عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي

أبو بكر القفال

تاريخ الولادة327 هـ
تاريخ الوفاة417 هـ
العمر90 سنة
مكان الوفاةسجستان - إيران
أماكن الإقامة
  • هراة - أفغانستان
  • بخارى - أوزبكستان
  • بيكند - أوزبكستان
  • خراسان - إيران
  • العراق - العراق
  • مرو - تركمانستان

نبذة

القفال الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، المروزي، الخراساني. حَذَقَ فِي صنعَة الأَقْفَال حَتَّى عَمل قُفْلاً بآلاَته وَمِفتَاحه، زنَة أَرْبَع حبَّات، فَلَمَّا صَارَ ابْنَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، آنَس مِنْ نَفْسه ذكَاءً مُفرطاً، وَأَحَبَّ الفِقْهَ، فَأَقبل عَلَى قرَاءته حَتَّى بَرَع فِيْهِ، وَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَهُوَ صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه.

الترجمة

عبد الله بن أَحْمد [327 - 417] )
ابْن عبد الله الْمروزِي، أَبُو بكر الْقفال.
إِمَام خُرَاسَان: فِي عصره، وَهُوَ غير الْقفال الْكَبِير، وهما يَشْتَرِكَانِ فِي أَن كلا مِنْهُمَا يعرف ب: أبي بكر الْقفال، ويتمايزان فِي الِاسْم، وَفِي أَن هَذَا مروزي وَذَاكَ شاشي، وَفِي أَن هَذَا هُوَ المتردد عودا على بَدْء فِي كتب الْفِقْه الخراسانية، وَيُطلق عِنْد الذّكر غَالِبا، وَذَاكَ لَا يغلب ذكره فِيهَا، وَإِذا ذكر قيد بالشاشي، وَرُبمَا أطلق فِي طَريقَة الْعرَاق على قلَّة ذكرهم للْآخر، ثمَّ إِن الشَّاشِي هُوَ الْقفال الَّذِي يجْرِي ذكره فِي غير الْفِقْه، كأصول الْفِقْه، وَالتَّفْسِير، وَغَيرهمَا، وَمن أحَاط بكتابنا هَذَا، وأتى على ذكر الْقفال فِي موطن لم يذهب عَلَيْهِ الْمِيزَان إِذا نظر إِلَى الذاكر وَالْمَذْكُور وَالْمَذْكُور فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
كَانَ الإِمَام الْقفال هَذَا رَحمَه الله إِحْدَى مفاخر خُرَاسَان، نقي القريحة، ثاقب الْفَهم، سديد الاستنباط والتخريج، دَقِيق النّظر، محظوظا من التَّحْقِيق.
ذكر الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد ابْن الإِمَام أبي مَنْصُور السَّمْعَانِيّ الْمروزِي رَحمَه الله الْقفال الْمروزِي فِي " اماليه " فَقَالَ: كَانَ وحيد زَمَانه فقها، وحفظا، وورعا، وزهدا، وَله فِي فقه الشَّافِعِي رَحمَه الله ومذهبه من الْآثَار مَا لَيْسَ لغيره من أهل عصره.
قَالَ: وطريقته المهدية فِي مَذْهَب الشَّافِعِي الَّتِي حملهَا عَنهُ فُقَهَاء أَصْحَابه من أهل الْبِلَاد أمتن طَريقَة، وأوضحها تهذيبا، وأكثرها تَحْقِيقا.
رَحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد فِي التفقه عَلَيْهِ، فظهرت بركته على مختلفيه حَتَّى تخرج بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة صَارُوا أَئِمَّة فِي الْبِلَاد، نشرُوا علمه، ودرسوا قَوْله، وَكَانَ رَحمَه الله ابْتَدَأَ التَّعَلُّم على كبر السن بَعْدَمَا أفنى شبيبته فِي صناعَة الأقفال، وَكَانَ ماهرا فِيهَا.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: وَسمعت جمَاعَة من مشيختنا يذكرُونَ أَنه ابْتَدَأَ التَّعَلُّم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة، فَبَارك الله تَعَالَى فِي تعلمه حَتَّى فاق الْعلمَاء فِي فقهه.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف هَذَا الْكتاب رَحمَه الله: وَرُبمَا زيد فِي مِقْدَار سنه عِنْد ابْتِدَائه.
قَالَ: وكأثر لَهُ ذكره أَبُو طَاهِر مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الْعجلِيّ الْمروزِي، فَقَالَ فِي كتاب لَهُ فِي " المراوزة ": كَانَ حاذقا فِي صناعته، فهداه الله سُبْحَانَهُ إِلَى التفقه، فَترك الصَّنْعَة، وَأَقْبل على الْفِقْه وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة، وَصَارَ أفقه أهل زَمَانه، وَأكْثر فُقَهَاء زَمَاننَا من أَصْحَابه وَأَصْحَاب أَصْحَابه، وَهَذَا الَّذِي قَالَه فِي الخراسانيين من مفاخر مرو، بل من مفاخر خُرَاسَان.
وروى الشَّيْخ بِإِسْنَاد لَهُ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله أَنه قَالَ: كَانَ الْقفال رَحمَه الله صنع قفلا مَعَ جَمِيع آلاته من وزن أَربع حبات من حَدِيد.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد: أخرج الْقفال يَده فَإِذا على ظهر كَفه آثَار المجل، فَقَالَ: هَذَا من آثَار عَمَلي فِي ابْتِدَاء شَبَابِي.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَسمعت الْقفال يَقُول: ابتدأت التَّعَلُّم وَأَنا لَا أفرق بَين اختصرت واختصرت.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف هَذَا الْكتاب: أَظن أَنه أَرَادَ بِهَذَا الْكَلِمَة الأولى من " مُخْتَصر " الْمُزنِيّ، وَهِي قَوْله: اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي، وَأَرَادَ أَنه لم يكن يدْرِي من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا يفرق بِهِ بَين ضم تَاء الضَّمِير وَفتحهَا.
وبإسناده عَن نَاصِر بن الْحُسَيْن الْعمريّ الإِمَام قَالَ: لم يكن فِي زمَان أبي بكر الْقفال أفقه مِنْهُ، وَلَا يكون بعده مثله، وَكُنَّا نقُول: إِنَّه ملك فِي صُورَة إِنْسَان، وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله مصابا بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ.
قَالَ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ: سَمِعت الإِمَام وَالِدي رَحمَه الله يَقُول: سُئِلَ الْقفال فِي مجْلِس وعظه: هَل يقْضِي الله على عَبده بِسوء الْقَضَاء؟ فَقَالَ: نعم، فقد أدركني سوء الْقَضَاء، وعور إِحْدَى عَيْني.
وَعَن القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَالَ: كنت عِنْد الْقفال، فَأَتَاهُ رجل قروي وشكا إِلَيْهِ أَن حِمَاره أَخذه بعض أَصْحَاب السُّلْطَان، فَقَالَ لَهُ الْقفال: اذْهَبْ فاغتسل، وادخل الْمَسْجِد، وصل رَكْعَتَيْنِ، واسأل الله تَعَالَى أَن يرد عَلَيْك حِمَارك، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَرَوِي كَلَامه، فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقفال، فَذهب الْقَرَوِي فاغتسل، وَدخل الْمَسْجِد وَصلى، وَكَانَ الْقفال قد بعث من يرد حِمَاره، فَلَمَّا فرغ من صلَاته رد الْحمار، فَلَمَّا رَآهُ على بَاب الْمَسْجِد خرج وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي رد عَليّ حماري، فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ الْقفال عَن ذَلِك، فَقَالَ: أردْت أَن أحفظ عَلَيْهِ دينه كي يحمد الله تَعَالَى.
وَبِالْإِسْنَادِ عَن الشَّيْخ نَاصِر الْمروزِي قَالَ: احتسب بعض الْفُقَهَاء الْمُخْتَلِفين إِلَى الْقفال رَحمَه الله على بعض أَتبَاع الْأَمِير بمرو، فَرفع الْأَمر إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود، وَذكر أَن الْفُقَهَاء أساؤوا الْأَدَب فِي مُوَاجهَة الدِّيوَان بِمَا فعلوا، فَكتب مَحْمُود أَن الْقفال هَل يَأْخُذ شَيْئا من ديواننا؟ فَقَالَ: لَا قَالَ: فَهَل يتلبس من أُمُور الْأَوْقَاف بِشَيْء؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِن الاحتساب لَهُم سَائِغ، دعوهم.
وَحكى القَاضِي حُسَيْن عَن أستاذه الْقفال أَنه كَانَ فِي كثير من الْأَوْقَات فِي الدَّرْس يَقع عَلَيْهِ الْبكاء، ثمَّ يرفع رَأسه، وَيَقُول: مَا أَغْفَلنَا عَمَّا يُرَاد بِنَا! رَضِي الله عَنهُ.
وتفقه الْقفال على جمَاعَة، وَكَانَ تخرجه على الشَّيْخ أبي زيد الفاشاني، وَسمع الحَدِيث بمرو، وبخارى، وبيكند، وهراة.
وَحدث فِي آخر عمره وأملى، وَمَات سنة سبع عشرَة وَأَرْبع مئة، وَكَانَ ابْن تسعين سنة، وَدفن بسنجدان، وقبره مَعْرُوف يزار.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

القفال

الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الكَبِيْرُ، شَيْخُ الشَّافِعِيَّة، أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ اللهِ، المروزي، الخراساني.
حَذَقَ فِي صنعَة الأَقْفَال حَتَّى عَمل قُفْلاً بآلاَته وَمِفتَاحه، زنَة أَرْبَع حبَّات، فَلَمَّا صَارَ ابْنَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، آنَس مِنْ نَفْسه ذكَاءً مُفرطاً، وَأَحَبَّ الفِقْهَ، فَأَقبل عَلَى قرَاءته حَتَّى بَرَع فِيْهِ، وَصَارَ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، وَهُوَ صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه.

