سعدي بن عبد القادر بن بهاء الدين العمري
ابن عبد الهادي
تاريخ الولادة | 1080 هـ |
تاريخ الوفاة | 1147 هـ |
العمر | 67 سنة |
مكان الولادة | دمشق - سوريا |
مكان الوفاة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
سعدي بن عبد القادر بن بهاء الدين بن نبهان بن جلال الدين العمري الشافعي الدمشقي المعروف بابن عبد الهادي الشيخ العالم الفاضل البارع الأديب الناظم الناثر نادرة العصر ويتيمة الدهر كان من محاسن أدباء دمشق مفنناً كاملاً ولد بدمشق بعد الثمانين وألف ونشأ بها وطلب العلم فقرأ على جماعة من شيوخ دمشق منهم العلامة الشيخ عثمان الشمعة قرأ عليه مختصر المعاني والبيان وشرح الكافية للجامي وأجاز له الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وبرع في النحو والمعاني والبيان والأدب ونظم الشعر الحسن والنثر البديع والخط المعجب ورحل إلى الروم في سنة احدى وثلاثين وخدم سلطانها السلطان أحمد خان رحمه الله تعالى بقصيدة كل بيت بتاريخ حين بنى خزينته لكتب العلم وولي تولية مدرسة دار الحديث الكائنة بدمشق وبعده أخذها المولى محمد العمادي وكانت سابقاً على والده تولاها لما مات العلامة الشيخ عبد القادر الصفوري وكان مدرس المدرسة المذكورة ومتوليها وصادف انه كان بالروم صحبة الأستاذ الكبير الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل مكة فوجهت إليه وترجم المترجم الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه بارع تشق فكرته جيوب الظلماء ويشف طبعه كما يشف الزجاج عن رائق الماء مد للكمالات ذراعاً فاقتعد من سمائه مرزماً وذرعاً وطلع في أفق المحاسن نجماً متقداً واستخلص جواهر الألفاظ منتقداً فأبرزت أصداف رويته درر المعاني وتفتحت كمائمها عن زهر الأنسجام للمعاني فما تخيل معنى الا وآوى إليه ولا أجرى قلما الا وتراكمت القوافي عليه لم ينضب له ماء اقتضاب ولم يصد لمخيلته افرند قرضاب قد جمع بين الظرف والرقة بلطف صير حبات القلوب رقه يألف السمر كما تألف الرياض بلبلها والجوانح مبلبلها فإذا نظم بهر أو نثر فزهر على نهر أو تكلم استنكفت النحور عن جواهر البحور إلى نسبة لا تطاول وسؤدد لا يحاول وفكاهة ترد الشب شباباً وتسترق من ذوي النهى آراء والبابا ولما استقل بالوجاهة استقلالاً واكتمل بدره بعد ما كان هلالاً نزع للروم بداً وورد عذبها مطرداً فتأرجت بأنفاس نظامه واستهدت برفعته وأعظامه وكان في نفسه حاجة فقضاها واكتفى بها مسيرة وارتضاها فخلص منهاإلى عشه خلوص التبر من غشه وما تجهم له محياً ولا تنكر ولا ترنق له صفو ولا تكدر حتى نقد عمره قبض وفي بحبوحة العفو ربض ففقدت باراً يشفق وعضداً لي ومرفق ولي معه أنات تفدي بالروح وتهزأ بالروض المروح طالما جانبني بها أطراف النظم والنثر وقرط سمعي منها بالثريا والنسر وسا ورد عليك ما يضم عليه الأضالع حسناً وتعطر بنشره شفاها ولسنا انتهى مقاله ومن شعره ما مدح به صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام وهو قوله
شجته ثنيات اللوا فبكى وجدا ... وعادت بفيض الدمع مقلته رمدا
ومر به ذكر الأجارع فانثنى ... حليف غرام لا يقر ولا يهدا
يكتم خوف الشامتين عناءه ... ويلبس صوناً عنهم جلداً جلدا
ودون تراقيه كوامن لوعة ... يهجيها ذكراه رامة أو نجدا
إذا هدأ السمار هوم واغتدى ... يوسد وجدا بطن راحته الخدا
وكيف يبيت الليل من كان وامقاً ... وقد ملأ التذكار مقلته سهدا
بحيث معاناة الصبابة والهوى ... تمادت به حتى تجاوزت الحدا
فأصبح مطوي الضلوع على جوى ... يزود بقايا الروح والنفس الأهدا
أسير هوى جارت عليه يد النوى ... وغالته حتى ما يؤمل أن يفدى
وألقته عن قوس الحواجب فارتمى ... إلى حيث لم يسطع لأحبابه ردا
صريع بأرض الشام تندى كلومه ... وقد تخذوا غور الحجاز لهم مهدا
وكيف يرجي القلب من كان موثقاً ... وقد أوسع المقدور شقته بعدا
متى أعمل الأطماع في مهمه الرجا ... أقيمت عوادي الدهر من دون حدا
سقى الله من دمعي إذا فاض غربه ... معاهد لم أخفر لذمتها عهدا
بحيث الصبا النجدي وهنا إذا سرى ... يصافح في أرجائها الشيخ والرندا
وطيب ليال كنت في طي جنحها ... أراوح من نشر القبول بها الندا
مضت فأثيرت جمرة الشوق والهوى ... بها فكأني ما وجدت لها بردا
لك الله يا برق الحجاز إذا هفا ... وجدد في قلبي الصبابة والوجدا
وهب على أكناف رامة موهناً ... يساجد منها النور ان لاح وامتدا
تحمل إذا يممت أشرف مرسل ... من المغرم المشتاق أشرف ما يهدى
نبي به الأكوان من نور ذاته ... تبدت لكي يبقى له شرف المبدا
نبي حوى سر النبوة واهتدى ... وآدم ما عانى الحياة ولا اعتدا
نبي هداه الله من صلب ساجد ... إلى ساجد حتى يكون به الأهدا
وقدس في الأرحام أصداف نوره ... وكيف وقد ضمت به الجوهر الفردا
إلى أن تجلى للوجود وأشرقت ... أسرته كالشمس والقمر الأهدى
وطافت به الأملاك شرقاً ومغرباً ... بلاغاً بأن الله قد صدق الوعدا
فلاح عمود الحق وانبلج الهدى ... وأقشع ليل الشك من بعد ما اشتدا
وقام بنا والحمد لله داعاً ... إلى الحق مختاراً لنا العيشة الرغدا
فلبته من أقصى الشعوب سرائر ... وناجته أرجاء بالسنة الأصدا
وجدد من نجوى الست بربكم ... وقول بلى منا الوثائق والعهدا
وأنهلنا ورداً من الأمن سائغاً ... وأكسبنا فضلاً وأوسعنا رفدا
وهب إلى تأييده كل أروع ... تدرع بالايمان محكمة سردا
أتوا بقلوب آنست بمحمد ... مشارع دين الله قد عذبت وردا
حموه ببأس لا يفل وعزمة ... تصدع ان لاقوا بها حجراً صلدا
وكل دقيق الساق أجرد فوقه ... أشم حديد المتن يفترس الاسدا
وسمر لدى الهيجاء بيض فعالها ... وبيض غداة الروع سود الأعدا
ليوث وغى يوم الهياج رأيتهم ... وقد ثبت الأقوام أثبتهم جندا
وكيف وفيهم أكرم الخلق من سما ... إلى السبع مختاراً فجاوزها فردا
بحيث توارى عنه جبريل وارتقى ... معارج قد عزت على غيره بعدا
وصار لمجلي قاب قوسين الغا ... من القرب أو أدنى فأدرك ما استجدى
نبي هدى لولاه ما نال آدم ... سجال الرضى مما أصاب وما أبدى
وما خمدت نار الخليل التي غدت ... تشب ولا كانت سلاماً ولا بردا
ولا أنس النور ابن عمران عندما ... تجلى له من جانب الطور فانهدا
ولا شملت من قبل قبضة نوره ... سرائر أهل العزم فامتلأت رشدا
فيا خير من تحيى القلوب بذكره ... وتأمن من بعد الهداية أن تصدى
وأوضح من أبدى وأشرف من هدى ... وأصدق من أدى وأكرم من أسدى
قصدتك والجاني المفرط هل يرى ... سواك إذا اشتدت مسالكه قصدا
وليس لنا الا رجاؤك عدة ... إذا اقتدحت أيدي الخطوب بنا زندا
وأطلعنا اليوم العبوس وكلنا ... هناك حيارى لا غشاء ولا بردا
وقد نضت الآمال فضل قناعها ... وفاجأنا وجه الصحائف مسودا
وأنت على نهج الحقيقة واقف ... تشاهد ما أخفى القضاء وما أبدى
بحيث لواء الحمد يخفق والورى ... تلوذ به مستشرفين بك الخلدا
لتسعدهم منا بفضل شفاعة ... يجاز بها متن الصراط إذا امتدا
فأنت لما ترجوه خير مؤمل ... وأعظم من تأبى خلائقه الردا
وأكرم من تغشى ذيول قبوله ... مدائح من أثنى وقد بلغ الجهدا
فيكمل بالاسعاف سعدى وينثني ... بفضل رسول الله منصلح المغدا
عليه وباقي الصحب أوفى تحية ... تجدد مع أثنى الصلاة له حمدا
وله أيضاً
سلام على المبعوث من خير عنصر ... إلى أمة عزت به حين وافاها
نبي هدى لولا موارد هديه ... لما حمدت أهل الهداية مسعاها
عليه صلاة الله ما لاح كوكب ... تصافح ذياك الحمى عند مغداها
وله أيضاً
ظنوني وان ساءت فعالي جميلة ... بمن هو في فعل الجميل جميل
وكيف وعندي للنبي علاقة ... تحدثني ان المحب دخيل
وله
تنزه عن التدبير واصطحب الرضى ... ولا تتخذ في الأمر رأياً ولا قصدا
فإن مقادير الأمور إذا جرت ... تحل من التدبير ما استحكم العقدا
وله
جادت لنا باللقا موشية الحبر ... ذات الخلاخل ريا المبسم العطر
تختال بين صموت من دمالجها ... وناطق من تناجى حليها الهذر
لميا المراشف معسول مقبلها ... هيفا المعاطف بين الطول والقصر
ترنو بأكحل يغشاه الفتور فما ... تفيد من غازلته رقية الحذر
تسبي الأنام بوجه كالصباح غدا ... مطرفاً بدجى الطراف والطرر
ومنطق في فم الأسماع أعذب من ... روائع قد برتها رنة الوتر
عاطيتها ودواعي الانس تمرح بي ... من المنى ما أجادته يد الفكر
من كل مخطوبة للسمع تحسبها ... من لطفها اعتصرت من نسمة السحر
تجلي بأبدع ألفاظ فرائدها ... تحكي عقود ثنايا ثغرها العطر
والبدر دوم نحو الغرب وانفضحت ... عرى الثريا لما عانت من السهر
وقد نضى الفجر برد الليل مبتدراً ... يحكي أسرة تلك الأوجه الغرر
بيض الصحائف من أضحت مأثرهم ... استغفر الله في العلياء كالسرر
ومن لهم في المعالي كل مكرمة ... دلت على فضل ما نالوه بالأثر
قوم جسام مساعيهم لها أبدا ... إذا دجى الخطب فعل الصارم الذكر
جلوتها بعيون الفكر فابتدرت ... بحسن أمداحهم مملوءة فقرى
وعاد صعب القوافي الغر طوع يدي ... إذا تجارين لا تقفو سوى أثرى
وكنت فيهم وقد أضحوا بحور ندى ... كغائص يتقصى أحسن الدرر
وهكذا كل من يغشاه طيب شذى ... في الروض لا يهتدي الا إلى الزهر
يا سادة أحرزوا رق الثناء بما ... أولوه من أنعم تنهل كالمطر
اليكم بنت فكر في رود هنا ... أعيت على سانحات البدو والحضر
بوارد يتسامى في معارجكم ... ليجتني زهرات الفضل من عمر
تاريخه جاء في بيت فرائده ... تلوح في صفحات السمع كالشذر
نجل به حبى الاسعاد حين بدا ... والحمد لله في العلياء كالقمر
لا زال يبلغ في أفيائكم ربقاً ... يرمي بها كبد الحساد بالشرر
ما مزق الفجر أثواب الدجى وشدا ... طير على فرع غصن في الربا نضر
وله مؤرخاً تجديد الدارة التي في الحجرة الشريفة النبوية المكتوب فيها اسم النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما
أنا النير السامي على كل فرقد ... لأني في أكناف أكرم سيد
ألوح كبدر التم حسناً وأجتلي ... ملامح نور الحق من غير مشهد
وكيف وقد ضميت أسماء من لهم ... لو أشرف يضفو على كل سؤدد
محمد المبعوث للخلق رحمة ... وأكرم هاد للأنام ومهتدي
وسيدنا الصديق أكرم صاحب ... كذا السيد الفاروق أعظم مرشد
فلا برحت سحب الصلاة مع الرضى ... تصافح منهم مرقداً بعد مرقد
وعمت أماني من هداني لبابكم ... شفاعة خير العالمين محمد
بشير قديم العهد في ظل وسوحكم ... له أمل يفضي لا شرف مورد
فيا أشرف الرسل الكرام اغاثة ... لمن لاذ بالأعتاب يا خير منجد
وها حاجتي في ضمن بيت مؤرخ ... نما مفرداً في حسنه كل مفرد
بجاهك يرجو العفو يا سيد الورى ... وبالسيدين الزاكيين مجددي
وله
ان الذي قلب المعنى كواه ... طارحتي ذكر المنايا هواه
بات يعاطيني كؤوس المنى ... تذكر العهد الذي قد طواه
فانحل سلك الدمع من مقلة ... كحيلة بالسهد ترعى سهله
حتى ذوت أفنان صبري به ... وحركت غصن التياعي نواه
خلعت سلواني على لائمي ... ولم أعر سمعي لتلك الوشاه
فان نأى فالقلب في أثره ... وان دنا كلى عيون تراه
أبيت والآمال قد أكحلت ... عيون وجدي أسفاً بانتباه
لولا النوى جارت وصبري انقضى ... ما بحت بالشكوى ولا قلت آه
وله
عجبت لهذا الدهر كيف انقلابه ... بأطوار ذي حزن وحالات جذلان
فإن أمس مسروراً أبيت بأزمة ... وإن راق لي يوماً تكدر بالثاني
ومن نثره قوله المولى المشار غيه خلد الله أنواع السعادة عليه ولا برحت حياض فضائله متدفقه ورياض مساعيه بأنواع المحامد مورقة ما أخضل بمديحه يراع فأزهر بروائع الأبداع المعروض أثر رفع الأكف بالدعاء المفروض ونشر ألوية الثناء على فنن تلك الموارد الحسناء هو أن ترادف الأمطار من أجفان كل ديمة منعت هذا العبد عن التمتع بتقبيل تلك الأيادي الكريمة وحبستني حبس الغريم وألزمتني العزلة عن كل صديق وحميم غير اني مما يجلب الأنس من البيضاء والصفراء فارغ الأكف ملئ الأواني والأماكن من النق والدلف انتقل في كنى من زاوية إلى زاوية تنقل الخط من مركز الدائرة إلى احاطة متساوية فالمرجو ممن اخاطبه عز مقامه وجانبه ان يدفع عن هذا الداعي حرارة السوداء بشيء من البيضاء والصفراء وله الفضل في الدنيا والجزاء في الأخرى وان لا يرجع رسولي بخفي حنين عبوس الوجه صفر اليدين.
ولا برحت كفاك يا ملجأ الورى تفك ذوي الأيسار من قبضة العسر وله غير ذلك من النظم والنثر وكانت وفاته بدمشق في يوم الأربعاء رابع عشر جمادي الثانية سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح ورؤي بعد وفاته بخطه هذان البيتان تاريخاً له وهما قوله
جد الهي على محمد سعدي ... ذاك يحثي بتوبة يا حميدا
منك بالفضل بعد تحقيق سعدي ... أرخوا طالب ختاماً حميدا
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل.