علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي أبي محمد الظاهري

ابن حزم الظاهري

تاريخ الولادة384 هـ
تاريخ الوفاة457 هـ
العمر73 سنة
مكان الولادةقرطبة - الأندلس
مكان الوفاةالأندلس - الأندلس
أماكن الإقامة
  • قرطبة - الأندلس

نبذة

ابْن حزم الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم بن غَالب بن صَالح بن خلف الْفَارِسِي الأَصْل اليزيدي الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْقُرْطُبِيّ الظَّاهِرِيّ كَانَ أَولا شافعياً ثمَّ تحول ظاهريا وَكَانَ صَاحب فنون وورع وزهد وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الذكاء وَالْحِفْظ وسعة الدائرة فِي الْعُلُوم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الْإِسْلَام وأوسعهم مَعَ توسعه فِي عُلُوم اللِّسَان والبلاغة وَالشعر وَالسير وَالْأَخْبَار

الترجمة

ابن حزم الظاهري: أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي الإمام البحر ذو الفنون والمعارف، كانت له الرياسة في الوزارة ولأبيه من قبله، لكنه زهد فيها وأقبل على قراءة العلوم والاستكثار من علوم الشريعة وصنف مصنفات كثيرة بلغت نحو أربعمائة مجلد معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهب داود الظاهري، فشنع عليه الفقهاء وطعنوا فيه وأقصاه الملوك وأبعدوه عن وطنه وتوفي بالبادية سنة ست وخمسين وأربعمائة وكان أديبا، شاعرا،طبيبا، له بالطب رسائل، وكتب بالأدب . ينظر:تذكرة الحفاظ3/1146، هدية العارفين1/690،سير أعلام النبلاء18/185 

 

 

ابْن حزم الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ الْفَقِيه أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم بن غَالب بن صَالح بن خلف الْفَارِسِي الأَصْل اليزيدي الْأمَوِي مَوْلَاهُم الْقُرْطُبِيّ الظَّاهِرِيّ
كَانَ أَولا شافعياً ثمَّ تحول ظاهريا وَكَانَ صَاحب فنون وورع وزهد وَإِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الذكاء وَالْحِفْظ وسعة الدائرة فِي الْعُلُوم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الْإِسْلَام وأوسعهم مَعَ توسعه فِي عُلُوم اللِّسَان والبلاغة وَالشعر وَالسير وَالْأَخْبَار
لَهُ الْمحلى على مذْهبه واجتهاده وَشَرحه الْمحلى والملل والنحل والإيصال فِي فقه الحَدِيث وَغير ذَلِك
آخر من روى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ أَبُو الْحسن شُرَيْح بن مُحَمَّد مَاتَ فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم الْأمَوِي الْفَارِسِي الأَصْل ثمَّ الأندلسي الفرضي الشَّيْخ الإِمَام أبي مُحَمَّد
روى عَن جمَاعَة مِنْهُم يُونُس بن عبد الله القَاضِي وَعنهُ أبي عبد الله الْحميدِي وَكَانَ إِلَيْهِ الْمُنْتَهى فِي الذكاء وَالْحِفْظ وَكَثْرَة الْعلم وَكَانَ متفننا فِي عُلُوم جمة وَله التصانيف الفاخرة فِي عُلُوم شَتَّى حَتَّى فِي الْمنطق وَشرح الْمحلى لِابْنِ حزم فِي اثنى عشر مجلدا وَمن طالع كِتَابه هَذَا وجد فِيهِ تأدبه مَعَ الإِمَام أَحْمد
ومتابعته قَالَ ابْن عبد السَّلَام مَا رَأَيْت فِي كتب الْإِسْلَام فِي الْعلم مثل الْمحلى لِابْنِ حزم والمغنى لِابْنِ قدامَة وشرد عَن وَطنه وتعصب عَلَيْهِ لطول لِسَانه ووقوعه فِي الْفُقَهَاء الْكِبَار وَجرى بَينه وَبَين أبي الْوَلِيد الْبَاجِيّ مناظرات
قَالَ أبي الْعَبَّاس ابْن العريف كَانَ لِسَان ابْن حزم وَسيف الْحجَّاج شقيقين وَإِنَّمَا ذكرته لِأَنَّهُ حنبلي لتعظيمه الإِمَام
توفّي فِي شعْبَان سنة سِتّ وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

الإِمَامُ الأَوْحَدُ البَحْرُ ذُو الفُنُوْنِ وَالمعَارِفِ أَبُو محمد؛ علي ابن أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدِ بنِ حَزْمِ بنِ غَالِبٍ بنِ صَالِحِ بنِ خَلَفِ بنِ مَعْدَانَ بنِ سُفْيَانَ بنِ يَزِيْدَ الفَارِسِيُّ الأَصْلِ ثُمَّ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ اليَزِيْدِيُّ مَوْلَى الأَمِيْر يَزِيْدَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- المَعْرُوف بيَزِيْد الخَيْر نَائِب أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَبِي حَفْصٍ عُمَر عَلَى دِمَشْقَ الفَقِيْهُ الحَافِظُ المُتَكَلِّمُ الأَدِيْبُ الوَزِيْرُ الظَّاهِرِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فَكَانَ جَدُّهُ يزيد مَوْلَى لِلأَمِيْر يَزِيْد أَخِي مُعَاوِيَة. وَكَانَ جَدُّهُ خَلَفُ بنُ مَعْدَانَ هُوَ أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الأَنْدَلُس فِي صحَابَة ملك الأَنْدَلُسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ؛ المَعْرُوف بِالدَّاخل.
وَلد أبو ممد بقُرْطُبَة فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ: فِي سَنَةِ أَرْبَع مائَة وَبعدهَا مِنْ طَائِفَة مِنْهُم: يَحْيَى بن مَسْعُوْدِ بنِ وَجه الجَنَّة؛ صَاحِبِ قَاسِم بن أَصْبَغ فَهُوَ أَعْلَى شَيْخ عِنْدَهُ وَمِنْ أَبِي عُمَرَ أَحْمَد بن محمد بن الجَسور وَيُوْنُس بن عَبْدِ اللهِ بنِ مُغِيْث القَاضِي وَحُمَامِ بن أَحْمَدَ القَاضِي وَمُحَمَّدِ بن سَعِيْدِ بنِ نبَات وَعَبْدِ اللهِ بن رَبِيْع التَّمِيْمِيّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ وَأَبِي عُمَرَ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الطَّلَمَنْكِي وَعَبْدِ اللهِ بن يُوْسُفَ بنِ نَامِي وَأَحْمَد بنُ قَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قَاسِمِ بنِ أَصْبَغ. وَيَنْزِلُ إِلَى أَنْ يَرْوِي عَنْ، أَبِي عُمَرَ بن عبدِ البرِّ وَأَحْمَدَ بنِ عُمَرَ بنِ أَنَس العُذْرِيّ. وَأَجْوَد مَا عِنْدَهُ مِنَ الكُتُب سُنَن النَّسَائِيّ يَحمله عَنِ، ابْنِ رَبيع عَنِ، ابْنِ الأَحْمَر عَنْهُ. وَأَنْزَل مَا عِنْدَهُ صَحِيْحُ مُسْلِم بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خَمْسَةُ رِجَال وَأَعْلَى مَا رأيت له حديث بينه وبين وكيع فيه ثَلاَثَةُ أَنْفُس.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ أَبُو رَافِعٍ الفضل وأبو عبد الله الحميدي ووالد القَاضِي أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي وَطَائِفَة. وَآخر مَنْ رَوَى عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ بِالإِجَازَة أَبُو الحَسَنِ شُرَيْح بن مُحَمَّد.
نشَأَ فِي تَنَعُّمٍ وَرفَاهيَّة وَرُزِقَ ذكَاء مُفرطاً وَذِهْناً سَيَّالاً وَكُتُباً نَفِيْسَةً كَثِيْرَةً وَكَانَ وَالِدُهُ مِنْ كُبَرَاء أَهْل قُرْطُبَة؛ عَمل الوزَارَةَ فِي الدَّوْلَة العَامِرِيَّة وَكَذَلِكَ وَزَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي شَبِيْبته وَكَانَ قَدْ مَهر أَوَّلاً فِي الأَدب وَالأَخْبَار وَالشّعر وَفِي الْمنطق وَأَجزَاءِ الفلسفَة فَأَثَّرت فِيْهِ تَأْثيراً لَيْتَهُ سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَلَقَدْ وَقفتُ لَهُ عَلَى تَأَلِيف يَحضُّ فِيْهِ عَلَى الاعتنَاء بِالمنطق وَيُقَدِّمه عَلَى العلُوْم فَتَأَلَّمت لَهُ فَإِنَّهُ رَأْسٌ فِي علُوْم الإِسْلاَم مُتَبَحِّر فِي النَّقْل عَديمُ النّظير عَلَى يُبْسٍ فِيْهِ وَفَرْطِ ظَاهِرِيَّة فِي الْفُرُوع لاَ الأُصُوْل.
قِيْلَ: إِنَّهُ تَفَقَّهَ أَوَّلاً لِلشَافعِيّ ثُمَّ أَدَّاهُ اجْتِهَاده إِلَى القَوْل بنفِي القيَاس كُلّه جَلِيِّه وَخَفِيِّه وَالأَخْذ بِظَاهِرِ النَّصّ وَعمومِ الكِتَاب وَالحَدِيْث وَالقَوْلِ بِالبَرَاءة الأَصْليَّة وَاسْتصحَاب الحَال وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ كتباً كَثِيْرَة وَنَاظر عَلَيْهِ وَبسط لِسَانَه وَقلمَه وَلَمْ يَتَأَدَّب مَعَ الأَئِمَّة فِي الخَطَّاب بَلْ فَجَّج العبَارَة وَسبَّ وَجَدَّع فَكَانَ جزَاؤُه مِنْ جِنس فِعله بِحَيْثُ إِنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ، تَصَانِيْفه جَمَاعَةٌ مِنَ الأَئِمَّةِ وَهَجَرُوهَا وَنفرُوا مِنْهَا وَأُحرقت فِي وَقت وَاعْتَنَى بِهَا آخرُوْنَ مِنَ العُلَمَاءِ وَفَتَّشوهَا انتقَاداً وَاسْتفَادَة وَأَخذاً وَمُؤَاخذَة وَرَأَوا فِيْهَا الدُّرَّ الثّمِينَ ممزوجاً فِي الرَّصْفِ بِالخَرَزِ المَهين فَتَارَةٌ يَطربُوْنَ وَمرَّةً يُعجبُوْنَ وَمِنْ تَفَرُّدِهِ يهزؤُون. وَفِي الجُمْلَةِ فَالكَمَالُ عزِيز وَكُلُّ أحد يؤخذ من قوله ويترك إلَّا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ يَنهض بعلُوْمٍ جَمَّة وَيُجيد النَّقل وَيُحْسِنُ النّظم وَالنثر. وَفِيْهِ دِينٌ وَخير وَمقَاصدُهُ جمِيْلَة وَمُصَنّفَاتُهُ مُفِيدَة، وَقَدْ زهد فِي الرِّئَاسَة وَلَزِمَ مَنْزِله مُكِبّاً عَلَى العِلْم فَلاَ نغلو فِيْهِ وَلاَ نَجْفو عَنْهُ، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ قَبْلنَا الكِبَارُ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ الغزَالِي: وَجَدْتُ فِي أَسْمَاء الله تَعَالَى كِتَاباً أَلفه أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيّ يَدلُّ عَلَى عِظَمِ حَفِظه وَسَيَلاَن ذِهنه.

وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو القَاسِمِ صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ أَجْمَعَ أَهْل الأَنْدَلُس قَاطبَة لعلُوْم الإِسْلاَم وَأَوسعَهم مَعْرِفَة مَعَ تَوسعه فِي عِلم اللِّسَان وَوُفور حَظِّه مِنَ البلاغَة وَالشّعر وَالمَعْرِفَة بِالسير وَالأَخْبَار؛ أَخْبَرَنِي ابْنُه الفَضْل أَنَّهُ اجْتَمَع عِنْدَهُ بِخَط أَبِيْهِ أَبِي مُحَمَّدٍ مِنْ تَوَالِيفه أَرْبَعُ مائَةِ مُجَلد تَشتمِل عَلَى قَرِيْب مِنْ ثَمَانِيْنَ أَلفِ وَرقَة.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ وفقهه مُسْتنبطاً لِلأَحكَام مِنَ الكِتَاب وَالسُّنَّة مُتَفَنِّناً فِي عُلُوْمٍ جَمَّة عَامِلاً بِعِلْمه مَا رَأَينَا مِثْلَه فِيمَا اجْتَمَع لَهُ مِنَ الذّكَاء وَسُرعَةِ الحِفْظ وَكَرَمِ النَفْس وَالتَّدين وَكَانَ لَهُ فِي الأَدب وَالشّعر نَفَس وَاسِع وَبَاعٌ طَوِيْل وَمَا رَأَيْتُ مَنْ يَقُوْلُ الشِّعر عَلَى البَديهِ أَسرعَ مِنْهُ وَشِعره كَثِيْر جَمَعتُه عَلَى حُرُوف المُعْجَم.
وَقَالَ أَبُو القَاسِمِ صَاعِد: كَانَ أَبُوْهُ أَبُو عُمَرَ مِنْ وَزرَاء المَنْصُوْر مُحَمَّد بن أَبِي عَامِرٍ مُدبِّر دَوْلَة المُؤَيَّد بِاللهِ بن المُسْتنصر المَرْوَانِي ثُمَّ وَزَرَ لِلمظفر وَوَزَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ لِلمُسْتظهر عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن هِشَامٍ ثُمَّ نَبذ هَذِهِ الطّرِيقَة وَأَقْبَلَ عَلَى العلُوْم الشرعيَّة وَعُنِي بِعِلْم الْمنطق وَبَرَعَ فِيْهِ ثُمَّ أَعرض عَنْهُ. قُلْتُ: مَا أَعرض عَنْهُ حَتَّى زرع فِي بَاطِنه أُمُوْراً وَانحرَافاً عَنِ، السّنَة قَالَ: وَأَقْبَلَ عَلَى علُوْم الإِسْلاَم حَتَّى نَال مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَنَلْهُ أَحَد بِالأَنْدَلُسِ قَبْلَهُ.
وَقَدْ حَطَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ العَرَبِي عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِ "القوَاصم وَالعوَاصم" وَعَلَى الظَّاهِرِيَّة فَقَالَ: هِيَ أمة سخيفَة تَسَوَّرتْ عَلَى مرتبَة لَيْسَتْ لَهَا وَتَكلمت بكَلاَمٍ لَمْ نَفْهمه تَلَقَّوهُ مِنْ إِخْوَانهم الخَوَارِج حِيْنَ حكَّم عليّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَوْمَ صفِّين فَقَالَتْ: لاَ حُكْمَ إلَّا لله. وكان أول بدعَة لقيتُ فِي رحلتِي القَوْلُ بِالبَاطِن فَلَمَّا عُدتُ وَجَدْت القَوْل بِالظَّاهِر قَدْ ملأَ بِهِ المَغْرِبَ سخيفٌ كَانَ مِنْ بَادِيَة إِشْبِيلِية يُعْرَفُ بِابْنِ حَزْم نشَأَ وَتعلَّق بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ ثُمَّ انْتسب إِلَى دَاوُد ثُمَّ خلع الكُلَّ وَاسْتقلَّ بِنَفْسِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ إِمَام الأُمَّة يَضع وَيَرفع وَيْحَكم وَيَشرع يَنْسِبُ إِلَى دين الله مَا لَيْسَ فِيْهِ وَيَقُوْلُ عَنِ، العُلَمَاء مَا لَمْ يَقولُوا تَنفِيراً لِلقُلُوْب مِنْهُم وَخَرَجَ عَنْ، طَرِيْق المُشبِّهَة فِي ذَات الله وَصِفَاته فَجَاءَ فِيْهِ بطوَامَّ وَاتَّفَقَ كَوْنُهُ بَيْنَ قَوْم لاَ بَصَرَ لَهم إلَّا بِالمَسَائِل فَإِذَا طَالبهم بِالدليل كَاعُوا1، فَيَتَضَاحكُ مَعَ أَصْحَابه مِنْهُم، وَعَضَدَتْهُ الرِّئَاسَةُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَدب، وَبشُبَهٍ كَانَ يُورِدُهَا عَلَى المُلُوْك، فَكَانُوا يَحملونه، وَيَحمُونه، بِمَا كَانَ يُلقِي إِلَيْهِم مِنْ شُبه البِدَع وَالشِّرْك، وَفِي حِيْنَ عَوْدي مِنَ الرّحلَة أَلفيتُ حضَرتِي مِنْهم طَافحَة وَنَارَ ضلاَلهم لاَفحَة فَقَاسيتهم مَعَ غَيْر أَقرَان وَفِي عدمِ أَنْصَار إِلَى حسَاد يَطؤون عَقِبِي تَارَة تَذْهَب لَهم نَفْسِي، وَأُخْرَى يَنكشر لَهم ضِرسِي، وَأَنَا مَا بَيْنَ إِعرَاضٍ عَنْهم أو تَشغِيبٍ بِهِم، وَقَدْ جَاءنِي رَجُلٌ بِجُزء لابْنِ حَزْم سَمَّاهُ "نكت الإِسْلاَم" فِيْهِ دوَاهِي، فَجردت عَلَيْهِ نوَاهِي وَجَاءنِي آخر برِسَالَة فِي الاعْتِقَاد فَنَقَضْتُهَا برِسَالَة الغُرَّة وَالأَمْرُ أَفحش مِنْ أَنْ يُنقض. يَقُوْلُوْنَ: لاَ قَوْلَ إلَّا مَا قَالَ اللهُ وَلاَ نَتْبَعُ إلَّا رَسُوْل اللهِ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمر بِالاَقتدَاءِ بِأَحد وَلاَ بِالاَهتدَاء بِهَدْيِ بشر. فِيجب أَنْ يَتحققُوا أَنَّهم لَيْسَ لَهم دَلِيل وَإِنَّمَا هِيَ سَخَافَة فِي تَهويل فَأُوصيكُم بِوَصِيَّتَيْنِ: أَنْ لاَ تَسْتدلُوا عَلَيْهِم وَأَن تُطَالبوهم بِالدَّليل فَإِنَّ المُبْتَدِع إِذَا اسْتدللت عَلَيْهِ شغب عَلَيْك وَإِذَا طَالبته بِالدليل لَمْ يَجِدْ إِلَيْهِ سَبِيلا. فَأَمَّا قَوْلهُم: لاَ قَوْلَ إلَّا مَا قَالَ اللهُ فَحق وَلَكِنْ أَرنِي مَا قَالَ. وَأَمَّا قَوْلهُم: لاَ حُكْمَ إلَّا للهِ. فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ عَلَى الإِطلاَق بَلْ مِنْ حُكْمِ الله أَنْ يَجْعَلَ الحُكْمَ لغَيْرِهِ فِيمَا قَالَهُ وَأَخبر بِهِ. صَحَّ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَلاَ تُنْزِلْهم عَلَى حُكْمِ الله، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا حُكْمُ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهم عَلَى حُكْمِكَ" 1. وَصَحَّ أَنَّهُ قَالَ: عَلَيْكُم بِسَنَّتِي وَسُنَّة الخُلَفَاء ... " الحَدِيْث2.
قُلْتُ: لَمْ يُنْصِفِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- شَيْخَ أَبِيْهِ فِي العِلْمِ، ولا تكلم فيه بِالقِسْطِ وَبَالَغَ فِي الاسْتخفَاف بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ فَعَلَى عَظمته فِي العِلْمِ لاَ يَبْلُغُ رُتْبَة أَبِي مُحَمَّدٍ وَلاَ يَكَاد فَرحمهُمَا الله وَغفر لَهُمَا.
قَالَ اليَسَعُ ابْنُ حَزْمٍ الغَافِقِيّ وَذَكَرَ أَبَا مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَمَا مَحْفُوْظُهُ فَبحرٌ عَجَّاج وَمَاءٌ ثَجَّاج يَخْرُج مِنْ بحره مَرجَان الحِكَم وَيَنبت بِثَجَّاجه أَلفَافُ النِّعم فِي رِيَاض الهِمم لَقَدْ حَفِظ علُوْمَ المُسْلِمِيْنَ وَأَربَى عَلَى كُلّ أَهْل دين وَأَلَّف الْملَل وَالنحل وَكَانَ فِي صِبَاهُ يَلْبَس الحَرِيْر وَلاَ يَرْضَى مِنَ المَكَانَة إلَّا بِالسَّرِيْر. أَنْشَدَ المعتمدَ، فَأَجَاد وَقصد بَلَنْسِيةَ وبها المظفر أَحَد الأَطوَاد. وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُمَرُ بنُ وَاجِب قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد أَبِي بِبَلَنْسِيةَ وَهُوَ يُدَرِّسُ المَذْهَب إِذَا بِأَبِي مُحَمَّدٍ بن حَزْم يَسْمَعُنَا وَيَتَعَجَّب ثُمَّ سَأَلَ الحَاضِرِيْنَ مَسْأَلَةً مِنَ الفِقْهِ جُووب فِيْهَا فَاعْترَض فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الحُضَّار: هَذَا العِلْمُ لَيْسَ مِنْ مُنْتَحَلاَتِكَ فَقَامَ وَقَعَدَ وَدَخَلَ مَنْزِله فَعكَف وَوَكَفَ مِنْهُ وَابِلٌ فَمَا كَفَّ وَمَا كَانَ بَعْدَ أَشْهُرٍ قَرِيْبَة حَتَّى قَصَدْنَا إِلَى ذَلِكَ المَوْضِع، فَنَاظر أَحْسَن منَاظرَة وَقَالَ فِيْهَا: أَنَا أَتبع الحَقَّ وَأَجتهد وَلاَ أَتَقَيَّدُ بِمَذْهَب.
قُلْتُ: نَعم مَنْ بَلَغَ رُتْبَة الاجْتِهَاد وَشَهِد لَهُ بِذَلِكَ عِدَّة مِنَ الأَئِمَّةِ لَمْ يَسُغْ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ كَمَا أَنَّ الفَقِيْه المُبتدئ وَالعَامِي الَّذِي يَحفظ القُرْآن أَوْ كَثِيْراً مِنْهُ لاَ يَسوَغُ لَهُ الاجْتِهَاد أَبَداً فَكَيْفَ يَجْتَهِدُ وَمَا الَّذِي يَقُوْلُ؟ وَعلاَم يَبنِي؟ وَكَيْفَ يَطيرُ وَلَمَّا يُرَيِّش؟ وَالقِسم الثَّالِث: الفَقِيْهُ المنتهِي اليَقظ الفَهِم المُحَدِّث الَّذِي قَدْ حَفِظ مُخْتَصَراً فِي الْفُرُوع وَكِتَاباً فِي قوَاعد الأُصُوْل وَقرَأَ النَّحْو وَشَاركَ فِي الفضَائِل مَعَ حِفْظِهِ لِكِتَابِ اللهِ وَتشَاغله بتَفْسِيْره وَقوَةِ مُنَاظرتِهِ فَهَذِهِ رُتْبَة مِنْ بلغَ الاجْتِهَاد المُقيَّد وَتَأَهَّل لِلنظر فِي دلاَئِل الأَئِمَّة فَمتَى وَضحَ لَهُ الحَقُّ فِي مَسْأَلَة وَثبت فِيْهَا النَّصّ وَعَمِلَ بِهَا أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَعْلاَمِ كَأَبِي حَنِيْفَةَ مِثْلاً أَوْ كَمَالِك أَوِ الثَّوْرِيِّ أَوِ الأَوْزَاعِيِّ أَوِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاق فَلْيَتَّبع فِيْهَا الحَقّ وَلاَ يَسْلُكِ الرّخصَ وَلِيَتَوَرَّع وَلاَ يَسَعُه فِيْهَا بَعْدَ قيَام الحُجَّة عَلَيْهِ تقليد فإن خاف ممن يُشَغِّب عَلَيْهِ مِنَ الفُقَهَاء فَلْيَتَكَتَّم بِهَا وَلاَ يَترَاءى بِفعلهَا فَرُبَّمَا أَعْجَبته نَفْسُهُ وَأَحَبّ الظُهُوْر فَيُعَاقب. وَيَدخل عَلَيْهِ الدَّاخلُ مِنْ نَفْسِهِ فَكم مِنْ رَجُلٍ نَطَقَ بِالْحَقِّ وَأَمر بِالمَعْرُوف فَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِ مَنْ يُؤذِيْه لِسوء قَصدهِ وَحُبِّهِ لِلرِّئَاسَة الدِّينِيَّة فَهَذَا دَاءٌ خَفِيٌّ سَارٍ فِي نُفُوْسِ الفُقَهَاء كَمَا أَنَّهُ دَاءٌ سَارٍ فِي نُفُوْسِ المُنْفِقِين مِنَ الأَغنِيَاء وَأَربَاب الوُقُوْف وَالتُّرب المُزَخْرَفَة وَهُوَ دَاءٌ خفِيٌّ يَسرِي فِي نُفُوْس الجُنْد وَالأُمَرَاء وَالمُجَاهِدِيْنَ فَترَاهم يَلتقُوْنَ العَدُوَّ وَيَصْطَدِمُ الجمعَان وَفِي نُفُوْس المُجَاهِدِيْنَ مُخَبّآتُ وَكمَائِنُ مِنَ الاختيَالِ وَإِظهَار الشَّجَاعَةِ ليُقَالَ وَالعجبِ، وَلُبْسِ القرَاقل المُذَهَّبَة، وَالخُوذ المزخرفَة وَالعُدد المُحلاَّة عَلَى نُفُوْس مُتكبّرَةٍ وَفُرْسَان مُتجبِّرَة وَيَنضَاف إِلَى ذَلِكَ إِخلاَلٌ بِالصَّلاَة وَظُلم لِلرَّعيَّة وَشُرب لِلمسكر فَأَنَّى يُنْصرُوْن؟ وَكَيْفَ لاَ يُخذلُوْن؟ اللَّهُمَّ: فَانصر دينَك وَوَفِّق عِبَادك. فَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِلعمل كَسره العِلْمُ وَبَكَى عَلَى نَفْسِهِ وَمِنْ طلب العِلْم لِلمدَارس وَالإِفتَاء وَالفخر وَالرِّيَاء تحَامقَ وَاختَال وَازدرَى بِالنَّاسِ وَأَهْلكه العُجْبُ وَمَقَتَتْهُ الأَنْفُس {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاها} [الشَّمْس: 9، 10] أي: دسسها بالفجور والمعصية. قُلِبَتْ فِيْهِ السِّينُ أَلِفاً.
قَالَ الشَّيْخُ عزّ الدِّيْنِ بنُ عَبْدِ السَّلاَم وَكَانَ أَحَدَ المُجْتَهِدين: مَا رَأَيْتُ فِي كُتُبِ الإِسْلاَم فِي العِلْمِ مِثْل المحلَّى لابْنِ حَزْم وَكِتَاب "المُغنِي" لِلشَّيْخِ مُوَفَّق الدِّيْنِ.
قُلْتُ: لَقَدْ صَدَقَ الشَّيْخُ عزّ الدِّيْنِ.
وَثَالِثهُمَا: "السُّنَن الكَبِيْر" لِلبيهقِي.
وَرَابعهَا: التّمهيد لابْنِ عبدِ الْبر. فَمَنْ حصَّل هَذِهِ الدَّوَاوِيْن وَكَانَ مِنْ أَذكيَاء الْمُفْتِينَ وَأَدمنَ المُطَالعَة فِيْهَا، فَهُوَ العَالِم حَقّاً.
وَلابْنِ حَزْم مُصَنّفَات جَلِيْلَة أَكْبَرُهَا كِتَاب "الإِيصَال إِلَى فَهم كِتَاب الخِصَال" خَمْسَةَ عَشَرَ أَلف وَرقَة وَكِتَاب "الخِصَال الحَافِظ لجمل شرَائِع الإِسْلاَم" مُجَلَّدَان وَكِتَاب "المُجَلَّى" فِي الفِقْه مُجَلَّد وَكِتَاب "المُحَلَّى فِي شرح المُجَلَّى بِالحجج وَالآثَار" ثَمَانِي مُجَلَّدَات كِتَاب حَجَّة الوَدَاعِ مائَة وَعِشْرُوْنَ وَرقَة كِتَاب قسمَة الخَمْس فِي الرَّدِّ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي مُجَلَّد كِتَاب "الآثَار الَّتِي ظَاهِرهَا التعَارض وَنفِي التنَاقض عَنْهَا" يَكُوْن عَشْرَة آلاَف وَرقَة لَكِن لَمْ يُتِمَّه كِتَاب "الجَامِع فِي صَحِيْح الحَدِيْث" بِلاَ أَسَانِيْد كِتَاب التَّلخيص وَالتَّخليص فِي المَسَائِل النّظرِيَّة كِتَاب مَا انْفَرد بِهِ مَالِك وَأَبُو حنِيفَة وَالشَّافِعِيّ مُخْتَصَر الْموضح لأَبِي الحَسَن بن الْمُغلس الظَّاهِرِي مُجَلد كِتَاب اخْتِلاَف الفُقَهَاء الخَمْسَة مَالِك وَأَبِي حَنِيْفَةَ وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد كِتَاب التَّصفح فِي الفِقْه مُجَلَّد كِتَاب التَّبيين فِي هَلْ عَلِمَ المُصْطَفَى أَعيَان المُنَافِقين ثَلاَثَة كَرَارِيْس كِتَاب الإِملاَء فِي شرح الموطأ ألف ورقة كِتَاب الإِملاَء فِي قوَاعد الفِقْه أَلف وَرقَة أَيْضاً كِتَاب در القوَاعد فِي فَقه الظَّاهِرِيَّة أَلف وَرقَة أَيْضاً كِتَاب الإِجْمَاع مُجيليد كِتَاب الفَرَائِض مُجَلَّد كِتَاب الرِّسَالَة البلقَاء فِي الرَّدِّ عَلَى عبد الحَقّ بن مُحَمَّدٍ الصَّقَلِي مُجيليد كِتَاب الإِحكَام لأُصُوْل الأَحكَام مُجَلَّدَان كِتَاب "الفِصَل في الْملَل وَالنِّحل" مُجَلَّدَان كَبِيْرَان كِتَاب الرَّدّ عَلَى مَنِ اعْترض عَلَى الفَصْل لَهُ مُجَلَّد كِتَاب اليَقين فِي نَقض تَمويه المعتذرِيْنَ عَنْ، إِبليس وَسَائِر المُشْرِكِيْنَ مُجَلَّد كَبِيْر كِتَاب الرَّدّ عَلَى ابْنِ زَكَرِيَّا الرَّازِيّ مائَة وَرقَة كِتَاب التَّرشيد فِي الرَّدّ عَلَى كِتَابِ الفرِيْد لابْنِ الرَّاوندي فِي اعترَاضه عَلَى النّبوَات مُجَلَّد كِتَاب الرَّدّ عَلَى مَنْ كفر المتَأَوِّلين مِنَ المُسْلِمِيْنَ مُجَلَّد كِتَاب مُخْتَصَر فِي علل الحَدِيْث مُجَلَّد كِتَاب التَّقَرِيْب لَحْد الْمنطق بِالأَلْفَاظ العَامِيَّة مُجَلَّد كِتَاب الاسْتجلاَب مُجَلَّد كِتَاب نَسَب البَرْبَر مُجَلَّد كِتَاب نَقْطُ الْعَرُوس مُجيليد وَغَيْر ذَلِكَ.
وَمِمَّا لَهُ فِي جُزْء أَوْ كُرَّاس: "مُرَاقبَة أَحْوَال الإِمَام" "من ترك الصلاة عمداً" "رِسَالَة المُعَارَضَة" "قصر الصَّلاَة" رِسَالَة التَأكيد مَا وَقَعَ بَيْنَ الظَّاهِرِيَّة وَأَصْحَاب القيَاس فَضَائِل الأندلس والعتاب عَلَى أَبِي مَرْوَانَ الخَوْلاَنِيّ رِسَالَة فِي مَعْنَى الفِقْه وَالزُّهْد مَرَاتِب العُلَمَاء وَتوَالِيفهُم التَّلْخِيص فِي أَعْمَال العبَاد الإِظهَار لمَا شُنِّعَ بِهِ عَلَى الظَّاهِرِيَّة زجر الغَاوِي جُزآن النّبذ الكَافِيَة النّكت الموجزَة فِي نَفِي الرَّأْي وَالقيَاس وَالتَّعليل وَالتَّقليد مُجَلَّد صَغِيْر الرِّسَالَة اللاَزمَة لأَولِي الأَمْر مُخْتَصَر الْملَل وَالنِّحل مُجَلَّد الدّرَة فِي مَا يَلزم المُسْلِم جُزآن مَسْأَلَة فِي الرُّوح الرَّدّ عَلَى إِسْمَاعِيْلَ اليَهودي الَّذِي أَلَّف فِي تَنَاقض آيَات النَّصَائِح المنجيَة الرِّسَالَة الصُّمَادحية فِي الْوَعْد وَالوعيد مَسْأَلَة الإِيْمَان مَرَاتِب العلُوْم بيَان غلط عُثْمَان بن سَعِيْدٍ الأَعْوَر فِي المُسْنَد وَالمُرسل تَرْتِيْب سُؤَالاَت عُثْمَان الدَّارِمِيّ لابْنِ مَعِيْنٍ عدد مَا لِكُلِّ صَاحِب فِي مُسند بَقِيّ تسمِيَة شُيُوْخ مَالِك السِّير وَالأَخلاَق جُزآن بيَان الفَصَاحَة وَالبلاغَة رِسَالَة فِي ذَلِكَ إِلَى ابْنِ حَفْصُوْنَ مَسْأَلَة هَلِ السَّوَاد لُوْنٌ أَوْ لاَ الحدّ وَالرَّسم تسمِيَة الشُّعَرَاء الوَافدين عَلَى ابْنِ أَبِي عَامِرٍ شَيْء فِي الْعرُوض مُؤَلّف فِي الظَّاء وَالضَاد التَّعقب عَلَى الأَفليلِي فِي شَرحه لديوَان المتنبِّي غَزَوَات المَنْصُوْر بن أَبِي عَامِرٍ "تَألِيف فِي الرَّدِّ عَلَى أَنَاجيل النَّصَارَى".
وَلابْنِ حَزْم "رِسَالَة فِي الطِّبّ النّبوِي"، وَذَكَرَ فِيْهَا أَسْمَاء كتب لَهُ فِي الطِّبّ مِنْهَا: "مَقَالَة العَادَة " وَ"مَقَالَة فِي شفَاء الضِّدّ بِالضِّدِّ" وَ"شَرْح فَصول بقرَاط" وَكِتَاب "بلغَة الحَكِيْم" وَكِتَاب "حدّ الطِّبّ" وَكِتَاب "اخْتصَار كَلاَم جَالينوس فِي الأَمرَاض الحَادَّة" وَكِتَاب فِي "الأَدويَة المفردَة"، وَ"مَقَالَة فِي المحَاكمَة بَيْنَ التَّمْر وَالزَّبِيْب" وَ"مَقَالَة في النخل" وأشياء سوى ذلك.
وَقَدِ امتُحن لِتطويل لِسَانه فِي العُلَمَاء، وشُرِّد عَنْ وَطَنه، فَنَزَلَ بقَرْيَة لَهُ وَجَرَتْ لَهُ أُمُوْرٌ وَقَامَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ المَالِكِيَّة، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الوَلِيْد البَاجِي مُنَاظرَاتٌ وَمُنَافُرَاتٌ،

وَنَفَّرُوا مِنْهُ مُلُوْكَ النَّاحيَة فَأَقْصَتْهُ الدَّوْلَة وَأَحرقت مجلدَاتٌ مِنْ كتبِهِ وَتَحَوَّل إِلَى بَادِيَة لَبْلَة فِي قَرْيَة.
قَالَ أَبُو الخَطَّاب ابْنُ دِحْيَة: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ قَدْ بَرِصَ مِنْ أَكل اللُّبانَ وَأَصَابه زَمَانة وَعَاشَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ سَنَةً غَيْر شَهْر.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ كَانَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ الله يستعمل اللبان لقوة الحفظ فَولَّدَ لَهُ رَمْيَ الدَّم.
قَالَ أَبُو العَبَّاسِ ابْنُ العرِيف: كَانَ لِسَان ابْنِ حَزْمٍ وَسيفُ الحجَاجِ شَقِيقَيْنِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ طَرْخَان التركِي: قَالَ لِي الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الله ابن مُحَمَّد يَعْنِي وَالِد أَبِي بَكْرٍ بنِ العَرَبِي: أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ حَزْمٍ أَن سَبَبَ تَعَلُّمه الفِقْه أَنَّهُ شَهِدَ جِنَازَة فَدَخَلَ المَسْجَدَ فَجَلَسَ وَلَمْ يَركع فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: قُمْ فَصلِّ تحيَّة المَسْجَد.
وَكَانَ قَدْ بلغَ سِتّاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً. قَالَ: فَقُمْتُ وَركعتُ فَلَمَّا رَجَعنَا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى الجِنَازَة دَخَلْتُ المَسْجَد فَبَادرتُ بِالرُّكُوْع فَقِيْلَ لِي: اجْلِسْ اجْلِسْ لَيْسَ ذَا وَقتَ صَلاَة وَكَانَ بَعْد العَصْر قَالَ: فَانْصَرَفت وَقَدْ حَزِنْتُ وَقُلْتُ لِلأسْتَاذ الَّذِي رَبَّانِي: دُلنِي عَلَى دَار الفَقِيْه أَبِي عَبْدِ اللهِ بنِ دحُّوْنَ. قَالَ: فَقصدتُه وَأَعْلَمتُه بِمَا جرَى فَدلَّنِي عَلَى مُوَطَّأ مَالِكٍ فَبدَأَتُ بِهِ عَلَيْهِ وَتتَابعت قِرَاءتِي عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَة أَعْوَام وَبدَأتُ بِالمنَاظرَة. ثُمَّ قَالَ ابْنُ العَرَبِي: صَحِبتُ ابْنَ حَزْمٍ سَبْعَةَ أَعْوَام وَسَمِعْتُ مِنْهُ جمِيْع مُصَنّفَاته سِوَى المُجَلَّد الأَخِيْر مِنْ كِتَاب "الْفَصْل" وَهُوَ سِتُّ مُجَلَّدَات، وَقرَأَنَا عَلَيْهِ مِنْ كِتَاب "الإِيصَال" أَرْبَع مُجَلَّدَات فِي سَنَةِ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَع مائَة وَهُوَ أَرْبَعَة وَعِشْرُوْنَ مجلداً ولي منه إجازة غير مرة.
قَالَ أَبُو مَرْوَان بن حَيَّان: كَانَ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللهُ حَامِل فُنُوْن مِنْ حَدِيْثٍ وَفقهٍ وَجَدَلٍ وَنَسَبٍ وَمَا يَتعلَّق بِأَذِيَال الأَدب مَعَ المُشَارَكَة فِي أَنْوَاع التَّعَالِيم القَدِيْمَة مِنَ المَنطق وَالفلسفَة وَلَهُ كُتب كَثِيْرَة لَمْ يَخلُ فِيْهَا مِنْ غَلَطٍ لِجرَاءته فِي التَّسوُّر عَلَى الفُنُوْن لاَ سِيَّمَا الْمنطق فَإِنَّهم زَعَمُوا أَنَّهُ زَلَّ هنَالك وَضَلَّ فِي سُلُوْك المسَالك وَخَالف أَرسطَاطَاليس وَاضِعَ الْفَنّ مُخَالَفَةَ مِنْ لَمْ يَفهم غَرَضَه وَلاَ ارْتَاض وَمَال أَوَّلاً إِلَى النَّظَر عَلَى رَأْي الشَّافِعِيّ وَنَاضل عَنْ، مَذْهَبه حَتَّى وُسِمَ بِهِ فَاسْتُهْدِفَ بِذَلِكَ لَكَثِيْر مِنَ الفُقَهَاء وَعِيْبَ بِالشُّذوذ ثُمَّ عَدَل إِلَى قَوْل أَصْحَاب الظَّاهِر فَنقَّحه وَجَادَل عَنْهُ وَثبتَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ مَاتَ وَكَانَ يحمل علمه هَذَا وَيُجَادل عَنْهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى اسْترسَالٍ فِي طِبَاعِهِ وَمَذَلٍ بِأَسرَارِهِ، وَاسْتنَادٍ إِلَى العَهْد الَّذِي

أَخَذَهُ الله عَلَى العُلَمَاءِ: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَه} فَلَمْ يَكُ يُلَطِّفُ صَدْعَهُ بِمَا عِنْدَهُ بِتعرِيض وَلاَ بتدرِيج بَلْ يَصكُّ بِهِ مَنْ عَارضَهُ صكَّ الجَنْدَل وَيُنْشِقه إِنشَاق الخَرْدَل فَتنفِرُ عَنْهُ القُلُوْبُ وَتُوقع بِهِ النّدوب حَتَّى اسْتُهْدِفَ لفُقَهَاء وَقته فَتمَالؤُوا عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تضليلِهِ وَشَنَّعُوا عَلَيْهِ وَحَذَّرُوا سلاَطينهم مِنْ فِتنتهِ وَنهوا عوامهم عن، الدنو منه فطفق الملوك يُقصونه عَنْ، قُربهم وَيُسَيِّرُوْنَهُ عَنْ، بلادِهِم إِلَى أَنِ انْتَهوا بِهِ مُنْقَطع أَثرِه: بَلْدَة مِنْ بَادِيَة لَبْلَة وَهُوَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُرتدِع وَلاَ رَاجع يَبُثُّ علمه فِيْمَنْ يَنْتَابه مِنْ بَادِيَة بلدِهِ مِنْ عَامَّة المُقتبسينَ مِنْ أَصَاغِرِ الطَّلبَة الَّذِيْنَ لاَ يَخشُوْنَ فِيْهِ المَلاَمَة يُحَدِّثهُم وَيُفَقِّههُم وَيُدَارسهُم حَتَّى كَمَلَ مِنْ مُصَنّفَاته وَقْرُ بعير لَمْ يَعْدُ أَكْثَرُهَا بَادِيَتَه لزُهْد الفُقَهَاء فِيْهَا حَتَّى لأُحْرِقَ بَعْضُهَا بِإِشبيلية وَمُزِّقَتْ عَلاَنِيَةً وَأَكْثَرُ معَايبه زَعَمُوا عِنْد المنصَف جَهلُه بسيَاسَة العلم التي هي أعوض وَتَخلُّفه عَنْ، ذَلِكَ عَلَى قوَةِ سَبْحه فِي غِمَاره وَعَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بِالسَّلِيم مِنِ اضطرَاب رَأيه وَمغِيبِ شَاهد علمه عَنْهُ عِنْد لقَائِهِ إِلَى أَنْ يُحَرَّكَ بِالسُّؤَال فِيتفجَّر مِنْهُ بحرُ عِلْمٍ لاَ تُكَدِّرُهُ الدّلاَء وَكَانَ مِمَّا يَزِيْدُ فِي شَنَآنه تَشيُّعه لأُمَرَاء بَنِي أُمَيَّةَ مَاضِيهم وَبَاقيهِم وَاعْتِقَادُهُ لِصِحَّةِ إِمَامتهِم حَتَّى لنُسب إِلَى النَّصْبِ.
قُلْتُ: وَمِنْ تَوَالِيفه: كِتَاب تَبديل اليَهُوْد وَالنَّصَارَى لِلتَّورَاة وَالإِنجيل وَقَدْ أَخَذَ الْمنطق أَبعدَهُ الله مِنْ عِلمٍ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ المَذْحِجِيّ وَأَمعَنَ فِيْهِ فَزلزله فِي أَشيَاء ولي أنا ميل إلى أبي محمد لمَحَبَّته فِي الحَدِيْثِ الصَّحِيْح وَمَعْرِفَتِهِ بِهِ وَإِنْ كُنْتُ لاَ أُوَافِقُهُ فِي كَثِيْرٍ مِمَّا يَقولُهُ فِي الرِّجَالِ وَالعلل وَالمَسَائِل البَشِعَةِ فِي الأُصُوْلِ وَالفروع وَأَقطعُ بخطئِهِ فِي غَيْرِ مَا مَسْأَلَةٍ وَلَكِن لاَ أُكَفِّره وَلاَ أُضَلِّلُهُ وَأَرْجُو لَهُ العفوَ وَالمُسَامحَة وَللمُسْلِمِيْنَ. وَأَخضعُ لِفَرْطِ ذكَائِهِ وَسَعَة علُوْمِهِ وَرَأَيْتهُ قَدْ ذَكَرَ قَوْل مَنْ يَقُوْلُ: أَجَلُّ المُصَنَّفَاتِ المُوَطَّأ. فَقَالَ: بَلْ أَوْلَى الكُتُب بالتعظيم صحيحا البخاري ومسلم وصحيح ابن السكن ومنتقى ابن الجارود والمنتقى لقَاسِم بن أَصْبَغ ثُمَّ بَعْدَهَا كِتَاب أَبِي داود وكتاب النسائي والمصنف لقَاسِم بن أَصْبَغ "مصَنّف أَبِي جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيّ".
قُلْتُ: مَا ذكر "سُنَن ابْنِ مَاجَه" وَلاَ "جَامِع أَبِي عِيْسَى"؛ فَإِنَّهُ مَا رَآهُمَا، وَلاَ أُدخِلا إِلَى الأَنْدَلُسِ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَ"مُسْنَد البَزَّار" وَ"مُسْنَد ابْنَي أَبِي شَيْبَةَ" وَ"مُسْنَد أَحْمَد بن حَنْبَلٍ" ومسند إسحاق ومسند الطَّيَالِسِيّ وَ"مُسْنَدُ" الحَسَنِ بنِ سُفْيَانَ وَ"مُسْنَدُ ابْن سَنْجَر" وَ"مُسْنَد عَبْد اللهِ ابن مُحَمَّدٍ المُسْنَدِي" وَ"مُسْنَد يَعْقُوْب بن شَيْبَةَ" وَ"مُسْنَد عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ" وَ"مُسْنَد ابْن أَبِي غَرَزَةَ" وَمَا جرَى مجرَى هَذِهِ الكُتُب الَّتِي أُفْرِدَتْ لِكَلاَمِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صِرْفاً، ثُمَّ الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره مثل مصنف عبد الرزاق ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف بَقِيَ بن مَخْلَدٍ وَكِتَاب مُحَمَّد بن نَصْرٍ المَرْوَزِيّ وَكِتَاب ابْن المُنْذِرِ الأَكْبَر وَالأَصْغَر ثُمَّ مصنف حماد بن سلمة وموطأ مالك بن أنس وموطأ ابن أبي ذئب وموطأ ابن وهب ومصنف وكيع ومصنف محمد بن يوسف الفريابي ومصنف سعيد بن منصور ومسائل أَحْمَد بن حَنْبَلٍ وَفقه أَبِي عُبَيْدٍ وَفقه أَبِي ثَوْرٍ.
قُلْتُ: مَا أَنْصَفَ ابْنُ حَزْمٍ؛ بَلْ رُتْبَة المُوَطَّأ أَنْ يُذكر تِلْوَ الصَّحِيْحَيْنِ مَعَ سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ لَكنَّه تَأَدَّبَ وَقَدَّمَ المُسْنَدَات النّبويَّة الصِّرْف وَإِنَّ لِلموطَّأ لَوَقْعاً فِي النُّفُوْسِ وَمَهَابَةً فِي القُلوب لاَ يُوَازِنهَا شَيْءٌ.
كَتَبَ إِلَيْنَا المُعَمَّر العَالِم أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ مِنْ مدينَة تُونس عَام سَبْعِ مائَة عَنْ، أَبِي القَاسِمِ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ القَاضِي عَنْ، شُرَيْح بنِ مُحَمَّدٍ الرُّعَيْنِيّ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ بن حَزْم كتب إِلَيْهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا، يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَسْعُوْدٍ أَخْبَرَنَا، قَاسِم بنُ أصبغ حدثنا، إبراهيم ابْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا، وَكِيْعٌ عَنِ، الأَعْمَشُ عَنْ، أَبِي صَالِحٍ عَنْ، أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الصَّوْمُ جُنَّةٌ".
أَخْرَجَهُ مُسْلِم1 عَنْ، أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجّ عَنْ، وَكِيْع.
وَبِهِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: حَدَّثَنَا، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الجسورِي حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي دُلِيم حَدَّثَنَا، مُحَمَّدُ بنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا، أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا، يَزِيْدُ بنُ هَارُوْنَ أَخْبَرَنَا، حُمَيْد عَنْ، بَكْرِ بنِ عَبْدِ اللهِ المُزَنِيّ عَن، ابْن عُمَر قَالَ: إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالحَجّ وَأَهللنَا بِهِ مَعَهُ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ". فَأَحَلَّ النَّاسُ إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَكَانَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْي، وَلَمْ يَحِلَّ2.
وَبِهِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن عمر العذري حدثنا، عبد الله ابن الحُسَيْنِ بنِ عقَالَ حَدَّثَنَا، عبيدُ الله بنُ محمد السقطي حدثنا، أحمد ابن جَعْفَرِ بنِ سَلْم حَدَّثَنَا، عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الجَوْهَرِيّ حَدَّثَنَا، أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم حَدَّثَنَا، أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا، هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا، حُمَيْد حَدَّثَنَا، بَكْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ سَمِعْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلبي بالحج وَالعُمْرَةِ جَمِيْعاً. قَالَ بكر: فَحَدّثتُ بِذَلِكَ ابْنَ عمر فقال: لبى بالحج وحده.
وَقَعَ لَنَا هَذَا فِي مُسْنَد أَحْمَدَ فَأَنَا وَابْنُ حَزْمٍ فِيْهِ سَوَاء.
وَبِهِ: إِلَى ابْنِ حَزْم فِيمَا أَحرق لَهُ المُعْتَضِدُ بنُ عَبَّادٍ مِنَ الكُتُب يَقُوْلُ:
فَإِنْ تَحْرِقُوا القِرْطَاسَ لاَ تَحْرِقُوا الَّذِي ... تَضَمَّنَهُ القِرْطَاسُ بَلْ هُوَ فِي صَدْرِي
يَسِيْرُ مَعِي حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبِي ... وَيَنْزِلُ إِنْ أَنْزِلْ وَيُدْفَنُ فِي قَبْرِي
دَعُوْنِيَ مِنْ إِحْرَاقِ رقٍّ وكاغدٍ ... وَقُولُوا بِعِلْمٍ كِي يَرَى النَّاسُ مَنْ يَدْرِي
وَإِلاَّ فَعُوْدُوا فِي المَكَاتِبِ بَدْأَةً ... فَكَمْ دُوْنَ مَا تَبْغُونَ للهِ مِنْ سِتْرِ
كَذَاكَ النَّصَارَى يَحْرِقُوْنَ إِذَا عَلَتْ ... أَكفُّهم القُرْآنَ فِي مُدُنِ الثَّغْرِ
وَبِهِ لابْنِ حَزْم:
أُشهد اللهَ وَالمَلاَئِكَ أَنِّي ... لاَ أَرَى الرَّأْيَ والمقاييس دينا
حَاشَ للهِ أَنْ أَقُوْلَ سِوَى مَا ... جَاءَ فِي النَّصِّ وَالهُدَى مُسْتَبِيْنَا
كَيْفَ يَخفَى عَلَى البَصَائِرِ هَذَا ... وَهُوَ كَالشَّمْسِ شُهْرَةً وَيَقينَا
فَقُلْتُ مُجيباً لَهُ:
لَوْ سَلِمْتُم مِنَ العُمُومِ الَّذِي ... نَعْلَمُ قَطْعاً تخصِيْصَهُ وَيَقِيْنَا
وَتَرَطَّبْتُمُ فَكَمْ قَدْ يَبِسْتُمْ ... لَرَأَينَا لَكُم شُفُوَفاً مُبِيْنَا
وَلابْنِ حَزْم:
مُنَايَ مِنَ الدُّنْيَا علومٌ أَبُثُّهَا ... وَأَنْشُرُهَا فِي كُلِّ بادٍ وَحَاضِرِ
دعاءٌ إِلَى القُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي ... تَنَاسَى رجالٌ ذِكْرُهَا فِي المحَاضِرِ
وَأَلزمُ أَطرَافَ الثُّغُوْرِ مُجَاهِداً ... إِذَا هيعةٌ ثَارَتْ فَأَوَّلُ نَافِرِ
لأَلْقَى حِمَامِي مُقْبِلاً غَيْرَ مدبرٍ ... بِسُمْرِ العَوَالِي وَالرِّقَاقِ البَوَاتِرِ
كِفَاحاً مَعَ الكُفَّارِ فِي حَوْمَةِ الوَغَى ... وَأَكْرَمُ موتٍ لِلْفتى قَتْلُ كَافِرِ
فَيَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْ حِمَامِي بِغَيْرِهَا ... وَلاَ تَجْعَلَنِّي مِنْ قَطِيْنِ المَقَابِرِ
وَمِنْ شِعْرِهِ:

هَلِ الدَّهْرُ إلَّا مَا عَرَفْنَا وَأَدْرَكْنَا ... فَجَائِعُهُ تَبقَى وَلَذَّاتُهُ تَفْنَى
إِذَا أَمْكَنَتْ فِيْهِ مَسَرَّةُ ساعةٍ ... تولّت كمرّ الطّرف واستخلفت حزنا
إِلَى تبعاتٍ فِي المَعَادِ وموقفٍ ... نَوَدُّ لَدِيْهِ أَنَّنَا لَمْ نَكُنْ كُنَّا
حنينٌ لِما وَلَّى وشغلٌ بِمَا أَتَى ... وهمٌّ لَمَّا نَخْشَى فَعَيْشُكَ لاَ يَهْنَا
حَصَلْنَا عَلَى همٍّ وإثمٍ وحسرةٍ ... وَفَاتَ الَّذِي كُنَّا نَلَذُّ بِهِ عَنَّا
كَأنَّ الَّذِي كُنَّا نُسَرُّ بِكَوْنِهِ ... إِذَا حَقَّقَتْهُ النَّفْسُ لفظٌ بِلاَ مَعْنَى
وَلَهُ عَلَى سَبِيْل الدُّعَابَة وَهُوَ يمَاشِي أَبَا عُمَر بن عبد الْبر وَقَدْ رَأَى شَابّاً مَلِيحاً فَأَعْجَب ابْنَ حَزْمٍ فَقَالَ أَبُو عُمَرَ: لَعَلَّ مَا تَحْتَ الثِّيَاب لَيْسَ هُنَاكَ فَقَالَ:
وَذِي عذلٍ فِيْمَنْ سَبَانِي حُسْنُهُ ... يُطِيْلُ مَلاَمِي فِي الهَوَى وَيَقُوْلُ
أَمِنْ حُسْنِ وجهٍ لاَحَ لَمْ تَرَ غَيْرَهُ ... وَلَمْ تَدْرِ كَيْفَ الجِسْمُ أَنْتَ قَتِيْلُ؟
فَقُلْتُ لَهُ: أَسْرَفْتَ فِي اللَّوْمِ فَاتَّئِدْ ... فَعِنْدِيَ ردٌّ لَوْ أَشَاءُ طَوِيْلُ
أَلَمْ تَرَ أَنِّي ظاهريٌّ وَأَنَّنِي ... على ما بدا حتّى يقوم دليل
أَنشدنَا أَبُو الْفَهم بن أَحْمَدَ السُّلَمِيّ أَنشدنَا ابْنُ قُدَامَةَ أَنشدنَا ابْن البَطِّي أَنشدنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ أَنشدنَا
أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ لِنَفْسِهِ:
لاَ تَشْمَتَنْ حَاسِدِي إِنْ نكبةٌ عَرَضَتْ ... فَالدَّهْرُ لَيْسَ عَلَى حَال بِمُتَّركِ
ذُو الفَضْلِ كَالتِّبْرِ طَوْراً تَحْتَ ميفعةٍ ... وَتَارَةً فِي ذُرَى تاجٍ عَلَى مَلِكِ
وَشعره فَحلٌ كَمَا تَرَى وَكَانَ يُنظِمُ عَلَى البَدِيه وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَنَا الشَّمْسُ فِي جُوِّ العُلُوْمِ مُنِيْرَةً ... وَلَكِنَّ عَيْبِي أَنَّ مَطْلَعِي الغَرْبُ
وَلَوْ أَنَّنِي مِنْ جَانِبِ الشَّرْقِ طالعٌ ... لَجَدَّ عَلَى مَا ضَاعَ مِنْ ذِكْرِيَ النَّهْبُ
وَلِي نَحْوَ أَكْنَافِ العِرَاقِ صبابةٌ ... وَلاَ غَرْوَ أَنْ يَسْتَوحِشَ الكَلِفُ الصُّبُّ
فَإِنَّ يُنْزِلِ الرَّحْمَنُ رَحْلِيَ بَيْنَهُمْ ... فحينئذٍ يبدو التّأسّف والكرب
هُنَالِكَ يُدْرَى أَنَّ لِلْبُعْدِ قِصَّةٌ ... وَأَنَّ كسَادَ العِلْمِ آفَتُهُ القُرْبُ

وَلَهُ:
أنائمٌ أَنْتَ عَنْ، كتبِ الحَدِيْثِ وَمَا ... أَتَى عَنِ، المُصْطَفَى فِيْهَا مِنَ الدِّيْنِ
كمسلمٍ وَالبُخَارِيّ الَّلذِيْنَ هُمَا ... شَدَّا عُرَى الدِّيْنِ فِي نقلٍ وَتَبْيِينِ
أَوْلَى بأجرٍ وتعظيمٍ ومحمدةٍ ... مِنْ كُلِّ قولٍ أَتَى مِنْ رَأْي سُحْنُوْنِ
يَا مَنْ هَدَى بِهِمَا اجعَلْنِي كَمِثْلِهِمَا ... فِي نَصْرِ دِيْنِكَ مَحْضاً غَيْرَ مَفْتُوْنِ
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي ترَاجم أَبْوَاب صَحِيْح البُخَارِيّ: مِنْهَا مَا هُوَ مقصُوْرٌ عَلَى آيَة إِذْ لاَ يَصِحُّ فِي البَابِ شَيْءٌ غَيْرهَا وَمِنْهَا مَا يُنَبِّهُ بِتَبْوِيبِهِ عَلَى أَنَّ فِي البَابِ حَدِيْثاً يَجِبُ الوُقُوْفُ عَلَيْهِ لَكنه لَيْسَ مِنْ شَرط مَا أَلَّف عَلَيْهِ كِتَابهُ وَمِنْهَا مَا يُبَوِّبُ عَلَيْهِ وَيذكر نُبذَة مِنْ حَدِيْثِ قَدْ سَطَرَه فِي مَوْضِعٍ آخر وَمِنْهَا أَبْوَاب تَقعُ بِلَفْظ حَدِيْث لَيْسَ مِنْ شَرطه وَيَذكر فِي البَابِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.
وَقَالَ فِي أَوَّلِ الإِحكَام: أَمَّا بَعْدُ ... فَإِنَّ اللهَ رَكَّبَ فِي النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّة قُوَىً مختلفَة فَمِنْهَا عَدْلٌ يُزَيِّنُ لَهَا الإِنصَاف وَيُحَبِّبُ إِلَيْهَا مُوَافِقَةَ الحَقّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 90] وقال: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [النِّسَاء: 135] وَمنها غضبٌ وشهوةٌ يُزَيّنان لَهَا الجُور؛ ويَعميانها عَنْ، طَرِيْق الرشد" قَالَ تَعَالَى: {وَإذا قِيْلَ لَهُ اتَّقِ اللهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ} [البَقَرَة: 206] . وَقَالَ: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الرُّوْم: 32] فَالفَاضِل يُسَرُّ بِمَعْرِفَته وَالجَاهِل يُسَرُّ بِمَا لاَ يَدْرِي حقيقَةَ وَجْهِهِ وَبِمَا فِيْهِ وَبَالُه وَمِنْهَا فَهْمٌ يُليح لَهَا الحَقُّ مِنْ قَرِيْب وَينِير لَهَا فِي ظلمَات المشكلاَت فَترَى بِهِ الصَّوَابَ ظَاهِراً جَلِيّاً وَمِنْهَا جَهْلٌ يَطْمِسُ عَلَيْهَا الطَّرِيْق وَيُسَاوِي عِنْدَهَا بَيْنَ السُّبُل فَتبقَى النَفْسُ فِي حَيْرَةٍ تَتردد وَفِي رِيب تَتَلَدَّد وَيَهْجُمُ بِهَا عَلَى أَحَد الطّرق المُجَانبَة لِلحق تَهَوُّراً وَإِقدَاماً قَالَ تَعَالَى: {هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزُّمَر:9] وَمِنْهَا قُوَّةُ التّمِييز الَّتِي سمَّاهَا الأَوَائِلُ المنطقَ فَجَعَلَ لَهَا خَالِقهَا بِهَذِهِ القُوَّة سَبيلاً إِلَى فَهم خِطَابِهِ وَإِلَى مَعْرِفَة الأَشيَاء عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَإِلَى إِمَكَان التفهُم فَبهَا تَكُوْن مَعْرِفَة الحَقّ مِنَ البَاطِل وَمِنْهَا قُوَّةُ العَقْل الَّتِي تُعينُ النَفْس المُمَيِّزَة عَلَى نُصْرَة العَدْل فَمَنِ اتَّبع مَا أَنَاره لَهُ العَقْلُ الصَّحِيْح نَجَا وَفَاز وَمِنْ عَاج عَنْهُ هَلَكَ قَالَ تَعَالَى: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37] . فَأَرَادَ بِذَلِكَ العَقْلَ أَمَا مُضغَةُ القَلْب فهي لكل أحد فغير العاقل هو كمن لا قلب له.
وَكَلاَمُ ابْن حَزْمٍ كَثِيْرٌ وَلَوْ أَخذتُ فِي إِيرَادِ طُرَفِهِ وَمَا شَذَّ بِهِ لطَال الأَمْر.
قَالَ أَبُو القَاسِمِ بنُ بَشْكُوَال الحَافِظ فِي الصّلَة لَهُ: قَالَ القَاضِي صَاعِدُ بنُ أَحْمَدَ: كتب إِلَيَّ ابْنُ حَزْمٍ بخطِّهِ يَقُوْلُ: وُلِدْتُ بقُرْطُبَة فِي الجَانب الشَّرْقِيّ فِي رَبَضِ مُنية المُغِيْرَة قَبْل طُلُوْع الشَّمْس آخِرَ لَيْلَة الأَرْبعَاء آخرَ يَوْم مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة بطَالع الْعَقْرَب وَهُوَ اليَوْم السَّابِع مِنْ نُوَنْيِر.
قَالَ صَاعِد: وَنقُلْتُ مِنْ خطّ ابْنِهِ أَبِي رَافِعٍ أَنْ أَبَاهُ تُوُفِّيَ عَشِيَّة يَوْم الأَحَد لِليلتين بقيتَا مِنْ شَعْبَانَ سَنَة سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة فَكَانَ عُمُره إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً وَأَشْهُراً رَحِمَهُ اللهُ.
وَمِنْ نَظْمِ أَبِي مُحَمَّدٍ بن حَزْم:
لَمْ أَشْكُ صَدّاً وَلَمْ أُذعن بِهِجْرَانِ ... وَلاَ شَعَرْتُ مَدَى دَهْرِي بِسُلْوَانِ
أَسْمَاءُ لَمْ أَدْرِ مَعْنَاهَا وَلاَ خَطَرَتْ ... يَوْماً عَلِيَّ وَلاَ جَالَتْ بِمِيدَانِي
لَكِنَّمَا دَائِي الأَدوا الَّذِي عَصَفَتْ ... عَلَيَّ أَرْوَاحُهُ قِدماً فَأَعْيَانِي
تَفَرَّقَ لَمْ تَزَلْ تَسْرِي طَوَارِقُهُ ... إِلَى مَجَامِعَ أَحبَابِي وَخِلاَّنِي
كَأَنمَا البَيْنُ بِي يَأْتَمُّ حَيْثُ رَأَى ... لِي مَذْهَباً فَهُوَ يَتْلُونِي وَيَغشَانِي
وَكُنْتُ أَحسبُ عِنْدِي لِلنوَى جَلَداً ... داءٌ عَنَا فِي فؤَادِي شجوهَا العَانِي
فَقَابَلَتْنِي بألوانٍ غَدَوْتُ بِهَا ... مقَابَلاً من صباباتي بألوان
وَمِمَّنْ مَاتَ مَعَ ابْنِ حَزْم فِي السَّنَةِ: الحَافِظُ أَبُو الوَلِيْدِ الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّرْبَنْدِي وَالفَقِيْهُ أَبُو القَاسِمِ سِرَاجُ بنُ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ سِرَاج قَاضِي الجَمَاعَة بقُرْطُبَة وَالحَافِظ عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَاصِمٍ النَّخْشَبِيّ وَشيخُ العَرَبِيَّة أَبُو القَاسِمِ عبدُ الوَاحِد بنُ عَلِيِّ بنِ بَرْهَان بِبَغْدَادَ وَمُسْنِدُ الوَقْتِ أَبُو الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَسْنُوْنَ النَّرْسِيُّ وَالمُحَدِّثُ أَبُو سعيد محمد بن علي بن محمد الخشاب النَّيْسَابُوْرِيُّ وَالوَزِيْرُ عَمِيْدُ المُلك مُحَمَّدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الكُنْدُرِي.
وَلابْنِ حَزْم:
قَالُوا تَحَفَّظْ فَإِنَّ النَّاس قَدْ كَثُرَتْ ... أَقْوَالُهم وَأَقَاويلُ الوَرَى مِحَنُ
فَقُلْتُ: هَلْ عَيْبُهم لِي غَيْر أَنِّي لاَ ... أَقُوْلُ بِالرَّأْي إِذْ فِي رَأَيهِم فِتَنُ
وَأَنَّنِي مولعٌ بِالنَّصِّ لَسْتُ إِلَى ... سِوَاهُ أَنَحْو وَلاَ فِي نصره أهن
ولا أَنثنِي لمقَاييس يُقَالَ بِهَا ... فِي الدِّيْنِ بَلْ حَسْبِيَ القُرْآن وَالسُّنَنُ
يَا بَرْدَ ذَا القَوْلِ فِي قَلْبِي وَفِي كَبِدِي ... وَيَا سرُوْرِي بِهِ لَوْ أَنَّهم فَطنُوا
دَعْهُمْ يَعَضُّوا عَلَى صُمِّ الحَصَى كَمَداً ... مَنْ مَاتَ مِنْ قَوْله عِنْدِي له كفن

وَمَوْلِدُ أَبِي جَعْفَرٍ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَة خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَة.
وَسَمِعَ أَبَا الفَضْلِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، فَكَانَ خَاتِمَةَ أَصْحَابِهِ.
وَالقَاضِي أَبَا مُحَمَّدٍ بنَ مَعْرُوف، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ سُوَيْدٍ وَمُحَمَّدَ بن أَخِي مِيمِي وَعِيْسَى بنَ الوَزِيْر وَأَبَا طَاهِرٍ المُخَلِّص.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ وَأَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِي وَتَمرتَاشُ بنُ بختِكِين وَالقَاسِم بنُ طَاهِرٍ المَعْقِلِي وَمُحَمَّدُ بنُ مَطَر العَبَّاسِيُّ وَأَبُو سَعْدٍ المُبَارَكُ بنُ عَلِيٍّ المُخَرِّمِيُّ الفَقِيْه وَأَبُو الحَسَنِ بنُ الزَّاغُوْنِيِّ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ وَأَبُو الغَنَائِمِ النَّرْسِيّ وَأَبُو بَكْرٍ قَاضِي المرستَان وَأَبُو الفَتْحِ عَبْدُ اللهِ بنُ البيضَاوِيّ وَمُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ المُعَلِّم وَهِبَةُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ الرُّفَيلِي وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ السّلاَل وَأَبُو مَنْصُوْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ القَزَّاز وَأَبُو مَنْصُوْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بنِ خَيْرُوْنَ وَأَبُو الفَضْلِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ الأُرْمَوِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الطَّرَائِفِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الدَّايَةِ وَأَبُو تَمَّام أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ المُخْتَار الهَاشِمِيّ؛ نَزِيل نَيْسَابُوْر وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَكَانَ صَحِيْح الأُصُوْل كَثِيْرَ السماع جميل الطريقة.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: كَانَ ثِقَةً صَالِحاً.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بن الفَضْلِ الحَافِظ يَقُوْلُ: أَبُو جَعْفَرٍ ثِقَة مُحتشِم.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ فِي تَاسع جُمَادَى الأُوْلَى سنة خمس وستين وأربع مائة.
وأبوه:

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

ابن حزم الظاهري: أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي الإمام البحر ذو الفنون والمعارف، كانت له الرياسة في الوزارة ولأبيه من قبله، لكنه زهد فيها وأقبل على قراءة العلوم والاستكثار من علوم الشريعة وصنف مصنفات كثيرة بلغت نحو أربعمائة مجلد معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهب داود الظاهري، فشنع عليه الفقهاء وطعنوا فيه وأقصاه الملوك وأبعدوه عن وطنه وتوفي بالبادية سنة ست وخمسين وأربعمائة وكان أديبا، شاعرا،طبيبا، له بالطب رسائل، وكتب بالأدب . ينظر:تذكرة الحفاظ3/1146، هدية العارفين1/690،سير أعلام النبلاء18/185 

 

ابن حَزْم
(384 - 456 هـ = 994 - 1064 م)
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، أبو محمد:
عالم الأندلس في عصره، وأحد أئمة الإسلام. كان في الأندلس خلق كثير ينتسبون إلى مذهبه، يقال لهم " الحزْمية ". ولد بقرطبة.
وكانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة، فزهد بها وانصرف إلى العلم والتأليف، فكان من صدور الباحثين فقيها حافظا يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة، بعيدا عن المصانعة.
وانتقد كثيرا من العلماء والفقهاء، فتمالأوا على بغضه، وأجمعوا على تضليله وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عن الدنو منه، فأقصته الملوك وطاردته، فرحل الى بادية ليلة (من بلاد الأندلس) فتوفي فيها.
رووا عن ابنه الفضل أنه اجتمع عنده بخطه أبيه من تآليفه نحو 400 مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة. وكان يقال: لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان.
أشهر مصنفاته " الفصل في الملل والأهواء والنحل - ط " وله " المحلى - ط " في 11 جزءا، فقه، و " جمهرة الأنساب - ط " و " الناسخ والمنسوخ - ط " و " حجة الوداع - ط " غير كامل، و " ديوان شعر - خ " جزء منه - ذكر في حجة الوداع 146 الهامش - و " جوامع السيرة - ط " ومعه خمس رسائل له، و " التقريب لحدّ المنطق والمدخل إليه - ط " و " مراتب العلوم - خ " رسالة في الرباط (209 ق) و " الإعراب - خ " 214 ورقة كتب سنة 761 في شستربتي (3482) و " ملخص إبطال القياس - ط " حققه الأفغاني ورجح نسبته إلى ابن حزم، و " فضائل الأندلس - ط " و " أمهات الخلفاء - ط " و " رسائل ابن حزم - ط " و " الأحكام لأصول الأحكام - ط " ثماني مجلدات، و " إبطال القياس والرأي - خ " و " الفاضلة بين الصحابة - ط " رسالة مما اشتمل عليه كتاب " الفصل " المتقدم ذكره، نشرها سعيد الأفغاني، و " مداواة النفوس - ط " رسالة في الأخلاق، و " طوق الحمامة - ط " أدب، وغير ذلك وللدكتور عبد الكريم خليفة " ابن حزم الأندلسي - ط " .

-الاعلام للزركلي-

أبو محمد، عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيدِ بنِ حزمِ بنِ غالبِ بنِ صالحِ بنِ خلفٍ (ابن حزم الظاهري، ومن أشهر مصنفاته "المحلى"، طبع في 11 جزءًا، و"الفصل في الملل والأهواء والنحل"، 5 أجزاء).
وأولُ من أسلم من أجداده يزيدُ مولى يزيدَ بن أبي سفيان، وأصلُه من فارس، وجده خلفٌ أولُ من دخل الأندلس من آبائه.
ومولدُه بقرطبةَ من بلاد الأندلس يوم الأربعاء قبل طلوع الشمس، سلخَ رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، في الجانب الشرقي منها.
وكان حافظًا عالمًا بعلوم الحديث وفقهه، مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة، بعد أن كان شافعيَّ المذهب، فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر.
وكان متفننًا في علوم جمَّة، عاملًا بعلمه، زاهدًا في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك، متواضعًا، ذا فضائل جمة، وتواليف كثيرة، وجمع من الكتب في علوم الحديث والمصنفات والمسندات شيئًا كثيرًا، وسمع سماعًا جمًّا.
وألف في فقه الحديث كتابًا سماه: "الإيصال إلى فهم الخصال" الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع.
أورد فيه أقوالَ الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم من أئمة المسلمين - رضي اللَّه عنهم أجمعين - في مسائل الفقه والحجة لكل طائفة وعليها، وهو كتاب كبير.
وله كتاب "الإحكام لأصول الأحكام" في غاية التقصِّي وإيراد الحجج، وكتاب "في الإجماع ومسائله" على أبواب الفقه.
قال ابن بشكوال في حقه: كان أبو محمد أجمعَ أهل الأندلس قاطبةً لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر والمعرفة والسير والأخبار، أخبرَ ولدُه أبو رافع الفضلُ: أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تأليفه نحو أربع مئة مجلد، تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة.
وقال الحافظ أبو عبد اللَّه محمد بن فتوح الحميدي: ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء، وسرعة الحفظ، وكرم النفس، والتدين، وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه، ثم قال: ومن شعره:
وَذي عَذَلٍ فيمن سَباني حسنُه ... يُطيلُ مَلامي في الهوى ويقولُ
أفي حسنِ وَجْهٍ لاحَ لم ترَ غيرَه ... ولم تدرِ كيفَ الجسمُ أنتَ قتيلُ
فقلتُ له أسرفتَ في اللوم ظالمًا ... وعندي ردٌّ لو أردت طويلُ
ألم ترَ أنِّي ظاهريٌّ وأنني ... على ما بدا حتى يقومَ دليلُ

وكان كثيرَ الوقوع في العلماء المتقدِّمين، لا يكاد يسلَم أحد من لسانه، فنفرت عنه القلوب، واستهدف لفقهاءِ وقته، فتمالؤوا على بغضه، وردُّوا قوله، وأجمعوا على تضليله، وشنَّعوا عليه، وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوَا عوامَّهم عن الدنوِّ منه، والأخذ عنه، فأقْصَتْه الملوك، وشردته عن بلاده، حتى انتهى إلى بادية لِبلى، فتوفي بها آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة 456، وقيل: إنه توفي في "منت ليشم"، وهي قرية ابن حزم المذكورة - رحمه اللَّه -.
وكانت ولادته بعد طلوع الفجر، وقبل طلوع الشمس يوم الأربعاء سلخَ رمضان سنة أربع وثمانين وثلاث مئة، قاله ابن صاعد.
وفيه قال أبو العباس بن العريف: كان لسانُ ابن حزم وسيفُ الحجاج بنِ يوسف الثقفي شقيقينِ، وإنما قال ذلك؛ لكثرة وقوعه في الأئمة.
وكانت وفاة والده أبي عمر أحمد في سنة 402، وكان وزيرَ الدولة العامرية، وهو من أهل العلم والأدب والبلاغة والخير. وقال ولده أبو محمد المذكورُ: أنشدني والدي الوزيرُ في بعض وصاياه لي - رحمه اللَّه تعالى -:
إذا شئتَ أن تَحْيا غنيًا فلا تكنْ ... على حالةٍ، إلا رضيتَ بِدونِها
وكان لأبي محمد المذكور ولدٌ نبيهٌ سريٌّ فاضلٌ يقال له: أبو رافع، الفضلُ بنُ أبي محمد، وكان في خدمة المعتمد بن عباد، صاحبِ إِشبيلية وغيرِها من بلاد الأندلس، وقُتل أبو رافع المذكورُ في وقعة الزَّلَّاقة مع مخدومه المعتمِد في سنة 479 الهجرية.
ولبله: بلدة بالأندلس، ومنت ليشم - بالشين -: قرية من أعمال لبله، كانت ملكَ ابن حزم، وكان يتردد إليها، واللَّه أعلم.
قال المقري في "نفح الطيب" في ترجمته الشريفة: قال ابن حيان وغيرُه: كان ابن حزم صاحبَ حديثٍ وفقهٍ وجَدَل، وله كتب كثيرة في المنطق والفلسفة، وكان شافعيَّ المذهب، يناضل الفقهاء عن مذهبه، ثم صار ظاهريًا، فوضع الكتب في هذا المذهب، وثبت عليه إلى أن مات، وكان له تعلُّق بالأدب، وشنَّع عليه الفقهاء، وطعنوا فيه، وأقصاه الملوك، وأبعدوه عن وطنه.
قال صاعد في "تاريخه": كان ابن حزم أجمعَ أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعَهم معرفةً، مع توسُّعه في علم اللسان، والبلاغة، والشعر، والسير، والأخبار.
قال الذهبي: وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن، وسَعَة العلم بالكتاب والسنة، والمذاهب والمِلل والنِّحَل، والعربية والآداب، والمنطق والشعر، مع الصدق والديانة، والحشمة والسؤدد والرئاسة والثروة، وكثرة الكتب.
قال الغزالي: وجدت في أسماء اللَّه تعالى كتابًا لابن حزم يدل على عِظَم حفظه، وسيلانِ ذهنه، انتهى.
وعلى الجملة: فهو نسيجُ وحدِه لولا ما وُصف به من سوء الاعتقاد، والوقوع في السَّلف الذي اثار عليه الانتقاد، سامحه اللَّه تعالى.
قال محرر هذه السطور - عفا اللَّه عنه -: لم يكن موصوفًا بسوء الاعتقاد كما زعم المَقَّري، بل كانت عقيدته الكتابَ والسنة والمحصنة، وهذه فضيلةٌ لا يساويها فضيلة، وأما وقوعُه في السلف، فكان ذبًّا عن الإسلام، وهو لا ينافي العلم، وعمره اثنتان وسبعون سنة، وكان كثير المواظبة على التأليف، ذكر جملة منها المقري.
وقال ابن سعيد فيه: الوزير العالم الحافظ، وشهرته تغني عن وصفه، وذكر له المَقَّري أشعارًا كثيرة بديعةَ المبنى والمعنى.
وأثنى عليه الشيخ العارف محيي الدين بن عربي، صاحب "الفتوحات المكية" كثيرًا، وقال في الباب الثالث والعشرين ومئتين، في معرفة حال التفرقة في (صفحة 684 من النسخة المطبوعة بمصر) ما نصه: وهذه غايةُ الوصلة أن يكون الشيء عينَ ما ظهرَ، ولا يُعرف أنه هو كما رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وقد عانق أبا محمدٍ بنَ حزم المحدِّثَ، فغاب الواحدُ في الآخرَ، فلم يُر إلا واحد، وهو رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فهذه غايةُ الوصلة، وهو المعبر عنه بالاتحاد؛ أي: كون الاثنين عينا للواحد، وما في الوجود أمر زائد، انتهى. وللَّه در القائل:
تَوَهَّمَ واشِينا بِلَيْلِ مَزارِنا ... فَهَمَّ ليسعى بينَنا بالتباعُدِ
فعانَقْتُهُ حتى اتَّحَدْنا تعانُقًا ... فلمَّا أتانا ما رأى غيرَ واحدِ
وفي معناه ما قال الشاعر بالفارسية:
جذبه وصل بحديست من وتو ... كه رقيب آمد وبرسيد نشان من وتو
ولا غرو في ذلك، فقد قلنا في كتابنا "الحِطَّة بذكر الصِّحاح الستة" ما نصه: إن أهل الحديث - كَثَّرَ اللَّه تعالى سوادَهم، ورفع في العالمين عمادَهم - لهم نسبةٌ خاصة، ومعرفة مخصوصة بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لا يشاركهم فيها أحد من العالمين، فضلًا عن سائر الناس أجمعين، فإنهم لا يزال يجري صفاته العليا وأحواله الكريمة وشمائله الشريفة على لسانهم، ولم يبرح تمثالُ جماله الكريم وخيالُ وجهه الوسيم ونورُ حديثه المستبين وبركةُ العمل بسنته المطهرة يتردَّدُ في حاق وسطِ جَنانهم، فعلاقة باطنهم بباطنه العلي متصلة، ونسبةُ ظاهرهم بظاهره النقي مسلسلة، فهم أهلُ الودِّ والاتحاد حقًا، وأصحاب الوحدة المطلقة عدلًا وصدقًا، فأكرمْ بهم من كرام يشاهِدون عظمةَ المسمَّى حين يذكر الاسم، ويصلُّون عليه كلَّما مر ذكره الشريف بأحسنِ الحدِّ والرسم، وخاضوا في بحار العلوم المحمدية خوضًا، وصاروا به نحو المعلوم، خدموا الأحاديث الأحمدية خدمة، وعادوا معها عينَ المخدوم، انتهى.
وذكر له سليم الخوري في كتاب "آثار الأدهار" ترجمة حسنة، وقال: كان ابن حزم خبيرًا بالأحكام، بصيرًا بأمور السياسة، وقد أُحرقت داره في قرطبةَ لما استولى عليها البربرُ، وسُبيت نساؤه، ونُهبت أمواله، ونُفي منها، ثم عاد، وكان عبدُ الرحمن الرابعُ المرتضى قد ولي أمرَها، وحضر فيها الوقعة التي جرت بين عبد الرحمن وزاوي صاحب غرناطة، فأسر وبقي في أسر البربر مدة، ثم أطلقوه، وكان متشيِّعًا للأموية، لا يفتُر عن الدعوة إليهم، فانكشف أمرُه لخيران رئيسِ الصقالبة، فقبض عليه، ونفاه.

ولما ولي عبد الرحمن الخامس الملقبُ بالمستظهر أمرَ قرطبة، استوزر ابنَ حزم لنفسه، وقربه، ورفع منزلته، ثم قُتل عبد الرحمن المذكور، فقُبض على ابن حزم، واعتقل هو وابن عمه عبدُ الوهاب بن حزم، ثم أُطلق، فاعتزل السياسة والأَشغال المعايشة، وأكبَّ على الدرس والمراجعة، وأصاب من العلم نصيبًا جزيلًا، انتهى.
وذكرَ له مؤلفاتٍ كثيرةً سماها بأسمائها، قال: وقد أَحرق المعتضدُ بنُ عباد كتبه بإشبيلية. ومن شعره:
دَعُوني من إحراقِ رَقٍّ وكاغدٍ ... وقولوا بعلمٍ كي يرى الناس مَنْ يدري
فإنْ تُحْرِقوا القِرْطاسَ لَمْ تحرقوا الذي ... تَضَمَّنَهُ القِرطاسُ، بل هو في صَدْري
وفي كتاب "دائرة المعارف" للمعلم بطرس البستاني في ترجمته: ومن شعره:
لَئِنْ أَصبحتُ مرتحلًا بجسمي ... فَرُوحي عندَكُم أبدًا مقيمُ
ولكنْ للعيانِ لطيفُ معنًى ... لهُ سألَ المُعاينةَ الكَليمُ
وله أيضًا في المعنى:
يقول أخي شَجاكَ رحيلُ جسمٍ ... ورُوحُك ما لَها عَنَّا رَحيلُ
فقلتُ لهُ المعاينُ مطمئنٌّ ... لذا طلبَ المُعاينَةَ الخَليلُ
قال: وكانت بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظراتٌ وماجرياتٌ يطولُ شرحها.
* ولا يخفى عليك أن كتاب "آثار الأدهار"، و"دائرة المعارف"، و"الروضة الغناء في دمشق الفيحاء"، كل ذلك من مؤلفات العلماء المسيحية، ولا مضايقة في نقلنا عنها؛ لأنها تشتمل على معارف صحيحة، ونقُول ثابتة من كتب الإسلام في تراجم الأعلام والآثار، و"الدائرة" قد احتوت على غالب طبقات العلماء، قلَّ من فات عنهم ترجمته.
وإنما أخذنا منهما في هذا الكتاب نبذة يسيرة، ولو ذهبنا نأخذ منهما الكثير، لجاء كتاب مفرد، ولا ريب أنهما على ترتيب حسن، وتهذيب أنيق، وهذا المختصر لم نراع فيه هذين الأمرين فليكن ذلك على ذكر منك.
ويالله العجب من أهل ملة الإسلام! إنهم قعدوا عن إدراك العلوم والفنون، وتركوا قواعد التأليف والتحقيق مع حدودها والرسوم.
والذين ليسوا من أهل جلدتنا، ولا من أصحاب ملتنا، قد اعتنوا بجميع الكمالات، وفاقوا فيها غالب أهل الصناعات؛ بحيث لا يلحق شأوَهم أحدٌ من العُصبة الحاضرة، والجماعة الموجودة من الناس المختلفين مذهبًا ومشربًا، وهذا من عجائب قدر اللَّه وقواه، فاللَّه - سبحانه وتعالى - يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

يوجد له ترجمة في: الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.