أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي: الفقيه العلامة البركة القدوة الفهّامة شيخ المالكية وإمام السالكين وخاتمة العلماء العاملين إليه انتهت الرئاسة بمصر. أخذ عن والده والبرهان اللقاني والنور الأجهوري وغيرهم. وعنه جماعة منهم الشيخ علي النوري وأحمد الشرفي الصفاقسي وعلي بن خليفة المساكني وعلي اللقاني وشمس الدين اللقاني وأخوه داود وأحمد الشبرخيتي وأحمد الفيومي وعبد السلام بن صالح حفيد الشيخ عبد السلام الأسمر ومحمد النفراوي وأخوه أحمد وأبو عبد الله السلموني ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني، وبالإجازة أبو سالم العياشي، له شرح كبير على المختصر وصغير رزق فيه القبول وغير ذلك. توفي في ذي الحجة سنة 1001هـ[1689م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
الإمام محمد بن عبد الله الخرشي المالكي
هو الإمام الشيخ أبو عبد الله محمد بن جمال الدين عبد الله بن على الخرشي المالكي، أول أئمة الجامع الأزهر
ولد الشيخ الخرشى سنة(1010هـ =1601م) وسمى بالخرشي نسبة إلى قريته التي ولد بها قرية أبو خراش التابعة لمركز شبراخيت بمحافظة البحيرة.
وقد وصفه صاحب سلك الدرر بأنه الإمام الفقيه ذو العلوم الوهبية والأخلاق المرضية المتفق على فضله وولايته وحسن سيرته.
وقد نال الشيخ الخرشي مشيخة الأزهر بإجماع العلماء والقائمين على أمور البلاد ونالها عن جدارة واستحقاق.
قال عنه الشيخ على الصعيدى العدوى المالكي في حاشيته التي جعلها على شرحه الصغير لمتن خليل: هو العلامة الإمام، والقدوة الهمام، شيخ المالكية شرقاً وغرباً، قدوة السالكين عجماً وعرباً، مربى المريدين، كهف السالكين، سيدى أبو عبد الله بن علي الخرشى.
انتهت إليه الرياسة في مصر حتى إنه لم يبق بها في آخر عمره إلا طلبته، وطلبة طلبته، وكان متواضعاً عفيفا، واسع الخلق، كثير الأدب والحياء، كريم النفس، جميل المعاشرة، حلو الكلام، كثير الشفاعات عند الأمراء وغيرهم، مهيب المنظر، دائم الطهارة، كثير الصمت، كثير الصيام والقيام، زاهداً ورعاً متقشفاً في مأكله وملبسه ومفرشه وأمور حياته، وكان لا يصلى الفجر صيفاً وشتاء إلا بالجامع الأزهر، ويقضى بعض مصالحه من السوق بيده، وكذلك مصالح بيته في منزله.
ويقول عنه من عاشره: ما ضبطنا عليه ساعة هو فيها غافل عن مصالح دينه أو دنياه، وكان إذا دخل منزله يتعمم بشملة صوف بيضاء، وكانت ثيابه قصيرة على السنة المحمدية .
واشتهر في أقطار الأرض كبلاد المغرب، والشام، والحجاز، والروم، واليمن، وكان يعير من كتبه و من خزانة الوقف بيده لكل طالب إيثاراً لوجه الله.
وكان لا يمل في درسه من سؤال سائل، لازم القراءة لاسيما بعد شيخه البرهان اللقاني، وأبى الضياء على الأجهوري، وكان أكثر قراءاته بمدرسة الأقبغاوية.
وكان يقسم متن خليل في فقه المالكية إلى نصفين، نصف يقرؤه بعد الظهر عند المنبر كتلاوة القرآن، ويقرأ نصفه الثاني في اليوم التالي وكان له في منزله خلوة يتعبد فيها، وكانت الهدايا والنزور تأتيه من أقصى بلاد المغرب، وغيرها من سائر البلاد، فلا يمس منها شيئا، بل كان يعطيها لمعارفه والمقربين منه يتصرفون فيها.
ولم ينل الشيخ الخرشي شهرته إلا بعد أن تقدمت به السن، ولذلك لم يذكر أحد من المؤرخين شيئاً عن نشأته.
تلقى الشيخ تعليمه على يد نخبة من العلماء والأعلام مثل والده الشيخ جمال الدين عبد الله بن على الخرشي الذي غرس فيه حباً للعلم وتطلعاً للمعرفة، ذلك كما تلقى العلم على يد الشيخ العلامة إبراهيم اللقاني، وكلاهما -الشيخ اللقاني ووالده الخرشي- تلقى معارفه، وروى عن الشيخ سالم السنهورى عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ بن حجر العسقلاني بسنده إلى البخاري.
وتلقى أيضاً العلم على أيدي الشيخ الأجهوري والشيخ يوسف الغليشي والشيخ المعطي البصير، والشيخ يس الشامي، وغيرهم من العلماء والمشايخ الذين رسموا في حياته منهجاً سار على خطواته حتى توفاه الله
وقد درس الشيخ محمد بن عبد الله الخرشى علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل التفسير والحديث والتوحيد والتصوف والفقه وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضاً درس علوم المنطق، والوضع والميقات، ودرس أمهات الكتب في كل هذه العلوم السالفة الذكر علىأيدى شيوخ عظماء بعلمهم وخلقهم.
وقد ظل الشيخ عشرات السنين يعلم ويتعلم، ويفيد ويستفيد من العلم والعلماء، وظل يروي طيلة حياته ويُروى عنه، وبات يضيف ويشرح ويعلق على كل ما يقع بين يديه وتقع عيناه، فأفاد بلسانه وقلمه جمهرة كبيرة من العلماء الذين كانوا يعتزون به وبالانتماء إليه والنهل من علمه الغزير ومعرفته الواسعة.
ومن تلاميذ الشيخ الخرشى: الشيوخ أحمد اللقاني، ومحمد الزرقاني، وعلى اللقاني، وشمس الدين اللقاني، وداود اللقاني، ومحمد النفراوي والشيخ أحمد النفراوي، والشبراخيتي، وأحمد الفيومي وإبراهيم الفيومى، وأحمد المشرفي والعلامة عبد الباقي القليني (الذي تولى مشيخة الأزهر وأصبح رابع المشايخ) والشيخ علي المجدولي والشيخ أبو حامد الدمياطي والعلامة شمس الدين البصير السكندري، وأبو العباس الديربي صاحب المؤلفات القيمة والعديدة، وتتلمذ على يديه الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي الذي أصبح شيخاً للأزهر.
وكل هؤلاء المشايخ الذين تتلمذوا على يديه حملوا لواء العلم والمعرفة من بعده، وكان لهم الدور البارز في رفع شأن الإسلام واللغة العربية وكلهم أصبحت لهم مكانتهم المرموقة وتتلمذ على أيديهم الألوف من طلاب العلم والمعرفة.
كان الشيخ الخرشي يداوم على صلاة الفجر، ولم يتخلف عن صلاة في جماعة قط، ويسخر نفسه لخدمة الناس وقضاء حاجاتهم بنفسه، وكان واسع الصدر، تعلم على يديه طلاب العلم من شتى بقاع الأرض يسألونه ويستمعون إليه ويناقشونه دون ضيق منه أوتذمر ..كان رحب الأفق لا يمل ولا يسأم.
ولقد ذاع صيته، وطارت شهرته وسمت مكانته بين العامة والخاصة، فكان الحكام يقبلون شفاعته، وكان الطلبة يقبلون على دروسه وينهلون من معارفه الفياضة التي لا تنضب، وكان العامة يفدون إليه لينالوا من كرمه ويهتدون بعلمه وخلقه.
قال عنه الجبرتي: هو الإمام العلامة والحبر الفهامة شيخ الإسلام والمسلمين ووارث علوم سيد المرسلين.
ذاعت شهرته في البلاد الإسلامية حتى بلغت بلاد المغرب وأواسط أفريقيا حتىنيجيريا، وبلاد الشام والجزيرة العربية واليمن، وقد مكن الشيخ من بلوغ هذه الشهرة انتشار طلابه وكثرتهم في أقطار عديدة، وأداؤه للحج، واشتهاره بالعلم والتقوى.
وكان الشيخ واسع العلم متنوع الثقافة، لذا ترك مكتبة عربية وإسلامية ثرية بمؤلفاته التي امتلأت باللآلئ والجواهر قلما يوجد لها مثيل ، ومن كتبه:
رسالة في البسملة
الشرح الكبير لمختصر خليل: ثماني مجلدات.
الشرح الصغير لمختصر خليل: في أربعة مجلدات.
منتهى الرغبة في حل ألفاظ النخبة.
الفرائد السنية في حل ألفاظ السنوسية.
الأنوار القدسية في الفرائد الخرشية.
حاشية على شرح الشيخ علي إيساغوجي في المنطق.
إجازة أجاز بها المؤلف الإمام تلميذه الشيخ على الشبراملسي المتوفى سنة1087هـ ، وهي نسخة مخطوطة ضمن مجموعة برقم 312 بدار الكتب المصرية يقول فيها:
(يقول الفقير محمد الخرشي خادم الفقراء بالأزهر إني أخرج الشيخ علي الشبراملسي على الوجه المشروع، مع سؤالي الله أن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال، فإنه بالإجابة جدير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
ولي الشيخ مشيخة الأزهر سنة1090هـ = 1679م وكان عمره وقتذاك حوالي الثمانين عاماً واستمر في المشيخة حتى توفاه الله تعالى صبيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1101 هـ -=1690م عن عمر يناهز التسعين عاما ودفن الشيخ الخرشي مع والده بقرافة المجاورين قرب مدفن الشيخ سيد محمد البنوفوري تاركاً للأزهر ما يقرب من20 مؤلفاً مازالت من أهم المراجع للعلماء.
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج1/ص5