عمر بن محمد البكري اليافي، أبو الوفاء، قطب الدين:
شاعر، له علم بفقه الحنفية والحديث والأدب. أصله من دمياط (بمصر) ومولئده بيافا، في فلسطين. أقام مدة في غزة، وتوفي بدمشق.
كان خلوتي الطريقة، نظم موشحات أكثرها في مصطلح القوم. وله " ديوان شعر - ط " ورسائل، منها " قطع النزاع في الرد على من اعترض على العارف النابلسي في إباحة السماع ". قلت: واقتنيت " مجموع - خ " في جزء لطيف، من رسائله. هذه أسماؤها: " شرح بيت النابلسي الّذي أوله: طه النبي تكونت من نوره " و " مراعاة حق الوالدين " و " الجواب على سؤال: هل الآخرة دار تكليف " و " شرح بيت: إياك إياك " المنسوب لابن العربيّ، و " شرح بيت: وما كنت أدري قبل عزة ما البكا " و " شرح بيتين لابن العربيّ أولهما: يا قبلتي خاطبيني بالسجود " و " رسالة في باء البسملة " و " رسالة في النهي عن استخدام غير المسلمين في الأعمال " و " جواب على سؤال من الشيخ محمَّد العَطَّار " و " رسالة الذكر بهو وآه وها " و " رسالة إلى أحد الحكام في التشديد على السارق إذا أنكر التهمة " .
-الاعلام للزركلي-
ومن قصائده:
دُعَاءٌ وَاسْتِغَاثَةٌ لِسَيِّدِي عُمَرَ اليَافِيِّ
(رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى)
يَا مَنْ يُغِيثُ الْمُستَغِيثْ | إِنْ لَمْ تُغِثْنَا مَنْ يُغِيثْ |
وَمَا لَنا رَبٌّ مُغِيثْ | سِوَاكَ يَا رَبَّ الْعِبَادْ |
فِينَا صِغَارٌ رُضَّعُ | فِينَا شُيُوخٌ رُكَّعُ |
كَـذَا بَهَـائـِــمُ رُتَّــعُ | وَأَنْتَ لِلْكُلِّ مُرَادْ |
جَهْدُ الْبَلَا حَلَّ بِنَا | ضَاقَ الْفَلا مِنْ كَرْبِنَا |
وَكُلُّ ذَا مِنْ ذَنْبِنَا | فَهُوَ الَّذِي طَمَسَ الْفُؤَادْ |
إِنْ كُنْتَ غَيْثَ الطَّائِعِينْ | فَمَنْ يُغِيثُ الْمُذْنِبِينْ |
رَحْمَةُ خَيْرِ الرَّاحِمِينْ | مُطْلَقَةٌ بِلَا قِيَادْ |
إِنْ كَانَ لَا يَرْجُو عَطَاكْ | إِلَّا الْمُطِيعُ إِلَى هُدَاكْ |
بَمَنْ يَلُوذُ مَنْ عَصَاكْ | أَنْتَ لِمَنْ قَدْ ضَلَّ هَادْ |
يَا رَبِّ عَامِلْنَا بِمَا | أَنْتَ لَهُ أَهْلٌ كَمَا |
عَوَّدْتَ هَذَا كَرَمَا | عَبِيدَ جُودِكَ يَا جَوَادْ |
يَا رَبِّ قُلْتَ اسْتَغْفِرُوا | رَبَّكُـــمُ فَيَــــغْفِرُ |
يَأْتِي السَّحَابُ الْمُمْطِرُ | يُرْوي العِبَادَ وَالْبِلادْ |
فَيَا رَحِيمَ الرُّحَمَا | وَيَا كَرِيمَ الْكُرَمَا |
أَفِضْ أَفِضْ غَيْثَ السَّمَا | فِي الْأَرْضِ فَهِيَ لَنَا مِهَادْ |
رَحْمَةُ رَبِّي وَسِعَتْ | لِكُلِّ شَيءٍ جَمَعَتْ |
عَادَاتُهَا مَا انْقَطَعَتْ | وَلْمُ تَـزَلْ بِالازْدِيَـادْ |
بِالْمُصْطَفَى جُدْ يَا كَريمْ | فَهُوَ الرَّؤوفُ بِنَا الرَّحِيمْ |
مَنْ كَانَ فِي الْعِلمِ الْقَدِيمْ | مِنْهُ الْوُجُودُ مُستَفَادْ |
صَلَّى عَلَيْهِ اللهُ مَا | غَيْثُ السَّمَاءِ انْسَجَمَا |
وَقَـدْ هـَمَــا فعَـمّـمـا | كُلَّ الْأبَاطِحِ وَالْوِهَادْ |
وَآلـِـــهِ وَصَـحْـبِـهِ | وَرَهْطِــهِ وَحِزْبـِــهِ |
فَهُمْ غُيُوثُ سُحْبِهِ | لِلْخَلْقِ فِي نَهْجِ السَّدَادْ |
فَاغْفِرْ لِلنَّاظِمِ يَا تَوَّابْ | أَيْضاً وَالنّاشِرِ يَا وَهَّابْ |
عَبْدٌ وَقِيعٌ فِي الْأَعْتَابْ | يَرْجُو النَّجَاةَ فِي الْمَعَادْ |
وصَلَّى الله على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّم، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
إن حضرة مولانا وأستاذنا قدوة العلماء الأعلام العلامة من بأنوار فقهه انار الأفهام المفسر المحدث جامع أشتات العلوم وإمام المنطوق والمفهوم النقي النقي الصالح صاحب الفضيلة والفضل الشيخ عبد الباسط أفندي فاخوري زاده مفتي مدينة ولاية بيروت حالاً تكرم علينا في ترجمة حضرة سيدنا الولي الكبير مولانا صاحب هذا الكتاب المستطاب لكونه عالما فضله حريصاً على ترجمة حياته ومحباً لعقبه فقال:
أبو الوفا قطب الدين الشيخ عمر بن محمد بن محمد الدمياطي اليافي شهرة ومولدا الغزي وطنا الحنفي مذهباً الخلوتي طريقة البكري مشربا الحسيني نسباً العالم العامل العلامة الولي العارف الفهامة الناسك الصالح المرشد الناصح الأوحد البارع البركة الكامل المتفنن بجميع العلوم والفنون شيخ الجميع ومربي المريدين فاضل يملأ المسامع إذا قال والمقل وتزعن له الاقران إذا روى ونقل قال لي والدي رحمه الله كان شيخنا وأستاذنا الشيخ عمر اليافي قدس سره إذا تكلم أفاد وإذا كتب أجاد ولد في مدينة يافا سنة 1173 ونشأ بها وتلا القرآن العظيم تجويدا وحفظاً وإتقانا وهو دون العشر على الشيخ علي الخالدي ثم أخذ وجد بطلب العلم فقرأ في يافا على كل من النور علي الرشيدي والشمس محمد مهيار الحنفيين وأبي التقى عبد القادر الطرابلسي والشباب أحمد زائد الغزي ثم رحل في طلب العلم فأخذ في نابلس عن الصفي محمد بن محمد البخاري والشهاب أحمد بن محمد الباقاني والشيخ محمد بن أحمد المنقاري ثم عن الشيخ الشهاب النخال الغزي وأبي النجا سالم السلمي والشيخ سليم الدجاني الشافعيين ثم رحل إلى مصر فأخذ عن معظم شيوخها بها ثم رجع إلى غزة وأخذ الطريقة الخلوتية وكمل علوم الحقيقة وسلك على شيخ الشيوخ بها العالم العلامة والعارف الحبر البحر الفهامة الأستاذ المرشد أبي الفتوح كمال الدين الصديقي المتوفى بها سنة 1196 صاحب البديعية والتأليف الحسان ابن الاستاذ العالم العلامة الولي العارف الرباني ذي الكرامات الظاهرة والمكاشفات الباهرة صاحب الفتح القدسي والكشف الأنسي المسمى بورد السحر ذي التآليف المفيدة والتصانيف الكثيرة المشهورة أبى المعارف قطب الدين السيد مصطفى بن كمال الدين البكري الصديقي المتوفى سنة 1162 ثم قدم المترجم قدس سره إلى دمشق الشام سنة 1198 فأخذ بها عن جملة شيوخها ثم تجول وساح البلاد الشامية والحجاز وغيرها لإقامة الطريق والأذكار ونشر العلم والإرشاد وملازمة الأوراد وحج وزار الأماكن المقدسة والمشاعر العظام والأولياء والصالحين والعلماء الأعلام بكل جد واجتهاد وقد صنف وألف وحقق ودقق وأفاد وله نظم وموشحات كثيرة أكثرها على مصطلح القوم والعرفان وله أشعار رقيقة ومعان رشيقة تدل على كثرة اطلاعه وتفننه وتحقيقه وتحققه جمع بعضها حفيده الشيخ عبد الكريم ابن شيخنا الشيخ محمد أبي النصر اليافي الخلوتي وجعلها مجموعة لطيفة بعد جد وجهد ليجتني من قطوفها الدانية فتح الله عليه فتوح العارفين ومن تصانيف المترجم نفعنا الله به رسالة هداية أهل المحبة في معنى قوله ﷺ من عرف نفسه عرف ربه ورسالة لباب المغنم ومنية المغرم في معنى الاسم الأعظم ورسالة في الفرق بين الواحد والأحد. ورسالة في الحض على بر الوالدين ورسالة في حل وتفسير البيتين للشيخ الأكبر ابن عربي قدس الله سره العزيز
اياك اياك يا احياك من اياك | واخرج لا ياك من اياك عن اياك |
وافن باياك عن اياك من اياك | وانظر لاياك تلق اياك هو اياك |
ورسالة في الطريقة النقشبندية وتفسير الاحدى عشرة كلمة المبني عليها الطريقة ورسالة في حكمة اجتماع الذاكرين وحركاتهم على طريق الصوفية ورسالة في معنى التصوف والصوفي ورسالة في حل البيت المشهور
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا | ولا موجعات القلب حتى تولت |
على طريقة أهل العرفان وهي رسالة بديعة في بابها ورسالة في دخول الحمام ورسالة منح العليم في بسم الله الرحمن الرحيم ورسالة قطع النزاع وكشف القناع في الرد على من اعترض على العارف النابلسي في إباحة السماع ورسالة في اسم علي ألفها لعلي آغا حاكم عكار وقتئذ وقد أجاد بها كل الإجادة وله غير ذلك من حل عبارات من الفتوحات وفصوص الحكم وكلام أهل العرفان ورسائل كثيرة ومكاتبات ومراسلات إلى تلاميذه وغيرهم في البلاد وله اليد الطولى في الفقه والتفسير والحديث والنحو واللغة وكلام القوم والعارفين وقد أهدى له رجل من تلاميذه زهرة تسمى فتنة فقال ارتجالا:
لله درك طيبا | قد عطرتني تفحتك |
وقد سبت مني النهى | إن هي إلا فتنتك |
ثم استوطن دمشق الشام ذات الثغر البسام المملوءة وقتئذ بالأدباء والعلماء الأعلام واتخذ له في جامع بني أمية حجرة كبيرة تعرف إلى الان بمشهد اليافي لإفادة المريدين وإقامة الأوراد بكل احترام وتوفي في دمشق مستحضرا للذكر والمذكور بجد واهتمام في غرة ذي الحجة الحرام سنة 1233 من هجرة خير الأنام عليه من الله أفضل الصلاة وأتم السلام ودفن بتربة مرج الدحداح وله قبر يزار ويتبرك به بكل توفير وإكرام ورثاه أهل العصر من كل بلد من العلماء والأدباء بالمراثي الطنانة من جملتها مرئية طويلة للأديب المشهور الشيخ أمين الجندي الحمصي مطلعها:
قسي المنايا ما لا سهمها رد | فما حيلتي والصبر قد دكه البعد |
ومجمل القول في صاحب هذه الترجمة أنه كان جامعا لأنواع الفضائل والمآثر وكأنه المعنيُّ بقول الشاعر
حلف الزمان ليأتين بمثله | حاشت يمينك يا زمان فكفر |
عليه من الله سحائب الرحمة والرضوان
ومن عقبه قدس سره الشيخ محمد والشيخ محيي الدين والشيخ محمد أبو النصر أما الشيخ محمد الملقب بالزهري فهو الصالح الناسك المرشد الناصح التقي النقي القائم مقام والده الأستاذ بالإرشاد توفي بدمشق الشام سنة 1277
وـما الشيخ محي الدين فهو العالم العامل العلامة الكامل الفقيه الفهامة تولى الإفتاء في بيروت سنين ثم فصل وتوفي في بيروت سنة 1304 وأما الشيخ محمد أبو النصر فهو الأستاذ الكامل والعارف الواصل قام مقام والده الأستاذ الكبير في الإرشاد وحسن السلوك توفي بمصر سنة 1280 رحم الله الجميع ونفعنا بهم آمين.
ديوان الشيخ عمر اليافي ص 3 – 6.