محمد بن عبد الله بن محمد السلمي شرف الدين ابن أبي الفضل المرسي

تاريخ الولادة570 هـ
تاريخ الوفاة655 هـ
العمر85 سنة
مكان الولادةمرسية - الأندلس
مكان الوفاةغزة - فلسطين
أماكن الإقامة
  • هراة - أفغانستان
  • خراسان - إيران
  • نيسابور - إيران
  • مرسية - الأندلس
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • بغداد - العراق
  • مرو - تركمانستان
  • دمشق - سوريا

نبذة

ولد بمرسية سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَسمع الحَدِيث بهَا ثمَّ قدم بَغْدَاد وَسمع من شيوخها ثمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَان وَسمع بنيسابور وهراة ومرو وَعَاد إِلَى بَغْدَاد ثمَّ قدم دمشق ثمَّ مصر ثمَّ قوص ثمَّ مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَحدث ب سنَن الْبَيْهَقِيّ عَن مَنْصُور الفراوي وب صَحِيح مُسلم عَن الْمُؤَيد الطوسي وَكَانَ فَقِيها مُحدثا أصوليا نحويا أديبا زاهدا متعبدا صنف تَفْسِيرا حسنا

الترجمة

 مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد السّلمِيّ شرف الدّين ابْن أبي الْفضل المرسي
ولد بمرسية سنة سبعين وَخَمْسمِائة وَسمع الحَدِيث بهَا ثمَّ قدم بَغْدَاد وَسمع من شيوخها ثمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَان وَسمع بنيسابور وهراة ومرو وَعَاد إِلَى بَغْدَاد ثمَّ قدم دمشق ثمَّ مصر ثمَّ قوص ثمَّ مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى بَغْدَاد وَحدث ب سنَن الْبَيْهَقِيّ عَن مَنْصُور الفراوي وب صَحِيح مُسلم عَن الْمُؤَيد الطوسي
وَكَانَ فَقِيها مُحدثا أصوليا نحويا أديبا زاهدا متعبدا صنف تَفْسِيرا حسنا
توفّي بَين الْعَريش وغزة سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة

أنشدنا شَيخنَا أَبُو حَيَّان النَّحْوِيّ إِذْنا أنشدنا أَبُو الْهدى عِيسَى السبتي أَنْشدني ابْن أبي الْفضل لنَفسِهِ
(من كَانَ يرغب فِي النجَاة فَمَا لَهُ ... غير اتِّبَاع الْمُصْطَفى فِيمَا أَتَى)
(ذَاك السَّبِيل الْمُسْتَقيم وَغَيره ... سبل الضَّلَالَة والغواية والردى)
(فَاتبع كتاب الله وَالسّنَن الَّتِي ... صحت فَذَاك إِذا اتبعت هُوَ الْهدى)
(ودع السُّؤَال بكم وَكَيف فَإِنَّهُ ... بَاب يجر ذَوي البصيرة للعمى)
(الدّين مَا قَالَ النَّبِي وَصَحبه ... والتابعون وَمن مناهجهم قفا)
أنشدنا أَحْمد بن أبي طَالب إِذْنا عَن الْحَافِظ ابْن النجار أَن المرسي أنْشدهُ لنَفسِهِ بالمستنصرية
(قَالُوا فلَان قد أَزَال بهاءه ... ذَاك العذار وَكَانَ بدر تَمام)
(فأجبتهم بل زَاد نور بهائه ... وَلذَا تزايد فِيهِ فرط غرامي)
(استقصرت ألحاظه فتكاتها ... فَأتى العذار يمدها بسهام)

وَمن الْفَوَائِد عَن ابْن أبي الْفضل المرسي
قَالَ النُّحَاة فِي إِعْرَاب قَوْله تَعَالَى {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} من قَوْله تَعَالَى {وإلهكم إِلَه وَاحِد لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِن {إِلَه} فِي مَوضِع رفع مَبْنِيّ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي لنا أَو فِي الْوُجُود
وَاعْترض صَاحب الْمُنْتَخب تَقْدِير الْخَبَر فَقَالَ إِن كَانَ لنا فَيكون معنى قَوْله {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} معنى قَوْله {وإلهكم إِلَه وَاحِد} فَيكون تَكْرَارا مَحْضا وَإِن كَانَ فِي الْوُجُود كَانَ نفيا لوُجُود الْإِلَه وَمَعْلُوم أَن نفي الْمَاهِيّة أقوى فِي التَّوْحِيد الصّرْف من نفي الْوُجُود فَكَانَ إِجْرَاء الْكَلَام على ظَاهره والإعراض عَن هَذَا الْإِضْمَار أولى
وَأجَاب أَبُو عبد الله المرسي فِي ري الظمآن فَقَالَ هَذَا كَلَام من لَا يعرف لِسَان الْعَرَب فَإِن {إِلَه} فِي مَوضِع الْمُبْتَدَأ على قَول سِيبَوَيْهٍ وَعند غَيره اسْم {لَا} وعَلى كلا التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا بُد من خبر للمبتدأ أَو للا فَمَا قَالَه من الِاسْتِغْنَاء عَن الْإِضْمَار فَاسد وَأما قَوْله إِذا لم يضمر كَانَ نفيا للماهية فَلَيْسَ بِشَيْء لِأَن نفي الْمَاهِيّة هُوَ نفي الْوُجُود لِأَن الْمَاهِيّة لَا تتَصَوَّر عندنَا إِلَّا مَعَ الْوُجُود فَلَا فرق بَين لَا مَاهِيَّة وَلَا وجود وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم يثبتون الْمَاهِيّة عَارِية عَن الْوُجُود انْتهى

قلت مَا ذكر صَاحب الْمُنْتَخب من عدم تَقْدِير خبر يشبه مَا يَقُوله الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله فِي إِعْرَاب {الله} من قَوْله تَعَالَى {وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلقهمْ ليَقُولن الله} كَمَا سنحكيه إِن شَاءَ الله فِي تَرْجَمته لَكِن يبْقى عَلَيْهِ أَن لَا يَجْعَل هُنَا مُبْتَدأ بل يَجْعَل {إِلَه} كلمة مُفْردَة لَا معربة وَلَا مَبْنِيَّة وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَال لَهُ لَا بُد للمبتدأ من خبر إِذْ لَا مُبْتَدأ حَتَّى يَسْتَدْعِي خَبرا ويقوى هَذَا على رَأْي بني تَمِيم فَإِنَّهُم لَا يثبتون الْخَبَر وَأكْثر الْحِجَازِيِّينَ على حذفه
فَإِن قلت هَب أَنهم لَا يثبتونه وَلَكِن يقدرونه
قلت إِن سلمنَا أَنهم يقدرونه فَذَلِك لجعلهم الِاسْم مُبْتَدأ وَمن لَا يَجعله مُبْتَدأ لَا يسلم التَّقْدِير ثمَّ أَقُول الْمَفْهُوم من كَلَام صَاحب الْمُنْتَخب رد هذَيْن الإضمارين وهما إِضْمَار لنا وإضمار فِي الْوُجُود لَا رد مُطلق الْإِضْمَار فَلَو أضمر متصورا وَنَحْو ذَلِك من التَّقْدِير الْعَام لم يُنكره ففهم المرسي عَنهُ أَنه لَا يقدر الْخَبَر فِيهِ نظر وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يقدره هَذَا الْإِضْمَار لَا مُطلق الْخَبَر
وَأما قَوْله لَا فرق بَين نفي الْمَاهِيّة وَنفي الْوُجُود فَصَحِيح لَكِن قَول المرسي إِن الْمَاهِيّة لَا تتَصَوَّر عندنَا إِلَّا مَعَ الْوُجُود مُسْتَدْرك فَإِن الْمَاهِيّة عندنَا معاشر الأشاعرة نفس وجودهَا وَلَا نقُول إِنَّه لَا تتَصَوَّر إِلَّا مَعَ وجودهَا وَهَذَا مُقَرر فِي أصُول الديانَات

