جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البغدادي
ابن الجوزي عبد الرحمن
تاريخ الولادة | 510 هـ |
تاريخ الوفاة | 597 هـ |
العمر | 87 سنة |
مكان الولادة | بغداد - العراق |
مكان الوفاة | بغداد - العراق |
أماكن الإقامة |
|
- عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي "أبي الوقت"
- هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد الشيباني "أبي القاسم ابن الحصين"
- علي بن عبد الواحد بن أحمد الدينوري
- إبراهيم بن دينار بن أحمد النهرواني الرزاز أبي حكيم "النهرواني"
- محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي أبي الفضل
- محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون البغدادي الدباس "أبي منصور"
- محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان البغدادي أبي الفتح "ابن البطي"
- عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد البغدادي الأنماطي أبي البركات
- إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك النيسابيري "أبي سعد بن أبي صالح"
- أحمد بن علي بن محمد البغدادي البزاز أبي السعود "ابن المجلي"
- عبد الله بن محمد بن عبد الله الأصبهاني الرفاعي أبي القاسم
- بدر بن عبد الله الأرمني الشيحي "أبي النجم"
- محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري أبي بكر "قاضي المارستان"
- الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بن أحمد الدباس الحارثي البغدادي أبي عبد الله "البارع"
- أبي بكر عبد الله بن منصور بن عمران بن ربيعة الربعي الواسطي "ابن الباقلاني"
- يحيى بن الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي "أبي عبد الله"
- إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث السمرقندي أبي القاسم "ابن السمرقندي"
- موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي "أبي منصور"
- عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد بن حسن الحريمي القزاز أبي منصور
- علي بن عبيد الله بن نصر بن السري الزاغوني أبي الحسن
- أحمد بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد العباسي أبي السعادات "المتوكلي"
- محمد بن الحسن بن علي بن الحسن التميمي البصري الماوردي "أبي غالب"
- أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن بن علي الأصبهاني أبي سعد "ابن البغدادي"
- هبة الله بن أحمد بن عمر البغدادي الحريري "ابن الطبر هبة الله"
- أبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد المقرئ البغدادي "سبط الخياط عبد الله"
- أحمد بن محمد بن علي بن محمود بن ماخرة الزوزني البغدادي
- عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري البغدادي أبي البقاء "محب الدين"
- نصر بن أبى السعود بن مظفر بن الخضر البعقوبي "تاج الدين أبي القاسم"
- محمد بن أبي المكارم الفضل بن بختيار البعقوبي "الحجة"
- محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد الحراني أبي عبد الله "ابن تيمية فخر الدين"
- يوسف بن قزغلي بن عبد الله التركي الهبيري أبي المظفر شمس الدين "سبط ابن الجوزي"
- عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور الجماعيلي الدمشقي الحنبلي "تقي الدين حافظ الوقت"
- تاج الدين ابن الخراط عبد السلام بن علي بن منصور "أبي محمد الكتاني الدمياطي"
- محمد بن عبد الواحد بن أحمد السعدي المقدسي أبي عبد الله ضياء الدين "الحافظ الضياء"
- عبد الرحمن بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي "أبي سليمان"
- عبد العزيز بن عبد الرحمن بن علي بن الجوزي أبي بكر
- عبد الله بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي "شرف الدين أبي محمد"
- أحمد بن شكر بن عبد الرحمن الكندي المقدادي الحربي الخياط أبي العباس "ابن عصية المقرئ"
- حمد بن أحمد بن محمد بن بركة الحراني موفق الدين
- إسماعيل بن هبة الله بن سعيد الموصلي أبي المجد عماد الدين "ابن باطيش"
- إسماعيل بن ظفر بن أحمد بن إبراهيم المنذري المقدسي الدمشقي أبي الطاهر
- محمد بن علي بن محمد أحمد الطائي الحاتمي الأندلسي محيي الدين "الشيخ الأكبر ابن العربي"
- محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله البغدادي أبي عبد الله محب الدين "ابن النجار"
- أحمد بن محمد بن خلف بن راجح بن بلال المقدسي أبي العباس
- يحيى بن علي بن عنان البغدادي أبي بكر "ابن البقال عماد الدين"
- أحمد بن محمد بن طلحلة البغدادي "أبي بكر"
- طلحة بن مظفر بن غانم بن محمد العلثى
- أبي الخطاب عمر بن الحسن ابن دحية الكلبي الأندلسي السبتي "ابن دحية الكلبي"
- عمر بن بدر بن سعيد بن محمد الموصلي ضياء الدين أبي حفص
- إبراهيم بن المظفر بن إبراهيم البرني "برهان الدين إبراهيم"
- يوسف بن قزاعلي بن عبد الله أبي المظفر
- أحمد بن عبد الدائم بن أحمد بن نعمة المقدسي الدمشقي الحنبلي أبي العباس
- أحمد بن محمد بن هارون بن أحمد أبي عمر بن عات النفزي
- عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم
- حمد بن أحمد بن محمد بن بركة بن أحمد بن صديق بن صروف أبي عبد الله الحراني
- محمود بن مودود بن محمود بن بلدحي الموصلي أبي الثناء
- محيي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج ابن الجوزي
- أبي عبد الله محمد بن عثمان بن عبد الله البغدادي الظفري "ابن العكبري محمد"
- أبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد المقرئ البغدادي "سبط الخياط عبد الله"
- عبد الخالق بن الأنجب ابن معمر بن حسن العراقي النشتبري
نبذة
الترجمة
ابن الجوزي: أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي البكري البغدادي الحنبلي،شيخ الإسلام ، الحافظ ، الفقيه ، المفسر ، الواعظ ، المناظر ، المؤرخ ، له التصانيف الكثيرة في شتى العلوم ، ومجموعها مائتان ونيف وخمسون كتاباً ، توفي سنة سبع وتسعين وخمسمائة . ينظر: سير أعلام النبلاء 21/366-384 ، كشف الظنون 2/1750 .
ابْن الْجَوْزِيّ
الإِمَام الْعَلامَة الْحَافِظ عَالم الْعرَاق وواعظ الْآفَاق جمال الدّين أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن عَليّ بن عبد الله الْقرشِي الْبكْرِيّ الصديقي الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الْوَاعِظ
صَاحب التصانيف السائرة فِي فنون الْعلم وَعرف جدهم بالجوزي لجوزة كَانَت فِي دَرَاهِم لم يكن بواسط سواهَا ولد سنة عشر وَخَمْسمِائة أَو قبلهَا
وَسمع فِي سنة تسع عشرَة من ابْن الْحصين وَأبي غَالب بن النباء وَخلق عدتهمْ سَبْعَة وَثَمَانُونَ نفسا
وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير جدا وَوعظ من سنة عشْرين إِلَى أَن مَاتَ
حدث عَنهُ بِالْإِجَازَةِ الْفَخر عَليّ وَغَيره وَله زَاد الْمسير فِي التَّفْسِير وجامع المسانيد وَالْمُغني فِي عُلُوم الْقُرْآن وَتَذْكِرَة الأريب فِي اللُّغَة وَالْوُجُوه والنظائر ومشكل الصِّحَاح والموضوعات والواهيات والضعفاء وتلقيح فهوم الْأَثر والمنتظم فِي التَّارِيخ وَأَشْيَاء يطول شرحها وَمَا علمت أحدا من الْعلمَاء صنف مَا صنف
وَحصل لَهُ من الخطوة فِي الْوَعْظ مَا لم يحصل لأحد قطّ قيل إِنَّه حَضَره فِي بعض الْمجَالِس مائَة ألف وحضره مُلُوك ووزراء وخلفاء وَقَالَ كتبت بأصبعي ألفي مُجَلد وَتَابَ على يَدي مائَة ألف وَأسلم على يَدي عشرُون ألفا مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشر رَمَضَان سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
قلت قَالَ الذَّهَبِيّ فِي التَّارِيخ الْكَبِير لَا يُوصف ابْن الْجَوْزِيّ بِالْحِفْظِ عندنَا بِاعْتِبَار الصَّنْعَة بل بِاعْتِبَار كَثْرَة إطلاعه وَجمعه
طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.
الشَّيْخُ الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ المُفَسِّرُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مَفْخَرُ العِرَاقِ، جَمَالُ الدِّيْنِ، أَبُو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيِّ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ حَمَّادِيِّ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ القَاسِمِ بنِ النَّضْرِ بن القاسم بن محمد بن عبد الله ابن الفقيه عبد الرحمن ابْنِ الفَقِيْهِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدِ ابْنُ خَلِيْفَةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، القرشي التَّيْمِيُّ البَكْرِيُّ البَغْدَادِيُّ، الحَنْبَلِيُّ، الوَاعِظُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَأَوُّلُ شَيْءٍ سَمِعَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ.
سَمِعَ مِنْ أَبِي القَاسِمِ بنِ الحُصَيْنِ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ البَارِع، وَعَلِيّ بن عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيّ، وَأَحْمَد بن أَحْمَدَ المُتَوَكِّلِيّ، وَإِسْمَاعِيْل بن أَبِي صَالِحٍ المُؤَذِّن، وَالفَقِيْه أبي الحسن بن الزَّاغُوْنِيِّ، وَهِبَة اللهِ بن الطَّبَرِ الحَرِيْرِيّ، وَأَبِي غالب بن البَنَّاءِ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ المَزْرَفِيّ، وَأَبِي غَالِبٍ مُحَمَّد بن الحَسَنِ المَاوَرْدِيّ،، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيّ الخَطِيْب، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ البَاقِي الأنصاري، وإسماعيل بن السمرقندي، ويحيى بن البَنَّاءِ، وعَلِيّ بن المُوَحِّد، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ بن خَيْرُوْنَ، وَبدر الشِّيْحِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الزَّوْزَنِيّ، وَأَبِي سَعْدٍ أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ البَغْدَادِيّ الحَافِظ، وَعَبْد الوَهَّابِ بن المُبَارَكِ الأَنْمَاطِيّ الحَافِظ، وَأَبِي السُّعُوْدِ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ المجلي، وأبي منصور عبد الرحمن بنِ زُرَيْقٍ القَزَّاز، وَأَبِي الوَقْت السِّجْزِيّ، وَابْن نَاصِر، وَابْن البَطِّيِّ، وَطَائِفَة مَجْمُوْعهُم نَيِّفٌ وَثَمَانُوْنَ شَيْخاً قَدْ خَرَّجَ عَنْهُم مَشْيَخَة فِي جُزْءيْنِ.
وَلَمْ يَرْحَلْ فِي الحَدِيْثِ، لَكنه عِنْدَهُ "مُسْنَد الإِمَام أَحْمَد" وَ"الطَّبَقَات لابْنِ سَعْدٍ"، وَ"تَارِيْخ الخَطِيْب"، وَأَشيَاء عَالِيَة، وَ"الصَّحِيْحَانِ"، وَالسُّنَنُ الأَرْبَعَةُ، وَ"الحِلْيَة" وَعِدَّة توَالِيف وَأَجزَاء يُخَرِّج منها.
وَكَانَ آخِر مَنْ حَدَّثَ عَنِ الدِّيْنَوَرِيِّ وَالمُتَوَكِّلِيّ.
وَانتفع فِي الحَدِيْثِ بِمُلاَزِمَة ابْن نَاصِر، وَفِي القُرْآن وَالأَدب بِسِبْط الخَيَّاط، وَابْن الجَوَالِيْقِيِّ، وَفِي الفِقْه بطَائِفَة.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدُهُ الصَّاحب العَلاَّمَة مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُفُ أُسْتَاذ دَار المُسْتَعْصِمِ بِاللهِ، وَوَلَده الكَبِيْر عَلِيّ النَّاسِخ، وَسِبْطهُ الوَاعِظ شَمْس الدِّيْنِ يُوْسُف بن قُزْغُلِيّ الحَنَفِيّ صَاحِب مِرَآة الزَّمَانِ، وَالحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَالشَّيْخ مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْن قُدَامَةَ، وَابْن الدُّبَيْثِيِّ، وَابْن النَّجَّارِ، وَابْن خَلِيْلٍ، وَالضِّيَاء، وَاليَلْدَانِيّ، وَالنَّجِيْب الحَرَّانِيّ، وَابْن عَبْدِ الدَّائِمِ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَبِالإِجَازَةِ الشَّيْخ شَمْس الدِّيْنِ عبد الرحمن، وَابْن البُخَارِيِّ، وَأَحْمَد بن أَبِي الخَيْرِ، وَالخَضِر بن حَمُّوْيَه، وَالقُطْب ابْن عَصْرُوْنَ.
وَكَانَ رَأْساً فِي التَّذْكِير بِلاَ مدَافعَة، يَقُوْلُ النَّظم الرَّائِق، وَالنّثر الفَائِق بديهاً، وَيُسهِب، وَيُعجِب، وَيُطرِب، وَيُطنِب، لَمْ يَأْت قَبْله وَلاَ بَعْدَهُ مِثْله، فَهُوَ حَامِل لوَاء الْوَعْظ، وَالقيِّم بِفنونه، مَعَ الشّكل الحَسَن، وَالصّوت الطّيب، وَالوقع فِي النُّفُوْس، وَحُسْن السِّيْرَةِ، وَكَانَ بَحْراً فِي التَّفْسِيْر، علاَّمَة فِي السّير وَالتَّارِيْخ، مَوْصُوَفاً بِحسن الحَدِيْث، وَمَعْرِفَة فُنونه، فَقِيْهاً، عليماً بِالإِجْمَاعِ وَالاخْتِلاَف، جَيِّد المشَاركَة فِي الطِّبّ، ذَا تَفنُّن وَفَهم وَذكَاء وَحفظ وَاسْتحضَار، وَإِكْبَابٍ عَلَى الْجمع وَالتَّصْنِيْف، مَعَ التَّصَوُّنِ وَالتَّجَمُّلِ، وَحسن الشَّارَةِ، وَرشَاقَة العبَارَة، وَلطف الشَّمَائِل، وَالأَوْصَاف الحمِيدَة، وَالحرمَة الوَافرَة عِنْد الخَاص وَالعَام، مَا عَرَفْتُ أَحَداً صَنَّفَ مَا صَنَّفَ.
تُوُفِّيَ أَبُوْهُ وَلَهُ ثَلاَثَة أَعْوَام، فَرَبَّتْهُ عَمَّتُه. وَأَقَارِبُه كَانُوا تُجَّاراً فِي النُّحاسِ، فَرُبَّمَا كتبَ اسْمَهُ فِي السماع عبد الرحمن بن عَلِيٍّ الصَّفَّار.
ثُمَّ لمَا تَرَعْرَعَ، حَملته عَمَّته إِلَى ابْنِ نَاصِر، فَأَسمعَهُ الكَثِيْر، وَأَحَبّ الْوَعْظ، وَلهج بِهِ، وَهُوَ مُرَاهِق، فَوَعَظ النَّاس وَهُوَ صَبِيّ، ثُمَّ مَا زَالَ نَافق السُّوق مُعظَّماً مُتغَالياً فِيْهِ، مُزدحماً عَلَيْهِ، مضروباً بِروَنق وَعظه المَثَل، كَمَالُه فِي ازديَاد وَاشتهَار، إِلَى أَن مَاتَ -رَحِمَهُ الله وَسَامَحَهُ- فَلَيْتَهُ لَمْ يَخُض فِي التَّأْوِيْل، وَلاَ خَالف إِمَامه.
صَنّف فِي التَّفْسِيْر "المغنِي" كَبِيْر، ثُمَّ اخْتصره فِي أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، وَسَمَّاهُ: "زَاد المَسِيْر" وَلَهُ "تذكرَة الأَرِيب" فِي اللُّغَة مُجَلَّد، "الوُجُوه وَالنَّظَائِر" مُجَلَّد، "فُنُوْن الأَفنَان" مُجَلَّد، "جَامِع المسَانِيْد" سَبْع مُجَلَّدَاتٍ وَمَا اسْتَوْعَبَ وَلاَ كَادَ، "الحدَائِق" مُجَلَّدَان، "نَقْي النّقل" مُجَلَّدَان، "عُيُون الحِكَايَات" مُجَلَّدَان، "التّحقيق فِي مَسَائِل الخلاَف" مُجَلَّدَان، "مُشكل الصِّحَاح" أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، "المَوْضُوْعَات" مُجَلَّدَان، "الوَاهيَات" مُجَلَّدَان. "الضُّعَفَاء" مُجَلَّد، "تَلْقِيح الْفُهُوم" مُجَلَّد، "الْمُنْتَظِم فِي التَّارِيْخ" عَشْرَة مُجَلَّدَاتٍ، "المَذْهَب فِي الْمَذْهَب" مُجَلَّد، "الانتصَار فِي الخلاَفِيَات" مُجَلَّدَان، "مَشْهُوْر المَسَائِل" مُجَلَّدَان، "اليَواقيت" وَعظ، مُجَلَّد، "نَسِيم السّحر" مُجَلَّد، "الْمُنْتَخب" مُجَلَّد، "الْمُدْهِشُ" مُجَلَّد، "صفوَة الصّفوَة" أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، "أَخْبَار الأَخيَار" مُجَلَّد، "أَخْبَار النِّسَاء" مُجَلَّد، "مُثِير العَزْم السَّاكن" مُجَلَّد، "الْمقْعد الْمُقِيم" مُجَلَّد، "ذَمّ الهَوَى" مُجَلَّد، "تلبيس إبليس" مجلد، "صيد الخَاطر" ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، "الأَذكيَاء" مُجَلَّد، "المغفّلين" مُجَلَّد، "منَافِع الطِّبّ" مُجَلَّد، "صبَا نَجد" مُجَلَّد، "الظرفَاء" مُجَلَّد، "الْمُلَهَّب" مُجَلَّد، "الْمُطْرِب" مُجَلَّد، "منتهَى المشتهَى" مُجَلَّد، "فُنُوْن الأَلبَاب" مُجَلَّد، "الْمُزْعِج" مُجَلَّد، "سلوَة الأَحزَان" مُجَلَّد، "مِنْهَاج القَاصدين" مُجَلَّدَان، "الوَفَا بفَضَائِل المُصْطَفَى" مُجَلَّدَان، "مَنَاقِب أَبِي بَكْرٍ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب عُمَر" مُجَلَّد، "مَنَاقِب عليّ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب إِبْرَاهِيْم بن أَدْهَمَ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب الفُضَيْل" مُجَلَّد، "مَنَاقِب بشر الحَافِي" مُجَلَّد، "مَنَاقِب رَابِعَة" جُزْء، "مَنَاقِب عُمَر بن عَبْدِ العَزِيْزِ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب سَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ" جُزْءانِ، "مَنَاقِب الحَسَن" جُزْءانِ، "مناقب الثَّوْرِيّ" مُجَلَّد، "مَنَاقِب أَحْمَد" مُجَلَّد، "مَنَاقِب الشَّافِعِيّ" مُجَلَّد، "مُوَافِق المرَافق" مُجَلَّد، مَنَاقِب غَيْر وَاحِد جُزْء جُزْء، "مُخْتَصَر فُنُوْن ابْن عَقِيْل" فِي بَضْعَة عشر مُجَلَّداً، "مَنَاقِب الْحَبَش" مُجَلَّد، "لِبَاب زِين الْقَصَص"، "فَضل مَقْبَرَة أَحْمَد"، "فَضَائِل الأَيَّام"، "أَسبَاب البدَايَة"، "وَاسطَات الْعُقُود"، "شُذُورِ الْعُقُود فِي تَارِيخ الْعُهُود"، "الخوَاتيم"، "المَجَالِس اليَوسفِيَّة"، "كُنُوز الْعُمر"، "إِيقَاظ الوسنَان بِأَحْوَال النّبَات وَالحيوَان"، "نَسِيم الرّوض"، "الثبَات عِنْد المَمَاتَ"، "المَوْت وَمَا بَعْدَهُ" مُجَلَّد، "دِيْوَانه" عِدَّة مُجَلَّدَاتٍ، "مَنَاقِب مَعْرُوف"، "العزلَة"، "الرِّيَاضَة"، "النَّصْر عَلَى مِصْرَ"، "كَانَ وَكَانَ" فِي الْوَعْظ "خطب اللَّآلِئ"، "النَّاسخ وَالمَنْسُوْخ"، "موَاسم الْعُمر"، "أَعْمَار الأعيان" وأشياء كثيرة تركتها، ولم أرها.
وَكَانَ ذَا حظّ عَظِيْم وَصيت بعيد فِي الْوَعْظ، يَحضر مَجَالِسه المُلُوْك وَالوُزَرَاء وَبَعْض الخُلَفَاء وَالأَئِمَّة وَالكُبَرَاء، لاَ يَكَاد المَجْلِس يَنقص عَنْ أَلوف كَثِيْرَة، حَتَّى قِيْلَ فِي بَعْضِ مَجَالِسه: إِن حُزر الْجمع بِمائَةِ أَلْف. وَلاَ رِيب أَنَّ هَذَا مَا وَقَعَ، وَلَوْ وَقَعَ، لَمَا قدر أَنْ يُسْمِعَهُم، وَلاَ المَكَان يَسعهُم.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ: سَمِعْتُ جَدِّي عَلَى المِنْبَرِ يَقُوْلُ: بأُصْبُعَيَّ هَاتَيْنِ كَتَبتُ أَلْفَي مُجَلَّدَةٍ، وَتَاب عَلَى يَدَيَّ مائَةُ أَلْفٍ، وَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيَّ عِشْرُوْنَ أَلْفاً. وَكَانَ يَخْتِم فِي الأُسْبُوْع، وَلاَ يَخْرُج مِنْ بَيْته إلَّا إِلَى الجُمُعَةِ أَوِ المَجْلِس.
قُلْتُ: فَمَا فَعَلَتْ صَلاَةُ الجَمَاعَةِ?!
ثُمَّ سرد سِبْطه تَصَانِيْفه، فَذَكَر مِنْهَا كِتَاب "المُخْتَار فِي الأَشعَار" عشر مُجَلَّدَاتٍ، "درَة الإِكليل" فِي التَّارِيْخ، أَرْبَع مُجَلَّدَاتٍ، "الأَمثَال" مُجَلَّد، "المَنْفِعَة فِي المَذَاهِب الأَرْبَعَة" مُجَلَّدَان، "التبصرَة فِي الْوَعْظ"، ثَلاَث مُجَلَّدَاتٍ، "رُؤُوْس القوَارِير" مُجَلَّدَان، ثُمَّ قَالَ: وَمَجْمُوْع تَصَانِيْفه مائَتَانِ وَنَيِّفٌ وَخَمْسُوْنَ كِتَاباً.
قُلْتُ: وَكَذَا وُجِدَ بِخَطِّهِ قَبْل مَوْتِهِ أَنَّ تَوَالِيفه بلغت مائتين وخمسين تأليفًا.
ومن غرر ألفاظه:
عقَارب المنَايَا تَلْسَع، وَخُدرَانُ جِسْمِ الأَمَالِ يَمنَعُ، وَمَاء الحَيَاة فِي إِنَاء الْعُمر يَرشح.
يَا أَمِيْرُ: اذْكُر عِنْد القدرَة عَدْلَ الله فِيك، وَعِنْد العقوبَة قدرَةَ الله عَلَيْك، وَلاَ تَشفِ غَيظَك بِسَقَم دينك.
وَقَالَ لِصديق: أَنْتَ فِي أَوسع الْعذر مِنَ التَأخُّر عَنِّي لثقتِي بِك، وَفِي أَضيقِه مِنْ شَوْقِي إِلَيْك.
وَقَالَ لَهُ رَجُل: مَا نِمتُ البَارِحَة مِنْ شَوْقِي إِلَى المَجْلِس قَالَ: لأَنَّك تُرِيْد الفرجَة، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي اللَّيْلَة أَنْ لاَ تَنَام.
وَقَام إِلَيْهِ رَجُل بغِيض، فَقَالَ: يَا سيّدِي: نُرِيْد كلمَة ننقلهَا عَنْكَ، أَيُّمَا أَفْضَل أَبُو بَكْرٍ أَوْ عَلِيُّ? فَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسَ، ثُمَّ قَامَ، فَأعَاد مقَالَته، فَأقعده، ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: اقعدْ، فَأَنْتَ أَفْضَل مِنْ كُلِّ أَحَد.
وَسَأَله آخر أَيَّام ظُهُوْر الشِّيْعَة، فَقَالَ: أَفْضَلُهُمَا مَنْ كَانَتْ بِنْتُهُ تَحْتَه.
وَهَذِهِ عبَارَة مُحْتَمَلَة تُرضِي الفَرِيْقَيْنِ.
وَسَأَله آخرُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: أُسبح أَوْ أَسْتَغْفِر? قَالَ: الثَّوْب الْوَسخ أَحْوَج إِلَى الصَّابُوْنِ مِنَ الْبخُور.
وَقَالَ فِي حَدِيْث: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّيْنَ إِلَى السَّبْعِيْنَ": إنما طَالت أَعَمَّار الأَوَائِل لطول البَادِيَة فَلَمَّا شَارف الركب بلد الإِقَامَة، قِيْلَ: حُثُّوا المَطِيّ.
وَقَالَ: مَنْ قنع، طَاب عيشه، وَمِنْ طمع، طَالَ طَيشه.
وَقَالَ يَوْماً فِي وَعظه: يَا أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، إِنْ تَكلّمت، خفت مِنْكَ، وَإِن سكتّ، خفت عَلَيْك، وَأَنَا أُقدّم خوفِي عَلَيْك عَلَى خوفِي مِنْكَ، فَقول النَّاصح: اتَّقِ الله خَيْرٌ مِنْ قَوْل القَائِل: أَنْتُم أَهْل بَيْت مغْفُور لَكُم.
وَقَالَ: يَفتخر فِرْعَوْن مِصْرَ بِنهر مَا أَجرَاهُ، مَا أَجرَأَه!
وَهَذَا بَاب يَطول، فَفِي كُتُبِه النفَائِس مِنْ هَذَا وَأَمثَاله.
وَجَعْفَر الَّذِي هُوَ جَدُّهُ التَّاسع: قَالَ ابْنُ دِحْيَة: جَعْفَر هُوَ الجَوْزِيّ، نُسب إِلَى فُرْضَةٍ مِنْ فُرَضِ البَصْرَة يُقَالُ لَهَا: جَوْزَةُ. وَقِيْلَ: كَانَ فِي داره جوزة لم يكن بواسط جوز سِوَاهَا. وَفرضَة النَّهْر ثلمتُهُ، وَفرضَة البَحْر محطُّ السُّفُنِ.
قَالَ أَبُو المُظَفَّرِ: جَدِّي قَرَأَ القُرْآنَ، وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ الحَنْبَلِيّ، وَابْن الفَرَّاء.
قُلْتُ: وَقَرَأَ القُرْآنَ عَلَى سِبْط الخَيَّاط.
وَعنِي بِأَمره شَيْخه ابْن الزَّاغونِيّ، وَعَلّمه الوَعْظَ، وَاشْتَغَل بِفنُوْن العلُوْم، وَأَخَذَ اللُّغَة عَنْ أَبِي منصور بن الجَوَالِيْقِيِّ، وَرُبَّمَا حضَر مَجْلِسه مائَة أَلْف، وَأَوقع الله لَهُ فِي القُلُوْب الْقبُول وَالهَيْبَة.
قَالَ: وَكَانَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا، متقلّلاً مِنْهَا، وَكَانَ يَجلسُ بِجَامِع القَصْر وَالرُّصَافَة وَببَاب بدر وَغَيْرهَا. إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا مَازح أَحَداً قَطُّ، وَلاَ لعِب مَعَ صَبِيّ، وَلاَ أَكل مِنْ جهة لا يتيقن حلها.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنُ الدُّبَيْثِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ": شَيْخنَا جَمَال الدِّيْنِ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ فِي فُنُوْن العلُوْم مِنَ التَّفْسِيْر وَالفِقْه وَالحَدِيْث وَالتَّوَارِيخ وَغَيْر ذَلِكَ. وَإِلَيه انْتَهَت مَعْرِفَة الحَدِيْث وَعلُوْمه، وَالوُقُوْف عَلَى صَحِيْحه مِنْ سَقِيمه، وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس كَلاَماً، وَأَتمّهم نَظَاماً، وَأَعذبهم لِسَاناً، وَأَجْوَدهم بيَاناً. تَفَقَّهَ عَلَى الدِّيْنَوَرِيّ، وَقرَأَ الْوَعْظ عَلَى أَبِي القَاسِمِ العَلَوِيّ، وَبورك لَهُ فِي عُمُرِه وَعِلْمه، وَحَدَّثَ بِمُصَنّفَاته مرَاراً، وَأَنْشَدَنِي بِوَاسِط لِنَفْسِهِ:
يَا سَاكنَ الدُّنْيَا تَأَهَّبْ ... وَانتَظِرْ يَوْمَ الفِرَاقِ
وَأَعِدَّ زَاداً لِلرَّحيلِ ... فَسَوْفَ يُحدَى بِالرِّفَاقِ
وَابكِ الذُّنُوبَ بأدمعٍ ... تَنهَلُّ مِنْ سُحُبِ المآقِي
يَا مَنْ أَضَاعَ زَمَانَهُ ... أَرَضِيْتَ مَا يَفنَى بِباقِ
وَسَأَلته عَنْ مَوْلِده غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيَقُوْلُ: يَكُوْن تَقَرِيْباً فِي سَنَةِ عَشْرٍ، وَسَأَلت أَخَاهُ عُمَر، فَقَالَ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِ مائَةٍ تقريبًا.
وَمِنْ تَوَالِيْفِهِ "التَّيْسِيْر فِي التَّفْسِيْر" مُجَلَّد، "فُنُوْن الأَفنَان فِي علُوْم القُرْآن" مُجَلَّد، "وَرد الأَغصَان فِي معَانِي القُرْآن" مُجَلَّد، "النّبعَة فِي القِرَاءات السَّبْعَة" مُجَلَّد، "الإِشَارَة فِي القِرَاءات المُخْتَارَة" جُزْء، "تذكرَة الْمُنْتَبِه فِي عُيُون الْمُشْتَبه"، "الصّلف فِي المُؤتلف وَالمُخْتَلِف" مُجَلَّدَان، "الخطَأ وَالصَّوَاب مِنْ أَحَادِيْث الشِّهَاب" مُجَلَّد، "الفَوَائِد المنتقَاة" سِتَّة وَخَمْسُوْنَ جُزْءاً، "أُسود الغَابَة فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَة"، "النقاب فِي الأَلقَاب" مُجَيْلِيْد، "المُحْتَسب فِي النَّسَبِ" مُجَلَّد، "المُدَبَّج" مُجَلَّد، "المُسَلْسَلاَت" مجيليد، "أَخَاير الذّخَاير" مُجَلَّد، "المجتَنى" مُجَلَّد، "آفَة المُحَدِّثِيْنَ" جُزْء، "الْمُقْلِق" مُجَلَّد، "سلوَة الْمَحْزُون فِي التَّارِيْخ" مُجَلَّدَان، "الْمجد العضدِي" مُجَلّد، "الفَاخر فِي أَيَّامِ النَّاصِر" مُجَلَّد، "الْمُضِيء بِفضل المُسْتَضِيْء" مجيليد، "الأَعَاصر فِي ذَكَرَ الإِمَام النَّاصِر" مُجَلَّد، "الفَجْر النُّوْرِيّ" مُجَلَّد، "المَجْدُ الصَّلاَحِيُّ" مُجَلَّد، "فَضَائِل الْعَرَب" مُجَلَّد، "كَفّ التَّشبيه بِأَكَفّ أَهْل التنزِيه" مجيليد، "البدَايع الدَّالة عَلَى وَجُوْد الصَّانع" مجيليد، "مُنْتَقَدٌ الْمُعْتَقد" جُزْء، "شَرَف الإِسْلاَمِ" جُزْء، "مَسْبُوك الذّهب فِي الفِقْه" مُجَلَّد، "البلغَة فِي الفِقْه" مُجَلَّد، "التَّلْخِيص فِي الفِقْه" مُجَلَّد، "البَاز الأَشْهَب" مُجَلَّد، "لقطَة العَجْلاَن" مُجَلَّد، "الضّيَا فِي الرد على إلكيا" مجلد، "الجدل" ثلاثة أَجزَاء، "دَرْء الضّيم فِي صَوْم يَوْم الْغَيْم" جُزْء، "المَنَاسِك" جُزْء، "تَحْرِيْم الدُّبُر" جُزْء، "تَحْرِيْم المتعَة" جُزْء، "الْعدة فِي أُصُوْل الفِقْه" جُزْء، "الفَرَائِض" جُزْء، "قيَام الليَل" ثَلاَثَة أَجزَاء، "منَاجزَة الْعُمر" جُزْء، "السّتر الرّفِيع" جُزْء، "ذَمّ الْحَسَد" جُزْء، "ذَمّ الْمُسكر" جُزْء، "ذَكَرَ القصَاص" مُجَلَّد، "الحفاظ" مُجَلَّد، "الآثَار العَلَوِيَّة" مُجَلَّد، "السهُم المصِيْب" جُزْآنِ، "حَال الحلاّج" جُزْآنِ، "عطف الأُمَرَاء عَلَى العُلَمَاء" جُزْآنِ، "فُتُوْح الفُتُوْح" جُزْآنِ، "إِعلاَم الأَحْيَاء بِأَغلاَط الإِحيَاء" جُزْآنِ، "الْحَث عَلَى العِلْم" مُجَلَّد، "المُسْتدرك عَلَى ابْنِ عَقِيْل" جُزْء، "لفتَة الْكبد" جُزْء، "الْحَث عَلَى طلب الوَلَد" جُزْء، "لقط المنَافِع فِي الطِّبّ" مُجَلَّدَان، "طب الشُّيُوْخ" جُزْء، "الْمُرْتَجل فِي الْوَعْظ" مُجَلَّد، "اللطَائِف" مُجَلَّد، "التّحفه" مُجَلَّد، "المَقَامَات" مُجَلَّد، "شَاهِد وَمَشْهُوْد" مُجَلَّد، "الأَرج" مُجَلَّد، "مغَانِي المَعَانِي" مجيليد، "لُقَط الجمَان" جُزْآنِ، "زوَاهر الجَوَاهِر" مجيليد، "المَجَالِس البدرِية" مجيليد، "يَوَاقيت الْخطب" جزآن، "لآلئ الْخطب" جُزْآنِ، "خطبَ الْجمع" ثَلاَثَة أَجزَاء، "الموَاعِظ السُّلْجُوْقِيَّة"، "اللُؤْلُؤة"، "اليَاقُوتَة"، "تَصديقَات رَمَضَان"، "التعَازِي الملوكيَّة"، "روح الرّوح"، "كُنُوز الرّموز". وَقِيْلَ: نَيّفت تَصَانِيْفه عَلَى الثَّلاَثِ مائَةٍ.
وَمِنْ كَلاَمه: مَا اجْتَمَع لامْرِئٍ أَملُهُ، إلَّا وَسَعَى فِي تَفرِيطه أَجَلُهُ.
وَقَالَ عَنْ وَاعِظ: احذرُوا جَاهِل الأَطبَّاء، فَرُبَّمَا سَمَّى سُمّاً، وَلَمْ يَعرف المُسَمَّى.
وَكَانَ فِي المَجْلِسِ رَجُل يُحسن كَلاَمه، وَيُزَهْزِهُ لَهُ، فَسَكَتَ يَوْماً، فَالتفت إِلَيْهِ أَبُو الفَرَجِ، وَقَالَ: هَارُوْنُ لَفْظك معينٌ لِمُوْسَى نطقِي، فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً.
وَقَالَ يَوْماً: أَهْل الكَلاَم يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي السَّمَاءِ رَبّ، وَلاَ فِي المُصْحَف قُرْآن، وَلاَ فِي القَبْرِ نَبِيّ، ثَلاَث عورَات لَكُم.
وَحضر مَجْلِسَه بَعْض المخَالفِيْن، فَأَنْشَدَ عَلَى المِنْبَرِ:
مَا لِلْهوَى العُذْرِيّ فِي ديَارنَا ... أَيْنَ العُذَيْب مِنْ قُصُوْر بَابِلِ
وَقَالَ -وَقَدْ تَوَاجد رَجُل فِي المَجْلِسِ- وَاعجباً، كلّنَا فِي إِنشَاد الضَّالة سَوَاء، فَلِمَ وجدْتَ أَنْتَ وَحْدَكَ:
قَدْ كَتَمْتُ الحبَّ حَتَّى شفَّنِي ... وَإِذَا مَا كُتِمَ الدَّاء قَتَلْ
بَيْنَ عَيْنَيْكَ علاَلاتُ الكَرَى ... فَدَعِ النَّومَ لرَبَّاتِ الحَجَلِ
وَقَدْ سُقْتُ مِنْ أَخْبَارِ الشَّيْخ أَبِي الفَرَجِ كرَّاسَة فِي "تَارِيخ الإِسْلاَم".
وَقَدْ نَالَتْهُ مِحْنَة فِي أَوَاخِرِ عُمُره، وَوَشَوْا بِهِ إِلَى الخَلِيْفَة النَّاصِر عَنْهُ بِأَمر اخْتُلف فِي حَقِيْقته، فَجَاءَ مَنْ شَتَمَه، وَأَهَانه، وَأَخَذَه قبضاً بِاليد، وَختم عَلَى دَاره، وَشتّت عيَاله، ثُمَّ أُقعد فِي سَفِيْنَة إِلَى مدينَة وَاسِط، فَحُبس بِهَا فِي بَيْتٍ حرجٍ، وَبَقِيَ هُوَ يغسل ثَوْبه، ويطبخ الشَّيْء، فَبقِي عَلَى ذَلِكَ خَمْس سِنِيْنَ مَا دَخَلَ فِيْهَا حَمَّاماً. قَامَ عَلَيْهِ الرُّكْن عَبْدُ السَّلاَّم بن عَبْدِ الوَهَّابِ ابْن الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَكَانَ ابْنُ الجَوْزِيِّ لاَ يُنْصِف الشَّيْخَ عبد القادر، وَيَغضّ مِنْ قدره، فَأَبغضه أَوْلاَده، وَوزر صَاحِبهُم ابْنُ القَصَّاب، وَقَدْ كَانَ الرُّكْن رَدِيء الْمُعْتَقد، متفلسفاً، فَأُحرقت كتبه بِإِشَارَة ابْن الجَوْزِيّ، وَأُخِذت مَدْرَسَتهُم، فَأُعْطيت لابْنِ الجَوْزِيّ، فَانسمّ الرُّكْن، وَقَدْ كَانَ ابْن القَصَّاب الوَزِيْر يَترفّض، فَأَتَاهُ الرُّكْن، وَقَالَ: أَيْنَ أَنْتَ عَنِ ابْن الجَوْزِيّ النَّاصِبِيِّ? وَهُوَ أَيْضاً مِنْ أَوْلاَد أَبِي بَكْرٍ، فَصرَّف الرُّكْنَ فِي الشَّيْخ، فَجَاءَ، وَأَهَانه، وَأَخَذَهُ مَعَهُ فِي مركب، وَعَلَى الشَّيْخ غلاَلَةٌ بِلاَ سرَاويل، وَعَلَى رَأْسه تخفِيفَة، وَقَدْ كَانَ نَاظر وَاسِط، شِيْعِيّاً أَيْضاً، فَقَالَ لَهُ الرُّكْن: مكّنِّي مِنْ هَذَا الفَاعِل لأَرمِيه فِي مطمورَة، فَزجره، وَقَالَ: يَا زِنْدِيْق، أَفْعَل هَذَا بِمُجَرَّد قَوْلك? هَاتِ خطّ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ، وَاللهِ لَوْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِي، لبذلت روحِي فِي خِدْمَته، فَردَّ الرُّكْنُ إِلَى بَغْدَادَ. وَكَانَ السَّبَبُ فِي خَلاَص الشَّيْخ أَن وَلده يُوْسُف نشَأَ وَاشْتَغَل، وَعَمِلَ فِي هذَة المُدَّة الْوَعْظ وَهُوَ صَبِيّ، وَتوصّل حَتَّى شفعت أُمُّ الخلِيفة، وَأَطلقت الشَّيْخ، وَأَتَى إِلَيْهِ ابْنه يُوْسُف، فَخَرَجَ، وَمَا ردّ مِنْ وَاسِط حَتَّى قرَأَ هُوَ وَابْنه بِتَلْقِينِهِ بِالعشر عَلَى ابْنُ البَاقِلاَّنِيّ، وَسنّ الشَّيْخ نَحْو الثَّمَانِيْنَ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ الهِمَّة العَالِيَة.
نَقَلَ هَذَا الحَافِظ ابْن نُقْطَةَ عَنِ القَاضِي مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ حَسَنٍ.
قَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ فِي تَأْلِيْف لَهُ: كَانَ ابْن الجَوْزِيّ لطيف الصّورَة، حُلْو الشَّمَائِل، رَخِيم النّغمَة، مَوْزُون الحَرَكَات وَالنّغمَات، لذِيذ المفَاكهة، يَحضر مَجْلِسه مائَة أَلْف أَوْ يَزِيدُوْنَ، لاَ يَضيّع مِنْ زَمَانه شَيْئاً، يَكتب فِي اليَوْمِ أَرْبَع كَرَارِيْس، وَلَهُ فِي كُلِّ علم مشَاركَة، لَكنّه كَانَ فِي التَّفْسِيْر مِنَ الأَعيَان، وَفِي الحَدِيْثِ مِنَ الحُفَّاظِ، وَفِي التَّارِيْخ مِنَ المتوسّعين، وَلَدَيْهِ فَقه كَاف، وَأَمَّا السّجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، وله فِي الطِّبّ كِتَابُ "اللقط" مُجَلَّدَان.
قَالَ: وَكَانَ يُرَاعِي حِفْظ صحّته، وَتلطيف مِزَاجه، وَمَا يُفِيد عَقْله قُوَّة، وَذهنه حدَّة. جلّ غذَائِهِ الفرَارِيج وَالمزَاوير، وَيَعتَاض عَنِ الفَاكهة بِالأَشرِبَة وَالمعجونَات، وَلباسه أَفْضَل لِبَاس: الأَبيض النَّاعم المطيّب، وَلَهُ ذِهْن وَقَّاد، وَجَوَاب حَاضِر، وَمجُوْن وَمدَاعبَة حلوَة، وَلاَ يَنفكّ مِنْ جَارِيَة حسنَاء، قَرَأْت بِخَطِّ مُحَمَّد بن عَبْدِ الجَلِيْلِ الموقَانِيّ أَنَّ ابْنَ الجَوْزِيّ شَرِبَ البَلاَذُر، فَسَقَطت لِحْيته، فَكَانَتْ قصِيْرَة جِدّاً، وَكَانَ يَخضبهَا بِالسَّوَاد إِلَى أَنْ مَاتَ.
قَالَ: وَكَانَ كَثِيْرَ الغَلَطِ فِيمَا يُصنّفه، فَإِنَّهُ كَانَ يَفرغ مِنَ الكِتَاب وَلاَ يَعتبره.
قُلْتُ: هَكَذَا هُوَ لَهُ أَوهَام وَأَلوَان مِنْ ترك المرَاجعَة، وَأَخَذَ العِلْم مِنْ صحف، وَصَنَّفَ شَيْئاً لَوْ عَاشَ عُمراً ثَانِياً، لَمَا لحق أَنْ يُحرّره ويتقنه.
قَالَ سِبْطه: جلس جَدِّي تَحْت تربَة أُمّ الخلِيفة عِنْد مَعْرُوف الكَرْخِيّ، وَكُنْت حَاضِراً، فَأَنْشَدَ أَبيَاتاً، قطع عَلَيْهَا المَجْلِس وَهِيَ:
الله أَسْأَلُ أَنْ يُطَوِّلَ مُدَّتِي ... لأَنَالَ بِالإِنعَامِ مَا فِي نيّتي
لِي همّةٌ فِي العِلْمِ مَا إِنْ مِثْلُهَا ... وَهِيَ الَّتِي جَنَتِ النُّحُوْلَ هِيَ الَّتِي
خُلِقَتْ مِنَ العلْقِ العَظِيْمِ إِلَى المُنَى ... دُعِيَتْ إِلَى نَيْلِ الكَمَالِ فَلبَّتِ
كَمْ كَانَ لِي مِنْ مجلسٍ لَوْ شُبِّهَتْ ... حَالاَتُه لَتَشَبَّهَتْ بِالجَنَّةِ
أَشتَاقُهُ لَمَّا مَضَتْ أَيَّامُهُ ... عُطْلاً وَتُعذَرُ ناقةٌ إِن حَنَّتِ
يَا هَلْ لليلاتٍ بجمعٍ عودةٌ ... أَمْ هَلْ عَلَى وَادِي مِنَىً مِنْ نَظرَةِ
قَدْ كَانَ أَحلَى مِنْ تَصَارِيفِ الصَّبَا ... وَمِنَ الحَمَامِ مُغَنِّياً فِي الأَيكَةِ
فِيْهِ البَدِيْهَاتُ الَّتِي مَا نَالهَا ... خلقٌ بِغَيْرِ مُخَمَّرٍ وَمُبَيَّتِ
فِي أَبيَات.
وَنَزَلَ، فَمَرِضَ خَمْسَة أَيَّام، وَتُوُفِّيَ لَيْلَة الجُمُعَة بَيْنَ العِشَاءيْنِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ فِي دَارِهِ بقَطُفْتَا. وَحكت لِي أُمِّي أَنَّهَا سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ قَبْل مَوْته: أَيش أَعمل بطوَاويس? -يُرَدِّدهَا- قَدْ جبتُم لِي هَذِهِ الطّوَاويس.
وَحضر غسله شَيْخنَا ابْن سُكَيْنَة وَقت السّحر، وَغلّقت الأَسواق، وَجَاءَ الْخلق، وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنه أَبُو القَاسِمِ عليّ اتفَاقاً، لأَنَّ الأَعيَان لَمْ يَقدرُوا مِنَ الوُصُوْل إِلَيْهِ، ثُمَّ ذهبُوا بِهِ إِلَى جَامِع المَنْصُوْر، فَصلُّوا عَلَيْهِ، وَضَاق بِالنَّاسِ، وَكَانَ يَوْماً مَشْهُوْداً، فَلَمْ يَصل إِلَى حفرته بِمَقْبَرَة أَحْمَد إِلَى وَقت صَلاَة الجُمُعَة، وَكَانَ فِي تَمُّوْز، وَأَفطر خلق، وَرَمَوا نُفُوْسهُم فِي المَاء. إِلَى أَنْ قَالَ: وَمَا وَصل إِلَى حفرته مِنَ الْكَفَن إلَّا قَلِيْل، -كَذَا قَالَ- وَالعهدَة عَلَيْهِ، وَأُنْزِل فِي الحُفْرَة، وَالمُؤَذِّن يَقُوْلُ الله أَكْبَر، وَحزن عَلَيْهِ الخلق، وَبَاتُوا عِنْد قَبْره طول شَهْر رَمَضَان يَخْتِمُوْنَ الختمَات، بِالشّمع وَالقَنَادِيْل، وَرَآهُ فِي تِلْكَ الليَلة المُحَدِّث أَحْمَد بن سَلْمَانَ السُّكَّرُ فِي النَّوْمِ، وَهُوَ عَلَى مِنْبَر مَنْ يَاقُوْت، وَهُوَ جَالِس فِي مَقْعَد صدق وَالمَلاَئِكَة بَيْنَ يَدَيْهِ. وَأَصْبَحنَا يَوْم السَّبْت عَملنَا العزَاء، وَتَكلّمت فِيْهِ، وَحضر خلق عَظِيْم، وَعملت فِيْهِ المرَاثِي، وَمِنَ العَجَائِب أَنَا كُنَّا بَعْد انْقَضَاء العزَاء يَوْم السَّبْت عِنْد قَبْره، وَإِذَا بِخَالِي مُحْيِي الدِّيْنِ قَدْ صعد مِنَ الشّطّ، وَخلفه تَابوت، فَقُلْنَا: نَرَى مَنْ مَاتَ، وَإِذَا بِهَا خَاتُوْن أُمّ مُحْيِي الدِّيْنِ، وَعهدِي بِهَا لَيْلَة وَفَاة جَدِّي فِي عَافِيَة، فَعد النَّاس هَذَا مِنْ كرامَاته، لأَنَّه كَانَ مغرَىً بِهَا. وَأَوْصَى جدّه أَنْ يُكتب عَلَى قَبْرَه:
يَا كَثِيْرَ العَفْوِ عَمَّنْ ... كَثُرَ الذَّنْبُ لَدَيْهِ
جَاءكَ المُذْنِبُ يَرْجُو ال ... صَّفْحَ عَنْ جُرْمِ يَدَيْهِ
أَنَا ضيفٌ وَجزَاءُ ال ... ضَّيْفِ إحسانٌ إِلَيْهِ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحَافِظِ بنُ بَدْرَانَ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا أَبُو الفَرَجِ عبد الرحمن بن عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ البُرْقَانِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ الوَزَّان، حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الأَزْدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن المَدِيْنِيّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّداً الوَسِيْلَةَ وَالفَضِيْلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَاماً مَحْمُوْداً الَّذِي وعدته، حلت له الشفاعة" .
وأنبأناه عاليًا بدَرَجَات عَبْد الرَّحْمَانِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ الهَيْثَمِ البَلَدِيّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ مِثْله، لَكِن زَادَ فِيْهِ: "إلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ" فَكَأنَّ شَيْخِي سَمِعَهُ مِنْ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيْمَ الإِسْمَاعِيْلِيّ الفَقِيْه.
وَكَتَبَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بنُ طَرْخَان، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّق الدِّيْنِ، قَالَ: ابْنُ الجَوْزِيِّ إِمَام أَهْل عصره فِي الْوَعْظ، وَصَنَّفَ فِي فُنُوْن العِلْم تَصَانِيْف حَسَنَة، وَكَانَ صَاحِبَ فُنُوْن، كَانَ يَصَنّف فِي الفِقْه، وَيدرّس، وَكَانَ حَافِظاً لِلْحَدِيْثِ، إلَّا أَننَا لَمْ نَرض تَصَانِيْفه فِي السُّنَّةِ، وَلاَ طرِيقته فِيْهَا، وَكَانَتِ العَامَّة يُعظّمونه، وَكَانَتْ تَنْفلتُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَوقَات كَلِمَات تُنكر عَلَيْهِ فِي السُّنَّةِ، فَيُستفتَى عَلَيْهِ فِيْهَا، ويضيق صدره من أجلها.
وَقَالَ الحَافِظُ سَيْف الدِّيْنِ ابْن المَجْدِ: هُوَ كَثِيْر الوَهْمِ جِدّاً، فَإِنَّ فِي مَشْيَخته مَعَ صغرهَا أَوْهَاماً: قَالَ فِي حَدِيْث: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى، عَنِ الفَضْلِ بنِ هِشَامٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ الفَضْلِ بنِ مُسَاوِر، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ. وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ عَبْدِ الله بن منير، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَار، وَبَينَهُمَا أَبُو النَّضْرِ، فَأَسقطه. وَقَالَ فِي حَدِيْث: أَخْبَرَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَم، وَإِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ. وَقَالَ فِي آخَرَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ عَنِ الأُوَيْسِيّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ سَعْدٍ، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ فِي آخَرَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَّثَنَا حَاتِم. وَفِي آخَرَ: حَدَّثَنَا أَبُو الفَتْحِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ العُشَارِيّ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو طَالِبٍ. وَقَالَ: حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ، عَنْ عَفَّانَ بن كَاهِلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ هِصَّان بن كَاهِلٍ. وَقَالَ: أَخْرَجَهُ البُخَارِيّ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَإِنَّمَا هُوَ آدَم. وَفِي وَفَاةِ يَحْيَى بن ثَابِتٍ، وَابْن خُضَيْرٍ، وَابْن المُقَرّبِ ذكر مَا خُولِفَ فِيْهِ.
قُلْتُ: هذَة عُيُوب وَحشَة في جزئين.
قَالَ السَّيْف: سَمِعْتُ ابْنَ نُقْطَةَ يَقُوْلُ: قِيْلَ لابْنِ الأَخْضَرِ: إلَّا تُجيب عَنْ بَعْض أَوهَام ابْن الجَوْزِيّ? قَالَ: إِنَّمَا يُتَتَبَّع عَلَى مَنْ قل غلطه، فأما هذا، فأوهامه كثيرة.
ثُمَّ قَالَ السَّيْفُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُعتَمَدُ عَلَيْهِ فِي دِيْنِهِ وَعِلْمِهِ وَعَقْلِهِ رَاضياً عَنْهُ.
قُلْتُ: إِذَا -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَلاَ اعْتِبَار بِهِم.
قَالَ: وَقَالَ جَدِّي: كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ ابْنُ حَمْدِيٍّ يُنكر عَلَى أَبِي الفَرَجِ كَثِيْراً كَلِمَات يُخَالِف فِيْهَا السُّنَّة.
قَالَ السَّيْف: وَعَاتَبَه أبو الفتح بن المَنِّيِّ فِي أَشيَاء، وَلَمَّا بَان تَخْلِيطه أَخيراً، رَجَعَ عَنْهُ أَعيَان أَصْحَابنَا وَأَصْحَابه.
وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ العَلْثِيّ يُكَاتِبهُ، وَيُنْكِر عَلَيْهِ.
أَنْبَأَنِي أَبُو مَعْتُوْقٍ مَحْفُوْظ بن مَعْتُوْق ابْن البُزُوْرِيّ فِي "تَارِيْخِهِ" فِي تَرْجَمَة ابْن الجَوْزِيّ يَقُوْلُ: فَأَصْبَح في مذهبه إمامًا يُشَار إِلَيْهِ، وَيَعقد الخنصرُ فِي وَقْتِهِ عَلَيْهِ، درّس بِمَدْرَسَة ابْن الشّمحل، وَبمَدْرَسَة الجهَة بَنَفْشَا، وَبمَدْرَسَة الشَّيْخ عَبْد القَادِرِ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مدرسَة بدرب دينار، ووقف عَلَيْهَا كتبه، بَرَعَ فِي العلُوْم، وَتَفَرَّد بِالمَنْثُوْر وَالمنظوم، وَفَاق عَلَى أُدبَاء مصره، وَعلاَ عَلَى فُضلاَء عصره، تَصَانِيْفه تَزِيد عَلَى ثَلاَث مائَة وَأَرْبَعِيْنَ مُصَنّفاً مَا بَيْنَ عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً إِلَى كرَّاس، وَمَا أَظَنّ الزَّمَان يَسمح بِمِثْلِهِ، وَلَهُ كِتَاب "الْمُنْتَظِم"، وَكِتَابُنَا ذَيْلٌ عَلَيْهِ.
قَالَ سِبْطه أَبُو المُظَفَّرِ: خَلَّفَ مِنَ الوَلَدِ عَلِيّاً، وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ مُصَنَّفَات وَالِده، وَبَاعهَا بيع العبيد، وَلِمَنْ يَزِيْد، وَلَمَّا أُحْدِر وَالِده إِلَى وَاسِط، تَحَيّل عَلَى الكُتُب بِاللَّيْلِ، وَأَخَذَ مِنْهَا مَا أَرَادَ، وَبَاعهَا وَلاَ بِثمن المدَاد، وَكَانَ أَبُوْهُ قَدْ هَجره مُنْذُ سِنِيْنَ، فَلَمَّا امْتحن، صَارَ أَلَباً عَلَيْهِ. وَخلّف يُوْسُف مُحْيِي الدِّيْنِ، فَولِي حسبَة بَغْدَاد فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَترسّل عَنِ الخُلَفَاء إِلَى أَنْ وَلِي فِي سَنَةِ أَرْبَعِيْنَ أُسْتَاذ دَارِية الخِلاَفَة. وَكَانَ لجدِّي وَلد أَكْبَرُ أَوْلاَده اسْمه عَبْد العَزِيْزِ، سَمَّعَهُ مِنَ الأُرْمَوِيّ وَابْن نَاصِر، ثُمَّ سَافر إِلَى المَوْصِل، فَوَعَظ بِهَا، وَبِهَا مَاتَ شَابّاً، وَكَانَ لَهُ بنَات: رَابِعَةُ أُمِّي، وَشَرَف النِّسَاءِ، وَزَيْنَب، وَجَوْهَرَة، وَسِتّ العُلَمَاءِ الصّغِيرَة.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج: علامة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف. مولده ووفاته ببغداد، ونسبته إلى (مشرعة الجوز) من محالها. له نحو ثلاث مئة مصنف، منها (تلقيح فهوم أهل الآثار، في مختصرالسير والأخبار-ط) قطعة منه، و (الأذكياء وأخبارهم - ط) و (مناقب عمر بن عبد العزيز - ط) و (روح الأرواح - ط) و (شذور العقود في تاريخ العهود - خ) و (المدهش - ط) في المواعظ وغرائب الأخبار، و (المقيم المقعد - خ) في دقائق العربية، و (صولة العقل على الهوى - خ) في الأخلاق، و (الناسخ والمنسوخ - خ) حديث، و (تلبيس إبليس - ط) و (فنون الأفنان في عيون علوم القرآن - ط) و (لقط المنافع - خ) في الطب والفراسة عند العرب، و (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم - ط) ستة أجزاء منه، واختصره فسماه (مختصر المنتظم - خ) و (الذهب المسبوك في سير الملوك - خ) و (عجائب البدائع - خ) وكتاب (الحمقى والمغفلين - ط) و (ألوفا في فضائل المصطفى - ط) في جزأين، و (مناقب عمر بن الخطاب - ط) و (مناقب أحمد بن حنبل - ط) و (صيد الخاطر - ط) آراء وسوانح، و (الياقوتة - ط) وعظ، و (المختار من أخبار المختار - خ) و (مثير عزم الساكن إلى أشرف الأماكن - خ) في تاريخ مكة والمدينة، و (المجتبى من المجتنى - خ) جزء في أنواع العلوم، و (مناقب بغداد - ط) رسالة، وكتاب (الضعفاء والمتروكين - خ) في رجال الحديث، و (المنظوم والمنثور في مجالس الصدور - خ) في خزانة الرباط (90 أوقاف) وهو 77 مجلسا، أوله الحمد للَّه حمد الشاكرين، بخط مغربي. و (المنهل العذب - أو الموارد العذاب - خ) في الوعظ، بخط الجراعي نسخة جيدة في الرباط (122 أوقاف) ونسخة أخرى في الرباط (23 كتاني) و (غريب الحديث - خ) ستة أجزاء في مجلد متقن مصون، بخطه سنة 581 في الرباط (140 أوقاف) و (تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهى) ويقال له (التبصرة - خ) الأول والثاني والثالث منه، في خزانة الرباط (307 أوقاف) و (ريّ الظماء فيمن قال شعرا من الإماء - خ) عند حماد بو عياد، بفاس، و (بحر الدموع - خ) في الوعظ، في الرباط (2522 كتاني) و (المنعش - خ) اقتنيته، في جزء لطيف، و (المصفى باكفّ أهل الرسوخ في الناسخ والمنسوخ - خ) في القرآن. منه نسخة في الظاهرية بدمشق، و (نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر - خ) تفسير، و (الحدائق لأهل الحقائق - خ) ثلاث مجلدات، مواعظ، و (المنتخب في النوب - خ) و (المقامات - خ) و (أسماء الضعفاء والواضعين - خ) في رجال الحديث، و (فضائل القدس - خ) و (تبصرة الأخيار - خ) في نيل مصر وأنهارها، و (تقويم اللسان - ط) و (جامع المسانيد والألقاب - خ) خمس مجلدات، و (الموضوعات في الأحاديث المرفوعات - خ) الثالث منه وهو الأخير، في الرباط (33 ق) كتب سنة 600، و (زاد المسير في علم التفسير - ط) و (نتيجة الإحياء - خ) اختصر به إحياء علوم الدين، و (شرح مشكل الصحيحين - خ) و (دفع شبهة التشبيه والرد على المجسمة - ط) و (التحقيق - خ) في أحاديث الخلاف. ورأيت في خزانة الرباط (589 د) مخطوطة مشرقية جيدة من كتاب (المرافق الموافق من كلام عبد الرحمن بن على الجوزي - خ) كتبت سنة 733 .
-الاعلام للزركلي-
عبد الرحمن بن علي بن محمد ، الجوزي القرشي البغدادي ، أبي الفرج ، الإمام الحافظ المفسر ، علامة عصره في التاريخ والحديث ، شيخ الإسلام مفخر العراق ، ولد سنة : 508 ه ، سمع من : أبي القاسم بن الحصين ، وأبي غالب ابن البناء ، وغيرهما ، وحدث عنه : ابنه محيي الدين يوسف ، وموفق الدين ابن قدامة ، وغيرهما ، له من المصنفات : الأذكياء وأخبارهم ، ومناقب الامام أحمد بن حنبل ، وغيرهما . توفي سنة : 597هـ . ينظر : وفيات الأعيان : 1/279 ، والبداية والنهاية : 13/28 ، والتبيان للنووي : 1/227 ، وسير أعلام النبلاء للذهبي : 15/455
عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله ابْن عبد الله بن حَمَّاد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن عبد الله بن الْقَاسِم ابْن النَّضر بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن أبي بكر الصّديق الْقرشِي الْبكْرِيّ الْحَافِظ الْفَقِيه الْمُفَسّر الْوَاعِظ الأديب جمال الدّين أبي الْفرج بن الْجَوْزِيّ شيخ وقته وَإِمَام عصره
وَاخْتلف فِي هَذِه النِّسْبَة فَقيل إِن جده جَعْفَر نسب إِلَى فرضة من فرض الْبَصْرَة يُقَال لَهَا جوزة وفرضة النَّهر ثلمته الَّتِي يستقى مِنْهَا وَقيل هُوَ نِسْبَة إِلَى مَوضِع يُقَال لَهُ فرضة الْجَوْز وَقيل هُوَ نِسْبَة إِلَى محلّة بِالْبَصْرَةِ تسمى محلّة الْجَوْز وَقيل كَانَ فِي دَاره بواسط جوزة لم يكن بهَا جوزة سواهَا
سمع من أبي الْفضل ابْن نَاصِر واعتنى بِهِ وأسمعه الحَدِيث وَقَرَأَ بالروايات فِي كبره بواسط على ابْن الباقلاني وَسمع بِنَفسِهِ الْكثير واعتنى بِالطَّلَبِ قَالَ فِي أول مشيخته حَملَنِي شَيخنَا ابْن نَاصِر إِلَى الْأَشْيَاخ فِي الصغر وأسمعني العوالي وَأثبت سماعاتي كلهَا بِخَطِّهِ أَخذ لي إجازات مِنْهُم فَلَمَّا فهمت الطّلب ألازم من الشُّيُوخ أعلمهم وأوثر من أَرْبَاب النَّقْل أفهمهم فَكَانَت مهمتي تجويد الْعدَد لَا تَكْثِير الْعدَد وَلما رَأَيْت من أَصْحَابِي من يُؤثر الإطلاع على كبار مشايخي ذكرت عَن كل وَاحِد مِنْهُم حَدِيثا
ثمَّ ذكر فِيهَا أَن لَهُ سَبْعَة وَثَمَانِينَ شَيخا سمع الْكتب الْكِبَار كالمسند وجامع التِّرْمِذِيّ وتاريخ الْخَطِيب وَله فِيهِ فَوَات جُزْء وَسمع صَحِيح البُخَارِيّ على أبي الْوَقْت وصحيح مُسلم بنزول وَمَا لَا يُحْصى من الْأَجْزَاء من تصانيف ابْن أبي الدُّنْيَا وَغَيره وَوعظ وَهُوَ صَغِير وَصَحب أَبَا بكر ابْن الزَّاغُونِيّ ولازمه وعلق عَنهُ الْفِقْه والوعظ وَذكر القادسي أَنه تفقه على أبي حَكِيم وَأبي يعلى ابْن الْفراء وَأبي بكر الدينَوَرِي
ثمَّ اشْتهر أمره فِي ذَلِك الْوَقْت وَأخذ فِي التصنيف وَالْجمع وَنظر فِي جَمِيع الْفُنُون وَألف فِيهَا وَكَانَ من القائمين على أهل الْبدع وَنَدم من يُخَالف أَحْمد وَأَصْحَابه وَقَالَ يَوْمًا على الْمِنْبَر أهل الْبدع يَقُولُونَ مَا فِي السَّمَاء أحد وَلَا فِي الْمُصحف قُرْآن وَلَا فِي الْقَبْر نَبِي (ثَلَاث عورات لكم) وَقَالَ لَهُ قَائِل مَا فِيك عيب إِلَّا أَنَّك حنبلى فأنشده
(وعيرني الواشون أَنِّي أحبها ... وَتلك شكاة ظَاهر عَنْك عارها) ثمَّ قَالَ هَذَا عيبي وَلَا عيب فِي وَجه نقط صحنه بالخال وأنشده
(وَلَا عيب فيهم غير أَن سيوفهم ... بِهن فلول من قراع الْكَتَائِب) وَكتب إِلَيْهِ رجل فِي رقْعَة وَالله مَا أَسْتَطِيع أَن أَرَاك فَقَالَ أعمش وشمس كَيفَ يَرَاهَا وَكَانَ أستاذ الأستاذين فِي الْوَعْظ قَالَ وَتقدم إِلَى بِالْجُلُوسِ تَحت المنظرة فِي رجل فتكلمت يَوْم خَامِس رَجَب بعد الْعَصْر وَحضر السُّلْطَان وَأخذ النَّاس أماكنهم من بعد صَلَاة الْفجْر واكتريت دكاكين فَكَانَ مَوضِع كل رجل بقيراط حَتَّى أَنه اكترى دكان لثمانية عشر رجلا بِثمَانِيَة عشر قيراطا ثمَّ جَاءَ رجل فَأَعْطَاهُمْ سِتَّة قراريط حَتَّى جلس مَعَهم وَكَانَ النَّاس يقفون يَوْم مجلسي كَأَنَّهُ الْعِيد وَقَالَ تَكَلَّمت فِي جَامع الْمَنْصُور فَبَاتَ فِي ليلته فِي الْجَامِع خلق كثير وختمت الختمات
وَاجْتمعَ النَّاس بكرَة فحزر الْجمع مائَة ألف وَتَابَ خلق كثير وَقطعت شُعُورهمْ ثمَّ نزلت فمضيت إِلَى قبر أَحْمد فَتَبِعَنِي خلق كثير حزروا بِخَمْسَة آلَاف
قَالَ وَبنى للشَّيْخ أبي الْفَتْح ابْن المنى دكة فِي مَوضِع جُلُوسه فِي الْجَامِع فتأثر أهل الْمذَاهب من ذَلِك وَجعلُوا يَقُولُونَ هَذَا بسببك فَإِنَّهُ مَا ارْتَفع هَذَا الْمَذْهَب عِنْد السُّلْطَان حَتَّى مَال إِلَى الْحَنَابِلَة إِلَّا بِسَمَاع كلامك فَشَكَرت الله على ذَلِك
وَقد تكلم فِيهِ بعض أَصْحَابنَا قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين كَانَ ابْن الْجَوْزِيّ إِمَام عصره فِي الْوَعْظ وصنف فِي فنون الْعلم تصانيف حَسَنَة وَكَانَ صَاحب فنون وَكَانَ يدرس الْفِقْه ويصنف فِيهِ وَكَانَ حَافِظًا للْحَدِيث وصنف فِيهِ إِلَّا أننا لم نرض تصانيفه فِي السّنة وَلَا طَرِيقَته فِيهَا انْتهى وَكَانَ لَهُ قُوَّة فِي التَّأْلِيف وَكَلَامه فِي غَايَة الْحسن قَالَ يَوْمًا فِي مناجاته إلهي لَا تعذب لِسَانا يخبر عَنْك وَلَا عينا تنظر إِلَى عُلُوم تدل عَلَيْك وَلَا قدما تمشي إِلَى خدمتك وَلَا يدا تكْتب حَدِيث رَسُولك فبعزتك لَا تدخلني النَّار فقد علم أَهلهَا أَنى كنت أذب عَن دينك وَقَرَأَ عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم طَلْحَة العلثى وأبي عبد الله ابْن تَيْمِية خطيب حران وَسمع عَلَيْهِ خلق كثير وروى عَنهُ أَئِمَّة مِنْهُم الصاحب محيى الدّين وسبطه أبي المظفر وَالشَّيْخ موفق الدّين والحافظ عبد الْغنى والنجيب عبد اللَّطِيف الْحَرَّانِي وَهُوَ خَاتِمَة أَصْحَابه بِالسَّمَاعِ
وروى عَنهُ آخَرُونَ بِالْإِجَازَةِ آخِرهم الْفَخر ابْن البُخَارِيّ وَقد نالته محنة فِي آخر عمره يطول شرحها مَاتَ سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَأوصى أَن يكْتب على قَبره
(يَا كثير الْعَفو عَمَّن ... كثر الذَّنب لَدَيْهِ)
(جَاءَك المذنب يَرْجُو الصفح ... عَن جرم يَدَيْهِ)
(أَنا ضيف وَجَزَاء الضَّيْف ... إِحْسَان إِلَيْهِ) ثمَّ توفيت أم وَلَده محيى الدّين وَكَانَت يَوْم الْجُمُعَة طيبَة لَيْسَ بهَا مرض وَكَانَ بَينهمَا يَوْم وَلَيْلَة وعد النَّاس ذَلِك من كراماته
المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.
أبو الفرج، عبدُ الرحمن بنُ أبي الحسن، عليِّ (ابن الجوزي: عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (508 - 597 هـ - 1114 - 1201 م) ) بنِ محمد بن علي بن عبد الله، من بني محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - القرشيُّ التيميُّ البكريُّ البغداديُّ، الفقيه الحنبليُّ الواعظ، الملقبُّ: جمال الدين الحافظ.
كان علامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون عديدة، وله في الحديث تصانيفٌ كثيرة.
وله "الموضوعات" في أربعة أجزاء، ذكر فيها كل حديث موضوع.
وبالجملة: كتبُه أكثرُ من أن تعد، وكتب بخطه شيئًا كثيرًا، والناس يغالون في ذلك حتى يقولون: إنه جمعت الكراريس التي كتبها، وحسبت مدة عمره، وقسمت الكراريس على المدة، فكان ما خص كل يوم تسع كراريس، وهذا شيء لا يكاد يقبله العقل، ويقال: إنه جمعت براية أقلامه التي كتب بها حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فحصل منها شيء كثير، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته، ففعل ذلك، فكفت، وفضل منها، وله أشعار كثيرة.
وكانت له في مجلس الوعظ أجوبة نادرة، فمن أحسن ما يحكى عنه: أنه وقع النزاع ببغداد بين أهل السنة والشيعة في المفاضلة بين أبي بكر وعلي - رضي الله عنهما -، فرضي الكل بما يجيب به الشيخ أبو الفرج، فأقاموا شخصًا سأله عن ذلك، وهو على الكرسي في مجلس وعظه، فقال: أفضلُهما من كانت ابنتُه تحتَه، ونزل في الحال حتى لا يراجع في ذلك.
فقال السنية: هو أبو بكر؛ لأن ابنته عائشة تحت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقالت الشيعة: هو علي بن أبي طالب؛ لأن فاطمة بنتَ رسول الله تحته.
وهذه من لطائف الأجوبة، ولو حصل بعد الفكر التام وإمعان النظر، كان في غاية الحسن، فضلًا عن البديهة، وله محاسن كثيرة يطول شرحها.
كانت ولادته بطريق التقريب سنة 508، أو سنة 510.
وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر رمضان سنة 597 ببغداد، ودفن بباب حرب.
والجوزي: نسبة إلى فرضة الجوز، وهو موضع مشهور.
وفي "طبقات ابن رجب": الحافظُ المفسرُ الفقيهُ الواعظ الأديب، شيخُ وقته وإمام عصره، ابن الجوزي، اختُلف في هذه النسبة، وفي سنة مولده وذكرها، وقال: لما ترعرع حملته أمه إلى مسجد الحافظ ابن ناصر، فاعتنى به، وأُسمع الحديث، وحفظ القرآن، وقرأه على جماعة من أئمة القراء، وسمع بنفسه الكثير، وعني بالطلب.
قال ابن الجوزي: كنت ألازم من الشيوخ أعلمَهم، وأوثر من أرباب النقل أفهمَهم، فكانت همتي تجويد العدد، لا تكثير العدد، انتهى.
قال ابن رجب: ووعظ وهو صغير جدًا، وأخذ في التصنيف والجمع، ونظر في جميع الفنون، وألف فيها، وكان أكثر علومه يستفيدها من الكتب، وعظم شأنه في ولاية الوزير ابن هبيرة، وكان يتكلم عنده في داره كل جمعة، قال: فتكلمت، وكان يحزر جمع مجلسي على الدوام بعشرة آلاف، أو خمسة عشر ألفًا، قال: وظهر أقوام يتكلمون بالبدع ويتعصبون، فأعانني الله سبحانه عليهم، وكانت كلمتنا هي العليا.
قال ابن رجب: وكان الشيخ يُظهر في مجالسه مدحَ السنة، والإمام أحمد وأصحابه، ويذمُّ من خالفهم، قال يومًا على المنبر: أهلُ البدع تقول: ما في السماء أحد، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، ثلاث عورات لكم.
وقيل له مرة: قَلِّلْ من ذكر أهل البدع مخافة الفتن، فأنشد، شعر:
أَتوبُ إليك يا رحمنُ مِمَّا ... جنيتُ فقد تعاظَمَتِ الذنوبُ
وأما مِنْ هَوى ليلى وتركي ... زيارَتَها فإني لا أتوبُ
وقال له قائل: ما فيك عيب إلا أنك حنبلي، فأنشد:
وعَيَّرَني الواشونَ أني أُحبُّها ... وتلكَ شكاةٌ ظاهر عنك عارُها
ثم قال: هذا عيبي، ولا عيبَ في وجه نقط صفحته بالخال، وأنشد:
ولا عيبَ فيهم غيرَ أن سيوفَهم ... بِهِنَّ فُلولٌ من قِراعِ الكتائبِ
وكتب إليه رجل في رقعة: والله ما أستطيع أراك، فقال: أعمش وشمس! كيف يراها؟! ثم قال: إذا خلوتُ في البيت، غرستُ الدر في أرض القراطيس، وإذا جلست للناس، دفعت بدرياق العلم سموم الهوى، أحميكم عن طعام البدع، وتأبون إلا التخليط، والطبيب مبغوض.
قال: وانتهى تفسيري للقرآن في المجلس على المنبر إلى أن تم، فسجدت على المنبر سجدة الشكر، وقلت: ما عرفت أن واعظًا فسر القرآن كله في مجلس الوعظ منذ نزل القرآن، ثم ابتدأت يومئذ في ختمة، أفسرها على الترتيب، واللَّه قادر على الإنعام والإتمام، والزيادة من فضله.
وكانت الخلفاء والسلاطين يحضرون مجالس وعظي، وأما سائر الناس، فلا تسأل عنهم؛ فقد حُزر الجمع بمئة ألف وزيادة، وتاب خلق كثير، قال: وتقدم الخليفة بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد، وفي رأسه مكتوب: هذا قبر تاج السنة، وحيد الأمة، العالي الهمة، العالم العابد، الفقيه الزاهد، الورع المجاهد، العاملِ بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وبنى للشيخ أبي الفتح بن المنِّي دكة في موضع جلوسه في الجامع، فتأثر أهل المذاهب من ذلك، وجعل الناس يقولون لي: هذا بسببك - فإنه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان - حتى مال إلى الحنابلة - إلا بسماع كلامك، فشكرت الله على ذلك.
قال: وقد تاب على يدي أكثر من مئة ألف، وصار لي اليوم مئة وخمسون مصنفًا، ولم ير واعظ مثل جمعي، فقد حضر مجلسي: الخليفة، والوزير، وصاحب المخزن، وكبار العلماء، والحمد لله على نعمه. وسمع المستضيء بالله ابنَ الجوزي ينشد تحت داره شعر:
ستنقلُك المنايا عن ديارِكْ ... ويُبدِلُك الردى دارًا بدارِكْ
وتتركُ ما عُنيت به زمانًا ... وتُنقل من غناك إلى افتقارِكْ
فدودُ القبرِ في عينيك يرعى ... وترعى عينُ غيرِك في ديارِك
فجعل أمير المؤمنين يمضي في قصره، ويقول: أي والله! "وترعى عين غيرك في ديارك"، ويكررها، ويبكي حتى الليل. وحاصل الأمر: أن مجالسه الوعظية لم يكن لها نظير، ولم يسمع بمثلها، وكانت عظيمة النفع، يتذكر بها الغافلون، ويتعلم منها الجاهلون، ويتوب فيها المذنبون، ويسلم فيها المشركون، ويتسنن فيها المبتدعون.
قال ابن الجوزي: ولا يكاد يُذكر لي حديث إلا ويمكنني أن أقول: صحيح، أو حسن، أو محال.
قال سبطُه أبو المظفر: أقلُّ ما كان يحضر مجلسه عشرُة آلاف، وربما حضر عنده مئة ألف، وسمعته يقول على المنبر في آخر عمره: كتبت بإصبعيَّ هاتين ألفي مجلدة، وتاب على يدي مئة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألف يهودي ونصراني.
قال: وكان يختم القرآن في كل سبعة أيام، وما مازح أحدًا قط، ولا لعب مع صبي، ولا أكل من جهة لا يتبين حلها، وما زال على ذلك الأسلوب حتى توفاه الله تعالى.
وقال الإمام ناصح الدين بن الحنبلي: اجتمع فيه من العلوم ما لم يجتمع في غيره، وكانت مجالسه الوعظية جامعة للحسن والإحسان باجتماع طراق بغداد وانضياف الناس، وحسن الكلمات المسجعة، والمعاني المودعة، والألفاظ الرابحة، وقراءة القرآن بالأصوات المرجعة، والنغمات المطربة، وصيحات الواجدين، ودمعات الخاشعين، وإنابة النادمين، وذل التائبين، والإحسان بما يفاض على المستمعين من رحمة أرحم الراحمين.
ولا سافر إلا إلى مكة، ولقد كان جمالًا لأهل بغداد خاصة، وللمسلمين عامة، ولمذهب أحمد منه ما لحضرة القدس من القدس.
قال ابن الدبيثي في "ذيله على تاريخ ابن السمعاني": إليه انتهت معرفة الحديث وعلومه، والوقوف على صحيحه من سقيمه، وله من المسانيد والأبواب والرجال ومعرفة ما يحتج به في أبواب الأحكام والفقه، وما لا يحتج به من الأحاديث الواهية والموضوعة والانقطاع والاتصال، وله في الوعظ العبارة الرائقة، والإشارة الفائقة، والمعاني الدقيقة، والاستعارة الرشيقة، وكان من أحسن الناس كلامًا، وأتمهم نظامًا، وأعذبهم لسانًا، وأجودهم بيانًا، وبورك له في عمره وعلمه، فروى الكثير، وسمع منه الناس أكثر من أربعين سنة، وحدث بمصنفاته مرارًا.
وقال الموفق عبد اللطيف: كان ابن الجوزي لطيفَ الصوت، حلوَ الشمائل، رخيمَ النغمة، موزون الحركات والنغمات، لذيذ المفاكهة، يحضر مجلسه مئة ألف أو يزيدون، لا يضيع من زمانه شيئًا، يكتب في اليوم أربعة كراريس، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدًا إلى ستين، وله في كل علم مشاركة، لكنه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفاظ، وفي التاريخ من المتوسعين، ولديه فقه كافٍ، وأما السجع الوعظي، فله فيه ملكة قوية، إن ارتجل أجاد، وإن روى أبدع.
وله في الطب كتاب "اللقط"، وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوة، وذهنه حدة، جل غذاءه الفراريخ والمزاوير، ويعتاض عن الفاكهة بالأشربة والمعجونات، ولباسه أفضل لباس: الأبيض الناعم المطيب.
ونشأ يتيمًا على العفاف والصلاح، وله ذهن وَقَّاد، وجوابٌ حاضر، ومجون لطيف، ومداعبات حلوة لا ينفك من جارية حسناء.
وذكر غير واحد أنه شرب حب البلادر، فسقطت لحيته، فكانت قصيرة جدًا، وكان يخضبها بالسواد، وصنف في جواز الخضاب بالسواد مجلدًا.
وذكره ابن البزوري في "تاريخه"، وأطنب في وصفه، فقال: أصبح في مذهبه إمامًا يشار إليه، ويعقد الخنصر في وقته عليه، بنى لنفسه مدرسة، ووقف عليها كتبه، برع في العلوم، وتفرد بالمنثور والمنظوم، وفاق على أدباء عصره، وعلا على فضلاء دهره.
له التصانيف العديدة، سئل عن عددها، فقال: زيادة على ثلاث مئة وأربعين مصنفًا، منها ما هو عشرون مجلدًا، ومنها ما هو كراس واحد، ولم يترك فنًا من الفنون إلا وله فيه مصنف، كان واحدَ زمانه، وما أظنُّ الزمان يسمح بمثله، وكان إذا وعظ، اختلس القلوب، وشقق النفوس دونَ الجيوب.
وذكره العماد الكاتب في "الخريدة"، وابن خلكان، والحموي، وابن النجار، وأبو شامة، وغيرهم، وأثنوا عليه، مع أن اشتهاره بالعلوم والفضائل يغني عن الإطناب في ذكره، والإسهاب في أمره، فقد بلغ ذكرُه مبلغَ الليل والنهار، وسارت بتصانيفه الركبانُ إلى أقطار الأرض.
وقال ابن النجار: له حظ من الأذواق الصحيحة، ونصيب من شرب حلاوة المناجاة.
وقد ذكر ابن القادسي: أنه كان يقوم الليل، ولا يكاد يفتر عن ذكر الله، ورأى ربَّ العزة في منامه ثلاث مرات، ومع هذا، فللناس فيه - رحمه الله - كلام من وجوه: منها: كثرة أغلاطه في تصانيفه، وعذرُه في هذا واضح، وهو أنه مكثر من التصانيف؛ فيصنف الكتاب ولا يعتبره، بل يشتغل بغيره، ولولا ذلك، لم تجتمع له هذه المصنفات الكثيرة، ومع هذا، فكان تصنيفه في فنون من العلوم بمنزلة الاختصار من كتب في تلك العلوم.
ولهذا نقل عنه أنه قال: أنا مرتِّب، ولست بمصنِّف، ومنها: ما يوجد في كلامه من التأوه والترفع والتعاظم وكثرة الدعاوى، ولا ريب أنه كان عنده من ذلك طرف، والله يسامحه، ومنها: ميله إلى التأويل في بعض كلامه، واشتد نكيرهم عليه في ذلك.
وأثنى عليه الشيخ موفق الدين المقدسي، وقال: كان حافظًا للسنة، إلا أننا لم نرض تصانيفه ولا طريقته.
وكان شيخه ابن ناصر يثني عليه كثيرًا، وقال: نفعه الله بعلمه ونفع به، وبلغه لغاية العمر لينفعَ المسلمين، وينصر السنَّة وأهلَها، ويدحض البدع وحزبَها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: كان الشيخ أبو الفرج متفننًا كثيرَ التصانيف، له مصنفات في أمور كثيرة، حتى عددتها فرأيتها أكثر من ألف مصنف. ورأيت له بعد ذلك ما لم أره، وله من التصانيف في الحديث وفنونه، ما قد انتفع به الناس وهو كائن من أجود فنونه، انتهى.
له جزء في "مناقب أصحاب الحديث" مجلد، وفي "موت الخضر" مجلد.
ومن لفظ كلامه الحسن في المجالس، قال يومًا - وقد طرب أهل مجلسه -: فَهِمتُهم فَهُمتُم.
وقال يومًا: شهوات الدنيا أنموذج، والأنموذج يعرض ولا يقبض. وسأله رجل: أيُّما أفضل! أُسبح أو أستغفر؟ فقال: الثوبُ الوسخ أحوجُ إلى الصابون من البخور.
ومن كلامه: من قنع، طاب عيشه، ومن طمع، طال طيشه. وسئل كيف ضرب عمر - رضي الله عنه - بالدرة الأرض؟ قال: الخائن خائف، والبَري جَري.
وقال: الدنيا دار الإله، والمتصرف في الدار بغير أمر صاحبِها لِصّ.
وسأله سائل: هل يجوز أن أفسح لنفسي في مباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها، فلا تشغلها بالملاهي بلاهي.
وقال في قول فرعون: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف: 51]، قال: افتخر بنهر ما أجراه، ما أجراه! وسئل يومًا: ما تقول في الغناء؟ فقال: أقسم بالله لهوَ لهوٌ.
وقال يومًا: ما عز يوسف إلا بترك ما ذلَّ به ما عِز. وقرىء بين يديه يومًا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] فقال: هذا والله! توقيع بخراب البيوت.
وقال يومًا في مناجاته: إلهي! لا تعذب لسانًا يُخبر عنك، ولا عينًا تنظر في علوم تدل على مناجاتك، ولا قدمًا تمشي إلى خدمتك، ولا يدًا تكتب حديث رسولك، فبعزتك لا تدخلْني النار، فقد علم أهلُها أني كنت أذبُّ عن دينك، وارحمْ عبرةً تترقرق على ما فاتها منك، وكبدًا تحترق على بعدِها منك، إلهي! علمي بفضلك يطمعني فيك، ويقيني بسطوتك لا يؤيسني منك، كلما رفعت ستر الشوق إليك، مسكه الحياء منك، إلهي! لك أَذِلُّ، وبك أُذِل، وعليك أدل، وأنشد:
أَحْيا بذكرك ساعةً وأموتُ ... لولا التعلُّلُ بالمُنى لَفَنيتُ
وله أشعار حسنة كثيرة. قال أبو شامة: قيل: إنها عشر مجلدات، قال: وأنشدنا لنفسه:
سلامٌ على الدار التي لا تزورُها ... على أن هذا القلبَ فيها أسيرُها
إذا ما ذكرنا طِيبَ أيامِنا بها ... تَوقَّدُ في نفس الذكور سعيرُها
رحلْنا وفي سرِّ الفؤاد ضمائرٌ ... إذا هبَّ نجديُّ الصَّبا يستثيرُها
محتْ بعدكم تلك العيونُ دموعَها ... فهل من عيون بعدَها نستعيرُها
أتنسى رياض الروض بعدَ فراقها ... وقد أخذ الميثاقَ منك غديرُها
يجعّده مرُّ الشّمال وتارةً ... يُغازله كرُّ الصَّبا ومرورُها
ألا هل إلى شَمِّ الخُزامى وعَرْعَرٍ ... وشيح بوادي الأثلِ أرضٌ نزورُها
ألا أيّها الركبُ العراقيُّ بَلِّغوا ... رسالةَ محزون حَوَتْه سطورُها
إذا كتبتْ أنفاسُه بعضَ وجدِها ... على صفحةِ الذكرى محاه زفيرُها
ترفَّقْ رفيقي هل بدتْ نارُ أرضِهم ... أم الوجدُ يُذْكى نارَه ويثيرُها
أَعِدْ ذكرَهم فهو الشفاءُ، وربما ... شفى النفسَ أمرٌ ثم عادَ يضيرُها
ألا أين أزمانُ الوصال التي خلتْ ... وحَلّت خَلَت خَلَّت وحالَ مريرُها
سقى الله أيامًا مضتْ ولياليًا ... تَضَوَّع رَيَّاها وفاحَ عبيرُها
وقرأ عليه جماعة، منهم: طلحة العلثي، وأبو عبد الله بن تيمية خطيبُ حران، وذكر في أول تفسيره أنه قرأ عليه كتابه "زاد المسير في التفسير" قراءة بحث ومراجعة، وسمع الحديث وغيره من تصانيف خلق لا يحصون كثرة من الأئمة والحفاظ والفقهاء.
وروى عنه خلق، منهم: ابنه محيي الدين، وسبطه أبو المظفر الواعظ، والشيخ موفق الدين، والحافظ عبد الغني، وابن القطيعي، وابن النجار، وابن عبد الدائم، وعبد اللطيف الحراني، وهو خاتمة أصحابه بالسماع، وروى عنه آخرون بالإجازة، وقد نالته المحنة في آخر عمره، وحديثُها يطول، وأنشد في مجلس:
اللَّهَ أسألُ أن يطوِّلَ مدَّتي ... وأنالَ بالإنعام ما في نِيَّتي
لي هِمَّةٌ في العلم، ما من مثلِها ... وهي التي جَنَتِ النُّحولَ هي التي
خلقت من الفلق العظيم إلى المنى ... دُعيت إلى نَيْل المكارم لبَّتِ
كم كان لي من مجلسٍ، لو شبهت ... حالاتُه لتشبهَتْ بالجنةِ
أشتاقه لما مضت أيامُه ... عللًا وتعذر ناقةٌ إن جنتِ
فهل لِليلات بجَمْعٍ عودةٌ ... أم هل إلى وادي مِنًى من نظرةِ
قد كان أحلى من تصاريف الصّبا ... ومن الحَمام مغنِّيًا في الأيكةِ
فيها البديهاتُ التي ما نالَها ... خلقٌ بغير مخمر ومبيتِ
برجاحةٍ وفصاحةٍ وملاحةٍ ... يقضي لها عدنانُ بالعربيَّةِ
وبلاغةٍ وبراعةٍ ويراعةٍ ... ظنَّ النُّباتيْ أَنَّها لم تنبُتِ
وإشارةٌ تُبكي الجُنَيْدَ وصحبَه ... في رِقَّةٍ، ما قالَها ذو الرُّمَّةِ
قال أبو شامة: هذه الأبيات أظنها كانَ نظمها في أيام محنته إذ كان محبوسًا بواسِط، فمعانيها دالة على ذلك، واللَّه أعلم.
قال أبو المظفر: نزل من المنبر، فمرض خمسة أيام، وتوفي في داره سنة 597 ليلة الجمعة، واجتمع أهل بغداد، وغلقت الأسواق، وجاء أهل المحالّ، وشددنا التابوت بالحبال، وسلمناه إليهم، فذهبوا به إلى البرية مكان جلوسه، فصلى عليه ابنه أبو القاسم، علي اتفاقًا؛ لأن الأعيان لم يقدروا على الوصول إليه، ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور، فصلوا عليه، وضاق بالناس، وكان يومًا مشهودًا، لم يصلْ إلى حفرته عندَ قبر أحمد بن حنبل إلا وقت صلاة الجمعة، وما وصل إلى حفرته من الكفن إلا قليل.
ونزل في الحفرة والمؤذن يقول: اللَّه أكبر! وحزن الناس عليه حزنًا شديدًا، وبكوا عليه بكاءً كثيرًا، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات، ورآه تلك الليلة المحدث أحمدُ بنُ سليمان الحربي على منبرٍ من ياقوت مرصَّع بالجوهر، والملائكة حِلَقٌ بين يديه، والحقُّ تعالى حاضر يسمع كلامه.
ورثاه القادري العلوي بأبيات، منها:
الدهرُ عن طمع يَغُرُّ ويخدَعُ ... وزخارفُ الدنيا الدنيَّةِ تُطْمِعُ
وأَعِنَّةُ الآمال يُطلِقها الرَّجا ... طَمَعًا، وأسيافُ المنيَّةِ تقطعُ
والموتُ آتٍ والحياةُ مريرةٌ ... والناسُ بعضُهُمُ لبعضٍ يَتبعُ
واعلمْ بأنَّكَ عن قليلٍ صائرٌ ... خَبَرًا، فكن خبرًا بخيرٍ يسمعُ
إلى تمام القصيدة. قال: وأوصى أن يكتب على قبره:
يا كثيرَ العفو عمن ... كثُر الذنب لديه!
جاءك المذنبُ يرجو ... الصفحَ عن جرمِ يديهِ
أنا ضيفٌ وجزاءُ الضيفِ ... الإحسان إليه
فرحمه اللَّه، وغفر له، ورحم سائر علماء المسلمين.
وحدث سعد الله البصري - وكان رجلا صالحًا، وكان مرجان حينئذ في عافية -: قال رأيت مرجان في المنام، ومعه اثنان، كل واحد قد أخذ بيده، فقلت: إلى أين؟ قالا: إلى النار، قلت: لماذا؟ قالا: كان يبغض ابنَ الجوزي هذا.
وقد أطنب ابن رجب في ترجمته إلى كراسة وزيادة، وذكر من أسامي كتبه المؤلفة ما يطول ذكرُها، وكتب من أحوال مجالسه الوعظية، ورفعة شأنه وعلو مكانه في العلوم وعند الناس ما لا يأتي عليه الحصر، ولا ريب أنه كان عمودًا من عمد الإسلام، وفخرًا من مفاخر الأنام، وحسنة من حسنات الليالي والأيام، وناصرًا من أنصار السنة المطهرة، ومفسرًا من مفسري الكتاب، ومحدِّثًا جليلًا من محدثي الآثار رادًا على المبتدعين، باغضًا لأصحاب المذاهب من المقلدين، عارفًا بصحيح الحديث من سقيمه، وضعيف الآثار من موضوعها، إمامًا في الجرح والتعديل، أستاذًا للأئمة الكبار بلا مدافعة، واعظًا نبيلًا لم تر عينٌ مثلَه في الوعاظ، بليغًا أديبًا شاعرًا كاملًا لم يخلف مثله في الديار، وفضائله أجل من أن تذكر، ومناقبه أكثر من أن تحصر، جزاه اللَّه عن المسلمين، خيرًا، ورحمه ورحم سائر المتبعين المقتفين لآثار النبي - صلى الله عليه وسلم -، والناصرين لسنته المطهرة الذابِّين عنها بالألسنة والأسنة.
فالناس كثير، والدنيا ملاء منهم، ومدَّعو العلم غزير، والعالم مشحون بهم، ولكن أين مثل هذا الشيخ ونظرائه في العلم والعمل، ومعرفة الحق من الباطل، كَثَّر اللَّه من أمثاله، وحققنا بفعاله وأحواله وأقواله، وما ذلك على اللَّه بعزيز.
اللهم! إنك تعلم كوننا في هذه المئة الثالثة عشر التي ذهبت بكل خير، وجاءت إلينا بكل شر، ومذ فتحنا عينًا لم نر إلا شينًا ورينًا، وقعنا في ناس جاهلين، وقوم عن الدين ناكبين، وخُلقنا في زمان ليس علينا فيه سلطان أحد من المسلمين، وإنما نحن كالأسراء في أيدي الفجرة الكفرة الجبابرة الظالمين، لا نقدر على شيء، ولا نعرف سبيلًا إلى خروج، ولا نجد مَنْ نجالسه ونصاحبه، ونستعين به على دفع مكائد الشياطين من الإنس والجن أجمعين، ولا نقف على من يهدينا سبيل الرشاد، ويوصلنا إلى طريق الصدق والسداد، {وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] رب تب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم، واهدنا الصراط السوي والطريق القويم، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، آمين.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.