علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي
علاء الدين
تاريخ الولادة | 631 هـ |
تاريخ الوفاة | 714 هـ |
العمر | 83 سنة |
مكان الوفاة | الكرك - الأردن |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن خطاب الشَّيْخ الإِمَام عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ
إِمَام الْأُصُولِيِّينَ فِي زَمَانه وَفَارِس ميدانه وَله الباع الْوَاسِع فِي المناظرة والذيل الشاسع فِي المشاجرة وَكَانَ أسدا لَا يغالب وبحرا تتدفق أمواجه بالعجائب ومحققا يلوح بِهِ الْحق ويستبين ومدققا يظْهر من خفايا الْأُمُور كل كمين
وَكَانَ من الْأَوَّابِينَ الْمُتَّقِينَ ذَوي التَّقْوَى والورع وَالدّين المتين
وَعنهُ أَخذ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد الْأَصْلَيْنِ وَبِه تخرج فِي المناظرة وَفِيه يَقُول عِنْد مَوته من قصيدة رثاه بهَا
(فَلَا تعذلنه أَن يبوح بوجده ... على عَالم أوري بلحد مقدس)
(تعطل مِنْهُ كل درس وَمجمع ... وأقفر مِنْهُ كل نَاد ومجلس)
(وَمَات بِهِ إِذا مَاتَ كل فَضِيلَة ... وَبحث وَتَحْقِيق وتصفيد مُفلس)
(وإعلاء دين الله إِن يبد زائغ ... فيخزيه أَو يهدي بِعلم مؤسس)
قلت مَاذَا عَسى الواصف أَن يَقُول فِي الشَّيْخ الْبَاجِيّ بعد مقَالَة الشَّيْخ الإِمَام الَّذِي كَانَ لَا يحابي أحدا فِي لَفْظَة فِي حَقه هَذِه الْمقَالة
وَكَانَ شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد كثير التَّعْظِيم للشَّيْخ الْبَاجِيّ وَيَقُول لَهُ إِذا ناداه يَا إِمَام
سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول كَانَ ابْن دَقِيق الْعِيد لَا يُخَاطب أحدا السُّلْطَان أَو غَيره إِلَّا بقوله يَا إِنْسَان غير اثْنَيْنِ الْبَاجِيّ وَابْن الرّفْعَة يَقُول للباجي يَا إِمَام وَلابْن الرّفْعَة يَا فَقِيه
وَكَانَ الْبَاجِيّ أعلم أهل الأَرْض بِمذهب الْأَشْعَرِيّ فِي علم الْكَلَام وَكَانَ هُوَ بِالْقَاهِرَةِ والهندي بِالشَّام القائمين بنصرة مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ والباجي أذكى قريحة وأقدر على المناظرة
وَكَانَ فَقِيها متقنا سَمِعت بعض أَصْحَابه يَقُول كَانَ الْبَاجِيّ لَا يُفْتِي بِمَسْأَلَة حَتَّى يقوم عِنْده الدَّلِيل عَلَيْهَا فَإِن لم ينْهض عِنْده قَالَ مَذْهَب الشَّافِعِي كَذَا أَو الْأَصَح عِنْد الْأَصْحَاب كَذَا وَلَا يجْزم
وَمَعَ اتساع بَاعه فِي المباحث لم يُوجد لَهُ كتاب أَطَالَ فِيهِ النَّفس غير كتاب الرَّد على الْيَهُود وَالنَّصَارَى بل لَهُ مختصرات لَيست على مِقْدَاره مِنْهَا كتاب التَّحْرِير مُخْتَصر الْمُحَرر فِي الْفِقْه ومختصر فِي الْأُصُول ومختصر فِي الْمنطق قيل مَا من علم إِلَّا وَله فِيهِ مُخْتَصر تفقه على شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام بِالشَّام فَإِن الشَّيْخ عَلَاء الدّين مبدأ اشْتِغَاله فِيهَا
وَكَانَت بَينه وَبَين الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ صداقة وصحبة أكيدة ومرافقة فِي الِاشْتِغَال حكى لي نَاصِر الدّين بن مَحْمُود صَاحب الْبَاجِيّ قَالَ حكى لي الْبَاجِيّ قَالَ ابتدأت أَنا وَالنَّوَوِيّ فِي حفظ التَّنْبِيه فَسَبَقَنِي إِلَى النّصْف الأول وسبقته إِلَى خَتمه قَالَ وَكَانَ النَّوَوِيّ يحب طَعَام الكشك فَكَانَ إِذا طبخه يُرْسل إِلَيّ يطلبني لآكل مَعَه فَلَا أجد إِلَّا كشكا وَمَاء مَائِعا فتعافه نَفسِي فرحت إِلَيْهِ مرّة بعد مرّة للصحبة الَّتِي بَيْننَا فَلَمَّا كَانَت الْمرة الْأَخِيرَة امْتنعت فجَاء بِنَفسِهِ إِلَيّ وَقَالَ وَالله يَا شيخ عَلَاء الدّين أَنا أحبك وَأحب الكشك وَمَا أشهى أَن أطبخه إِلَّا وآكل أَنا وَأَنت فإمَّا تَجِيء إِلَيّ وَإِمَّا آخذه
وأجيء إِلَيْك قَالَ فَقلت لَهُ وَالله يَا شيخ محيي الدّين أَنا أحبك إِلَّا وَالله مَا أحب كشكك
وَسمع جُزْء ابْن جوصا من أبي الْعَبَّاس بن زيري
مولده سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
وَولي قَضَاء الكرك قَدِيما ثمَّ اسْتَقر بِالْقَاهِرَةِ
وَكَانَ إِلَيْهِ مرجع المشكلات ومجالس المناظرات وَلما رَآهُ ابْن تَيْمِية عظمه وَلم يجر بَين يَدَيْهِ بِلَفْظَة فَأخذ الشَّيْخ عَلَاء الدّين يَقُول تكلم نبحث مَعَك وَابْن تَيْمِية يَقُول مثلي ليا تكلم بَين يَديك أَنا وظيفتي الاستفادة مِنْك
وَتُوفِّي بهَا فِي سادس ذِي الْقعدَة سنة أَربع عشرَة وَسَبْعمائة
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ
أخبرنَا الْوَالِد رَحمَه الله قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا شَيخنَا أَبُو الْحسن الْبَاجِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ على بَدْء أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف بن عبد الله بن زيري التلمساني بِدِمَشْق ح
وَأخْبرنَا تَاج الدّين عبد الرَّحِيم بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ وَمُحَمّد بن عَليّ بن يحيى الشاطبي قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع قَالَا أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن أبي الْيُسْر
وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الخباز بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا كَمَال الدّين بن عبد الْحَارِثِيّ حضورا قَالُوا أخبرنَا بَرَكَات بن إِبْرَاهِيم الخشوعي أخبرنَا عبد الْكَرِيم بن حَمْزَة بن الْخضر السّلمِيّ أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الحنائي أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الْوَهَّاب بن الْحسن بن الْوَلِيد بن مُوسَى بن رَاشد الْكلابِي أخبرنَا أَحْمد بن عُمَيْر بن يُوسُف الْحَافِظ قِرَاءَة عَلَيْهِ حَدثنَا كثير بن عبيد حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب عَن الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من حلف مِنْكُم فَقَالَ فِي حلفه بِاللات فَلْيقل لَا إِلَه إِلَّا الله وَمن قَالَ لصَاحبه تعال أقامرك فليتصدق) // رَوَاهُ النَّسَائِيّ // عَن كثير بن عبيد هَذَا فَوَقع لنا مُوَافقَة عالية وَللَّه الْحَمد
وَمن شعره أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله من لَفظه قَالَ أنشدنا شَيخنَا عَلَاء الدّين لنَفسِهِ من لَفظه فِي الصِّفَات الَّتِي أثبتها شيخ السّنة أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ
(حَيَاة وَعلم قدرَة وَإِرَادَة ... وَسمع وإبصار كَلَام مَعَ البقا)
(صِفَات لذات الله جلّ قديمَة ... لَدَى الْأَشْعَرِيّ الحبر ذِي الْعلم والتقى)
قلت أرشق من هَذَا قَول الشاطبي فِي الرائية
(حَيّ عليم قدير وَالْكَلَام لَهُ ... فَرد سميع بَصِير مَا أَرَادَ جرى)
قلت أَنا أبدل قَوْله فَرد بباق لتتم الصِّفَات فِي نسق وَاحِد
أنشدنا الشَّيْخ الإِمَام لفظا أنشدنا شَيخنَا الْبَاجِيّ لنَفسِهِ
(رثى لي عودي إِذْ عاينوني ... وسحب مدامعي مثل الْعُيُون)
