علي بن إسماعيل بن أبي بشر أبي الحسن الأشعري
أبي الحسن الأشعري علي
تاريخ الولادة | 260 هـ |
تاريخ الوفاة | 324 هـ |
العمر | 64 سنة |
مكان الولادة | البصرة - العراق |
مكان الوفاة | بغداد - العراق |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
علي بن إِسْمَاعِيل بن أَبي بشر واسْمه إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل ابْن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أَبى بردة ابْن صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبي مُوسَى عبد الله بن قيس شَيخنَا وقدوتنا إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ أَبُو الْحسن الأشعرى البصرى شيخ طَريقَة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة وَإِمَام الْمُتَكَلِّمين وناصر سنة سيد الْمُرْسلين والذاب عَن الدّين والساعى فى حفظ عقائد الْمُسلمين سعيا يبْقى أَثَره إِلَى يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين
إِمَام حبر وتقى بر حمى جناب الشَّرْع من الحَدِيث المفترى وَقَامَ فى نَصره مِلَّة الْإِسْلَام فنصرها نصرا مؤزرا
(بهمة فى الثريا إِثْر أخمصها ... وعزمة لَيْسَ من عاداتها السأم)
وَمَا برح يدلج ويسير وينهض بساعد التشمير حَتَّى نقى الصُّدُور من الشّبَه كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وَوقى بأنوار الْيَقِين من الْوُقُوع فى ورطات مَا الْتبس وَقَالَ فَلم يتْرك مقَالا لقَائِل وأزاح الأباطيل وَالْحق يدْفع ترهات الْبَاطِل
ولد الشَّيْخ سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
وَكَانَ أَولا قد أَخذ عَن أَبى على الجبائى وَتَبعهُ فى الاعتزال
يُقَال أَقَامَ على الاعتزال أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى صَار للمعتزلة إِمَامًا فَلَمَّا أَرَادَهُ الله لنصر دينه وَشرح صَدره لاتباع الْحق غَابَ عَن النَّاس فى بَيته خَمْسَة عشر يَوْمًا ثمَّ خرج إِلَى الْجَامِع وَصعد الْمِنْبَر وَقَالَ معاشر النَّاس إِنَّمَا تغيبت عَنْكُم هَذِه الْمدَّة لأنى نظرت فتكافأت عندى الْأَدِلَّة وَلم يترجع عندى شَيْء على شَيْء فاستهديت الله تَعَالَى فهداني الى اعْتِقَاد مَا أودعته فِي كتبي هَذِه وانخلعت من جَمِيع مَا كنت أعتقده كَمَا انخلعت من ثوبي هَذَا وانخلع من ثوب كَانَ عَلَيْهِ وَرمى بِهِ وَدفع الْكتب الَّتِى ألفها على مَذَاهِب أهل السّنة إِلَى النَّاس
ويحكى من مبدأ رُجُوعه أَنه كَانَ نَائِما فى شهر رَمَضَان فَرَأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ يَا على انصر الْمذَاهب المروية عَنى فَإِنَّهَا الْحق فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ دخل عَلَيْهِ أَمر عَظِيم وَلم يزل مفكرا مهموما من ذَلِك وَكَانَت هَذِه الرُّؤْيَا فى الْعشْر الأول فَمَا كَانَ الْعشْر الْأَوْسَط رأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الْمَنَام ثَانِيًا فَقَالَ مَا فعلت فِيمَا أَمرتك بِهِ
فَقَالَ يَا رَسُول الله وَمَا عَسى أَن أفعل وَقد خرجت للمذاهب المروية عَنْك محامل صَحِيحَة
فَقَالَ لى انصر الْمذَاهب المروية عَنى فَإِنَّهَا الْحق
فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ شَدِيد الأسف والحزن وَأجْمع على ترك الْكَلَام وَاتِّبَاع الحَدِيث وملازمة تِلَاوَة الْقُرْآن
فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة سبع وَعشْرين وَكَانَ من عَادَته سهر تِلْكَ اللَّيْلَة أَخذه من النعاس مَا لم يَتَمَالَك مَعَه السهر فَنَامَ وَهُوَ يتأسف على ترك الْقيام فِيهَا فَرَأى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَالِثا فَقَالَ لَهُ مَا صنعت فِيمَا أَمرتك بِهِ
فَقَالَ قد تركت الْكَلَام يَا رَسُول الله ولزمت كتاب الله وسنتك
فَقَالَ لَهُ أَنا مَا أَمرتك بترك الْكَلَام إِنَّمَا أَمرتك بنصرة الْمذَاهب المروية عَنى فَإِنَّهَا الْحق
قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله كَيفَ أدع مذهبا تصورت مسَائِله وَعرفت دلائله مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة لرؤيا
قَالَ فَقَالَ لى لَوْلَا أَنى أعلم أَن الله يمدك بمدد من عِنْده لما قُمْت عَنْك حَتَّى أبين لَك وجوهها فجد فِيهِ فَإِن الله سيمدك بمدد من عِنْده فَاسْتَيْقَظَ وَقَالَ مَا بعد الْحق إِلَّا الضلال وَأخذ فى نصْرَة الْأَحَادِيث فى الرُّؤْيَة والشفاعة وَالنَّظَر وَغير ذَلِك
وَكَانَ يفتح عَلَيْهِ من المباحث والبراهين بِمَا لم يسمعهُ من شيخ قطّ وَلَا اعْتَرَضَهُ بِهِ خصم وَلَا رَآهُ فى كتاب
قَالَ الْحُسَيْن بن مُحَمَّد العسكرى كَانَ الأشعرى تلميذا للجبائى وَكَانَ صَاحب نظر وَذَا إقدام على الْخُصُوم وَكَانَ الجبائى صَاحب تصنيف وقلم إِلَّا أَنه لم يكن قَوِيا فى المناظرة فَكَانَ إِذا عرضت مناظرة قَالَ للأشعرى نب عَنى
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصعلوكى حَضَرنَا مَعَ الشَّيْخ أَبى الْحسن مجْلِس علوى بِالْبَصْرَةِ فناظر الْمُعْتَزلَة خذلهم الله وَكَانُوا يعْنى كثيرا فَأتى على الْكل وَهَزَمَهُمْ كلما انْقَطع وَاحِد تنَاول الآخر حَتَّى انْقَطَعُوا عَن آخِرهم فعدنا فى الْمجْلس الثانى فَمَا عَاد مِنْهُم أحد فَقَالَ بَين يدى العلوى يَا غُلَام اكْتُبْ على الْبَاب فروا
وَقَالَ الإِمَام أَبُو بكر الصيرفى كَانَت الْمُعْتَزلَة قد رفعوا رُءُوسهم حَتَّى أظهر الله الأشعرى فحجزهم فى أقماع السمسم
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف دخلت الْبَصْرَة أَيَّام شبابى لأرى أَبَا الْحسن الأشعرى لما بلغنى خَبره فَرَأَيْت شَيخا بهى المنظر فَقلت أَيْن منزل أَبى الْحسن الأشعرى فَقَالَ وَمَا الذى تُرِيدُ مِنْهُ فَقلت أحب أَن أَلْقَاهُ فَقَالَ ابتكر غَدا إِلَى هَذَا الْموضع قَالَ فابتكرت فَلَمَّا رَأَيْته تَبعته فَدخل دَار بعض وُجُوه الْبَلَد فَلَمَّا أبصروه أكْرمُوا مَحَله وَكَانَ هُنَاكَ جمع من الْعلمَاء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصَّدْر ثمَّ سُئِلَ بضعهم مَسْأَلَة فَلَمَّا شرع فى الْجَواب دخل الشَّيْخ فَأخذ يرد عَلَيْهِ ويناظره حَتَّى أَفْحَمَهُ فَقضيت الْعجب من علمه وفصاحته فَقلت لبَعض من كَانَ عندى من هَذَا الشَّيْخ فَقَالَ أَبُو الْحسن الأشعرى
فَلَمَّا قَامُوا تَبعته فَقَالَ لى يَا فَتى كَيفَ رَأَيْت الأشعرى فخدمته وَقلت يَا سيدى كَمَا هُوَ فى مَحَله وَلَكِن لم لَا تسْأَل أَنْت ابْتِدَاء فَقَالَ أَنا لَا أكلم هَؤُلَاءِ ابْتِدَاء وَلَكِن إِذا خَاضُوا فى ذكر مَا لَا يجوز فى دين الله رددنا عَلَيْهِم بِحكم مَا فرض الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا من الرَّد على مخالفى الْحق
وَرويت هَذِه الْحِكَايَة عَن ابْن خَفِيف على وَجه آخر يشْتَرك مَعهَا بعد الدّلَالَة على عَظمَة الشَّيْخ وَمحله فى الْعلم فى أَنه كَانَ لَا يتَكَلَّم فِي علم الْكَلَام إِلَّا حَيْثُ يجب عَلَيْهِ نصرا للدّين ودفعا للمبطلين
وَقد قدمنَا الْحِكَايَة على وَجه كيس من كَلَام وَالِد الإِمَام فَخر الدّين فِيمَا أَحسب أَو من كَلَام ابْن خَفِيف نَفسه فى تَرْجَمَة ابْن خَفِيف
قَالَ عُلَمَاؤُنَا كَانَ الشَّيْخ صَاحب فراسة وَنظر بِنور الله وَكَانَ ابْن خَفِيف كَمَا عرف حَاله من أَرْبَاب الْأَحْوَال وسَادَة الْمَشَايِخ فَلَمَّا أبصره الشَّيْخ وَفهم عَنهُ مَا يُرِيد أحب أَلا يرَاهُ إِلَّا على أكمل أَحْوَاله من الْعلم وَهُوَ وَقت المناظرة فَإِن أول نظر يثبت فى الْقلب ويرسخ فَأَرَادَ الشَّيْخ تربية ابْن خَفِيف فَإِنَّهُ إِذا نظره فى أكمل أَحْوَاله امْتَلَأَ قلبه بعظمته فانقاد لما يَأْتِيهِ من قبله
قَالُوا وَكَانَ الشَّيْخ رضى الله عَنهُ سيدا فى التصوف وَاعْتِبَار الْقُلُوب كَمَا هُوَ سيد فى علم الْكَلَام وأصناف الْعُلُوم
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى كنت فى جنب الشَّيْخ أَبى الْحسن الباهلى كقطرة فى جنب الْبَحْر وَسمعت الباهلى يَقُول كنت فى جنب الأشعرى كقطرة فى جنب الْبَحْر
وَقَالَ لِسَان الْأمة القاضى أَبُو بكر أفضل أحوالى أَن أفهم كَلَام أَبى الْحسن
قَالَ أَبُو الْفضل السهلكى حكى لنا الْفَقِيه الثِّقَة أَبُو عمر الرزجاهى قَالَ سَمِعت الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبَا سهل الصعلوكى أَو الشَّيْخ الإِمَام أَبَا بكر الإسماعيلى وَالشَّكّ منى يَقُول أعَاد الله تَعَالَى هَذَا الدّين بعد مَا ذهب يعْنى أَكْثَره بِأَحْمَد ابْن حَنْبَل وأبى الْحسن الأشعرى وأبى نعيم الإستراباذى
وَأما اجْتِهَاد الشَّيْخ فى الْعِبَادَة والتأله فَأمر غَرِيب
ذكر من صَحبه أَنه مكث عشْرين سنة يصلى الصُّبْح بِوضُوء الْعَتَمَة وَكَانَ يَأْكُل من غلَّة قَرْيَة وَقفهَا جده بِلَال بن أَبى بردة بن أَبى مُوسَى الأشعرى على نَسْله
قَالَ وَكَانَت نَفَقَته فى كل سنة سَبْعَة عشر درهما كل شهر دِرْهَم وشىء يسير
وَاعْلَم أَنا لَو أردنَا اسْتِيعَاب مَنَاقِب الشَّيْخ لضاقت بِنَا الأوراق وكلت الأقلام وَمن أَرَادَ معرفَة قدره وَأَن يمتلىء قلبه من حبه فَعَلَيهِ بِكِتَاب تَبْيِين كذب المفترى فِيمَا نسب إِلَى الإِمَام أَبى الْحسن الأشعرى الذى صنفه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَهُوَ من أجل الْكتب وَأَعْظَمهَا فَائِدَة وأحسنها
فَيُقَال كل سنى لَا يكون عِنْده كتاب التَّبْيِين لِابْنِ عَسَاكِر فَلَيْسَ من أَمر نَفسه على بَصِيرَة
وَيُقَال لَا يكون الْفَقِيه شافعيا على الْحَقِيقَة حَتَّى يحصل كتاب التَّبْيِين لِابْنِ عَسَاكِر وَكَانَ مشيختنا يأمرون الطّلبَة بِالنّظرِ فِيهِ
وَقد زعم بعض النَّاس أَن الشَّيْخ كَانَ مالكى الْمَذْهَب وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح إِنَّمَا كَانَ شافعيا تفقه على أَبى إِسْحَاق المروزى نَص على ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو بكر ابْن فورك فى طَبَقَات الْمُتَكَلِّمين والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى فِيمَا نَقله عَنهُ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى فى شرح الرسَالَة
والمالكى هُوَ القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى شيخ الأشاعرة
وَالصَّحِيح أَن وَفَاة الشَّيْخ بَين الْعشْرين وَالثَّلَاثِينَ بعد الثلاثمائة وَالْأَقْرَب أَنَّهَا سنة أَربع وَعشْرين وَهُوَ مَا صَححهُ ابْن عَسَاكِر وَذكره أَبُو بكر بن فورك وَيُقَال سنة نَيف وَثَلَاثِينَ
وَأَنت إِذا نظرت تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ الذى هُوَ شيخ السّنة وَإِمَام الطَّائِفَة فى تَارِيخ شَيخنَا الذهبى وَرَأَيْت كَيفَ مزقها وحار كَيفَ يصنع فى قدره وَلم يُمكنهُ البوح بالغض مِنْهُ خوفًا من سيف أهل الْحق وَلَا الصَّبْر عَن السُّكُوت لما جبلت عَلَيْهِ طويته من بغضه بِحَيْثُ اختصر مَا شَاءَ الله أَن يختصر فى مدحه ثمَّ قَالَ فى آخر التَّرْجَمَة من أَرَادَ أَن يتبحر فى معرفَة الأشعرى فَعَلَيهِ بِكِتَاب تَبْيِين كذب المفترى لأبى الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر اللَّهُمَّ توفنا على السّنة وأدخلنا الْجنَّة وَاجعَل أَنْفُسنَا مطمئنة نحب فِيك أولياءك ونبغض فِيك أعدائك ونستغفر للعصاة من عِبَادك ونعمل بمحكم كتابك ونؤمن بمتشابهه ونصفك بِمَا وصفت بِهِ نَفسك انْتهى
فَعِنْدَ ذَلِك تقتضى الْعجب من هَذَا الذهبى وَتعلم إِلَى مَاذَا يُشِير الْمِسْكِين فويحه ثمَّ ويحه
وَأَنا قد قلت غير مرّة إِن الذهبى أستاذى وَبِه تخرجت فى علم الحَدِيث إِلَّا أَن الْحق أَحَق أَن يتبع وَيجب على تَبْيِين الْحق فَأَقُول
أما حوالتك على تَبْيِين كذب المفترى وتقصيرك فى مدح الشَّيْخ فَكيف يسعك ذَلِك مَعَ كونك لم تترجم مجسما يشبه الله بخلقه إِلَّا واستوفيت تَرْجَمته حَتَّى إِن كتابك مُشْتَمل على ذكر جمَاعَة من أصاغر الْمُتَأَخِّرين من الْحَنَابِلَة الَّذين لَا يؤبه إِلَيْهِم قد ترجمت كل وَاحِد مِنْهُم بأوراق عديدة فَهَل عجزت أَن تُعْطى تَرْجَمَة هَذَا الشَّيْخ حَقّهَا وتترجمه كَمَا ترجمت من هُوَ دونه بِأَلف ألف طبقَة فأى غَرَض وَهوى نفس أبلغ من هَذَا وَأقسم بِاللَّه يَمِينا برة مَا بك إِلَّا أَنَّك لَا تحب شياع اسْمه بِالْخَيرِ وَلَا تقدر فى بِلَاد الْمُسلمين على أَن تفصح فِيهِ بِمَا عنْدك من أمره وَمَا تضمره من الغض مِنْهُ فَإنَّك لَو أظهرت ذَلِك لتناولتك سيوف الله وَأما دعاؤك بِمَا دَعَوْت بِهِ فَهَل هَذَا مَكَانَهُ يامسكين وَأما إشارتك بِقَوْلِك ونبغض أعداءك إِلَى أَن الشَّيْخ من أَعدَاء الله وَأَنَّك تبْغضهُ فَسَوف تقف مَعَه بَين يدى الله تَعَالَى يَوْم يأتى وَبَين يَدَيْهِ طوائف الْعلمَاء من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَالصَّالِحِينَ من الصُّوفِيَّة والجهابذة الْحفاظ من الْمُحدثين وتأتى أَنْت تتكسع فى ظلم التجسيم الذى تدعى أَنَّك برِئ مِنْهُ وَأَنت من أعظم الدعاة إِلَيْهِ وتزعم أَنَّك تعرف هَذَا الْفَنّ وَأَنت لَا تفهم فِيهِ نقيرا وَلَا قطميرا وليت شعرى من الذى يصف الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه من شبهه بخلقه أم من قَالَ {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} وَالْأولَى بى على الْخُصُوص إمْسَاك عنان الْكَلَام فى هَذَا الْمقَام فقد أبلغت ثمَّ أحفظ لشَيْخِنَا حَقه وَأمْسك وَقد عرفناك أَن الأوراق لَا تنهض بترجمة الشَّيْخ وأحلناك على كتاب التَّبْيِين لَا كإحالة الذهبى إِذْ نَحن نحيل إِحَالَة طَالب محرض على الازدياد من عَظمته وَذَاكَ يحِيل إِحَالَة مجهل قد سئم وتبرم بِذكر محامد من لَا يُحِبهُ وَنحن منبهون فى هَذِه التَّرْجَمَة على مهمات لَا نرى إخلاء الْكتاب عَنْهَا لاشتمالها على نصْرَة دين الله وَجمع كلمة الْمُوَحِّدين ونذكرها بعد اسْتِيفَاء مَا يخْتَص بترجمة الشَّيْخ
ذكر شىء من الرِّوَايَة عَن الشَّيْخ وَالدّلَالَة على مَحَله من الحَدِيث وَالْفِقْه
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ غفر الله لَهُ بقراءتى عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ محيى الدّين ابْن الحرستانى وتاج الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن أَبى عصرون
ح وَأخْبرنَا شَيخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحجَّاج المزى إجَازَة قَالَ أخبرنَا تَاج الدّين سَمَاعا قَالَا أجازتنا أم الْمُؤَيد زَيْنَب بنت عبد الرَّحْمَن بن الْحسن الشعرى قَالَت أجازنا الشَّيْخ أَبُو الْحسن عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل بن عبد الغافر الفارسى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو إِبْرَاهِيم أسعد بن مَسْعُود العتبى أخبرنَا الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور القاهر بن طَاهِر البغدادى ولى عَنهُ إجَازَة حَدثنَا القاضى أبومحمد ابْن عمر المالكى قاضى أصطخر قدم علينا رَسُولا فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وثلاثمائة حَدثنَا الإِمَام أَبُو الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى بِبَغْدَاد فى مجْلِس أَبى إِسْحَاق المروزى حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الساجى حَدثنَا بنْدَار وَابْن الْمثنى قَالَا حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا ابْن أَبى ذيب عَن سعيد المقبرى عَن أَبى هُرَيْرَة أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (السَّبع المثانى فَاتِحَة الْكتاب)
وَبِه إِلَى زَكَرِيَّا حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَبى الشَّوَارِب حَدثنَا خَالِد بن عبد الله الواسطى حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فَاتِحَة الْكتاب السَّبع المثانى الَّتِى أعطيتهَا)
وَبِه إِلَى العتبى أخبرنَا الإِمَام أَبُو مَنْصُور البغدادى سَمِعت عبد الله بن مَحْمُود بن طَاهِر الصوفى يَقُول رَأَيْت أَبَا الْحسن الأشعرى فى مَسْجِد الْبَصْرَة وَقد أبهت الْمُعْتَزلَة فى المناظرة فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين قد عرفنَا تبحرك فى علم الْكَلَام وإنى سَائِلك عَن مَسْأَلَة ظَاهِرَة فى الْفِقْه فَقَالَ سل عَمَّا شِئْت فَقَالَ لَهُ مَا تَقول فى الصَّلَاة بِغَيْر فَاتِحَة الْكتاب فَقَالَ حَدثنَا زَكَرِيَّا بن يحيى الساجى حَدثنَا عبد الْجَبَّار حَدثنَا سُفْيَان حَدَّثَنى الزهرى عَن مَحْمُود ابْن الرّبيع عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب)
وَحدثنَا زَكَرِيَّا حَدثنَا بنْدَار حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن جَعْفَر بن مَيْمُون حَدَّثَنى أَبُو عُثْمَان عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ أمرنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أنادى بِالْمَدِينَةِ أَنه لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب قَالَ فَسكت السَّائِل وَلم يقل شَيْئا
قد رَأَيْت رِوَايَة الشَّيْخ هُنَا عَن زَكَرِيَّا الساجى وروى أَيْضا عَن أَبى خَليفَة الجمحى وَسَهل بن نوح وَمُحَمّد بن يَعْقُوب المقبرى وَعبد الرَّحْمَن بن خلف الضبى الْبَصرِيين وَأكْثر عَنْهُم فى تَفْسِيره وَتَفْسِيره كتاب حافل جَامع قَالَ شَيخنَا الذهبى إِنَّه لما صنفه كَانَ على الاعتزال قلت وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فقد وقفت على الْجُزْء الأول مِنْهُ وَكله رد على الْمُعْتَزلَة وتبيين لفساد تأويلاتهم وَكَثْرَة تحريفهم وفى مُقَدّمَة تَفْسِيره من ذَلِك مَا يقْضى ناظره الْعجب مِنْهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
مناظرة بَين الشَّيْخ أَبى الْحسن وأبى على الجبائى فى الْأَصْلَح وَالتَّعْلِيل
سَأَلَ الشَّيْخ رضى الله عَنهُ أَبَا على فَقَالَ أَيهَا الشَّيْخ مَا قَوْلك فى ثَلَاثَة مُؤمن وَكَافِر وصبى
فَقَالَ الْمُؤمن من أهل الدَّرَجَات وَالْكَافِر من أهل الهلكات والصبى من أهل النجَاة
فَقَالَ الشَّيْخ فَإِن أَرَادَ الصبى أَن يرقى إِلَى أهل الدَّرَجَات هَل يُمكن
قَالَ الجبائى لَا يُقَال لَهُ إِن الْمُؤمن إِنَّمَا نَالَ هَذِه الدرجَة بِالطَّاعَةِ وَلَيْسَ لَك مثلهَا
قَالَ الشَّيْخ فَإِن قَالَ التَّقْصِير لَيْسَ منى فَلَو أحييتنى كنت عملت من الطَّاعَات كعمل الْمُؤمن
قَالَ الجبائى يَقُول لَهُ الله كنت أعلم أَنَّك لَو بقيت لعصيت ولعوقبت فراعيت مصلحتك وَأمتك قبل أَن تنتهى إِلَى سنّ التَّكْلِيف
قَالَ الشَّيْخ فَلَو قَالَ الْكَافِر يَا رب علمت حَاله كَمَا علمت حالى فَهَلا راعيت مصلحتى مثله
فَانْقَطع الجبائى
قلت هَذِه مناظرة شهيرة وَقد حَكَاهَا شَيخنَا الذهبى وهى دامغة لأصل من يقلده لِأَن الذى يقلده يَقُول إِن الله لَا يفعل شَيْئا إِلَّا بحكمة باعثة لَهُ على فعله ومصلحة وَاقعَة وَهُوَ من الْمُعْتَزلَة فى هَذِه الْمَسْأَلَة فَلَو يدرى شَيخنَا هَذَا لأضرب عَن ذكر هَذِه المناظرة صفحا
وَوَقع فى زمَان شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام استفتاء فى هَذِه الْمَسْأَلَة فَكتب عَلَيْهِ الشَّيْخ عز الدّين وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وَطَائِفَة
وَمن كَلَام الشَّيْخ عز الدّين فى الْجَواب مَا أَجْهَل من يزْعم أَن الله سُبْحَانَهُ لَا يجوز أَن يخلق شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِيهِ جلب نفع أَو دفع ضَرَر تالله لقد تيمموا شاسعا وَلَقَد تحجروا وَاسِعًا
وَمن جَوَاب ابْن الْحَاجِب أى صَلَاح فى خلق مَا هُوَ السَّبَب الْمُؤَدى إِلَى الْكفْر وكأنى أحكى الجوابين إِن شَاءَ الله فى بعض تراجم الطَّبَقَة السَّابِعَة
وَهَذِه مَسْأَلَة مفروغ مِنْهَا فَمن أصلنَا أَنه يُقَال لَا يجب عَلَيْهِ شئ وَلَا يفعل شَيْئا لشئ ابتعثه عَلَيْهِ بل هُوَ مَالك الْملك وَرب الأرباب لَا حجر عَلَيْهِ لَهُ نقل عباده من الْخَيْر إِلَى الشَّرّ وَمن النَّفْع إِلَى الضّر {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَاعْلَم أَن جَوَاب شَيخنَا أَبى الْحسن مَأْخُوذ من قَول إمامنا الشافعى رضى الله عَنهُ الْقَدَرِيَّة إِذا سلمُوا الْعلم خصموا أى إِذا سلمُوا علم الله بالعواقب
مناظرة بَينهمَا فى أَن أَسمَاء الله هَل هى توقيفية
دخل رجل على الجبائى فَقَالَ هَل يجوز أَن يُسمى الله تَعَالَى عَاقِلا
فَقَالَ الجبائى لَا لِأَن الْعقل مُشْتَقّ من العقال وَهُوَ الْمَانِع وَالْمَنْع فى حق الله محَال فَامْتنعَ الْإِطْلَاق
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن فَقلت لَهُ فعلى قياسك لَا يُسمى الله سُبْحَانَهُ حكيما لِأَن هَذَا الِاسْم مُشْتَقّ من حِكْمَة اللجام وهى الحديدة الْمَانِعَة للدابة عَن الْخُرُوج وَيشْهد لذَلِك قَول حسان بن ثَابت رضى الله عَنهُ
(فنحكم بالقوافى من هجانا ... ونضرب حِين تختلط الدِّمَاء)
وَقَول الآخر
(أبنى حنيفَة حكمُوا سفهاءكم ... إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا)
أى نمْنَع بالقوافى من هجانا وامنعوا سفهاءكم
فَإِذا كَانَ اللَّفْظ مشتقا من الْمَنْع وَالْمَنْع على الله محَال لزمك أَن تمنع إِطْلَاق حَكِيم عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
قَالَ فَلم يحر جَوَابا إِلَّا أَنه قَالَ لى فَلم منعت أَنْت أَن يُسمى الله سُبْحَانَهُ عَاقِلا وأجزت أَن يُسمى حكيما
قَالَ فَقلت لَهُ لِأَن طريقى فى مَأْخَذ أَسمَاء الله الْإِذْن الشرعى دون الْقيَاس اللغوى فأطلقت حكيما لِأَن الشَّرْع أطلقهُ ومنعت عَاقِلا لَان الشَّرْع مَنعه وَلَو أطلقهُ الشَّرْع لأطلقته
قلت كَذَا وَقع فى هَذِه المناظرة فى إنشاد الْبَيْت حكمُوا بِالْكَاف وَهُوَ الْمَشْهُور فى رِوَايَته وَكنت أجوز أَن يكون حلموا بِاللَّامِ لمقابلته بالسفهاء ثمَّ رَأَيْت فى كتاب الْكَامِل للمبرد رَحمَه الله تَعَالَى
(أبنى حنيفَة نهنهوا سفهاءكم ... إنى أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا)
(أبنى حنيفَة إننى إِن أهجكم ... أدع الْيَمَامَة لَا توارى أرنبا)
وهما لجرير
وَمن الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة عَن الشَّيْخ
قَالَ الإِمَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ فى بَاب اجْتِمَاع الْوُلَاة من النِّهَايَة فى الْمَرْأَة تدعى غيبَة وَليهَا وتطلب من السُّلْطَان أَن يُزَوّجهَا وتلح فى ذَلِك
اخْتلف أَرْبَاب الْأُصُول فى ذَلِك فَذهب قدوتنا فى الْأُصُول إِلَى أَنَّهَا تجاب وأقصى مَا يُمكن السُّلْطَان أَن يستمهلها فَإِن أَبَت أجابها
وَذهب القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى إِلَى أَن القاضى لَا يجيبها إِن رأى التَّأْخِير رَأيا وَيَقُول لَا تجب على إجابتك مَا لم أحتط انْتهى
وَقد نقل الرافعى الْمَسْأَلَة عَن الإِمَام وَقَالَ فِيهَا وَجْهَان رَوَاهُمَا الإِمَام عَن أهل الْأُصُول
وَأَنت ترى عبارَة الإِمَام لم يفصح بِذكر وَجْهَيْن وَإِنَّمَا حكى اخْتِلَاف الْأُصُولِيِّينَ وَأَرَادَ بقدوتنا فى الْأُصُول الأشعرى
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله الذى ينبغى أَن يُقَال إِن اجْتِهَاد القاضى إِن أَدَّاهُ إِلَى أَن مصلحَة الْمَرْأَة تفوت بِالتَّأْخِيرِ وَجَبت الْمُبَادرَة أَو أَن الْمصلحَة التَّأْخِير تعين وَإِن أشكل الْحَال أَو اسْتَوَى أَو كَانَ فى مهلة النّظر فَهَذَا مَوضِع التَّرَدُّد وينبغى أَلا يُبَادر
ذكر تصانيف الشَّيْخ رضى الله عَنهُ
ذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم أَنَّهَا بلغت خمْسا وَخمسين مصنفا ورد ابْن عَسَاكِر هَذَا القَوْل وَقَالَ قد ترك من عدد مصنفاته أَكثر من النّصْف وَذكر أَبُو بكر بن فورك مسميات تزيد على الضعْف انْتهى
قلت ابْن حزم على مِقْدَار مَا وقف عَلَيْهِ فى بِلَاد الغرب
وَقد ذكر ابْن عَسَاكِر بعد ذَلِك عَن أَبى المعالى بن عبد الْملك القاضى أَنه سمع من يَثِق بِهِ يذكر أَنه رأى تراجم مصنفاته تزيد على مِائَتَيْنِ وثلاثمائة مُصَنف
وعد ابْن عَسَاكِر من مصنفاته مِمَّا ذكره الشَّيْخ فِي كِتَابه
الْعمد فى الرُّؤْيَة وَغَيره
الْفُصُول فى الرَّد على الْمُلْحِدِينَ
الموجز
إِمَامَة الصّديق
خلق الْأَعْمَال
الِاسْتِطَاعَة
الصِّفَات
الرُّؤْيَة
الْأَسْمَاء وَالْأَحْكَام
الرَّد على المجسمة
الْإِيضَاح
اللمع الصَّغِير
اللمع الْكَبِير
الشَّرْح وَالتَّفْصِيل
الْمُقدمَة
النَّقْض على الجبائى
النَّقْض على البلخى
مقالات الْمُسلمين
مقالات الْمُلْحِدِينَ
الجوابات فى الصِّفَات على الاعتزال
قَالَ ثمَّ نقضناه وأبطلناه
الرَّد على ابْن الراوندى
ذكر دَلِيل استنبطه عُلَمَاؤُنَا من الحَدِيث الصَّحِيح دَال على أَن أَبَا الْحسن وفئته على السّنة وَأَن سبيلهم سَبِيل الْجنَّة
زعم طوائف من أَئِمَّتنَا أَن سيدنَا ومولانا وحبيبنا مُحَمَّد الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشر بالشيخ أَبى الْحسن وَأَشَارَ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فى حَدِيث الْأَشْعَرِيين حَيْثُ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(الْإِيمَان يمَان وَالْحكمَة يَمَانِية أَتَاكُم أهل الْيمن هم أرق أَفْئِدَة وألين قلوبا)
أخرجه البخارى وَمُسلم
وفى حَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (يقدم قوم هم أرق أَفْئِدَة مِنْكُم) فَقدم الأشعريون فيهم أَبُو مُوسَى ... الحَدِيث
وفى حَدِيث لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هم قوم هَذَا) وَضرب بِيَدِهِ على ظهر أَبى مُوسَى الأشعرى
وَقد استوعب الْحَافِظ فى كتاب التَّبْيِين الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فى هَذَا الْبَاب وَهَذَا ملخصها
قَالَ عُلَمَاؤُنَا بشر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأبى الْحسن فِيهَا إِشَارَة وتلويحا كَمَا بشر بأبى عبد الله الشافعى رضى الله عَنهُ فى حَدِيث (عَالم قُرَيْش يمْلَأ طباق الأَرْض علما) وَمَالك رضى الله عَنهُ فى حَدِيث يُوشك أَن يضْرب النَّاس آباط الْإِبِل فَلَا يَجدونَ عَالما أعلم من عَالم الْمَدِينَة
وَمِمَّنْ وَافق على هَذَا التَّأْوِيل وَأخذ بِهِ من حفاظ الْمُحدثين وأئمتهم الْحَافِظ الْجَلِيل أَبُو بكر البيهقى فِيمَا أخبرنَا بِهِ يحيى بن فضل الله الْعُمْرَى فى كِتَابه عَن مكى ابْن عَلان أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم الدمشقى أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن الْفضل الفراوى أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن بن على البيهقى الْحَافِظ قَالَ
أما بعد فَإِن بعض أَئِمَّة الْأَشْعَرِيين رضى الله عَنْهُم ذاكرني بمتن الحَدِيث الذى أنبأناه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق حَدثنَا وهب بن جرير وَأَبُو عَامر العقدى قَالَا حَدثنَا شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن عِيَاض الأشعرى قَالَ لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} أَوْمَأ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى مُوسَى فَقَالَ (هم قوم هَذَا)
قَالَ البيهقى وَذَلِكَ لما وجد من الْفَضِيلَة الجليلة والمرتبة الشَّرِيفَة فى هَذَا الحَدِيث للْإِمَام أَبى الْحسن الأشعرى رضى الله عَنهُ فَهُوَ من قوم أَبى مُوسَى وَأَوْلَاده الَّذين أُوتُوا الْعلم ورزقوا الْفَهم مَخْصُوصًا من بَينهم بتقوية السّنة وقمع الْبِدْعَة بِإِظْهَار الْحجَّة ورد الشُّبْهَة وَالْأَشْبَه أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل قوم أَبى مُوسَى من قوم يُحِبهُمْ الله وَيُحِبُّونَهُ لما علم من صِحَة دينهم وَعرف من قُوَّة يقينهم فَمن نحا فى علم الْأُصُول نحوهم وَتبع فى نفى التَّشْبِيه مَعَ مُلَازمَة الْكتاب وَالسّنة قَوْلهم جعل من جُمْلَتهمْ هَذَا كَلَام البيهقى
وَنحن نقُول وَلَا نقطع على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشبه أَن يكون نبى الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا ضرب على ظهر أَبى مُوسَى رضى الله عَنهُ فى الحَدِيث الذى قدمْنَاهُ للْإِشَارَة والبشارة بِمَا يخرج من ذَلِك الظّهْر فى تَاسِع بطن وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن فقد كَانَت للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إشارات لَا يفهمها إِلَّا الموفقون المؤيدون بِنور من الله الراسخون فى الْعلم ذَوُو البصائر المشرقة {وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور}
وَقد عقد ابْن عَسَاكِر فى كتاب التَّبْيِين بَابا فِيمَا روى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بشارته بأبى مُوسَى حِين قدومه من الْيمن وإشارته إِلَى مَا يظْهر من علم أَبى الْحسن
وَابْن عَسَاكِر من أخيار هَذِه الْأمة علما ودينا وحفظا لم يجِئ بعد الدارقطنى أحفظ مِنْهُ اتّفق على هَذَا الْمُوَافق والمخالف
وَعَن مُجَاهِد فى قَوْله تَعَالَى {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ قوم من سبأ قَالَ ابْن عَسَاكِر والأشعريون قوم من سبأ
قلت وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا إِن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحدث فى أصُول الدّين أحدا بِحَدِيث حَدثهُ للأشعريين وَأَنَّهُمْ الَّذين اختصوا بسؤاله عَن ذَلِك وإجابته لَهُم
ففى صَحِيح البخارى وَغَيره عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ إنى لجالس عِنْد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَهُ قوم من بنى تَمِيم فَقَالَ (اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بنى تَمِيم) فَقَالُوا قد بشرتنا فَأَعْطِنَا يَا رَسُول الله قَالَ فَدخل عَلَيْهِ نَاس من أهل الْيمن فَقَالَ (اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أهل الْيمن إِذْ لم يقبلهَا بَنو تَمِيم) قَالُوا قبلنَا يَا رَسُول الله جِئْنَا لنتفقه فى الدّين ونسألك عَن أول هَذَا الْأَمر مَا كَانَ
كَذَا فى لفظ
وفى لفظ البخارى جئْنَاك نَسْأَلك عَن هَذَا الْأَمر قَالَ كَانَ الله وَلم يكن شئ غَيره
وفى رِوَايَة وَلم يكن شئ قبله وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَكتب فى الذّكر كل شئ
قَالَ وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا عمرَان بن حُصَيْن راحلتك أدْرك نَاقَتك
فقد ذهبت فَانْطَلَقت فى طلبَهَا وَإِذا السراب يَنْقَطِع دونهَا وأيم الله لَوَدِدْت أَنَّهَا ذهبت وأنى لم أقِم
وَقد سَاق ابْن عَسَاكِر هَذَا الحَدِيث من طرق عدَّة
ذكر أَتْبَاعه الآخذين عَنهُ والآخذين عَن من أَخذ عَنهُ وهلم جرا
اعْلَم أَن أَبَا الْحسن لم يبدع رَأيا وَلم ينش مذهبا وَإِنَّمَا هُوَ مُقَرر لمذاهب السّلف مناضل عَمَّا كَانَت عَلَيْهِ صحابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالانتساب إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أَنه عقد على طَرِيق السّلف نطاقا وَتمسك بِهِ وَأقَام الْحجَج والبراهين عَلَيْهِ فَصَارَ المقتدى بِهِ فى ذَلِك السالك سَبيله فى الدَّلَائِل يُسمى أشعريا وَلَقَد قلت مرّة للشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله أَنا أعجب من الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فى عدَّة طوائف من أَتبَاع الشَّيْخ وَلم يذكر إِلَّا نزرا يَسِيرا وعددا قَلِيلا وَلَو وفى الِاسْتِيعَاب حَقه لاستوعب غَالب عُلَمَاء الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم برأى أَبى الْحسن يدينون الله تَعَالَى فَقَالَ إِنَّمَا ذكر من اشْتهر بالمناضلة عَن أَبى الْحسن وَإِلَّا فَالْأَمْر على مَا ذكرت من أَن غَالب عُلَمَاء الْمذَاهب مَعَه
وَقد ذكر الشَّيْخ شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام أَن عقيدته اجْتمع عَلَيْهَا الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة وفضلاء الْحَنَابِلَة وَوَافَقَهُ على ذَلِك من أهل عصره شيخ الْمَالِكِيَّة فى زَمَانه أَبُو عَمْرو بن الْحَاجِب وَشَيخ الْحَنَفِيَّة جمال الدّين الحصيرى
قلت وسنعقد لهَذَا الْفَصْل فصلا يَخُصُّهُ فِيمَا بعد
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فِيمَا يحكيه لنا وَلَقَد وقفت لبَعض الْمُعْتَزلَة على كتاب سَمَّاهُ طَبَقَات الْمُعْتَزلَة وافتتح بِذكر عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ ظنا مِنْهُ أَنه برأه الله مِنْهُم على عقيدتهم قَالَ وَهَذَا نِهَايَة فى التعصب فَإِنَّمَا ينْسب إِلَى الْمَرْء من مَشى على منواله
قلت أَنا للشَّيْخ الإِمَام وَلَو تمّ هَذَا لَهُم لَكَانَ للأشاعرة أَن يعدوا أَبَا بكر وَعمر رضى الله عَنْهُمَا فى جُمْلَتهمْ لأَنهم عَن عقيدتهما وعقيدة غَيرهمَا من الصَّحَابَة فِيمَا يدعونَ يناضلون وَإِيَّاهَا ينْصرُونَ وعَلى حماها يحومون فَتَبَسَّمَ وَقَالَ أَتبَاع الْمَرْء من دَان بمذهبه وَقَالَ بقوله على سَبِيل الْمُتَابَعَة والاقتفاء الذى هُوَ أخص من الْمُوَافقَة فَبين الْمُتَابَعَة والموافقة بون عَظِيم
قلت وَقد بَينا البون فى شرح الْمُخْتَصر فى مَسْأَلَة الناسى
وَنقل الْحَافِظ كَلَام الشَّيْخ أَبى عبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى بن عمار الكلاعى المآيرقى وَهُوَ من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة فى هَذَا الْفَصْل فاستوعبه مِنْهُ أهل السّنة من الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَأكْثر الْحَنَفِيَّة بِلِسَان أَبى الْحسن الأشعرى يَتَكَلَّمُونَ وبحجته يحتجون ثمَّ أَخذ المايرقى يُقرر أَن أَبَا الْحسن كَانَ مالكى الْمَذْهَب فى الْفُرُوع وَحكى أَنه سمع الإِمَام رَافعا الْحمال يَقُول وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك قطعا كَمَا أسلفناه وَقد وَقع لى أَن سَبَب الْوَهم فِيهِ أَن القاضى أَبَا بكر كَانَ يُقَال لَهُ الأشعرى لشدَّة قِيَامه فى نصْرَة مَذْهَب الشَّيْخ وَكَانَ مالكيا على الصَّحِيح الذى صرح بِهِ أَبُو المظفر بن السمعانى فى القواطع وَغَيره من النقلَة الْأَثْبَات خلافًا لمن زَعمه شافعيا وَرَافِع الْحمال قَرَأَ على من قَرَأَ على القاضى فأظن المآيرقى سمع رَافعا يَقُول الأشعرى مالكى فتوهمه يعْنى الشَّيْخ وَإِنَّمَا يعْنى رَافع القاضى أَبَا بكر هَذَا مَا وَقع لى وَلَا أَشك فِيهِ
والمآيرقى رجل مغربى بعيد الديار عَن بِلَاد الْعرَاق مُتَأَخّر عَن زمَان أَصْحَاب الشَّيْخ وَأَصْحَاب أَصْحَابه فيبعد عَلَيْهِ تَحْقِيق حَاله وَقد قدمنَا كَلَام الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد الجوينى عَن الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق وَكفى بِهِ فَإِنَّهُ أعرف من رَافع وَلَا أحد فى عصر الْأُسْتَاذ أخبر مِنْهُ بِحَال الشَّيْخ إِلَّا أَن يكون القاضى ابْن الباقلانى
وَقد ذكر غير وَاحِد من الْأَثْبَات أَن الشَّيْخ كَانَ يَأْخُذ مَذْهَب الشافعى عَن أَبى إِسْحَاق المروزى وَأَبُو إِسْحَاق المروزى يَأْخُذ عَنهُ علم الْكَلَام وَلذَلِك كَانَ يجلس فى حلقته وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا عَقدنَا لَهُ هَذَا الْفَصْل فلنعد إِلَى غرضنا فَنَقُول قَالَ المآيرقى وَلم يكن أَبُو الْحسن أول مُتَكَلم بِلِسَان أهل السّنة إِنَّمَا جرى على سنَن غَيره وعَلى نصْرَة مَذْهَب مَعْرُوف فَزَاد الْمَذْهَب حجَّة وبيانا وَلم يبتدع مقَالَة اخترعها وَلَا مذهبا انْفَرد بِهِ أَلا ترى أَن مَذْهَب أهل الْمَدِينَة نسب إِلَى مَالك وَمن كَانَ على مَذْهَب أهل الْمَدِينَة يُقَال لَهُ مالكى وَمَالك إِنَّمَا جرى على سنَن من كَانَ قبله وَكَانَ كثير الِاتِّبَاع لَهُم إِلَّا أَنه لما زَاد الْمَذْهَب بَيَانا وبسطا عزى إِلَيْهِ كَذَلِك أَبُو الْحسن الأشعرى لَا فرق لَيْسَ لَهُ فى مَذْهَب السّلف أَكثر من بَسطه وَشَرحه وتواليفه فى نصرته
وَأطَال المآيرقى فى ذَلِك ثمَّ عدد خلقا من أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة كَانُوا يناضلون عَن مَذْهَب الأشعرى ويبدعون من خَالفه وَلَا حَاجَة إِلَى شرح ذَلِك فَإِن الْمَالِكِيَّة أخص النَّاس بالأشعرى إِذْ لَا نَحْفَظ مالكيا غير أشعرى ونحفظ من غَيرهم طوائف جنحوا إِمَّا إِلَى اعتزال أَو إِلَى تَشْبِيه وَإِن كَانَ من جنح إِلَى هذَيْن من رعاع الْفرق
ثمَّ ذكر المآيرقى رِسَالَة الشَّيْخ أَبى الْحسن القابسى المالكى الَّتِى يَقُول فِيهَا وَاعْلَمُوا أَن أَبَا الْحسن الأشعرى لم يَأْتِ من علم الْكَلَام إِلَّا مَا أَرَادَ بِهِ إِيضَاح السّنَن والتثبت عَلَيْهَا
إِلَى أَن يَقُول القابسى وَمَا أَبُو الْحسن إِلَّا وَاحِد من جملَة القائمين فى نصْرَة الْحق مَا سمعنَا من أهل الْإِنْصَاف من يُؤَخِّرهُ عَن رُتْبَة ذَلِك وَلَا من يُؤثر عَلَيْهِ فى عصره غَيره وَمن بعده من أهل الْحق سلكوا سَبيله
إِلَى أَن قَالَ لقد مَاتَ الأشعرى يَوْم مَاتَ وَأهل السّنة باكون عَلَيْهِ وَأهل الْبدع مستريحون مِنْهُ
وَذكر قَول الشَّيْخ أَبى مُحَمَّد عبد الله بن أَبى زيد فى جَوَابه لمن لَامة فى حب الأشعرى مَا الأشعرى إِلَّا رجل مَشْهُور بِالرَّدِّ على أهل الْبدع وعَلى الْقَدَرِيَّة الْجَهْمِية متمسك بالسنن
وَأطَال المايرقى وَغَيره من الْمَالِكِيَّة فى تقريظ الشَّيْخ أَبى الْحسن
وَإِذا عرفت ذَلِك فَمن الآخذين عَن الشَّيْخ الْأُسْتَاذ أَبُو سهل الصعلوكى والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفراينى وَالشَّيْخ أَبُو بكر الْقفال وَالشَّيْخ أَبُو زيد المروزى والأستاذ أَبُو عبد الله بن خَفِيف وزاهر بن أَحْمد السرخسى والحافظ أَبُو بكر الجرجانى الإسماعيلى وَالشَّيْخ أَبُو بكر الأودنى وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الطبرى العراقى وَأَبُو الْحسن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الطبرى الْمَعْرُوف بالدمل وَأَبُو جَعْفَر السلمى النقاش وَأَبُو عبد الله الأصبهانى الشافعى وَأَبُو مُحَمَّد القرشى الزهرى وَأَبُو مَنْصُور بن حمشاد
وَرُبمَا كَانَ فى هَؤُلَاءِ من لم يثبت عندنَا أَنه جَالس الشَّيْخ وَلَكِن كلهم عاصروه وتمذهبوا بمذهبه وقرؤوا كتبه وَأَكْثَرهم جالسه وَأخذ عَنهُ شفاها
وَالشَّيْخ أَبُو الْحُسَيْن بن سمعون الْوَاعِظ وَأَبُو عبد الرَّحْمَن الشروطى الجرجانى
وأخصهم بالشيخ أَرْبَعَة ابْن مُجَاهِد وَهُوَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن يَعْقُوب بن مُجَاهِد الطائى شيخ القاضى أَبى بكر الباقلانى وَكَانَ مالكى الْمَذْهَب ذكره القَاضِي عِيَاض فى الْمدْرك
وَأَبُو الْحسن الباهلى العَبْد الصَّالح شيخ الْأُسْتَاذ أَبى إِسْحَاق والأستاذ أَبى بكر ابْن فورك وَشَيخ القاضى أَبى بكر أَيْضا إِلَّا أَن القاضى أَبَا بكر أخص بِابْن مُجَاهِد والأستاذان أخص بالباهلى
قَالَ القاضى أَبُو بكر كنت أَنا وَأَبُو إِسْحَاق الإسفراينى وَابْن فورك مَعًا فى درس الشَّيْخ الباهلى وَكَانَ يدرس لنا فى كل جُمُعَة مرّة وَاحِدَة وَكَانَ منا فى حجاب يرخى السّتْر بَيْننَا وَبَينه كى لَا نرَاهُ وَكَانَ من شدَّة اشْتِغَاله بِاللَّه مثل واله أَو مَجْنُون لم يكن يعرف مبلغ درسنا حَتَّى نذكرهُ ذَلِك
وَقَالَ أَبُو الْفضل مُحَمَّد بن على السهلكى كَانَ الباهلى يسْأَل عَن سَبَب النقاب وإرساله الْحجاب بَينه وَبَين هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كاحتجابه عَن الْكل فَإِنَّهُ كَانَ يحتجب عَن كل وَاحِد فَأجَاب إِنَّهُم يرَوْنَ السوقة وهم أهل الْغَفْلَة فيروني بِالْعينِ الَّتِى يرَوْنَ أُولَئِكَ بهَا
قَالَ وَكَانَت لَهُ أَيْضا جَارِيَة تخدمه فَكَانَ حَالهَا أَيْضا مَعَه كَحال غَيرهَا من الْحجاب وإرخاء السّتْر بَينه وَبَينهَا
وَالثَّالِث بنْدَار خادمه وَقد تقدّمت تَرْجَمته
وَالرَّابِع أَبُو الْحسن على بن مُحَمَّد بن مهدى الطبرى
وَمن الطَّبَقَة الثَّانِيَة أَبُو سعد الإسماعيلى وَأَخُوهُ أَبُو نصر وَأَبُو الطّيب الصعلوكى وَأَبُو الْحسن بن دَاوُد الْمُقْرِئ الدارانى وَسيف السّنة القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى والأستاذ أَبُو إِسْحَاق والأستاذ أَبُو بكر بن فورك والأستاذ أَبُو على الدقاق وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ وَالشَّيْخ أَبُو سعد الخركوشى والقاضى أَبُو عمر البسطامى وَأَبُو الْقَاسِم البجلى وَأَبُو الْحسن ابْن ماشاذه والشريف أَبُو طَالب المهتدى وَأَبُو معمر بن أَبى سعد الإسماعيلى وَأَبُو حَازِم العبدوى الْحَافِظ الْأَعْرَج وَأَبُو على ابْن شَاذان والحافظ أَبُو نعيم الأصبهانى وَأَبُو حَامِد بن دلوية
وَمن الثَّالِثَة
أَبُو الْحسن السكرى وَأَبُو مَنْصُور الأيوبي النيسابورى والقاضى عبد الْوَهَّاب المالكى وَأَبُو الْحسن النعيمى وَأَبُو طَاهِر بن خراشة والأستاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى والحافظ أَبُو ذَر الهروى وَأَبُو بكر ابْن الجرمى الزَّاهِد وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى وَأَبُو الْقَاسِم ابْن أَبى عُثْمَان الهمذانى البغدادى وَأَبُو جَعْفَر السمنانى الحنفى قاضى الْموصل وَأَبُو حَاتِم القزوينى ورشأ بن نظيف الْمُقْرِئ وَأَبُو مُحَمَّد الأصبهانى بن اللبان وسليم الرازى وَأَبُو عبد الله الخبازى وَأَبُو الْفضل بن عمروس المالكى والأستاذ أَبُو الْقَاسِم عبد الْجَبَّار بن على الإسفراينى والحافظ أَبُو بكر البيهقى
وَمن الرَّابِعَة الْخَطِيب البغدادى الْحَافِظ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى وَأَبُو على بن أَبى حريصة الهمذاني وَأَبُو المظفر الإسفراينى وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَنصر المقدسى وَأَبُو عبد الله الطبرى
وَمن الْخَامِسَة
أَبُو المظفر الخوافى وإلكيا والغزالى وفخر الْإِسْلَام الشاشى وَأَبُو نصر القشيرى وَالشَّيْخ أَبُو سعيد الميهنى والشريف أَبُو عبد الله الديباجى والقاضى أَبُو الْعَبَّاس بن الرطبى وَأَبُو عبد الله الفراوى وَأَبُو سعد بن أَبى صَالح الْمُؤَذّن وَأَبُو الْحسن السلمى وَأَبُو مَنْصُور بن ماشاذه الأصبهانى وَأَبُو الْفتُوح الإسفراينى وَنصر الله المصيصى
فَهَذَا جملَة من ذكر الْحَافِظ فى كتاب التَّبْيِين وَقَالَ لَوْلَا خوفى من الإملال فى الإسهاب لتتبعت ذكر جَمِيع الْأَصْحَاب وكما لَا يمكننى إحصاء نُجُوم السَّمَاء كَذَلِك لَا أتمكن من استقصاء جَمِيع الْعلمَاء مَعَ انتشارهم فى الأقطار والآفاق من الْمغرب وَالشَّام وخراسان وَالْعراق
قلت وَلَقَد أهمل على سَعَة حفظه من الْأَعْيَان كثيرا وَترك ذكر أَقوام كَانَ ينبغى حَيْثُ ذكر هَؤُلَاءِ أَن يشمر عَن ساعد الِاجْتِهَاد فى ذكرهم تشميرا لكنه استوعب الأولى أَو كَاد واستغرق فَلم يفته إِلَّا بعض الْآحَاد
وَمن الثَّانِيَة أَبُو الْحسن البليانى المالكى وَأَبُو الْفضل الممسى المالكى الْمَقْتُول ظلما وَأَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن عبد الْمُؤمن المكى المالكى تلميذ ابْن مُجَاهِد وَأَبُو بكر الأبهرى وَأَبُو مُحَمَّد بن أَبى زيد وَأَبُو مُحَمَّد بن التبَّان وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عبد الله القلانسى
وَمن الثَّالِثَة من الْمَالِكِيَّة
أَبُو عمرَان الفاسى
وَمن الرَّابِعَة
أَبُو إِسْحَاق التونسى المالكى وَأَبُو الْوَفَاء ابْن عقيل الحنبلى وقاضى الْقُضَاة الدامغانى الحنفى وقاضى الْقُضَاة أَبُو بكر الناصح الحنفى
وَمن الْخَامِسَة
أَبُو الْوَلِيد الباجى وَأَبُو عمر بن عبد الْبر الْحَافِظ وَأَبُو الْحسن القابسى والحافظ الْكَبِير أَبُو الْقَاسِم بن عَسَاكِر والحافظ أَبُو الْحسن المرادى والحافظ أَبُو سعد بن السمعانى والحافظ أَبُو طَاهِر السلفى وَالْقَاضِي عِيَاض بن مُحَمَّد اليحصبى وَالْإِمَام أَبُو الْفَتْح الشهرستانى
وَمن السَّادِسَة
الإِمَام فَخر الدّين الرازى وَسيف الدّين الآمدى وَشَيخ الْإِسْلَام عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَالشَّيْخ أَبُو عَمْرو ابْن الْحَاجِب المالكى وَالشَّيْخ جمال الدّين
الحصيرى الحنفى وَصَاحب التَّحْصِيل وَالْحَاصِل والخسر وشاهى
وَمن السَّابِعَة
شيخ الْإِسْلَام تقى الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد وَالشَّيْخ عَلَاء الدّين الباجى وَالشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد وَالشَّيْخ صفى الدّين الهندى وَالشَّيْخ صدر الدّين ابْن المرحل وَابْن أَخِيه الشَّيْخ زين الدّين وَالشَّيْخ صدر الدّين سُلَيْمَان بن عبد الحكم المالكى وَالشَّيْخ شمس الدّين الحريرى الْخَطِيب وَالشَّيْخ جمال الدّين الزملكانى والقاضى جمال الدّين ابْن جملَة وَالشَّيْخ شهَاب الدّين ابْن جميل وقاضى الْقُضَاة شمس الدّين السروجى الحنفى والقاضى شمس الدّين بن الحريرى الحنفى والقاضى عضد الدّين الإيجى الشيرازى
ذكر بَيَان أَن طَريقَة الشَّيْخ هى الَّتِى عَلَيْهَا المعتبرون من عُلَمَاء الْإِسْلَام والمتميزون من الْمذَاهب الْأَرْبَعَة فى معرفَة الْحَلَال وَالْحرَام والقائمون بنصرة دين سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
قد قدمنَا فى تضاعيف الْكَلَام مَا يدل على ذَلِك وحكينا لَك مقَالَة الشَّيْخ ابْن عبد السَّلَام وَمن سبقه إِلَى مثلهَا وتلاه على قَوْلهَا حَيْثُ ذكرُوا أَن الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة وفضلاء الْحَنَابِلَة أشعريون هَذِه عبارَة ابْن عبد السَّلَام شيخ الشَّافِعِيَّة وَابْن الْحَاجِب شيخ الْمَالِكِيَّة والحصيرى شيخ الْحَنَفِيَّة وَمن كَلَام ابْن عَسَاكِر حَافظ هَذِه الْأمة الثِّقَة الثبت هَل من الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة إِلَّا مُوَافق الأشعرى ومنتسب إِلَيْهِ وراض بحميد سَعْيه فى دين الله ومثن بِكَثْرَة الْعلم عَلَيْهِ غير شرذمة قَليلَة تضمر التَّشْبِيه وتعادى كل موحد يعْتَقد التَّنْزِيه أَو تضاهى قَول الْمُعْتَزلَة فى ذمه وتباهى بِإِظْهَار جهرها بقدرة سَعَة علمه وَنحن نحكى لَك هُنَا مقالات أخر لجَماعَة من معتبرى القَوْل من الْفُقَهَاء ثمَّ ننعطف إِلَى مَا نحققه
ذكر استفتاء وَقع فى زمَان الْأُسْتَاذ أَبى الْقَاسِم القشيرى بخراسان عِنْد وُقُوع الْفِتْنَة الَّتِى سنحكيها فِيمَا بعد)
كتب استفتاء فِيمَا يتَعَلَّق بِحَال الشَّيْخ فَكَانَ جَوَاب القشيرى مَا نَصه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اتّفق أَصْحَاب الحَدِيث أَن أَبَا الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى كَانَ إِمَامًا من أَئِمَّة أَصْحَاب الحَدِيث ومذهبه مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث تكلم فى أصُول الديانَات على طَريقَة أهل السّنة ورد على الْمُخَالفين من أهل الزيغ والبدعة وَكَانَ على الْمُعْتَزلَة وَالرَّوَافِض والمبتدعين من أهل الْقبْلَة والخارجين من الْملَّة سَيْفا مسلولا وَمن طعن فِيهِ أَو قدح أَو لَعنه أَو سبه فقد بسط لِسَان السوء فى جَمِيع أهل السّنة بذلنا خطوطنا طائعين بذلك فى هَذَا الدرج فى ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَالْأَمر على هَذِه الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة فى هَذَا الذّكر وَكتبه عبد الْكَرِيم بن هوَازن القشيرى
وَكتب تَحْتَهُ الخبازى كَذَلِك يعرفهُ مُحَمَّد بن على الخبازى وَهَذَا خطه
وَالشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الجوينى الْأَمر على هَذِه الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة فِيهِ وَكتبه عبد الله ابْن يُوسُف
وبخط أَبى الْفَتْح الشاشى وعَلى بن أَحْمد الجوينى وناصر الْعُمْرَى وَأحمد بن مُحَمَّد
الأيوبى وأخيه على وأبى عُثْمَان الصابونى وَابْنه أَبى نصر بن أَبى عُثْمَان والشريف البكرى وَمُحَمّد بن الْحسن وأبى الْحسن الملقاباذى
وَقد حكى خطوطهم ابْن عَسَاكِر
وَكتب عبد الْجَبَّار الإسفراينى بِالْفَارِسِيَّةِ ابْن أَبُو الْحسن الأشعرى ان امام است كخداوند عز وَجل ابْن ايت درشان وى فرشتاد {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} ومصطفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم درآن رتت بحدوى إشارات كرد بو مُوسَى أشعرى فَقَالَ (هم قوم هَذَا)
كتبه عبد الْجَبَّار بن على بن مُحَمَّد الإسفراينى بِخَطِّهِ
تَفْسِيره هَذَا أَبُو الْحسن كَانَ إِمَامًا وَلما أنزل الله عز وَجل قَوْله فَسَوف يأتى الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَشَارَ الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى مُوسَى فَقَالَ (هم قوم هَذَا)
استفتاء آخر بِبَغْدَاد
مَا قَول السَّادة الْأَئِمَّة الجلة فِي قوم اجْتَمعُوا على لعن فرقة الأشعرى وتكفيرهم مَا الذى يجب عَلَيْهِم فَأجَاب قاضى الْقُضَاة أَبُو عبد الله الدامغانى الحنفى قد ابتدع وارتكب مَا لَا يجوز وعَلى النَّاظر فى الْأُمُور أعز الله أنصاره الْإِنْكَار عَلَيْهِ وتأديبه بِمَا يرتدع بِهِ هُوَ وَأَمْثَاله عَن ارْتِكَاب مثله وَكتب مُحَمَّد بن على الدامغانى
وَبعده كتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى رَحمَه الله الأشعرية أَعْيَان أهل السّنة ونصار الشَّرِيعَة انتصبوا للرَّدّ على المبتدعة من الْقَدَرِيَّة والرافضة وَغَيرهم فَمن طعن فيهم
فقد طعن على أهل السّنة وَإِذا رفع أَمر من يفعل ذَلِك إِلَى النَّاظر فى أَمر الْمُسلمين وَجب عَلَيْهِ تأديبه بِمَا يرتدع بِهِ كل أحد وَكتب إِبْرَاهِيم بن على الفيروزابادى
وَبعده جوابى مثله وَكتب مُحَمَّد بن أَحْمد الشاشى وَهُوَ فَخر الْإِسْلَام أَبُو بكر تلميذ الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق
استفتاء آخر فى وَاقعَة أَبى نصر القشيرى بِبَغْدَاد
سنحكى إِن شَاءَ الله هَذَا الاستفتاء والأجوبة عِنْد انتهائنا إِلَى تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ أَبى نصر ابْن الْأُسْتَاذ أَبى الْقَاسِم فى الطَّبَقَة الْخَامِسَة
وَإِن من جملَة خطّ الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق الشيرازى فِيهِ مَا نَصه وَأَبُو الْحسن الأشعرى إِمَام أهل السّنة وَعَامة أَصْحَاب الشافعى على مذْهبه ومذهبه مَذْهَب أهل الْحق وَكتب إِبْرَاهِيم بن على الفيروزابادى وَكَذَلِكَ تَحت خطّ جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة والحنابلة مِنْهُم أَبُو الْخطاب بن الحلوبى وَأَبُو عبد الله القيروانى وأسعد الميهنى وَأَبُو الْوَفَاء بن عقيل الحنبلى وَأَبُو مَنْصُور الرزاز وَأَبُو الْفرج الإسفراينى وَأَبُو الْحسن بن الْخلّ وَأَبُو الْحسن على ابْن الْحُسَيْن الغزنوى الحنفى وَأَبُو الْخَيْر القزوينى وَعمر بن أَحْمد الخطيبى الزنجانى
وبقى هَذَا الاستفتاء هَكَذَا زَمَانا بعد زمَان كلما جَاءَت أمة من الْعلمَاء كتبت بالموافقة أعصرا كَثِيرَة
ذكر كَلَام أَبى الْعَبَّاس قاضى الْعَسْكَر الحنفى
كَانَ أَبُو الْعَبَّاس هَذَا رجلا من أَئِمَّة أَصْحَاب الْحَنَفِيَّة وَمن الْمُتَقَدِّمين فى علم الْكَلَام وَكَانَ يعرف بقاضى الْعَسْكَر
وَقد حكى الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم فى كتاب التَّبْيِين جملَة من كَلَامه فَمِنْهُ قَوْله وَقد وجدت لأبى الْحسن الأشعرى كتبا كَثِيرَة فى هَذَا الْفَنّ يعْنى أصُول الدّين وهى قريب من مائتى كتاب والموجز الْكَبِير يأتى على عَامَّة مَا فى كتبه وَقد صنف الأشعرى كتابا كَبِيرا لتصحيح مَذْهَب الْمُعْتَزلَة فَإِنَّهُ كَانَ يعْتَقد مَذْهَبهم ثمَّ بَين الله لَهُ ضلالتهم فَبَان عَمَّا اعتقده من مَذْهَبهم وصنف كتابا ناقضا لما صنف للمعتزلة وَقد أَخذ عَامَّة أَصْحَاب الشافعى بِمَا اسْتَقر عَلَيْهِ مَذْهَب أَبى الْحسن الأشعرى وصنف أَصْحَاب الشافعى كتبا كَثِيرَة على وفْق مَا ذهب إِلَيْهِ الأشعرى إِلَّا أَن بعض أَصْحَابنَا من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة خطأ أَبَا الْحسن الأشعرى فى بعض الْمسَائِل مثل قَوْله التكوين والمكون وَاحِد وَنَحْوهَا على مَا نبين فى خلال الْمسَائِل إِن شَاءَ الله فَمن وقف على الْمسَائِل الَّتِى أَخطَأ فِيهَا أَبُو الْحسن وَعرف خطأه فَلَا بَأْس لَهُ بِالنّظرِ فى كتبه وَقد أمسك كتبه كثير من أَصْحَابنَا من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونظروا فِيهَا انْتهى
ذكر الْبَحْث عَن تَحْقِيق ذَلِك
سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله يَقُول مَا تضمنته عقيدة الطحاوى هُوَ مَا يَعْتَقِدهُ الأشعرى لَا يُخَالِفهُ إِلَّا فى ثَلَاث مسَائِل
قلت أَنا أعلم أَن الْمَالِكِيَّة كلهم أشاعرة لَا أستثنى أحدا وَالشَّافِعِيَّة غالبهم أشاعرة
لَا أستثنى إِلَّا من لحق مِنْهُم بتجسيم أَو اعتزال مِمَّن لَا يعبأ الله بِهِ وَالْحَنَفِيَّة أَكْثَرهم أشاعرة أعنى يَعْتَقِدُونَ عقد الأشعرى لَا يخرج مِنْهُم إِلَّا من لحق مِنْهُم بالمعتزلة والحنابلة أَكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة لم يخرج مِنْهُم عَن عقيدة الأشعرى إِلَّا من لحق بِأَهْل التجسيم وهم فى هَذِه الْفرْقَة من الْحَنَابِلَة أَكثر من غَيرهم
وَقد تَأَمَّلت عقيدة أَبى جَعْفَر الطحاوى فَوجدت الْأَمر على مَا قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وعقيدة الطحاوى زعم أَنَّهَا الذى عَلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَلَقَد جود فِيهَا ثمَّ تفحصت كتب الْحَنَفِيَّة فَوجدت جَمِيع الْمسَائِل الَّتِى بَيْننَا وَبَين الْحَنَفِيَّة خلاف فِيهَا ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة مِنْهَا معنوى سِتّ مسَائِل والباقى لفظى وَتلك السِّت المعنوية لَا تقتضى مخالفتهم لنا وَلَا مخالفتنا لَهُم فِيهَا تكفيرا وَلَا تبديعا صرح بذلك الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور البغدادى وَغَيره من أَئِمَّتنَا وأئمتهم وَهُوَ غنى عَن التَّصْرِيح لظُهُوره
وَمن كَلَام الْحَافِظ الْأَصْحَاب مَعَ اخْتلَافهمْ فى بعض الْمسَائِل كلهم أَجْمَعُونَ على ترك تَكْفِير بَعضهم بَعْضًا مجمعون بِخِلَاف من عداهم من سَائِر الطوائف وَجَمِيع الْفرق فَإِنَّهُم حِين اخْتلفت بهم مستشنعات الْأَهْوَاء والطرق كفر بَعضهم بَعْضًا وَرَأى تبريه مِمَّن خَالفه فرضا
قلت وَهَذَا حق وَمَا مثل هَذِه الْمسَائِل إِلَّا مثل مسَائِل كَثِيرَة اخْتلفت الأشاعرة فِيهَا وَكلهمْ عَن حمى أَبى الْحسن يناضلون وبسيفه يُقَاتلُون أفتراهم يبدع بَعضهم بَعْضًا ثمَّ هَذِه الْمسَائِل لم يثبت جَمِيعهَا عَن الشَّيْخ وَلَا عَن أَبى حنيفَة رضى الله عَنْهُمَا كَمَا سأحكى لَك وَلَكِن الْكَلَام بِتَقْدِير الصِّحَّة
ولى قصيدة نونية جمعت فِيهَا هَذِه الْمسَائِل وضممت إِلَيْهَا مسَائِل اخْتلفت الأشاعرة فِيهَا مَعَ تصويب بَعضهم بَعْضًا فى أصل العقيدة ودعواهم أَنهم أَجْمَعِينَ على السّنة وَقد
ولع كثير من النَّاس بِحِفْظ هَذِه القصيدة لَا سِيمَا الْحَنَفِيَّة وَشَرحهَا من أصحابى الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة نور الدّين مُحَمَّد بن أَبى الطّيب الشيرازى الشافعى وَهُوَ رجل مُقيم فى بِلَاد كيلان ورد علينا دمشق فى سنة سبع وَخمسين وَسَبْعمائة وَأقَام يلازم حلقتى نَحْو عَام وَنصف عَام وَلم أر فِيمَن جَاءَ من الْعَجم فى هَذَا الزَّمَان أفضل مِنْهُ وَلَا أدين
وَأَنا أذكر لَك قصيدتى فى هَذَا الْكتاب لتستفيد مِنْهَا مسَائِل الْخلاف وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ
(الْورْد خدك صِيغ من إِنْسَان ... أم فى الخدود شقائق النُّعْمَان)
(وَالسيف لحظك سل من أجفانه ... فسطا كَمثل مهند وَسنَان)
(تالله مَا خلقت لحاظك بَاطِلا ... وسدى تَعَالَى الله عَن بطلَان)
(وكذاك عقلك لم يركب يَا أخى ... عَبَثا ويودع دَاخل الجثمان)
(لَكِن ليسعد أَو ليشقى مُؤمن ... أَو كَافِر فبنو الورى صنفان)
(لَو شَاءَ رَبك لاهتدى كل وَلم ... يحْتَج إِلَى حد وَلَا برهَان)
(فَانْظُر بعقلك واجتهد فالخير مَا ... تؤتاه عقل رَاجِح الْمِيزَان)
(واطلب نجاتك إِن نَفسك والهوى ... بحران فى الدركات يَلْتَقِيَانِ)
(نَار يَرَاهَا ذُو الْجَهَالَة جنَّة ... ويخوض مِنْهَا فى حميم آن)
(ويظل فِيهَا مثل صَاحب بِدعَة ... يتخيل الجنات فى النيرَان)
مِنْهَا
(كذب ابْن فاعلة يَقُول لجهله ... الله جسم لَيْسَ كالجسمان)
(لَو كَانَ جسما كَانَ كالأجسام يَا ... مَجْنُون فاصغ وعد عَن بهتان)
(وَاتبع صِرَاط الْمُصْطَفى فى كل مَا ... يأتى وخل وساوس الشَّيْطَان)
(وَاعْلَم بِأَن الْحق مَا كَانَت عَلَيْهِ ... صحابة الْمَبْعُوث من عدنان)
(من أكمل الدّين القويم وَبَين الْحجَج ... الَّتِى يهدى بهَا الثَّقَلَان)
(قد نزهوا الرَّحْمَن عَن شبه وَقد ... دانوا بِمَا قد جَاءَ فى الْفرْقَان)
(ومضوا على خير وَمَا عقدوا مجَالِس ... فى صِفَات الْخَالِق الديَّان)
(كلا وَلَا ابتدعوا وَلَا قَالُوا الْبَنَّا ... متشابه فى شكله للبانى)
(وَأَتَتْ على أَعْقَابهم عُلَمَاؤُنَا ... غرسوا ثمارا يجتنيها الجانى)
(كالشافعى وَمَالك وكأحمد ... وأبى حنيفَة وَالرِّضَا سُفْيَان)
(وكمثل إِسْحَاق وَدَاوُد وَمن ... يقفو طرائقهم من الْأَعْيَان)
(وأتى أَبُو الْحسن الإِمَام الأشعرى م ... مُبينًا للحق أى بَيَان
(ومناضلا عَمَّا عَلَيْهِ أُولَئِكَ الأسلاف ... بالتحرير والإتقان)
(مَا إِن يُخَالف مَالِكًا والشافعى م ... وَأحمد بن مُحَمَّد الشيبانى)
(لَكِن يُوَافق قَوْلهم ويزيده ... حسنا بتحقيق وَفضل بَيَان)
(يقفو طرائقهم وَيتبع حارثا ... أعنى محاسب نَفسه بوزان)
(فَلَقَد تلقى حسن منهجه عَن الْأَشْيَاخ ... أهل الدّين والعرفان)
(فلذاك تَلقاهُ لأهل الله ينصر ... قَوْلهم بمهند وَسنَان)
(مثل ابْن أدهم والفضيل وَهَكَذَا ... مَعْرُوف الْمَعْرُوف فى الإخوان)
(ذُو النُّون أَيْضا والسرى وَبشر بن ... الْحَارِث الحافى بِلَا فقدان)
(وَكَذَلِكَ الطائى ثمَّ شَقِيق البلخى ... وطيفور كَذَا الدارانى)
(والتسترى وحاتم وَأَبُو تُرَاب ... عَسْكَر فاعدد بِغَيْر توان)
(وكذاك مَنْصُور بن عمار كَذَا ... يحيى سليل معَاذ الربانى)
(فَلهُ بهم حسن اعْتِقَاد مثل مَا ... لَهُم بِهِ التأييد يَوْم رهان)
(إِذْ يجمع الخصمان يَوْم جدالهم ... وَلما تحقق يسمع الخصمان)
(لم لَا يُتَابع هَؤُلَاءِ وَشَيْخه الشَّيْخ ... الْجُنَيْد السَّيِّد الصمدانى)
(عَنهُ التصوف قد تلقى فاغتذى ... وَله بِهِ وبعلمه نوران)
(وَرَأى أَبَا عُثْمَان الحيرى والنمورى ... يَا لَهما هما الرّجلَانِ)
(وَرَأى رويما ثمَّ رام طَرِيقه ... وَأَبا الفوارس شاها الكرمانى)
(والمغربى كَذَا ابْن مَسْرُوق كَذَا البسرى ... قوم أَفرس الفرسان)
(وَأَظنهُ لم يلتق الخراز بل ... قيل التقى سمنون فى سمنان)
(وكذاك للجلاء لم ينظر وَلَا أبن ... عطا وَلَا الْخَواص ثمَّ بنان)
(وكذاك ممشاذ مَعَ الدقى مَعَ ... خير وَهَذَا غَالب الحسبان)
(وكذاك أَصْحَاب الطَّرِيقَة بعده ... ضبطوا عقائده بِكُل عنان)
(وتتلمذ الشبلى بَين يَدَيْهِ وَابْن ... خَفِيف والثقفى والكتانى)
(وخلائق كَثُرُوا فَلَا أحصيهم ... وربوا على الْيَاقُوت والمرجان)
(الْكل معتقدون أَن إلهنا ... متوحد فَرد قديم دَان)
(حى عليم قَادر مُتَكَلم ... عَال وَلَا نعنى علو مَكَان)
(باقى لَهُ سمع وإبصار يُرِيد ... جَمِيع مَا يجرى من الْإِنْسَان)
(وَالشَّر من تَقْدِيره لكنه ... عَنهُ نهاك بواضح الْبُرْهَان)
(قد أنزل الْقُرْآن وَهُوَ كَلَامه ... لفظت بِهِ للقارئ الشفتان)
(وإلهنا لَا شئ يُشبههُ وَلَيْسَ ... بمشبه شَيْئا من الْحدثَان)
(قد كَانَ مَا مَعَه قَدِيما قطّ من ... شئ وَلم يبرح بِلَا أعوان)
(خلق الْجِهَات مَعَ الزَّمَان مَعَ الْمَكَان ... الْكل مَخْلُوق على الْإِمْكَان)
(مَا إِن تحل بِهِ الْحَوَادِث لَا وَلَا ... كلا وَلَيْسَ يحل فى الجسمان)
(كذب المجسم والحلولى الكفور ... فذان فى الْبطلَان مفتريان)
(والاتحادى الجهول وَمن يقل ... بالاتحاد فَإِنَّهُ نصرانى)
(وَنَبِينَا خير الْخَلَائق أَحْمد ... ذُو الجاه عِنْد الله ذى السُّلْطَان)
(وَله الشَّفَاعَة والوسيلة والفضيلة ... واللواء وكوثر الظمآن)
(فاسأل إلهك بالنبى مُحَمَّد ... متوسلا تظفر بِكُل أَمَان)
(لَا خلق أفضل مِنْهُ لَا بشر وَلَا ... ملك وَلَا كَون من الأكوان)
(مَا الْعَرْش مَا الكرسى مَا هذى السما ... عِنْد النبى الْمُصْطَفى العدنان)
(وَالرسل بعد مُحَمَّد درجاتهم ... ثمَّ الملائك عابدو الرَّحْمَن)
(ثمَّ الصَّحَابَة مثل مَا قد رتبوا ... فَالْأَفْضَل الصّديق ذُو الْعرْفَان)
(ثمَّ الْعَزِيز السَّيِّد الْفَارُوق ثمَّ م ... اذكر محَاسِن ذى التقى عُثْمَان)
(وعَلى ابْن الْعم وَالْبَاقُونَ أهل ... الْفضل وَالْمَعْرُوف وَالْإِحْسَان)
(والأولياء لَهُم كرامات فَلَا ... تنكر تقع فى مهمه الخذلان)
(والمؤمنون يرَوْنَ رَبهم كرؤيتهم ... لبدر لَاحَ نَحْو عيان)
(هَذَا اعْتِقَاد مَشَايِخ الْإِسْلَام وَهُوَ ... الدّين فلتسمع لَهُ الأذنان)
(الأشعرى عَلَيْهِ ينصره وَلَا ... يألوا جزاه الله بِالْإِحْسَانِ)
(وكذاك حَالَته مَعَ النُّعْمَان لم ... ينْقض عَلَيْهِ عقائد الْإِيمَان)
(يَا صَاح إِن عقيدة النُّعْمَان والأشعرى ... حَقِيقَة الإتقان)
(فكلاهما وَالله صَاحب سنة ... بهدى نبى الله مقتديان)
(لاذا يبدع ذَا وَلَا هَذَا وَإِن ... تحسب سواهُ وهمت فى الحسبان)
(من قَالَ إِن أَبَا حنيفَة مبدع ... رَأيا فَذَلِك قَائِل الهذيان)
(أَو ظن أَن الأشعرى مبدع ... فَلَقَد أَسَاءَ وباء بالخسران)
(كل إِمَام مقتد ذُو سنة ... كالسيف مسلولا على الشَّيْطَان)
(وَالْخلف بَينهمَا قَلِيل أمره ... سهل بِلَا بدع وَلَا كفران)
(فِيمَا يقل من الْمسَائِل عده ... ويهون عِنْد تطاعن الأقران)
(وَلَقَد يؤول خلَافهَا إِمَّا إِلَى ... لفظ كالاستثناء فى الْإِيمَان)
الأشعرى يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله
(وكمنعه أَن السعيد يضل أَو ... يشقى ونعمة كَافِر خوان)
الأشعرى يَقُول السعيد من كتب فى بطن أمه سعيدا والشقى من كتب فى بطن أمه شقيا لَا يتبدلان
وَأَبُو حنيفَة يَقُول قد يكون سعيدا ثمَّ يَنْقَلِب وَالْعِيَاذ بِاللَّه شقيا وَبِالْعَكْسِ
وَقد قَررنَا هَذِه الْمَسْأَلَة فى كتَابنَا فى شرح عقيدة الْأُسْتَاذ أَبى مَنْصُور وَبينا اخْتِلَاف السّلف فِيهَا كاختلاف الْخلف وَأَن الْخلاف لفظى لَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة
والأشعرى يَقُول لَيْسَ على الْكَافِر نعْمَة وكل مَا يتقلب فِيهِ اسْتِدْرَاج وَأَبُو حنيفَة يَقُول عَلَيْهِ نعْمَة وَوَافَقَهُ من الأشاعرة القاضى أَبُو بكر بن الباقلانى فَهُوَ مَعَ الْحَنَفِيَّة فى هَذِه كالماتريدى مِنْهُم مَعنا فى مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء
(وَكَذَا الرسَالَة بعد موت إِن تكن ... صحت وَإِلَّا أجمع الشَّيْخَانِ)
(وَقد ادّعى ابْن هوَازن أستاذنا ... فِيهَا افتراء من عَدو شان)
(وَهُوَ الْخَبِير الثبت نقلا والإرادة ... لَيْسَ يلْزمهَا رضَا الرَّحْمَن)
(فالكفر لَا يرضى بِهِ لِعِبَادِهِ ... ويريده أَمْرَانِ مفترقان)
(وَأَبُو حنيفَة قَائِل إِن الْإِرَادَة ... وَالرِّضَا أَمْرَانِ متحدان)
(وَعَلِيهِ أكثرنا وَلَكِن لَا يَصح م ... وَقيل مَكْذُوب على النُّعْمَان)
مَسْأَلَة
إِنْكَار الرسَالَة بعد الْمَوْت معزوة إِلَى الأشعرى وهى من الْكَذِب عَلَيْهِ وَإِنَّمَا ذَكرنَاهَا وَفَاء بِمَا اشترطناه من أَنا ننظم كل مَا عزى إِلَيْهِ وَلكنه صرح بِخِلَافِهَا وَكتبه وَكتب أَصْحَابه قد طبقت طبق الأَرْض وَلَيْسَ فِيهَا شئ من ذَلِك بل فِيهَا خِلَافه
وَمن عقائدنا أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام أَحيَاء فى قُبُورهم فَأَيْنَ الْمَوْت وَقد أنكر الْأُسْتَاذ ابْن هوَازن وَهُوَ أَبُو الْقَاسِم القشيرى فى كِتَابه شكاية أهل السّنة الذى سنحكيه فى هَذِه التَّرْجَمَة بِتَمَامِهِ هَذِه وَبَين أَنَّهَا مختلقة على الشَّيْخ وَكَذَلِكَ بَين ذَلِك غَيره
وصنف البيهقى رَحمَه الله جُزْءا سمعناه فى حَيَاة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فى قُبُورهم واشتذ نَكِير الأشاعرة على من نسب هَذَا القَوْل إِلَى الشَّيْخ وَقَالُوا قد افترى عَلَيْهِ وبهته
وَأما مَسْأَلَة الرِّضَا والإرادة فَاعْلَم أَن الْمَنْقُول عَن أَبى حنيفَة اتحادهما وَعَن الأشعرى افتراقهما
وَقيل إِن أَبَا حنيفَة لم يقل بالاتحاد فيهمَا بل ذَلِك مَكْذُوب عَلَيْهِ فعلى هَذَا انْقَطع النزاع وَإِنَّمَا الْكَلَام بِتَقْدِير صِحَة الِاتِّحَاد عِنْده وَأكْثر الأشاعرة على مَا يعزى إِلَى أَبى حنيفَة من الِافْتِرَاق مِنْهُم إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيره آخِرهم الشَّيْخ محيى الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله قَالَ هما شئ وَاحِد ولكنى أَنا لَا أخْتَار ذَلِك وَالْحق عندى أَنَّهُمَا مفترقان كَمَا هُوَ مَنْصُوص الشَّيْخ أَبى الْحسن
(وكذاك إِيمَان الْمُقَلّد وَهُوَ مِمَّا ... أنكر ابْن هوَازن الربانى)
(وَلَو أَنه مِمَّا يَصح فخلفهم ... فِيهِ للفظ عَاد دون معَان)
ذكرُوا أَن شَيخنَا يَقُول إِن إِيمَان الْمُقَلّد لَا يَصح وَأنكر ذَلِك الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم وَقَالَ إِنَّه مَكْذُوب عَلَيْهِ وسنبحث عَن ذَلِك فى ذيل سِيَاق كتاب شكاية أهل السّنة وَالْقَوْل على تَقْدِير الصِّحَّة
(وكذاك كسب الأشعرى وَإنَّهُ ... صَعب وَلَكِن قَامَ بالبرهان)
(من لم يقل بِالْكَسْبِ مَال إِلَى اعتزال ... أَو مقَال الْجَبْر ذى الطغيان)
كسب الأشعرى كَمَا هُوَ مُقَرر فى مَكَانَهُ أَمر يضْطَر إِلَيْهِ من يُنكر خلق الْأَفْعَال وَكَون العَبْد مجبرا وَالْأول اعتزال والثانى جبر فَكل أحد يثبت وَاسِطَة لَكِن يعسر التَّعْبِير عَنْهَا ويمثلونها بِالْفرقِ بَين حَرَكَة المرتعش وَالْمُخْتَار وَقد اضْطربَ الْمُحَقِّقُونَ فى تَحْرِير هَذِه الْوَاسِطَة وَالْحَنَفِيَّة سَموهَا الِاخْتِيَار
والذى تحرر لنا أَن الِاخْتِيَار وَالْكَسْب عبارتان عَن معِين وَاحِد وَلَكِن الأشعرى آثر لفظ الْكسْب على لفظ الِاخْتِيَار لكَونه مَنْطُوق الْقُرْآن وَالْقَوْم آثروا لفظ الِاخْتِيَار لما فِيهِ من إِشْعَار قدرَة للْعَبد
وللقاضى أَبى بكر مَذْهَب يزِيد على مَذْهَب الأشعرى فَلَعَلَّهُ رأى الْقَوْم
ولإمام الْحَرَمَيْنِ والغزالى مَذْهَب يزِيد على المذهبين جَمِيعًا ويدنوا كل الدنو من الاعتزال وَلَيْسَ هُوَ هُوَ
ولسنا الْآن لتحرير هَذِه الْمَسْأَلَة الْعَظِيمَة الْخطب وَقد قررناها على وَجه مُخْتَصر فِي شرح مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب وعَلى وَجه مَبْسُوط فِيمَا كتبناه من أصُول الديانَات
(أَو للمعانى وَهُوَ سِتّ مسَائِل ... هَانَتْ مداركها بِدُونِ هوان)
(لله تَعْذِيب الْمُطِيع وَلَو جرى ... مَا كَانَ من ظلم وَلَا عدوان)
(متصرف فى ملكه فَلهُ الذى ... يخْتَار لَكِن جاد بِالْإِحْسَانِ)
(فنفى الْعقَاب وَقَالَ سَوف أثيبهم ... فَلهُ بِذَاكَ عَلَيْهِم فضلان)
(هَذَا مقَال الأشعرى إمامنا ... وسواه مأثور عَن النُّعْمَان)
مَا قدمنَا من الْمسَائِل وَمِنْه مَا لم يَصح كَمَا عرفت هُوَ لفظى كُله لَا فَائِدَة للْخلاف فِيهِ
وَمن هُنَا الْمسَائِل المعنوية وهى سِتّ مسَائِل وَقد عرفنَا أَن الشَّيْخ الإِمَام كَانَ يَقُول إِن عقيدة الطحاوى لم تشْتَمل إِلَّا على ثَلَاث وَلَكنَّا نَحن جَمعنَا الثَّلَاث الْأُخَر من كَلَام الْقَوْم
أَولهَا أَن الرب تَعَالَى لَهُ عندنَا أَن يعذب الطائعين ويثيب العاصين كل نعْمَة مِنْهُ فضل وكل نقمة مِنْهُ عدل لَا حجر عَلَيْهِ فى ملكه وَلَا داعى لَهُ إِلَى فعله وَعِنْدهم يجب تَعْذِيب العاصى وإثابة الْمُطِيع وَيمْتَنع الْعَكْس
(وَوُجُوب معرفَة الْإِلَه الأشعرى ... يَقُول ذَاك بشرعة الديَّان)
(وَالْعقل لَيْسَ بحاكم لَكِن لَهُ الْإِدْرَاك ... لَا حكم على الْحَيَوَان)
(وقضوا بِأَن الْعقل يُوجِبهَا وفى ... كتب الْفُرُوع لصحبنا وَجْهَان)
(وَبِأَن أَوْصَاف الفعال قديمَة ... لَيست بحادثة على الْحدثَان)
(وَبِأَن مَكْتُوب الْمَصَاحِف منزل ... عين الْكَلَام الْمنزل الْقُرْآن)
(وَالْبَعْض أنكر ذَا فَإِن يصدق فقد ... ذهبت من التعداد مَسْأَلَتَانِ)
(هذى وَمَسْأَلَة الْإِرَادَة قبلهَا ... أَمْرَانِ فِيمَا قيل مكذوبان)
(وكما انْتَفَى هَذَانِ عَنْهُم هَكَذَا ... عَنَّا انْتَفَى مِمَّا يُقَال اثْنَان)
(قَالُوا وَلَيْسَ بجائز تَكْلِيف مَا ... لَا يُسْتَطَاع فَتى من الفتيان)
(وَعَلِيهِ من أَصْحَابنَا شيخ العراقى ... وَحجَّة الْإِسْلَام ذُو الإتقان)
(وَرَوَاهُ مُجْتَهد الزَّمَان مُحَمَّد بن ... دَقِيق عيد وَاضح السبلان)
منعُوا تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق وَوَافَقَهُمْ من أَصْحَابنَا الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفراينى شيخ الْعِرَاقِيّين وَحجَّة الْإِسْلَام الغزالى وَشَيخ الْإِسْلَام تقى الدّين مُحَمَّد ابْن على بن دَقِيق الْعِيد القوصى رَحِمهم الله تَعَالَى أَجْمَعِينَ
(قَالُوا وتمتنع الصَّغَائِر من نبى ... للإله وَعِنْدنَا قَولَانِ)
(وَالْمَنْع مروى عَن الْأُسْتَاذ والقاضى ... عِيَاض وَهُوَ ذُو رُجْحَان)
(وَبِه أَقُول وَكَانَ مَذْهَب والدى ... دفعا لرتبتهم عَن النُّقْصَان)
(والأشعرى إمامنا لكننا ... فى ذَا نخالفه بِكُل لِسَان)
(ونقول نَحن على طَرِيقَته وَلَكِن ... صَحبه فى ذَاك طَائِفَتَانِ)
(بل قَالَ بعض الأشعرية إِنَّهُم ... بُرَآء معصومون من نِسْيَان)
(وَالْكل معدودون من أَتْبَاعه ... لَا يخرجُون بذا عَن الإذعان)
(وَأَبُو حنيفَة هَكَذَا مَعَ شَيخنَا ... لَا شئ بَينهمَا من النكران)
(متناصران وَذَا اخْتِلَاف هَين ... عَار عَن التبديع والخذلان)
(هَذَا الإِمَام وَقَبله القَاضِي يَقُولَانِ ... البقا لحقيقة الرَّحْمَن)
(وهما كَبِيرا الأشعرية وَهُوَ قَالَ ... بزائد فى الذَّات للإمكان)
(وَالشَّيْخ والأستاذ متفقان فى ... عقد وفى أَشْيَاء مُخْتَلِفَانِ)
(وَكَذَا ابْن فورك الشَّهِيد وَحجَّة الْإِسْلَام ... خصما الْإِفْك والبهتان)
(وَابْن الْخَطِيب وَقَوله إِن الْوُجُود ... يزِيد وَهُوَ الأشعرى الثانى)
(وَالِاخْتِلَاف فى الِاسْم هَل هُوَ والمسمى ... وَاحِد لَا اثْنَان أَو غيران)
(والأشعرية بَينهم خلف إِذا ... عدت مسَائِله على الْإِنْسَان)
(بلغت مئين وَكلهمْ ذُو سنة ... أخذت عَن الْمَبْعُوث من عدنان)
(وَغدا يُنَادى كلنا من جملَة الأتباع ... للأسلاف بِالْإِحْسَانِ)
(والأشعرى إمامنا وَالسّنة الغراء ... سنتنا مدى الْأَزْمَان)
(وكذاك أهل الرَّأْي مَعَ أهل الحَدِيث ... فى الِاعْتِقَاد الْحق متفقان)
(مَا إِن يكفر بَعضهم بَعْضًا وَلَا ... أزرى عَلَيْهِ وسامه بهوان)
(إِلَّا الَّذين تمعزلوا مِنْهُم فهم ... فِيهِ تنحت عَنْهُم الفئتان)
(هَذَا الصَّوَاب فَلَا تَظنن غَيره ... واعقد عَلَيْهِ بخنصر وبنان)
(وَرَأَيْت مِمَّن قَالَه حبر لَهُ ... نبأ عَظِيم سَار فى الْبلدَانِ)
(أعنى أَبَا مَنْصُور الْأُسْتَاذ عبد ... القاهر الْمَشْهُور فى الأكوان)
(هَذَا صِرَاط الله فَاتبعهُ تَجِد ... فى الْقلب برد حلاوة الْإِيمَان)
(وتراه يَوْم الْحَشْر أَبيض وَاضحا ... يهدى إِلَيْك رسائل الغفران)
(وَعَلِيهِ كَانَ السَّابِقُونَ عَلَيْهِم ... حلل الثَّنَاء وملبس الرضْوَان)
(والشافعى وَمَالك وَأَبُو حنيفَة ... وَابْن حَنْبَل الْكَبِير الشان)
(درجوا عَلَيْهِ وخلفونا إثرهم ... إِن نتبعهم نَجْتَمِع بجنان)
(أَو نبتدع فلسوف نصلى النَّار مذمومين ... مدحورين بالعصيان)
(وَالْكفْر منفى فلست مكفرا ... ذَا بِدعَة شنعاء فى النيرَان)
(بل كل أهل الْقبْلَة الْإِيمَان يجمعهُمْ ... ويفترقون كالوحدان)
(فأجارنا الرَّحْمَن بالهادى النبى م ... مُحَمَّد من ناره بِأَمَان)
(صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا وضح الضُّحَى ... وبدا بديجور الدجى النسران)
(والآل والصحب الْكِرَام وَمِنْهُم الصّديق ... والفاروق مَعَ عُثْمَان)
(وعَلى ابْن الْعم وَالْبَاقُونَ إِنَّهُم م ... النُّجُوم لمقتد حيران)
شرح حَال الْفِتْنَة الَّتِى وَقعت بِمَدِينَة نيسابور قَاعِدَة بِلَاد خُرَاسَان إِذْ ذَاك فى الْعلم وَكَيف آلت إِلَى خُرُوج إِمَام الْحَرَمَيْنِ والحافظ البيهقى والأستاذ أَبى الْقَاسِم القشيرى من نيسابور ثمَّ كَيفَ كَانَت الدائرة على من رام مَذْهَب الأشعرى بِسوء وَكَيف قصمه الله
كَانَ سُلْطَان الْوَقْت إِذْ ذَاك السُّلْطَان طغرلبك السلجوقى وَكَانَ رجلا حنفيا سنيا خيرا عادلا محببا إِلَى أهل الْعلم من كبار الْمُلُوك وعظمائهم وَهُوَ أول مُلُوك السلجوقية وَكَانَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَهُوَ الذى أرسل الشريف نَاصِر بن إِسْمَاعِيل رَسُولا إِلَى ملكة الرّوم فاستأذنها بِالصَّلَاةِ فى جَامع الْقُسْطَنْطِينِيَّة جمَاعَة يَوْم الْجُمُعَة فصلى وخطب للْإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله وتمهدت الْبِلَاد لطغرلبك وسمت نَفسه بِحَيْثُ وصل أمره إِلَى أَن سير إِلَى الْخَلِيفَة الْقَائِم يخْطب ابْنَته وَذَلِكَ فى ذَلِك الزَّمَان مقَام مهول فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة واستعفى ثمَّ لم يجد بدا من ذَلِك لِعَظَمَة طغرلبك وَكَونه ملكا قاهرا لَا يُطَاق فَزَوجهُ بهَا وَقدم بَغْدَاد فى سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وَأرْسل يطْلبهَا وَحمل مائَة ألف دِينَار برسم نقل جهازها فَعمل الْعرس فى صفر بدار المملكة وأجلست على سَرِير ملبس بِالذَّهَب وَدخل السُّلْطَان وَقبل الأَرْض بَين يَديهَا وَلم يكْشف البرقع عَن وَجههَا إِذْ ذَاك وَقدم لَهَا تحفا وخدم وَانْصَرف مَسْرُورا وَكَانَ لهَذَا السُّلْطَان وَزِير سوء وَهُوَ وزيره أَبُو نصر مَنْصُور بن مُحَمَّد الكندرى كَانَ معتزليا رَافِضِيًّا خَبِيث العقيدة لم يبلغنَا أَن أحدا جمع لَهُ من خبث العقيدة مَا اجْتمع لَهُ فَإِنَّهُ على مَا ذكر كَانَ يَقُول بِخلق الْأَفْعَال وَغَيره من قبائح الْقَدَرِيَّة وَسَب الشَّيْخَيْنِ وَسَائِر الصَّحَابَة وَغير ذَلِك من قبائح شَرّ الروافض وتشبيهه الله بخلقه وَغير ذَلِك من قبائح الكرامية والمجسمة وَكَانَ لَهُ مَعَ ذَلِك تعصب عَظِيم وانضم إِلَى كل هَذَا أَن رَئِيس الْبَلَد الْأُسْتَاذ أَبَا سهل بن الْمُوفق الذى سنذكر إِن شَاءَ الله تَرْجَمته فى الطَّبَقَة الرَّابِعَة كَانَ ممدحا جوادا ذَا أَمْوَال جزيلة وصدقات دارة وهبات هائلة رُبمَا وهب الْألف دِينَار لسائل وَكَانَ مرفوقا بالوزارة وداره مُجْتَمع الْعلمَاء ملتقى الْأَئِمَّة من الْفَرِيقَيْنِ الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة فى دَاره يتناظرون وعَلى سماطه يتلقمون وَكَانَ عَارِفًا بأصول الدّين على مَذْهَب الأشعرى قَائِما فى ذَلِك مناضلا فى الذب عَنهُ فَعظم ذَلِك على الكندرى بِمَا فى نَفسه من الْمَذْهَب وَمن بغض ابْن الْمُوفق بِخُصُوصِهِ وخشيته مِنْهُ أَن يثب على الوزارة فَحسن للسُّلْطَان لعن المبتدعة على المنابر فَعِنْدَ ذَلِك أَمر السُّلْطَان بِأَن تلعن المبتدعة على المنابر فَاتخذ الكندرى ذَلِك ذَرِيعَة إِلَى ذكر الأشعرية وَصَارَ يقصدهم بالإهانة والأذى وَالْمَنْع عَن الْوَعْظ والتدريس وعزلهم عَن خطابة الْجَامِع واستعان بطَائفَة من الْمُعْتَزلَة الَّذين زَعَمُوا أَنهم يقلدون مَذْهَب أَبى حنيفَة أشربوا فى قُلُوبهم فضائح الْقَدَرِيَّة وَاتَّخذُوا التمذهب بِالْمذهبِ الحنفى سياجا عَلَيْهِم فحببوا إِلَى السُّلْطَان الإزراء بِمذهب الشافعى عُمُوما وبالأشعرية خُصُوصا
وَهَذِه هى الْفِتْنَة الَّتِى طَار شررها فَمَلَأ الْآفَاق وَطَالَ ضررها فَشَمَلَ خُرَاسَان وَالشَّام والحجاز وَالْعراق وَعظم خطبهَا وبلاؤها وَقَامَ فِي سبّ أهل السّنة خطيبها وسفهاؤها إِذْ أدّى هَذَا الْأَمر إِلَى التَّصْرِيح بلعن أهل السّنة فى الْجمع وتوظيف سبهم على المنابر وَصَارَ لأبى الْحسن كرم الله وَجهه بهَا أُسْوَة لعلى بن أَبى طَالب كرم الله وَجهه فى زمن بعض بنى أُميَّة حَيْثُ استولت النواصب على المناصب واستعلى أُولَئِكَ السُّفَهَاء فى المجامع والمراتب
فَقَامَ أَبُو سهل فى عصبَة الْحق وشمر عَن ساعد الْجد بِحَقِيقَة الصدْق وَتردد إِلَى الْعَسْكَر فى دفع ذَلِك وَمَا أَفَادَ شئ من التَّدْبِير إِذْ كَانَ الْخصم الْحَاكِم وَالسُّلْطَان محجبا إِلَّا بوساطة ذَلِك الْوَزير ثمَّ جَاءَ الْأَمر من قبل السُّلْطَان طغرلبك بِالْقَبْضِ على الرئيس الفراتى والأستاذ أَبى الْقَاسِم القشيرى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وأبى سهل بن الْمُوفق ونفيهم ومنعهم عَن المحافل وَكَانَ أَبُو سهل غَائِبا إِلَى بعض النواحى وَلما قرئَ الْكتاب بنفيهم أغرى بهم الغاغة والأوباش فَأخذُوا بالأستاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي والفراتي يجرونهما ويستخفون بهما وحبسا بالقهندر
وَأما إِمَام الْحَرَمَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ أحس بِالْأَمر واختفى وَخرج على طَرِيق كرمان الى الْحجاز وَمن ثمَّ جاور وَسمي إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَبَقِي الْقشيرِي والفراتي معترقين مسجونين أَكثر من شهر فتهيأ أَبُو سهل بن الْمُوفق من نَاحيَة باخرز وَجمع من أعوانه رجَالًا عارفين بِالْحَرْبِ وأتى بَاب الْبَلَد وَطلب إِخْرَاج الفراتى والقشيرى فَمَا أُجِيب بل هدد بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ بِمُقْتَضى مَا تقدم من مرسوم السُّلْطَان فَلم يلْتَفت وعزم على دُخُول الْبَلَد لَيْلًا وإخراجهما مجاهرة وَكَانَ متولى الْبَلَد قد تهَيَّأ للحرب فزحف أَبُو سهل لَيْلًا إِلَى قَرْيَة لَهُ على بَاب الْبَلَد وَدخل مغافصة إِلَى دَاره وَصَاح من مَعَه بالنعرات الْعَالِيَة فَلَمَّا أَصْبحُوا ترددت الرُّسُل والنصحاء فى الصُّلْح وأشاروا على الْأَمِير بِإِطْلَاق الْأُسْتَاذ والرئيس فَأبى وبرز بِرِجَالِهِ وَقصد محلّة أَبى سهل فَقَامَ وَاحِد من أعوان أَبى سهل إِلَّا أَنه بعداد ألف وضرغام إِلَّا أَنه فى زى إِنْسَان واستدعى مِنْهُ كِفَايَة تِلْكَ الثائرة وَأَتَاهُ وَأَصْحَابه وادنوا لَهُم فَالْتَقوا فى السُّوق وَثَبت هَؤُلَاءِ حَتَّى فرغ نشاب أُولَئِكَ وتأنى الْحق حَتَّى انْقَضتْ ترهات الْبَاطِل ثمَّ حمل أَصْحَاب ابْن الْمُوفق على أُولَئِكَ حَملَة رجل وَاحِد فهزموهم بِإِذن الله وجرحوا أَمِير الْبَلَد وهمو بأسره ثمَّ توَسط النَّاس ودخلوا على أَبى سهل فى تسكين الْفِتْنَة وإطفاء الثائرة وَأتوا بالأستاذ والرئيس إِلَى دَاره وَقَالُوا قد حصل الْقَصْد وَأخرج هَذَانِ من الْحَبْس
فَلَمَّا انتصر أَبُو سهل وَتمّ لَهُ مَا ابْتغى تشَاور هُوَ وَأَصْحَابه فِيمَا بَينهم وَعَلمُوا أَن مُخَالفَة السُّلْطَان لَهَا تبعة وَأَن الْخُصُوم لَا ينامون فاتفقوا على مهاجرة الْبَلَد إِلَى نَاحيَة أستواء ثمَّ يذهبون إِلَى الْملك وبقى بعض الْأَصْحَاب بالنواحى مفرقين وَذهب أَبُو سهل إِلَى المعسكر وَكَانَ على مَدِينَة الرى وَخرج خَصمه من الْجَانِب الآخر فتوافيا بالرى وانْتهى إِلَى السُّلْطَان مَا جرى وسعى بأصحاب الشافعى وبالإمام أَبى سهل خُصُوصا فَقبض على أَبى سهل وَحبس فى بعض القلاع وَأخذت أَمْوَاله وبيعت ضيَاعه ثمَّ فرج عَنهُ وَخرج وَحج
فَهَذَا مَا كَانَ من الْفِتْنَة وَكَانَ هَذَا السُّلْطَان مَعَ دينه وخيره مِمَّن لم يمهله الله بعد إِذْنه بالسب وبحبس القشيرى وَلم يمْكث بعد هَذِه الْوَاقِعَة الشنيعة واتفاق هَذِه الفضيحة الفظيعة إِلَّا زَمنا يَسِيرا وَتوفى وتسلطن بعده وَلَده السُّلْطَان الْأَعْظَم عضد الدولة أَبُو شُجَاع ألب أرسلان
وَلم يلبث الكندري إِلَّا يَسِيرا وَقتل شَرّ قتلة وَجعل كل جُزْء من أَعْضَائِهِ فى نَاحيَة وَلذَلِك شرح يطول لسنا لَهُ الْآن
وأسفر صباح الزَّمَان عَن طلعة الْوَزير نظام الْملك فَقَامَ فى نصْرَة الدّين قيَاما مؤزرا وَعَاد الْحق معززا موقرا وَأمر بِإِسْقَاط ذكر السب وتأديب من فعله
ذكر أُمُور اتّفقت فى هَذِه الْفِتْنَة وَكَيف كَانَ حَال عُلَمَاء الْمُسلمين واغتمامهم بهَا
أما أهل خُرَاسَان من نيسابور ونواحيها ومرو وَمَا والاها فَإِنَّهُم أخرجُوا فَمنهمْ من جَاءَ إِلَى الْعرَاق وَمِنْهُم من جَاءَ إِلَى الْحجاز
فَمِمَّنْ حج الْحَافِظ أَبُو بكر البيهقى والأستاذ أَبُو الْقَاسِم القشيرى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المعالى الجوينى وخلائق يُقَال جمعت تِلْكَ السّنة أَرْبَعمِائَة قَاض من قُضَاة الْمُسلمين من الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة هجروا بِلَادهمْ بِسَبَب هَذِه الْوَاقِعَة وتشتت فكرهم يَوْم رُجُوع الْحَاج فَمن عازم على الْمُجَاورَة وَمن محير فى أمره لَا يدرى أَيْن يذهب فاتفقت كلمتهم على أَن الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم يَعْلُو الْمِنْبَر وَيتَكَلَّم عَلَيْهِم قيل فَصَعدَ وشخص فى السَّمَاء زَمَانا وأطرق زَمَانا ثمَّ قبض على لحيته وَقَالَ يَا أهل خُرَاسَان بِلَادكُمْ بِلَادكُمْ إِن الكندرى غريمكم قطع إربا إربا وَفرقت أعضاؤه وَهَا أَنا أشاهده السَّاعَة وَأنْشد
(عميد الْملك ساعدك الليالى ... على مَا شِئْت من دَرك المعالى)
(فَلم يَك مِنْك شئ غير أَمر ... بلعن الْمُسلمين على التوالى)
(فقابلك الْبلَاء بِمَا تلاقى ... فذق مَا تسْتَحقّ من الوبال)
فضبط التَّارِيخ فَكَانَ فى ذَلِك الْيَوْم بِعَيْنِه وَتلك السَّاعَة بِعَينهَا قد أَمر السُّلْطَان بِأَن يقطع إربا إربا وَأَن يُوصل إِلَى كل مَكَان مِنْهُ عُضْو يدْفن فِيهِ فَفعل بِهِ ذَلِك
ذكر استفتاء كتب فى ذَلِك وَأرْسل إِلَى الْعرَاق
قد كَانَ الْحَال لَو وفْق الله ولى الْأَمر وَمن يطْلب الْحق غَنِيا عَن ذَلِك إِذْ فى وجود مثل إِمَام الْحَرَمَيْنِ على ظهر الأَرْض غنية عَن استفتاء غَيره من الْفُقَهَاء وَإنَّهُ ليقبح بِأَهْل إقليم فيهم إِمَام الْحَرَمَيْنِ بل بِأَهْل عصر أَن تقع لَهُم نازلة فَلَا يصغون إِلَى فتياه ويكتبون إِلَى النواحى يستفتون كَيفَ وَقد كَانَ مَعَه البيهقى مُحدث زَمَانه
والقشيرى سيد وقته وخلائق يطول تعدادهم من عُلَمَاء الْأمة وَبِالْجُمْلَةِ كتبُوا استفتاء وأرسلوه إِلَى بَغْدَاد فَلم يبْق حنفى وَلَا شافعى إِلَّا وَبَالغ فى الْكتاب وعظمت عَلَيْهِ هَذِه الرزية وَقد قدمنَا ذكر بعض فتاويهم وَلَا نطيل بالباقى ففى الْقَلِيل غنية عَن الْكثير
ذكر كتاب البيهقى إِلَى عميد الْملك
قد سَاق ابْن عَسَاكِر جَمِيعه وَنحن نأتى على أَكْثَره
كَانَ البيهقى بِمَدِينَة بيهق فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ الْخَبَر شقّ عَلَيْهِ وَكَانَ مُحدث زَمَانه وَشَيخ السّنة فى وقته فَكتب إِلَى عميد الْملك مَا أخبرتنا بِهِ أَسمَاء بنت صصرى فى كتابها عَن مكى بن عَلان أَن الْحَافِظ أَبَا الْقَاسِم أنبأه قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد بن حبيب العامرى الْحَافِظ قَالَ أخبرنَا شيخ الْقُضَاة أَبُو على إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن الْحُسَيْن البيهقى أخبرنَا والدى الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن قَالَ سَلام الله وَرَحمته وَبَرَكَاته على الشَّيْخ العميد وإنى أَحْمد إِلَيْهِ الله الذى لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحده لَا شريك لَهُ وأصلى على رَسُوله مُحَمَّد وعَلى آله أما بعد فَإِن الله جلّ ثَنَاؤُهُ بفضله وجوده يُؤْتى من يَشَاء من عباده ملك مَا يُرِيد من بِلَاده ثمَّ يهدى من يَشَاء مِنْهُم إِلَى صراطه ويوفقه للسعى فى مرضاته وَيجْعَل لَهُ فِيمَا يَتَوَلَّاهُ وَزِير صدق يومى إِلَيْهِ بِالْخَيرِ ويحض عَلَيْهِ ومعين حق يُشِير إِلَيْهِ بِالْبرِّ ويعين عَلَيْهِ ليفوز الْأَمِير والوزير مَعًا بِفضل الله فوزا عَظِيما وينالا من نعْمَته حظا جسيما وَكَانَ الْأَمِير أدام الله دولته مِمَّن آتَاهُ الله الْملك وَالْحكمَة وَالشَّيْخ العميد أدام الله سيادته مِمَّن جعل الله لَهُ وَزِير صدق إِن نسى ذكره وَإِن ذكر أَعَانَهُ كَمَا أخبر سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل أَمِير أَرَادَ الله بِهِ خيرا فَعَادَت بجميل نظر الْأَمِير أدام الله أَيَّامه وَحسن رعايته وسياسته بِلَاد خُرَاسَان إِلَى الصّلاح بعد الْفساد وطرقها إِلَى الْأَمْن بعد الْخَوْف حَتَّى انْتَشَر ذكره بالجميل فى الْآفَاق وأشرقت الأَرْض بِنور عدله كل الْإِشْرَاق وَلذَلِك قَالَ سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا روى عَنهُ (السُّلْطَان ظلّ الله وَرمحه فى الأَرْض) وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام فِيمَا روى عَنهُ (يَوْم من إِمَام عَادل أفضل من عبَادَة سِتِّينَ سنة) وَقَالَ عبد الله بن الْمُبَارك
(لَوْلَا الْأَئِمَّة لم تأمن لنا سبل ... وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا)
زَاده الله تأييدا وتسديدا وَزَاد من يؤازره فى الْخَيْر ويحثه عَلَيْهِ تَوْفِيقًا وتسديدا ثمَّ إِنَّه أعز الله نَصره صرف همته الْعَالِيَة إِلَى نصر دين الله وقمع أَعدَاء الله بعد مَا تقرر للكافة حسن اعْتِقَاده بتقرير خطباء أهل مَمْلَكَته على لعن من اسْتوْجبَ اللَّعْن من أهل الْبدع ببدعته وأيس أهل الزيغ عَن زيغه عَن الْحق وميله عَن الْقَصْد فَألْقوا فى سَمعه مَا فِيهِ مساءة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة كَافَّة ومصيبتهم عَامَّة من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة الَّذين لَا يذهبون فى التعطيل مَذَاهِب الْمُعْتَزلَة وَلَا يسلكون فى التَّشْبِيه طرق المجسمة فى مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا ليتسلوا بالأسوة مَعَهم فى هَذِه المساءة عَمَّا يسوؤهم من اللَّعْن والقمع فى هَذِه الدولة المنصورة ثبتها الله وَنحن نرجو عثوره عَن قريب على مَا قصدُوا ووقوفه على مَا أَرَادوا فيستدرك بِتَوْفِيق الله مَا بدر مِنْهُ فِيمَا ألْقى إِلَيْهِ وَيَأْمُر بتعزيز من زور عَلَيْهِ وقبح صُورَة الْأَئِمَّة بَين يَدَيْهِ وَكَأَنَّهُ خفى عَلَيْهِ أدام الله عزه حَال شَيخنَا أَبى الْحسن الأشعرى رَحْمَة الله عَلَيْهِ ورضوانه وَمَا يرجع إِلَيْهِ من شرف الأَصْل وَكبر الْمحل فى الْعلم وَالْفضل وَكَثْرَة الْأَصْحَاب من الْحَنَفِيَّة والمالكية وَالشَّافِعِيَّة الَّذين رَغِبُوا فى علم الْأُصُول وأحبوا معرفَة دَلَائِل الْعُقُول وَالشَّيْخ العميد أدام الله توفيقه أولى أوليائه وأحراهم بتعريفه حَاله وإعلامه فَضله لما يرجع إِلَيْهِ من الْهِدَايَة والدراية والشهامة والكفاية مَعَ صِحَة العقيدة وَحسن الطَّرِيقَة
وفضائل الشَّيْخ أَبى الْحسن ومناقبه أَكثر من أَن يُمكن ذكرهَا فى هَذِه الرسَالَة لما فى الإطالة من خشيَة الملالة لكنى أذكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى من شرفه بآبائه وأجداده وفضله بِعِلْمِهِ وَحسن اعْتِقَاده وَكبر مَحَله بِكَثْرَة أَصْحَابه مَا يحملهُ على الذب عَنهُ وَعَن أَتْبَاعه
ثمَّ أَخذ البيهقى فى ذكر تَرْجَمَة الشَّيْخ وَذكر نسبه ثمَّ قَالَ إِلَى أَن بلغت النّوبَة إِلَى شَيخنَا أَبى الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله فَلم يحدث فى دين الله حَدثا وَلم يَأْتِ فِيهِ ببدعة بل أَخذ أقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة فى أصُول الدّين فنصرها بِزِيَادَة شرح وتبيين وَأَن مَا قَالُوا وَجَاء بِهِ الشَّرْع فى الْأُصُول صَحِيح فى الْعُقُول بِخِلَاف مَا زعم أهل الْأَهْوَاء من أَن بعضه لَا يَسْتَقِيم فى الآراء فَكَانَ فى بَيَانه وثبوته مَا لم يدل عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونصرة أقاويل من مضى من الْأَئِمَّة كأبى حنيفَة وسُفْيَان الثورى من أهل الْكُوفَة والأوزاعى وَغَيره من أهل الشَّام
وَمَالك والشافعى من أهل الْحَرَمَيْنِ وَمن نحا نَحْوهمَا من أهل الْحجاز وَغَيرهَا من سَائِر الْبِلَاد وكأحمد بن حَنْبَل وَغَيره من أهل الحَدِيث وَاللَّيْث بن سعد وَغَيره وأبى عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البخارى وأبى الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النيسابورى إمامى أهل الْآثَار وحفاظ السّنَن الَّتِى عَلَيْهَا مدَار الشَّرْع إِلَى أَن قَالَ
وَصَارَ رَأْسا فى الْعلم من أهل السّنة فى قديم الدَّهْر وَحَدِيثه وَبِذَلِك وعد سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمته فِيمَا روى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة أَنه قَالَ (يبْعَث الله لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا) ثمَّ سَاق حَدِيث الْأَشْعَرِيين وَإِشَارَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَبى مُوسَى وَقد قدمنَا ذَلِك إِلَى أَن قَالَ
وَحين كثرت المبتدعة فى هَذِه الْأمة وَتركُوا ظَاهر الْكتاب وَالسّنة وأنكروا مَا ورد أَنه من صِفَات الله تَعَالَى نَحْو الْحَيَاة وَالْقُدْرَة وَالْعلم والمشيئة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام والبقاء وجحدوا مادلا عَلَيْهِ من الْمِعْرَاج وَعَذَاب الْقَبْر وَالْمِيزَان وَأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان وَأَن أهل الْإِيمَان يخرجُون من النيرَان وَمَا لنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحَوْض والشفاعة وَمَا لأهل الحنة من الرُّؤْيَة وَأَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة كَانُوا محقين فِيمَا قَامُوا بِهِ من الْولَايَة وَزَعَمُوا أَن شَيْئا من ذَلِك لَا يَسْتَقِيم على الْعقل وَلَا يَصح على الرأى أخرج الله من نسل أَبى مُوسَى الأشعرى رضى الله عَنهُ إِمَامًا قَامَ بنصرة دين الله وجاهد بِلِسَانِهِ وَبَيَانه من صد عَن سَبِيل الله وَزَاد فى التَّبْيِين لأهل الْيَقِين أَن مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة مُسْتَقِيم على الْعُقُول الصَّحِيحَة
إِلَى أَن قَالَ بعد ذكر حَدِيث عمرَان بن الْحصين الذى قدمْنَاهُ فَمن تَأمل هَذِه الْأَحَادِيث وَعرف مَذْهَب شَيخنَا أَبى الْحسن فى علم الْأُصُول وَعرف تبحره فِيهِ أبْصر صنع الله عزت قدرته فى تَقْدِيم هَذَا الأَصْل الشريف لما ذخر لِعِبَادِهِ من هَذَا الْفَرْع المنيف الذى أَحْيَا بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة وَجعله خلف حق لسلف صدق
ثمَّ انْدفع فى بَقِيَّة الرسَالَة وختمها بسؤاله العميد فى إطفاء الثائرة وَترك السب وتأديب من يَفْعَله
وَقد سَاق الْحَافِظ الْكتاب بمجموعة كَمَا عرفناك فَإِن أردْت الْوُقُوف عَلَيْهِ كُله فَعَلَيْك بِكِتَاب التَّبْيِين وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ مِنْهُ مقنع وبلاغ
وَقد تضمن هَذَا الْكتاب وقائله من علمت من الْحِفْظ وَالدّين والورع والاطلاع والمعرفة والثقة وَالْأَمَانَة والتثبت أَن الصَّحَابَة وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان من عُلَمَاء الْأمة فقهائها ومحدثيها على عقيدة الأشعرى بل الأشعرى على عقيدتهم قَامَ وناضل عَنْهَا وَحمى حوزتها من أَن تنالها أيدى المبطلين وتحريف الغالين وَقد سمى من الْفُقَهَاء والمحدثين من سَمِعت
ذكر رِسَالَة القشيرى إِلَى الْبِلَاد الْمُسَمَّاة شكاية أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة
وَقد جالت هَذِه الرسَالَة فى الْبِلَاد وانزعجت نفوس أهل الْعلم مِنْهَا وَقَامَ كل مِنْهُم بِحَسب قوته وَدخلت بيهق فَوقف عَلَيْهَا الْحَافِظ البيهقى ولبى دعوتها وَكتب الرسَالَة إِلَى العميد الَّتِى انفصلنا الْآن عَنْهَا ثمَّ دخلت بَغْدَاد فَكتب الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشيرازى من الشَّافِعِيَّة والقاضى الدامغانى من الْحَنَفِيَّة وَغَيرهمَا من الْفَرِيقَيْنِ مَا أدَّت الْقُدْرَة إِلَيْهِ
وَقد أورد الْحَافِظ بعض هَذِه الرسَالَة فى كِتَابه وَنحن نرى أَن نوردها كلهَا فَإِنَّهُ يخْشَى على مثلهَا الضّيَاع إِذا تَمَادى الزَّمَان فَإِن هَذَا شَأْن المصنفات اللطاف لَا سِيمَا مَا يغِيظ أهل الْبَاطِل فَإِنَّهُم يبادرون إِلَى إِعْمَال الْحِيلَة فى إعدامه
لقد كَانَ عِنْد الشَّيْخ الإِمَام نُسْخَة من كتاب تَبْيِين كذب المفترى لَا يحسن الرائى أَن يقْرَأ مِنْهَا حرفا لما هُوَ مَكْتُوب فى حواشيها وَبَين أسطرها من أُمُور لَا تتَعَلَّق بِالْكتاب بِخَط بعض فضلاء الْحَنَابِلَة الَّذين يَلْمِزُونَ بِبَعْض الأشاعرة فَسَأَلت الشَّيْخ الإِمَام فَقَالَ هَذِه النُّسْخَة شريتها من تَرِكَة الْحَافِظ سعد الدّين الحارثى وَكَأَنَّهُم كَانُوا يُرِيدُونَ إعدامها وَلَكِن كتاب التَّبْيِين كثير الْعدَد 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 أهل السّنة بحكاية مَا نالهم من المحنة تخبر عَن بثة مكروب ونفثة مغلوب وَشرح ملم مؤلم
وذكرمهم موهم وَبَيَان خطب قَادِح وَشر سانح للقلوب جارح رَفعهَا عبد الْكَرِيم ابْن هوَازن القشيرى رَحمَه الله إِلَى الْعلمَاء الْأَعْلَام لجَمِيع بِلَاد الْإِسْلَام
أما بعد
فَإِن الله تَعَالَى إِذا أَرَادَ أمرا قدره فَمن ذَا الذى أمسك مَا سيره أَو قدم مَا أَخّرهُ أَو عَارض حكمه فَغَيره أَو غَلبه على أَمر فقهره كلا بل هُوَ الله الْوَاحِد القهار الْمَاجِد الْجَبَّار
وَمِمَّا ظهر بِبِلَاد نيسابور من قضايا التَّقْدِير فى مفتتح سنة خمس وَأَرْبَعين وَأَرْبَعمِائَة من الْهِجْرَة مَا دَعَا أهل الدّين إِلَى شقّ صُدُور صبرهم وكشف قناع ضيرهم بل ظلت الْملَّة الحنيفية تَشْكُو غليلها وتبدى عويلها وتنصب عزالى رَحْمَة الله على من يستمع شكوها وتصغى مَلَائِكَة السَّمَاء حَتَّى تندب شجوها
ذَلِك مِمَّا أحدث من لعن إِمَام الدّين وسراج ذوى الْيَقِين محيى السّنة وقامع الْبِدْعَة وناصر الْحق وناصح الْخلق الزكى الرضى أَبى الْحسن الأشعرى قدس الله روحه وَسَقَى بِالرَّحْمَةِ ضريحه وَهُوَ الذى ذب عَن الدّين بأوضح حجج وسلك فى قمع الْمُعْتَزلَة وَسَائِر أَنْوَاع المبتدعة أبين مَنْهَج واستنفد عمره فى النَّضْح عَن الْحق فأورث الْمُسلمين بعد وَفَاته كتبه الشاهدة بِالصّدق
وَلَقَد سَمِعت الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أَبَا على الْحسن بن على الدقاق رَحْمَة الله عَلَيْهِ يَقُول سَمِعت أَبَا على زَاهِر بن أَحْمد الْفَقِيه رَحْمَة الله عَلَيْهِ يَقُول مَاتَ أَبُو الْحسن الأشعرى رَحمَه الله وَرَأسه فى حجرى وَكَانَ يَقُول متْنا فى حَال نَزعه من دَاخل حلقه فأدنيت إِلَيْهِ رأسى وأصغيت إِلَى مَا كَانَ يقرع سمعى وَكَانَ يَقُول لعن الله الْمُعْتَزلَة موهوا ومخرقوا
وَإِنَّمَا كَانَ أَبُو الْحسن الأشعرى رَحمَه الله يتَكَلَّم فى أصُول الدّين على جِهَة الرَّد على أهل الزيغ والبدع تأديا بِمَا أوجب الله سُبْحَانَهُ على الْعلمَاء من النَّضْح عَن الدّين وكشف تمويه الْمُلْحِدِينَ والمبتدعين بِمَا زَالُوا عَن النهج الْمُسْتَقيم
وَلَقَد سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازى الصوفى رَحمَه الله يَقُول سَمِعت بعض أَصْحَاب أَبى عبد الله بن خَفِيف الشيرازى رَحْمَة الله عَلَيْهِم يَقُول سَمِعت أَبَا عبد الله بن خَفِيف رَحمَه الله يَقُول دخلت الْبَصْرَة فى أَيَّام شبابى لأرى أَبَا الْحسن الأشعرى رَحْمَة الله عَلَيْهِ لما بلغنى خَبره فَرَأَيْت شَيخا بهى المنظر فَقلت لَهُ أَيْن منزل أَبى الْحسن الأشعرى فَقَالَ وَمَا الذى تُرِيدُ مِنْهُ فَقلت أحب أَن أَلْقَاهُ فَقَالَ ابتكر غَدا إِلَى هَذَا الْموضع قَالَ فابتكرت فَلَمَّا رَأَيْته تَبعته فَدخل دَار بعض وُجُوه الْبَلَد فَلَمَّا أبصروه أكْرمُوا مَحَله وَكَانَ هُنَاكَ جمع من الْعلمَاء ومجلس نظر فأقعدوه فى الصَّدْر فَلَمَّا شرع فى الْكَلَام دخل هَذَا الشَّيْخ فَأخذ يرد عَلَيْهِ ويناظره حَتَّى أَفْحَمَهُ فَقضيت الْعجب من علمه وفصاحته فَقلت لبَعض من كَانَ عندى من هَذَا الشَّيْخ فَقَالَ أَبُو الْحسن الأشعرى فَلَمَّا قَامُوا تَبعته فَالْتَفت إِلَى وَقَالَ يَا فَتى كَيفَ رَأَيْت الأشعرى فخدمته وَقلت يَا سيدى كَمَا هُوَ فى مَحَله
وَلَكِن مَسْأَلَة قَالَ قل يَا بنى فَقلت مثلك فى فضلك وعلو منزلتك كَيفَ لم تسال وَيسْأل غَيْرك فَقَالَ أَنا لَا أَتكَلّم مَعَ هَؤُلَاءِ ابْتِدَاء وَلَكِن إِذا خَاضُوا فى ذكر مَا لَا يجوز فى دين الله رددنا عَلَيْهِم بِحكم مَا فرض الله علينا من الرَّد على مخالفى الْحق وعَلى هَذِه الْجُمْلَة سيرة السّلف أَصْحَاب الحَدِيث الْمُتَكَلِّمين مِنْهُم فى الرَّد على الْمُخَالفين وَأهل الشّبَه والزيغ
وَلما من الله الْكَرِيم على أهل الْإِسْلَام ببركات السُّلْطَان الْمُعظم الْمُحكم بِالْقُوَّةِ السماوية فى رِقَاب الْأُمَم الْملك الْأَجَل شاهنشاه يَمِين خَليفَة الله وغياث عباد الله طغرلبك أَبى طَالب مُحَمَّد بن مِيكَائِيل أَطَالَ الله عمره موفقا مَعْصُوما بقاه وأدام بالتسديد نعماه وَقَامَ بإحياء السّنة والمناضلة عَن الْملَّة حَتَّى لم يبْق من أَصْنَاف المبتدعة حزبا إِلَّا سل لاستئصالهم سَيْفا عضبا وأذاقهم ذلا وخسفا وعقب لآثارهم نسفا حرجت صُدُور أهل الزيغ عَن تحمل هَذِه النقم وضاق صدرهم عَن مقاساة هَذَا الْأَلَم ومنوا بلعن أنفسهم على رُءُوس الأشهاد بألسنتهم وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ بانفرادهم بالوقوع فى مهواة محنتهم فسولت لَهُم أنفسهم أمرا وظنوا أَنهم بِنَوْع تلبيس وَضرب تَدْلِيس يَجدونَ لعسرهم يسرا فسعوا إِلَى عالى مجْلِس السُّلْطَان الْمُعظم أعز الله نَصره بِنَوْع نميمة ونسبوا الأشعرى إِلَى مَذَاهِب ذميمة وحكوا عَنهُ مقالات لَا يُوجد فى كتبه مِنْهَا حرف وَلم ير فى المقالات المصنفة للمتكلمين الموافقين والمخالفين من وَقت الْأَوَائِل إِلَى زَمَاننَا هَذَا لشئ مِنْهَا حِكَايَة وَلَا وصف
بل كل ذَلِك تَصْوِير بتزوير وبهتان بِغَيْر تَقْرِير وَإِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة إِذا لم تستحى فَاصْنَعْ مَا شِئْت
وَلما رفعنَا إِلَى الْمجْلس العالى زَاده الله إشراقا هَذِه الظلامة وكشفنا قناع هَذِه الخطة وَذكرنَا أَن هَذِه المقالات لم تسمع من أَلْسِنَة هَذِه الزمرة وَلم يُوجد شئ فى كتبهمْ من هَذِه الْجُمْلَة وَلَا حكى فى الْكتب المصنفة فى مقالات الْمُتَكَلِّمين حرف من هَذِه الْأَقَاوِيل بل كَانَ الْجَواب إِنَّا إِنَّمَا نوعز بلعن الأشعرى الذى قَالَ هَذِه المقالات على هَذِه الصّفة فَإِن لم يبينوا بهَا وَلم يقل الأشعرى شَيْئا مِنْهَا فَلَا عَلَيْك مَا نقُول وَلَا يلحقكم ضَرَر مِمَّا نصْنَع فَقُلْنَا الأشعرى الذى هُوَ مَا حكيتم وَكَانَ بِمَا ذكرْتُمْ لم يخلقه الله بعد وَمَا مَحل هَذَا إِلَّا مَحل من حكى عَن أَئِمَّة السّلف أَنهم دانوا بالبدع ونسبهم إِلَى الضلال وَالْخَطَأ فَإِذا قيل لَهُ فى ذَلِك يَقُول إِنَّمَا أَقُول لفُلَان الذى قَالَ مَا نسبته إِلَيْهِ ودان بِهَذَا الذى قلت وَمَات عَلَيْهِ الْكيس لَا يرضى مِنْهُ بذلك وَلَا يغضى على ذَلِك
ثمَّ أَخذنَا فى سَبِيل الاستعطاف جَريا فى دفع السَّيئَة بالتى هى أحسن فَلم تسمع لنا حجَّة وَلم تقض لنا حَاجَة وَلَا حِيلَة لنا فى التَّوَسُّط بَيْننَا على من بعده فى مَذْهَب وَاحِد عصره فأغضينا على قذى الِاحْتِمَال واستنمنا إِلَى مَعْهُود الْمُوَافقَة فى أصُول الدّين بَين الْفَرِيقَيْنِ فحضرنا مَجْلِسه وَلم نشك أَنا لَا ننصرف إِلَّا وَشَمل الدّين مُنْتَظم وَشعب الْوِفَاق فى الْأُصُول ملتئم وَأَن كلنا على قمع الْمُعْتَزلَة وقهر المبتدعة يَد وَاحِدَة وَأَن لَيْسَ بَين الْفَرِيقَيْنِ فى الْأُصُول خلاف فَأول مَا سألناه بِأَن قُلْنَا هَل صَحَّ عِنْده عَن الأشعرى هَذِه المقالات الَّتِى تحكى فَقَالَ لَا غير أَنى لَا أستجيز الْخَوْض فى هَذِه الْمسَائِل الكلامية وَأَمْنَع النَّاس عَنْهَا وأنهى وَلَا يجوز اللَّعْن عندى على أهل الْقبْلَة لشئ مِنْهَا وَصرح بِأَنَّهُ لَيْسَ يعلم أَنه قَالَ هَذِه الْمسَائِل الَّتِى تحكى عَنهُ أم لَا ثمَّ قَالَ فى خلال كَلَامه إِن الأشعرى عندى مُبْتَدع وَأَنه فى الْبِدْعَة يزِيد على الْمُعْتَزلَة فحين سمعنَا ذَلِك تحيرنا ونفينا وَسَمعنَا غير مَا ظننا وشاهدنا مَا لَو أخبرنَا بِهِ مَا صدقنا ورأينا بالعيان مَا لَو رَأَيْنَاهُ فى الْمَنَام لقلنا أضغاث أَحْلَام فسبحان الله كَيفَ صرح بِأَنَّهُ لَا يعرف مَذْهَب رجل على الْحَقِيقَة وَصَحَّ عِنْده مقَالَته ثمَّ يبدعه من غير تحقق بمقالته ثمَّ انصرفنا
وَمَا نقموا من الأشعرى إِلَّا أَنه قَالَ بِإِثْبَات الْقدر لله خَيره وشره ونفعه وضره وَإِثْبَات صِفَات الْجلَال لله من قدرته وَعلمه وإرادته وحياته وبقائه وسَمعه وبصره وَكَلَامه وَوَجهه وَيَده وَأَن الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق وَأَنه تَعَالَى مَوْجُود تجوز رُؤْيَته وَأَن إِرَادَته نَافِذَة فى مراداته وَمَا لَا يخفى من مسَائِل الْأُصُول الَّتِى تخَالف طَرِيقه طَرِيق الْمُعْتَزلَة والمجسمة فِيهَا وَإِذا لم يكن فى مَسْأَلَة لأهل الْقبْلَة غير قَول الْمُعْتَزلَة وَقَول الأشعرى قَول زَائِد فَإِذا بَطل قَول الأشعرى فَهَل يتَعَيَّن بِالصِّحَّةِ أَقْوَال الْمُعْتَزلَة وَإِذا بَطل الْقَوْلَانِ فَهَل هَذَا إِلَّا تَصْرِيح بِأَن الْحق مَعَ غير أهل الْقبْلَة وَإِذا لعن الْمُعْتَزلَة والأشعرى فى مَسْأَلَة لَا يخرج قَول الْأمة عَن قوليهما فَهَل هَذَا إِلَّا لعن جَمِيع أهل الْقبْلَة
معاشر الْمُسلمين الغياث الغياث سعوا فى إبِْطَال الدّين وَرَأَوا هدم قَوَاعِد الْمُسلمين وهيهات هَيْهَات {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره} وَقد وعد الله للحق نَصره وظهوره وللباطل محقه وثبوره إِلَّا أَن كتب الأشعرى فى الْآفَاق مبثوثة ومذاهبه عِنْد أهل السّنة من الْفَرِيقَيْنِ مَعْرُوفَة مَشْهُورَة فَمن وَصفه بالبدعة علم أَنه غير محق فى دَعْوَاهُ وَجَمِيع أهل السّنة خَصمه فِيمَا افتراه
فَأَما مَا حكى عَنهُ وَعَن أَصْحَابه أَنهم يَقُولُونَ إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بنبى فى قَبره وَلَا رَسُول بعد مَوته فبهتان عَظِيم وَكذب مَحْض لم ينْطق مِنْهُم أحد وَلَا سمع فى مجْلِس مناظرة ذَلِك عَنْهُم وَلَا وجد ذَلِك فى كتاب لَهُم وَكَيف يَصح ذَلِك وَعِنْدهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فى قَبره قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} فَأخْبر سُبْحَانَهُ بِأَن الشُّهَدَاء أَحيَاء عِنْد رَبهم والأنبياء أولى بذلك لتقاصر رُتْبَة الشَّهِيد عَن دَرَجَة النُّبُوَّة قَالَ الله تَعَالَى {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} فرتبة الشُّهَدَاء ثَالِث دَرَجَة النُّبُوَّة
وَلَقَد وَردت الْأَخْبَار الصَّحِيحَة والْآثَار المروية بِمَا تدل الشَّهَادَة على هَذِه الْجُمْلَة
فَمن ذَلِك مَا أخبرنَا بِهِ أَبُو سعيد مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله الأديب حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن حَاتِم حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الصَّباح الصاغانى حَدثنَا ابْن جعْشم عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن السَّائِب عَن زَاذَان عَن ابْن مَسْعُود
عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِن لله تَعَالَى مَلَائِكَة سياحين فى الأَرْض تبلغنى عَن أمتى السَّلَام) وَلَا يبلغ السَّلَام إِلَّا وَيكون حَيا
وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد النسوى حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس الْحسن بن سُفْيَان الشيبانى النسوى حَدثنَا هِشَام ابْن خَالِد حَدثنَا الْحسن بن يحيى حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز عَن يزِيد بن أَبى مَالك عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا من نبى يَمُوت فيقيم فى قَبره إِلَّا أَرْبَعِينَ صباحا حَتَّى ترد إِلَيْهِ روحه)
وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الثقفى أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن هَارُون بن مُحَمَّد بن هَارُون الْعَطَّار حَدثنَا أَبُو على الْحسن بن على بن عِيسَى المقبرى أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ حَدثنَا حَيْوَة بن شُرَيْح عَن أَبى صَخْر المدنى عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط عَن أَبى هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (مَا من أحد يسلم على إِلَّا رد الله عز وَجل على روحى حَتَّى أرد عَلَيْهِ السَّلَام)
دلّ الْخَبَر على أَن الْمَيِّت لَا يعلم حَتَّى ترد إِلَيْهِ الرّوح وَدلّ على أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فى قَبره
وَأخْبرنَا أَبُو الْحُسَيْن على بن مُحَمَّد بن عبد الله بن بَشرَان بِبَغْدَاد أخبرنَا أَبُو جَعْفَر
مُحَمَّد بن عَمْرو البخترى حَدثنَا عِيسَى بن عبد الله الطيالسى حَدثنَا الْعَلَاء ابْن عَمْرو الحنفى حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن عَن الْأَعْمَش عَن أَبى صَالح عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (من صلى على عِنْد قبرى سمعته وَمن صلى على نَائِيا أبلغته)
وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَقِيه أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن أَحْمد النسوي أخبرنَا الْحسن بن سُفْيَان حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا أَبُو الْمُعْتَمِر وثابت البنانى عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أتيت على مُوسَى لَيْلَة أسرى بى عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر وَهُوَ قَائِم يصلى فى قَبره)
وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد الْكَاتِب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصفار حَدثنَا تمْتَام مُحَمَّد بن غَالب حَدثنَا مُوسَى حَدثنَا سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أتيت وَأَنا فى أهلى فَانْطَلقُوا بى إِلَى زَمْزَم وَشرح صدرى ثمَّ غسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أتيت بطست من ذهب ممتلئة إِيمَانًا وَحكما فحشى بِهِ صدرى) قَالَ أنس وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرينا أَثَره (فعرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ الْملك قَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل
قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم
قَالَ فَفتح فَإِذا آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من ولد ومرحبا بك من رَسُول
ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل
قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا عِيسَى وَيحيى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَقَالَا مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول
ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا
قَالَ جِبْرِيل
قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم
قَالَ فَفتح فَإِذا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول
ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا
قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك
قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم
قَالَ فَفتح فَإِذا أدريس عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول
ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالَ من ذَا
قَالَ جِبْرِيل قَالَ وَمن مَعَك
قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَقد بعث
قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا هَارُون عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول
ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك فَقَالَ من ذَا
قَالَ جِبْرِيل
قَالَ وَمن مَعَك قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم
قَالَ فَفتح فَإِذا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من أَخ ومرحبا بك من رَسُول
ثمَّ عرج بى الْملك إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ الْملك قَالَ من ذَا قَالَ جِبْرِيل
قَالَ وَمن مَعَك
قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ وَقد بعث قَالَ نعم قَالَ فَفتح فَإِذا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ مرْحَبًا بك من رَسُول الْخَبَر بِطُولِهِ
فَدلَّ هَذَا الْخَبَر على أَنهم عَلَيْهِم السَّلَام أَحيَاء
وَلَقَد روى الْحسن بن قُتَيْبَة المدائنى وعد ذَلِك فى أَفْرَاده عَن الْمُسلم بن سعيد الثقفى عَن الْحجَّاج بن الْأسود عَن ثَابت البنانى عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فى قُبُورهم يصلونَ)
فَإِذا ثَبت أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى فالحى لابد من أَن يكون إِمَّا عَالما أَو جَاهِلا وَلَا يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاهِلا قَالَ تَعَالَى فى صفته {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى} وَقَالَ {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه}
فَثَبت أَنه مُؤمن ورتبة النُّبُوَّة رُتْبَة الشّرف وعلو الْمنزلَة وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزْدَاد كل يَوْم شرفا ورتبة إِلَى الْأَبَد فَكيف لَا يكون عَارِفًا وَلَا نَبيا
وَالرَّسُول فعول بِمَعْنى الْمُرْسل وَلَا نَظِير لَهُ فى اللُّغَة والإرسال كَلَام الله وَكَلَامه قديم وَهُوَ قبل أَن خلق كَانَ رَسُولا بإرسال الله وفى حَالَة الْيَوْم وَإِلَى الْأَبَد رَسُول لبَقَاء كَلَامه وَقدم قَوْله واستحالة الْبطلَان على إرْسَاله الذى هُوَ كَلَامه وَلَقَد سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ مَتى كنت نَبيا فَقَالَ (وآدَم منجدل فى طينته)
وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الْكَاتِب حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصفار حَدثنَا يَعْقُوب بن غيلَان حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهدى حَدثنَا
مُعَاوِيَة بن صَالح عَن سعيد بن سُوَيْد عَن عبد الْأَعْلَى بن هِلَال السلمى عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إنى لخاتم النَّبِيين وَإِن آدم منجدل فى طينته)
وَأخْبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد حَدثنَا أَحْمد بن عبد حَدثنَا مُحَمَّد بن غَالب حَدَّثَنى مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن بديل بن ميسرَة وَعَن عبد الله بن شَقِيق عَن ميسرَة الْفجْر قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَتى كنت نَبيا قَالَ (وآدَم بَين الرّوح والجسد)
فَإِن قيل فَمن أَيْن وَقعت هَذِه الْمَسْأَلَة إِن لم يكن لَهَا أصل قيل إِن بعض الكرامية مَلأ الله قَبره نَارا وظنى أَن الله قد فعل ألزم بعض أَصْحَابنَا وَقَالَ إِذا كَانَ عنْدكُمْ الْمَيِّت فى حَال مَوته لَا يحس وَلَا يعلم فَيجب أَن يكون النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى قَبره غير مُؤمن لِأَن الْإِيمَان عنْدكُمْ الْمعرفَة والتصديق وَالْمَوْت ينافى ذَلِك فَإِذا لم يكن لَهُ علم وتصديق لَا يكون لَهُ إِيمَان وَمن لَا يكون مُؤمنا لَا يكون نَبيا وَلِأَن عِنْدهم الْإِيمَان الْإِقْرَار الْفَرد وَذَلِكَ قَوْلهم لما قَالَ الله لَهُم {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} وَزَعَمُوا أَن قَوْلهم {بلَى} بَاقٍ وَالْإِيمَان ذَلِك وفى حَال الْمَوْت عِنْدهم الْمَيِّت يحس وَيعلم وَقَوله {بلَى} بَاقٍ عينه
وَهَذِه الْمذَاهب لَهُم مَعَ ركاكتها وفسادها غير ملزمة لنا مَا ألزمونا لِأَن عندنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حى يحس وَيعلم وَتعرض عَلَيْهِ أَعمال الْأمة ويبلغ الصَّلَاة وَالسَّلَام على مَا بَينا ثمَّ الأشعرى لَا يخْتَص بقوله إِن الْمَيِّت لَا يحس وَلَا يعلم فَإِن أحدا من الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم من الْمُتَكَلِّمين سوى الكرامية لم يقل إِن الْمَيِّت يحس وَيعلم وَغير الكرامية لم يقل أحد إِن الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد وَهُوَ قَوْلهم {بلَى} وَلم يقل أحد سواهُم إِن ذَلِك الْإِقْرَار الذى هُوَ {بلَى} مَوْجُود وَإِن قَالَ كثير من النَّاس بِبَقَاء بعض
الْأَعْرَاض وَجَوَاب الأشعرى كجواب جَمِيع النَّاس عَن هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ ركاكتها وَفَسَاد قواعدها
وَاعْلَمُوا رحمكم الله أَن مَا يلْزمه الْخصم بِدَعْوَاهُ فَيَقُول هَذَا على أصلكم وَمُقْتَضى علتكم يلزمكم فَلَا يجوز أَن ينْسب ذَلِك إِلَى صَاحب الْمَذْهَب فَيُقَال هَذَا مَذْهَب فلَان وَمَا عرُوض هَذَا إِلَّا عرُوض من قَالَ إِن مَذْهَب الحنفى أَن الْوضُوء بِالْخمرِ جَائِز فى السّفر لِأَنَّهُ إِذا جوز التوضى بالنبيذ على وصف يلْزمه أَن يجوز فى الْخمر لاشْتِرَاكهمَا فى الْعلَّة وَهُوَ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مُسكر فَمثل هَذَا الْإِلْزَام لَا يَصح أَن ينْسب بِهِ الحنفى أَن يَقُول يجوز التوضى فى السّفر بِالْخمرِ عِنْد عدم المَاء
كَذَلِك إِذا قَالُوا إِن مَذْهَب الأشعرى أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بِنَبِي فى قَبره لِأَنَّهُ يلْزمه حِين قَالَ إِن الْمَيِّت لَا يحس وَلَا يعلم أَن يَقُول إِنَّه لَيْسَ بعالم وَلَا نبى وَمن قَالَ هَذَا كَانَ كَاذِبًا وَكَانَ قَوْله بهتانا فَليعلم ذَلِك يزل الْإِيهَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَأما مَا قَالُوهُ إِن مذْهبه أَنه يَقُول إِن الله لَا يجازى المطيعين على إِيمَانهم وطاعاتهم وَلَا يعذب الْكفَّار والعصاة على كفرهم ومعاصيهم فَذَلِك أَيْضا بهتان وَتقول وَكَيف يَصح من قَول أحد يقر بِالْقُرْآنِ وَالله تَعَالَى يَقُول فى مُحكم كِتَابه {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَيَقُول {ذَلِك جزيناهم بِمَا كفرُوا} وَيَقُول {جَزَاء من رَبك عَطاء حسابا} وَيَقُول {كَذَلِك نجزي من شكر} وَغير ذَلِك من الْآيَات وَلَيْسَ الْخلاف فى ذَلِك وَإِنَّمَا الْخلاف فى أَن الْمُعْتَزلَة وَمن سلك سبيلهم فى التَّعْدِيل والتجوير زَعَمُوا أَنه يجب على الله تَعَالَى أَن يثيب المطيعين وَيجب عَلَيْهِ أَن يعذب العاصين
فطاعة المطيعين عِلّة فى استحقاقهم ثَوَابه وزلات العاصين عِلّة فى استحقاقهم عِقَابه
وَقَالَ أهل السّنة من الأشعرية وَمن جَمِيع من خَالف الْمُعْتَزلَة إِن الله سُبْحَانَهُ لَا يجب عَلَيْهِ شئ وَقَالُوا إِن الْخلق خلقه وَالْملك ملكه وَالْحكم حكمه فَلهُ أَن يتَصَرَّف فى الْعباد بِمَا يَشَاء وَله أَن يُوصل الْأَلَم إِلَى من يَشَاء ويوصل اللَّذَّة إِلَى من يَشَاء وَأَنه يثيب الْمُؤمنِينَ ووعد لَهُم الْجنَّة وَقَوله صدق فَلَا محَالة أَنه يجازيهم ويثيبهم وَلَو لم يعدهم عَن طاعاتهم الثَّوَاب لم يكن يجب للْعَبد عَلَيْهِ شئ فَإِنَّهُ توعد العصاة بالعقوبة على معاصيهم على ذَلِك لِأَن وعيده حق وَلَو لم يعذبهم وَلم يتوعدهم لَكَانَ ذَلِك جَائِزا إِلَّا أَن الله سُبْحَانَهُ قَالَ فى صفة نَفسه {فعال لما يُرِيد} فالمطيعون لَا محَالة لَهُم جَزَاء الطَّاعَات وَلَكِن بِفضل الله عَلَيْهِم لَا باستحقاقهم والعاصون لَا محَالة لَهُم على معاصيهم مَا توعدهم بِهِ من الْعقَاب لَكِن لحكمة لَا باستحقاقهم فالطاعات والمعاصى عَلَامَات للثَّواب وَالْعِقَاب لَا علل وَلَا مُوجبَات وَمن صرح فى مُخَالفَة هَذَا فقد أقرّ بالإعتزال وَالْقدر وَلَقَد أخبر الله سُبْحَانَهُ عَن أهل الْجنَّة أَنهم يَقُولُونَ {الَّذِي أحلنا دَار المقامة من فَضله}
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا}
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا أفأنت تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين}
وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها وَلَكِن حق القَوْل مني لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ}
وَقَالَ تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ}
أخبرنَا أَبُو نعيم عبد الْملك بن الْحسن بن مُحَمَّد الإسفراينى أخبرنَا أَبُو عوَانَة يَعْقُوب
ابْن إِسْحَاق حَدثنَا سعيد بن مَسْعُود المروزى السلمى أخبرنَا النَّضر عَن شهيل أخبرنَا ابْن عون عَن مُحَمَّد عَن أَبى هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَيْسَ أحد مِنْكُم ينجيه عمله) قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا إِن يتغمدنى الله مِنْهُ برحمة ومغفرة)
أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك رَحْمَة الله عَلَيْهِ أَن عبد الله ابْن جَعْفَر أخْبرهُم حَدثنَا يُونُس بن حبيب حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطيالسى حَدثنَا ابْن أَبى ذِئْب عَن سعيد عَن أَبى هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (مَا مِنْكُم أحد ينجيه عمله) قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ (وَلَا أَنا إِلَّا إِن يتغمدنى الله مِنْهُ برحمة)
وَهَذِه الْمَسْأَلَة من شعب مَسْأَلَة الْقدر وَأهل الْحق لَا يَقُولُونَ بِوُجُوب شئ على الله وَيَقُولُونَ لله أَن يحكم على عباده بِمَا يرد وَيخْتَص من يَشَاء بِالرَّحْمَةِ ويخص من يَشَاء بالألم والشدة وَلَو لم يعد أهل الطَّاعَات بالثواب لم يتَوَجَّه لأحد عَلَيْهِ حق وَلَو ابْتَدَأَ الْخلق بِالْعَذَابِ لم يلْحقهُ فِيهِ لوم
وَلَقَد روى ابْن الديلمى رَحمَه الله قَالَ أتيت أَبى بن كَعْب رضى الله عَنهُ فَقلت إِنَّه وَقع فى نفسى شئ من الْقدر فحدثنى بشئ لَعَلَّ الله أَن يذهب من قلبى فَقَالَ لَو أَن الله عز وَجل عذب أهل سماواته وَأهل أرضه عذبهم وَهُوَ غير ظَالِم لَهُم وَلَو رَحِمهم كَانَت رَحمته خيرا لَهُم من أَعْمَالهم وَلَو أنفقت مثل أحد ذَهَبا مَا قبله الله عز وَجل مِنْك حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ وَتعلم أَن مَا أخطأك لم يكن ليصيبك وَمَا أَصَابَك لم يكن ليخطئك وَلَو مت على غير هَذَا دخلت النَّار
ثمَّ لقِيت عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ مثل ذَلِك
ثمَّ لقِيت حُذَيْفَة بن الْيَمَان فَقَالَ مثل ذَلِك
ثمَّ لقِيت زيد بن ثَابت فحدثنى عَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل ذَلِك
وَلَقَد أخبرنَا أَبُو الْحسن على بن أَحْمد الأهوازى أخبرنَا أَحْمد بن عبد الصفار حَدثنَا بشر بن مُوسَى حَدثنَا حجاج حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش الحمصى حَدثنَا عمر بن عبيد الله مولى غفرة عَن رجل من الْأَنْصَار عَن حُذَيْفَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يكون قوم يَقُولُونَ لَا قدر أُولَئِكَ مجوس هَذِه الْأمة فَإِن مرضوا فَلَا تعودوهم وَإِن مَاتُوا فَلَا تشهدوهم فَإِنَّهُم شيعَة الدَّجَّال وَحقّ على الله أَن يلحقهم بِهِ)
وَأخْبرنَا على بن أَحْمد أخبرنَا أَحْمد بن عبد حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف بن هِشَام حَدثنَا مُحرز بن عون عَن حسان بن إِبْرَاهِيم الكرمانى عَن نصر عَن قَتَادَة عَن أَبى حسان الْأَعْرَج عَن نَاجِية بن كَعْب عَن عبد الله بن مَسْعُود رضى الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (خلق الله يحيى فى بطن أمه مُؤمنا وَخلق الله فِرْعَوْن فى بطن أمه كَافِرًا)
فَالْحَمْد لله الذى أوضح سَبِيل الدّين بحججه وَهدى للحق سالكى نهجه وخذل أهل الْبدع حَتَّى فضحوا أنفسهم بنصرة الْبَاطِل وَظهر لجَمِيع أهل السّنة مَا كَانَ ملتبسا عَلَيْهِم من أَحْوَالهم الخافية
وَأما مَا يَقُولُونَ عَن الأشعرى أَن مذْهبه أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام لم يسمع كَلَام الله عز وَجل فسبحان الله كَيفَ لَا يستحيى من يأتى بِمثل هَذَا الْبُهْتَان الذى يشْهد بتكذيبه كل مُخَالف وموافق إِن حد مَا يجوز أَن يسمع عِنْد الأشعرى هُوَ الْمَوْجُود وَكَلَام الله عِنْده قديم فَكيف يَقُول لَا يجوز أَن يسمع كَلَام الله وَقد قَالَ الله سُبْحَانَهُ
{وكلم الله مُوسَى تكليما} ومذهبه أَن الله تَعَالَى أفرد مُوسَى فى وقته بِأَن أسمعهُ كَلَام نَفسه بِغَيْر وَاسِطَة وَلَا على لِسَان رَسُول وَإِنَّمَا لَا يَصح هَذَا على أصُول الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ إِن كَلَام الله مَخْلُوق فى الشَّجَرَة ومُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يسمع كَلَامه وَقَالَ الأشعرى لَو كَانَ كَلَامه سُبْحَانَهُ فى الشَّجَرَة لَكَانَ الْمُتَكَلّم بذلك الْكَلَام الشَّجَرَة فالقدرية قَالُوا إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سمع كلَاما من الشَّجَرَة فلزمهم أَن يَقُولُوا إِنَّه سمع كَلَام الشَّجَرَة لَا كَلَام الله وَهَذَا كَمَا قيل فى الْمثل رمتنى بدائها وانسلت وَمن نسب إِلَى أحد قولا لم يسمعهُ يَقُوله وَلَا أحد حكى أَنه سَمعه يَقُول ذَلِك وَلَا وجد ذَلِك فى كتبه وَلم يقلهُ أحد من أَصْحَابه وَلم يناظر عَلَيْهِ أحد مِمَّن ينتحل مذْهبه وَلَا وجد فى كتب المقالات لموافق وَلَا مُخَالف أَن ذَلِك مذْهبه علم أَنه بهتان وَكذب وَقد قَالَ الله تَعَالَى فى قصَّة الْإِفْك {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} وَهَذِه مضاهية لتِلْك ونعوذ بِاللَّه من رقة الدّين وَقلة الْحيَاء
وَأما مَا قَالُوا إِن مذْهبه أَن الْقُرْآن لم يكن بَين الدفتين وَلَيْسَ الْقُرْآن فى الْمُصحف عِنْده فَهَذَا أَيْضا تشنيع فظيع وتلبيس على الْعَوام
إِن الأشعرى وكل مُسلم غير مُبْتَدع يَقُول إِن الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى الْمَصَاحِف لَا على الْمجَاز وَمن قَالَ إِن الْقُرْآن لَيْسَ فى الْمَصَاحِف على هَذَا الْإِطْلَاق فَهُوَ مُخطئ بل الْقُرْآن مَكْتُوب فى الْمُصحف على الْحَقِيقَة وَالْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ قديم غير مَخْلُوق وَلم يزل الْقَدِيم سُبْحَانَهُ بِهِ متكلما وَلَا يزَال بِهِ قَائِما وَلَا يجوز الِانْفِصَال على الْقُرْآن عَن ذَات الله وَلَا الْحُلُول فى الْمحَال وَكَون الْكَلَام مَكْتُوبًا على
الْحَقِيقَة فى الْكتاب لَا يقتضى حُلُوله فِيهِ وَلَا انْفِصَاله عَن ذَات الْمُتَكَلّم قَالَ الله سُبْحَانَهُ {النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} فالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَكَذَلِكَ الْقُرْآن على الْحَقِيقَة مَكْتُوب فى الْمَصَاحِف مَحْفُوظ فى قُلُوب الْمُؤمنِينَ مقروء متلو على الْحَقِيقَة بألسنة القارئين من الْمُسلمين كَمَا أَن الله تَعَالَى على الْحَقِيقَة لَا على الْمجَاز معبود فى مَسَاجِدنَا مَعْلُوم فى قُلُوبنَا مَذْكُور بألسنتنا وَهَذَا وَاضح بِحَمْد الله وَمن زاغ عَن هَذِه الطَّرِيقَة فَهُوَ قدرى معتزلى يَقُول بِخلق الْقُرْآن وَأَنه حَال فى الْمُصحف نَظِير مَا قَالُوا إِنَّه لما أسمع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَلَامه خلق كَلَامه فى الشَّجَرَة وَهَذَا من فضائح الْمُعْتَزلَة الَّتِى لَا يخفى فَسَادهَا على مُحَصل وَذَلِكَ أَن عِنْد الجبائى الذى هُوَ رَئِيس الْقَدَرِيَّة البصرية أَن الْقُرْآن يحل فى جَمِيع الْمَصَاحِف وَلَا يزْدَاد بِزِيَادَة الْمَصَاحِف وَلَا ينقص بنقصانها وَهُوَ حَال فى حَالَة وَاحِدَة فى ألف ألف مصحف وَإِذا زيد فى الْمَصَاحِف يحصل فِيهَا وَإِذا نقصت الْمَصَاحِف وَبَطلَت لم يبطل الْكَلَام وَلم ينقص وَلَئِن لم يكن هَذَا قولا متناقضا فَاسِدا فَلَا محَال فى الدُّنْيَا
وَأما البغداديون من الْمُعْتَزلَة فعندهم كَلَام الله عز وَجل كَانَ أعراضا حِين خلقه وَالْقُرْآن عِنْدهم كَانَ أعراضا وَلَا يجوز عِنْدهم الْبَقَاء على الْأَعْرَاض فعلى مَذْهَبهم لَيْسَ لله إِلَّا كَلَام مَوْجُود على الْحَقِيقَة وَالْقُرْآن الذى أنزلهُ الله عز وَجل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بباق الْيَوْم وَلَا مَوْجُود وَمن ينتحل مثل هَذِه الْبدع ثمَّ يرْمى خَصمه بِمَا هُوَ برِئ مِنْهُ فَالله سُبْحَانَهُ حسيبه وَجَمِيع أهل التَّحْصِيل شُهَدَاء على بَهته
وَأما مَا قَالُوا إِن الأشعرى يَقُول بتكفير الْعَوام فَهُوَ أَيْضا كذب وزور وَقصد من يتعنت بذلك تحريش الجهلة وَالَّذين لَا تَحْصِيل لَهُم عَلَيْهِ كعادة من لَا تَحْصِيل لَهُ فى تَقوله بِمَا لَا أصل لَهُ وَهَذَا أَيْضا من تلبيسات الكرامية على الْعَوام وَمن لَا تَحْصِيل لَهُ
فَإِنَّهُم يَقُولُونَ الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد وَمن لَا يَقُول الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار انسد عَلَيْهِ طَرِيق التَّمْيِيز بَين الْمُؤمن وَبَين الْكَافِر لأَنا إِنَّمَا نفرق بَينهمَا بِهَذَا الْإِقْرَار وَغير الكرامية من غير أهل الْقبْلَة لَا يجوز هَذَا السُّؤَال وَجَمِيع أهل الْقبْلَة سوى الكرامية فى الْجَواب عَن هَذَا السُّؤَال متساوون
وَذَلِكَ أَن الْإِيمَان عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث جَمِيع الطَّاعَات فَرضهَا ونفلها والانتهاء عَن جَمِيع مَا نهى الله عَنهُ تَحْرِيمًا وتنزيها
وَعند أَبى الْحسن الأشعرى رَحمَه الله الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق وَهَذَا مَذْهَب أَبى حنيفَة رضى الله عَنهُ وَالظَّن بِجَمِيعِ عوام الْمُسلمين أَنهم يصدقون الله تَعَالَى فى إخْبَاره وَأَنَّهُمْ عارفون بِاللَّه مستدلون عَلَيْهِ بآياته فَأَما مَا تنطوى عَلَيْهِ العقائد ويستكن فى الْقُلُوب من الْيَقِين وَالشَّكّ فَالله تَعَالَى أعلم بِهِ وَلَيْسَ لأحد على مَا فى قلب أحد اطلَاع فَنحْن نحكم لجَمِيع عوام الْمُسلمين بِأَنَّهُم مُؤمنُونَ مُسلمُونَ فى الظَّاهِر ونحسن الظَّن بهم ونعتقد أَن لَهُم نظرا واستدلالافى أَفعَال الله وَأَنَّهُمْ يعرفونه سُبْحَانَهُ وَالله أعلم بِمَا فى قُلُوبهم وَلَيْسَ كل مَا يحكم بِهِ على النَّاس بِأَحْكَام الْمُسلمين هُوَ عين الْإِيمَان فَإِن الدَّار إِذا كَانَت دَار إِسْلَام وَوجدنَا شخصا لَيْسَ مَعَه غيار الْكفَّار فَإنَّا نَأْكُل ذَبِيحَته ونصلى خَلفه وَلَو وَجَدْنَاهُ مَيتا لغسلناه ونصلى عَلَيْهِ وندفنه فى مَقَابِر الْمُسلمين ونعقد مَعَه عقد الْمُصَاهَرَة وَإِن لم نسْمع مِنْهُ الْإِقْرَار وَكَونه بزى الْمُسلمين بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ بِإِيمَان وَبِذَلِك نجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُؤمنِينَ وَكَذَلِكَ بِالْإِقْرَارِ نجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْمُؤمنِينَ وَإِن كَانَ الْإِيمَان غير الْإِقْرَار
فَإِن قيل فقد قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} {وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا} وَإِذا أَتَى بِالْإِقْرَارِ حكمنَا بإيمانه فَعلم أَن الْإِقْرَار هُوَ الْإِيمَان
قيل هَذَا كسؤال الكرامية وَلَا يخْتَص الأشعرى بجوابه فَجَمِيع من لَا يَقُول إِن الْإِيمَان هُوَ الْإِقْرَار الْمُجَرّد مشتركون فى الْجَواب عَن هَذَا
وَجَوَاب الْجُمْهُور أَنا بِإِقْرَارِهِ نحكم فى الظَّاهِر بإيمانه وَالله أعلم بِحَقِيقَة حَاله فى صدقه وَكذبه وَهَذَا كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} ثمَّ إِذا قَالَت قد طهرت جَازَ قربانها وَإِن جَاءَ أَن يكون حَالهَا فى المغيب بِخِلَاف مَا قَالَت فَكَذَلِك هَذَا
فَإِن قَالُوا فالأشعري يَقُول إِن الْعَوام إِذا لم يعلمُوا علم الْكَلَام فهم أَصْحَاب التَّقْلِيد فليسوا بمؤمنين
قيل هَذَا أَيْضا تلبيس ونقول إِن الأشعرى لَا يشْتَرط فى صِحَة الْإِيمَان مَا قَالُوا من علم الْكَلَام بل هُوَ وَجَمِيع أهل التَّحْصِيل من أهل الْقبْلَة يَقُولُونَ يجب على الْمُكَلف أَن يعرف الصَّانِع المعبود بدلائله الَّتِى نصبها على توحيده وَاسْتِحْقَاق نعوت الربوبية وَلَيْسَ الْمَقْصُود اسْتِعْمَال أَلْفَاظ الْمُتَكَلِّمين من الْجَوْهَر وَالْعرض وَإِنَّمَا الْمَقْصُود حُصُول النّظر وَالِاسْتِدْلَال الْمُؤَدى إِلَى معرفَة الله عز وَجل وَإِنَّمَا اسْتعْمل المتكلمون هَذِه الْأَلْفَاظ على سَبِيل التَّقْرِيب والتسهيل على المتعلمين وَالسَّلَف الصَّالح وَإِن لم يستعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن فى معارفهم خلل وَالْخلف الَّذين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن ذَلِك مِنْهُم لطريق الْحق مباينة وَلَا فى الدّين بِدعَة كَمَا أَن الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء عَن زمَان الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ استعملوا أَلْفَاظ الْفُقَهَاء من لفظ الْعلَّة والمعلول وَالْقِيَاس وَغَيره ثمَّ لم يكن استعمالهم بذلك بِدعَة وَلَا خلو السّلف عَن ذَلِك كَانَ لَهُم نقصا وَكَذَلِكَ شَأْن النَّحْوِيين والتصريفيين ونقلة الْأَخْبَار فى أَلْفَاظ تخْتَص كل فرقة مِنْهُم بهَا
فَإِن قَالُوا إِن الِاشْتِغَال بِعلم الْكَلَام بِدعَة وَمُخَالفَة لطريق السّلف
قيل لَا يخْتَص بِهَذَا السُّؤَال الأشعرى دون غَيره من متكلمى أهل الْقبْلَة ثمَّ الاسترواح إِلَى مثل هَذَا الْكَلَام صفة الحشوية الَّذين لَا تَحْصِيل لَهُم وَكَيف يظنّ بسلف الْأمة أَنهم لم يسلكوا سَبِيل النّظر وَأَنَّهُمْ رَضوا بالتقليد حاش لله أَن يكون ذَلِك وَصفهم وَلَقَد كَانَ السّلف من الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم مستقلين بِمَا عرفُوا من الْحق وسمعوا من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْصَاف المعبود وتأملوه من الْأَدِلَّة المنصوبة فى الْقُرْآن وإخبار الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مسَائِل التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ التابعون وَأَتْبَاع التَّابِعين لقرب عَهدهم من الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ظهر أهل الْأَهْوَاء وَكثر أهل الْبدع من الْخَوَارِج والجهمية والمعتزلة والقدرية وأوردوا الشّبَه انتدب أَئِمَّة السّنة لمخالفتهم والانتصار للْمُسلمين بِمَا ينير طريقهم فَلَمَّا أشفقوا على الْقُلُوب أَن تخامرها شبههم شرعوا فى الرَّد عَلَيْهِم وكشف فسقهم وأجابوهم عَن أسئلتهم وتحاموا عَن دين الله بإيضاح الْحجَج وَلما قَالَ الله تَعَالَى {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} تأدبوا بآدابه سُبْحَانَهُ وَلم يَقُولُوا فى مسَائِل التَّوْحِيد إِلَّا بِمَا نبههم الله سُبْحَانَهُ عَلَيْهِ فى مُحكم التَّنْزِيل وَالْعجب مِمَّن يَقُول لَيْسَ فى الْقُرْآن علم الْكَلَام والآيات الَّتِى فى الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والآيات الَّتِى فِيهَا علم الْأُصُول يجدهَا توفى على ذَلِك وتربى بِكَثِير وفى الْجُمْلَة لَا يجْحَد علم الْكَلَام إِلَّا أحد رجلَيْنِ جَاهِل ركن إِلَى التَّقْلِيد وشق عَلَيْهِ سلوك أهل التَّحْصِيل وخلا عَن طَرِيق أهل النّظر وَالنَّاس أَعدَاء مَا جهلوا فَلَمَّا انْتهى عَن التحقق بِهَذَا الْعلم نهى النَّاس ليضل غَيره كَمَا ضل أَو رجل يعْتَقد مَذَاهِب فَاسِدَة فينطوى على بدع خُفْيَة يلبس على النَّاس عوار مذْهبه ويعمى عَلَيْهِم فضائح طويته وعقيدته وَيعلم أَن أهل التَّحْصِيل من أهل النّظر هم الَّذين يهتكون السّتْر عَن بدعهم ويظهرون للنَّاس قبح مقالتهم والقلاب لَا يحب من يُمَيّز النُّقُود والخلل فِيمَا فى يَده من النُّقُود الْفَاسِدَة لَا فى الصراف ذى التَّمْيِيز والبصيرة وَقد قَالَ الله تَعَالَى {هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ}
وَلما ظهر ابْتِدَاء هَذِه الْفِتْنَة بنيسابور وانتشر فى الْآفَاق خَبره وَعظم على قُلُوب كَافَّة الْمُسلمين من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَثَره وَلم يبعد أَن يخَامر قُلُوب بعض أهل السَّلامَة والوداعة توهم فى بعض هَذِه الْمسَائِل أَن لَعَلَّ أَبَا الْحسن على بن إِسْمَاعِيل الأشعرى رَحمَه الله قَالَ بِبَعْض المقالات فى بعض كتبه وَلَقَد قيل من يسمع يخل أثبتنا هَذِه الْفُصُول فى شرح هَذِه الْحَالة وأوضحنا صُورَة الْأَمر بِذكر هَذِه الْجُمْلَة ليضْرب كل من أهل السّنة إِذا وقف عَلَيْهَا بسهمه فى الِانْتِصَار لدين الله عز وَجل من دُعَاء يخلصه واهتمام يصدقهُ وكل عَن قُلُوبنَا بالاستماع إِلَى شرح هَذِه الْقِصَّة يحلمه بل ثَوَاب من الله سُبْحَانَهُ على التوجع بذلك يستوجبه وَالله غَالب على أمره
وَله الْحَمد على مَا يمضيه من أَحْكَامه ويبرمه ويقضيه فى أَفعاله فِيمَا يُؤَخِّرهُ ويقدمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد الْمُصْطَفى وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا
تمت الشكاية
ذكر الرسَالَة الْمُسَمَّاة زجر المفترى على أَبى الْحسن الأشعرى
وَهَذِه الرسَالَة صنفها الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة ضِيَاء الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عمر بن يُوسُف بن عمر بن عبد الْمُنعم القرطبى وَقد وَقع فى عصره من بعض المبتدعة هجو فى أَبى الْحسن فألفها ردا على الهاجى الْمَذْكُور وَبعث بهَا إِلَى شيخ الْإِسْلَام تقى الدّين أَبى الْفَتْح ابْن دَقِيق الْعِيد إِمَام أهل السّنة وَقد كَانَت بَينهمَا صداقة ليقف عَلَيْهَا فَوقف عَلَيْهَا وقرظها بِمَا سنحكيه بعد الِانْتِهَاء مِنْهَا
وهى
(أَسِير الْهوى ضلت خطاك عَن الْقَصْد ... فها أَنْت لَا تهدى لخير وَلَا تهدى)
(سللت حساما من لسَانك كَاذِبًا ... على عَالم الْإِسْلَام وَالْعلم الْفَرد)
(تمرست فى أَعْرَاض بَيت مقدس ... رمى الله مِنْك الثغر بِالْحجرِ الصلد)
(ضلالك والغى اللَّذَان تألفا ... هما أورداك الْفُحْش من مورد عد)
(هما أسخنا عين الدّيانَة وَالْهدى بِمَا ... نثرا من ذمّ وَاسِطَة العقد)
(هما أضرما نَارا بهجوك سيدا ... ستصلى بهَا نَارا مسعرة الوقد)
(وَمَا أَنْت والأنساب تقطع وَصلهَا ... وَمَا أَنْت فِيهَا من سعيد وَلَا سعد)
(خطوت إِلَى عرض كريم مطهر ... أرى الله ذَاك الخطو جَامِعَة الْقد)
(أيا جَاهِلا لم يدر جهلا بجهله ... أتعلو ثغور القاع فى قنن الْمجد)
(لقد طفئت نَار الْهوى من علومكم ... إِلَى لتقدح نَار هديك من زندى)
(أصخ لصريخ الْحق فَالْحق وَاضح ... فَلم لَا تصخ أصميت سمعا عَن الرَّعْد)
(وطهر عَن الإضلال ثَوْبك إِنَّه ... لأدنس مِمَّا مَسّه وضر الزند)
(فيا قعديا عَن معالى أولى النهى ... وَيَا قَائِما بِالْجَهْلِ ضدان فى ضد)
(أفق من ضلال ظلت تُوضَع نَحوه ... وتسرع إسراع المطهمة الجرد)
(وَصَحَّ رويدا إِن دون إمامنا ... سيوف عُلُوم سلها الله من غمد)
(لأيدى شُيُوخ حنكتهم يَد الْهدى ... وأيدى كهول فى غطارفة مرد)
(يصولون بِالْعلمِ الْمُؤَيد بالتقى ... وَقد لبسوا درع الْهدى مُحكم السرد)
(إِذا برزوا يَوْم الْجِدَال تخالهم ... أسود شرى لَا بل أجل من الْأسد)
(وَإِن نطقوا مدت يَد الله سرهم ... بِمَا سرهم فى الدّين يالك من مد)
(هم أوردونا أبحرا من علومهم ... مفجرة من غير جزر وَلَا مد)
(هم الْقَوْم فاحطط رَحل دينك عِنْدهم ... لتنشد دين الله فى موطن النشد)
(يجيئون إِن جَاءُوا بآيَات رَبهم ... وتأتيهم إِن جِئْت بالآى عَن مرد)
(لشتان مَا بَين الْفَرِيقَيْنِ فى الْهدى ... كشتان مَا بَين اليزيدين فى الرفد)
(ضللتم عَن التَّقْوَى وظلل هديها ... علينا بفئ وارف الظل وَالْبرد)
(فَنحْن بهَا فى رَوْضَة من هِدَايَة ... مفتحة الأزهار فائحة الْورْد)
(تميس بهَا أعطافنا ثنى حلَّة ... خلوقية الأردان سابغة الْبرد)
(نشاهده حسنا ونجنيه طيبا ... وَنَشْرَب كأس الْفضل من غير مَا جهد)
(وَرَاءَك عَن هَذَا الْمحل فَإِنَّهُ ... مَحل جلال لست مِنْهُ على حد)
(ودونك فالبس برد جهلك مائسا ... بعطفيك فى الإغواء يَا عَابِد البد)
(فَإِن كنت بالتجسيم دنت فعندنا ... أسنة علم فى مثقفة صلد)
(زعمت بِأَن الله شئ مجسم ... تبين رويدا مَا أُمَامَة من هِنْد)
(فَإِن كَانَ مسلوب انْتِهَاء جعلته ... بقاذورة الأجساد وَالْمَيِّت واللحد)
(وفى الْكَلْب وَالْخِنْزِير والوزغ والهبا ... وفى مثل هَذَا النَّوْع يَا وَاجِب الْقد)
(وفى البق والبرغوث والذر والذى ... أجل وَأدنى مِنْهُ فى الْقد وَالْعد)
(وفى حشرات الأَرْض والترب والحصى ... ضَلَالَة مَا رواكه شيخك النجدى)
(وفى سَائِر الْمَوْجُود يَا أَخبث الورى ... مقَالا تَعَالَى الله يَا نَاقض الْعَهْد)
(وَإِن كَانَ لَا سلب انْتِهَاء جعلته ... أقل من الْمَخْلُوق فى زعمك المردى)
(وَقلت إِلَه الْعَرْش فى الْعَرْش كَونه ... وأنى لمحدود بِمن جلّ عَن حد)
(فحددته من حَيْثُ أنْكرت حَده ... ويلزمك التَّخْصِيص فى العمق وَالْقد)
(وَيلْزم أَن الله مَخْلُوق خَالق ... لقد جِئْت فى الْإِسْلَام بالمعضل الأد)
(وَقلت لذات الله وصف تنقل ... وَحَالَة قرب عَاقَبت حَالَة الْبعد)
(وخيلت ذَات الله فى أعين الورى ... لمحسوسة الْأَجْسَام أَخْطَأت عَن عمد)
(وحددت تكييفا وكيفت جَاهِلا ... أقست على حاليك فى الْعَكْس والطرد)
(وَأنْكرت تَشْبِيها وشبهت لَازِما ... وَأثبت ضد الْعقل فى منتفى الضِّدّ)
(حللت عرى الْإِسْلَام من عقدك الذى ... تدين فجَاء الْحل من قبل العقد)
(وزيفت فى نقد اعتقادك فاغتدى ... وَقد جَاءَ زيف الدّين من قبل النَّقْد)
(سللت حسام الغى فى غمدك الْهدى ... فسلك من دين الْهِدَايَة بالغمد)
(بنيت ضلالا إِذْ هددت شَرِيعَة ... فأسست بُنيان الضَّلَالَة بالهد)
(مددت لِسَانا للْإِمَام فقصرت ... يَد الرشد فالتقصير من جَانب الْمَدّ)
(كَذَا عَن طَرِيق الدّين يَا أخفش الْهدى ... وَصرح بِمَا تخفى عَن الدّين من ضد)
(فقد وضحت آثَار غيك فى الورى ... كَمَا وضحت فى سوأة خصيتا قرد)
(بتبيين هَذَا الحبر من نور علمه ... دجى عقلك الهاوى وأقوالك الربد)
(فَرد معانيك الخبيثة علمه ... وغادرها فى الْجَهْل صاغرة الخد)
(وسل حساما من بَيَان فهومه ... فَرد سيوف الغى مفلولة الْحَد)
وَأبْدى علوما ميزت فضل فَضله ... كتمييز ذى البردين وَالْفرس الْورْد)
(فَجَاءَت مجئ الصُّبْح وَالصُّبْح وَاضح ... وسارت مسير الشَّمْس وَالشَّمْس فى السعد)
(وفاضت فَفَاضَتْ أنفس من عداته ... وغاضت وَمَا غاضت على كَثْرَة الْورْد)
(وآضت رياض الْعلم مطلولة الثرى ... بسح غمام الْفضل منسكب الْعَهْد)
(وجادت بنشر الدّين فى عَالم الْهدى ... فَجَاءَت بنشر لَا العرار وَلَا الرند)
(من الحكم اللاتى تضوع عرفهَا ... فعد عَن الْورْد المضاعف والند)
(سللن سيوف الْحق فى موطن الْهدى ... فغادرن صرعى الْمُلْحِدِينَ بِلَا لحد)
(وأيدن دين الله فى أفق الْعلَا ... بِلَا منصل عضب وَلَا فرس نهد)
(وشيدن أَعْلَام الْحَقَائِق فى الورى ... فَللَّه مِنْهَا من تجن وَمَا تبدى)
(ومجدن ذَات الله تمجيد عَالم ... بِمَا يسْتَحق الله من صفة الْمجد)
(وكذبن دَعْوَى كل غاو مجسم ... بِمَا رد من قَول لَهُ وَاجِب الرَّد)
(وأمضين حكم النَّقْل وَالْعقل فاحتوى ... كَلَام إِمَام الْحق مجدا على مجد)
(معَان إِذا جَاشَتْ ميادين فَضلهَا ... أخذن بأعناق الْأَنَام إِلَى الرشد)
(وَإِن كنت عدليا يحكم عقله ... برد مُرَاد الله عَن بعض مَا قصد)
(وإمضاء مَا يختاره العَبْد من هوى ... فَحكم إِلَه العَبْد دون هوى العَبْد)
(وتجحد تشفيع الرَّسُول وَأَنه ... يرى الله يَوْم الْحَشْر أُفٍّ لذى الْجحْد)
(وتنفى صِفَات الله جلّ جَلَاله ... وتزعم أَن الآى محدثة الْعَهْد)
(وَتلْزم إِيجَابا على الله فعله ... لأصلح مَا يرضى وَأفضل مَا يجدى)
(فجانب هَاتين الطَّرِيقَيْنِ علمه ... كَمَا جَانب القيسى فى النّسَب الأزدى)
(وَقَالَ بِإِثْبَات الصِّفَات وذاتها ... وسلب صِفَات النَّفس عَن صَمد فَرد)
(فَمن مُوجب يَوْمًا على الله حكمه ... وَمن ذَا الذى يحْتَج إِن هُوَ لم يهد)
(وَمن ذَا الذى يقْضى بِغَيْر قَضَائِهِ ... وَمن ذَا الذى عَن قهر عزته يحدى)
(وَهل حَاكم فى الْخَيْر وَالشَّر غَيره ... إِذا شَاءَ أمرا لم ترده يدا رد)
(هُوَ الله لَا أَيْن وَلَا كَيفَ عِنْده ... وَلَا حد يحويه وَلَا حصر ذى حد)
(وَلَا الْقرب فى الْأَدْنَى وَلَا الْبعد والنوى ... يُخَالف حَالا مِنْهُ فى الْقرب والبعد)
(فَمن قبل قبل الْقبل كَانَ وَبعده ... يكون بِلَا حصر لقبل وَلَا بعد)
(تنزه عَن إِثْبَات جسم وسلبه ... صِفَات كَمَال فاقف رسمى أَو حدى)
(تبَارك مَا يَقْضِيه يمضى وَمَا يشا ... يكون بِلَا بَدْء عَلَيْهِ ولابد)
(تقدس مَوْصُوفا وَعز منزها ... وَجل عَن الأغيار منسلب الْفَقْد)
(هُوَ الْوَاجِب الْأَوْصَاف والذات فاطرح ... سواهَا من الْأَقْوَال فهى الَّتِى تردى)
(هُوَ الْحق لَا شئ سواهُ فَمن يزغ ... ضلالا فَإنَّا لَا نزيغ عَن الْقَصْد)
(هُوَ الْفَاعِل الْمُخْتَار لَيْسَ بِمُوجب ... لشئ من الْمَخْلُوق فى أنفس الْفَرد)
(وَلَيْسَ إِلَه الْخلق عِلّة خلقه ... وَلَكِن فعل الله علية الوجد)
(وَلَا نِسْبَة بَين الْعباد وَبَينه ... وَهل عِلّة إِلَّا مُنَاسبَة تجدى)
(هُوَ الْوَاصِل النعاب لطفا بضعفه ... على فَقده من أمه صلَة الوجد)
(هُوَ الْخَالِق الأشباح فى ظلم الحشا ... هُوَ الكافل الطِّفْل الرَّضِيع لَدَى المهد)
(أدر لَهُ من جلدتين لبانه ... ولولاه لم يسق اللبان من الْجلد)
(فهذى فُصُول من أصُول كَثِيرَة ... على قصر النّظم المقصر عَن قصدى)
(وَإِلَّا ففى أبحاثه وعلومه ... غوامض أسرار تلوح لذى الرشد)
(أيجحد فضل الأشعرى موحد ... وَمَا زَالَ يهدى من مَعَانِيه مَا يهدى)
(من الْكَلم اللاتى قصمن بحدها ... عرى بَاطِل الْإِلْحَاد كالصارم الهندى)
(فيا جاحدا هَذَا الإِمَام مَحَله ... من الْعلم وَالْإِيمَان وَالْعَمَل المجدى)
(هى الشَّمْس لَا تخفى على عين مُسلم ... سوى مقلة عمياء أَو أعين رمد)
(فوَاللَّه لَوْلَا الأشعرى لقادنا ... ضلالكم الهادى إِلَى أسوإ الْقَصْد)
(جزى الله ذَاك الحبر عَنَّا بفضله ... جَزَاء يرقيه ذرى درج الْخلد)
(وحمدا لربى فَهُوَ مهديه للورى ... وَللَّه أولى بالجميل وبالحمد)
أَيْن حطت مطايا هَذَا الْجَاهِل الغبى والمبطل الغوى والملحد البدعى
(أنخ لى إِلَى مغناه يَا بارق الْهدى ... فقد وقدت بَين الحشا نَار هِجْرَة)
(وصلنى بتعريف مَحل قراره ... لأوصله منى إدامة هجره)
(وأصليه من فكرى بذاكى ذكائه ... أقلبه مِنْهُ على حر جمره)
(وأهديه من داجى الضلال بنير ... ينير لَهُ عندى السرى وَجه فجره)
وَإِلَّا فدله على دلَالَة العصفور على حَبَّة الفخ واهده إِلَى هِدَايَة العادى إِلَى نصل الْجرْح لَا يفهم سِهَام كلامى إِلَيْهِ وأوقد سِهَام كلامى عَلَيْهِ وأفقأ بِالنّظرِ بَاب ناظريه وأفك بالبديهيات ماضغيه وأقفه من ثنايا خطاه على شفا جرف هار وأجنيه من ردايا خطله شَجَرَة خبيثة اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار وأسمه بميسم الصغار وأغره عَن الْأسود بن غفار وأعلمه أَنه فى مَذْهَب أَئِمَّة الْحق ثانى اثنى
الْكفَّار إِن لم يكن عين الْكفَّار وأنتصر للثاوى فى جنَّات الله أشرف الِانْتِصَار وأوضح لَهُ أَن لَهُ فى كل زمَان أنصارا من الْأَنْصَار
(إِذا أعملوا أفكارهم نَاب قَوْلهَا ... عَن السَّيْف يَوْم الروع تدمى شفاره)
(وَإِن أظلمت آفَاق خطب بدوا بِهِ ... شموس معَان فاستبان نَهَاره)
وأناقش أَلْفَاظه الَّتِى باعدها من مَعَانِيهَا وأعراضه الَّتِى ثوب بِشَيْطَان الضَّلَالَة داعيها وإشارته الَّتِى نعق فى فِئَة الضَّلَالَة غاويها
(كَمَا صَاح بالمهراس إزب ضَلَالَة ... وَكَانَ لدين الله عَاقِبَة النَّصْر)
(وَمَا برح الْإِيمَان فى كل عصرة ... يكَاد فَهَذَا الْإِرْث فى آخر الْعَصْر)
وَهَا أَنا أناديه من كثب التِّبْيَان بِلِسَان الْبَيَان وأناجيه من وُجُوه الْعلم بمقلة الحسان وأقذى عينه من عَمه قذاها وأغسل فكره من دنس أذاها وَأَرْفَع لَهُ علم إِرَادَة هداها فإمَّا رَجْعَة إِلَى سَبِيل الرشاد عَن غية وَإِمَّا صرعة على مهاد العنا من بغيه
وَاعْلَم أرشدك الله أَن الله وعد مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِظْهَار دينه على الدّين كُله وَضمن لَهُ ضَمَان الْحق والصدق فى فرع الْإِيمَان وَأَصله فَتَأمل بِعَين الْإِيمَان وَقَلبه وأصخ إِلَى الْحق إصاخة مسترشد بربه كَيفَ سير الله فى الْعَالم علم هَذَا الْعَالم واستودعه فى الْمَشَارِق والمعارب قُلُوب الْأَعَاجِم والأعارب وَعم بِهِ الْمجَالِس والمدارس وأخرس عَنهُ الباغى المناقب والحاسد المنافس وَجرى بذهنه على الْإِطْلَاق جرى السَّيْل
وامتد على الْآفَاق امتداد اللَّيْل وملأ عرض الأَرْض مَا بَين السها وَسُهيْل فَلَا ينْطق ذامه إِلَّا همسا وَلَا يسمع لكَافِر فى الإعلان جرسا
(والستر دون الفاحشات وَمَا ... يلقاك دون الْخَيْر من ستر)
إِنَّمَا يتراضعون بغضه تراضع الفئة الْفَاجِرَة ويتواضعون ذمه تواضع من ذكر الدُّنْيَا ونسى الْآخِرَة لَا يظهرونه إِلَى الإعلان عَن الْأَسْرَار وَلَا تنطق بِهِ شفاههم إِلَّا كأخى السرَار
(ويطوون دَاء الْفضل فى نشر جهلهم ... فأقبح بِذَاكَ الطى فى ذَلِك النشر)
(هم سفهوا آراءنا وإمامنا ... وموعدنا وَالْقَوْم مُجْتَمع الْحَشْر)
ثمَّ انْظُر إِلَى عُلَمَاء الْأمة الَّذين درجوا فى دَرَجَات الإفادة مِنْهُ وتخرجوا بِكَلِمَات الْعلم المنقولة عَنهُ كَيفَ تناقلتهم الْأَعْصَار وتهادتهم الْأَمْصَار وطلعوا فى كل أفق طُلُوع الشَّمْس ونسخوا بمحكمات علومهم كل لبس وقضوا من كشف غوامض الْكتاب وَالسّنة كل حَاجَة فى النَّفس أَئِمَّة تشد إِلَيْهِم الرّحال وتحط وعلماء تدار على أَقْوَالهم معالم الْإِيمَان وتحط كَابْن الباقلانى والإسفراينى وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَابْن العربى والغزالى والمادرى وَأَبُو الْوَلِيد والرازى وَغَيرهم مِمَّن اخْتلفت إِلَيْهِ أَعْنَاق الرفاق وملأ بِعِلْمِهِ ظُهُور الظَّوَاهِر وبطون الأوراق وطلع طُلُوع الشَّمْس فى الْآفَاق وتوازر على نَصره السَّيْف والقلم وانتشر عَنهُ الْعلم وانتشر عَلَيْهِ بِالْإِمَامَةِ الْعلم بِمَا تأصل
من أصُول هَذَا الإِمَام وتفرع من فروعه وتفرق فى أَعْلَام الْأمة من مَجْمُوعَة وأبانه من نجم هدايته الذى مَا أفل من حِين طلوعه وأبداه من دقائق الْعلم الَّتِى دلّت على أَن روح الْقُدس نفث فى روعه
(فأطلعها شمسا أنارت بهديها ... معالم دين الله واسترشد العلما)
(هدت مبصرا فى الدّين وَاضح رشده ... وضل بهَا من كَانَ فى هَذِه أعمى)
إِلَى غير ذَلِك من امتداد باعهم فى الْإِمَامَة وَكَون كل منتسب إِلَى علم يَقع مِنْهُ موقع القلامة
(كل صدر إِذا تصدر يَوْمًا ... شهِدت كل أمة بعلاه)
(وَإِذا مَا ابتدى لفصل جِدَال ... شرف الله من هدى بهداه)
فأرنى إِمَامًا من أَئِمَّة المجسمة لم يجمجم فى أَقْوَاله وَلم يخف إخفاء الْهمزَة مَا بَين حم من ضلاله إِنَّمَا يتواحر بِهِ أنحاء الْيَهُود بأنبائها إِلَى أبنائها ويتهادونه تهادى الفجرة ضَلَالَة إغوائها ويتعاوون بِهِ تعاوى الْكلاب المتجاوبة فى عوائها فأى المذهبين تكفل الله لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى إعلاء كَلمته وأى الْقَوْلَيْنِ أشهر شهرة وأوضح ظهورا فى مِلَّته فاجتن مَا غرسته لَك فى رياض الْعلم ناميا واجتل حسن هديتى إِلَيْك فَإِن كنت مهتديا فقد وجدت هاديا وحذار أَن ترد البضائع مَاؤُهَا عذب وتصدر فى الظهيرة ظاميا وتزيد شمس الدّين وَاضح رشدها
فتصد عَنْهَا أخفش متعاميا فَرد مشرع الدّين ليطف من حر نارك وتبصر عين الْيَقِين لتشف من عين عوارك فقد نشرت لَك علم الْعلم لتأتم بآثاره وأوضحت لَك بدر التم لتهتدى بأنواره وَأخذت بحجزتك عَن مهوى الْجَهْل فَلَا تصطلى بناره
(فَإنَّك إِن تفعل فراشة عثة ... أَبَت بعد مس النَّار إِلَّا هلاكها)
(وَقد وضحت شمس الْأَدِلَّة فاستبن ... وَلَا توثقن نفسا بِغَيْر فكاكها)
فَادْخُلْ أَنْت وأشياعك من بَاب سلم التَّسْلِيم وَقُولُوا حطة وتخط بواضح هَذَا التفهيم مدرجة هَذِه الْحِنْطَة وأفق بمداواة هَذَا التَّعْلِيم من مرض هَذِه الخطة وَإِلَّا فَإِن أَعْلَام الْأَئِمَّة منشورة وسيوف الْأَدِلَّة مَشْهُورَة وجيوش عُلَمَاء الْأمة فى المواقف على الْمُلْحِدِينَ منصورة وأعداؤهم مَا بَرحت شبه ضلالتهم بحجج الْحَقَائِق مقهورة {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إِلَّا أَن يتم نوره}
(فَخذ بيد الْإِيمَان إِن كنت مُؤمنا ... وَخذ بيد الْإِسْلَام إِن كنت مُسلما)
(وهاك يدى عهدا عَن الله أَنه ... سيكفيك إِن تابعت رأيى جهنما)
فقد وَالله محضتك النَّصِيحَة مرشدا وَأخذت بِنَفْسِك مغورا فَأخذت بك منجدا
(لأشفيك يَا عَارِيا مُبْطلًا ... بطبى من دائك الممرض)
(وأقضيك عَن عرض هَذَا الإِمَام ... وَإِن كنت للذل لَا تقتضى)
(وأهديك من كَلِمَات الْهدى ... بهادى سنا بارق مومض)
(وأكحلك بالصاب أَو بالجلا ... فَفتح لكحلى أَو غمض)
وَلَو عقلت رشدك وصنت عَن الاغتياب عقدك لحسن بك أَن تتخالف عَن هَذَا المشرع الذميم وتتحلى بِهَذَا العقد النظيم من كَلِمَات الْفَاضِل الْحَكِيم
(لَا تضع من شرِيف قدرا وَإِن كنت ... مشارا إِلَيْك بالتعظيم)
(فالشريف الْعَظِيم ينحط قدرا ... بالتعدى على الشريف الْعَظِيم)
(ولع الْخمر بالعقول رمى الْخمر ... بتنجيسها وبالتحريم)
وَلَا تطرد هَذَا الْقيَاس أيدك الله فى وفيك وَخذ جَوَاب ذَلِك قبل أَن تنطق بِهِ شفتا فِيك فَإِن الله لم يدنك من رتب جلالته وَلَا رقاك إِلَى أقل جُزْء من عالى دَرَجَته
(فَإنَّك لَا تدرى بأية موطن ... وَلَا أى وصف أَنْت فِيهِ من الْخلق)
(سوى أَن قولا مِنْك جَاءَ فدلنا ... على أَن هَذَا القَوْل مَال عَن الْحق)
(وحاد عَن التَّقْوَى وجار على الْهدى ... وجانب فى إعراضه جَانب الصدْق)
(أتهجو إِمَام الْمُسلمين وَقد مضى ... إِلَى الله لَا قدست فى ذَلِك النُّطْق)
(أجدك أَنى فِيك قَالَ فَلَا ترم ... مَكَانك أَو تلقى إِلَى كَمَا ألْقى)
(لتَحكم فِينَا آيَة الْبعد أمرهَا ... فتأفل فى غرب وأطلع فى شَرق)
(وتشرب كأسا من ضلالك بَاغِيا ... فقد أترعت جهلا من المورد الرنق)
(عذيرى لَو أَلْقَاك يَوْمًا بنجوة ... ضربتك بِالسَّيْفِ المهند فى الْفرق)
وَاعجَبا لعين عميت عَن نور مَلأ شَرق الأَرْض وغربها وهداية أسبلت على فِئَة الضَّلَالَة غربها وجمعت على الائتمام بِهَذَا الإِمَام عجم الْإِسْلَام وعربها
(فطبق آفَاق الورى فيض فَضله ... وَفَاء عَلَيْهِم بِالْهدى فئ ظله)
(وَقَامَت بحار الْعلم مِنْهُ فَأَصْبَحت ... ووبلك مغمور بقطرة طله)
(إِلَيْك فَهَذَا مورد مَا وردته ... وَرَاءَك حل الْفضل فِيهِ لأَهله)
(فَلَا فرع فى الْإِسْلَام زاك كفرعه ... وَلَا أصل فى الْإِيمَان هاد كَأَصْلِهِ)
(فَمَا انتصرت مِنْهُ مابحث علمه ... على عقله حَتَّى اسْتدلَّ بنقله)
(وَلَا امْتَدَّ إِلَّا من عُلُوم رَسُوله ... وَلَا قَالَ إِلَّا عَن صائح فَضله)
(وَلَا أم إِلَّا معجزات كِتَابه ... إِذا أم بحاث مُجَرّد عقله)
(هُوَ السَّيْف ماضى الشفرتين فخله ... وَإِلَّا فمقتولا أَرَاك بنصله)
هَذِه أيدك الله جالية صدأ الدّين ومقذية عَمه الْعين والعقيدة الآخذة يَمِين الْإِرْشَاد والذخيرة الهادية إِلَى سَبِيل الرشاد أنرت لَك بهَا مسالك سَبِيلك ورميت بشهاب حَقّهَا شَيْطَان تضليلك وجعلتها حجَّة على شبهك ومحجة لدليلك وأجنيتك بهَا روض الْإِيمَان لما حنظلت شجراتك ورويتها نارى الإتقان لما أمرت بمرآتك فاعش إِلَى ضوء نارها وَاقِف محَاسِن آثارها وَضعهَا غرَّة فى جبينك وَاجْعَلْهَا درة فى يَمِينك وأصخ بسمعك إِلَى داعى وَاجِب الْإِجَابَة وأمهد لنَفسك فى مغرس الْإِنَابَة ومقيل الإثابة فَإنَّك خطوت فى بهماء مظْلمَة وسعيت فى دحض مزلة
(أَسَأْت وَمن يسئ يَوْمًا يساء ... رويدك فالجزاء بهَا وَرَاء)
(هجوت الأشعرى إِمَام حق ... بفيك الترب فَانْطَلق مَا تشَاء)
(ستعلم أَيّنَا أهْدى سَبِيلا ... إِذا وَقع الْحساب أَو الْجَزَاء)
(وأى المذهبين أصح قولا ... وتنزيها إِذا كشف الغطاء)
(وَتشهد فى الْقِيَامَة أَن ربى ... سيشهد أَنه مِنْكُم برَاء)
(أتزعم أَن رب الْعَرْش فِيهِ ... وتزعم أَن ذَاك لَهُ وعَاء)
(فَإِن ألزمته فِيهِ قرارا ... فَذا زمن وَقد طَال الثواء)
(وَيلْزم أَنه إِن كَانَ فِيهِ ... خلت مِنْهُ البسيطة وَالسَّمَاء)
(وَإِن حركته مِنْهُ تَعَالَى ... فَيلْزمهُ حُدُوث وانتهاء)
(وَيلْزمهُ التنقل فى محَال ... يُعَاقِبهَا خلاء أَو ملاء)
(فَلم تتْرك من التَّشْبِيه شَيْئا ... سوى أَن قيل قد فقد السوَاء)
(فداو الدّين من عَمه ورين ... فَإِن الْعلم وَالتَّقوى دَوَاء)
(فقد صديت فهومكم وصدت ... عَن المثلى وَقد وجد الْجلاء)
(وأمرضها فَسَاد الْعقل مِنْهَا ... مَعَ التَّخْلِيط وَامْتنع الشِّفَاء)
(وَإِن كنت اعتزلت الدّين رَأيا ... تحالفه الشقاوة والغباء)
(وَأثبت الْمَشِيئَة للبرايا ... وَلم تثبت لِرَبِّك مَا يَشَاء)
(وَأنْكرت الْقَضَاء لَهُ انفرادا ... فَقلت لعَبْدِهِ أَيْضا قَضَاء)
(وأوجبت الصّلاح عَلَيْهِ حكما ... يُخَالِفهُ العبيد إِذا أشاءوا)
(فَمن يقْضى عَلَيْهِ إِن عصوه ... أمقهور إلهك أم مسَاء)
(وعجزا عَنْهُم أم رفض فرض ... عَلَيْهِ إِن قَوْلكُم هزاء)
(وَإِن تَكُ ملحدا فى الدّين أضحى ... على عينى كِتَابَته غشاء)
(يعاند لَا لِمَعْنى يَقْتَضِيهِ ... سوى أَن جانبته الأتقياء)
(ففى يمنى الشَّرِيعَة سيف حق ... يُؤَيّد نصله أَسد ظماء)
(نطهر ديننَا بدماء قوم ... وَإِن نجست بِهِ تِلْكَ الدِّمَاء)
(فَمَا خفيت وُجُوه الْعلم لَكِن ... هواكم عَم أَو غلب الشَّقَاء)
(وَأَيْضًا غركم شَيْطَان جهل ... ألب بكم وأفئدة هَوَاء)
(ودلالكم غرُورًا فى هواكم ... كَمَا دليت على الرخو الدلاء)
(تَأمل يَا سقيم الْفَهم هَذَا ... فَإِن الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء)
(وحصرى الحكم إِثْبَاتًا ونفيا ... لمعتل الدَّلِيل بِهِ شِفَاء)
(كأنى بالمجسم يَوْم حشر ... وَقد ضَاقَتْ بِهِ الأَرْض الفضاء)
(فَنَكس رَأسه مِنْهُ حَيَاء ... وَلَكِن فَاتَ فى الدُّنْيَا الْحيَاء)
(سيندم حِين يسْأَله رُجُوعا ... فَيسمع لَا لقد حم الْقَضَاء)
صرف الله قُلُوبنَا عَن غباوة الْخَطَأ وغواية الخطل وبصرنا بهداية الْعَمَل عَن عماية الزلل وَأخذ بِأَيْدِينَا عَن معانقة الأمل إِلَى مراقبة الْأَجَل وأظلنا بِظِل عَرْشه فى الْموقف الجلل وهدانا إِلَى اتِّبَاع خير الرُّسُل وملة أشرف الْملَل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه المهتدين بِهِ والهادين إِلَى أشرف السبل وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
تمت بِحَمْد الله وعونه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا إِلَى يَوْم الدّين
ذكر رِسَالَة الشَّيْخ تقى الدّين بن دَقِيق الْعِيد المتضمنة تقريظ هَذِه الرسَالَة
الْمَمْلُوك مُحَمَّد بن على يخْدم الجناب الْكَرِيم العالى المولوى السيدى العالمى العلمى الورعى الأفضلى الأكملى الأبرعى الأورعى المحسنى الضيائى لَا زَالَ بحرا وأنواع المعارف مَأْوَاه بَدْرًا وأوج السَّعَادَة سماؤه قطرا وعزمات المكارم أنواؤه صَدرا مِنْهُ مبدأ الشّرف وَإِلَيْهِ انتهاؤه
(يقوم بنصر الدّين فى كل موطن ... بِهِ راية الْإِسْلَام تعلو وتنصب)
(ويأتى إِلَى روض على دمنة لَهُ ... فتحرقه أنفاسه وَهُوَ معشب)
(فَلَا عدم الْإِسْلَام مثلك ساعيا ... لَهُ رَاعيا مَا الله يرْعَى وَيطْلب)
(إِذا أجمع البدعى فى الغى أمره ... وَأبْصر مَا يمليه فَهُوَ المذبذب)
(وَإِن لَاحَ من تلقائه فى ظلامه ... سنا بارق إطفائه فَهُوَ خلب)
(يُنَادِيه فى تقريبه لضلاله ... مِنْهُ عنقاء مغرب)
(أَبى لى أَن يستهضم الْحق جهرة ... ويخذل أنصار لذاك ومغرب)
(أُولَئِكَ قوم نَص أَن ظُهُورهمْ ... على الْحق مَا داموا النبى المقرب)
خدمَة تقوم بِوَاجِب الْفَرْض ويملأ ثناها ذَات الطول وَالْعرض وَيصدق ودها فَلَا يُرْجَى عَلَيْهِ ثَوَاب وَلَا ينحى بِهِ منحى الْقَرْض وَيثبت عهدها فَإِذا غير النأى المحبين قَالَ هُوَ فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض
(دعاو لَهَا من سالف الود شَاهد ... يصدقهُ مِنْك الضَّمِير وَيقبل)
(تدوم على الْأَيَّام والدهر ينقضى ... وتظفر بالبقيا إِذا خَابَ يذبل)
(مَتى تنتهى الأفكار مِنْهُ لغاية ... نظن مداها آخرا وَهُوَ أول)
(ويتلوه من إحسانك الجم شَاهد ... يُزَكِّيه طيب المنتمى ويعدل)
وحسبك بِشَاهِدين مقبولين ومزكى بل حاكمين لَا يخْشَى حكمهمَا نقضا وَلَا حَدِيثهمَا تركا بل علمين شاهدهما من أقبل وَأدبر ونصيرهما من أضْحك وأبكى بل مفردين لَا يقبل إفرادهما تَثْنِيَة وَلَا توحيدهما شركا بل جملتين لَا يحكيهما متكلف وَإِن كَانَت الْجمل قد تحكى وَينْهى وُرُود الْكتاب الْكَرِيم وَالْإِحْسَان العميم وَالْفضل الذى هُوَ عِنْده وَعند الله عَظِيم قرينا للحسناء الَّتِى صادت وصدت الكاس وصدت فى مذهبها فَلم تجر على قَاعِدَة الْقيَاس ونفرت من الْمَمْلُوك وَلَقَد أعد لَهَا الإيناس قبل الإبساس وَعدلت عَن ربعه وَلَو مرت لقَالَ مَا فى وقوفك سَاعَة من باس هجرت والقلوب للهجر تدمى والعيون تتضرج ونشرت ولعهدى بالحسناء تتزين ثمَّ تتبرج وأخفت الْخَالِص من نقدها وَإِنَّمَا يخفى مَا يخَاف أَن يتبهرج ولعلها تصوفت فرجحت عَالم الْغَيْب على عَالم الشُّهُود أَو تفقهت فرأت أَن لَا حرج على الفار إِذا نوى أَن يعود أَو تأدبت فَقَالَ قد يرفض الأَصْل وَيخرج عَن الْمَعْهُود أَو تصرفت فمالت إِلَى الصلف وَمُخَالفَة مَحْبُوب ابْن دَاوُد فَبَاتَ الْمَمْلُوك ليالى بلَيْل المشوق وقلق من بعد مزاره فتعلل بلمح البروق وَكَيف حَال من أجدبت مراعيه
وأظلمت مساعيه فَهُوَ ينْتَظر سحبا تريق أَو أنوارا تروق وَلما كَانَ اسْتِقْبَال لَيْلَة عزوبة زفت الْبكر الَّتِى هى من جناب سيدنَا مألوفة وَبَين أهل الْعَصْر غَرِيبَة وأوفت والطفل جانح وَالنَّهَار جامح والغروب لآيَة الْمسَاء شَارِح وإنسان الْعين فى بَحر من العسجد سابح وَحِينَئِذٍ ترك الْمَمْلُوك عَسى وَلَعَلَّ وَرَأى نجم تَعْلِيله قد أفل وَحسن اخْتِيَاره قد اضمحل وَتحقّق أَن الصَّوَاب لمن وفْق غير بعيد وَمن رضى بِاخْتِيَار الله لَهُ فَهُوَ عين السعيد وَقَالَ لنَفسِهِ لَعَلَّ التَّأَخُّر ليجمع الله لَك فى لَيْلَة وَاحِدَة بَين ليلتى عيد فَتلقى راية وَصلهَا بِالْيَمِينِ وَشد يَده عَلَيْهَا لما ظفر بِالْعقدِ الثمين وَرَأى ألفاظها الساحرة تقسم على سلب الْأَلْبَاب فَلَا تمين فَلَو تمثلت أَنا بشئ لقلنا {إِنَّكُم كُنْتُم تأتوننا عَن الْيَمين} ولزمها لُزُوم الْخطب للمنابر والمقل للمحاجر والقيظ بِشَهْر ناجر والأعراض لمحالها من الْجَوَاهِر وَلم يقْض وَاجِب الصَّلَاة حَتَّى عرضهَا الْمَمْلُوك واستكملها وَأخذ مَأْخَذ الْعَزْم فَمَا فتر وَلَا لَهَا وَقَالَ لعَينه دُونك فتمتعى بحسناء لن ترى مثلهَا وتعقليه عقل الْأَدَب فَإِن عرض إِشْكَال فمنك وَإِن بهر إِحْسَان فلهَا ثمَّ عزم على أَن يبْنى عَلَيْهَا بِنَاء الأجساد على حليها والرياض على وسميها ووليها والفصحاء من أَبنَاء الْكِرَام على مولى النِّعْمَة ووليها ويجرى فى ذَلِك جواد اللِّسَان ويطمع أَن يَأْخُذ بِطرف من الْإِحْسَان وَحكم أَن لِسَان التَّقْصِير قصير وَمحل سيدنَا من الْفضل كَبِير والخدام فى نشر محاسنه كثير وَنشر سقط الْمَتَاع عين السَّفه وَلَو وقف الْمَمْلُوك عِنْد طوره لما فَاه ببنت شفه
وَمن شرع فى أَمر وَلم يكمله فَمَا أنصفه وَالْعجز عَن دَرك الْإِدْرَاك نفس الْإِدْرَاك وَعين الْمعرفَة فَأطَال الله لسيدنا من الْعُمر مداه وأرغم بِهِ أنف المبتدعة فَمَا هم إِلَّا عداهُ وبيض وَجهه بِمَا حبر قلمه وادخر كرامته لما قدمت يَدَاهُ
فصل
وَأما مَا أَشَارَ بِهِ الجناب من رد الْمَمْلُوك على ذَلِك السَّاقِط وَلَو شِئْت لَقلت العافط وَقد كَانَ الْمَمْلُوك عِنْدَمَا رأى هذيانه وَسمع مَا سود من صَحِيفَته وَلسَانه بَادر بتضمين أَبْيَات يسيرَة أسْرع إِلَى مستمليها سيرة ورام أَن يعود عَلَيْهَا بالتنقيح والتهذيب فعجلت بِهِ بادرة الْغيرَة قَالَ
(علمنَا ويك وانكشف الغطاء ... ولاح الْحق لَيْسَ بِهِ خَفَاء)
(وحققنا بأنك غير شكّ ... ضَعِيف الرأى جؤجؤه هَوَاء)
(يرى بتجمع الضدين جهلا ... ويجهل مَا رأى وَالْجهل دَاء)
(وَيثبت مَا نَفَاهُ وَلَيْسَ يدرى ... أأثبت أم نفى فهما سَوَاء)
(فَمَا متكمه لم يبد يَوْمًا ... لَهُ من ضوء بارقة ضِيَاء)
(أَتَت بعد الْمَمَات لَهُ دهور ... فأفناه التمزق والعفاء)
(بأعمى مِنْك عَن نظر صَحِيح ... دلائله كَمَا ارْتَفع الضحاء)
(قَلِيل الدّين كَيفَ طعنت فِيمَا ... تناقله الثِّقَات الأتقياء)
(وَأقسم لست تثبت نفى مَا قد ... نفيت وَلَو أطيل لَك النِّسَاء)
(وَطعن الْمَرْء فى الْأَنْسَاب كفر ... كَمَا يرْوى فَهَل غلب الشَّقَاء)
(جعلت الشَّك فِيمَا وَضعه أَن ... تَزُول بِهِ الشكوك والامتراء)
(وطللت الَّذين حموك لما ... تكنفك العدى ودنا العداء)
(فَلَو ردَّتْ إِلَيْك أُمُورهم فى ... مناظرة لجد بك الْبلَاء)
(فقف لخطاك لَا تبلغ مداها ... مقَاما لَا تقوم بِهِ النِّسَاء)
(وخل لملتقى الْأَبْطَال مِنْهُم ... أسودا لَا ينهنهها اللِّقَاء)
(إِذا حَضَرُوا الجلاد أَتَوا بِنَار ... من الأذهان يوقدها الذكاء)
(وأغنوا حَيْثُ لَا تغنى صفاح ... كَمَا أغنوا وَلَا أسل ظماء)
(فكم من ملحد دلوه حَتَّى ... أقرّ بِمَا تَقول الْأَنْبِيَاء)
(وَكم متفلسف قد سفهوه ... فَمَا لقديم فلسفة بَقَاء)
(أَتَوا برواء حكمتهم فَلَمَّا ... أَتَى الْأَشْيَاخ لم تبْق الرواء)
(وَكَانَ الْقَوْم فى حصن منيع ... عَصا ... ... ... ... . . الْهَوَاء)
(فَلَمَّا حاولوه صَار أَرضًا ... سَمَاء الْحصن واستفل الْعَلَاء)
(وَكَيف يكون حَالَة من سواهُم ... إِذا دَان الْخُصُوم الأقوياء)
(وَأما الاعتزال وناصروه ... فَإِن حبال مَا ابتدعوا هباء)
(وَكم من رافضى أوردوه ... موارد مَا هَناه بهَا الرواء)
(وَكم من مرجئ أَو خارجى ... تبين أَن قَوْلهمَا هراء)
(وَمثلك قد لقى مِنْهُم مقَاما ... يسود وَجهه ذَاك اللِّقَاء)
(أُولَئِكَ عترتى وَمحل ودى ... وَقد يفضى إِلَى الشّرف اعتزاء)
(رَأَوْا أَن الأساس أهم مِمَّا ... عداهُ فأتقنوه كَيفَ شَاءُوا)
(وأفنوا مُدَّة الْأَعْمَار فِيهِ ... عناء حبذا ذَاك العناء)
(فليتك إِذْ خبرتك لست عندى ... خَلِيلًا من أَمَام وَلَا وَرَاء)
(بعيشك عِنْد نَفسك كَيفَ يبْنى ... بِلَا أصل يقوم بِهِ الْبناء)
(هربت من ابتداع فى اعْتِقَاد ... تدين بِهِ فأوقعك الْقَضَاء)
(لَعَلَّك تكره التَّنْزِيه مِمَّن ... يرَاهُ فَلَيْسَ فِيك لَهُ وَلَاء)
(لَعَلَّك تحسب الرَّحْمَن جسما ... يلازمه التَّغَيُّر والفناء)
(لَعَلَّ الصَّوْت عنْدكُمْ قديم ... مُكَابَرَة تجنبها الْحيَاء)
(وقولا إِن تناقله الأعادى ... لنا سروا بِذَاكَ كَمَا نشَاء)
(نَفينَا فخره عَنَّا وفزتم ... بِهِ فلكم برتبته الهناء)
(هجوت فملت نَحْوك مستفيدا ... وَعند الله فى ذَاك الْجَزَاء)
(فَلَو وافيتنا حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ ... بشيعتنا الْإِقَامَة والثواء)
(وفهت بِمَا نطقت بِهِ لديهم ... أهنت هُنَاكَ إِن حضر الْجلاء)
وأثناء هَذِه البارقة ترادفت الهموم فأظلم اللَّيْل وتكاثفت الأشغال فحطم السَّيْل وَقلت أكتفى للمخذول بِأَن أَقُول بِفِيهِ الْحجر وَله الويل وَلَكِن لما أصبح
علم الْهِدَايَة لسيدنا مَنْصُوبًا وأجرى جواد الْبَيَان فى ميدان الْإِحْسَان فَكَانَ بحرا يعبوبا وقدح زناد الْفِكر وَرمى بناره شَيْطَان الْبِدْعَة فأمسى منكوبا فلابد للمملوك أَن يتبع الْأَثر وَيقْضى تِلْكَ الْحُقُوق وينصر أَبَا الرّوح كَمَا ينصر أَبَا الْجَسَد فكلاهما محرم العقوق وَيسْرق وقتا لذَلِك السَّبَب وَإِن كَانَت الْمَوَانِع تقوم والعوائق تعوق ويقطعه عَن أَمْثَاله وأشغاله وَمن الْعَجَائِب أَن يقطع الْمَسْرُوق
224 - على بن الْحسن بن مُحَمَّد بن حَمْدَوَيْه بن سنجان
بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَإِسْكَان النُّون بعْدهَا جِيم ثمَّ ألف ثمَّ نون كَذَا ضَبطه ابْن الصّلاح بِخَطِّهِ السنجانى
القاضى أَبُو الْحسن المروزى
قَالَ الْحَاكِم كَانَ أحد فُقَهَاء الشافعيين
سمع أَبَا الموجه مُحَمَّد بن عَمْرو الفزارى وأقرانه بمرو
وبالعراق يُوسُف بن يَعْقُوب القاضى وأقرانه
روى عَنهُ مَشَايِخنَا الْحِكَايَة بعد الْحِكَايَة وَلم يبلغ التحديث
ورد نيسابور قَاضِيا بهَا سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة
سَمِعت أَبَا الْحسن على بن أَحْمد العروضى الْفَقِيه يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن السنجانى قاضينا يَقُول سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج يَقُول يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بالشافعى وَقد تعلق بالمزنى يَقُول رب هَذَا أفسد علومى فَأَقُول أَنا مهلا بأبى إِبْرَاهِيم فإنى لم أزل فى إصْلَاح مَا أفْسدهُ
سَمِعت الْأُسْتَاذ أَبَا الْوَلِيد يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن يَقُول عرض على بنيسابور فِي حُكُومَة وَاحِدَة ألف دِرْهَم فرددتها وتعجبت من أَمر نيسابور ثمَّ قُمْت فَصليت رَكْعَتَيْنِ وشكرت الله على مَا وفقنى لَهُ
هَذَا كَلَام الْحَاكِم
وَذكره أَبُو حَفْص عمر بن على المطوعى فى كِتَابه الْمَذْهَب فى ذكر شُيُوخ الْمَذْهَب فَقَالَ أَبُو الْحسن على بن الْحسن بن سنجان السنجانى قَاض جليل الْقدر نابه الذّكر من أَصْحَاب أَبى الْعَبَّاس وَمن أحفظهم للأقاويل والتوجيهات وتقلد الْقَضَاء بنيسابور انْتهى
وَمن خطّ ابْن الصّلاح فى الْمُنْتَخب الذى انتخبه من الْمَذْهَب نقلته وَضبط بِخَطِّهِ سنجان بِفَتْح السِّين وَإِسْكَان النُّون بعْدهَا ثمَّ الْجِيم
طبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكي
عَليّ بن إِسْمَاعِيل [260 - 324]
ابْن أبي بشر إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة ابْن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله.
إِمَام الْمُتَكَلِّمين، وَهُوَ بَصرِي، انْتقل إِلَى بَغْدَاد، وَبهَا توفّي.
قَالَ الْخَطِيب: كَانَ - يجلس أَيَّام الْجُمُعَات فِي حَلقَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي إِمَام الشافعيين من جَامع الْمَنْصُور.
وَحكى الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالِد إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي " شَرحه لرسالة الشَّافِعِي " عَن الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإِسْفِرَايِينِيّ قَالَ: دخل أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ الْعرَاق وَكَانَ يقْرَأ على أبي إِسْحَاق الْمروزِي الْفِقْه وَهُوَ يقْرَأ على أبي الْحسن الْكَلَام، وَزعم بعض الْمَالِكِيَّة أَنه كَانَ مالكياً، وَلم يصب، فَإِن الَّذِي حَكَاهُ من يخبر حَاله أَنه كَانَ شافعياً.
قَالَ ابْن فورك فِي " شَرحه للمقالات " للأشعري: وَذكر الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ: وَكَانَ أَولا معتزلياً، وَذَلِكَ مَشْهُور بَين الْأَصْحَاب وَغَيرهم.
وَمِمَّنْ ذكر ذَلِك مِنْهُم الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي " شرح الرسَالَة ": أول أمره كَانَ الاعتزال، ثمَّ لما ظهر لَهُ فَسَاد أَقْوَالهم رَجَعَ عَن وَاحِد فواحد حَتَّى خالفهم فِي أَكثر مَا اعتقدوه، وَلم يرجع عَن هَذِه الْمَسْأَلَة يَعْنِي مَسْأَلَة تصويب الْمُجْتَهدين، وَقَالَ: كل مُصِيب، وكل حق.
قَالَ الْخَطِيب: قَالَ بعض الْبَصرِيين: ولد أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي سنة سِتِّينَ ومئتين، وَمَات سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة.
قَالَ: وَذكر لي أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْأَسدي، أَن الْأَشْعَرِيّ رَحمَه الله مَاتَ بِبَغْدَاد بعد سنة عشْرين وَقبل سنة ثَلَاثِينَ وَثَلَاث مئة، وَدفن فِي مشرعة الزوايا، فِي تربة إِلَى جَانبهَا مَسْجِد، بِالْقربِ مِنْهَا حمام، وَهِي عَن يسَار الْمَار من السُّوق إِلَى دجلة.
قَالَ: وَذكر أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن جزم الأندلسي - وَهُوَ الظَّاهِرِيّ أَن أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مئة
قَالَ: وَله خمس وَخَمْسُونَ تصنيفاً.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: وَهَذَا أقرب، وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْن فورك.
-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-
الأشعري:
العَلاَّمَةُ إِمَامُ المُتَكَلِّمِين، أبي الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي بِشْرٍ إِسْحَاقَ بنِ سَالِمِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى ابنِ أَمِيْر البَصْرَةِ بِلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ ابْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي مُوْسَى عَبْدُ اللهِ بنُ قَيْسِ بنِ حَضَّارٍ الأَشْعَرِيُّ، اليَمَانِيُّ، البَصْرِيُّ.
مَوْلِدُهُ سَنَةَ سِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَقِيْلَ: بَلْ وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي خَلِيْفَة الجُمَحِيِّ، وَأَبِي عَلِيٍّ الجُبَّائِيّ، وَزَكَرِيَّا السَّاجِيِّ، وَسَهْلِ بن نُوْح، وَطَبَقَتِهِم، يَرْوِي عَنْهُم بِالإِسْنَاد فِي تَفْسِيْره كَثِيْراً.
وَكَانَ عجباً فِي الذَّكَاء، وَقوَة الفهمِ. وَلَمَّا بَرَعَ فِي مَعْرِفَةِ الاعتزَال، كرِهه وَتبرَّأَ مِنْهُ، وَصَعِدَ لِلنَّاسِ، فتَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ، ثُمَّ أَخذ يُردُّ عَلَى المُعْتَزِلَة، وَيهتِك عِوَارَهُم.
قَالَ الفَقِيْه أبي بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ: كَانَتِ المُعْتَزِلَةُ قَدْ رفعُوا رُؤُوْسهُم، حَتَّى نشَأَ الأَشْعَرِيُّ فحجرهُم فِي أَقمَاع السِّمْسِم.
وَعَنِ ابْنِ البَاقلاَنِيِّ قَالَ: أَفْضَل أَحْوَالِي أَنْ أَفهَمَ كَلاَمَ الأَشْعَرِيّ.
قُلْتُ: رَأَيْتُ لأَبِي الحَسَن أَرْبَعَة توَالِيف فِي الأُصُوْل يذكرُ فِيْهَا قوَاعدَ مَذْهَبِ السَّلَف فِي الصِّفَات، وَقَالَ فِيْهَا: تُمَرُّ كَمَا جَاءت. ثُمَّ قَالَ: وَبِذَلِكَ أَقُول، وَبِهِ أَدين، وَلاَ تُؤوَّل.
قُلْتُ: مَاتَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حطَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الحَنَابِلَة وَالعُلَمَاء.
وَكُلُّ أَحَدٍ فُيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إلَّا مَنْ عصم الله تعالى اللهم اهدنا، وارحمنا.
وَلأَبِي الحَسَنِ ذكَاءٌ مُفْرِط، وَتبحُّر فِي العِلْمِ، وَلَهُ أَشيَاء حسنَة، وَتصَانيف جَمَّة تقضِي لَهُ بسعة العلم.
أَخَذَ عَنْهُ أَئِمَّةٌ مِنْهُم: أبي الحَسَنِ البَاهِلِيُّ، وَأبي الحَسَنِ الكِرْمَانِيُّ، وَأبي زَيْد المَرْوَزِيُّ، وَأبي عَبْدِ اللهِ بنُ مُجَاهِد البَصْرِيّ، وَبُنْدَار بن الحُسَيْنِ الشِّيرَازِيُّ، وَأبي مُحَمَّدٍ العِرَاقِيُّ، وَزَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، وَأبي سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيُّ، وَأبي نَصْرٍ الكَوَّاز الشِّيرَازِيُّ.
قَالَ أبي الحَسَنِ الأَشْعَرِيّ فِي كتَاب "العُمَد فِي الرُّؤْيَة" لَهُ: صَنَّفْتُ "الْفُصُول فِي الرَّدِّ عَلَى الملحدينَ" وَهُوَ اثْنَا عَشرَ كِتَاباً، وكتَاب "الْمُوجز"، وكتَاب "خَلْق الأَعمَال"، وكتَاب "الصِّفَات"، وَهُوَ كَبِيْر، تكلَّمنَا فِيْهِ عَلَى أَصنَافِ المُعْتَزِلَة وَالجَهْمِيَّة، وكتَاب "الرُّؤْيَة بِالأَبصَار"، وكتَاب "الخَاص وَالعَام"، وكتَاب "الرَّدّ عَلَى المجسِّمَة"، وكتَاب "إِيضَاح البرهَان"، وكتَاب "اللُّمَع فِي الرّدِّ عَلَى أَهْلِ البِدَع"، وكتَاب "الشَّرح وَالتَّفصيل"، وكتَاب "النَّقض عَلَى الجُبَائِيّ"، وكتَاب "النَّقْض عَلَى البَلْخِيّ"، وكتَاب "جمل مقَالاَت الْمُلْحِدِينَ"، وَكتَاباً فِي الصِّفَات هُوَ أَكْبَر كتبنَا، نقضنَا فِيْهِ مَا كُنَّا أَلَّفنَاهُ قَدِيْماً فيها على تصحيح مذهب المعتزلة، لَمْ يُؤلَّف لَهُم كِتَاب مثلُه، ثُمَّ أَبَان الله لَنَا الحَقَّ فَرَجَعْنَا. وكتَاباً فِي "الرّدّ عَلَى ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ"، وكتَاب "القَامع فِي الردّ عَلَى الخَالديّ"، وكتَاب "أَدب الجَدَل"، وكتَاب "جَوَاب الخُرَاسَانيَّة"، وكتَاب "جَوَاب السِّيْرَافيين"، و"جَوَاب الجُرْجَانيين"، وكتَاب "المَسَائِل المنثَوْرَة البَغْدَادِيَّة"، وكتَاب "الفنُوْنَ فِي الرّدِّ عَلَى المُلْحدين"، وكتَاب "النَّوَادر فِي دقَائِق الكَلاَم" وكتَاب "تَفْسِيْر القُرْآن". وَسَمَّى كتباً كَثِيْرَةً سِوَى ذَلِكَ. ثُمَّ صَنَّفَ بَعْد "العُمد" كتباً عِدَّةً سمَّاهَا ابْنُ فُورَك هِيَ فِي "تَبْيِين كذب المفترِي".
رَأَيْتُ لِلأَشعرِيّ كلمَة أَعجبتَنِي وَهِيَ ثَابِتَة رَوَاهَا البَيْهَقِيّ، سَمِعْتُ أَبَا حَازِم العَبْدَوِيَّ، سَمِعْتُ زَاهِر بن أَحْمَدَ السَّرَخْسِيّ يَقُوْلُ: لَمَّا قَرُبَ حُضُوْرُ أَجل أَبِي الحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ فِي دَارِي بِبَغْدَادَ، دعَانِي فَأَتَيْتُه، فَقَالَ: اشهدْ عليَّ أَنِّي لاَ أَكفِّر أَحَداً مِنْ أَهْلِ القِبْلَة، لأَنَّ الكلَّ يُشيَرَوْنَ إِلَى معبودٍ وَاحِد، وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّه اخْتِلاَف العِبَارَات.
قُلْتُ: وَبنحو هَذَا أَدين، وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ تيمِيَّة فِي أَوَاخِرِ أَيَّامه يَقُوْلُ: أَنَا لاَ أَكفر أَحَداً مِنَ الأُمَّة، وَيَقُوْلُ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يحافظ عى الْوضُوء إلَّا مُؤْمِنٌ" فَمَنْ لاَزَمَ الصَّلَوَاتِ بوضوءٍ فهو مسلم.
وَقَدْ أَلَّف الأهْوَازِيّ جُزْءاً فِي مثَالب ابْنِ أَبِي بِشْر، فِيْهِ أَكَاذيب. وَجَمَعَ أبي القَاسِمِ فِي مَنَاقِبه فَوَائِد بَعْضهَا أَيْضاً غَيْرُ صَحِيْحٍ، وَلَهُ المُنَاظَرَةُ المَشْهُوْرَةُ مَعَ الجُبَّائِي فِي قَوْلِهِم: يَجِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يَفْعَل الأَصلحَ، فَقَالَ الأَشْعَرِيُّ: بَلْ يَفْعَلُ مَا يشَاء، فَمَا تَقُولُ فِي ثَلاَثَةٍ صِغَار: مَاتَ أَحَدهُم وَكَبُرَ اثْنَانِ، فَآمن أَحَدُهُم، وَكَفَرَ الآخر، فَمَا العِلَّةُ فِي اخترَام الطِّفْلِ؟ قَال: لأَنَّه تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ لكَفَر، فَكَانَ اخترَامُه أَصلح لَهُ. قَالَ الأَشْعَرِيُّ: فَقَدْ أَحيَا أَحَدهُمَا فكفَرَ. قَالَ: إِنَّمَا أَحيَاهُ لِيَعْرِضَهُ أَعْلَى المرَاتب. قَالَ الأَشْعَرِيُّ: فَلِمَ لاَ أَحيَا الطِّفْل لِيَعْرِضَهُ لأَعْلَى المرَاتب؟ قَالَ الجُبَّائِي: وَسوست. قَالَ: لاَ وَاللهِ، وَلَكِنْ وَقَفَ حِمَار الشَّيْخ.
وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا الحَسَنِ تَابَ وَصَعِدَ مِنْبَر البَصْرَة، وَقَالَ: إِنِّيْ كُنْتُ أَقُول: بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَأَنَّ اللهَ لاَ يُرَى بِالأَبصَار، وَأَنَّ الشَّرَّ فِعْلِي لَيْسَ بقدرٍ، وَإِنِّيْ تَائِبٌ مُعتقدٌ الرّدَّ عَلَى المُعْتَزِلَة.
وَكَانَ فِيْهِ دُعَابَة وَمزح كَثِيْر. قَالَهُ ابْنُ خِلِّكَانَ.
وَأَلَّف كُتُباً كَثِيْرَةً، وَكَانَ يقنَع بِاليَسِيْر، وَلَهُ بَعْضُ قرية من وقف جدهم الأَمِيْرِ بلاَلِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ.
وَيُقَالُ: بَقِيَ إلى سنة ثلاثين وثلاث مائة.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايمازالذهبي
علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبي الحسن، من نسل الصح أبي أبي موسى الأشعري, مؤسس مذهب الأشاعرة. كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين. ولد في البصرة. وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجاهر بخلافهم. وتوفي ببغداد, وقال بعض البصريين: ولد أبي الحسن الأشعري فِي سنة ستين ومائتين، ومات سنة نيف وثلاثين وثلاث مائة وقيل: سنة أربع وعشرين وثلثمائة ، وقيل: سنة ثلاثين ، وله مصنفات كثيره منها : اللمع ,وكتاب الموجز . ينظر : وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان للبرمكي الاربلي للإربلي: 3/284, الأعلام للزركلي : 4/263 .
أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ الإِمَام الْكَبِير الْمَشْهُور عَليّ بن إِسْمَعِيل من ولد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الصَّحَابِيّ ينْسب إِلَى مذْهبه الْخلق من الْأَئِمَّة قَالَ فى كتاب التَّعْلِيم لِأَصْحَابِنَا كَانَ حَنَفِيّ الْمَذْهَب معتزلي الْكَلَام وَكَانَ ربيب أبي عَليّ الجبائي وَهُوَ الذى رباه وَعلمه الْفِقْه وَالْكَلَام ثمَّ إِنَّه فَارق أَبَا عَليّ لشيئ جرى بَينهمَا
وانضم إِلَى ابْن كلاب وَأَمْثَاله وتنشق من أصُول الْمُعْتَزلَة وَاتخذ مذهبا لنَفسِهِ ورد على الْمُعْتَزلَة فالتأم إِلَيْهِ جمَاعَة كالباقلاني وَابْن فورك وَأبي الْحسن الطَّبَرِيّ وَعَن ابْن الباقلاني وَابْن فورك أَخذ جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي كالاسفرايني وَغَيره وهم رُؤَسَاء الأشاعرة وَمِنْهُم انْتَشَر مذْهبه قَالَ السَّمْعَانِيّ توفّي بِبَغْدَاد سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث مائَة وَقيل سنة عشْرين وَثَلَاث مائَة وَذكر أَبُو الْمعِين النَّسَفِيّ فى تبصرة الْأَدِلَّة أَنه توفّي سنة أَربع وَعشْرين وَثَلَاث مائَة رَحمَه الله تَعَالَى
-الجواهر المضية في طبقات الحنفية - عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي محيي الدين الحنفي-
أبو الحسن علي بن إسماعيل بن بشر الأشعري: من ذرية أبي موسى الأشعري الصحابي الجليل رضي الله عنه الإمام المتكلم الحافظ النظار القائم بنصرة مذهب أهل السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية وشهرته تغني عن الإطالة في تعريفه. صنف لانتصار أهل السنة التصانيف المهمة وهي كثيرة مشهورة عليها المعول ومن وقف عليها علم أن الله أيّده بتوفيقه منها: اللمع والموجز وإيضاح الأصول والإيضاح والتبيين والشرح والتفصيل وغير ذلك مما هو كثير. كان مالكي المذهب، ترجمته عالية خصت بالتأليف. توفي سنة 324هـ[935 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم ، أبي الحسن الأشعري ، مؤسس مذهب الأشاعرة . كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين ، والاشعري نسبة الى أشعر وهي قبيلة مشهورة من اليمن ، منها جده الصحابي الجليل أبي موسى الاشعري ، ولد سنة 260ه . روى عن : زكريا بن يحيى ، وأبي علي الجبائي ، وغيرهما ، روى عنه : أبي الحسن الباهلي ، وأبي الحسن الكرماني ، وغيرهما ، من مصنفاته : مقالات الإسلاميين ، والفصول في الرد على الملحدين ، وغيرهما ، كان من الأئمة المجتهدين ، توفي سنة 324هـ . ينظر : تاريخ بغداد للخطيب : 13/260 ، وطبقات الشافعية للسبكي : 3/299 ، والأنساب للسمعاني : 1/ 266 ، والجواهر المضيئة : 2/247 . - له ترجمة كاملة منفصلة
علي بن إسماعيل بن إسحاق، أبو الحسن، من نسل الصح أبي أبي موسى الأشعري:
مؤسس مذهب الأشاعرة. كان من الأئمة المتكلمين المجتهدين. ولد في البصرة. وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم ثم رجع وجاهر بخلافهم. وتوفي ببغداد. قيل: بلغت مصنفاته ثلاثمئة كتاب، منها " إمامة الصدّيق " و " الرد على المجسمة " و " مقالات الإسلاميين - ط " جزان، و " الإبانة عن أصول الديانة - ط " و " رسالة في الإيمان - خ " و " مقالات الملحدين " و " الرد على ابن الراونديّ " و " خلق الأعمال " و " الأسماء والأحكام " و " استحسان الخوض في الكلام - ط " رسالة. و " اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع - ط " يعرف باللمع الصغير. ولابن عساكر كتاب "تبيين كذب المفتري، فيما نسب إلى الإمام الأشعري - ط "ولحمودة غراب " الأشعري - ط .
-الاعلام للزركلي-