تَفَقَّهَ بِأَبِي زَيْدٍ الفَاشَانِي، وَسَمِعَ: مِنْهُ، وَمِنَ الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ السِّجْزِيّ، وَسَمِعَ: بِبُخَارَى وَهَرَاة. تَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ المَسْعُوْدِيّ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ شُعَيْب السِّنْجِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ فُورَان المَرَاوزَة.
قَالَ الفَقِيْه نَاصِرٌ العُمَرِيّ: لَمْ يَكُنْ فِي زَمَان أَبِي بَكْرٍ القَفَّال أَفْقَهُ مِنْهُ، وَلاَ يَكُون بَعْدَهُ مثلهُ، وَكُنَّا نَقُوْلُ: إِنَّهُ مَلَكٌ فِي صورَة الإِنسَان. حَدَّثَ، وَأَمْلَى، وَكَانَ رَأْساً فِي الفِقْه، قُدْوَةً فِي الزُّهْد.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيّ فِي "أَمَاليه": كَانَ وَحيدَ زَمَانِهِ فقهاً وَحفظاً وَوَرِعاً وَزُهْداً، وَلَهُ فِي المَذْهَبِ مِنَ الآثَارِ مَا لَيْسَ لغيره مِنْ أَهْلِ عصره، وَطَرِيْقَتُهُ المُهَذَّبَة فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيّ الَّتِي حملهَا عَنْهُ أَصْحَابه أَمتنُ طريقَة، وَأَكْثَرُهَا تَحْقِيْقاً، رَحل إِلَيْهِ الفُقَهَاءُ من البلاد، وتخرج به أئمة. ابْتَدَأَ بِطَلَبِ العِلْمِ وَقَدْ صَارَ ابْنَ ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، فَتَرَكَ صَنْعَتَهُ، وَأَقبلَ عَلَى العِلْمِ.
وَذكر نَاصِر المَرْوَزِيُّ أَنَّ بَعْضَ الفُقَهَاء المُختلفين إِلَى القَفَّال احتسبَ عَلَى بَعْضِ أَتْبَاع مُتَوَلِّي مَرْو، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى السُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ، فَقَالَ: أَيَأْخذُ القَفَّال شَيْئاً مِنْ دِيْوَاننَا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَهَلْ يتلبَّسُ بِشَيْءٍ مِنَ الأَوقَاف؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَإِنَّ الاحْتِسَابَ لَهُم سَائِغٌ، دَعْهُم.
حَكَى القَاضِي حُسَيْنٌ عَنِ القَفَّال أُسْتَاذِهِ أَنَّهُ كَانَ فِي كَثِيْرٍ مِنَ الأَوقَاتِ يَقَعُ عَلَيْهِ البُكَاءُ حَالَةَ الدَّرْسِ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَقُوْلُ: مَا أَغْفَلَنَا عَمَّا يُرَادُ بِنَا.
تَخَرَّجَ القَفَّال كَمَا قَدَّمنَا عَلَى أَبِي زَيْدٍ، وَقَبْرُهُ بِمَرْو يُزَار.
مَاتَ فِي سَنَةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَأَرْبَع مائَة فِي جُمَادَى الآخِرَةِ وَلَهُ مِنَ الْعُمر تِسْعُوْنَ سَنَة، وَسَمَاعَاتُهُ نَازلَةٌ، لأَنَّه سَمِعَ: فِي الكُهُوْلَة وَقبلَهَا.
وَمَاتَ فِيْهَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سلاَمَة السُّتَيْتِيُّ الأَدِيْبُ الرَّاوِي عَنْ خَيْثَمَة بِدِمَشْقَ، وَأَبُو الحَسَنِ بنُ أَبِي الشَّوَارِبِ الأُمَوِيُّ قَاضِي القُضَاة بِبَغْدَادَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى السُّكَّرِيّ الراوي عن الصفار، ومقرىء العصر أَبُو الحَسَنِ بنُ الحَمَّامِي، وَحَافِظُ نَيْسَابُوْر أَبُو حَازِمٍ العَبْدُويي، وَالمُسْنِدُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عُثْمَانَ العُكْبَرِيُّ شَيْخُ ابْنِ البَطِر، وَأَبُو نَصْرٍ بنُ هَارُونَ الجُنْدِي بِدِمَشْقَ. وَلأَكْثَرهُم هُنَا ترَاجمُ، وَإِنَّمَا أَحْبَبْتُ الجمعَ لينضَبِطَ مَوْتُهُم.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

عبد الله بن أحمد المروزي، أبو بكر فقال:
فقيه شافعيّ، كان وحيد زمانه فقها وحفظا وزهداد.
كثير الآثار في مذهب الإمام الشافعيّ. له " شرح فروع محمد بن الحداد المصري " في الفقه.
وكانت صناعته عمل الأقفال، قبل أن يشتغل في الفقه وربما قيل له " القفال الصغير " للتمييز بينه وبين القَفَّال الشَّاشي (محمد بن علي) . توفي في سجستان .

-الاعلام للزركلي-

 

 عبد الله بن أَحْمد بن عبد الله

الإِمَام الزَّاهِد الْجَلِيل الْبَحْر أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا يعرف بالقفال الصَّغِير الْمروزِي
شيخ الخراسانيين وَلَيْسَ هُوَ الْقفال الْكَبِير هَذَا أَكثر ذكرا فِي الْكتب أَي كتب الْفِقْه وَلَا يذكر غَالِبا إِلَّا مُطلقًا وَذَاكَ إِذا أطلق قيد بالشاشي وَرُبمَا أطلق فِي طَريقَة الْعِرَاقِيّين لقلَّة ذكرهم لهَذَا والشاشي أَكثر ذكرا فِيمَا عدا الْفِقْه من الْأُصُول وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا
كَانَ الْقفال الْمروزِي هَذَا من أعظم محَاسِن خُرَاسَان إِمَامًا كَبِيرا وبحرا عميقا غواصا على الْمعَانِي الدقيقة نقي القريحة ثاقب الْفَهم عَظِيم الْمحل كَبِير الشَّأْن دَقِيق النّظر عديم النظير فَارِسًا لَا يشق غباره وَلَا تلْحق آثاره بطلا لَا يصطلي لَهُ بِنَار أسدا مَا بَين يَدَيْهِ لواقف إِلَّا الْفِرَار
تفقه على الشَّيْخ أبي زيد الْمروزِي وَسمع مِنْهُ وَمن الْخَلِيل بن أَحْمد القَاضِي وَجَمَاعَة وَحدث وأملى
ذكره الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الإِمَام أبي المظفر السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ فَقَالَ كَانَ وحيد زَمَانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وَله فِي فقه الشَّافِعِي وَغَيره من الْآثَار مَا لَيْسَ لغيره من أهل عصره
قَالَ وطريقته المهدية فِي مَذْهَب الشَّافِعِي الَّتِي حملهَا عَنهُ فُقَهَاء أَصْحَابه من أهل الْبِلَاد أمتن طَريقَة وأوضحها تهذيبا وأكثرها تَحْقِيقا رَحل إِلَيْهِ من الْبِلَاد للتفقه عَلَيْهِ فظهرت بركته على مختلفيه حَتَّى تخرج بِهِ جمَاعَة كَثِيرَة صَارُوا أَئِمَّة فِي الْبِلَاد نشرُوا علمه ودرسوا قَوْله هَذَا كَلَامه
والقفال رَضِي الله عَنهُ أَزِيد مِمَّا وصف وأبلغ مِمَّا ذكر وَقد صَار مُعْتَمد الْمَذْهَب على طَريقَة الْعرَاق وحامل لوائها أَبُو حَامِد الإسفرايني وَطَرِيقَة خُرَاسَان والقائم بأعبائها الْقفال الْمروزِي هما رحمهمَا الله شَيخا الطريقتين إِلَيْهِمَا الْمرجع وَعَلَيْهِمَا الْمعول
وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله قد ابْتَدَأَ التَّعَلُّم على كبر السن بَعْدَمَا أفنى شبيبته فِي صناعَة الأقفال وَكَانَ ماهرا فِيهَا
رُوِيَ عَن الشَّيْخ أبي مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ أَنه قَالَ كَانَ الْقفال صنع قفلا مَعَ جَمِيع آلاته من وزن أَربع حبات من حَدِيد قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أخرج الْقفال يَده فَإِذا على ظهر كَفه آثَار المجل فَقَالَ هَذَا من آثَار عَمَلي فِي ابْتِدَاء شَبَابِي
قَالَ السَّمْعَانِيّ أَبُو بكر وَسمعت جمَاعَة من مشيختنا يذكرُونَ أَنه ابْتَدَأَ التَّعَلُّم وَهُوَ ابْن ثَلَاثِينَ سنة فَبَارك الله تَعَالَى لَهُ حَتَّى أربي على أهل عصره وَصَارَ أفقه أهل زَمَانه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد وَسمعت الْقفال يَقُول ابتدأت التَّعَلُّم وَأَنا لَا أفرق بَين اختصرت واختصرت
قَالَ ابْن الصّلاح أَظن أَنه أَرَادَ بِهَذَا الْكَلِمَة الأولى من مُخْتَصر الْمُزنِيّ وَهُوَ قَوْله اختصرت هَذَا من علم الشَّافِعِي وَأَرَادَ أَنه لم يكن يدرى من اللِّسَان الْعَرَبِيّ مَا يفرق بِهِ بَين ضم تَاء الضَّمِير وَفتحهَا

وَقَالَ نَاصِر الْعمريّ لم يكن فِي زمَان أبي بكر الْقفال أفقه مِنْهُ وَلَا يكون بعده مثله وَكُنَّا نقُول إِنَّه ملك فِي صُورَة إِنْسَان
وَكَانَ الْقفال رَحمَه الله مصابا بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ
قَالَ أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ سَمِعت الإِمَام وَالِدي يَقُول سُئِلَ الْقفال رَحمَه الله فِي مجْلِس وعظه هَل يقْضِي الله على عَبده بِسوء الْقَضَاء فَقَالَ نعم فقد أدركني سوء الْقَضَاء وعور إِحْدَى عَيْني
وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن كنت عِنْد الْقفال فَأَتَاهُ رجل قروي وشكا إِلَيْهِ أَن حِمَاره أَخذه بعض أَصْحَاب السُّلْطَان فَقَالَ لَهُ الْقفال اذْهَبْ فاغتسل وادخل الْمَسْجِد وصل رَكْعَتَيْنِ واسأل الله تَعَالَى أَن يرد عَلَيْك حِمَارك فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَرَوِي كَلَامه فَأَعَادَ الْقفال فَذهب الْقَرَوِي فَفعل مَا أمره بِهِ وَكَانَ الْقفال قد بعث من يرد حِمَاره فَلَمَّا فرغ من صلَاته رد الْحمار فَلَمَّا رَآهُ على بَاب الْمَسْجِد خرج وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي رد عَليّ حماري فَلَمَّا انْصَرف سُئِلَ الْقفال عَن ذَلِك فَقَالَ أردْت أَن أحفظ عَلَيْهِ دينه كي يحمد الله تَعَالَى
وَقَالَ نَاصِر الْعمريّ احتسب بعض الْفُقَهَاء الْمُخْتَلِفين إِلَى الْقفال على بعض أَتبَاع الْأَمِير بمرو فَرفع الْأَمِير الْأَمر إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود وَذكر أَن الْفُقَهَاء أساءوا الْأَدَب فِي مُوَاجهَة الدِّيوَان بِمَا فعلوا فَكتب مَحْمُود هَل يَأْخُذ الْقفال شَيْئا من ديواننا فَقيل لَا فَقَالَ فَهَل يتلبس من أُمُور الْأَوْقَاف بِشَيْء فَقيل لَا قَالَ فَإِن الاحتساب لَهُم سَائِغ فَدَعْهُمْ
وَقَالَ القَاضِي الْحُسَيْن كَانَ الْقفال فِي كثير من الْأَوْقَات فِي الدَّرْس يَقع عَلَيْهِ الْبكاء ثمَّ يرفع رَأسه وَيَقُول مَا أَغْفَلنَا عَمَّا يُرَاد بِنَا رَضِي الله عَنهُ
تفقه الْقفال على جمَاعَة وَكَانَ تخرجه على يَد الشَّيْخ أبي زيد وَسمع الحَدِيث بمرو وببخارى وبيكند وهراة وَحدث فِي آخر عمره وأملى

وَمَات سنة سبع عشرَة وَأَرْبَعمِائَة وَهُوَ ابْن تسعين سنة وَدفن بسجستان وقبره بهَا مَعْرُوف يزار رَحْمَة الله ورضوانه عَلَيْهِ
آمين
وَمن الرِّوَايَة عَن الشَّيْخ الْقفال
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر سَمَاعا عَلَيْهِ أَنبأَنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر أخبرنَا أَبُو روح إجَازَة أخبرنَا أَبُو زَاهِر بن طَاهِر أخبرنَا القَاضِي أَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن أَحْمد الْوزان إملاء قدم علينا من الرّيّ سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال الْمروزِي بهَا أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْدَانِ بن مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي حَدثنَا صَدَقَة بن خَالِد عَن هِشَام بن الْغَار أَخْبرنِي حبَان أَبُو النَّصْر قَالَ سَمِعت وَاثِلَة بن الْأَسْقَع يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث عَن الله تبَارك وَتَعَالَى قَالَ (أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي فليظن بِي مَا شَاءَ)
كتب إِلَيّ شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج الْمزي أَن أَبَا الْفرج عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عمر وَأَبا الْحسن بن البُخَارِيّ أنبآه عَن فضل الله النوقاني عَن الْحُسَيْن ابْن مَسْعُود الْبَغَوِيّ
ح وأنبأني الْمشَار إِلَيْهِ فِي غير وَاحِد من مشيختنا أخبرنَا أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعد وَإِبْرَاهِيم بن أبي الْحسن بن عَمْرو الْفراء وَغَيرهمَا سَمَاعا بِقِرَاءَة الْمزي قَالُوا أخبرنَا أَبُو الْمجد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أَحْمد الْقزْوِينِي سَمَاعا عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو مَنْصُور مُحَمَّد بن أسعد ابْن مُحَمَّد حفدة العطاري أخبرنَا محيى السّنة أَبُو مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مَسْعُود الْبَغَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي رَافع الْأنمَاطِي حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن أَحْمد الْقفال أخبرنَا أَبُو نعيم هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْدَانِ بن مُحَمَّد حَدثنَا هِشَام بن عمار حَدثنَا الْوَلِيد هُوَ ابْن مُسلم قَالَ سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر يَقُول حَدثنِي بسر بن عبيد الله الْحَضْرَمِيّ أَنه سمع أَبَا إِدْرِيس الْخَولَانِيّ يَقُول سَمِعت النواس بن سمْعَان الْكلابِي يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (مَا من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع رب الْعَالمين إِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه) قَالَ فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول (يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك وَالْمِيزَان بيد الرَّحْمَن يرفع قوما وَيَضَع آخَرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة)
وَهَذِه نخب وفوائد ومسائل عَن الشَّيْخ الْقفال
قَالَ الإِمَام فِي النِّهَايَة فِي كتاب اللّعان قبل بَاب أَيْن يكون اللّعان لما ذكر أَن قذف الصَّبِي وَإِن لم يُوجب عَلَيْهِ حدا وَلَا تعزيرا للمقذوف يتَعَلَّق بطلبته وَلَكِن يعزره الْقَائِم عَلَيْهِ لإساءة أدبه كَمَا يفعل ذَلِك فِي سَائِر جِهَات التَّأْدِيب إِن الْقفال قَالَ إِذا هم بتأديب الْمُرَاهق فَبلغ انكف عَنهُ وَإِن كَانَ واليا لِأَن الْبلُوغ أكمل الروادع وَالْعقل الَّذِي قضى الشَّرْع بِكَمَالِهِ أبين رادع

قَالَ يَعْنِي الْقفال وَلِهَذَا نأمر الطِّفْل بِقَضَاء مَا فَاتَهُ من الصَّلَوَات مَا دَامَ طفْلا فَإِذا بلغ كففنا الطّلب عَنهُ
انْتهى
والمسألتان غريبتان المستشهد عَلَيْهَا والمستشهد بهَا
ذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد أَنه لَا خلاف بَين أَصْحَابنَا أَنه إِذا وقف الإِمَام على الأَرْض فِي الدَّار وَالْمَأْمُوم على سطح الدَّار أَن صلَاته أَي الْمَأْمُوم بَاطِلَة وَلَا تصح الصَّلَاة على السَّطْح بِصَلَاة الإِمَام على الأَرْض إِلَّا فِي الْمَسْجِد
قَالَ حَتَّى كَانَ الشَّيْخ الْقفال يستزل النَّاس عَن جِدَار الْمصلى يَوْم الْعِيد لِأَن مصلى أهل مرو بقْعَة مَغْصُوبَة وكل مَسْجِد بني فِي بقْعَة مَغْصُوبَة فَلَيْسَ بِمَسْجِد
انْتهى
قلت وَلَعَلَّ مصلى أهل مرو اتخذ مَسْجِدا وَإِلَّا فمجرد كَونه مصلى وَلَو لم يكن مَغْصُوبًا لَا يعْطى حكم الْمَسْجِد كَمَا قَالَه الْغَزالِيّ فِي الفتاوي وَهُوَ وَاضح
وَقد تنبهت من هَذِه الْحِكَايَة عَن الْقفال لفائدة كَانَت تَدور فِي خلدي فإنني لما سَمِعت هَذِه الْحِكَايَة انْتقل ذهني إِلَى أَن الْقفال منع النَّاس عَن الصَّلَاة فِي الْمصلى لِأَن الصَّلَاة فِي الْمَغْصُوب حرَام فَكَمَا مَنعهم عَمَّا لَا يَصح كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يمنعهُم عَمَّا يحرم ثمَّ فَكرت فِي أَن هَذِه الْبقْعَة جَازَ أَن يكون مستحقها قد مَاتَ وَمَاتَتْ ورثته وانتقلت إِلَى بَيت المَال كَمَا هُوَ الْغَالِب على كثير من المغصوبات الَّتِي يتمادى عَلَيْهَا الزَّمَان وَأَقُول فِي مثل ذَلِك إِذا انْتَقَلت إِلَى بَيت المَال خرجت عَن حكم الْغَصْب وَلم تصر مَسْجِدا لِأَنَّهَا لم تبن وَقت الِاسْتِحْقَاق مَسْجِدا فَلَمَّا وقفت مَسْجِدا كَانَ الْوَقْف بَاطِلا لِأَن حكم الْغَصْب قد كَانَ بَاقِيا وَهَذَا شَيْء كَانَ يَدُور فِي خلدي ثمَّ تأيد بِهَذِهِ الْحِكَايَة
وَكَانَ سَبَب دورانه فِي خلدي أَنه حُكيَ لي عَن الْوَالِد رَحمَه الله أَنه كَانَ فِي أول أمرة لَا يدْخل إِلَى الْمدرسَة المنصورية لِأَنَّهُ قيل إِن الْملك الْمَنْصُور قلاوون غصب ساحتها ثمَّ لما ولي الْوَالِد تدريسها سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسَبْعمائة صَار يدْخل للدرس ففكرت مَعَ علمي من حَاله بِأَن الدُّنْيَا لم تكن تحمله على الوقيعة فِي شُبْهَة عَن جَوَاب عَمَّا لَعَلَّه يُقَال كَيفَ دَخلهَا عِنْد ولَايَة التدريس وَترك التورع الَّذِي كَانَ يَفْعَله فَوَقع لي أَنه لَعَلَّ الْمَغْصُوب مِنْهُ أَو ورثته كَانُوا موجودين فِي أَوَائِل أَمر الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله أَو كَانَ وجودهم مُحْتملا ثمَّ تحقق فقدهم وانتقال الساحة إِلَى بَيت المَال فَصَارَ يدخلهَا لكَونهَا أَرض بَيت المَال واشترك الْمُسلمُونَ فِيهَا وَهَذَا يعتضد بِمَا ذكرت عَن الْقفال وَيحْتَمل أَيْضا أَن الدُّخُول حَيْثُ لم يكن مدرسا دُخُول فِي الشُّبْهَة لَا لغَرَض ديني وَبعد التدريس دُخُول لغَرَض لَعَلَّه أهم فِي نظر الشَّارِع من الْوَرع فهذان جوابان
قَالَ القَاضِي الْحُسَيْن فِي تعليقته من بَاب صَلَاة التَّطَوُّع كَانَ الْقفال يَقُول وددت أَن أجد قَول من سلف الْقُنُوت فِي الْوتر فِي جَمِيع السّنة لكني تفحصت عَنهُ فَمَا وجدت أحدا قَالَ بِهِ
قَالَ الْقفال وَقد اشْتريت كتاب ابْن الْمُنْذر فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء لهَذِهِ الْمَسْأَلَة خَاصَّة ففحصت عَنْهَا فَلم أجد أحدا قَالَ بِهِ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ بِالْقُنُوتِ فِي الْوتر فِي جَمِيع شهر رَمَضَان دون غَيره من الشُّهُور
قلت كَأَنَّهُ يَعْنِي بالسلف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ إِلَى زمَان مَالك وَالشَّافِعِيّ وَإِلَّا فقد قَالَ بالوتر فِي جَمِيع السّنة من أَصْحَابنَا أَرْبَعَة مِنْهُم اثْنَان أستبعد خَفَاء قَوْلهمَا على الْقفال وهما أَبُو الْوَلِيد النَّيْسَابُورِي وَأَبُو عبد الله الزبيرِي وَأَبُو مَنْصُور بن مهْرَان وَأَبُو الْفضل بن عَبْدَانِ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيّ فِي تَحْقِيق الْمَذْهَب وَلَكِن توقف الْوَالِد رَحمَه الله فِي مُوَافَقَته على اخْتِيَاره قَالَ إِذْ لَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِهِ وَلما رَأَيْت فحص الْقفال عَن أقاويل السّلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَكشفت أوعب الْكتب لأقاويلهم وَهُوَ مُصَنف ابْن أبي شيبَة فَوَجَدته قَالَ حَدثنَا أَزْهَر السمان عَن ابْن عون عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله أَنه كَانَ يَقُول الْقُنُوت فِي السّنة كلهَا قَالَ وَكَانَ ابْن سِيرِين لَا يرَاهُ إِلَّا فِي النّصْف من رَمَضَان ثمَّ روى عَن الْحسن أَن الإِمَام يقنت فِي النّصْف وَالْمُنْفَرد يقنت الشَّهْر كُله
ثمَّ روى بِسَنَدِهِ إِلَى إِبْرَاهِيم قَالَ كَانَ عبد الله لَا يقنت السّنة كلهَا فِي الْفجْر ويقنت فِي الْوتر كل لَيْلَة قبل الرُّكُوع
قَالَ أَبُو بكر هَذَا القَوْل عندنَا
قلت فَهَذَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قد نقل عَن إِبْرَاهِيم عَن عبد الله وَهُوَ ابْن مَسْعُود أَنه يقنت فِي الْوتر فِي السّنة كلهَا وَقَالَ بِهِ إِبْرَاهِيم نَفسه وَهُوَ النَّخعِيّ وارتضاه أَبُو بكر وَهُوَ ابْن أبي شيبَة فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة من السّلف وَقد ذكر ابْن أبي شيبَة ذَلِك فِي فصل من قَالَ الْقُنُوت فِي النّصْف من رَمَضَان فِي فُصُول الْوتر وقنوته
ذكر الْقفال فِي فَتَاوِيهِ فِيمَن اشْترى أمة فَوَطِئَهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا أَنه لَا يحْسب لَهَا الِاسْتِبْرَاء مَا دَامَت تَحْتَهُ يفترشها بل لَا بُد من أَن يتجانب عَنْهَا حَتَّى تمر بهَا حَيْضَة قَالَ وَكَذَلِكَ لَو كَانَ لَا يَطَؤُهَا إِلَّا أَنه يلمسها ويعاشرها والمجزوم بِهِ فِي الرَّافِعِيّ وَأكْثر الْكتب أَنه لَا يمْنَع الِاسْتِبْرَاء إِلَّا الْوَطْء لَا الْمُلَامسَة والمعاشرة لِأَن الْملك لم يمْنَع الاحتساب فَكَذَا المعاشرة بِخِلَاف الْعدة
وَذكر فِي الفتاوي أَيْضا أَنا إِذا رَأينَا فِي يَد رجل ضَيْعَة يَدعِي أَنَّهَا وقف عَلَيْهِ لَا تصير وَقفا وَله بيعهَا بعد ذَلِك
قَالَ كَمَا لَو كَانَ بِيَدِهِ مَال
فَقَالَ هَذَا وَدِيعَة عِنْدِي ثمَّ بَاعه فَلهُ ذَلِك
قَالَ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ وَقفهَا عَليّ فلَان فَإِنَّهُ لَا يجوز بيعهَا
قلت أما عدم تَجْوِيز بيع من قَالَ وَقفهَا عَليّ فلَان فَظَاهر وَأما تَجْوِيز بيع من قَالَ هَذِه الْعين وَدِيعَة عِنْدِي فمتجه أَيْضا لِأَن القَوْل فِي الْعُقُود قَول أَرْبَابهَا وَلَعَلَّ الْمُودع أذن لَهُ أَن يَبِيع فلسنا ننقب عَن ذَلِك
وَأما تَمْكِين من قَالَ هَذِه وقف عَليّ من البيع فموضع نظر يحْتَمل أَن يُقَال بِمَا قَالَه الْقفال وَيحْتَمل أَن يُخَالف وَيحمل كَلَامه على أَن لَهُ بيعهَا فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى إِذا كَانَ كَاذِبًا لَا أَنا نملكه أَو على أَنا نعلم أَنه يَعْنِي بِكَوْنِهَا وَقفا عَلَيْهِ أَنه هُوَ واقفها على نَفسه وبمقتضى هَذَا لَهُ البيع لِأَن الْوَقْف بَاطِل وَيدل لهَذَا أَن الْقفال قَالَ فِي تَوْجِيه قَوْله لَا تصير وَقفا إِن الْإِنْسَان لَا يقدر أَن يقف على نَفسه فَكَأَن الْيَد لما كَانَت تدل على الْملك فدعوى الوقفية بعد ذَلِك لَا يكون مَعْنَاهَا أَن غَيره وَقفهَا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُعَارض دلَالَة الْيَد فَلم يبْق إِلَّا أَن يكون هُوَ الَّذِي وَقفهَا وَذَلِكَ بَاطِل وَإِن لم يحمل كَلَام الْقفال على مَا ذَكرْنَاهُ فَهُوَ مُشكل وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ تأييد لِابْنِ الصّلاح
قَالَ الْقفال فِي فَتَاوِيهِ فِيمَن قَالَ إِذا مت فاشتروا من ثُلثي حانوتا يبلغ غَلَّته كل شهر خمسين درهما واجعلوه وَقفا على أَن عشرَة لطالبي الْعلم وَعشرَة للْفُقَرَاء وَعشرَة لِلْيَتَامَى وَعشْرين لأبناء السَّبِيل قَالَ الْقفال يَصح وَيعْتَبر يَوْم الشِّرَاء فيشترى حانوتا وَيُوقف خمسه على طالبي الْعلم وخمسه على الْفُقَرَاء وخمسه على الْيَتَامَى وخمسيه على أَبنَاء السَّبِيل ويقفه الْوَصِيّ هَكَذَا أَخْمَاسًا فَإِن زَادَت غلَّة الْحَانُوت من بعد فَإِنَّهُ يقسم بَينهم وَتصرف الزِّيَادَة مصرف الأَصْل وَإِن نقص خمسه نقص على هَذَا الْقيَاس انْتهى
قلت وَهَذَا صَرِيح فِي أَن من وقف مدرسة وَنَحْوهَا وَقدر لأرباب الْوَظَائِف مقادير بِحَسب ريع الْوَقْف يَوْم وَقفه فَزَاد بعد ذَلِك أَن الزِّيَادَة تبسط عَلَيْهِم على النِّسْبَة فَلَو كَانَ ارتياع الْوَقْف مائَة وَخمسين فَقدر للمدرس خمسين ولعشرة فُقَهَاء كل فَقِيه عشرَة كَانَ للمدرس الثُّلُث وللفقهاء الثُّلُثَانِ بَالغا مَا بلغ وناقصا مَا نقص على النِّسْبَة الْمَذْكُورَة
وَهَذَا فِي جَانب النُّقْصَان صَحِيح ظَاهر وَأما فِي جَانب الزِّيَادَة فَلَا يظْهر بل الذى يظْهر أَن الزِّيَادَة لَا ترد عَلَيْهِم وَإِلَّا لضاع تَقْيِيد الْوَاقِف الْمِقْدَار بالخمسين وبالعشرة بل لَهُ أَن يرصد الفائض أَو ينزل عَلَيْهِ فُقَهَاء أَو يصرف مصرف الْمُنْقَطع وَلَعَلَّ الْأَصْلَح الزِّيَادَة فِي عدد الْفُقَهَاء والأقيس إرصاده
وَقد رَأينَا فِي حكام هَذَا الْعَصْر الْأَخير من حكم بِنَحْوِ مَا أفتى بِهِ الْقفال وَمَا أَظُنهُ بلغته فتيا الْقفال وفيهَا تأييد لَهُ ولسنا عَلَيْهَا بموافقين وَلَا لفظ الْقفال أَيْضا بِالصَّرِيحِ فِيهَا كل الصراحة فَلْيتَأَمَّل فِيهِ
وَالله تَعَالَى أعلم

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي