وتحمد
كواكب إرشاد أضاءت على الورى ... إذا غاب منهم مرشد لاح مرشد
هم الشيخ إسمعيل قدس سره ... وحضرة عبد الله والجد الأمجد
محمد الخاني والمظهر الذي ... له في مقامات الولاية مشهد
له العلم في هلك الطريق وملكه ... وما يصلح الأحوال فيه ويفسد
تفرد عن أقرانه بمناقب ... كبار وهم الأولياء التفرد
فقد كان في علم الحقيقة مفرداً ... كما هو في علم الشريعة مفرد
فطوبى له من عارف جد عارف ... إلى الله يهدي السالكين ويرشد
له مسجد بالذكر والفكر عامر ... وقوم كرام ركع فيه سجد
له الجود والإيثار والزهد والتقى ... له الورع الأولى به والتجرد
صبورعلى التقوى غفور لمن أسا ... شكور إذا أقوى وقور ممجد
تقلد في الإرشاد أكبر منصب ... بهمته الكبرى التي لا تقلد
كراماته في كل ملك شهيرة ... وخيراته في كل وقت تجدد
بديع بيان في حديث تصوف ... بتفسير فقه نحوه الحق يقصد
وبهجته أسنى كتاب مؤدب ... فآياته تتلى لنا وتجود
ولا عيب فيه غير أن وجوده ... عزيز فمن أمثاله ليس يوجد
أعد له الله مقام شهوده ... جزاء شهادات له تتعدد
وأحيا الليالي ساهد الطرف ساجداً ... فأضحى له دار النعيم تمهد
بنفسي أفدي فرقداً حل مرقدا ... وأعظم به من مرقد فيه فرقد
عجبت لقوم وسدوه بلحده ... وما فتتت منهم قلوب وأكبد
وأعجب منه أن بحراً يقله ... سرير ويحويه من الأرض مرقد
علوم وعرفان وزهد ورحمة ... وجود وإرشاد وتقوى وسؤدد
فيا ليتني ما ذقت صاب مصابه ... ولا كان لي في عالم الكون مولد
عليه من الله تحية رحمة ... وهتان رضوان وعفو مسرمد
ومني له حسن الثناء لأنه ... هو السيد المنشي الفخار المشيد
فلا أثمرت في روض طرسي يراعة ... براعة لفظ كاللآلي ينضد
إذا كنت لا أبكي دماً لفراقه ... وأندبه ما زلت أنشي وأنشد
وأشكره ما دمت حياً لعلني ... أكافي أياديه الكبار وأحمد
وأنى لذهني أن يكافئ فضله ... وإن عليه كل آن له يد
عهدت إليه أن يجيد رثاءه ... وعهدي به عند المهمات ينجد
فحال الجريض اليوم دون قريضه ... لعمرك إن الحزن للذهن يخمد
فصادمت أحزاني وقلت مؤرخاً ... توفي حصن الأتقياء محمد
وإلا فما دام المصاب مصاحبي ... متى يسعف الصبر الجميل ويسعد
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.