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

الإِمَامُ العَلاَّمَةُ البَارِع القُدْوَة المُفَسِّرُ المُحَدِّثُ النَّحْوِيّ ذو الفنون شرف الدِّيْنِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ السُّلَمِيّ المُرْسِيّ الأَنْدَلُسِيّ.
وُلِدَ بِمُرْسِيَة فِي أَوَّلِ سَنَة سَبْعِيْنَ أَوْ قَبْلُ بِأَيَّامٍ.
وَسَمِعَ "المُوَطَّأ" مِنَ: المُحَدِّث أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَسَمِعَ مِنْ: عبد المنعم بن الفرسي، وَنَحْوِهِ، وَحَجّ، وَدَخَلَ إِلَى العِرَاقِ وَإِلَى خُرَاسَانَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، وَأَكْثَرَ الأَسفَارَ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، وَسَمِعَ مِنْ: مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وَعَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ، وَعِدَّة. وَبِبَغْدَادَ مِنْ أَصْحَابِ قَاضِي المَرَسْتَان، وَكَتَبَ، وَقَرَأَ وَجَمَعَ مِنَ الكُتُبِ النفِيسَة كَثِيْراً، وَمَهْمَا فَتح بِهِ عَلَيْهِ صَرَفَهُ فِي ثمنِ الكُتُب، وَكَانَ متضلِّعاً الإمام العِلْمِ، جَيِّدَ الفَهْم، مَتِيْنَ الدّيَانَة، حَدَّثَ "بِالسُّنَنِ الكَبِيْرِ" غَيْرَ مرَّةٍ عَنْ مَنْصُوْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُحِبّ الطَّبَرِيّ، وَالدِّمْيَاطِيّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالقَاضِي كَمَال الدِّيْنِ المَالِكِيّ، وَشَرَف الدِّيْنِ الفَزَارِيّ الخَطِيْب، وَأَبُو الفَضْلِ الإِرْبِلِيّ، وَالعِمَاد ابْن البَالِسِيّ، وَمُحَمَّد بنُ المهتَارِ، وَبَهَاء الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْم ابْن المَقْدِسِيّ، وَالشَّرَف عَبْد اللهِ ابْن الشَّيْخ، وَالشَّمْس مُحَمَّد بن التَّاج، وَابْن سَعْدٍ، وَمُحَمَّد بن نعمة، ومحمد ابن المراتبي، وعلي القصيري، وخلق كثير.

قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَدِمَ طَالباً سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَسَمِعَ الكَثِيْر، وَقَرَأَ الفِقْه وَالأُصُوْل، ثُمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَانَ، وَعَاد مُجتازاً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ حَجَّ.
قُلْتُ: وَسَمِعَ مِنْهُ الإِرْبِلِيُّ الذَّهَبِيُّ "السُّنَنَ الكَبِيْرَ" كُلَّهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
قَالَ: وَقَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ، وَنَزَلَ بِالنّظَامِيَّةِ، وَحَدَّثَ "بِالسُّنَن الكَبِيْر" وَ"بِالغَرِيْبِ" لِلْخطَابِي، وَهُوَ مِنَ الأَئِمَّةِ الفُضَلاَء فِي جَمِيْع فُنُوْن العِلْم، لَهُ فَهْم ثَاقب، وَتَدقيق فِي المَعَانِي، وَلَهُ تَصَانِيْف عِدَّة وَنظم وَنثر.
إِلَى ن قَالَ: وَهُوَ زَاهِد مُتَوَرِّع كَثِيْر العِبَادَة، فَقير مُجَرَّدُ، مُتعفِّف نَزه، قَلِيْل المُخَالَطَة، حَافِظ لأَوقَاته، طَيِّب الأَخلاَق، كَرِيْم متودد، مَا رَأَيْتُ فِي فَنه مِثْلَه، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
مَنْ كَانَ يَرغب فِي النَّجَاة فَمَا لَهُ ... غَيْر اتِّبَاع المُصْطَفَى فِيمَا أَتَى
ذَاك السَّبِيل المُسْتقيم وَغَيْرهُ ... سبل الضَّلاَلَة وَالغوَايَة وَالرَّدَى
فَاتَّبعْ كِتَابَ اللهِ وَالسُّنَنَ التي ... صحتن فَذَاكَ إِنِ اتَّبَعتَ هُوَ الهُدَى
وَدعِ السُّؤَال بِلِمْ وَكَيْفَ فَإِنَّهُ ... بَابٌ يَجرُّ ذَوِي البصِيْرَةِ لِلْعمَى
الدِّيْنُ مَا قَالَ الرَّسُولُ وَصحبُهُ ... وَالتَّابِعُوْنَ وَمَنْ مَنَاهِجَهُم قَفَا
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: سَأَلت الضِّيَاء عَنِ المُرْسِيّ، فَقَالَ: فَقِيْه منَاظر نَحْوِي مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، صَحِبَنَا فِي الرِّحلَةِ، وَمَا رَأَينَا مِنْهُ إلَّا خَيراً.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ: كَانَ مُتَفَنِّناً مُحققاً، كَثِيْرَ الحَجِّ، مُقتصداً فِي أُموره، كَثِيْرَ الكُتُبِ مُحصلاً لَهَا، وَكَانَ قَدْ أُعْطِي قبولاً فِي البِلاَد.
وَقَالَ يَاقُوْت: هُوَ أَحَد أُدبَاء عصرنَا، تَكَلَّمَ عَلَى الْمفصل لِلزَّمَخشرِي، وَأَخَذَ عَلَيْهِ سَبْعِيْنَ مَوْضِعاً، وَهُوَ عذرِيُّ الهَوَى، عامري الجَوَى، كُلَّ وَقتٍ لَهُ حَبِيْب، وَمِنْ كُلِّ حُسنٍ لَهُ نصِيْب. رَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ وَبِحَلَبَ، وَرَأَيْتُهُ بِالمَوْصِلِ، ثُمَّ يَتبع مَنْ يَهْوَاهُ إِلَى طيبهِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ وُلِدَ بِمُرْسِيَةَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ كَبِيْرٍ وَحِشْمَةٍ، وَانْتَقَلَ إِلَى مِصْرَ، وَقَدْ لَزِمَ النُّسْكَ وَالانْقِطَاعَ، وَكَانَ لَهُ فِي العُلُوْمِ نَصِيْبٌ وَافِرٌ، يَتَكَلَّمُ فِيْهَا بِعَقْلٍ صَائِبٍ، وَذِهْنٍ ثَاقِبٍ، وَأَخْبَرَنِي فِي سَنَةِ 626 أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى غَلبُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ المُرْسِيِّ صَاحِبِ ابْنِ هُذَيْلٍ، وَعَلِيِّ بنِ الشَّرِيْكِ، وَقَرَأَ الفِقْهَ وَالنَّحْوَ وَالأُصُوْلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى مَالقَةَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، فَقَرَأَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ بنِ دهَاقٍ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ المَرْأَةِ. قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ فِي فَنِّهِ مِثْلُهُ، يَقُوْمُ بِعِلْمِ التَّفْسِيْرِ وَعُلُوْمِ الصُّوْفِيَّةِ، كَانَ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الآية تحتمل أَلفَ وَجْهٍ قَامَ بِهَا، قَالَ: وَمَا سَمِعْتُ شَيْئاً إلَّا حَفِظْتُهُ، قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّوْذِيِّ التِلِمْسَانِيِّ الصَّالِحِ. قَالَ يَاقُوْتُ: فَحَدَّثَنِي شَرَفُ الدِّيْنِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ دهَاق: حَفِظْتُ وَأَنَا شَابٌّ القُرْآنَ، وَكُتُباً مِنْهَا "إِحْيَاء عُلُوْم الدِّيْنِ" لِلْغزَالِيِّ، فَسَافَرْتُ إِلَى تِلمسَانَ، فَكُنْتُ أَرَى رَجُلاً زرِّياً قَصِيْراً طُوْلُهُ نَحْو ذِرَاعٍ، وَكَانَ يَأْخُذُ زَنْبِيْلَهُ وَيَحْمِلُ السَّمَكَ بِالأُجْرَةِ، وَمَا رَآهُ أَحَدٌ يُصَلِّي، فَاتَّفَقَ أَنِّي اجْتزتُ يَوْماً وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَآنِي قَطَعَ الصَّلاَةَ، وَأَخَذَ يَعْبَثُ، ثُمَّ جَاءَ العِيْدُ فَوَجَدْتُهُ فِي المُصَلَّى، فَقُلْتُ: سَآخُذُهُ مَعِي أُطْعِمُهُ فَسَبَقَنِي، وَقَالَ: قَدْ سَبَقْتُكُ، احْضر عِنْدِي، فَمَضَيْتُ مَعَهُ إِلَى المَقَابِرِ فَأَحْضَرَ طَعَاماً حَارّاً يُؤْكَلُ فِي الأَعيَادِ، فَعَجِبْتُ وَأَكَلْتُ، ثُمَّ شَرَعَ يُخْبِرُنِي بِأَحْوَالِي كَأَنَّهُ كَانَ مَعِي، وَكُنْتُ إِذَا صَلَّيْتُ يُخَيَّلُ لِي نُوْرٌ عِنْدَ قَدَمِي، فَقَالَ لِي: أَنْتَ مُعْجَبٌ تَظُنُّ نَفْسَكَ شيئًا، لا، حتى تقرأ العُلُوْمَ، قُلْتُ: إِنِّيْ أَحْفَظُ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ، قَالَ: لاَ حَتَّى تَعْلَمَ تَأْوِيْلَهُ بِالْحَقِيْقَةِ، فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي، فَقَالَ: مِنْ غَدٍ مُرَّ بِي فِي السَّمَّاكِيْنَ، فَبَكَّرْتُ فَخَلاَ بِي فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ جَعَلَ يُفَسِّرُ لِيَ القُرْآنَ تَفْسِيْراً عَجِيْباً مُدْهِشاً، وَيَأْتِي بِمَعَانِي، فَبَهَرَنِي، وَقُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ أَكْتُبَ مَا تَقُوْلُ، فَقَالَ: كَمْ تَقُوْلُ عُمُرِي? قُلْتُ: نَحْو سَبْعِيْنَ سَنَةً. قَالَ: بَلْ مائَةٌ وَعشر سِنِيْنَ، وَقَدْ كُنْتُ أَقرأُ العِلْمَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً ثُمَّ تَرَكْتُ الإِقْرَاءَ، فَاسْأَلِ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَكَ فِي الدِّيْنِ، فَجَعَلَ كُلَمَّا أَلقَى عَلَيَّ شَيْئاً حَفِظْتُهُ، قَالَ: فَجَمِيْع مَا تَرَوْنَهُ مَسّنِي مِنْ بَرَكَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قطبُ الأَرْضِ اليَوْمُ ابْنُ الأَشْقَرِ، -أَوْ قَالَ: الأَشْقَرُ- وَإِن مَاتَ قَبْلِي فَأَنَا أَصِيْر القُطْبَ. ثُمَّ قَالَ المُرْسِيُّ: أَنْشَدَنِي ابْنُ دهاق، أنشدني الشوذي لنفسه:
إذا نَطَقَ الوُجُوْدُ أَصَاخَ قَوْمٌ ... بِآذَانٍ إِلَى نُطْقِ الوجود
وذاك النطق ليس به انعجام ... ولن جَلَّ عَنْ فَهْمِ البَلِيْدِ
فَكُنْ فَطِناً تُنَادى مِنْ قَرِيْبٍ ... وَلاَ تَكُ مَنْ يُنَادى مِنْ بَعِيْدِ
وَلَقَي المُرْسِيُّ بِفَاسٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد ابْن الكَتَّانِيّ، وَكَانَ إِمَاماً فِي الأُصُوْلِ وَالزُّهْدِ، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَى ابْنِ المَرْأَةِ:
يَا أَيُّهَا العَلَمُ المرفَّعُ قَدْرُهُ ... أَنْتَ الَّذِي فَوْقَ السِّمَاك حُلُوْلُهُ
أَنْتَ الصَّبَاحُ المُسْتَنِيْرُ لِمُبْتَغِي ... عِلْمِ الحَقَائِقِ أَنْتَ أَنْتَ دَلِيْلُهُ
بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ يَتَّضِحُ الهُدَى ... بِكَ تَسْتَبِيْنُ فُرُوْعُهُ وَأُصُوْلُهُ
مَنْ يَزْعُمُ التَّحْقِيْقَ غَيْرَكَ إِنَّهُ ... مِثْلُ المُجَوِّزِ مَا العُقُوْلُ تُحِيْلُهُ
إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَرَأْت "كتاب سيبويه" على أبي علي الشلوبين جَمِيْعه، فَكَتَبَ لِي بِخَطِّهِ:

تَفقَّهتُ مَعَ فُلاَن فِي "كِتَاب سِيْبَوَيْه" وَقدمت إِسكندرِيَة فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَوصل مَكَّة فِي رَجبِهَا، فَسَمِعَ بِهَا، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا نَحْو عَامَيْنِ يَشتغل بِالعَقْلِيَّات، وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنِ ابْنِ المَنْدَائِيّ "المُسْنَد"، فَمَاتَ فِي أَثْنَاء القِرَاءة، ثُمَّ رَحل إِلَى هَمَذَان سَنَة سَبْعٍ، وَإِلَى نَيْسَابُوْرَ وَهرَاة وَبَحَثَ مَعَ العَمِيدِيِّ فِي "الإِرْشَادِ" وَمَعَ القُطْب المِصْرِيّ، وَقَرَأَ عَلَى الْمعِين الجَاجرمِي تَعَاليقَه فِي الخلاَف، وَدَخَلَ مَرْو وَأَصْبَهَانَ، وَقَرَأَ بِدِمَشْقَ عَلَى الكِنْدِيِّ "كِتَابَ سِيْبَوَيْه"، وَحَجّ مَرَّات، وَشرع فِي عَملِ تَفْسِيْرٍ، وَلَهُ كِتَابُ "الضَّوَابط" فِي النَّحْوِ، وَبدَأَ بِكِتَاب فِي الأَصْلَيْنِ، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي البَلاغَة وَالبَدِيْع، وَأَملَى عَلَيَّ "دِيْوَانَ المتنبِي". إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَمَارَوْا عِنْدَهُ فِي الصِّفَاتِ:
مَنْ كَانَ يَرغب فِي النَّجَاة فَمَا لَهُ ... غير اتباع المصطفى فيما أتى
وذكر أبيات.
قَالَ: وَأَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
أَبُثك مَا فِي القَلْب مِنْ لَوعَة الحبِّ ... وَمَا قَدْ جَنَتْ تِلْكَ اللِّحَاظ عَلَى لُبِّي
أَعَارَتْنِي السُّقم الَّتِي بِجُفُونِهَا ... وَلَكِنْ غَدَا سُقمِي عَلَى سُقمِهَا يُربِي
قُلْتُ:
وَلَهُ أَبيَات رَقيقَةٌ هَكَذَا، وَكَانَ بَحرَ مَعَارِفَ، رَحِمَهُ اللهُ.
قَرَأْت بِخَطّ الكِنْدِيّ فِي تَذكرته أَنَّ كتب المُرْسِيّ كَانَتْ مُودعَة بِدِمَشْقَ، فَرسم السُّلْطَان بِبيعهَا، فَكَانُوا فِي كُلِّ ثُلاَثَاء يَحملُوْنَ مِنْهَا جُمْلَةً إِلَى دَار السعَادَة، وَيَحضر العُلَمَاء، وَبيعت فِي نَحْو من سَنَةٍ، وَكَانَ فِيْهَا نَفَائِسُ، وَأَحرزتْ ثَمناً عَظِيْماً، وَصَنَّفَ تَفْسِيْراً كَبِيْراً لَمْ يُتِمَّهُ. قَالَ: وَاشْتَرَى البَاذَرَائِيُّ مِنْهَا جُمْلَةً كَثِيْرَةً.
وَقَالَ الشَّرِيْفُ عِزُّ الدِّيْنِ فِي الوَفِيَّاتِ: تُوُفِّيَ المُرْسِيّ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وخمسين وست مائة، وفي مُنتصفِه بِالعرِيش، وَهُوَ مُتوجّه إِلَى دِمَشْقَ، فَدُفِنَ بتل الزَّعقَة، وَكَانَ مِنْ أَعيَانِ العُلَمَاءِ، ذَا مَعَارِفَ مُتعدِّدَة، وَلَهُ مُصَنّفَات مُفِيْدَة.
قُلْتُ: تَأَخَّر مِنْ روَاته يُوْسُف الخُتَنِي بِمِصْرَ، وَأَيُّوْب الكَحَّال بِدِمَشْقَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: إبراهيمُ بنُ أَبِي بَكرٍ الحَمَّامِيُّ الزُّعبِيُّ صاحبُ ابْنِ شَاتِيلَ، والمُفتِي عِمَادُ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْل بن هِبَةِ اللهِ بِشْر بن بَاطِيش المَوْصِلِيّ، وَالسُّلْطَان الْملك المُعِزّ أَيبك التُّرُكْمَانِيّ قتلته زَوجته شجر الدُّرّ وَقُتلت، وَالعَلاَّمَة نَجْم الدين عبد الله بن أَبِي الوَفَاء مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ
البَاذَرَائِيّ، رَسُوْلُ الخِلاَفَةِ، وَالمُعَمَّرُ المُحَدِّث تَقِيّ الدَّين عَبْد الرَّحْمَنِ اليلداني، والمحدث محمد ابن إِبْرَاهِيْمَ بنِ جوبر البَلَنْسِيّ، وَالعَلاَّمَة التَّاج مُحَمَّد بن الحسين الأرموي صاحب "المحصول".

