علي بن عمر بن محمد الحربي ابن القزويني

ابن القزويني أبي الحسن الحربي

تاريخ الولادة360 هـ
تاريخ الوفاة442 هـ
العمر82 سنة
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق

نبذة

الإِمَامُ القُدْوَةُ، العَارِفُ، شَيْخُ العِرَاقِ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّد، ابْنُ القَزْوِيْنِيِّ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ الزَّاهِدُ. سَمِعَ: أَبَا عُمَرَ بنَ حَيُّوَيْه، وَأَبَا حَفْص بنِ الزَّيَّات، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ شَاذَان، وَالقَاضِي أَبَا الحَسَنِ الجَرَّاحِيَّ، وَأَبَا الفَتْحِ القَوَّاس وَطَبَقَتَهُم، وَأَمْلَى عِدَّة مَجَالِس. حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَابْنُ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِي، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر الطَّرَسُوْسِيّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَّاج، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الباقرحي، وأبو العز محمد بن المُخْتَار، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بغرَاج، وَهِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الرَّحبِيّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم. قَالَ الخَطِيْبُ: كتبنَا عَنْهُ، وَكَانَ أَحدَ الزُّهَّاد، وَمن عبَاد الله الصَّالِحِيْنَ، يقرىء القُرْآن، وَيروِي الحَدِيْثَ، وَلاَ يخرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا للصَّلاَة، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَغُلِّقت جَمِيْعُ بَغْدَاد يَوْم دَفْنه، لَمْ أَرَ جمعاً عَلَى جِنَازَة أَعْظَمَ مِنْهُ.

الترجمة

عَليّ بن عمر [360 - 442]
ابْن مُحَمَّد بن الْحسن، أَبُو الْحسن الْحَرْبِيّ.
يعرف ب: ابْن الْقزْوِينِي، وَيُقَال فِيهِ: الْقزْوِينِي.
مولده بِبَغْدَاد، وأصل أَبِيه من قزوين، كَانَ أحد الصَّالِحين النبل، مِمَّن تستنزل الرَّحْمَة بِذكرِهِ، وترتجى المثوبة بحبه، يكاشف بالأسرار، وَيتَكَلَّم على الخواطر، مكرماً بالكرامات الظَّاهِرَة، مُخَصّصا بالمواهب الباهرة، وَكَانَ مَعَ ذَلِك يرجع إِلَى فَضَائِل علمية من قُرْآن وَفقه وَحَدِيث وَغَيرهَا.
روينَا عَن الْحَافِظ أبي صَالح الْمُؤَذّن أَنه قَالَ فِي " مشيخته ":
أَبُو الْحسن عَليّ بن عمر الزَّاهِد الْبَغْدَادِيّ، الْمَعْرُوف بِابْن الْقزْوِينِي، الشَّافِعِي، الْمشَار إِلَيْهِ فِي زَمَانه بِبَغْدَاد فِي الزّهْد، والورع، وَكَثْرَة الْقِرَاءَة، وَمَعْرِفَة الْفِقْه والْحَدِيث، وَالله أعلم.
قَرَأَ ابْن الْقزْوِينِي (رضى الله عَنهُ) الْقُرْآن على أبي حَفْص الكتاني وَغَيره، وَقَرَأَ الْقرَاءَات، وَلم يكن يُعْطي من يقْرَأ عَلَيْهِ إِسْنَادًا للروايات.
وَسمع الحَدِيث من أبي حَفْص ابْن الزيات، وَابْن كيسَان، وَأبي الْحُسَيْن ابْن المظفر، وَأبي عمر ابْن حيويه، وطبقتهم.
وَرَوَاهُ عَنهُ الْأَعْيَان، وَمِنْهُم: أَبُو بكر الْخَطِيب الْحَافِظ الْبَغْدَادِيّ، وَذكره فِي " تَارِيخه "، فَقَالَ: كَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين، وَمن عباد الله الصَّالِحين، يقرىء الْقُرْآن، ويروي الحَدِيث، وَلَا يخرج من بَيته إِلَّا للصَّلَاة، وَكَانَ وافر الْعقل، صَحِيح الرَّأْي.
وَهَذِه نبذ منتخبة من " أَخْبَار أبي الْحسن ابْن الْقزْوِينِي وفضائله "، جمع أبي نصر هبة الله بن عَليّ بن المجلي،
أخبرنَا الإِمَام الْعَالم موفق الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة الْمَقْدِسِي قَالَ: أَنبأَنَا الشَّيْخ الْمُحدث الثِّقَة أَبُو طَالب الْمُبَارك بن عَليّ بن مُحَمَّد بن خضير الصَّيْرَفِي قَالَ: أخبرنَا أَبُو السُّعُود أَحْمد بن عَليّ بن مُحَمَّد بن المجلي قَالَ: أَخْبرنِي أخي أَو نصر هبة الله بن عَليّ قَالَ: سَمِعت بعض الشُّيُوخ يَقُول:
كَانَ أَبُو الْحسن الْقزْوِينِي نَسِيج وَحده، وفريد عصره من أَبنَاء جنسه، وَلَقَد أجمع الْفُقَهَاء، وَالْعُلَمَاء، وَأَصْحَاب الحَدِيث، والقراء، والأدباء، والفصحاء، والملوك، والأمراء، والعامة، والغوغاء، وَسَائِر النَّاس على اخْتلَافهمْ، على صِحَة رَأْيه، ووفور عقله، وَحسن معتقده، وَجَمِيل طَرِيقَته، وظلف نَفسه، وعلو همته، وزهده، وورعه، وتقشفه، ونظافته، ونزاهته، وعفته، وَكَانَ مِمَّن جمعت لَهُ الْقُلُوب.
قَالَ النواوي: قَوْله: ظلف نَفسه، وَهُوَ بالظاء الْمُعْجَمَة، ثمَّ اللَّام المفتوحتين، قَالَ أهل اللُّغَة: يُقَال ظلفت نَفسه - بِكَسْر اللَّام - تظلف - بِفَتْحِهَا - ظلفاً، على وزن: فرحت تفرح فَرحا، وَمَعْنَاهُ: كفت، وظلف نَفسه عَن الشَّيْء يظلفها ظلفاً، على وزن: ضربهَا يضْربهَا ضربا، وَمَعْنَاهُ: منعهَا من أَن تَفْعَلهُ.
قَالَ أَبُو نصر: حَدثنِي أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمين قَالَ: كتبت عَن أبي الْحسن الْقزْوِينِي مجَالِس إملاء فِي مَسْجده فَمَا كَانَ يخرج الْمجْلس لنَفسِهِ عَن شُيُوخه، وَلَا يدع أحدا يُخرجهُ، إِنَّمَا كَانَ يدْخل إِلَى منزله أَي جزو وَقع بِيَدِهِ خرج - يَعْنِي: خرج بِهِ - وأملى مِنْهُ عَن شيخ وَاحِد جَمِيع الْمجْلس، وَيَقُول: حَدِيث رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لَا ينتقى. قَالَ: وَكَانَ أَكثر أُصُوله بِخَطِّهِ.
قَالَ أَبُو نصر: سَمِعت عبد الله بن سَبْعُونَ القيرواني يَقُول: أَبُو الْحسن الْقزْوِينِي ثِقَة ثَبت فَوق الثبت، وَمَا رَأَيْت أَعقل مِنْهُ.
وَقَالَ: حَدثنِي أَبُو شُجَاع فَارس بن الْحُسَيْن الذهلي، حَدثنِي القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ، حَدثنِي أبي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ:

كَانَ يتفقه مَعنا على الداركي أَبُو الْحسن ابْن الْقزْوِينِي وَهُوَ حَدِيث السن، وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة، ملازماً للصمت، قل أَن يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه، وَمضى على ذَلِك سنُون وَلم أجتمع بِهِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا شيعت جَنَازَة إِلَى بَاب حَرْب، ثمَّ رجعت من الْجِنَازَة، فَدخلت مَسْجِدا فِي الحربية صليت فِيهِ جمَاعَة، فافتقدت الإِمَام فَإِذا بِهِ أَبُو الْحسن ابْن الْقزْوِينِي، فَسلمت عَلَيْهِ، وَقلت لَهُ: من تِلْكَ السنين مَا رَأَيْنَاك، فَقَالَ: تفقهنا جَمِيعًا، وكل بعد ذَلِك سلك طَرِيقا، أَو كَمَا قَالَ.
وَبِه قَالَ: قَالَ لنا أَبُو مُحَمَّد الْمَالِكِي: خرج فِي كتب أبي الْحسن الْقزْوِينِي بعد وَفَاته تَعْلِيق بِخَطِّهِ على أبي الْقَاسِم الداركي، قَالَ لي: وَرَأَيْت لَهُ أَيْضا تَعْلِيقا فِي النَّحْو عَن أبي الْفَتْح ابْن جني.
حَدثنِي أَبُو الْحسن عَليّ بن الْحُسَيْن بن جدا - يَعْنِي: بِكَسْر الْجِيم، وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة - قَالَ: سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس الْمُؤَدب - وَكَانَ شَيخا صَالحا - يَقُول: ذكر أَن أَبَا الْحسن الْقزْوِينِي سمع الشَّاة تذكر الله عز وَجل، فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: نعم، قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: فَقلت لَهُ: لم حدثت النَّاس بِهَذَا؟ فَقَالَ لي: خرجت يَوْمًا إِلَى الصَّلَاة، فَسمِعت الشَّاة تذكر الله تَعَالَى، وَدخلت الْمَسْجِد، فَسمِعت النَّاس يتحدثون فِي الْمَسْجِد بذلك، أَو كَمَا قَالَ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله: الْوَلِيّ يجوز لَهُ أَن يتحدث بِمَا يُكرمهُ الله تَعَالَى بِهِ من الكرامات إِذا كَانَ فِي تحديثه بذلك مصلحَة من نصيحة، أَو ترغيب، أَو غير ذَلِك، وَقد كَانَ الْقزْوِينِي رَحمَه الله رُبمَا أخبر، وَرُبمَا كتم، وَمَا ذَلِك إِلَّا بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال فِيمَا ذَكرْنَاهُ، وَالله أعلم.
وَقَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر الخباز الْحَرْبِيّ قَالَ: لما تحدث النَّاس أَن الْقزْوِينِي سمع الشَّاة تذكر الله تَعَالَى قَالُوا: سَمعهَا تَقول: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَكَانَ جَالِسا فِي منزله يتَوَضَّأ لصَلَاة الْعَصْر، فَقَالَ لأهل دَاره: لَا تخرج هَذِه الشَّاة غَدا إِلَى الرَّعْي، فَأَصْبَحت ميتَة.
حَدثنِي أَبُو مَنْصُور هبة الله بن أَحْمد بن الْحُسَيْن الْكَاتِب قَالَ: مضيت لزيارة الْقزْوِينِي، فَحَضَرت عِنْد قَبره، فخطر لي مَا يذكر النَّاس عَنهُ من الكرامات وَكَلَامه على خواطرهم، فَقلت: ترى أيش مَنْزِلَته عِنْد الله عز وَجل؟ وعَلى قَبره مصاحف، فحدثتني نَفسِي بِأخذ وَاحِد مِنْهَا وفتحه، فَأَي شَيْء كَانَ فِي أول ورقة من الْقُرْآن فَهُوَ فِيهِ، ففتحته، فَكَانَ فِي أول ورقة مِنْهُ: {وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين} [آل عمرَان: 45] .
حَدثنِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الْفضل بن الْأَصْبَهَانِيّ، حَدثنِي أَبُو مُحَمَّد الدهان اللّغَوِيّ قَالَ: كنت مِمَّن يقْرَأ على أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَقلت يَوْمًا فِي نَفسِي: أُرِيد أَن أسأله من أيش كَانَ يَأْكُل، وأسأله أَن يطعمني مِنْهُ، فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَرَأت، ثمَّ هَمَمْت أَن أسأله، فلحقني لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة، فَنَهَضت، فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ، فَجَلَست إِلَى أَن فرغ من الإقراء، ثمَّ قَالَ: بِسم الله، فَقُمْت مَعَه، فَأَدْخلنِي دَاره، وَأخرج إِلَيّ رغيفين سميذاً وَبَينهمَا عدس، ورغيفين وَبَينهمَا تمر أَو تين - الَّذِي حَدثنِي يشك - وَقَالَ: كل، فَمن هَذَا نَأْكُل، أَو كَمَا قَالَ.

حَدثنِي المعمر بن عَليّ الْوَاعِظ قَالَ: حدثت عَن أقضى الْقُضَاة أبي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ: صليت يَوْمًا خلف أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيصًا أنقى مَا يكون من الثِّيَاب، وَهُوَ مطرز، فَقلت فِي نَفسِي: ايْنَ الْمُطَرز من الزّهْد، فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ: سُبْحَانَ الله، الْمُطَرز لَا ينْقض أَحْكَام الزّهْد، الْمُطَرز لَا ينْقض أَحْكَام الزّهْد، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا.
حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقَزاز قَالَ: كَانَ ينزل بنهر طابق رجل زاهد، على طَريقَة حَسَنَة، يلبس الصُّوف، وَيَأْكُل الشّعير بالملح الجريش، وَكَانَ يبلغهُ أَن الْقزْوِينِي يَأْكُل الطّيب من الطَّعَام، ويلبس الرَّقِيق من الثِّيَاب، فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ الله، رجل زاهد مجمع على زهده، لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَيَأْكُل هَذَا الْمَأْكُول، ويلبس هَذَا الملبوس {} أشتهى أَن أرَاهُ، فجَاء إِلَى الحربية، فَدخل مَسْجِد الْقزْوِينِي، وَهُوَ فِي منزله ثمَّ إِنَّه خرج، فَأذن، وَدخل الْمَسْجِد، وَفِيه ذَلِك الرجل وَجَمَاعَة غَيره، فَقَالَ، ثمَّ الْقزْوِينِي: سُبْحَانَ الله، رجل يَوْمًا إِلَيْهِ بالزهد يُعَارض الله تَعَالَى فِي أَفعاله، أَو فِيمَا يجْرِي فِيهِ عبيده - مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا - وَمَا هَا هُنَا محرم وَلَا مُنكر بِحَمْد الله تَعَالَى، فَطَفِقَ ذَلِك الرجل يتشاهق، ويبكي بكاء شَدِيدا، وَالْجَمَاعَة ينظرُونَ إِلَيْهِ لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَر، وَصلى الْقزْوِينِي الظّهْر، فَلَمَّا فرغ من صلَاته خرج الرجل من الْمَسْجِد يُهَرْوِل حافياً، إِلَى أَن خرج من الحربية، فَلَمَّا قضى الْقزْوِينِي رُكُوعه الْتفت إِلَى أبي طَالب، فَقَالَ لَهُ: بَين الحربية والمشهد حَائِط وضع ليَكُون سوراً وَمَا تمّ، تمْضِي إِلَيْهِ، وَتحمل هَذَا المداس مَعَك، وَتقول لذَلِك الشَّخْص الْجَالِس عَلَيْهِ: لَا يكون لَهَا عودة أَو كَمَا قَالَ. قَالَ أَبُو طَالب: وَالله مَا أعلم أَن ثمَّ حَائِطا بِلَا متموم - كَذَا قَالَ، وَالصَّوَاب: متمم - وَلَا رَأَيْته قطّ، فَإِذا الرجل بِعَيْنِه جَالس على الْحَائِط يبكي ويتشاهق، فَوضعت المداس بَين يَدَيْهِ وانصرفت.
سَمِعت الشَّيْخ أَبَا نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ الْفَقِيه يَقُول: حضرت عِنْد الْقزْوِينِي يَوْمًا، فَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر ابْن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الشَّيْخ، أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها؟ فَقَالَ لَهُ: إِن كنت مرِيدا فَنعم، وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا. فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله، وكأنني لم أصوبه أَو كَيفَ قَالَ هَذَا، فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني، وَكَأن قَائِلا يَقُول لي: هَذَا بِسَبَب ابْن الْقزْوِينِي، يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ، أَو كَمَا قَالَ.
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور، بِخِلَاف المريد، فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء، فليخالفها كَذَلِك، وَالله أعلم.
حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم عبد السَّمِيع الْهَاشِمِي الداوودي، حَدثنِي عبد الْعَزِيز الصحراوي الزَّاهِد قَالَ: كنت أَقرَأ على أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَلَمَّا كَانَ يَوْم إِذا نَحن بِرَجُل قد دخل علينا الْمَسْجِد مُشْتَمِلًا منشفة، مغطى الْوَجْه، فَوَثَبَ الشَّيْخ إِلَيْهِ، فَاسْتَقْبلهُ وَصَافحهُ، وَأَجْلسهُ فِي الْقبْلَة، وَجلسَ بَين يَدَيْهِ، وحادثه سَاعَة طَوِيلَة، ثمَّ نَهَضَ للْقِيَام، فَقَامَ الْقزْوِينِي فشيعه إِلَى بَاب الْمَسْجِد، وودعه، ثمَّ عَاد، فعجبت لذَلِك عجبا شَدِيدا، فَقَالَ لي صَاحب كَانَ بجنبي: مِم تعجب؟ فَقلت: من الشَّيْخ وَفعله هَذَا بِهَذَا الرجل. فَقَالَ لي: وَلست تعرفه؟ فَقلت: لَا، فَقَالَ: هَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَادِر بِاللَّه.
وحَدثني أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْأمين قَالَ: رَأَيْت الْملك أَبَا كالجار قَائِما على رَأس أبي الْحسن الْقزْوِينِي يُشِير إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ، وَلَا يفعل.
وحَدثني أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ الطراح الْوَكِيل قَالَ: رَأَيْت الْملك أَبَا طَاهِر ابْن بويه قَائِما بَين يَدي أبي الْحسن الْقزْوِينِي يُومِئ إِلَيْهِ بِالْجُلُوسِ. فيأبى.
حَدثنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الخيوطي، حَدثنِي أَبُو بكر الْمُفَسّر وَكَانَ عبدا صَالحا قَالَ: كنت أسمع أَن أَحْمد الصياد يعرف اسْم الله الْأَعْظَم، فَكنت أمضي إِلَيْهِ وأتبرك بِهِ، قَالَ: فَخرجت من عِنْده يَوْمًا، فَقلت: هَذَا يُقَال: إِنَّه يعرف اسْم الله الْأَعْظَم، ترى أَبَا الْحسن الْقزْوِينِي يعرف اسْم الله الْأَعْظَم؟ وَدخلت على أبي الْحسن وَهُوَ فِي مَسْجده، فَقَالَ: وَقْفَة، فَسكت النَّاس، فَقَالَ: قَالَ رجل: ترى فلَان يعرف اسْم الله الْأَعْظَم؟ لله تَعَالَى عبيد يعْرفُونَ ذَلِك، أَو كَمَا قَالَ.
قَالَ الشَّيْخ: كَانَت عَادَته رَحمَه الله إِذا أَرَادَ سكُوت من يقْرَأ الْقُرْآن فِي الْمَسْجِد يَقُول: وَقفه.
حَدثنِي أَبُو بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن طَلْحَة الأطروش الْحَرْبِيّ، حَدثنِي مُحَمَّد بن هبة الله الْمَعْرُوف ب: ابْن صيلا، خَادِم الْقزْوِينِي قَالَ: صليت لَيْلَة مَعَ الْقزْوِينِي صَلَاة عشَاء الْآخِرَة، فأمسى فِي رُكُوعه وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيره، فَلَمَّا قضى صلَاته أخذت الْقنْدِيل بَين يَدَيْهِ ومشينا، فرأيته قد عبر منزله، فمشيت بَين يَدَيْهِ، فَخرج من الحربية وَأَنا مَعَه، وَقد صلى فِي مَسْجِدهَا الآخر رَكْعَتَيْنِ، فَلم أَعقل بِشَيْء إِذا أَنا بِموضع أَطُوف بِهِ مَعَ جمَاعَة خَلفه، حَتَّى مضى هوي من اللَّيْل، ثمَّ أَخذ بيَدي، وَقَالَ لي: بِسم الله، ومشيت مَعَه، فَلم اعقل بِشَيْء إِلَّا وَأَنا على بَاب الحربية، فدخلناها قبل الْفجْر، فَسَأَلته وَأَقْسَمت عَلَيْهِ: أَيْن كُنَّا؟ فَقَالَ لي: {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] ، ذَلِك الْبَيْت الْحَرَام، أَو بَيت الْمُقَدّس. ابْن طَلْحَة يشك فِي ذَلِك.
قَالَ النواوي: قَوْله: فأمسى فِي رُكُوعه، يَعْنِي: صلَاته، وَالصَّلَاة تسمى رُكُوعًا.
وَقَوله: شكّ فِي الْبَيْت الْحَرَام أَو بَيت الْمُقَدّس، الظَّاهِر - وَالله أعلم - أَنه الْبَيْت الْحَرَام، فَإِن الطّواف لَا يشرع بِغَيْرِهِ، وَالله أعلم.

حَدثنِي أَبُو البركات ابْن الْإِخْوَة، حَدثنِي رجل زاهد يعرف بِابْن الْبناء قَالَ: قلت للقزويني يَوْمًا: قَالَ لي أَبُو طَاهِر الْأنْصَارِيّ المقرىء أستاذي: أعرف رجلا يمْضِي يَوْم عَرَفَة الْعَصْر فَيشْهد الْموقف وَيرجع إِلَى مَسْجده بِبَغْدَاد، أَهَذا صَحِيح؟ فَقَالَ: الله على كل شَيْء قدير، قلت: عَنْك أَيهَا الشَّيْخ؟ فَقَالَ: خُذْهَا بعلو، خُذْهَا بعلو. أَو كَمَا قَالَ.
حَدثنِي أَبُو البركات ابْن الْإِخْوَة قَالَ: رَأَيْت الْقزْوِينِي لَيْلَة عَرَفَة وَقد خرج من منزله لصَلَاة الْمغرب ومداسه قد علا عَلَيْهِ غبرة كَثِيرَة وَرجلَاهُ حَتَّى قد غطت سَواد المداس، وَمَا رئي قطّ مداسة إِلَّا وسواده يلمع كَأَنَّهُ حنك غراب لنظافته، حكى حكايات كَثِيرَة تدل على إكرام الله تَعَالَى إِيَّاه بِهَذِهِ الْكَرَامَة.
حَدثنِي أَبُو نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن الدَّلال قَالَ: كنت أَقرَأ على أبي طَاهِر بن فضلان الْمُقْرِئ، وَكنت إِذا ذَاك أَقرَأ على أبي الْحسن الْقزْوِينِي: لَا تعتقد أَن أحدا يعلم مَا فِي قَلْبك، فَخرجت من عِنْده إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فَدخلت عَلَيْهِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، مقاومة، مُعَارضَة {} رُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " إِن تَحت الْعَرْش ريحًا هفافةً تهب إِلَى قُلُوب العارفين "

وَرُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " قد كَانَ فِيمَن خلا قبلكُمْ نَاس يحدثُونَ، فَإِن يَك فِي أمتِي فعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ".
حَدثنِي أَبُو طَاهِر أَحْمد بن مُحَمَّد بن طَالب الدَّلال قَالَ: كَانَ جمَاعَة من دَار الرَّقِيق يقصدون الْقزْوِينِي كل سبت لسَمَاع الحَدِيث، فَرَآهُمْ رجل يَوْمًا، فَقَالَ لَهُم كَالْمُسْتَهْزِئِ بهم: تُرِيدُونَ أَن تمضوا إِلَى عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، أُرِيد أَن أصحبكم الْيَوْم، فَدَخَلُوا الْمَسْجِد، فركعوا قبل أَن يجلسوا، وَركع مَعَهم ذَلِك الرجل، قَالَ: وَكنت مِمَّن لَا يضع الْيَمين على الشمَال فِي الصَّلَاة، فوضعتهما فَزعًا مِنْهُ وهيبة لَهُ، فَإنَّا فِي التَّشَهُّد قَالَ: سُبْحَانَ الله، رِيَاء ونفاق، رِيَاء ونفاق، يظْهر خلاف مَا يبطن، فَثَبت إِلَى الله تَعَالَى من ذكره، أَو كَمَا قَالَ.
حَدثنِي الْحُسَيْن بن عَليّ الفتال: قَالَ: قصدت الْقزْوِينِي يَوْمًا، فَقلت: لي حَاجَة، فَأمر الْحَاضِرين بِالسُّكُوتِ، وَقَالَ: قل، قلت: نجيء إِلَيْك وَفِي قُلُوبنَا حوائج فَتكلم على خواطرنا بِمَا فِيهَا، فَمَا هَذَا؟ فَقَالَ: رُوِيَ عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَنه قَالَ: " أتقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله "؛ ثمَّ قَالَ: إِن لله عباداً طهر قُلُوبهم، وصفى هممهم.
حَدثنِي أَبُو الْفَتْح عبد السَّلَام بن الْحسن بن عبد الله الجلوقي،

وَعلي بن أَحْمد بن شَدَّاد الحربيان، قَالَا: أنفذ الْملك أَبُو طَاهِر ابْن بويه لَيْلَة بعد الْعشَاء الْآخِرَة [بمنشور إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فقرأه] ، وَنحن جُلُوس بَين يَدَيْهِ، ثمَّ استدعى بِوَرَقَة ليجيب عَن المنشور، وَيَده كَمَا جرت عَادَته فِي كمه، فَطلب دَوَاة فتعذرت، فَأخذ الرقعة بِيَدِهِ وَأَشَارَ بإصبعه إِلَيْهَا من وَرَاء كمه، فَكتب فِيهَا. قَالَ لي عبد السَّلَام وَعلي: فَنَظَرْنَا - وَالله الَّذِي لَا إِلَه غَيره - إِلَى السطور فِي الورقة سواداً كَأَنَّهُ يستمد من محبرة، فبهتنا نَنْظُر إِلَيْهِ، وَبَقينَا متعجبين من ذَلِك زَمَانا.
حَدثنِي الشَّيْخ الإِمَام أَبُو نصر عبد السَّيِّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد ابْن الصّباغ الْفَقِيه الشَّافِعِي قَالَ: حضرت عِنْد أبي الْحسن الْقزْوِينِي للسلام عَلَيْهِ، فَقلت فِي نَفسِي: قد حُكيَ لَهُ أنني أشعري، فَرُبمَا رَأَيْت مِنْهُ فِي ذَلِك شَيْئا، أَو قصر فِي السَّلَام عَليّ، أَو نَحوا من هَذَا، فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَالَ: لَا نقُول إِلَّا خيرا، لَا نقُول إِلَّا خيرا، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. ثمَّ الْتفت إِلَيّ، فَقَالَ لي: " من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط، وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ قيراطان "، مَعَ القيراط، أَو غير القيراط؟ قَالَ، قلت: مَعَ القيراط. قَالَ: جيد بَالغ. ونهض فَدخل منزله، فطالبني أهل الْمَسْجِد بِالدَّلِيلِ، فَقلت لَهُم: فِي الْقُرْآن مثله، قَالَ الله تَعَالَى: {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} [فصلت: 9 - 10] مَعَ الْيَوْمَيْنِ، لَا غير الْيَوْمَيْنِ. سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْمُدبر يَقُول:

سَمِعت أَنا الْحسن الْقزْوِينِي يَقُول: مَوَدَّة الدّين لَا يزيلها شَيْء، ومودة الدُّنْيَا تثبت بِالسَّبَبِ، فَإِذا زَالَ السَّبَب زَالَت. قا ل: وسمعته يَقُول: صِحَة وَعدم خير وجود وسقم.
حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم عبد الْغَنِيّ بن أبي طَالب، حَدثنِي حَدِيث الصياد - وَكَانَ من سَاكِني الحربية - قَالَ: أَصبَحت يَوْمًا من الْأَيَّام وَمَا أملك حَبَّة وَاحِدَة وَفِي دَاري عائلة، فَخرجت من منزلي، فَقلت فِي نَفسِي: أشتهي أَن أجد السَّاعَة فِي وسط الحربية دِينَارا أَعُود بِهِ على عيالي، ومشيت، فوافيت الْقزْوِينِي يخرج من منزله، فصاح بِي، فَجئْت إِلَيْهِ، فَقَالَ لي: يَا حَدِيد، أما علمت أَن اللّقطَة إِذا لم تعرف فَهِيَ حرَام؟ وَأخرج لي دِينَارا فَوَضعه فِي كفي، وَقل: خُذْهُ حَلَالا، أَو كَمَا قَالَ.
حَدثنِي أَحْمد بن عَليّ بن المنتاب الْمُقْرِئ، حَدثنِي رجل ذهب عَليّ اسْمه قَالَ: دخلت مَسْجِد الْقزْوِينِي وَقد حمل إِلَيْهِ تفاح ومشمش كثير جدا وَهُوَ يفرق بَين يَدَيْهِ على ضعفاء الحربية، فكأنني استكثرته، وَقلت فِي نَفسِي: قد بَقِي فِي النَّاس لله بعد شَيْء {فَرفع الْقزْوِينِي رَأسه إِلَيّ فِي الْحَال، وَقَالَ: سُبْحَانَ الله، يستكثر لله شَيْء؟ لَو رَأَيْتُمْ مَا ينْفق فِي معاصي الله تَعَالَى}
حَدثنِي أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن الْحسن السمسار قَالَ: أصابني ريح المفاصل سنة من السنين حَتَّى زمنت لأَجلهَا، فركبت حمارا، ومضيت إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي، فوافيت مَسْجده وَهُوَ فِي منزلَة، فأنزلت من الْحمار، وَجَلَست فِي الْمَسْجِد، فَلَمَّا خرج جهدت نَفسِي فِي الْوُثُوب لَهُ، فَقَالَ: كَمَا أَنْت تعافى إِن شَاءَ الله تَعَالَى، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ جَلَست، فَلَا وَالله، مَا أعلم مَا قَالَ عَلَيْهَا، وَأمر عَلَيْهَا يَده من وَرَاء كمه، فَقُمْت من سَاعَتِي، وعدت من مَسْجده مَاشِيا إِلَى بَاب الْبَصْرَة، وعوفيت فِي الْحَال.
حَدثنِي أَبُو بكر أَحْمد بن نصر الضَّرِير الْقَارئ، حَدثنِي عَليّ بن بعد الله السوادي، قَالَ: كنت لَيْلَة جَالِسا فِي منزلي وَأَنا على وضوء منتظراً لصَلَاة الْعَتَمَة، فَنمت وَأَنا جَالس، ثمَّ استيقظت، فَقلت: لم أغص فِي النّوم، وَبَين الْفُقَهَاء فِي ذَلِك خلاف، إِذا نَام قَاعِدا متربعاً، وَكَانَ الزَّمَان شَدِيد الْبرد، وصعب عَليّ الْوضُوء لشدَّة الْبرد، فَصليت وَلم أتوضأ، ثمَّ إِنِّي صليت مَعَ أبي الْحسن الْقزْوِينِي من الْغَد، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله، رَطْل مَاء يخرج بِهِ الْإِنْسَان من الْخلاف مَعَ مَا قد ورد فِي الحَدِيث من الْفضل فِي ذَلِك فِي " إسباغ الْوضُوء على " المكاره "، فبهت أنظر إِلَيْهِ مُتَعَجِّبا من قَوْله، أَو كَمَا حكى.
حَدثنِي أَبُو عَليّ الْحسن بن مُحَمَّد بن أَحْمد، حَدثنِي أَبُو طَاهِر بن جحشوه قَالَ: أردْت سفرا، وَكنت خَائفًا مِنْهُ، فَدخلت إِلَى الْقزْوِينِي أسلم عَلَيْهِ. فَقَالَ لي ابْتِدَاء من قبل نَفسه: من أَرَادَ سفرا فَقرب من وَحش فليقرأ: {لِإِيلَافِ قُرَيْش} [قُرَيْش: 1] ، فَإِنَّهَا ... فقرأتها، فَلم يعرض لي عَارض حَتَّى الْآن.
حَدثنِي أَبُو جَابر مُحَمَّد بن أَحْمد الزُّهْرِيّ، وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن العصار قَالَا: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مُحَمَّد النعماني.

