الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل الإصطخري أبي سعيد

تاريخ الولادة244 هـ
تاريخ الوفاة328 هـ
العمر84 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • سجستان - إيران
  • قم - إيران
  • همذان - إيران
  • بغداد - العراق

نبذة

الْحسن بن أَحْمد بن يزِيد بن عِيسَى بن الْفضل بن بشار بن عبد الحميد ابْن عبد الله بن هَانِئ بن قبيصَة بن عَمْرو بن عَامر الإِمَام الْجَلِيل أَبِي سعيد الإصطخري. قَالَ قُم أحد الرفعاء من أَصْحَاب الْوُجُوه. سمع سَعْدَان بن نصر وَأحمد بن مَنْصُور الرمادى وعباس بن مُحَمَّد الدورى وحنبل ابْن إِسْحَاق .

الترجمة

الْحسن بن أَحْمد بن يزِيد بن عِيسَى بن الْفضل بن بشار بن عبد الحميد ابْن عبد الله بن هَانِئ بن قبيصَة بن عَمْرو بن عَامر الإِمَام الْجَلِيل أَبِي سعيد الإصطخري
قَالَ قُم أحد الرفعاء من أَصْحَاب الْوُجُوه
سمع سَعْدَان بن نصر وَأحمد بن مَنْصُور الرمادى وعباس بن مُحَمَّد الدورى وحنبل ابْن إِسْحَاق وَحَفْص بن عَمْرو الربالى وَمُحَمّد بن عبد الله بن نَوْفَل وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن المظفر وَابْن شاهين وَأَبُو الْحسن بن نَوْفَل الجندي والدارقطنى وَغَيرهم
مولده سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ
قَالَ الْخَطِيب كَانَ أحد الْأَئِمَّة الْمَذْكُورين وَمن شُيُوخ الْفُقَهَاء الشافعيين وَكَانَ ورعا زاهدا متقللا
قَالَ وحدثنى أَبُو الطّيب قَالَ حكى لى عَن الداركى أَنه قَالَ سَمِعت أَبَا إِسْحَاق المروزى يَقُول لما دخلت بَغْدَاد لم يكن بهَا من يسْتَحق أَن أدرس عَلَيْهِ إِلَّا أَبُو سعيد الإصطخرى وَأَبُو الْعَبَّاس ابْن سُرَيج
قَالَ القاضى أَبُو الطّيب وَهَذَا يدل على أَن أَبَا على بن خيران لم يكن يُقَاس بهما

قَالَ أَبُو إِسْحَاق المروزى سُئِلَ يَوْمًا أَبُو سعيد عَن الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا إِذا كَانَت حَامِلا هَل تجب لَهَا النَّفَقَة فَقَالَ نعم فَقيل لَهُ لَيْسَ هَذَا من مَذْهَب الشافعى
فَلم يصدق فأروه كِتَابه فَلم يرجع وَقَالَ إِن لم يكن مذْهبه فَهُوَ مَذْهَب على وَابْن عَبَّاس
قَالَ أَبُو إِسْحَاق فَحَضَرَ يَوْمًا مجْلِس النّظر مَعَ أَبى الْعَبَّاس بن سُرَيج وتناظرا وَجرى بَينهمَا كَلَام فَقَالَ لَهُ أَبُو الْعَبَّاس أَنْت سُئِلت عَن مَسْأَلَة فأخطأت فِيهَا وَأَنت رجل كَثْرَة أكل الباقلا قد ذهب بدماغك فَقَالَ أَبُو سعيد فى الْحَال وَأَنت كَثْرَة أكل الْخلّ والمرى قد ذهب بِدينِك
قَالَ القاضى أَبُو الطّيب وَكَانَ من الْوَرع وَالدّين بمَكَان وَيُقَال كَانَ قَمِيصه وسراويله وطيلسانه من شقة وَاحِدَة وَكَانَت فِيهِ حِدة وَولى حسبَة بَغْدَاد وَكَانَ القاهر الْخَلِيفَة قد استفتاه فى الصابئين فأفتاه بِقَتْلِهِم لِأَنَّهُ تبين لَهُ أَنهم يخالفون الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَأَنَّهُمْ يعْبدُونَ الْكَوَاكِب فعزم الْخَلِيفَة على ذَلِك حَتَّى جمعُوا من بَينهم مَالا كثيرا لَهُ قدر فَكف عَنْهُم
قَالَ الطبرى وَحكى عَن الداركى أَنه قَالَ مَا كَانَ أَبُو إِسْحَاق المروزى يُفْتى بِحَضْرَة الإصطخرى إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَقَالَ أَبُو حَفْص عمر بن على المطوعى من خَبره يعْنى الإصطخرى أَن المقتدر استقضاه على سجستان فَسَار إِلَيْهَا وَنظر فى مناكحاتهم فَأصَاب معظمها مَبْنِيا على غير اعْتِبَار الولى فأنكرها غَايَة الْإِنْكَار وأبطلها عَن آخرهَا
قلت وَمن أخباره فى قَضَائِهِ أَيْضا مَا حَكَاهُ الرافعى فى الْعدَد أَنه أَتَى بسقط لم تظهر فِيهِ الصُّورَة والتخطيط لكل أحد وَلَكِن قَالَت القوابل وَأهل الْخِبْرَة من النِّسَاء إِن فِيهِ صُورَة خُفْيَة وهى بَيِّنَة لنا وَإِن خفيت على غَيرنَا فَلم يحكم بِثُبُوت الِاسْتِيلَاد وَهَذَا خلاف مَذْهَب الشافعى
قَالَ الرافعى فَجَاءَت القوابل فصببن عَلَيْهِ مَاء حارا وغسلنه فظهرت الصُّورَة
قَالَ ابْن الرّفْعَة وَحكى ابْن دَاوُد فى شَرحه أَن أَبَا على بن خيران عرضت عَلَيْهِ مُضْغَة ألقتها امْرَأَة فَدَعَا بِمَاء حَار وصبه عَلَيْهَا فتبينت مِنْهَا الخطوط فَحكم بِأَنَّهُ وَلَدهَا
قلت قد كَانَ ابْن خيران معاصرا لأبى سعيد وبلديه فَلَعَلَّ أَبَا سعيد لما لم يصغ إِلَى كَلَام القوابل رفعت الْمَسْأَلَة إِلَى ابْن خيران فَلَمَّا تبين الْحَال رَجَعَ أَبُو سعيد هَذَا مُحْتَمل وَتَكون الْوَاقِعَة وَاحِدَة
وَمن أخباره فى حسبته أَنه كَانَ يأتى إِلَى بَاب القاضى فَإِذا لم يجده جَالِسا يفصل القضايا أَمر من يستكشف عَنهُ هَل بِهِ عذر يمنعهُ من الْجُلُوس من أكل أَو شرب أَو حَاجَة الْإِنْسَان وَنَحْو ذَلِك فَإِن لم يجد بِهِ عذرا أمره بِالْجُلُوسِ للْحكم
وَمِنْهَا أَنه أحرق مَكَان الملاهى من أجل مَا يعْمل فِيهِ من الملاهى وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل أَنه كَانَ يرى جَوَاز إِفْسَاد مَكَان الْفساد إِذا تعين طَرِيقا
وَقيل كَانُوا يعْملُونَ فِيهِ من الملاهى اللّعب
وفى الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة للماوردى قَالَ وَذكر الإِمَام فى النِّهَايَة عِنْد الْكَلَام فى الْأَجِير الْمُشْتَرك الإصطخرى وَقَالَ إِنَّه كثير الهفوات فى الْقَوَاعِد
وَذكر صَاحب الكافى فى تَارِيخ خوارزم فى تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أَبى سعيد الفراتى أَنه قَالَ لما انصرفت من بَغْدَاد لقِيت أَبَا سعيد الإصطخرى بهمذان منصرفا من مَدِينَة قُم وَكَانَ قد ولى قضاءها فَحكى لنا أَنه مَاتَ بهَا رجل وَترك بِنْتا وَعَما فَتَحَاكَمُوا إِلَى فى الْمِيرَاث فَقضيت فِيهِ بِحكم الله للْبِنْت النّصْف والباقى للعم فَقَالَ أهل قُم لَا نرضى بِهَذَا الْقَضَاء أعْط الْبِنْت المَال كُله فَقلت لَا يحل هَذَا فى الشَّرِيعَة فَقَالُوا لَا نَتْرُكك هُنَا قَاضِيا
قَالَ فَكَانُوا يتسورون دارى بِاللَّيْلِ ويحولون الأسرة عَن أماكنها وَأَنا لَا أشعر فَإِذا أَصبَحت عجبت من ذَلِك فَقَالَ أوليائى إِنَّهُم يرونك أَنهم إِذا قدرُوا على هَذَا قدرُوا على قَتلك فَخرجت مِنْهَا هَارِبا
قَالَ وَكَانَ مَذْهَبهم مَذْهَب الغرابية المَال كُله للْبِنْت وهم قوم من شرار الروافض يذهبون إِلَى هَذِه الْمقَالة لأجل فَاطِمَة رضى الله عَنْهَا
مَاتَ بِبَغْدَاد فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة وَدفن بِبَاب حَرْب
وَمن الرِّوَايَة عَن أَبى سعيد
أخبرنَا أَبُو سعيد خَلِيل بن كيكلدى الْحَافِظ سَمَاعا فِيمَا أَحسب فَإِن لم يكن فَهُوَ إجَازَة قَالَ أخبرنَا الْقَاسِم بن المظفر بقراءتى عَلَيْهِ عَن عبد اللَّطِيف بن مُحَمَّد وَغَيره أخبرنَا عبد الْحق بن يُوسُف أخبرنَا عمى عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد أخبرنَا مُحَمَّد ابْن عبد الْملك أخبرنَا على بن عمر الْحَافِظ حَدثنَا أَبُو سعيد الإصطخرى الْحسن بن أَحْمد الْفَقِيه حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نَوْفَل حَدثنَا أَبى حَدثنَا يُونُس بن بكير حَدثنَا ابْن إِسْحَاق عَن الْمنْهَال بن الْجراح عَن حبيب بن نجيح عَن عبَادَة بن نسى عَن معَاذ رضى الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره حِين وَجهه إِلَى الْيمن أَلا يَأْخُذ من الْكسر شَيْئا (إِذا كَانَت الْوَرق مائتى دِرْهَم فَخذ مِنْهَا خَمْسَة دَرَاهِم وَلَا تَأْخُذ مِمَّا زَاد شَيْئا حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ درهما فَإِذا بلغت أَرْبَعِينَ درهما فَخذ مِنْهَا درهما)
قَالَ الدارقطنى هَذَا حَدِيث // ضَعِيف // والمنهال بن الْجراح هُوَ الْجراح بن الْمنْهَال كَانَ ابْن إِسْحَاق يقلب اسْمه إِذا روى عَنهُ وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث وَعبادَة بن نسى لم يسمع من معَاذ رضى الله عَنهُ شَيْئا
وَمن الْمسَائِل والفوائد والغرائب عَنهُ
قَالَ ينْتَقض الْوضُوء بِمَسّ الْأَمْرَد
وَقَالَ إِذا ولى الْقَضَاء غير مُجْتَهد وَوَافَقَ حكمه الْحق نفذت تِلْكَ الْحُكُومَة نَقله ابْن عَبْدَانِ فى كتاب شَرَائِط الْأَحْكَام
وَقَالَ إِن للْأُم التَّصَرُّف فى مَال الصبى بعد الْجد مُقَدّمَة على الوصى
وَقيل إِنَّمَا الثَّابِت عَنهُ أَنَّهَا تتصرف بعد الوصى حَكَاهُ ابْن يُونُس عَن بعض الْمُتَأَخِّرين
واشتهر قَوْله إِن للحاضر الرَّاكِب ترك الِاسْتِقْبَال فى النَّافِلَة وَأَنه كَانَ يَفْعَله وَهُوَ على حسبَة بَغْدَاد وَاحْتج بِأَن الْمُقِيم يحْتَاج إِلَى التَّرَدُّد فى حَال إِقَامَته كالمسافر
قَالَ الرافعى وعَلى هَذَا فالراكب والراجل سَوَاء وَلَك الْفرق بِمَشَقَّة الِاسْتِقْبَال على الرَّاكِب ثمَّ صُورَة الراجل منقولة حكى فِيهَا القاضى الْحُسَيْن وَجْهَيْن تَفْرِيعا على الرَّاكِب
وَنقل النووى فى شرح الْمُهَذّب عَن الإصطخرى التجويز للراكب والماشى
وَالْمَحْفُوظ عَنهُ إِنَّمَا هُوَ فى الرَّاكِب فَقَط
قَالَ القاضى شُرَيْح فى أدب الْقَضَاء إِذا شَهدا عِنْد القاضى بِحَق فَكتب بِهِ القاضى إِلَى قَاض آخر وَأشْهد الشَّاهِدين اللَّذين شَهدا على الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بِالْكتاب قَالَ الإصطخرى لَا يجوز وَقَالَ غَيره يجوز وَقطع بِهِ العبادى لِأَن الْقبُول فعل القاضى فَقبلت عَلَيْهِ شَهَادَته كَمَا تقبل شَهَادَة الْمُرضعَة لِأَنَّهَا شَهَادَة على وُصُول اللَّبن إِلَى جَوف الصبى
قَالَ الزيادى وعَلى هَذَا أدْركْت الْقُضَاة من غير نَكِير من الْعلمَاء وَعَلِيهِ تفقهت وفقهت النَّاس ولولاه مَا جَازَت شَهَادَة أَب وَابْن لأجنبى
قلت وَعَلِيهِ الْعَمَل إِلَى الْيَوْم يشْهد الشَّاهِدَانِ عِنْد حَاكم فَيحكم بِشَهَادَتِهِمَا ويشهدهما على حكمه فيؤديان شَهَادَتهمَا على حكمه عِنْد آخر فَينفذ حكمه بِشَهَادَتِهِمَا
وَقد اقْتصر القاضى أَبُو سعد فى كتاب الإشراف على قَول العبادى وَالشَّيْخ أَبى طَاهِر وَمن كِتَابه أَخذ شُرَيْح مَا نَقله عَنْهُمَا وَزَاد شُرَيْح فَقَالَ ولأصحابنا وَجه فى الحكم بِشَهَادَة أَب وَابْن أَنه لَا يجوز
قَالَ شُرَيْح وَإِذا وصل كتاب الحكم وَشهد الشَّاهِدَانِ على الْكتاب فقد قيل يلْزم الْحَاكِم الْمَكْتُوب إِلَيْهِ أَن ينفذ حكمه وَيَقُول قبلت حكمه وكتابته وأوجبت على الْمَحْكُوم مَا أوجبه الْحَاكِم فى الْكتاب
وعَلى هَذَا لَو شهد شَاهِدَانِ عَدْلَانِ فَهَل يحْتَاج أَولا أَن يَقُول قبلت شَهَادَة هَؤُلَاءِ الشُّهُود بِمَا شهدُوا بِهِ ثمَّ يَقُول وحكمت بِكَذَا على فلَان بِجَمِيعِ مَا أوجبته شَهَادَة الشُّهُود أم يَكْفِيهِ إِن ثبتَتْ عِنْده عَدَالَة الشُّهُود ثمَّ يَقُول حكمت بِكَذَا وَلَا يذكر قبل الحكم أَنه قبل شَهَادَة الشُّهُود وَجْهَان
وعَلى هَذَا لَو كتب الْحَاكِم إِلَى حَاكم بِأَنَّهُ شهد عندى عَدْلَانِ لرجل سَمَّاهُ على فلَان وَلم يذكر فى الْكتاب أَنه ثَبت عِنْده بِشَهَادَتِهِمَا وَلم يقل قبلت شَهَادَتهمَا وَإِنَّمَا نقل الشَّهَادَة فَقَط فَهَل يجوز للمكتوب إِلَيْهِ أَن يحكم فِيهِ وَجْهَان
هَذَا كُله كَلَام شُرَيْح فى كِتَابه فى أدب الْقَضَاء وَلم أَجِدهُ بجملته فى غَيره وَفِيه غرائب وفوائد
وسيأتى إِن شَاءَ الله فى تَرْجَمَة شُرَيْح قَول الإصطخرى فِيمَن اسْتَأْجر رجلا أَن يحمل لَهُ كتابا إِلَى آخر ويأتى بجوابه فأوصل الْكتاب وَلم يكْتب الْمَكْتُوب إِلَيْهِ الْجَواب أَن للحامل الْأُجْرَة بكمالها لِأَنَّهُ لَا يلْزمه أَكثر مِمَّا عمل والامتناع من غَيره
قَالَ وَكَذَا لَو مَاتَ الرجل فأوصل الْكتاب إِلَى نَائِبه من وَارِث أَو وصّى أجابوه أم لم يُجِيبُوهُ إِلَى آخر كَلَامه
قلت وهى مَسْأَلَة مليحة غير أَن عندنَا وَقْفَة فى كتاب مراسلة يحملهُ أَمِين مُتَبَرّع مُسْتَأْجر فَلَا يجد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ إِمَّا لمَوْته أَو لغير ذَلِك فَهَل لَهُ أَن يوصله إِلَى وَارثه أَو وَصِيّه أَو الْحَاكِم أَو أَهله وَنَحْو ذَلِك لقيامهم مقَامه أَو لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن الْعَادة قد تقضى بِأَن الْكَاتِب لَا يُعجبهُ وقُوف غير الْمَكْتُوب عَلَيْهِ على مَا كتب وَكَذَلِكَ الْمَكْتُوب إِلَيْهِ
والذى يَقع لى فى هَذَا أَنه إِن غلب على ظَنّه أَن فى الْكتاب مَا يكره الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وقُوف غَيرهمَا عَلَيْهِ لم يجز لَهُ أَن يَدْفَعهُ إِلَى من ذَكرْنَاهُ وَدفعه حِينَئِذٍ خِيَانَة تسْقط أجرته بكمالها لَو كَانَ مُسْتَأْجرًا
والبلوى تعم بِمثل هَذَا الْفَرْع فليتنبه لَهُ فَلَقَد حضر شخص بِكِتَاب إِلَى آخر وجده غَائِبا فأوصله إِلَى من ظَنّه يقوم مقَامه لكَونه صاحبا لَهُ فأورث ذَلِك الْكتاب فتْنَة خربَتْ بَيت الْكَاتِب والمكتوب إِلَيْهِ فَلَا ينبغى أَن يُوصل كتاب مراسلة إِلَى من يجوز الْعقل كَرَاهِيَة الْكَاتِب أَو الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وقُوف غَيرهمَا عَلَيْهِ بل ينبغى أَن يكون تَحْرِيم ذَلِك مغلظا
وَلَقَد كتب عَم والدى القاضى صدر الدّين يحيى وَهُوَ على قَضَاء بلبيس كتابا إِلَى قاضى الْقُضَاة تقى الدّين ابْن بنت الْأَعَز عِنْدَمَا عزل وَولى قاضى الْقُضَاة بدر الدّين ابْن جمَاعَة يسْأَل عَن خاطره وَفَاء بِحقِّهِ عَلَيْهِ فَاشْتَبَهَ الْأَمر على الرَّسُول وأوصل الْكتاب إِلَى ابْن جمَاعَة فَكَانَ ذَلِك سَبَب عزل عَم الْوَالِد فى فتْنَة طَوِيلَة لم يكن منشؤها غير اتِّصَال الْكتاب إِلَى من ظن أَنه لَهُ
وَكتب آخر كتابا إِلَى قاضى الْقُضَاة جلال الدّين فجَاء الرَّسُول فصادفه عزل من مصر وسافر إِلَى الشَّام فأوصل الْكتاب إِلَى قاضى الْقُضَاة إِذْ ذَاك عز الدّين بن جمَاعَة رَحمَه الله فَأوجب عزل الْكَاتِب وسقوطه من عين قاضى الْقُضَاة عز الدّين ونقصان حَظه مِنْهُ إِلَى أَن مَاتَا جَمِيعًا رحمهمَا الله
فَلَا ينبغى أَن يكون الرَّسُول إِلَّا حكيما ثمَّ يوصى مَعَ كَونه حكيما وَالْوَاو فى قَوْلهم أرسل حكيما وَلَا توصه للْحَال فَافْهَم مَا نشِير إِلَيْهِ
مَسْأَلَة صفة تَوْبَة الْقَاذِف
حمل أَبُو سعيد الإصطخرى على ظَاهر نَص الشافعى رضى الله عَنهُ حَيْثُ قَالَ فى تَوْبَة الْقَاذِف وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه فَفعل فِيهِ نَظِير مَا فعله الظَّاهِرِيَّة فى قَوْله تَعَالَى فى الْمظَاهر {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} فَقَالُوا الْعود بِاللِّسَانِ كَذَلِك قَالَ الإصطخرى إِن كَلَام الشافعى على ظَاهره وَإنَّهُ لَا تصح تَوْبَة الْقَاذِف حَتَّى يَقُول وإنى كَاذِب فى قذفى لَهُ بِالزِّنَا
نَقله الْأَصْحَاب على طبقاتهم مِنْهُم صَاحب الحاوى فى كتاب الشَّهَادَات وَذكر أَن أَبَا إِسْحَاق المروزى وَابْن أَبى هُرَيْرَة خالفاه وَقَالا إكذاب نَفسه أَن يَقُول قذفى لَهُ بِالزِّنَا كَانَ بَاطِلا وَلَا يَقُول كنت كَاذِبًا فى قذفى لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فَيصير عَاصِيا بكذبه كَمَا كَانَ عَاصِيا بقذفه
وَقد عبر الرافعى رَحمَه الله عَن هَذَا فى كتاب الشَّهَادَات فى كَلَامه على التَّوْبَة بِأَن قَالَ لابد من التَّوْبَة عَن الْقَذْف بالْقَوْل قَالَ الشافعى فى الْمُخْتَصر وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه فَأخذ الإصطخرى بِظَاهِرِهِ وَشرط أَن يَقُول كذبت فِيمَا قَذَفته وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَقَالَ الْجُمْهُور لَا يُكَلف أَن يَقُول كذبت فَرُبمَا كَانَ صَادِقا فَكيف نأمره بِالْكَذِبِ وَلَكِن يَقُول الْقَذْف بَاطِل وإنى نادم على مَا فعلت وَلَا أَعُود إِلَيْهِ أَو يَقُول مَا كنت محقا فى قذفى وَقد تبت مِنْهُ وَمَا أشبه ذَلِك
هَذَا كَلَام الرافعى وَفِيه كلامان
أَحدهمَا أَنه نقل عَن الإصطخرى أَن يشْتَرط أَن يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَهَذَا لَا يعرف عَنهُ وَلَا هُوَ بمتفق عَلَيْهِ إِنَّمَا الذى قَالَه الإصطخرى اشْتِرَاط قَوْله كذبت وَخَالفهُ الْجُمْهُور ثمَّ هَل يحْتَاج أَن يَقُول فى التَّوْبَة وَلَا أَعُود إِلَى مثله فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يحْتَاج لِأَن الْعَزْم على ترك مثله يغنى عَنهُ والثانى لابد أَن يَقُول لَا أَعُود إِلَى مثله لِأَن القَوْل فى هَذِه التَّوْبَة مُعْتَبر والعزم لَيْسَ بقول هَكَذَا حكى أَصْحَابنَا مِنْهُم صَاحب الحاوى وَغَيره وَلَعَلَّ الْوَجْهَيْنِ مفرعان على اشْتِرَاط مَا يَقُوله الإصطخرى أَو مطلقان فَيشْتَرط أَن يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَإِن لم يشْتَرط أَن يَقُول كذبت كل هَذَا مُحْتَمل وَبِالْجُمْلَةِ لَيست مَسْأَلَة الإصطخرى مَسْأَلَة لَا أَعُود إِلَى مثله بل تِلْكَ مَسْأَلَة مُسْتَقلَّة إِمَّا من تفاريع قَوْله وَإِمَّا مُطلقَة وَلَعَلَّه الْأَظْهر
والثانى لَوْلَا شَيْء وَاحِد لَكَانَ مَا ذكره الإصطخرى عِنْدِي راجحا أما وَجه رجحانه فَلِأَنَّهُ ظَاهر النَّص ورده بِأَنَّهُ قد يكون صَادِقا فَكيف يَأْمُرهُ بِالْكَذِبِ جَوَابه أَنه وَلَو كَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ إِلَّا أَن الشَّرْع كذبه فَهُوَ كَاذِب عِنْد الله سَوَاء طابق مَا فى نفس الْأَمر أم لَا
سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام غير مرّة يَقُول فى قَوْله تَعَالَى {فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} هَذَا كذب شرعى لَا يُطلق فِيهِ عدم مُطَابقَة مَا فى نفس الْأَمر
لَكِن صدنى عَن الْأَخْذ بِظَاهِر النَّص أَن الشافعى رضى الله عَنهُ ذكر فى أَثْنَائِهِ مَا يعرف بِهِ أَنه لَيْسَ مُرَاده لفظ الْكَذِب لِأَنَّهُ رضى الله عَنهُ قَالَ فى الْمُخْتَصر وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه لِأَنَّهُ أذْنب بِأَن نطق بِالْقَذْفِ وَالتَّوْبَة مِنْهُ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل انْتهى قَالَ الرويانى وفى نُسْخَة أُخْرَى وَالتَّوْبَة أكذابه نَفسه بِأَنَّهُ بِأَن نطق بِالْقَذْفِ
قَالَ وهما متقاربان فى الْمَعْنى
قلت الْمَعْنى لى النُّسْخَة الأولى إكذابه نَفسه فَقَط وعَلى الثَّانِيَة إكذابه نَفسه بِأَن نطقت بِالْقَذْفِ فَفِيهَا تأييد لقَوْل أَبى إِسْحَاق كَمَا ستعرفه فَإِنَّهُ يَقُول الْكَذِب فى أَنه قذف لَا فى أَن الْمَقْذُوف زنا وفى هَذِه النُّسْخَة دلَالَة على تَأْوِيل لإِمَام الْحَرَمَيْنِ سنحكيه عَنهُ فلولا قَوْله التَّوْبَة مِنْهُ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل لرجحت رأى الإصطخرى لَكِن هَذَا اللَّفْظ يقتضى الِاكْتِفَاء بِهَذِهِ الصِّيغَة وَمن ثمَّ أَقُول مَا وَقع فى الرافعى وَالْمُحَرر والمنهاج من أَنه يشْتَرط أَن يَقُول قذفى بَاطِل وَأَنا نادم عَلَيْهِ وَلَا أَعُود إِلَيْهِ انْتهى لست أقبل مِنْهُ إِلَّا قَوْله قذفى بَاطِل أما مَا زَاد عَلَيْهِ فزيادات لَيست فى النَّص وَلَا يدل لَهَا دَلِيل نعم لابد من النَّدَم وعزم أَلا يعود بِكُل تَوْبَة أما التَّلَفُّظ بهما فَمن أَيْن لَا دَلِيل يدل عَلَيْهِ وَلَا نَص يرشد إِلَيْهِ
وَقد يَقع فى الذِّهْن أَنه لم يقْصد بهما حقيقتهما بل الْمَقْصُود لفظ يدل على إبِْطَال الْقَذْف وَيجْبر مَا كَانَ من فحشه من غير اخْتِصَاص بِهَذِهِ الصِّيَغ وَلذَلِك قَالَ الرافعى وَمَا أشبه ذَلِك فَلَا يكون ذكر هَذِه الْأَلْفَاظ لتعينها فى نَفسهَا وَلَا للتعبد بصيغها بل الْمَقْصُود لفظ يقوم مقَام لفظ حصل الْأَذَى بِهِ فَكَمَا أَذَى وَقذف بِلِسَانِهِ كَذَلِك يجْبر مَا كَانَ مِنْهُ بِلِسَانِهِ لينوب قَول عَن قَول ثمَّ ضرب الشافعى لذَلِك مثلا قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَهُوَ صَحِيح أما إنى نادم فَلفظ غير معِين وَقل من ذكره وَأما لَا أَعُود فَفِيهِ مَا عرفت من الْوَجْهَيْنِ
وَهَذَا مَا حضرنى الْآن من كَلَام الْأَصْحَاب قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد شيخ الْعِرَاقِيّين فى تَعْلِيقه مَا نَصه وَإِن كَانَ قذفا فإمَّا أَن يكون قَاذِفا من طَرِيق السب والشتم أَو كَانَ قَاذِفا من طَرِيق الشَّهَادَة فَإِن كَانَ قَاذِفا من طَرِيق السب والشتم فَإِن الشافعى قَالَ تَوْبَته إكذابه نَفسه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى يَقُول كذبت فِيمَا قلت أَو أبطلت فِيمَا أخْبرت قَالَ لِأَنَّهُ إِذا أكذب نَفسه فِيمَا قَذفهَا بِهِ فقد تَابَ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَعَامة أَصْحَابنَا يَقُول فى تَوْبَته الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مثله أبدا لِأَنَّهُ قد استباح هَذَا القَوْل لما قَذفهَا وتوبته أَن يأتى بضد الاستباحة وَهُوَ التَّحْرِيم والإبطال بِأَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فى الْقَذْف بَاطِنا فَإِذا قَالَ كذبت وَهُوَ كَانَ صَادِقا فِيهِ فقد عصى فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْقَاذِف وَالْمُرْتَدّ حَتَّى قُلْتُمْ الْقَاذِف يُطَالب بِأَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل حرَام وَالْمُرْتَدّ لَا يُطَالب بِأَن يَقُول الْكفْر بَاطِل حرَام
فَالْجَوَاب عَنهُ أَنه لَا فرق بَينهمَا فى الْمَعْنى وَذَلِكَ أَن الْقَاذِف مَرْدُود الشَّهَادَة لاستباحة الْقَذْف وَلَا يكون من أهل الشَّهَادَة إِلَّا بإتيانه بضده وضده أَن يحرم الْقَذْف وَالْمُرْتَدّ مَرْدُود الشَّهَادَة لكفره وَلَا يعود إِلَى حَال الشَّهَادَة إِلَّا أَن يأتى بضد الْكفْر وضده أَن يأتى بِلَفْظَة الْإِيمَان انْتهى
وَفِيه فَوَائِد
مِنْهَا أَن أَبَا سعيد لَا يعين لفظ الْكَذِب بل يَقُول كذبت أَو أبطلت فِيمَا أخْبرت وهى فَائِدَة لم أجد التَّصْرِيح بهَا فى كَلَام الشَّيْخ أَبى حَامِد
وَمِنْهَا أَن الْكَلَام مَخْصُوص بِقَذْف السب والإيذاء وَهُوَ الصَّوَاب وسنتكلم عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو الْحسن الجورى فى كتاب المرشد وَاخْتلف أَصْحَابنَا فى تَوْبَة الْقَاذِف فَقَالَ بَعضهم هى قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَلَا يَقُول إنى كَاذِب لِأَنَّهُ إِذا قَالَ هَذَا فَهُوَ فَاسق بِهِ السَّاعَة لكذبه
وَقَالَ بَعضهم لَا فصل بَين قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَبَين قَوْله كذبت وَقد قَالَ الشافعى التَّوْبَة إكذابه نَفسه انْتهى
وَفِيه دلَالَة على أَن أَبَا سعيد إِن كَانَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله وَقَالَ بَعضهم لَا يعين لفظ الْكَذِب بل يُخَيّر بَينه وَبَين الْقَذْف بَاطِل وَغَيره يعين لفظ الْقَذْف بَاطِل وَلَا يُخَيّر لفظ الْكَذِب
وَيخرج من هَذَا إِن خرج على ظَاهره ثَلَاثَة أوجه تعْيين لفظ الْكَذِب وَتَعْيِين عَدمه وتفريع كل مِنْهُمَا
وَقَالَ القاضى أَبُو الطّيب فى تعليقته فى كَلَامه على قَول الشافعى وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه مَا نَصه ثمَّ ذكر بعد ذَلِك أَن التَّوْبَة قَوْله الْقَذْف بَاطِل وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهَا فَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى تَوْبَته أَن يكذب نَفسه فَيَقُول كذبت فى هَذَا الْقَذْف لِأَن الشافعى قَالَ إكذابه نَفسه
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق التَّوْبَة أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل فِي جَمِيع الْأَحْوَال كَانَ صَادِقا فِيهِ أَو كَاذِبًا لِأَنَّهُ لَا يجوز لأحد أَن يقذف أحدا وَإِن كَانَ صَادِقا فى قذفه إِيَّاه لِأَن الله عز وَجل نهى عَن ذَلِك على الْإِطْلَاق وَهُوَ الصَّحِيح
وأبى أَصْحَابنَا مَا قَالَه أَبُو سعيد وَقَالُوا هَذَا يُؤدى إِلَى أَن يكلفه الْكَذِب لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فى الْقَذْف فَإِذا كلفناه أَن يَقُول كذبت فى الْقَذْف كَانَ كَاذِبًا لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا فى قذفه وَإِذا قَالَ الْقَذْف بَاطِل لم يكذب لِأَنَّهُ بَاطِل سَوَاء كَانَ صَادِقا فِيهِ أم كَاذِبًا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يقذف أحدا بِحَال انْتهى
وَقَالَ القاضى الْحُسَيْن تَوْبَة الْقَاذِف أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل أَو مَا كَانَ ينبغى لى أَن أقذف أَو لم أكن محقا فِيمَا قلت وَلَا يُكَلف أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت لاحْتِمَال أَن الْمَقْذُوف قد زنا وَأَنه صدق فِيمَا نسبه إِلَيْهِ غير أَن الْمُسلم مَأْمُور بِحِفْظ السّتْر على أَخِيه الْمُسلم فَلهَذَا صَار مؤاخذا بِالْقَذْفِ وَمعنى قَول الشافعى التَّوْبَة إكذابه نَفسه أى يكذب نَفسه فِيمَا أخبر وَيَقُول مَا كنت محقا فى ذَلِك الْخَبَر لِأَنَّهُ يتخيل للسامع من قَوْله أَنه صَادِق فَيقطع ذَلِك التَّوَهُّم بِالتَّوْبَةِ فَلهَذَا سَمَّاهُ إكذابا
وَقَالَ الإصطخرى تَوْبَته أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت لظَاهِر لفظ الشافعى إكذابه نَفسه
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَقُول قذفى حرَام بَاطِل
وَقَالَ الْقفال الْقَذْف بَاطِل مَا كَانَ ينبغى لى أَن أقذفه انْتهى
فَانْظُر كَيفَ ختم كَلَامه بقوله وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَقَالَ الْقفال وَذكر صيغتين عِنْده أَن فى كل مِنْهُمَا كِفَايَة وَلذَلِك خير فى أول كَلَامه بَين كل مِنْهُمَا وَزَاد أَو لم أكن محقا فَدلَّ أَن المُرَاد أحد هَذِه الْأَلْفَاظ أَو مَا يشبهها وَأَنه لَيْسَ الْمَقْصُود وَاحِدًا بِعَيْنِه وَلَا أَظن أَصْحَابنَا يَخْتَلِفُونَ فى ذَلِك وَلَا يعينون لفظ إنى نادم كَمَا أوهته عبارَة الرافعى وَمن يتبعهُ وَلَيْسَ مَوضِع اخْتلَافهمْ إِلَّا شَيْئَانِ أَحدهمَا لفظ الْكَذِب قَالَه أَبُو سعيد وَلَا يصدنى عَنهُ إِلَّا قَول الشافعى وَالتَّوْبَة قَوْله الْقَذْف بَاطِل
والثانى لفظ لَا أَعُود لتصريح الماوردى فِيهِ بحكاية الْوَجْهَيْنِ
أما لفظ إنى نادم فَلَا أعرفهُ وَلَا وَجه لَهُ
وَقَالَ الماوردى رَحمَه الله أما الْقَذْف بِالزِّنَا فَلَا يكون بعد النَّدَم والعزم إِلَّا بالْقَوْل لِأَنَّهُ مَعْصِيّة بالْقَوْل كالردة فَيعْتَبر فى صِحَة تَوْبَته ثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا النَّدَم على قذفه والثانى الْعَزْم على ترك مثله وَالثَّالِث إكذاب نَفسه على مَا قَالَه الشافعى فَاخْتلف أَصْحَابنَا فى تَأْوِيله على وَجْهَيْن
أَحدهمَا وَهُوَ قَول أَبى سعيد الإصطخرى أَنه مَحْمُول على ظَاهره وَهُوَ أَن يَقُول وإنى كَاذِب فى قذفى لَهُ بِالزِّنَا وَقد روى عمر أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه)
وَالْوَجْه الثانى هُوَ قَول أَبى إِسْحَاق المروزى وأبى على بن أَبى هُرَيْرَة أَن إكذاب نَفسه أَن يَقُول قذفى لَهُ بِالزِّنَا كَانَ بَاطِلا وَلَا يَقُول كنت كَاذِبًا فى قذفى لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فَيصير عَاصِيا بكذبه كَمَا كَانَ عَاصِيا بقذفه
وَهل يحْتَاج أَن يَقُول فى التَّوْبَة وَلَا أَعُود إِلَى مثله أَولا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ لِأَن الْعَزْم على ترك مثله يغنى عَنهُ
وَالْوَجْه الثانى لابد أَن يَقُول لَا أَعُود إِلَى مثله لِأَن القَوْل فى هَذِه التَّوْبَة مُعْتَبر والعزم لَيْسَ بقول انْتهى
وَهُوَ كالنص على أَن لفظ النَّدَم لَا يشْتَرط إِنَّمَا الْمُشْتَرط مَعْنَاهُ
وَقَالَ الفورانى فى الْعمد اخْتلف أَصْحَابنَا فى التَّوْبَة مِنْهُم من قَالَ هُوَ أَن يكذب نَفسه فَيَقُول كذبت فِيمَا قلت وَمِنْهُم من قَالَ وَهُوَ الْأَصَح هَذَا لَا يكون تَوْبَة لاحتما صدقه فى الْقَذْف لَكِن التَّوْبَة أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل أى قذف النَّاس بَاطِل وَمَا كَانَ لى أَن أقذف ووَقد رجعت عَمَّا قلت وتبت عَنهُ فَلَا أَعُود إِلَيْهِ
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق فى الْمُهَذّب قبل بَاب عدد الشُّهُود فى التَّوْبَة من الْمعْصِيَة مَا نَصه وَإِن كَانَ قذفا فقد قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ التَّوْبَة مِنْهُ إكذابه نَفسه
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى هُوَ أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَوَجهه مَا روى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق أَبُو على ابْن أَبى هُرَيْرَة هُوَ أَن يَقُول قذفى لَهُ كَانَ بَاطِلا وَلَا يَقُول إنى كنت كَاذِبًا لجَوَاز أَن يكون صَادِقا فَيصير بكذبه عَاصِيا كَمَا كَانَ بقذفه عَاصِيا انْتهى
وَفِيه مُوَافقَة الرافعى على نَقله عَن أَبى سعيد أَنه يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله لكنه قصر هَذِه اللَّفْظَة على مقَالَة أَبى سعيد وَلم يذكرهَا على مقَالَة أَبى إِسْحَاق وأبى على
وَقَالَ ابْن الصّباغ الْمَذْهَب مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو إِسْحَاق وَهُوَ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت
وَقَالَ الإصطخرى يَقُول كذبت فِيمَا قلت انْتهى
وَهُوَ فى لَفظه وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت عكس الْمُهَذّب فَإِنَّهُ جعلهَا على قَول أَبى إِسْحَاق فَإِذا أجمع الْمُهَذّب والشامل كَانَ فيهمَا تأييد لنقل الرافعى فَكَأَنَّهُ أَخذ من مجموعها أَنه لابد أَن يَقُول وَلَا أَعُود لِأَن الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق نقلهَا على قَول أَبى سعيد وَابْن الصّباغ نقلهَا على قَول أَبى إِسْحَاق فَكَانَت على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وعَلى ذَلِك جرى صَاحب التَّهْذِيب كَمَا ستراه فَاتبعهُ الرافعى
وَقَالَ الإِمَام رضى الله عَنهُ فى النِّهَايَة قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ تَوْبَة الْقَاذِف بإكذابه نَفسه وَهَذَا لفظ فى ظَاهره إِشْكَال وفى بَيَان الْمَذْهَب يحصل الْغَرَض فالذى ذهب إِلَيْهِ جَمَاهِير الْأَصْحَاب أَن الْقَاذِف لَا يُكَلف أَن يكذب نَفسه إِذْ رُبمَا يكون صَادِقا فى نسبته الْمَقْذُوف إِلَى الزِّنَا فَلَو كلفناه أَن يكذب نَفسه لَكَانَ ذَلِك تكليفا منا إِيَّاه أَن يكذب وَهَذَا محَال فَالْوَجْه أَن يَقُول أَسَأْت فِيمَا قلت وَمَا كنت محقا وَقد تبت عَن الرُّجُوع إِلَى مثله أبدا وَلَا يُصَرح بتكذيب نَفسه إِلَّا أَن يعلم أَنه كَانَ كَاذِبًا وَهَذَا يبعد علمه وَهَؤُلَاء حملُوا قَول الشافعى على مَا سنصفه فَقَالُوا الْقَاذِف فى الْغَالِب يصف وَيرى من نَفسه أَنه قَالَ حَقًا وَأظْهر مَاله إِظْهَاره فَيرجع مَا ذكره الشافعى من الإكذاب إِلَى هَذَا فَيَقُول قد كنت قلت لى أَن أَقُول مَا قلته وَقد كذبت وأبطلت فِيمَا قدمت
وَقَالَ الإصطخرى لابد أَن يكذب نَفسه وَإِن كَانَ صَادِقا فَإِنَّهُ عز من قَائِل قَالَ {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} فَهَذَا لقب أثْبته الشَّرْع فيكذب الْقَاذِف على هَذَا التَّأْوِيل نَفسه فَإِن الشَّرْع سَمَّاهُ كَاذِبًا
وَهَذَا بعيد لَا أصل لَهُ وَهَذِه الْآيَة مَعَ آى أخر وَردت فى قصَّة الْإِفْك وتبرئة عَائِشَة رضى الله عَنْهَا وَكَانَت مبرأة عَمَّا قَذفهَا بِهِ المُنَافِقُونَ انْتهى
وَلَا مزِيد على حسنه فَللَّه دره من خطيب مصقع مناضل عَن الشَّرِيعَة بِقَلْبِه وَلسَانه
وَمن هُنَا وَالله أعلم أَخذ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله مَا كَانَ يَقُوله لنا من أَن الْقَاذِف كَاذِب عِنْد الله لقد لقبه الشَّرْع ووسمه بسيمة الْكَذِب وَإِن كَانَ الْأَمر على مَا وصف من اقتراف الْمَقْذُوف مَعْصِيّة الزِّنَا وفى كَلَام الإِمَام مَا يُؤْخَذ مِنْهُ تَفْصِيل بَين أَن يعلم من نَفسه الصدْق أَولا وسيكون لى عَلَيْهِ كَلَام يدل على ميل منى إِلَيْهِ
وَقَالَ الغزالى رَحمَه الله فى الْوَسِيط أما الْقَاذِف فتوبته فى إكذابه نَفسه كَذَلِك قَالَ الشافعى وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهُ رُبمَا كَانَ صَادِقا وَالْمعْنَى بِهِ تَكْذِيبه نَفسه فى قَوْله أَنا محق فى الْإِظْهَار والمجاهرة دون الْحجَّة فيكفى أَن يَقُول تبت وَلَا أَعُود انْتهى وَقد لخصه من كَلَام الإِمَام
وَلقَائِل أَن يَقُول إِذا كَانَ الْمَعْنى بإكذابه نَفسه كذبه فى قَوْله أَنا محق فى الْإِظْهَار والمجاهرة فَلَا مَانع من أَن يَقُول كذبت وَلَا عَابَ فِيهِ أَيْضا وَلم يكلفه يكذب فَلم لَا يَقُول ذَلِك ويجرى على ظَاهر النَّص
وَقَالَ صَاحب التَّهْذِيب قَالَ الشافعى رضى الله عَنهُ التَّوْبَة إكذابه نَفسه فَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ فَقَالَ الإصطخرى يَقُول كذبت فِيمَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يَقُول كذبت لِأَنَّهُ رُبمَا يكون صَادِقا بل يَقُول الْقَذْف بَاطِل نَدِمت على مَا قلت رجعت عَنهُ فَلَا أَعُود إِلَيْهِ انْتهى
وَمِنْه أَخذ الرافعى لفظ النَّدَم وَأَن لَا أَعُود مقولة على الْوَجْهَيْنِ وَجه أَبى سعيد وَوجه أَبى إِسْحَاق
وَقَالَ صَاحب الْبَحْر قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَيْسَ معنى قَول الشافعى أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت بل مَعْنَاهُ أَن يكذب نَفسه فى اسْتِبَاحَة الْقَذْف فَيَقُول الْقَذْف بَاطِل وإنى لَا أَعُود إِلَيْهِ وَأَنا نادم عَلَيْهِ أَو يَقُول قذفى لَهُ بِالزِّنَا كَانَ كَاذِبًا وَلَا يَقُول كنت كَاذِبًا لجَوَاز أَن يكون صَادِقا وَبِه قَالَ ابْن أَبى هُرَيْرَة
فَإِن قيل فقد تقبل تَوْبَة الْمُرْتَد وَإِن لم يقل الْكفْر بَاطِل فَلم شرطتم هَا هُنَا أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل
قُلْنَا لَا يقبل وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يأتى بِمَا يضاد الأول والتوحيد يضاد الْكفْر فَاكْتفى بِهِ وَلَيْسَ مَا يضاد الْقَذْف إِلَّا أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل فَافْتَرقَا
وَقَالَ الإصطخرى وَبِه قَالَ أَحْمد رضى الله عَنهُ تَوْبَة الْقَاذِف أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت وإننى كَاذِب فى قذفى لَهُ بِالزِّنَا وَهَذَا ظَاهر قَول الشافعى رضى الله عَنهُ وَالتَّوْبَة إكذابه نَفسه وَقد روى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه
قَالَ أَصْحَابنَا مَا قَالَه أَبُو إِسْحَاق أصح وَهُوَ الْمَذْهَب انْتهى
وَقَالَ القاضى مجلى فى الذَّخَائِر وَإِن كَانَت الْمعْصِيَة قذفا فقد قَالَ الشافعى التَّوْبَة مِنْهَا إكذابه نَفسه وَاخْتلف أَصْحَابنَا فى ذَلِك فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَأَبُو على ابْن أَبى هُرَيْرَة وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب هُوَ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل حرَام وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت
وَقَالَ أَبُو سعيد الإصطخرى هُوَ أَن يَقُول كذبت فِيمَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَتعلق بِظَاهِر كَلَام الشافعى رَحمَه الله وَبِه قَالَ أَحْمد لما روى عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ تَوْبَة الْقَاذِف إكذابه نَفسه
قَالَ الْأَولونَ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون صَادِقا فى الْقَذْف فَيصير بكذبه عَاصِيا كَمَا كَانَ بقذفه عَاصِيا
وَقَالَ بَعضهم هُوَ أَن يَقُول مَا كنت محقا فى الْقَذْف وَلَا أَعُود إِلَيْهِ وَكَلَام الشافعى رَحمَه الله مَحْمُول على تَكْذِيب نَفسه فى قَوْله أَنا محق فى إِظْهَاره والمجاهرة بِغَيْر حجَّة انْتهى
وَقَوله الْقَذْف بَاطِل حرَام ذكره لفظ حرَام مَعَ بَاطِل تبع فِيهِ من قدمنَا ذكره إِيَّاهَا وهى لَفْظَة مَحْمُولَة على التَّوَسُّع فى الْعبارَة وَإِلَّا فَكل قذف خرج مخرج الشتم فَهُوَ حرَام وَإِن خرج مخرج الشَّهَادَة وَلم يتم الْعدَد وَقد كَانَ يحسبه تمّ فَلَيْسَ بِحرَام فَمَا للفظة موقع
فَإِن قلت مَا الذى اسْتَقر عَلَيْهِ رَأْيكُمْ فى صِيغَة تَوْبَة الْقَاذِف أيترجح عنْدك قَول أَبى سعيد أم قَول الْجُمْهُور
قلت إِن كَانَ الْقَاذِف يعلم أَنه كَاذِب فالأرجح عندى قَول أَبى سعيد لِأَن مدَار التَّوْبَة على نَحْو مَا مضى مَا أمكن وتدارك مَا يُمكن تَدَارُكه وَلَا يتدارك ثلبه عرض أَخِيه ونيله مِنْهُ إِلَّا بذلك فَهُوَ نَظِير وَفَاء الدّين ورد الظلامة وَلَا يغنى عَن لفظ الْكَذِب لفظ ممجمج لَيْسَ بِصَرِيح فى مَعْنَاهُ بل من نَالَ من أَخِيه قذفا وَهُوَ يعلم أَنه برِئ فتوبته بِأَن يبين للنَّاس أَنه برِئ وَلَا يبين ذَلِك إِلَّا بتسجيله على نَفسه بِصَرِيح الْكَذِب والبهت وَإِن علم أَنه صَادِق أَو شكّ فَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة يحْتَمل أَن يَكْفِيهِ قذفى بَاطِل كَمَا قَالَه الْجُمْهُور وَيدل لَهُ نَص الشافعى دلَالَة وَاضِحَة على رِوَايَة من روى فى لفظ النَّص بِأَنَّهُ أذْنب بِأَن نطق بِالْقَذْفِ إِلَى آخِره فَكَأَن الشافعى رَحمَه الله فسر إكذابه نَفسه بِهَذَا وَيحْتَمل أَن يشْتَرط لفظ الْكَذِب ليجبر مَا كَانَ مِنْهُ وَمَا ذَكرُوهُ من أَنه قد يكون صَادِقا قد قدمنَا جَوَابه وَهُوَ أَن الصدْق هُنَا لَيْسَ مُطَابقَة مَا فى نفس الْأَمر بل كل قَاذف إِذا لم يتم الْعدَد فَهُوَ كَاذِب لقب لقبه الرب عز من قَائِل بِهِ ووسمه سمة لَا تزايله إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ وَهَذَا فِيمَن أخرج قذفه مخرج الشتم والسب أما من أخرجه مخرج الشَّهَادَة وَلم يتم الْعدَد وَقُلْنَا بِوُجُوب الْحَد عَلَيْهِ فَلَا يظْهر لى أَن يَقُول ذَلِك وَلَا أَن الإصطخرى يُوجب عَلَيْهِ هَذَا القَوْل وَإِنَّمَا يُوجب أَبُو سعيد لفظ التَّكْذِيب على من أخرجه مخرج السب والإيذاء هَذَا مَا يدل عَلَيْهِ نقل الماوردى فى الحاوى صَرِيحًا وَغَيره تَلْوِيحًا وَإِن كَانَ كَلَام الرافعى وَمن تبعه مُطلقًا فَصَارَت الصُّور عندى ثَلَاثًا
قَاذف يعلم كذبه فالراجح قَول أَبى سعيد
وقاذف لَا يعلم كذبه وَلكنه أخرج قذفه مخرج الشتم والإيذاء فَفِيهِ تردد نظر
وقاذف يظنّ أَو يعلم صدق نَفسه وَمَا أخرج قذفه إِلَّا مخرج الشَّهَادَة غير أَنه حد لنُقْصَان الْعدَد فالراجح فِيهِ قَول الْجُمْهُور بل لَا أعتقد فِيهِ خلافًا وَلَا أحفظ عَن الإصطخرى فِيهِ مُخَالفَة بل صَرِيح كَلَام الماوردى يدل على أَنه لَا يُخَالف فِيهِ بل لَو قَالَ هَذَا وَالْحَالة هَذِه كذبت لم تقبل شَهَادَته فى الْحَال أما إِذا قَالَ الْقَذْف بَاطِل فَإِن شَهَادَته تقبل فى الْحَال إِذا كَانَ عدلا لقَوْل عمر رضى الله عَنهُ لأبى بكرَة تب أقبل شهادتك فَكيف نلجئه أَن يَقُول كذبت وهى لَفْظَة توجب الحكم برد شَهَادَته فِيمَا يسْتَأْنف فَإِن قلت من أَيْن لَك أَنه إِذا قَالَ كذبت ترد شَهَادَته فِيمَا يسْتَأْنف وَإِن كَانَ قذفه إِنَّمَا كَانَ على وَجه الشَّهَادَة والذى قَالَه الرافعى وَمن تبعه فى الْعدْل يقذف على صُورَة الشَّهَادَة ثمَّ يَتُوب أَنه لَا يشْتَرط الِاسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب وَإِن كَانَ قذف سبّ إو إِيذَاء اشْترط على الْمَذْهَب وَلم يفضلوا فى قذف الشَّهَادَة بَين أَن تكون التَّوْبَة مِنْهُ بِلَفْظ كذبت أَو غَيره قلت هُوَ مُطلق يُقيد بِمَا إِذا لم يكن بِلَفْظ كذبت إِذْ هُوَ حِين يَقُول كذبت معترف بِفِسْقِهِ وإقدامه على شَهَادَة الزُّور فى هَذَا الْأَمر الخطير إِلَّا أَن يعْنى ب كذبت أَنى ملقب من الشَّارِع بلقب الْكَذِب كَمَا قدمْنَاهُ فَإِن هُوَ عَنى ذَلِك فَلَا كَلَام وَإِلَّا فقد اعْترف بِشَهَادَة الزُّور فَهَذَا هُوَ الذى يظْهر ثمَّ هُوَ المسطور بل لم يَجعله الإِمَام مَحل خلاف إِذْ قَالَ فى النِّهَايَة
وَالْوَجْه عندنَا أَن يَقُول إِذا صرح بتكذيب نَفسه فَهَذَا يخرج عَن التفاصيل وترديد الْأَقْوَال وَيقطع فِيهِ بالاستبراء
وَقَالَ صَاحب الْبَحْر فى الْقَاذِف إِذا كَانَ عدلا لَكِن لم يتم الْعدَد إِن أَصْحَابنَا قَالُوا إِن هَذَا إِذا قَالَ الْقَذْف بَاطِل وَأَنا لَا أَعُود قبلت شَهَادَته فى الْحَال إِلَى أَن قَالَ والذى قَالَ لاستبراء حَاله أَرَادَ إِذا لم يطلّ الزَّمَان أَو أَرَادَ إِن أكذب نَفسه فى الْقَذْف إِلَى أَن قَالَ وَإِن لم يكذب نَفسه وَأظْهر الندامة على قَوْله وَكَانَ عدلا من قبل لَا يحْتَاج إِلَى زمن الِاسْتِبْرَاء انْتهى مُلَخصا
وَإِذا تَأَمَّلت مَا سطرته لَك فى هَذِه الْجُمْلَة حصلت مِنْهُ على فَوَائِد
إِحْدَاهَا أَن لفظ كذبت لَا يشْتَرط عِنْد أَبى سعيد إِلَّا فى قذف السب والإيذاء دون الْمخْرج مخرج الشَّهَادَة على مَا دلّ عَلَيْهِ كَلَام كثير من النقلَة وَكَلَام الماوردى كَالصَّرِيحِ فِيهِ فَلْينْظر الحاوى وَلَيْسَ فى الرافعى شئ من ذَلِك بل قَالَ بعد مَا ذكر خلاف الإصطخرى وَالْجُمْهُور وَلَا فرق فى ذَلِك بَين الْقَذْف على سَبِيل السب والإيذاء وَبَين الْقَذْف على صُورَة الشَّهَادَة إِذا لم يتم عدد الشُّهُود إِن قُلْنَا بِوُجُوب الْحَد على من شهد فَإِن لم يُوجب فَلَا حَاجَة بِالشَّاهِدِ إِلَى التَّوْبَة انْتهى
وَهَذَا صَرِيح فِيمَا إِذا لم يتم الْعدَد بِأَنَّهُ على القَوْل بِوُجُوب الْحَد يطرقه خلاف أَبى سعيد فَيُوجب عَلَيْهِ أَن يَقُول كذبت وَهَذَا بعيد بل لَا أَشك فى بُطْلَانه فَإِن الْمُصَرّح بِهِ عَن أَبى سعيد خلاف ذَلِك وَقد قدمنَا كَلَام صَاحب الْبَحْر ثمَّ صرح بعد ذَلِك فَقَالَ فِيمَا إِذا نقص الْعدَد إِن قُلْنَا يحدون يحكم بفسقهم وَتجب التَّوْبَة فَيَقُول قذفى بَاطِل وَلَا يحْتَاج إِلَى النَّدَم وَترك الْعَزْم فِي الْمُسْتَقْبل لِأَنَّهَا شَهَادَة فى حق الله وَلَا يعْتَبر أَن يَقُول إنى كَاذِب وَلَا أَن يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثله لِأَنَّهُ لم تمّ عدد الشُّهُود لزمَه أَن يشْهد انْتهى
وَهُوَ صَحِيح لَا شكّ فِيهِ
الثانى أَن لفظ حرَام فى قَوْله قذفى بَاطِل لم يَقع إِلَّا فى عبارَة الشَّيْخ أَبى حَامِد والقفال وَمن تبعهما وَمَا أظنها على سَبِيل التَّعْيِين فَلَا يغتر بهَا بل يكفى قذفى بَاطِل
الثَّالِثَة أَن لفظ إنى نادم وَقع فى كَلَام من رَأَيْته وَمَا أرَاهُ على سَبِيل التَّعْيِين وَإِن كَانَت عبارَة الْمُحَرر والمنهاج تغر وتوهم أَن ذَلِك يتَعَيَّن
وَالرَّابِعَة أَن لفظ وَلَا أَعُود وَقع مستطردا فى كَلَام الرافعى يكَاد يكون غير مَقْصُود وهى مَسْأَلَة ذَات وَجْهَيْن صرح بحكايتهما الماوردى فى الحاوى والرويانى فى الْبَحْر
طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

 

أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل الإصطخري الفقيه الشافعي؛ كان من نظراء أبي العباس ابن سريج وأقران أبي علي ابن أبي هريرة، وله مصنفات حسنة في الفقه منها كتاب الأقضية، وكان قاضي قم، وتولى حسبة بغداد، وكان ورعا متقللاً، واستقضاه المقتدر على سجستان فسار إليها فنظر في مناكحاتهم فوجد معظمها على غير اعتبار الولي، فأنكرها وأبطلها عن آخرها.
وكانت ولادته في سنة أربع وأربعين ومائتين، وتوفي في جمادى الآخرة يوم الجمعة ثاني عشرة، وقيل رابع عشرة، وقيل مات في شعبان سنة ثمان وعشرين وثلثمائة، رحمه الله تعالى.
والإصطخري - بكسر الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الطاء المهملة وسكون الخاء المعجمة وبعدها راء - هذه النسبة إلى إصطخر، وهي من بلاد فارس، خرج منها جماعة من العلماء  رحمهم الله تعالى، وقد قالوا في النسبة إلى إصطخر إصطخرزي أيضاً بزيادة الزاي، كما زادوها في النسبة إلى مرو والري فقالوا مروزي ورازي.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

الشيخ الإمام أبو سعيد حسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل بن يسار الإضطخْري الشافعي، المتوفى ببغداد في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، عن أربع وثمانين سنة ودفن بباب الحرب. كان أحد الأئمة ومن شيوخ الفقهاء ورعاً، زاهداً، سمع سعدان بن نصر وأحمد الرَّمَادي، وغيرهما، وروى عنه الدارقطني وابن شاهين ومحمد بن المُظَفَّر وغيرهم، وتولى قضاء قُم وسجستان. وقد ولي الحسْبَة ببغداد وأحرق طاق اللعب من أجل ما يعمل فيه من الملاهي وكان القاهر قد استفتاه في الصابئين فأفتاه بقتلهم. وله تصانيف كثيرة، منها: "كتاب أدب القضاء" ليس لأحد مئله.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

الإصطخري:
الإِمَامُ القُدْوَةُ العَلاَّمَة، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أبي سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ الإِصطخرِيُّ، الشَّافِعِيُّ، فقيه العراق، ورفيق ابن سريج.
سَمِعَ: سَعْدان بن نَصْرٍ، وَحَفْص بن عَمْرٍو الرَّبَالِيّ، وَأَحْمَد بن مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيّ، وَعباساً الدُّوْرِيّ، وَحَنْبَل بن إِسْحَاقَ، وَعِدَّة.
وَعَنْهُ: مُحَمَّد بن المظفر، والدارقطني، وابن شاهين، وأبي الحسن بن الجندِي، وَآخَرُوْنَ.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّة.
قَالَ أبي إِسْحَاقَ المَرْوَزِيّ: لَمَّا دَخَلت بَغْدَاد لَمْ يَكُنْ بِهَا مَنْ يَسْتَحق أَنْ يدرس عَلَيْهِ إلَّا ابْن سُرَيْج وَأبي سَعِيْدٍ الإِصطخرِي.
وَقَالَ الخَطِيْبُ: وَلِي قَضَاء قُمَّر، وَولِي حسبَة بَغْدَاد فَأَحرق مَكَان المَلاَهِي.
قَالَ: وَكَانَ وَرِعاً زَاهِداً متقللاً مِنَ الدُّنْيَا لَهُ تَصَانِيْف مُفِيْدَة مِنْهَا كِتَاب "أَدب القَضَاء" لَيْسَ لأَحَد مثله.
قُلْتُ: وَهُوَ صَاحِبُ وَجه. وَقِيْلَ: إِنَّ ثَوْبه وَعِمَامَته وَطيلسَانه وسراويله كان من شقة واحدة.
وَقَدِ اسْتَقضَاهُ المُقْتَدِر عَلَى سِجِسْتَان.
وَاستفتَاهُ القَاهر فِي الصَّابِئين فَأَفتَاهُ بِقَتْلهم لأَنَّهُم يعبدُوْنَ الْكَوَاكِب فَعزم الخَلِيْفَة عَلَى ذَلِكَ فَجَمَعُوا مَالاَ جزيلاً وَقدمُوهُ فَفَتر عَنْهُم.
مَاتَ الإِصطخرِي فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَث وَمائَة وَلَهُ نَيِّف وَثَمَانُوْنَ سَنَةً. تَفَقَّهَ بِأَصْحَاب المُزَنِيّ وَالرَّبِيْع.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايمازالذهبي

 

 

الحسن بن أحمد بن يزيد الإصطخري، أبو سعيد:
فقيه شافعيّ، كان من نظراء ابن سريج. ولي قضاة قم (بين أصبهان وساوة) ثم حسبة بغداد. واستقضاه المقتدر على سجستان. قال ابن الجوزي: له كتاب في (القضاء) لم يصنف مثله. وقال الإسنوي: صنف كتبا كثيرة، منها (أدب القضاء) استحسنه الأئمة. وكانت في أخلاقه حدة.
وقال ابن النديم: له من الكتب (الفرائض) الكبير، وكتاب (الشروط والوثائق والمحاضر والسجلات).
-الاعلام للزركلي-

 

 

أبو سعيد الحسن بن أحمد الأصطخري : وكان قاضي قم وولي الحسبة ببغداد، وكان ورعاً متقللاً، ولد سنة أربع وأربعين ومائتين ومات في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وصنف كتاباً حسناً في أدب القضاء.
- طبقات الفقهاء / لأبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.


الحسن بن أحمد بن يزيد بن عيسى بن الفضل بن بشار بن عبد الحميد أبي سعيد الاصطخري – ولد سنة: 244 ه – ت ببغداد في جمادى الآخرة سنة: 328 ه – من شيوخه: سعدان بن نصر وأحمد بن منصور الرمادي – من تلاميذه: ابن المظفر ، والدار قطني – ينظر: طبقات الشافعية الكبرى – 3 / 330 ، 333 . ينظر: المهمات – الإجارة: 6 / 159 .