طَاهِر بن يحيى بن أبي الْخَيْر العمراني الْفَقِيه ابْن صَاحب الْبَيَان
ولد سنة ثَمَان عشرَة وَخَمْسمِائة
كَانَ فَقِيها فصيحا تفقه بِأَبِيهِ وَخَلفه فِي حلقته وجاور بِمَكَّة لماوقعت فتْنَة ابْن مهْدي بِالْيمن وَسمع بهَا من أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ بن الْحسن الْأنْصَارِيّ وَأبي حَفْص الميانشي وَعبد الدَّائِم الْعَسْقَلَانِي وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن أبي مشيرح الْحَضْرَمِيّ المقرىء ووصلته إجازات جَيِّدَة من يحيى بن سعدون الْأَزْدِيّ وخطيب الْموصل
ثمَّ توجه إِلَى الْيمن فظفر بِهِ ابْن مهْدي قبل دُخُوله زبيد فَأحْضرهُ وأحضر القَاضِي مُحَمَّد بن أبي بكر المدحدح وَكَانَ حنفيا فتناظر بَين يَدَيْهِ مرَارًا فَقَطعه طَاهِر وولاه فضلان وَذي جبلة من سنة سبع وَسِتِّينَ إِلَى بعض أَيَّام شمس الدولة
وَله مصنفات حَسَنَة وَكَلَام جيد يشْعر بغزارة فِي الْعلم وَالْفضل وَلما نبغ فِي الْيمن أَبُو بكر الْعَبْسِي وَكَانَ فَقِيها أديبا لَا يرى جَوَاز طَلَاق التَّنَافِي وَلَا مَسْأَلَة الْعينَة وشدد فِي إنكارهما ونظم قصيدتين فيهمَا صنف طَاهِر فِي الرَّد عَلَيْهِ كتاب الِاحْتِجَاج الشافي على المعاند فِي طَلَاق التَّنَافِي
وَكَانَت القصيدتان قد اشتهرتا واستهوتا كثيرا من النَّاس فَلَمَّا ردهما طَاهِر حصل الانكفاف برده وَمن إِحْدَى القصيدتين
(طَلَاق التَّنَافِي قد نفى الْحق طَاهِر ... وَإِنِّي لَهُ وَالله يشْهد لي أنفى)
(إِذا طلق الزَّوْج الْمُكَلف زوجه ... وَلَيْسَ بمجبور ثَلَاثًا فقد أوفى)
(وَلَيْسَت حَلَالا دون تنْكح غَيره ... بِشَرْط كتاب الله مَا قلته حيفا)
(نصحح شَرط الله دون أشتراطكم ... وننفيه نفيا ثمَّ نصرفه صرفا)
(فَكل اشْتِرَاط لَيْسَ فِي الشَّرْع بَاطِل ... وَشرط كتاب الله حق فَلَا يخفى)
(وَلَا ينتفى حكم الطَّلَاق بحيلة ... وحيلتكم فِيهِ أَحَق بِأَن تنفى)
مِنْهَا
(تحلونها فِيهِ وتحريمها بِهِ ... فَصَارَت بِمَا بَانَتْ محبسه وَقفا)
(فَأَيْنَ يَقُول الله وقف نِسَائِكُم ... وَتَصْحِيح مَا قُلْتُمْ فنعرفه عرفا)
(لَئِن كَانَ للتدقيق هَذَا فَتَركه ... من الْفَرْض وَالتَّحْقِيق والأوضح الأصفي)
(فكم من أنَاس دققوا فتزندقوا ... فصاروا بِهِ عَن علم فهم على الإشفا)
وَمِنْهَا
(فَأبْطل بهَا من حِيلَة مستحيلة ... وَأعظم بِحكم صَار من أجلكم حتفا)
(وَأعظم بهَا من فتْنَة ومصيبة ... لَهَا تذرف العينان فِي دمعها ذرفا)
وَمن قصيدته فِي إبِْطَال الْعينَة
(الْحق أضحى غَرِيبا لَيْسَ يفتقد ... فَكل من قَالَه فِي النَّاس يضطهد)
(لَا يقبل النَّاس قَول الْحق من أحد ... حَتَّى يَمُوت ويفنى الْكبر والحسد)
(مَا كل قَول لأهل الْعلم منتفع ... بِهِ وَلَا كل قَول مِنْهُم زبد)
(هم هم خير من فِيهَا إِذا صلحوا ... وَشر دَاء من الأدوا إِذا فسدوا)
(فَمنهمْ كل مَعْرُوف وصالحة ... وَمِنْهُم تفْسد الأقطار والبلد)
(فَمَا شقَّتْ أمة إِلَّا بشقوتهم ... يَوْمًا وَلَا سعدت إِلَّا إِذا سعدوا)
(أضحى الرِّبَا قد فَشَا من أجل حيلتهم ... فِي كل أَرض سوى أَرض بهَا فقدوا)
(وَالله حرم مَعْنَاهُ وباطنه ... ومالهم فِيهِ برهَان وَلَا سَنَد)
(يَا بَائِعا ثَوْبه حَتَّى يُعَاد لَهُ ... أَلَيْسَ يعلم هَذَا الْوَاحِد الصَّمد)
(سُبْحَانَهُ من حَلِيم بعد قدرته ... وعالم مَا أرادوه وَمَا قصدُوا)
(هَل قَالَ هَذَا رَسُول الله وَيحكم ... أَو قَالَ ذَلِك من أَصْحَابه أحد)
(أم غَالب عَنْهُم دَقِيق الْعلم دونكم ... أم فِي اكْتِسَاب حَلَال الرِّبْح قد زهدوا)
وَفِي القصيدتين طول وَفِيمَا ذكرته مِنْهُمَا كِفَايَة
مَاتَ طَاهِر وَترك وَلدين مُحَمَّدًا وأسعد
وَكَانَت وَفَاته فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي
طاهر بن يحيى بن أبي الخير سالم، أبو الطيب العمراني:
فقيه شافعيّ يماني. خلف أباه في العلم والقضاء. وجاور بمكة بعد فتنة انتشرت في مخاليف اليمن. فأقام سبع سنوات. وعاد إلى وطنه (سنة 566) وولي قضاء ذي جبلة وأعمالها. وصنف (مقاصد اللمع) و (مناقب الشافعيّ وأحمد) و (معونة الطلاب) و (جلاء الفكر في الرد على نفاة القدر) وغلب عليه علم الكلام. وهو من مشايخ ابن سمرة صاحب الطبقات .
-الاعلام للزركلي-
القاضي الأجلّ العلامة أبي الطيب طاهر بن الإمام يحيى ابن أبي الخير بن سالم بن أسعد العمراني، ولد في ذي الحجة لست عشرة ليلة خلت منه، سنة ثماني عشرة وخمسمائة، تفقه بأبيه الإمام يحيى، وخلفه في حلقته ومجلسه، وأجاب على المشكلات في حياته.
جالس العلماء وروى عنهم، وأخذ عن غير واحد، وجاور في مكة، هاجر إليها بأولاده الرجال والنساء، لعموم فتنة ابن مهدي في مخاليف اليمن، واستحلاله قتل العلماء، وأقام بمكة سبع سنين. فروى عن كبار المحدثين في الحرم، كالشيخ الإمام أبي علي الحسين بن علي بن الحسن الأنصاري، والشيخ الإمام الميانِشي والعسقلاني، ومقرئ الحرمين الشريفين أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي مشَيْرِح الحضرمي، ناظر الفقيه الحنفي محمد بن أبي بكر المُدَحْدَح، بين يدي عبد النبي بن علي ابن مهدي مراراً، فقطعه واستظهر عليه، وليى قضاء ذى جِبلَة وأعمالها من جهة عبد النبي من سنة ست وسبعين إلى بعض أيام شمس الدولة، وله مصنفات مليحة، منها «مقاصد اللمع» و «كسر قناة القدرية» وغير ذلك.
وتصنيف مليح آخر في «مناقب» الإمامين أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما، و «معونة الطلاب بفقه معاني كلم الشهاب» فجمع بين علم القراءات والحديث والفقه، وغلب عليه الكلام، وكان أبوه يقول: والله لو يقدر الله لولدي طاهر الخروج إلى البلاد التي شرف بها العلم، ليعلونّ درجة الإمامة. وكان يقول أيضاً: طاهر فقيه سامي الذكر، وإنما أمات ذكره بلد السوء.
هذا كلام والده، مع ما تقدم من جمع أبيه لأحبابه وأصحابه في ذي أشرق، سنة أربع وخمسين وخمسمائة، فأمره أن يصعد المنبر وسأله عن اعتقاده، فأجابه ولده بما كذبّ كلَّ حاسد، وأدحض تلبيس كل بغيض ومعاند ثم التقاه والده إلى سفل المنبر، وقال: هل أنكر الإخوان من هذا شيء؟
وقال: والله إن ولدي هذا لعالم زمانه، ولكن أخمله زمان السوء.
ومات رحمه الله ليلة الأربعاء من شهر ربيع سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وبه تفقه ولداه محمد وأسعد وغيرهما، ولد محمد سنة ست وأربعين وخمسمائة،وولي محمد قضاء عدن، وروى عنه جماعة كثيرة في عدن، وكان فقيهاً حافظاً ومحموداً.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي ص: 186-187-188