ح، قَالَ: وَأخْبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن أَحْمد المقرىء قَالَ: حكى لنا أَبُو مُحَمَّد النعماني قَالَ: قصدت الْقزْوِينِي يَوْمًا لأقرأ عَلَيْهِ الحَدِيث، فَدخلت جَامع الحربية لأتوضأ فأنسيت محبرتي، وَلم أذكرها إِلَّا وَأَنا جَالس بَين يَدَيْهِ أَقرَأ، فهممت بِالْقيامِ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّد، مَا أنسيته يَأْتِيك، فَقلت: أَخَاف أَن يخرج غلط يحْتَاج إِلَى إصْلَاح، فَقَالَ: أَقرَأ فَقَرَأت أوراقاً، وَخرج عَليّ غلط يحْتَاج إِلَى إصْلَاح، فَقلت: بِأَيّ شَيْء أصلحه؟ فَرفع رَأسه، فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، وَإِذا بِبَاب الْمَسْجِد رجل يَقُول: هَذِه المحبرة لمن؟ فَقَالَ: قُم فَخذهَا.
حَدثنِي أَبُو البركات مُحَمَّد بن عبد الله بن يحيى الدباس الْفَقِيه قَالَ: رَأَيْت فِي النّوم شَخْصَيْنِ، وَأَحَدهمَا يَقُول لي، وَيُشِير إِلَى الآخر: هَذَا ابْن الْقزْوِينِي. قَالَ: فأشرت إِلَيْهِ، أَي سَيِّدي، أوصني. قَالَ: فَأَوْمأ إِلَيّ يعد بأصابعه وَيَقُول لي: {وَالْعصر إِن الْإِنْسَان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} [الْعَصْر: 1 - 3] قَالَ: وَلم أكن رَأَيْته قبل ذَلِك، فَلَمَّا كَانَ بعد سِنِين ذكرت هَذَا الْمَنَام، فَقلت فِي نَفسِي: يكون مثل هَذَا الرجل بِالْبَلَدِ وَلم أرَاهُ؟ هَذَا عجز عَظِيم، وَقلة توفيق. قَالَ فمضيت إِلَيْهِ، وَدخلت عَلَيْهِ، وَصليت وَرَاءه إمدى الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة، نظرت إِلَيْهِ، فَأَوْمأ بِيَدِهِ - علم الله - على الصُّورَة الَّتِي رَأَيْته بهَا فِي الْمَنَام تِلْكَ اللَّيْلَة، وَهُوَ يَقُول لي: (وَالْعصر، إِن الْإِنْسَان لفي

خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ} [الْعَصْر: 1 - 3] .
حَدثنِي أَبُو نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الدَّلال الْمُقْرِئ قَالَ: كَانَ لي صَاحب يقْرَأ عَليّ تكلم بِكَلَام جيد، وشدد الْيَاء، فَقلت لَهُ كالمداعب: لَا تَتَكَلَّم إِلَّا بإعراب، ثمَّ مضيت وَهُوَ بصحبتي إِلَى أبي الْحسن الْقزْوِينِي لأقرأ عَلَيْهِ، فَلَمَّا كُنَّا بَين يَدَيْهِ قَالَ:
لَا إِلَه إِلَّا الله، الْجيد: ضد الرَّدِيء، والجيد: الرَّقَبَة. قَالَ الله تَعَالَى: {فِي جيدها حَبل من مسد} [المسد: 5] ، فَجعلت أنظر إِلَى صَاحِبي، وَينظر هُوَ إِلَيّ، رَحمَه الله) .

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

الإِمَامُ القُدْوَةُ، العَارِفُ، شَيْخُ العِرَاقِ، أَبُو الحَسَنِ، عَلِيُّ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّد، ابْنُ القَزْوِيْنِيِّ البَغْدَادِيُّ الحَرْبِيُّ الزَّاهِدُ.
سَمِعَ: أَبَا عُمَرَ بنَ حَيُّوَيْه، وَأَبَا حَفْص بنِ الزَّيَّات، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ شَاذَان، وَالقَاضِي أَبَا الحَسَنِ الجَرَّاحِيَّ، وَأَبَا الفَتْحِ القَوَّاس وَطَبَقَتَهُم، وَأَمْلَى عِدَّة مَجَالِس.
حَدَّثَ عَنْهُ: الخَطِيْبُ، وَابْنُ خَيْرُوْنَ، وَأَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ، وَأَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَرَدَانِي، وَأَبُو سَعْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَاكِر الطَّرَسُوْسِيّ، وَجَعْفَرُ بنُ أَحْمَدَ السَّرَّاج، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الباقرحي، وأبو العز محمد بن المُخْتَار، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بغرَاج، وَهِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الرَّحبِيّ، وَأَبُو مَنْصُوْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
قَالَ الخَطِيْبُ: كتبنَا عَنْهُ، وَكَانَ أَحدَ الزُّهَّاد، وَمن عبَاد الله الصَّالِحِيْنَ، يقرىء القُرْآن، وَيروِي الحَدِيْثَ، وَلاَ يخرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا للصَّلاَة، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، قَالَ لِي: وُلِدْتُ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَغُلِّقت جَمِيْعُ بَغْدَاد يَوْم دَفْنه، لَمْ أَرَ جمعاً عَلَى جِنَازَة أَعْظَمَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو نَصْرٍ هِبَةُ اللهِ بن المُجْلِي: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ طَلْحَةَ بن المُنَقِّي قَالَ: حَضَرَتْ وَالدِي الوَفَاةُ، فَأَوْصَى إِليَّ بِمَا أَفعلُهُ، وَقَالَ: تمْضِي إِلَى القَزْوِيْنِيّ، وَتَقُولُ لَهُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَنَامِ، وَقَالَ لِي: اقرأْ عَلَى القَزْوِيْنِيّ مِنِّي السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: بِالعَلاَمَةِ أَنَّكَ كُنْتَ بِالموقِفِ فِي هَذِهِ السَّنَة، فَلَمَّا مَاتَ، جِئْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي ابْتِدَاءً: مَاتَ أَبُوكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: رَحِمَهُ اللهُ، وَصدق رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَصدَقَ أَبُوك. وَأَقسم عليَّ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ بِهِ فِي حيَاته.
أَخْبَرَنَا الحسن بن علي، أخبرن جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ قَالَ: سَأَلتُ شُجَاعاً الذُّهْلِيّ عَنْ أَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيّ، فَقَالَ: كَانَ عَلَمَ الزُّهَّاد وَالصَّالِحِيْنَ، وَإِمَامَ الأَتْقِيَاء الوَرِعِين، لَهُ كَرَامَاتٌ ظَاهِرَةٌ مَعْرُوْفَةٌ يَتَدَاولُهَا النَّاسُ، لَمْ يزل يقرىء وَيُحَدِّثُ إِلَى أَنْ مَاتَ.
وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ المُؤَذِّنُ فِي "مُعْجَمِه": أَبُو الحَسَنِ القَزْوِيْنِيُّ الشَّافِعِيُّ المشار إليه في زمانه ببغداد في الزهد والورع وكثر القِرَاءة، وَمَعْرِفَةِ الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ، تَلاَ عَلَى أَبِي حَفْصٍ الكَتَّانِيّ، وَقرأَ القرَاءاتِ، وَلَمْ يَكُنْ يُعطي مَنْ يقرأُ عَلَيْهِ إِسْنَاداً بِهَا.
وَقَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ المُجْلِي فِي كِتَاب "منَاقب القَزْوِيْنِيّ": كَانَ يَعْنِي كلمَة إِجمَاعٍ فِي الخَيْر، وَمِمَّنْ جُمعت لَهُ القُلُوْب، فَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَمِيْن قَالَ: كَتَبْتُ عَنْهُ مَجَالِسَ أَملاَهَا فِي مَسْجِدِهِ، وَكَانَ أَيّ جُزء وَقَعَ بِيَدِهِ، خَرَّجَ مِنْهُ عَنْ شَيْخٍ وَاحِد جَمِيْعَ المَجْلِس، وَيَقُوْلُ: حَدِيْثَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُنفَى. وَكَانَ أَكْثَرُ أُصُوْلِهِ بخطِّه.
وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَبْعُوْنَ القَيْرَوَانِيّ يَقُوْلُ: القَزْوِيْنِيّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ، مَا رَأَيْتُ أَعقل مِنْهُ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا الحَسَنِ علق تَعليقَة عَنْ أَبِي القَاسِمِ الدَّارَكِيّ، وَلَهُ تَعليق فِي النَّحْوِ عَنِ ابْنِ جِنِّي، سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ المُؤَدِّب وَغَيْرهُ يَقُوْلاَنِ: إِنَّ القَزْوِيْنِيّ سَمِعَ: الشَّاة تذكر الله تَعَالَى. وَحَدَّثَنِي هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ أَنَّهُ زَار قَبْرَ ابْنِ القَزْوِيْنِيّ، فَفَتَح ختمَةً هُنَاكَ، وَتفَاءَل لِلشَّيْخِ، فَطَلَعَ أَوّلُ ذَلِكَ، {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عِمْرَان: 45] .
وَرُوِيَ عَنِ أَقضَى القُضَاةِ المَاوَرْدِيِّ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيِّ، فَرَأَيْتُ عَلَيْهِ قَمِيْصاً نَقِيّاً مُطَرَّزاً، فَقُلْتُ فِي نَفسِي: أَيْنَ الطّرزُ مِنَ الزُّهْدِ؟ فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ! الطّرزُ لاَ ينقُضُ حُكْمَ الزُّهْدِ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ حُسَيْنٍ القَزَّازُ قَالَ: كَانَ بِبَغْدَادَ زَاهِدٌ خَشِنُ العَيشِ، وَكَانَ يبلُغُه أَنَّ ابْنَ القَزْوِيْنِيِّ يأكل الطيب، ويلبس الرقيق، فقال: سبحان اللهِ! رَجُلٌ مُجْمَعٌ عَلَى زُهْدِهِ وَهَذَا حَالُه! أَشتَهِي أَنْ أَرَاهُ. فَجَاءَ إِلَى الحَربيَّةِ، فَرَآهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ: سُبْحَانَ اللهِ! رَجُلٌ يُوْمَأُ إِلَيْهِ بِالزُّهْدِ، يُعَارِضُ اللهَ فِي أَفعَالِهِ، وَمَا هُنَا مُحَرَّمٌ وَلاَ مُنْكَرٌ. فَشَهَقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، وَبَكَى.
وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ بنُ الصَّبَّاغَ الفَقِيْهُ: حَضَرتُ عِنْدَ ابْنِ القَزْوِيْنِيِّ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ الرَّحَبِيِّ، فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ! أَيَّ شَيْءٍ أَمَرَتْنِي نَفسِي أُخَالِفُهَا؟ قَالَ: إِنْ كُنْتَ مُرِيداً، فَنَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَارِفاً، فَلاَ. فَانْصَرَفْتُ، وَأَنَا مُفَكِّرٌ، وَكَأَنَّنِي لَمْ أُصوِّبْهُ، فرَأَيْتُ لَيْلَتِي كَأَنَّ مَنْ يَقُوْلُ لِي وَقَدْ هَالَنِي أَمرٌ: هَذَا بِسَبَبِ ابْنِ القَزْوِيْنِيِّ. وَحَدَّثَنِي أَبُو القَاسِمِ عَبْدُ السَّمِيْعِ الهَاشِمِيُّ، عَنْ عَبْدِ العَزِيْزِ الصَّحْرَاوِيِّ الزَّاهِدِ قَالَ: كُنْتُ أَقرأُ عَلَى القَزْوِيْنِيِّ، فَجَاءَ رَجُلٌ مُغَطَّى الوَجْهِ، فَوَثَبَ الشَّيْخُ إِلَيْهِ، وَصَافَحَه، وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، فَسَأَلتُ صَاحِبِي: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: تَعرِفُهُ؟ هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ القَادِرُ بِاللهِ.
وحدثنا أحمد بنُ مُحَمَّدٍ الأَمِيْنُ قَالَ: رَأَيْتُ المَلِكَ أَبَا كَالَيْجَارَ قَائِماً يُشِيرُ إِلَيْهِ أَبُو الحَسَنِ بِالجُلُوسِ، فلا يفعل.

وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّرَّاحُ الوَكِيْلُ قَالَ: رَأَيْتُ المَلِكَ أَبَا طَاهِرٍ بنَ بُوَيْه قَائِماً بين يدي الشيخ أبي الحسن يومىء بِالجُلُوسِ، فَيَأْبَى.
ثُمَّ سَرَدَ لَهُ ابْنُ المُجْلِي كَرَامَاتٍ مِنْهَا شُهُوْدُهُ عَرَفَةَ وَهُوَ بِبَغْدَادَ، وَمِنْهَا ذَهَابُهُ إِلَى مَكَّةَ، فَطَافَ، وَرَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخَلاَّل، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ الهمداني، أخبرنا السلفي: سَمِعْتُ جَعْفَراً السَّرَّاجَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ القَزْوِيْنِيِّ ثَوباً رَقيقاً، فَخَطَرَ لِي: كَيْفَ مِثْلُهُ فِي زُهدِه يَلبَسُ هَذَا؟ فَنَظَرَ فِي الحَالِ إِلَيَّ، وَقَالَ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأَعْرَافُ:32] . وَحَضرْتُ عِنْدَهُ يَوْماً لِلسَّمَاعِ إِلَى أَنْ وَصلَتِ الشَّمْسُ إِلَيْنَا، وَتَأَذَّينَا بِحَرِّهَا، فَقُلْتُ فِي نَفسِي: لَوْ تَحَوَّلَ الشَّيْخُ إِلَى الظِّلِّ. فَقَالَ فِي الحَالِ: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التَّوْبَةُ: 81] .
وَمَاتَ مَعَ القَزْوِيْنِيِّ فِي سَنَةِ 442 أَبُو الحُسَيْنِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ التَّوَّزِيُّ، وَشَيْخُ العَرَبِيَّةِ أَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ ثَابِتٍ الثَّمَانِيْنِيُّ؛ صَاحِبُ ابْنِ جِنِّيٍّ، وَالوَاعِظُ أبو طاهر محمد بن علي بن محمد العَلاَّفُ، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ أَحْمَدَ بن فاذويه.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

علي بن عمر بن محمد بن الحسن، أبو الحسن ابن القزويني:
زاهد، من علماء الشافعية قزويني الأصل، بغدادي المولد والوفاة. يقال له " الحربي " نسبة إلى محلة في بغداد. كان من تلاميذ ابن  جني. وأملى عدة مجالس.
له " الفوائد المنتقاة، الغرائب الحسان - خ " في شستربتي (3495) .

-الاعلام للزركلي-

 

 عَليّ بن عمر بن مُحَمَّد بن الْحسن الْحَرْبِيّ أَبُي الْحسن بن الْقزْوِينِي

أحد أَوْلِيَاء الله المكاشفين بالأسرار الْمُتَكَلِّمين على الخواطر
تفقه على الداركي
قَالَ الْخَطِيب كتبنَا عَنهُ وَكَانَ أحد الزهاد الْمَذْكُورين وَمن عباد الله الصَّالِحين يقْرَأ الْقُرْآن ويروي الحَدِيث وَلَا يخرج من بَيته إِلَّا للصَّلَاة وَكَانَ وافر الْعقل صَحِيح الرَّأْي رَحْمَة الله عَلَيْهِ قَالَ لي ولدت سنة سِتِّينَ وثلاثمائة
قلت سمع أَبَا حَفْص بن الزيات وَالْقَاضِي أَبَا الْحسن الجراحي وَأَبا عمر ابْن حيويه وَأَبا بكر بن شَاذان وطبقتهم
روى عَنهُ أَبُو عَليّ أَحْمد بن مُحَمَّد البرداني وَأَبُو سعد أَحْمد بن مُحَمَّد بن شَاكر الطرسوسي وجعفر بن أَحْمد السراج وَالْحسن بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الباقرحي وَأَبُو مَنْصُور أَحْمد بن مُحَمَّد الصَّيْرَفِي وَعلي بن عبد الْوَاحِد الدينَوَرِي وَهبة الله بن أَحْمد الرَّحبِي وَغَيرهم
وَله مجَالِس مَشْهُورَة يَرْوِيهَا النجيب الْحَرَّانِي
وَقد أَطَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه لَيْسَ فِي كِتَابه تَرْجَمَة أطول مِنْهَا لِأَنَّهُ انتخب فِيهَا نبذا من كتاب جمعه أَبُو نصر هبة الله ابْن عَليّ بن المجلي فِي أَخْبَار ابْن الْقزْوِينِي وفضائله

فَمِنْهُ أَن جَمِيع النَّاس فِي عصره أَجمعُوا مَعَ اخْتِلَاف آرائهم وتشعب أنحائهم على حسن مُعْتَقد هَذَا الشَّيْخ وزهده وورعه
وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأمين وَكَانَ مِمَّن استملى على ابْن الْقزْوِينِي مَا كَانَ أَبُو الْحسن يخرج الْمجْلس لنَفسِهِ عَن شُيُوخه وَلَا يدع أحدا يُخرجهُ إِنَّمَا كَانَ يدْخل إِلَى منزله وَأي جُزْء وَقع بِيَدِهِ خرج بِهِ وأملى مِنْهُ عَن شيخ وَاحِد جَمِيع الْمجْلس وَيَقُول حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينتقى وَكَانَ أَكثر أُصُوله بِخَطِّهِ
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحسن الْبَيْضَاوِيّ حَدثنِي أبي أَبُو عبد الله الْبَيْضَاوِيّ قَالَ كَانَ ثِقَة يتفقه مَعنا على الداركي وَهُوَ حَدِيث السن وَكَانَ حسن الطَّرِيقَة ملازما للصمت قل أَن يتَكَلَّم فِيمَا لَا يعنيه وَمضى على ذَلِك سنُون وَلم أجتمع بِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْم شيعت جَنَازَة إِلَى بَاب حَرْب ثمَّ رجعت من الْجِنَازَة فَدخلت مَسْجِدا فِي الحربية صليت فِيهِ جمَاعَة فافتقدت الإِمَام فَإِذا بِهِ أَبُو الْحسن بن الْقزْوِينِي فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت من تِلْكَ السنين مَا رَأَيْنَاك فَقَالَ تفقهنا جَمِيعًا وكل بعد ذَلِك سلك طَرِيقا أَو كَمَا قَالَ
وَعَن ابْن الْقزْوِينِي أَنه سمع الشَّاة تذكر الله تَعَالَى سَمعهَا تَقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَكَانَ جَالِسا فِي منزله يتَوَضَّأ لصَلَاة الْعَصْر فَقَالَ لأهل دَاره لَا تخرج هَذِه الشَّاة غَدا إِلَى الرَّعْي فَأَصْبَحت ميتَة
وَعَن بَعضهم مضيت لزيارة قبر ابْن الْقزْوِينِي فخطر لي مَا يذكر النَّاس عِنْده من الكرامات فَقلت ترى أيش مَنْزِلَته عِنْد الله تَعَالَى وعَلى قَبره مصاحف فحدثتني نَفسِي بِأخذ وَاحِد مِنْهَا وفتحه فَأَي شَيْء كَانَ فِي أول ورقة من الْقُرْآن فَهُوَ فِيهِ ففتحته فَكَانَ فِي أول ورقة مِنْهُ {وجيها فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن المقربين}

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد الدهان اللّغَوِيّ كنت مِمَّن يقْرَأ على ابْن الْقزْوِينِي فَقلت يَوْمًا فِي نَفسِي أُرِيد أَن أسأله من أَي شَيْء يَأْكُل وأسأله أَن يطعمني مِنْهُ فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَرَأت ثمَّ هَمَمْت أَن أسأله فلحقني لَهُ هَيْبَة عَظِيمَة فَنَهَضت فَأمرنِي بِالْجُلُوسِ فَجَلَست إِلَى أَن فرغ من الإقراء ثمَّ قَالَ بِسم الله فَقُمْت مَعَه فَأَدْخلنِي دَاره وَأخرج إِلَيّ رغيفين سميذا وَبَينهمَا عدس ورغيفين وَبَينهمَا تمر أَو تين وَقَالَ كل فَمن هَذَا نَأْكُل
وَعَن القَاضِي الْمَاوَرْدِيّ صليت يَوْمًا خلف ابْن الْقزْوِينِي فَرَأَيْت عَلَيْهِ قَمِيصًا أنقى مَا يكون من الثِّيَاب وَهُوَ مطرز فَقلت فِي نَفسِي أَيْن الطرز من الزّهْد فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ سُبْحَانَ الله الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد الطرز لَا ينقص أَحْكَام الزّهْد مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْقَزاز قَالَ كَانَ ينزل بنهر طابق رجل صَالح زاهد على طَريقَة حَسَنَة يلبس الصُّوف وَيَأْكُل الشّعير بالملح الجريش وَكَانَ يبلغهُ أَن ابْن الْقزْوِينِي يَأْكُل طيب الطَّعَام ويلبس رَقِيق الثِّيَاب فَقَالَ يَا سُبْحَانَ الله رجل زاهد مجمع على زهده لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان يَأْكُل هَذَا الْمَأْكُول ويلبس هَذَا الملبوس أشتهى أَن أرَاهُ فجَاء إِلَى الحربية فَدخل مَسْجِد الْقزْوِينِي وَهُوَ فِي منزله ثمَّ إِنَّه خرج فَأذن وَدخل الْمَسْجِد وَفِيه ذَلِك الرجل وَجَمَاعَة غَيره فَقَالَ الْقزْوِينِي سُبْحَانَ الله رجل يومأ إِلَيْهِ بالزهد والورع يُعَارض الله فِي أَفعاله أَو فِيمَا يجْرِي فِيهِ عُبَيْدَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَمَا هَاهُنَا محرم وَلَا مُنكر بِحَمْد الله فَطَفِقَ ذَلِك الرجل يتشاهق ويبكي بكاء شَدِيدا وَالْجَمَاعَة ينظرُونَ إِلَيْهِ لَا يَدْرُونَ مَا الْخَبَر وَصلى الْقزْوِينِي الظّهْر فَلَمَّا فرغ من صلَاته خرج الرجل من الْمَسْجِد يُهَرْوِل حافيا إِلَى أَن خرج من الحربية
فَلَمَّا قضى الْقزْوِينِي رُكُوعه الْتفت إِلَى أبي طَالب فَقَالَ لَهُ بَين الحربية والمشهد حَائِط وضع ليَكُون سورا

وَمَا تمّ تمْضِي إِلَيْهِ وَتحمل هَذَا المداس مَعَك وَتقول لذَلِك الشَّخْص الْجَالِس عَلَيْهِ لَا يكون لَك عودة أَو كَمَا قَالَ
قَالَ أَبُو طَالب وَوَاللَّه مَا أعلم أَن ثمَّ حَائِطا غير متموم كَذَا قَالَ وَالصَّوَاب متمم وَلَا رَأَيْته قطّ فَإِذا الرجل بِعَيْنِه جَالس على الْحَائِط يبكي ويتشاهق فَوضعت المداس بَين يَدَيْهِ وانصرفت
وَقَالَ أَبُو نصر بن الصّباغ رَحمَه الله حضرت الْقزْوِينِي يَوْمًا وَدخل عَلَيْهِ أَبُو بكر بن الرَّحبِي فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أَي شَيْء أَمرتنِي نَفسِي أخالفها فَقَالَ لَهُ إِن كنت مرِيدا فَنعم وَإِن كنت عَارِفًا فَلَا
فَلَمَّا انكفأت من عِنْده فَكرت فِي قَوْله وكأنني لم أصوبه فَرَأَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة فِي مَنَامِي شَيْئا أزعجني وَكَأن قَائِلا يَقُول لي هَذَا بِسَبَب الْقزْوِينِي يَعْنِي لما أخذت فِي نَفسك عَلَيْهِ أَو كَمَا قَالَ
قَالَ ابْن الصّلاح ذَلِك لِأَن الْعَارِف ملك نَفسه فأمن عَلَيْهَا من أَن تَدعُوهُ إِلَى مَحْذُور بِخِلَاف المريد فَإِن نَفسه بِحَالِهَا أَمارَة بالسوء فليخالفها كَذَلِك
وَعَن مُحَمَّد بن هبة الله خَادِم ابْن الْقزْوِينِي صليت لَيْلَة مَعَ ابْن الْقزْوِينِي صَلَاة عشَاء الْآخِرَة فأمسى فِي رُكُوعه وَلم يبْق فِي الْمَسْجِد غَيْرِي وَغَيره فَلَمَّا قضى صلَاته أخذت الْقنْدِيل بَين يَدَيْهِ ومشينا فرأيته قد عبر منزله فمشيت بَين يَدَيْهِ فَخرج من الحربية وَأَنا مَعَه وَقد صلى فِي مَسْجِدهَا الآخر رَكْعَتَيْنِ فَلم أَعقل بِشَيْء إِذا أَنا بِموضع أَطُوف بِهِ مَعَ جمَاعَة خَلفه حَتَّى مضى هوي من اللَّيْل ثمَّ أَخذ بيَدي وَقَالَ لي بِسم الله ومشيت مَعَه فَلم أَعقل بِشَيْء إِلَّا وَأَنا على بَاب الحربية فدخلناها قبل الْفجْر فَسَأَلته وَأَقْسَمت عَلَيْهِ أَيْن كُنَّا فَقَالَ لي {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ} ذَلِك الْبَيْت الْحَرَام أَو بَيت الْمُقَدّس رَاوِي الْحِكَايَة يشك

قَالَ النَّوَوِيّ أَمْسَى فِي رُكُوعه يَعْنِي صلَاته وَالصَّلَاة تسمى رُكُوعًا
قَالَ وَلَفظ الطّواف يدل على أَنه الْبَيْت الْحَرَام فَإِن الطّواف لَا يشرع لغيره
قلت عِبَارَته أَطُوف بِهِ فَيحْتَمل أَن يُرِيد الطّواف الشَّرْعِيّ وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه يَدُور فِي جوانبه فَلَا يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الطّواف الشَّرْعِيّ حَتَّى يتَعَيَّن أَن يكون هُوَ الْبَيْت الْحَرَام
ثمَّ سَاق جَامع فَضَائِل الْقزْوِينِي حكايات كَثِيرَة تدل على أَن الله تَعَالَى أكْرمه بِهَذِهِ المنقبة وَهِي طَيء الأَرْض لَهُ
وَعَن أبي نصر عبد الْملك بن الْحُسَيْن الدَّلال قَالَ كنت أَقرَأ على أبي طَاهِر ابْن فضلان المقرىء وَكنت إِذْ ذَاك أَقرَأ على أبي الْحسن بن الْقزْوِينِي فَقَالَ لي ابْن فضلان يَوْمًا وَقد جرى ذكر كرامات الْقزْوِينِي لَا تعتقد أَن أحدا يعلم مَا فِي قَلْبك فَخرجت من عِنْده إِلَى ابْن الْقزْوِينِي فَقَالَ سُبْحَانَ الله مقاومة مُعَارضَة رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن تَحت الْعَرْش ريحًا هفافة تهب إِلَى قُلُوب العارفين)
وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (قد كَانَ فِيمَن خلا قبلكُمْ نَاس محدثون فَإِن يكن فِي أمتِي فعمر بن الْخطاب)
وَعَن بَعضهم أَصبَحت يَوْمًا لَا أملك شَيْئا فَقلت فِي نَفسِي أشتهي أَن أجد السَّاعَة فِي وسط الحربية دِينَارا أَعُود بِهِ إِلَى عيالي ومشيت فوافيت الْقزْوِينِي يخرج من منزله فصاح بِي فَجئْت إِلَيْهِ فَقَالَ لي أما علمت أَن اللّقطَة إِذا لم تعرف فَهِيَ حرَام وَأخرج لي دِينَارا فَوَضعه فِي كفي وَقَالَ خُذْهُ حَلَالا
وَعَن آخر دخلت مَسْجده وَقد حمل إِلَيْهِ تفاح ومشمش كثير جدا وَهُوَ يفرق على ضعفاء الحربية فكأنني استكثرته وَقلت فِي نَفسِي قد بَقِي فِي النَّاس لله بعد شَيْء

فَرفع الْقزْوِينِي رَأسه إِلَيّ فِي الْحَال وَقَالَ سُبْحَانَ الله يستكثر لله شَيْء لَو رَأَيْتُمْ مَا ينْفق فِي معاصي الله وَعَن بَعضهم أصابني ريح المفاصل حَتَّى رميت لأَجلهَا فَأمر الْقزْوِينِي يَده من وَرَاء كمه عَلَيْهَا فَقُمْت من سَاعَتِي معافى
وَذكر ابْن الصّلاح كرامات أخر كَثِيرَة حذفتها اختصارا لدلَالَة مَا ذَكرْنَاهُ عَلَيْهَا لكَونهَا من نَوعه
مَاتَ ابْن الْقزْوِينِي فِي لَيْلَة الْأَحَد لخمس خلون من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة
وَمن الْفَوَائِد عَنهُ
عَن الشَّيْخ أبي نصر بن الصّباغ الْفَقِيه رَحمَه الله حضرت الْقزْوِينِي للسلام عَلَيْهِ فَقلت فِي نَفسِي قد حُكيَ لَهُ أنني أشعري فَرُبمَا رَأَيْت مِنْهُ فِي ذَلِك شَيْئا فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قَالَ لي لَا نقُول إِلَّا خيرا لَا نقُول إِلَّا خيرا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ لي من صلى على جَنَازَة فَلهُ قِيرَاط وَمن تبعها حَتَّى تدفن فَلهُ فيراطان مَعَ القيراط أَو غير القيراط قَالَ قلت مَعَ القيراط
قَالَ جيد بَالغ

ونهض فَدخل مَسْجده وطالبني أهل الْمَسْجِد بِالدَّلِيلِ فَقلت لَهُم فِي الْقُرْآن مثله قَالَ الله تَعَالَى {قل أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام} مَعَ الْيَوْمَيْنِ
قلت وَنَظِير هَذَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْل كُله)
وَقد اخْتلف فِيمَن صلاهَا جمَاعَة هَل يكون كمن قَالَ لَيْلَة وَنصف لَيْلَة والأرجح لَا يكون
قَالَ أَبُو طَاهِر بن جحشويه أردْت سفرا وحنت وَكنت خَائفًا مِنْهُ فَدخلت إِلَى الْقزْوِينِي أسأله الدُّعَاء فَقَالَ ابْتِدَاء من أَرَادَ سفرا فَفَزعَ من عَدو أَو وَحش فليقرأ {لِإِيلَافِ قُرَيْش} فَإِنَّهَا أَمَان من كل سوء فقرأتها فَلم يعرض لي عَارض حَتَّى الْآن

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي