فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي الغرناطي
أبي سعيد
تاريخ الولادة | 701 هـ |
تاريخ الوفاة | 782 هـ |
العمر | 81 سنة |
أماكن الإقامة |
|
- عبد الواحد بن شرف الدين منصور بن المنير الإسكندري أبي محمد فخر الدين "عز القضاة"
- محمد بن يحيى الأشعري المالقي "ابن بكر محمد"
- أحمد بن الحسين بن علي الزيات الكلاعي أبي جعفر "ابن الزيات"
- محمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد الهاشمي الطنجالي
- إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع الربعي التونسي "أبي إسحاق"
- إبراهيم بن محمد بن جابر الجذامي الوادي آشي "أبي إسحاق"
- عبد الله بن علي بن عبد الله أبي محمد "ابن سلمون الكناني"
- عبد الله بن محمد بن أبي القاسم بن البراء التنوخي أبي محمد
- منصور بن أحمد بن عبد الحق الزواوي المشذالي "ناصر الدين"
- عمر بن أبي اليمن على بن أبي النجا سالم بن صدقة اللخمي "تاج الدين ابن الفاكهاني"
- أحمد بن عبد النور بن أحمد أبو جعفر المالقي "ابن عبد النور أحمد"
نبذة
الترجمة
الخطيب الأستاذ أبو سعيد فرج بن قاسم بن احمد بن لب التغلبي (بين تأليف الإحاطة والكتيبة الكامنة تغيرت صورة ابن لب لدى لسان الدين. فقد وصفه في الإحاطة بأنه من أهل الخير والطهارة والذكاء والديانة وحسن الخلق وإنه كان معظماً عند الخاصة والعامة مقروناً اسمه بالتسويد. (وقد ذكره الشيخ أبو زكريا السراج في فهرسته وقال: قل من لم يأخذ عنه في الأندلس في وقته وله تواليف وفتاوى؛ ولد 701 وتوفي 782) ، وهو لهذا العهد بقيد الحياة:
هذا الرجل توكئ عليه لما عدم الزمان الوساد، وخلت الديار فساد، وخلف ثعلبانه الاساد، لم يستند إلى ابوة ترعى، ولا ناظر عن اصل الأصالة فرعا، انما هو اكتساب لا انتساب، ونجابة لم يقع عليها حساب، جعلت العلم درجا، واجبلت عليه بسببه فرجا، فنالت من أهلها ما اشتهت، واستأثرت بجنى السحوق، الجامحة عن اللحوق، وقد زهت، حتى إذا حصل المطلوب، واطمأنت بتحصيل الغاية القلوب، ودرت الحلوب غلب الهوى المغلوب، فبدا له، وحطت الحال الصالحة لادالة، وعزلت الجرحة العدالة، وساء الاعتقاد، وعظم من الناس الانتقاد، ونيطت الهنات، وهدمت الصروح المبتناة، وفكت الألسن العناة، وقبحت من بعد المشيب القالة، وشهدت بفساد المعاملة الأولى هذه الاستقالة، والشيخ
لا يبالي بعذل، في مهاودة الطبع الخاذل، وليس بأول من ابق، وفك الربق، واعجبه أصيل العمر فاغتبق. ولله القائل:
وقالوا: أتلهو والشباب قد انقضى ... وعمرك قد ولى ولم يبق طائل
فقلت: أصيل العمر ما قد بلغته ... وأطيب أوقات النهار الأصائل وما عسى ان يجدي التانيب، وقد شرد الجنيب {الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} (الشورى: 13) وهو وان ضل عن هدى، واصبح في هواه مجتهدا، فمحله من الطلب لا ينكره ذو حب صاف، ولا مدعي اتصاف بوصف انصاف، ويلم بالنظر أحيانا، ويبين عن أغراضه بيانا، راجع الله به. فمن شعره :
خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقى ... فما زال قلبي كله للهوى رقا
دعوا القلب يصلي في لظى الوجد ناره ... فنار الهوى الكبرى هو الأشقى
سلوا اليوم أهل الوجد ماذا لقوا به ... فكل الذين يلقون من بعض ما ألقى
فان كان عبد يسال العتق مالكا ... فلا ابتغي من مالكي في الهوى عتقا
بدعوى الهدى يدعو أناس وكلهم ... إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطرقا
فطرق الهوى شتى ولكن أهله ... يحوزون في يوم السباق به السبقا فكم جمعت طرق الهوى بين أهلها ... وكم أظهرت عند السرى بينهم فرقا
بسيما الهوى تسمو معارف أهله ... فحيث يرى سيما الهوى فاعرف الصدق
فمن زفرة تزجي سحائب عبرة ... إذا زفرة ترقى فلا عبرة تبقى
إذ سكتوا عن وجدهم أعرفت بهم ... بواطن أحوال وما عرفت نطقا
وقال يمدح بعض مماليك السلطان يسترفده، أيام كانت فارغة من الدنيا يده:
مالت بنا ايدي الرجاء فلم تجد ... متناولا للجود غير مسافر
فتناولته وهو في بحر الندى ... عذب يطيب لوارد أو صادر
قد دل منك عليك فضلك إنني ... لم آت إلا بالدليل الظاهر
القى عليك الفضل منه محبة ... في الناس تنفح بالثناء العاطر
نشر الرجاء وكان يدعى ميتا ... فاليوم يدعى بالرجاء الناشر
وإذا الرجاء آتى بصدق أولا ... شهدت أوائله بصدق أواخر
أمسافر خير المتاجر متجر ... لله فيه عرفت اربح تاجر
لازلت تجمع بين غر محامد ... تهدى إليك بين غر مآثر
ومن شعره في الغرض الذي انهمك فيه الكبر، وإنها لإحدى الكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله:
وصالك يا مولاي بعت به ديني ... فعجله قبل الحين للصب في الحين
وصالك مطلوبي وقربك جنتي ... وان زينت بالحور عدن وبالعين
وما أنا إلا ميت إن هجرتني ... نحولي يكفيني إذا شئت تكفيني
غليل: ولكن أنت ريي من الظما ... عليل: ولكن ليس غيرك يشفيني
لقد جل ما بي عن عبارة مقولي ... وما كل حال يستفاد بتبين
طبقة المقرئين والمدرسين، والممهدين لقواعد المعارف والمؤسسين
وهذه الطبقة أولى ممن قبلها بدرجة الانحطاط، وغض عنان الاشتطاط، اذ لا خفاء عند المتمرس، بفضل الخطيب في باب الفصاحة على المدرس، إلا ما وقع بالعرض، وخرج عن هذا القياس المفترض.
الكتيبة الكامنة في من لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة - لسان الدين بن الخطيب، محمد بن عبد الله.
فرج بن قاسم بن أحمد بن لب، أبو سعيد التغلبي الغرناطي:
نحوي، من الفقهاء العلماء، انتهت إليه رياسة الفتوى في الأندلس. ولي الخطابة بجامع غرناطة.
له كتاب في " الباء الموحدة " و" الأجوبة الثمانية - خ " قصيدة لامية، وشرحها، في خزانة الرباط (المجموع 262 ق) وأرجوزة في " الألغاز النحوية - خ " في 70 بيتا، مع شرح له عليها 10 أوراق، ورسالتان - خ، في الفقه، بالرباط (الأول من القسم الثاني 260، 350)
-الاعلام للزركلي-
أبو سعيد فرج بن قاسم بن لب الغرناطي: إمامها ومفتيها وعالمها الفهامة من أكابر العلماء ومحققيهم العلامة له درجة الاختيار في الفتوى معظم عند الخاصة والعامة أكثر المواق من النقل عنه في شرح المختصر وقال: نحن على فتاويه في الحلال والحرام. أخذ عن القاضي المعروف بابن بكر وبه تفقه وأبي جعفر الزيات وأبي محمد بن سلمون والطنجالي وأجازه والناصر المشذالي وابن عبد الرفيع وأبي محمد بن البراء وابن عبد النور والتاج الفاكهاني وفخر الدين بن المنير وغيرهم. وروى عن ابن جابر الوادي آشي وعنه من لا يعد كثرة منهم أبو زكرياء السراج والمنتوري وقاسم بن علي المالقي والإمام الشاطبي ومحمد بن عاصم وابنه أبو يحيي بن عاصم وأخوه أبو بكر وأبو القاسم بن سراج والإمام الحفار وابن بقي ولسان الدين ابن الخطيب وابن زمرك وابن علاق وابن الخشاب ومحمد بن جزي. له تأليف في مسائل من العلم كمسألة الدعاء إثر الصلوات ومسألة الإمامة بالأجرة والرد على ابن عرفة في القراءة بالشاذ في الصلاة وشرح جمل الخزرجي وتصريف التسهيل وفتاوى مشهورة. مولده سنة 701 هـ وتوفي في ذي الحجة سنة 782 هـ[1380 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
يوجد له ترجمة في: الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.
شيخنا الفقيه الخطيب فرج بن قاسم
ابن أحمد بن لب التغلبي (قال في نفح الطيب في التعريف به: شيخ الشيوخ العلامة أبو سعيد فرج بن لب، وذكره لسان الدين في الإحاطة بالمدح والثناء وقال إن عليه مدار الشورى وإليه مرجع الفتوى لقيامه على الفقه وغزارة علمه وحفظه، إلى المعرفة بالعربية واللغة، ومعرفة التوثيق، والقيام على القراءات والتبريز في التفسير، والمشاركة في الأصلين والفرائض والأدب. وقد ولي الخطابة بالجامع (بغرناطة) وقعد للتدريس، وأقرأ بالمدرسة النصرية. ووصفه مترجموه بالذكاء وحسن الخلق وإصابة التعليم، وسعة المعلومات.).
[كنيته:]
يكنى أبا سعيد، وأدركته، وبعث لي بالإجازة العامة من غرناطة إلى فاس، وأنا قاطن بها في حضرة الملوك من مرين، حين أخرجنا عن الأندلس بنو عمنا الملوك من بني نصر. وهو من أهل غرناطة. وولاه الخطابة بجامعها الأعظم أمير المسلمين يوسف ابن عم أبينا. وهو الآن يخطب به على حاله-أعانه الله تعالى-.
حاله-نسأ الله في أجله-
هو معيد البلاغة ومبديها، وعالم الأندلس ومفتيها، ومظهر مشكلات العلوم ومجليها. وشيخها وفتاها، وحامل لواها، وفارس البراعة والمتلفع برداها. قد تحلى بالسكينة والتقوى، والتزم الطاعة في السر والنّجوى. إن حضر مع الفقهاء مجلسا، واحتل للأدباء مكنسا؛ فله يتبعون، وعلى قوله يعولون. وهو المصيب في كلامه ونظمه، بثقوب ذهنه واتساع علمه. مع باع مديد في النحو واللغة الغريبة، وحفظ للآداب والتواريخ العجيبة، ومعرفة شديدة، بالأصول والفروع والحديث، مصيبة. ونبل فائق في العروض والمنطق والبيان، وعلم الكلام والقراءات وتفسير القرآن. وهو يرى في كل لهذه العلوم قاريا، ولتدريسها ملازما، وعلى نهج تبيانها جاريا. وينظم القصائد النفائس، فتأتي كالقلائد في أجياد العرائس.
ولعمري ما تكلم مع أحد من الناس، في توجيه مسألة فقهية أو قياس؛ إلا كان له عليه الظهور، شهد له بذلك الخاصة والجمهور.
أنشدني لنفسه يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا البرق ثار أثار ادّكارا … لقلبي فأذكى عليه أوارا
تروم جفوني لنار الهوى … خمودا فتهمي دموعي غزارا
فماء جفوني يسحّ انهمالا … ونار فؤادي تهيج استعارا
أطيل العويل صباح مساء … كئيبا ولست أطيق اصطبارا
5 رقيت مراقي للحبّ شتى … فأفنى مرارا وأحيى مرارا
أحنّ اشتياقا لريح مرت … وأبدي هياما لبرق آنارا
حنينا وشوقا إلى معلم … حوى شرفا خالدا لا يجارى
به أسكن الله أسمى الورى … نبيّا كريما، وصحبا خيارا
هو المصطفى المنتقى المجتبى ... أرى معجزات وآيا كبارا
10 يحقّ علينا ركوب البحار … وجوب القفار إليه ابتدارا
وأمّ ذراه فمن يعطه … كفاه اعتلاء، أجل، وافتخارا
فيا فوز من فاز في طيبة … بلثم المغاني جدارا جدارا
وألصق خدّا على تربها … وأكمل حجّا بها واعتمارا
وأهدى السّلام لخير الأنام … على حين وافى عليه فزارا
15 لأنت الوسيلة والمرتجى … ليوم يرى الناس فيه سكارى
وما هم سكارى ولكنّهم … دهتهم دواه فهاموا حيارى
ترى المرء للهول من أمّه … ومن أقربيه يطيل الفرارا
وكل يخاف على نفسه ... فيكسوه خوف الإله انكسارا
فصلّى الإله-رسول الهدى- ... عليك، وأبقى هداك منارا
20 وقدّس ربي ثرى روضة ... يعمّ الجهات سناها انتشارا
أعير شذى المسك منها الثّرى ... بل المسك منها شذاه استعارا
هنيئا لمن بهداك اهتدى ... ومغناك وافى وإيّاك زارا
قال إسماعيل بن الأحمر، مؤلف هذا الكتاب: أخبرني شيخنا أبو سعيد هذا، أنه عارض بقصيدته هذه قصيدة الفقيه الإمام القاضي الرئيس شهاب الدين أبي الثناء محمود بن سليمان بن فهد الحلبي (شهاب الدين محمود بن سليمان (وقيل سلمان) بن فهد الحنبلي الحلبي ثم الدمشقي، من كتاب ديوان الإنشاء المشهورين. ولد بحلب سنة 664، وولي كتابة الإنشاء في دمشق وانتقل فعمل في مصر مدة ثم عاد إلى دمشق، واستمر فيها إلى وفاته سنة 725. وولي كتابة السر ثماني سنوات قبل وفاته) صاحب «ديوان الإنشاء بالشام» التي هي:
وصلنا السّرى وهجرنا الدّيارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا
وهذه القصيدة نظمها الرئيس أبو الثناء بالحجاز الشّريف في طريق المدينة شرفها الله-وعلى ساكنها السلام. وقد شرحتها، وشرحي لها أذكره هنا معها.
وحدّثني بالقصيدة شيخاي الفقيهان الإمامان العالمان المحصلان المفتيان القاضيان الخطيبان: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الملك الفشتالي قاضي الجماعة بفاس والشريف أبو الحسن محمد بن عبد الرحمن الحسني المعروف بالمومناني الفاسي عن الفقيه الإمام المحدث الرواية المسند الحافظ الحاج الرحّال محبّ الدين أبي عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن رشيد الفهري السّبتي نزيل فاس. قال أنشدني لنفسه الفقيه الإمام العام العلامة الرئيس القاضي شهاب الدين أبو الثناء محمود ابن سليمان بن فهد الحلبي في سنة تسع وثمانين وست مئة بطريق المدينة:
وصلنا السّرى وهجرنا الدّيارا ... وجئناك نطوي إليك القفارا
أتيناك نحدو البكا والرّكاب ... ونبعث إثر القطار القطارا
إذا أخذت هذه في الرّبا ... صعودا أبى ذاك إلا انحدارا
وإن فاض ماء لفرط الحنين ... ورجّع حادي السّرى عاد نارا
كأني به وهو يجري دما ... وقوفا على الخيف نرمي الجمارا
قال إسماعيل بن الأحمر مؤلف هذا الكتاب-لطف الله به-:
قوله «أتيناك نحدو» إلى آخره. الحادي هو السائق من خلف العيس منشدا لتقوى على السير. والهادي: السائق من أمام. والبكا يمد ويقصر بمعنى. وقيل البكاء (ممدود)، هو العويل والصياح.
[والبكا] (مقصور) البكاء بالدمع من غير عويل. والركاب: الإبل تحمل القوم، ويقال لراكبيها وراكبي سائر الدواب: الرّكب، على وزن الضرب، والأركوب، بضم الهمزة، والركبان. ويقال في جمع راكب السفينة ركّاب بضم الراء، وإضعاف الكاف. والقطار الأول جمع قطر (مفتوح القاف، ساكن الطاء المهملة): الاسم لما يقطر من الماء. يقال قطر الماء (بالفتح) قطرا -بسكون الطاء-وقطرانا. والاسم القطر، والجمع القطار. والقطار الثاني تقطير الإبل على نسق حتى تكون كالسطر.
وقوله: «إذا أخذت هذه في الرّبا» إلى آخره. جمع ربوة، بضم الراء وهي الأكمة. والأجمة التل. ويقال: الرابية، والربوة، بكسر الراء.
والرّباوة على وزن الهراوة. و «الصّعود» بضم الصاد والعين المهملتين الارتقاء يقال: صعد، بكسر العين صعودا. أو أصعد-أيضا-على وزن أكرم، إذا ارتقى مشرفا، أي موضعا يشرف عليه. والصّعود-بفتح الصاد- الطريق إليه. والجمع أصعدة. وقيل، يقال: صعد في الجبل، وأصعد في الأرض لا غير. والانحدار: الهبوط من علو إلى سفل.
يقول: إذا طلعت بهذه الإبل ربوة بعد ربوة زادت الدموع جريانا وهبوطا. يصف بذلك وبالبيتين بعده: الدمع.
أتيناك سعيا ننادي البدارا … إلى سيّد المرسلين البدارا
إلى أشرف الخلق في محتد … وحام جوارا، وأعلى نجارا
إلى من به الله أسرى إليه … وما زاغ ناظره حين زارا
ولمّا نزعنا شعار الرّقاد … لبسنا الدّجى وادرّعنا النّهارا
نميل من الشوق فوق الرّحال … كأنا سكارى ولسنا سكارى!
نجافي عن الطّيف أجفاننا … فلا نطعم النّوم إلا غرارا
ونسري مع الشّوق أنّى سرى ... ونتبع حادي السّرى حيث سارا
ونسأل والدار تدنو بنا … عن القرب في كل يوم مزارا
وما ذاك أنا سمعنا السّرى … ولكن دنونا فزدنا انتظارا
إذا البرق عارضنا موهنا … حسبنا سنى طيبة قد أنارا
فنفري بأذرع تلك النّياق … أديم الفلا غدوة وابتكارا
ونرمي بهنّ صدور الفجاج … كأنّا نشنّ عليها مغارا
قوله «موهنا» يريد ساعة مضت من الليل. يقال لذاك الوقت وهن؛
بسكون الهاء، وموهن؛ و «نفري»: نقطع. و «أذرع» جمع ذراع.
و «النّياق» جمع ناقة. و «أديم الفلا»: وجهها، أراد ظاهرها.
و «الغدوة»: بضم الغين المعجمة، معروفة. وبفتحها المرّة الواحدة من الفعل في ذلك الوقت. و «الابتكار» المضي بكرة، وكذلك البكور.
و «الإبكار» على وزن الإكرام اسم للبكرة. والفجاج: الطّرق الواسعة في أقبال الجبال واحدها فجّ، بفتح الفاء وإضعاف الجيم. والأقبال: جمع قبل، وقبلك، على ما لم يسم فاعله، أي استقبل وجهك. «نشنّ» أي نبثّ خيلا. يقال شن وأشن. والمغار: اسم المصدر من أغار؛ هذا بفتح الميم، والاسم الغارة؛ وهو إتيان القوم للقتال.
إذا رقصت في الفلاة المطيّ … جعلنا الدّموع عليها نثارا
تساند أرجلها في السّرى … لديها وتشكو اليمين اليسارا
ونجمع بين السّرى والمسير ... ونجفو الكرى ونعاف القرارا
وكيف القرار إلى أن نراك ... وتدني المطيّ إليك المزارا
ومن كان يأمّل منك الدّنوّ ... أيملك دون اللّقاء اصطبارا؟!
ترى تنظر العين هذا البشير ... يريني على البعد تلك الدّيارا
لأعطيه روحي سرورا بها ... وأوطيه طرفي وخدّي اعتذارا
وأمسح عن أرجل اليعملات ... بأجفان عينيّ ذاك الغبارا
وأهدي-على القرب-منّي السّلام ... حسبي بها رتبة وافتخارا
وأكتب شوقي بماء الدّموع ... بسيطا إذا اللّفظ كان اختصارا
وأفدي بما طال من مدّتي ... بطيبة تلك اللّيالي القصارا
ترى هل أناجي هناك الرّسول ... جهارا كما أرتجي أو سرارا؟
وأعلم أنّي على بابه ... وقفت وقبّلت ذاك الجدارا
وماذا أقول وكلّ الورى ... نشاوى هنالك مثلي حيارى
وأنشد يا شافع المذنبين ... أجر من بباب حماك استجارا
أجرني فقد جئت أشكو الذّنوب ... إليك وأنت تقيل العثارا
فكن شافعي يوم لا شافع … سواك يفكّ العناة الأسارى
فمالي سوى حقّ هذا الجوار … لديك ومثلك يرعى الجوارا
وإني قطعت إليك القفار … فقيرا أقلّ ذنوبا كبارا
وفي قطعها لك فضل عليّ ... ولو خضت دون اللّقاء البحارا
ولو أستطيع قطعت الزّمان ... -وأنت المنى-حجّة واعتمارا
وما كنت أظعن إلا إليك ... إذا ما ملكت لروحي اختيارا
قوله: «اليعملات» هي الإبل التي تعمل حملا وركوبا وغير ذلك.
و «العناة» جمع عان، وهو الأسير. و «الظّاعن»: الشّاخص. يقال ظعن يظعن ظعنا، بفتح العين فيها، وظعونا على وزن خروج، إذا شخص. وشخص هنا صار من مكان إلى مكان، شخوصا.
حمىّ حلّ فيه نبيّ الهدى ... فأضحى به أشرف الأرض دارا
فيا فوز من كلّ عام أتاه ... ويا فوت من غاب عنه خسارا
شممنا الشّذى من مبادي الحجاز ... فخلنا العبير أعار العرارا
فواها لها نفحة أذكرت ... هواي وأذكت بقلبي الشّرارا
إذا خطرت في الرّبا سحرة ... وجرّت ذيولا على الغار غارا
«الغار» هنا نبت طيب الريح. وغار: الماضي من «الغيرة». تقول غار الرّجل يغار غيرة وغارا فهو غيران. وامرأة غيور وغيرى، والجمع الغير على مثال السّرر، والغيارى على مثال الحيارى.
يمانية زانها أنّها … بطيبة مرّت وجرت إزارا
على من سرت من حماه السّلام ... وحيّى الحيا ذلك الرّبع دارا
أعلام المغرب والأندلس في القرن الثامن - إسماعيل بن يوسف الخزرجي الأنصاري النصري المعروف بابن الأحمر.
فرج بن قاسم بن لب الثعلبي أبي سعيد الأندلسي شيخ شيوخ غرناطة كان شيخاً فاضلاً عالماً متفنناً انفرد برئاسة العلم وإليه كان المفزع في الفتوى وكان إماماً في أصول الدين وأصول الفقه وتخرج به جماعة من الفضلاء وله تآليف مفيدة وله نظم حسن في الرد على القائلين بخلق الأفعال من جملته:
قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن ... ليرضاه تكليفاً لدى كل ملة
نهى خلقه عما أراد وقوعه ... وإنفاذه والملك أبلغ حجة
فنرضى قضاء الرب حكماً وإنما ... كراهتنا مصروفة للخطيئة
فلا ترض فعلاً قد نهى عنه شرعه ... وسلم لتدبير وحكم مشيئة
دعا الكل تكليفاً ووفق بعضهم ... فخص بتوفيق وعم بدعوة
فتعصي إذا لم تنتهج طرق شرعه ... وإن كنت تمشي في طريق المشيئة
إليك اختيار الكسب والله خالق ... يريد بتدبير له في الخليقة
وما لم يرده الله ليس بكائن ... تعالى وجل الله رب البرية
فهذا جواب عن مسائل سائل ... جهول ينادي وهو أعمى البصيرة
ثم استشهد على كل بيت منها بآيات من القرآن.
فالبيت الأول: مأخوذ من قوله تعالى: " لو شاء الله ما أشركوا " الأنعام: 107 وقوله: " ولو شاء ربك ما فعلوه " الأنعام 112 وقوله: " ولا يرضى لعباده الكفر " الزمر 7.
الثاني: مأخوذ من قوله تعالى: " فلله الحجة البالغة " الأنعام 149 حجة الملك.
وسأل عمران بن حصين رضي الله عنه أبا الأسود فقاله له: ما يكدح الناس كدحاً؟ شيء قدر عليهم ومضى فيهم؟ أم شيء يستقبلونه؟ فقال: لا بل شيء قدر عليهم ومضى فيهم. فقال له عمران: أفلا يكون ظلماً؟ فقال له أبي الأسود: كل شيء خلق الله وملك يده " لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون " الأنبياء 23 فقال عمران: أحسنت إنما أردت أن أختبر عقلك.
الثالث والرابع: معناهما مأخوذ من قوله تعالى: " إن الله يحكم ما يريد " المائدة 1 وقوله: " وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون " الحجرات: 7.
والخامس: مأخوذ من قوله تعالى: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " يونس: 25 فعم بالدعاء إلى الجنة وخص بالهداية.
السادس: مأخوذ من قوله تعالى: " فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم " النور 63 مع قوله: " من يشأ الله يضلله " الأنعام: 39 مع قوله: " من يضلل الله فما له من هاد " الزمر:23.
والسابع والثامن: مأخوذ معناهما من قوله تعالى: " وما تشاؤون إلا أن يشاء الله " الإنسان:30 وقوله: " إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين " النحل: 37.
الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - ابن فرحون، برهان الدين اليعمري
فرج بن قاسم بن لب التّغلبى الفقيه الأستاذ الأندلسى أبو سعيد.
شيخ شيوخ غرناطة. كان شيخا فاضلا متفنّنا. انفرد برياسة العلم، وإليه كان المفزع في الفتيا، وألّف نوازل حسنة، وكانت له معرفة بالأصلين، تخرّج بها جماعة من الفقهاء، وله نظم حسن في الرّدّ على قول القائل:
أيا علماء الدّين ذمّىّ دينكم … تحيّر دلّوه بأوضح حجة
إذا ما قضى ربّ بكفرى بزعمكم … ولم يرضه منّى فما وجه حيلتى؟ !
قضى بضلالى ثم قال ارض بالقضا … فهل أنا راض بالذى فيه شقوتى؟ !
دعانى وسدّ الباب دونى فهل إلى … دخولى سبيل بيّنوا لى قضيّتى؟ !
إذا شاء ربّ الكفر منى مشيئة … فهل أنا عاص باتّباع المشيئة؟ !
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه … فبالله فاشفوا بالبراهين علّتى
قيل: إنها من نظم ابن الخطيب على لسان القدرية بلفظ يهودى، وقيل: هى لابن سهل، والصحيح الأول، فأجابه بقوله:
قضى الرب كفر الكافرين ولم يكن … ليرضاه تكليفا لدى كلّ ملّة
نهى خلقه عما أراد وقوعه … وإنفاذه والملك أبلغ حجة
فترضى قضاء الربّ حكما وإنما … كراهتنا مصروفة للخطيئة
فلا ترض فعلا قد نهى عنه شرعه … وسلّم لتدبير وحكم مشيئة
دعا الكلّ تكليفا ووفّق بعضهم … فحصّ بتوفيق وعمّ بدعوة
فتعصى إذا لم تنتهج طرق شرعه … وإن كنت تمشى في طريق «المشيئة»
إليك اختيار الكسب والله خالق … يريد بتدبير له في الخليقة
وما لم يرده الله ليس بكائن … تعالى وجلّ الله ربّ البريّة
فهذا جواب عن مسائل سائل … جهول ينادى وهو أعمى البصيرة:
(أيا علماء الدين ذمّىّ دينكم … تحيّر دلوه بأوضح حجّة)
وقد ذيّلها أبو جعفر بن خاتمة.
توفى رحمه الله تعالى سنة 782
استشهد على كل بيت منها بآية من القرآن العظيم.
فالبيت الأول أخذ جوابه من قوله تعالى: {(وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا }) {(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ}) وقوله: {(وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ }).
الثانى: مأخوذ من قوله تعالى: {(فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ}).
الثالث والرابع معناهما مأخوذ من قوله تعالى: {(إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ }) وقوله: (وكرّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان).
الخامس: مأخوذ من قوله تعالى {(وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}) فعمّ بالدعاء إلى الجنة، وخصّ بالهداية.
السادس مأخوذ من قوله: {(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}) [وقوله]: {(مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ }).
السابع والثامن مأخوذ معناهما من قوله تعالى: {(وَما تَشاؤُنَ إِلاّ} {أَنْ يَشاءَ اللهُ }) {(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ }).
ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ)