(1293 - 1377 هـ = 1876 - 1958 م) محمد الخضر بن الحسين بن علي بن عمر الحسني التونسي: عالم إسلامي أديب باحث، يقول الشعر، من أعضاء المجمعين العربيين بدمشق والقاهرة، وممن تولوا مشيخة الأزهر. ولد في نفطة (من بلاد تونس) وانتقل إلى تونس مع أبيه (سنة 1306) وتخرج بجامع الزيتونة.
ودرّس فيه. وأنشأ مجلة (السعادة العظمى) سنة 1321 - 23 وولي قضاء بنزرت (1323) واستعفى وعاد إلى التدريس بالزيتونة (سنة 24) وعمل في لجنة تنظيم المكتبتين العبدلية والزيتونة. وزار الجزائر ثلاث مرات، ويقال: أصله منها. ورحل إلى دمشق (سنة 30) ومنها إلى الآستانة. وعاد إلى تونس (31) فكان من أعضاء (لجنة التاريخ التونسي) وانتقل إلى المشرق فاستقر في دمشق مدرسا في المدرسة السلطانية قبل الحرب العامة الأولى. وانتدبته الحكومة العثمانية في خلال تلك الحرب للسفر إلى برلين، مع الشيخ عَبْد العَزِيز جاوِيش وآخرين، فنشر بعد عودته إلى دمشق سلسلة من أخبار رحلته، في جريدة (المقتبس) الدمشقية. ولما احتل الفرنسيون سورية انتقل إلى القاهرة (1922) ، وعمل مصححا في دار الكتب خمس سنوات. وتقدم لامتحان (العالمية) الأزهرية فنال شهادتها. ودرّس في الأزهر. وأنشأ جمعية الهداية الإسلامية وتولى رئاستها وتحرير مجلتها. وترأس تحرير مجلة (نور الإسلام) الأزهرية، ومجلة (لواء الإسلام) ثم كان من (هيأة كبار العلماء) وعين شيخاُ للأزهر (أواخر 1371) واستقال (73) وتوفي بالقاهرة. ودفن بوصية منه في تربة صديقة أحمد تيمور (باشا) . وكان هادئ الطبع وقورا، خص قسما كبيرا من وقته لمقاومة الاستعمار، وانتخب رئيسا لجبهة الدفاع عن شمال إفريقية. في مصر.
وله تآليف، منها (حياة اللغة العربية - ط) و (الخيال في الشعر العربيّ - ط) و (مناهج الشرف - ط) و (الدعوة إلى الإصلاح - ط) و (طائفة القاديانية - ط) و (مدارك الشريعة الإسلامية - ط) و (الحرية في الإسلام - ط) محاضرة، و (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم - ط) و (نقض كتاب في الشعر الجاهلي - ط) و (خواطر الحياة - ط) ديوان شعره، و (بلاغة القرآن - ط) و (محمد رسول الله - ط) و (السعادة العظمى - ط) و (تونس وجامع الزيتونة - ط) .
-الاعلام للزركلي-
محمد الخضر حسين
1293-1378ه
ولد الشيخ محمد الخضر حسين، بمدينة نقطة بالقطر التونسي في 26 رجب سنة 1293ه واشتغل بالعلم بعد أن حفظ القرآن، فقرأ بعض الكتب الابتدائية ببلده، وفي آخر سنة 1306ه رحل مع أبيه وأسرته إلى القاعدة التونسية، فدخل الكلية الزيتونية سنة 1307 ه وقرأ على أشهر أساتذتها، وتخرج عليهم في العلوم الدينية واللغوية، ونبغ فيها وفي غيرها، فطلب لتولي بعض الخطط العلمية قبل إتمام دراسته، لكنه أبى وواظب على حضور دروس العلماء والأكابر، مثل: عمر بن الشيخ، والشيخ محمد النجار، وكانا يدرسان التفسير.، والشيخ سالم بوحاجب، وكان يدرس صحيح البخاري.
ثم رحل إلى الشرق سنة 1317ه ولكنه لم يبلغ طرابلس حتى اضطر إلى الرجوع بعد أن أقام بها أياما، فلازم جامع الزيتونة يفيد ويستفيد إلى سنة 1321ه فأنشأ فيها مجلة السعادة العظمى، ولقي في سبيل بث رأيه الإصلاحي ما يلقاه كل من سلك هذا السبيل.
وفي سنة 1323ه ولي القضاء بمدينة بنزرت، والتدريس والخطابة بجامعها الكبير، ثم استقال ورجع إلى القاعدة التونسية، وتطوع للتدريس بجامع الزيتونة، ثم أحيل إليه تنظیم خزائن الكتب بالجامع المذكور، وفي سنة 1325ه اشترك في تأسيس جمعية زيتونية، وفي هذه المدة جعل من المدرسين المعينين بالجامع.
وفي سنة 1326 ه جعل مدرسا بالصادقية، وكلف بالخطابة بالخلدونية.
ثم رحل إلى الجزائر فزار أمهات مدنها، وألقى بها الدروس المفيدة، ثم عاد إلى تونس، وعاود دروسه في جامع الزيتونة، ونشر المقالات العلمية والأدبية في الصحف.
وفي سنة 1330ه سافر إلى دمشق مارا بمصر، ثم سافر إلى القسطنطينية فدخلها يوم إعلان حرب البلقان فاختلط بأهلها وزار مکاتبها، ثم لما عاد إلى تونس في ذي الحجة من هذه السنة نشر رحلته المفيدة عنها وعن الحالة الاجتماعية بها ببعض الصحف.
ثم استمر في التدريس بالمدرسة بدمشق، إلى أن دعي إلى القسطنطينية سنة 1336ه فجعل منشئا عربيا بوزارة الحرب، وواعظا بجامع الفاتح، فبقي كذلك إلى سنة 1337ه ففارق الآستانة وعاد إلى دمشق وعين عضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق ومدرسا ببعض المدارس، فلم يباشر شيئا من ذلك، بل سافر قاصدا مصر، ونزل بها، فولي التصحيح، وعمل الفهارس بدار الكتب المصرية.
ومن مؤلفاته: نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، وحياة ابن خلدون، والخيال في الشعر العربي، وحياة اللغة العربية، وغيرها.
توفي إلى رحمة الله سنة 1378ه الموافق سنة 1959م و صلي على جثمانه بالجامع، وقد احتفل رجال الدين والعلماء ونحوهم بتشييع جنازته، ودفن بجوار جثمان المغفور له العلامة أحمد تیمور باشا بمدافن الأسرة التيمورية بالإمام الشافعی، رضي الله عنه؛ بناء على وصيته بذلك.
مقتطفات من كتاب: أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث، تأليف: أحمد تيمور باشا.
الإمام الخضر حسين
هو الإمام والشيخ الجليل محمد الخضر حسين، ولد بمدينة نفطة بتونس في 26 من رجب سنة 1293هـ وهو من أسرة كريمة أصلها من الجزائر، ومن المرجح أنها كانت تنتمي إلى أسرة الأدارسة التي حكمت المغرب فترة من الزمان.
بدأ حياته في بلدة نفطة، وتأثر بأبيه تأثراً شديدا، وحفظ القرآن الكريم بجانب أنه تعلم الأدب عن خاله، وألم بمبادئ العلوم العربية والشرعية، فلما اشتد عوده انتقل مع أسرته إلى العاصمة التونسية في سن الثانية عشرة من عمره سنة 1305هـ، والتحق بجامع الزيتونة سنة 1307هـ = سنة 1889م، وهو شبيه بالجامع الأزهر، وتنقل به في الدراسة من مرحلة إلى مرحلة فظهرت نجابته، وبرز نبوغه، فطلبته الحكومة لتولي بعض الخطط العلمية ولكنه أبى وواصل دراسته على أيدي كبار العلماء مثل الشيخ عمر بن الشيخ، والشيخ محمد النجار وغيرهما من كبار المشايخ الذين تركوا بصماتهم في تكوين شخصية الإمام.
نال الشيخ الخضر شهادة العالمية من جامعة الزيتونة، ثم رحل إلى الشرق سنة 1317 هـ، وما كاد يبلغ إلى طرابلس ويقيم بها أياما حتى عاد إلى تونس فلازم جامع الزيتونة يفيد ويستفيد، ثم أنشأ مجلة (السعادة العظمى) سنة 1321 هـ، وتعتبر هذه المجلة أول مجلة عربية أدبية علمية في شمال أفريقيا كلها، وأسهم بقلمه ولسانه في النهضة العربية فجذب إليه الأنظار، وفى سنة 1324هـ = سنة1905 م ولي قضاء بلده بنزرت، ومنطقتها، والتدريس بالجامع الكبير، ثم استقال وعاد إلى تونس، وفى سنة 1325هـ اشترك في تأسيس (الجمعية الزيتونية) وفى هذه المدة تم تعيينه رسميا مدرساً بجامعها، ثم عين مدرساً بالصادقية سنة 1326 هـ وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة في تونس كلها.
لما قامت الحرب الطرابلسية بين الطليان والعثمانيين وقف قلمه ولسانه على الدعوة لمعاونة الدولة العثمانية ونشر بمجلته قصيدة عصماء مطلعها:
ردوا على مجدنا الذكر الذي ذهبا يكفي مضاجعنا نوم مضى حقبا
ثم رحل إلى الجزائر فزار أمهات مدنها وألقى بها الدروس المفيدة ثم عاد إلى تونس، وعاود دروسه في جامع الزيتونة وواصل إلقاء المحاضرات ونشر المقالات الدينية والأدبية في الصحف، وحاولت الحكومة ضمه إلى محكمة فرنسية فرفض الاشتراك فيها وفي سنة 1329 هـ وجهت إليه تهمة بث روح العداء للغرب وبخاصة لسلطة الحماية الفرنسية، وأحس أن حياته وحريته في خطر فسافر إلى الآستانة بحجة زيارة خاله بها.
بدأ رحلته بزيارة مصر في طريقه إلى دمشق ثم سافر إلى القسطنطينية، ولما ظن أن الزوبعة هدأت عاد إلى تونس عن طريق نابولي بإيطاليا متأثراً بحنينه إلى وطنه، وما كاد يستقر بتونس حتى أيقن أنه لا مجال لبقائه في هذا الجو الخانق، فأزمع الهجرة منها نهائيا فرارا بدينه وحريته، واختار دمشق وطنا ثانيا له، ومر بمصر في طريقه إلى الشام فلبث بها قليلا وتعرف على طائفة من أعلام علمائها النابهين مثل الشيخ طاهر الجزائري والسيد رشيد رضا والسيد محب الدين الخطيب، ثم سافر إلى القسطنطينية فوصل إليها يوم إعلان حرب البلقان، فاختلط بأهلها وزار مكاتبها، ثم عاد إلى تونس فنشر رحلته وآراءه ودعوته الإصلاحية ببعض الصحف، وعينته الحكومة التونسية عضوا في اللجنة التي ألفتها للبحث عن بعض الحقائق في تاريخ تونس، لكنه ما عاد إلى تونس ليستقر فيها، بل شد الرحال إلى دمشق وكانت الأمة السورية تطالب الحكومة العثمانية بإعطاء اللغة العربية حقها من التعليم في المدارس الرسمية، فعين الشيخ مدرسا للغة العربية في المدرسة السلطانية بدمشق سنة 1912م ثم سافر إلى الآستانة ولقي وزير حربيتها (أنور باشا) فاختار الشيخ محررا عربياً بالوزارة وفي هذا المنصب عرف كثيراً من التيارات الخفية والظاهرة، وشاهد الدولة تترنح تحت تأثير عوامل الفساد، فنظم قصيدة تفيض بالحسرة والألم على مجد الأمة الإسلامية جعل عنوانها (بكاء على مجد ضائع) قال فيها:
أدمى فؤادى أن أرى الأ قلام ترسف في القيود
فهجرت قوما كنت في أنظارهم بيت القصيد
وحسبت هذا الشرق لم يبرح على عهد الرشيد
فإذا المجال كأنه من ضيقه خلق الوليد
وعاد إلى الآستانة فوجد خاله الشيخ المكي بن عزوز قد توفي قبل عودته بشهرين، ثم ضاقت به العاصمة العثمانية على سعتها، وحن إلى دمشق فعاد إليها، وكان الحاكم العام في سوريا حينئذ أحمد جمال باشا الطاغية الجبار الذي لم يسلم أحد من شره، فامتد شره إلى الشيخ فاعتقله في رمضان سنة 1334هـ وألقى به في زنزانة ضيقة بالسجن نال فيها ألواناً شتى من العذاب، وكان رفيقه في الزنزانة الأستاذ سعدي بك الملا الذي ولي رئاسة الوزارة بلبنان فيما بعد.
وتم الإفراج عنه بمساعدة أنور باشا، واتجه إلى الآستانه فلما بلغها أوفده أنور باشا للمرة الثانية إلى ألمانيا سنة 1335هـ، فالتقى فيها بزعماء الحركات الإسلامية أمثال الشيخ عبد العزيز جاويش والدكتور عبد الحميد سعيد والدكتور أحمد فؤاد، فقضى بألمانيا فترة طويلة، ثم عاد إلى الآستانة ثم إلى دمشق فتولى التدريس بالمدرسة السلطانية مرة أخرى بقية سنة 1335هـ وسنة 1336 هـ وفي هذه المدة درس لطلبته كتاب (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) لابن هشام النحوي الشهير، وكان يرجع في تقرير المسائل المتصلة بالسماع والقياس إلى الأصول المقررة والمستنبطة فاقترح عليه بعض النابهين من الطلبة هذه الأصول المتفرقة، فألف بحثا مفصلا في حقيقة القياس وشروطه ومواقفه وأحكامه، وكان هذا البحث أساس الكتاب الذي ألفه في مصر ونال به عضوية جماعة كبار العلماء.
وفي سنة 1337هـ ذهب إلى الآستانة وكانت الحرب العالمية الأولى في نهايتها والدولة مؤذنة بالزوال، فتوجه إلى ألمانيا مرة ثالثة وقضى هناك سبعة أشهر، ثم عادمنها إلى دمشق مباشرة وقال في هذا:
سئمت، وما سئمت سوی مقامی بدار لا يروج بها بياني
فأزمعت الرحيل، وفرط شوقي إلى بردى تحكم في عناني.
ثم وقع الاحتلال الفرنسي لسوريا، ففكر الشيخ في أن يعود إلى تونس ويستقر بها ما بقي من حياته، وإن كان قلبه معلقا بدمشق.
واستقر عزمه أخيرا على أن يستوطن القاهرة حيث يسعد فيها بلقاء أصدقائه من كبار العلماء وزعماء النهضة الوطنية والأدبية، فحضر إليها سنة 1339هـ وأخذ يشتغل بالبحث والدراسة وكتابة المقالات، وفى سنة 1340 هـ ألف رسالته القيمة (الخيال في الشعر العربي) ثم جذبته دار الكتب المصرية إليها فعمل محررا بالقسم الأدبي فيها عدة سنوات، ثم تجنس بالجنسية المصرية وتقدم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر وكانت لجنة الامتحان برئاسة العلامة الشيخ عبد المجيد اللبان، فكانت اللجنة كلما تعمقت الأسئلة وجدت منه تعمقا في الإجابة مع غزارة علم وقوة حجة وبلاغة آراء، فنال العالمية وانضم إلى طليعة علماء الأزهر.
وتفرغ – كعادته – للكتابة والبحث والمحاضرة حتى لقي ربه راضيا مرضيا في مساء الأحد الثالث عشر من رجب 1377هـ الموافق الثاني والعشرون من فبراير سنة 1958م.
وفى سنة 1342 هـ أسس جمعية (تعاون جاليات إفريقيا الشمالية) وسن لها قانوناً طبعه صديقه السيد محب الدين الخطيب، وكان دائب الحركة يَدْرس ويُدَرِّس ويحاضر ويكتب للصحف والمجلات ويشترك في الجمعيات والأندية، وكان يرى نهضة الأمة الإسلامية مرتبطة بالدراسات العلمية والإنتاج الصناعي.
وفي سنة 1345 هـ ظهر كتاب (في الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين فأحدث ضجة كبيره، لأن الدكتور صرح فيه بمخالفته للقرآن الكريم حيث قال: للتوارة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل ولكن هذا لا يكفي لإثبات وجودها التاريخي ... وكان هذا الكتاب يدور على إنكار أصالة الشعر الجاهلي وادعاء أنه منحول فبادر الشيخ الخضر بنقده ونقضه في كتابه القيم (نقض كتاب في الشعر الجاهلي) فأفاد به وأمتع ورد الحق إلى نصابه.
ولقد ذكره الدكتور عبد الحليم محمود فيمن أثروا في حياته فقال عنه (مؤمن صادق الإيمان، مجاهد مناضل جاهد في صفوف الوطنيين حتى حكم عليه بالإعدام، وجاء إلى مصر عالما ثبتا فقيها لغويا أديبا كاتباً من الرعيل الأول، وقد أرضى بنزعته المعتدلة وحجته القوية وتثبيته مما يقول جميع الطوائف وذلك أن كل رأي يقول به إنما يستند إلى دليل واضح مقبول، ولقد أسهم في الحركة الفكرية الإسلامية بنصيب وافر ... فقد كان عالما تفرغ للعلم لم يشغله عنه شاغل من شواغل الدنيا أو الجاه أو السلطان وحينما تولى مشيخة الأزهر لم يغير شيئا من عاداته، كان على استعداد كامل ودائم لأن يعيش على كسرة من الخبز وكوب من اللبن، ولأنه لم يكن له في شهوات المنصب من حظ، فإنه كان دائما يحتفظ باستقالته في جيبه ولقد كان يقول: (إن الأزهر أمانة في عنقي أسلمها - حين أسلمها - موفورة كاملة، وإذا لم يتأت أن يحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي فلا أقل من ألا يحصل له نقص) ومات رحمه الله تعالى لم يخلف من حطام الدنيا شيئا ...مات وقد قدم لآخرته النصيب الأوفر من حياته، بل كل حياته رضي الله عنه وأرضاه.
انظر كامل الترجمة في كتاب شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج/4 – ص 27 - 33.