(وراموا كحل عَيْني قلت كفوا ... فَأصل بليتي كحل الْعُيُون)
أنشدنا الشَّيْخ نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن مَحْمُود البساسي المنجد وَهُوَ من أخصاء الشَّيْخ الْبَاجِيّ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِالْقَاهِرَةِ قَالَ أنشدنا شَيخنَا عَلَاء الدّين من لَفظه لنَفسِهِ
(يَقُول أَضْعَف العبيد الراجي ... مغْفرَة عَليّ بن الْبَاجِيّ)
(الْحَمد لله على التَّوْفِيق ... لفهم مَا ألهم من تَحْقِيق)
(وَكم لَهُ من نعْمَة وجود ... أَوله إفَاضَة الْوُجُود)
(ثمَّ الصَّلَاة وَالسَّلَام الأبدي ... على النَّبِي الْمُصْطَفى مُحَمَّد)
(وَآله وَصَحبه وعترته ... وَالتَّابِعِينَ بعدهمْ لسنته)
(اعْلَم فدتك النَّفس يَا حبيب ... أَن السعيد الْعَالم الأديب)
(وَهُوَ الَّذِي حوى الْعُلُوم كلهَا ... وَفك مشكلاتها وحلها)
(كالفقه والأصلين والتوريث ... والنحو والتصريف والْحَدِيث)
(وَالْعلم بالتفسير والمعاني ... ومنطق الْأمين وَالْبَيَان)
(والبحث واللغات والإخبار ... عَن قصَص الماضين فِي الْأَعْصَار)
(والطب للأبدان والقلوب ... وكل علم نَافِع مَطْلُوب)
(واستثبت الْمَنْقُول مِنْهَا ضابطا ... وحقق الْبُرْهَان والمغالطا)
(وَسَار فِي مسالك الْعُقُول ... على الطَّرِيق الْوَاضِح الْمَعْقُول)
(فحقق الْأُصُول والفروعا ... مقيسا الْعقلِيّ والمسموعا)
(وانقاد طَائِعا لأمر الشَّرْع ... فِي حكم أصل دينه وَالْفرع)
(مُجْتَهدا فِي طَاعَة الرَّحْمَن ... بالْقَوْل وَالْفِعْل وبالجنان)
(مكمل الْإِيمَان بِالْإِحْسَانِ ... إِلَى جَمِيع الْإِنْس وَالْحَيَوَان)
(كَيْمَا يحوز الْفَوْز بالجنان ... وحورها الْعين وبالولدان)
(وكل مَا لم تره العينان ... وكل مَا لم تسمع الأذنان)
(فانهض بإقدام على الْأَقْدَام ... إِن كنت للعلياء ذَا مرام)
(وشمر السَّاق عَن اجْتِهَاد ... مثل اجْتِهَاد السَّادة الْعباد)
(واستنهض الهمة فِي التَّحْصِيل ... من كل شيخ عَالم فُضَيْل)
(وارحل إِلَى من يسْتَحق الرحله ... خلف الْفُرَات أَو وَرَاء الدجله)
(حَيْثُ انْتَهَت أخباره إليكا ... فقصده محتم عليكا)
(واطرح رِدَاء الْكبر عَن عطفيكا ... وَقل لداعي الْعلم يالبيكا)
(وَاسع إِلَيْهِ مَاشِيا أَو رَاكِبًا ... كَمَا اسْتَطَعْت للتقى مصاحبا)
(تضع لَك الْأَمْلَاك من رِضَاهَا ... أَجْنِحَة وَكم كَذَا سواهَا)
(من سنة دلّت على التَّفْضِيل ... وَآيَة فِي مُحكم التَّنْزِيل)
(كإنما يخْشَى وَخذ مَوْزُونا ... هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمونا)
(وتوج الْعلم بتاج الْعَمَل ... مزين بحليه وَالْحلَل)
(فَإِنَّهُ لَهُ على الفحول ... من الرِّجَال خلعة النحول)
(من سهر اللَّيْل على الْأَقْدَام ... بَين يَدي مُصَور الْأَنَام)
(وَإنَّهُ الْمَقْصُود بالعلوم ... عِنْد ذَوي الفطنة والفهوم)
(وأخلص النِّيَّة فِي الْأَعْمَال ... لصانع الْعَالم ذِي الْجلَال)
(فَإِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ... وَكَونهَا لله خالصات)
(وَلَيْسَ يرضى رَبنَا عباده ... أشركت فِيهَا مَعَه عباده)
(فَوحد الْقَصْد بهَا لله ... وَلَا تكن عَن قَصده باللاهي)
(واعمر بِذكر الله قلبا خَالِيا ... من غَيره تنَلْ مقَاما عَالِيا)
(يذكرك فِي الْأَمْلَاك فَوق الفوق ... فانتهز الفرصة يَاذَا الشوق)
(واغتنم الصَّلَاة فِي الدياجي ... إِن الْمُصَلِّي ربه يُنَاجِي)
(ودق بالجبهة وَجه الأَرْض ... فِي الصَّلَوَات النَّفْل بعد الْفَرْض)
(يحببك رَبِّي وتنل بحبه ... مَا فِي الحَدِيث من عَطاء قربه)
(وَمَا أجل ذَا الْمقَام وقتا ... حَتَّى تجله وَأَنت أنتا)
(فَذا الْمقَام فهمه يهول ... تعجز عَن تَحْقِيقه الْعُقُول)
(وَقد علمت شطحة الحلاج فِي ... مقاله فإثره لَا تقتف)
(إِن الطَّرِيق همة وَحَال ... تثمرها الْأَعْمَال لَا الْمقَال)
(واسلك طَرِيق الْعلم والأعمال ... كِلَاهُمَا مُحَقّق الآمال)
(هما طَرِيق الْفَوْز لَا محاله ... يسلكها مَشَايِخ الرساله)
(كالليث والجنيد والدينوري ... والعجمي وَالسري وَالثَّوْري)
(جَوَاهِر الرِّجَال فِي الْوُجُود ... بعد النَّبِيين لَدَى المعبود)
(تفز بِأَعْلَى الْأجر وَالْأَحْوَال ... وأوضح الْفتُوح للرِّجَال)
(وَرُبمَا نلْت الْمقَام العالي ... بالكشف والتفريق بالمقال)
(حَتَّى إِذا قَالَ الْوَلِيّ كن كَذَا ... كَانَ سَوَاء كَانَ نفعا أَو أَذَى)
(بِإِذن ربه وطوع قدرته ... على سَبِيل فَضله وَنعمته)
(كَذَا أَتَى عَن سالكي الطريقه ... وَكن بِذَاكَ مُؤمنا حقيقه)
(إِذْ مَذْهَب السّنة وَهُوَ الْأَحْسَن ... أَن كرامات الْوَلِيّ تمكن)
(لِأَنَّهَا وَإِن تكن كالمعجزه ... فالخرق بالتقييد عَنْهَا محرزه)
(فِيهَا التحدي دَائِما مَعْدُوم ... وَذَاكَ فرق وَاضح مَعْلُوم)
(وَكَثْرَة الْأَخْبَار عَنْهَا مانعه ... كذب الْجَمِيع فَهِيَ حتما واقعه)
(وَهَذِه طَريقَة ظريفه ... لَيست سخيفة وَلَا ضعيفه)
(كنسب إتْيَان السخا لحاتم ... بِكَثْرَة الْأَخْبَار بالمكارم)
(وَقد أَتَى بنقلها الْكتاب ... واتضح الْبَاطِل وَالصَّوَاب)
(كقصة الْخضر مَعَ الكليم ... تحوي كرامات فَخذ تفهيمي)
(مواهب تصدر عَن كريم ... وَعَن قدير عَالم حَكِيم)
(أسعد من أَرَادَ بالتقديم ... بفضله فِي حكمه الْقَدِيم)
(سُبْحَانَ من أنعم بالتكريم ... وقربه وفضله العميم)
(وَمَا حكى من قصَّة لمريما ... وَأَنه يرزقها تكرما)
(يَأْتِي إِلَيْهَا كل وَقت رزق ... من عَالم الْغَيْب وَذَاكَ صدق)
(فَهَل بَقِي للاعتزال مُسْتَند ... من بعد مَا بَينته فيعتمد)
(وَجَاء فِي الْآثَار أَيْضا عَن عمر ... من ذَاك مَا بَين الروَاة قد ظهر)
(صياحه بمنبر الْمَدِينَة ... الْجَبَل اقصده تَجِد كمينه)
(يُرِيد إرشاد الْأَمِير ساريه ... إِلَى مكايد الْأسود الضاريه)
(وَفِي نهاوند أَتَاهُ الصَّوْت ... وَكَاد لولاه يكون الْفَوْت)
(فأسرع الْأَمِير بالسريه ... ممتثل الْأَوَامِر المرضيه)
(فأدركوا الكمين خلف الْجَبَل ... فاستأصلوه بالقنا والأسل)
(وامتلت الفلاة بالجماجم ... وفاز حزب الله بالغنائم)
(وَذَاكَ فِيهِ الْكَشْف والتصريف ... الْعلم والأسماع يَا ظريف)
(جلّ الْإِلَه مظهر الْعَجَائِب ... على يَدي عبيده الحبائب)
(من جَاءَهُ يمشي أَتَاهُ هروله ... برغم أنف سَائِر المعتزله)
(ينيل أولياءه الآمالا ... وفوقها من يَده تَعَالَى)
(وَمَا جرى لِأَحْمَد الرِّفَاعِي ... وَشَيخ كيلان كَمَا سَمَاعي)
(لما خطا فِي الجو فَوق الْمِنْبَر ... عشرا وَعَاد قَائِلا للحضر)
(عِنْد وُرُود وَارِد شرِيف ... من حضر الْقُدس بِلَا تكييف)
(على رِقَاب الْأَوْلِيَاء رجْلي ... وَالْحكم الْوَارِد لَا المستحلي)
(أَجَابَهُ أَحْمد فِي الرواق ... فِي وقته الْمَذْكُور يَا رفاقي)
(معترفا لقَوْله بِالصّدقِ ... وَشَاهدا بقوله وَعتق)
(فَقيل مَاذَا قَالَ عبد الْقَادِر ... قَالَ كَذَا مقَال صدق ظَاهر)
(فأرخوا مقاله فَكَانَا ... فِي وَقت شطح شَيخنَا نشوانا)
(كَأَنَّهُ من جملَة الحضار ... يُشَاهد الميعاد بالأبصار)
(مَا صده عَن كشف هَذَا الْحَال ... بعد فجل مانح الْأَحْوَال)
(وَذَاكَ من كليهمَا كرامه ... على ارْتِفَاع قدره علامه)
(وَمَا أَتَى عَن شَيخنَا السبتي ... وَذَاكَ أَمر لَيْسَ بالمخفي)
(تَأتي الكرامات على يَدَيْهِ ... سَلام رَبِّي دَائِما عَلَيْهِ)
(مهما أَرَادَ كَانَ لَا محاله ... من خَالق سُبْحَانَ من أناله)
(يقترح الْمَرْء شِفَاء عَن مرض ... لأَهله أَو دفع ضرّ قد عرض)
(أَو سقِِي بُسْتَان لَهُ أَو زرع ... أَو رد مَا قد ضَاعَ بَين الْجمع)
(يبْذل شَيْئا من فتوح الفقرا ... يرى يَسِيرا حسب مَا تيسرا)
(فَيحصل المُرَاد بالتلطف ... بِلَا تعسف وَلَا تكلّف)
(كَأَنَّهُ أَفعاله المعتاده ... وَهَذِه لعمرك السعاده)
(لَا الجاه والبنون وَالْأَمْوَال ... وَالْخَيْل وَالْحمير وَالْبِغَال)
(جَمِيعهَا على الْفَتى وبال ... ومنتهاها أبدا زَوَال)
(لذاتها مشوبة بالألم ... نعيمها مكدر بالنقم)
(فَحل مَا من بعد من حِسَاب ... وَمن عِقَاب فِيهِ أَو عتاب)
(بل من سُؤال مُنكر فِي الْقَبْر ... وَمن مَوَاقِف ليَوْم الْحَشْر)
(وخفة الْمِيزَان بِالْأَعْمَالِ ... وَخَوف دقة الصِّرَاط العالي)
(وهول أَحْوَال لظى نيران ... نَعُوذ بِاللَّه من الخسران)
(نسْأَل رب الْعَرْش والعباد ... بالمصطفى الْهَادِي إِلَى الرشاد)
(إلهامنا طرائق السداد ... من قَول أَو فعل أَو اعْتِقَاد)
(وعفوه لنا وللأجداد ... وَسَائِر الأهلين وَالْأَوْلَاد)
(وَالْمُسْلِمين حيهم والغادي ... تَحت الثرى فِي بَاطِن الألحاد)
(من كل ذَنْب سالف وَآت ... برحمة مِنْهُ إِلَى الْمَمَات)
(فَإِنَّهُ المرجو والمأمول ... والملتجى إِلَيْهِ والمسؤول)
(لَا رَاحِم سواهُ قطّ يقْصد ... وَلَا إِلَه غَيره فيعبد)
(كل إِلَى رَحمته فَقير ... وَفِي يَدي عِقَابه أَسِير)
(فِي كل مُمكن لَهُ تَقْدِير ... وَهُوَ بِهِ وَغَيره خَبِير)
(وَهُوَ على مَا شاءه قدير ... والنفع والضر بِهِ يصير)
(لَا مشبه لَهُ وَلَا نَظِير ... وَلَا شريك لَا وَلَا وَزِير)
(فَرد قديم وَاجِب بِالذَّاتِ ... منزه بِالذَّاتِ وَالصِّفَات)
(أرسل خير الْخلق فِي الْآفَاق ... مكملا مَكَارِم الْأَخْلَاق)
(مُحَمَّدًا خَاتم رسل رَبنَا ... مبشرا ومنذرا ومحسنا)
(صلى عَلَيْهِ رَبنَا وسلما ... مَا لَاحَ فجر طالع وكرما)
(وَآله وَصَحبه الأخيار ... الطيبين السَّادة الْأَطْهَار)
وَلما ظهر السُّؤَال الَّذِي أظهره بعض الْمُعْتَزلَة وكتم اسْمه وَجعله على لِسَان بعض أهل الذِّمَّة وَهُوَ
(أيا عُلَمَاء الدّين ذمِّي دينكُمْ ... تحير دلوه بأوضح حجَّة)
(إِذا مَا قضى رَبِّي بكفري بزعمكم ... وَلم يرضه مني فَمَا وَجه حيلتي)
(دَعَاني وسد الْبَاب عني فَهَل إِلَى ... دخولي سَبِيل بينوا لي قضيتي)
(قضى بضلالي ثمَّ قَالَ ارْض بالقضا ... فها أَنا رَاض بِالَّذِي فِيهِ شقوتي)
(فَإِن كنت بالمقضي يَا قوم رَاضِيا ... فربي لَا يرضى لشؤم بليتي)
(وَهل لي رضَا مَا لَيْسَ يرضاه سَيِّدي ... وَقد حرت دلوني على كشف حيرتي)
(إِذا شَاءَ رَبِّي الْكفْر مني مَشِيئَة ... فها أَنا رَاض بِاتِّبَاع الْمَشِيئَة)
(وَهل لي اخْتِيَار أَن أُخَالِف حِكْمَة ... فبالله فاشفوا بالبراهين حجتي)
وَيُقَال إِن هَذَا النَّاظِم هُوَ ابْن البققي الَّذِي ثَبت عَلَيْهِ أَقْوَال تدل على الزندقة وَقتل بِسيف الشَّرْع الشريف فِي ولَايَة الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد الْقشيرِي
وَكَانَ مقصد هَذَا السَّائِل الطعْن على الشَّرِيعَة فَانْتدبَ أكبر عُلَمَاء مصر وَالشَّام لجوابه نظما مِنْهُم الشَّيْخ عَلَاء الدّين فَقَالَ فِيمَا أنشدنا عَنهُ الشَّيْخ نَاصِر الدّين البساسي من لَفظه قَالَ أنشدنا الشَّيْخ عَلَاء الدّين الْبَاجِيّ لنَفسِهِ من لَفظه
(أيا عَالما أبدى دَلَائِل حيرة ... يروم اهتداء من أهيل فَضِيلَة)
(لقد سرني أَن كنت للحق طَالبا ... عَسى نفحة للحق من سحب رَحْمَة)
(فبالحق نيل الْحق فالجأ لبابه ... كَأَهل النهى واترك حبائل حيلتي)
(قضى الله قدما بالضلالة وَالْهدى ... بقدرة فعال بِلَا حكم حِكْمَة)
(إِذا الْعقل بل تحسينه بعض خلقه ... وَلَيْسَ على الخلاق حكم الخليقة)
(وأفعالنا من خلقه كذواتنا ... وَمَا فيهمَا خلق لنا بِالْحَقِيقَةِ)
(وَلكنه أجْرى على الْخلق خلقه ... دَلِيلا على تِلْكَ الْأُمُور الْقَدِيمَة)
(عرفنَا بِهِ أهل السَّعَادَة والشقا ... كَمَا شاءه فِينَا بمحض الْمَشِيئَة)
(كإلباس أَثوَاب جعلن أَمارَة ... على حالتي حب وَسخط لرؤية)
(تصاريفه فِينَا تصاريف مَالك ... سما عَن سُؤال الكيف والسببية)
(أمات وَأَحْيَا ثمَّ صَار معافيا ... وقبح تَحْسِين الْعُقُول الضعيفة)
(فَكُن رَاضِيا نفس الْقَضَاء وَلَا تكن ... بمقضي كفر رَاضِيا ذَا خَطِيئَة)
(وتكليفنا بِالْأَمر وَالنَّهْي قَاطع ... لأعذارنا فِي يَوْم بعث الْبَريَّة)
(فَعبر بسد أَو بِفَتْح وعد عَن ... ضَلَالَة تشكيك بأوضح حجَّة)
(وَقد بَان وَجه الْأَمر وَالنَّهْي وَاضحا ... وَلَا شكّ فِيهِ بل وَلَا وهم شُبْهَة)
قلت هَذَا الْجَواب هُوَ حَاصِل كَلَام أهل السّنة وخلاصته أَن الْوَاجِب الرِّضَا بالتقدير لَا بالمقدور وكل تَقْدِير يرضى بِهِ لكَونه من قبل الْحق
ثمَّ الْمَقْدُور يَنْقَسِم إِلَى مَا يجب الرِّضَا بِهِ كالإيمان وَإِلَى مَا يحرم الرِّضَا بِهِ وَيكون الرِّضَا بِهِ كفرا كالكفر إِلَى غير ذَلِك
وَقد أَخذ أهل الْعَصْر هَذَا الْجَواب فنظموه على طبقاتهم فِي النّظم وَالْكل مشتركون فِي جَوَاب وَاحِد وَنحن نسوق مَا حَضَرنَا من الْأَجْوِبَة
جَوَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية الْحَنْبَلِيّ
(سؤالك يَا هَذَا سُؤال معاند ... يُخَاصم رب الْعَرْش باري الْبَريَّة)
(وَهَذَا سُؤال خَاصم الْمَلأ الْعلي ... قَدِيما بِهِ إِبْلِيس أصل البلية)
(وأصل ضلال الْخلق من كل فرقة ... هُوَ الْخَوْض فِي فعل الْإِلَه بعلة)
(فَإِن جَمِيع الْكَوْن أوجب فعله ... مَشِيئَة رب الْعَرْش باري الخليقة)
(وَذَات إِلَه الْخلق وَاجِبَة بِمَا ... لَهَا من صِفَات وَاجِبَات قديمَة)
(فقولك لي قد شَاءَ مثل سُؤال من ... يَقُول فَلم قد كَانَ فِي الأزلية)
(وَذَاكَ سُؤال يبطل الْعقل وَجهه ... وتحريمه قد جَاءَ فِي كل شرعة)
(وَفِي الْكَوْن تَخْصِيص كثير يدل من ... لَهُ نوع عقل أَنه بِإِرَادَة)
(وإصداره عَن وَاحِد بعد وَاحِد ... إِذْ القَوْل بالتجويز رمية حيرة)
(وَلَا ريب فِي تَعْلِيق كل مسبب ... بِمَا قبله من عِلّة موجبية)
(بل الشَّأْن فِي الْأَسْبَاب أَسبَاب مَا ترى ... وإصدارها عَن حكم مَحْض الْمَشِيئَة)
(وقولك لم شَاءَ الْإِلَه هُوَ الَّذِي ... أضلّ عقول الْخلق فِي قَعْر حُفْرَة)
(فَإِن الْمَجُوس الْقَائِلين بخالق ... لنفع وَرب مبدع للمضرة)
(سُؤَالهمْ عَن عِلّة السِّرّ أوقعت ... أوائلهم فِي شُبْهَة الثنوية)
(وَإِن ملاحيد الفلاسفة الألى ... يَقُولُونَ بِالْعقلِ الْقَدِيم لعِلَّة)
(بغوا عِلّة للكون بعد انعدامه ... فَلم يَجدوا ذاكم فضلوا بضلة)
(وَإِن مبادي الشَّرّ فِي كل أمة ... ذَوي مِلَّة مَيْمُونَة نبوية)
(تخوضهم فِي ذاكم صَار شركهم ... وَجَاء دروس الْبَينَات لفترة)
(وَيَكْفِيك نقضا أَن مَا قد سَأَلته ... من الْعذر مَرْدُود لَدَى كل فطْرَة)
(وهبك كَفَفْت اللوم عَن كل كَافِر ... وكل غوي خَارج عَن محجة)
(فيلزمك الْإِعْرَاض عَن كل ظَالِم ... من النَّاس فِي نفس وَمَال وَحُرْمَة)
(وَلَا تغضبن يَوْمًا على سافك دَمًا ... وَلَا سَارِق مَالا لصَاحب فاقة)
(وَلَا شاتم عرضا مصونا وَإِن علا ... وَلَا ناكح فرجا على وَجه زنية)
(وَلَا قَاطع للنَّاس نهج سبيلهم ... وَلَا مُفسد فِي الأَرْض من كل وجهة)
(وَلَا شَاهد بالزور إفكا وفرية ... وَلَا قَاذف للمحصنات بريبة)
(وَلَا مهلك للحرث والنسل عَامِدًا ... وَلَا حَاكم للْعَالمين برشوة)
(وكف لِسَان اللوم عَن كل مُفسد ... وَلَا تأخذن ذَا جرمة بعقوبة)
(وَسَهل سَبِيل الْكَاذِبين تعمدا ... على رَبهم من كل جَاءَ بفرية)
(وَهل فِي عقول النَّاس أَو فِي طباعهم ... قبُول لقَوْل النذل مَا وَجه حيلتي)
(كآكل سم أوجب الْمَوْت أكله ... وكل بِتَقْدِير لرب الْمَشِيئَة)
(فكفرك يَا هَذَا كسم أَكلته ... وتعذيب نَار بعد جرعة غُصَّة)
(أَلَسْت ترى فِي هَذِه الدَّار من جنى ... يُعَاقب إِمَّا بالقضا أَو بشرعة)
(وَلَا عذر للجاني بِتَقْدِير خَالق ... كَذَلِك فِي الْأُخْرَى بِلَا مثنوية)
(فَإِن كنت ترجو أَن تجاب بِمَا عَسى ... ينجيك من نَار الْإِلَه الْعَظِيمَة)
(فدونك رب الْخلق فاقصده ضارعا ... مرِيدا لِأَن يهديك نَحْو الْحَقِيقَة)
(وذلل قياد النَّفس للحق واسمعن ... وَلَا تعص من يَدْعُو لأَقوم رفْعَة)
(وَمَا بَان من حق فَلَا تتركنه ... وَلَا تعرضن عَن فكرة مُسْتَقِيمَة)
(وَأما رضانا بِالْقضَاءِ فَإِنَّمَا ... أمرنَا بِأَن نرضى بِمثل الْمُصِيبَة)
(كسقم وفقر ثمَّ ذل وغربة ... وَمَا كَانَ من مؤذ بِدُونِ جريمة)
(وَأما الأفاعيل الَّتِي كرهت لنا ... فلاهن مأتي فِي رِضَاهَا بِطَاعَة)
(وَقد قَالَ قوم من أولى الْعلم لَا رضَا ... بِفعل الْمعاصِي والذنُوب الكريهة)
(وَقَالَ فريق نرتضي بِقَضَائِهِ ... وَلَا نرتضي الْمقْضِي لأقبح خلة)
(وَقَالَ فريق نرتضي بِإِضَافَة ... إِلَيْهِ وَمَا فِينَا فَيلقى بسخطه)
(فنرضى من الْوَجْه الَّذِي هُوَ خلقه ... ونسخطه من وَجه اكْتِسَاب بحيلة)
جَوَاب الأديب نَاصِر الدّين شَافِع بن عبد الظَّاهِر
(سَأَلت وَلم تعرف وَكم من مبَاحث ... جرت من أهيل الْعلم فِي ذِي الْحَقِيقَة)
(وَمَا أَنْت يَا ذمِّي مبتكر كَمَا ... توهمته من دون ماضي الْبَريَّة)
(نعم كل شَيْء كَائِن بِقَضَائِهِ ... وَتَقْدِيره حتما بأوضح حجَّة)
(وَهل وَاقع مَا لَا يَشَاء بِملكه ... لقد ضل من ذَا رَأْيه فِي الْقَضِيَّة)
(وَإِن الرِّضَا غير الْقَضَاء فَلَا تكن ... تنَازع فِيمَا شاءه من مَشِيئَة)
(لَهُ المحو وَالْإِثْبَات جلّ جَلَاله ... فَلَا تعترض فِي حكمه وَتثبت)
(وَكن بجوابي مُسلما وَمُسلمًا ... وَكن بِاتِّبَاع الْحق من خير أمة)
جَوَاب الشَّيْخ شمس الدّين بن اللبان
(أَلا بعد حمد الله باري الْبَريَّة ... على مَا هدَانَا من كتاب وَسنة)
(بِأَفْضَل مَبْعُوث إِلَى خير أمة ... عَلَيْهِ من الرَّحْمَن أزكى تَحِيَّة)
(فَإِن صَحِيحا كَون مَا شَاءَ رَبنَا ... وَنفي سوى مَا شاءه من مَشِيئَة)
(وَلم يرض كفر العَبْد أَي لَا يُحِبهُ ... لَهُ لَا وَلَا يثني عَلَيْهِ بمدحه)
(وحيلة من لم يهده الله أَنه ... يُلَاحظ وَجه الْعَجز فِي كل لَحْظَة)
(وينفي القذى عَن عين فكرته وَلَا ... يمِيل بِأَسْبَاب الحجى عَن محجة)
(ويجهد كل الْجهد فِي قصد ربه ... بِصدق وعزم وابتهال وحرقة)
(وكل الَّذِي قُلْنَا مساخط رَبنَا ... كرد عبيد فعل مَوْلَاهُ بِالَّتِي)
(فَمَا لم نشاهد نَفعه لَيْسَ مُنْكرا ... كموت خَلِيل عِنْد تلسيع حَيَّة)
(وَلَا ظلم عِنْد السَّلب قدرَة خلقه ... وإلزامه مَا لم يدع فِي الجبلة)
(لإيجاده أَشْيَاء من غيب علمه ... وَأَحْيَا بهَا جودا وجودا برأفة)
(فيفعل فِي مخلوقه مَا مُرَاده ... وَإِن خفت من ذَا ظواهر حِكْمَة)
(فلولا يَقُول الله بِالْكَسْبِ مُعْلنا ... لما جَاءَ تَخْصِيص لفعل بِنِسْبَة)
(إِذا ذَات مَخْلُوق مجَازًا وَغَيره ... لتنصيصه جزما بِنَفْي الْمَشِيئَة)
(فَلَا ينظر الراؤون إِلَّا بعقلهم ... قياسات وهم عاهدوها بعادة)
(كقيد غُلَام ثمَّ أَمر بمشية ... قَبِيح وَذَا من ملحقات السفاهة)
(وَهَذَا قيسا بَاطِل فِي فعاله ... إِذْ الْكل مَوْجُود بِحكم الْإِرَادَة)
(وَلَو قيل هَذَا قيل لم أوجد الورى ... فأعدمه من بعد حِين بذلة)
(تنزه عَن نفع وضر بِفِعْلِهِ ... وَذَا قَول من يجْرِي بِضَرْب بدرة)
(هُوَ الْخَالِق الرَّحْمَن كلا وَجُمْلَة ... وَبَين فِي المنشا بِعَين حَصِيفَةَ)
(بِمَا شَاءَ من أنواره وحياته ... وتسيير بعض فِي حنادس ظلمَة)
(ورتب أَجزَاء الْوُجُود محققا ... من الْفِعْل والأرواح فِي بَدو فطْرَة)
(وَأبْدى محلا ثَالِثا فِي انتهائها ... لإِظْهَار أسرار الغيوب الغريبة)
(وأبدع بعد الْكل مظهر وَصفه ... وكمله فهما وعلما بعزة)
(وعرفه مَا شَاءَ من كَونه لَهُ ... وطاعته فِي أمره المستديمة)
(وَذَاكَ هُوَ الْإِنْسَان أَفْخَر خلقه ... على كل كَون بارتفاع وزلفة)
(فَأعْطَاهُ عقلا يفهم الْخَيْر والتقى ... وَيثبت باريه بأوضح حجَّة)
(وعلما وسمعا ثمَّ نورا بِهِ يرى ... مَرَاتِب أشكال بَدَت فِي الشَّهَادَة)
(وخيره فِيمَا يُرِيد لنَفسِهِ ... بِمَا احْتَاجَ إصلاحا لِقَوْمِهِ صُورَة)
(ومكنه فِيمَا يروم تكسبا ... بآثار فضل من نتائج نفحة)
(وَركب فِيهِ قُوَّة غضبية ... لدفع الْأَذَى من موبقات البلية)
(وتمم فِيهِ شَهْوَة سبعية ... لجلب مرادات لَهُ فِي الغريزة)
(فَيثبت مَا محبوبه لمراده ... وَيدْفَع مَا مبغوضه لشكيمة)
(فكلفه الرَّحْمَن بِالشَّرْعِ بَعْدَمَا ... نفى عَنهُ كل النَّقْص فِي أصل خلقَة)
(فَلَمَّا سرى فِي مهمه النَّفس والهوى ... وخاض بحار الْجَهْل من غير رِيبَة)
(أَنْت رسل من عِنْد باريه مُعْلنا ... مناهج مَا أبدى لنَفس منيرة)
(وَأوجب إتباع الرَّسُول على الورى ... وكلفهم إِثْبَات فرض وَسنة)
(وَبَين أَن الْكل من عِنْده بدا ... وطاعته حتم لكل الْبَريَّة)
(قضى أزلا بالْكفْر وَالْجهل والنوى ... لبَعض فَلَا يَنْفَعهُ قفوى الشَّرِيعَة)
(وَآخر مفطور صفى معَارض ... إجَازَة كل المدركات بِقُوَّة)
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي.
علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب، علاء الدين الباجي:
عالم بالأصول والمنطق والحساب. من أهل زمانه مناظرة، لا يكاد ينقطع في بحث ولي وكالة بيت المال بالكرك، وناب في الحكم بالقاهرة، ونسبت إليه مقالة فاختفى مدة. وتقشف في أواخر حياته.
له كتب في " الفرائض " و " الحساب " و " الرد على اليهود - خ " وأشهر كتبه " كشف الحقائق " قي المنطق، و " غاية السول في علم الأصول - خ " وقيل: ما من علم إلا وله فيه مختصر
-الاعلام للزركلي-