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

 

محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي المرسي، أبو عبد الله، شرف الدين:
عالم بالأدب والتفسير والحديث. ضرير. أصله من مرسية. ومولده بها. تنقل في الأندلس، وزار خراسان وبغداد، وأقام مدة في حلب ودمشق، وحج وعاد إلى دمشق. وسكن المدينة، ثم انتقل إلى مصر (سنة 624) وتوفي متوجها إلى دمشق بين العريش والزعقة.
من كتبه (التفسير الكبير) يزيد على عشرين جزءا، سماه (ريّ الظمآن) و (التفسير الأوسط) عشرة أجزاء، و (التفسير الصغير) ثلاثة، و (الكافي) في النحو، و (الإملاء على المفصل) انتقد فيه نحو سبعين خطأ.

-الاعلام للزركلي-
 

محمد بن عبد الله السلميُّ المرسيُّ.
قال ابن النجار: ولد سنة 570، وقال غيره: في التي قبلها، دخل مصر، وسار إلى الحجاز، وعاد إلى بغداد، وأقام بها يسمع ويقرأ، وسافر إلى خراسان ونيسابور وهراة، وحدث بكتاب "السنن الكبرى" للبيهقي، وبكتاب: "غريب الحديث" للخطابي، وكان من الأئمة الفضلاء في جميع فنون العلوم من علم القراءات والحديث والفقه والنحو واللغة، وله فهم ثاقب. قال ابن النجار: ما رأيت مثله في فنه، وكان شافعي المذهب، وله تفسير سماه: "ري الظمآن" كبير جدًا، وتعليق على "الموطأ"، له نظم بليغ، ومن شعره:
مَنْ كانَ يرغبُ في النجاة، فما لَهُ ... غيرُ اتِّباعِ المُصْطَفى فيما أَتَى
ذاكَ السبيلُ المستقيمُ، وغيره ... سبلُ الغوايةِ والضلالةِ والرَّدَى
فاتبعْ كتابَ الله والسننَ التي ... صَحَّتْ فذاك إذا اتَّبَعْتَ هو الهُدى
ودَع السؤالَ بكَمْ وكيف، فإنه ... بابٌ يَجُرُّ ذوي البصيرة للعَمى
الدَّينُ: ما قال النبيُّ وصَحْبُه ... والتابعون ومن مَناهِجهم قفا
توفي - رحمه الله - سنة 655.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.