علي بن محمد بن حبيب الماوردي أبي الحسن

علي بن محمد الماوردي

تاريخ الولادة364 هـ
تاريخ الوفاة450 هـ
العمر86 سنة
مكان الولادةالبصرة - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

أقضى القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري : تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفرايني، ودرس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة، وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والأدب، وكان حافظاً للمذهب، وتوفي ببغداد سنة خمسين وأربعمائة.

الترجمة

علي بن محمد بن حبيب الماوردي

وَتُوفِّي فِي هَذِه السّنة يعني سنة خمسين وأربعمئة أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْمَاوَرْدِي

ذيل تاريخ مولد العلماء ووفياتهم – لأبي محمد الكتاني الدمشقي

 

أقضى القضاة أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري : تفقه على أبي القاسم الصيمري بالبصرة، وارتحل إلى الشيخ أبي حامد الإسفرايني، ودرس بالبصرة وبغداد سنين كثيرة، وله مصنفات كثيرة في الفقه والتفسير وأصول الفقه والأدب، وكان حافظاً للمذهب، وتوفي ببغداد سنة خمسين وأربعمائة.

- طبقات الفقهاء / لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي -.

الإِمَامُ العَلاَّمَةُ أَقْضَى القُضَاةِ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَبِيْبٍ البَصْرِيُّ المَاوَرْدِيُّ الشَّافِعِيُّ صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
حَدَّثَ عَنِ: الحَسَنِ بنِ عَلِيّ الجَبَلِي صَاحِب أَبِي خَلِيْفَةَ الجُمَحِيّ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَدِيّ المِنْقَرِيّ وَمُحَمَّدِ بنِ مُعَلَّى وَجَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ الفَضْل.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ وَوَثَّقَهُ وَقَالَ: مَاتَ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة وَقَدْ بلغَ سِتّاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً وَوَلِيَ القَضَاءَ بِبلدَان شَتَّى ثم سكن بغداد.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الطَّبَقَات: وَمِنْهُم أَقضَى القُضَاة المَاورديُّ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي القَاسِمِ الصَّيْمَرِيّ بِالبَصْرَةِ وَارْتَحَلَ إِلَى الشَّيْخ أَبِي حَامِدٍ الإِسفرَايينِي وَدرس بِالبَصْرَةِ وَبغدَاد سِنِيْنَ وَلَهُ مُصَنّفَات كَثِيْرَة فِي الفِقْه وَالتَّفْسِيْر وَأُصُوْلِ الفِقْه وَالأَدب وَكَانَ حَافِظاً لِلمَذْهَب. مَاتَ بِبَغْدَادَ.
وَقَالَ القَاضِي شَمْسُ الدِّيْنِ فِي وَفِيَات الأَعيَان: مَنْ طَالَعَ كِتَاب الحَاوِي لَهُ يَشْهَد لَهُ بِالتَّبَحُّر وَمَعْرِفَة المَذْهَب وَلِيَ قَضَاءَ بلاَد كَثِيْرَة وَلَهُ تَفْسِيْر القرآن سماه: النكت وأدب
الدُّنْيَا وَالِدّين" وَ"الأَحكَام السّلطَانِيَّة" وَ"قَانُوْنَ الوزارة وسياسة المُلك" وَ"الإِقنَاع" مُخْتَصَر فِي المَذْهَب.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ شَيْئاً مِنْ تَصَانِيْفه فِي حيَاتِهِ وَجَمَعهَا فِي مَوْضِع فَلَمَّا دَنَتْ وَفَاتُه قَالَ لمَنْ يَثِقُ بِهِ: الكُتُبُ الَّتِي فِي المَكَان الفُلاَنِي كُلُّهَا تَصنِيفِي وَإِنَّمَا لَمْ أُظْهِرهَا لأَنِّي لَمْ أَجِدْ نِيَّة خَالصَةً فَإِذَا عَايَنْتُ المَوْتَ وَوَقَعْتُ فِي النزع فَاجعل يَدَكَ فِي يَدي فَإِنَّ قبضتُ عَلَيْهَا وَعَصَرْتُهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُقبلْ مِنِّي شَيْءٌ مِنْهَا فَاعْمَدْ إِلَى الكُتُب وَأَلقهَا فِي دِجْلَة وَإِن بَسَطْتُ يَدي فَاعْلَمْ أَنَّهَا قُبِلَتْ.
قَالَ الرَّجُلُ: فَلَمَّا احتُضِرَ وضعت يدي في يده فبسطها فَأَظْهَرْتُ كُتُبهُ.
قُلْتُ: آخرُ مَنْ رَوَى عَنْهُ أَبُو العزِّ بنُ كَادش.
قَالَ أَبُو الفَضْلِ بنُ خَيْرُوْنَ: كَانَ رَجُلاً عَظِيْمَ القَدْرِ مُتَقَدِّماً عِنْد السُّلْطَان أَحَد الأَئِمَّةِ لَهُ التَّصَانِيْفُ الحِسَان فِي كُلِّ فَن بَيْنَهُ وَبَيْنَ القَاضِي أَبِي الطَّيب فِي الوَفَاة أَحَدَ عشرَ يَوْماً.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو بنُ الصَّلاَح: هُوَ مُتَّهَمٌ بِالاعتزَال وَكُنْتُ أَتَأَوّلُ لَهُ وَأَعْتَذِر عَنْهُ حَتَّى وَجَدْتُهُ يَختَارُ فِي بَعْضِ الأَوقَات أَقْوَالهُم قَالَ فِي تَفْسِيْرِهِ: لاَ يَشَاءُ عبَادَة الأَوثَان. وَقَالَ فِي: {جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا} {الأَنعَام:112} مَعْنَاهُ: حَكَمْنَا بِأَنَّهُم أَعْدَاء أَوْ تركنَاهُم عَلَى العدَاوَة فَلَمْ نَمْنَعهُم مِنْهَا. فَتَفْسِيْرُه عَظِيْم الضّرر وَكَانَ لاَ يَتظَاهِر بِالاَنتسَاب إِلَى المُعْتَزِلَة بَلْ يَتكتَّمُ وَلَكِنَّهُ لاَ يُوَافقهُم فِي خَلْقِ القُرْآن وَيُوَافقهُم فِي القَدَرِ قَالَ فِي قَوْله: {إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القَمَر: 49] أَي بِحُكْمٍ سَابِق. وَكَانَ لاَ يَرَى صِحَّة الرِّوَايَة بِالإِجَازَة.
وَرَوَى خطيبُ المَوْصِلِ عَنِ، ابْنِ بَدْرَان الحُلْوَانِيّ عَنِ، المَاورديّ.
وَفِيْهَا مَاتَ القَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيّ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَنِّي وَالمُحَدِّثُ عَلِيُّ بنُ بَقَاءٍ الوَرَّاق وَأَبُو القَاسِمِ عُمَرُ بنُ الحُسَيْنِ الخفَّاف وَرَئِيْسُ الرُّؤَسَاء عَلِيّ بن المُسْلِمَة الوَزِيْر وَأَبُو الفَتْحِ مَنْصُوْر بن الحُسَيْنِ التاني.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

عَليّ بن مُحَمَّد [364 - 450]
ابْن حبيب، بِالْحَاء الْمُهْملَة.
أقضى الْقُضَاة، أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ الْبَصْرِيّ، صَاحب " الْحَاوِي "، رَحمَه الله.
أَخذ الْفِقْه عَن أبي الْقَاسِم الصَّيْمَرِيّ، وانتسب فِي " الْحَاوِي " إِلَيْهِ فِي شَيْء حَكَاهُ عَنهُ، فَقَالَ: كَانَ شَيخنَا فلَان.
قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر الْبَغْدَادِيّ فِي " التَّارِيخ ": كَانَ من وُجُوه الْفُقَهَاء الشافعيين، وَله تصانيف عدَّة فِي أصُول الْفِقْه، وفروعه، وَغير ذَلِك.
قَالَ: وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة، وَسكن بَغْدَاد فِي درب الزَّعْفَرَانِي، وَحدث بهَا عَن الْحسن بن عَليّ الْجبلي صَاحب أبي خَليفَة، وَعَن مُحَمَّد بن عدي الْمنْقري، وَمُحَمّد بن الْمُعَلَّى الْأَزْدِيّ، وجعفر بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ. كتبت عَنهُ، وَكَانَ ثِقَة. هَذَا كَلَام الْخَطِيب.
وَقَالَ ابْن خيرون: كَانَ رجلا جَلِيلًا، عَظِيم الْقدر، مُتَقَدما عِنْد السُّلْطَان، أحد الْأَئِمَّة، لَهُ التصانيف الحسان فِي كل فن من الْعُلُوم.
قَالَ الْخَطِيب وَابْن خيرون: توفّي بِبَغْدَاد يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الأول، وَدفن بِبَاب حَرْب يَوْم الْأَرْبَعَاء مستهل شهر ربيع الآخر سنة خمسين وَأَرْبع مئة.
وَحكى ابْن خيرون أَنه كَانَ بَين وَفَاته ووفاة القَاضِي أبي الطّيب أحد عشر يَوْمًا، وَتُوفِّي عَن سِتّ وَثَمَانِينَ سنة، لِأَن مولده سنة أَربع وَسِتِّينَ وَثَلَاث مئة، وَحضر جنَازَته من حضر أَبَا الطّيب من الْعلمَاء وأرباب الدولة.
وَحكى أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ أَن آخر من روى عَنهُ أَبُو الْعِزّ ابْن كادش،

توفّي سنة سِتّ وَعشْرين وَخمْس مئة.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين صَاحب الْكتاب رَحمَه الله: هَذَا الْمَاوَرْدِيّ عَفا الله عَنهُ يتهم بالاعتزال، قَالَ: وَقد كنت لَا أحقق ذَلِك عَلَيْهِ، وأتأول لَهُ، وأعتذر عَنهُ، فِي كَونه يُورد فِي " تَفْسِيره " فِي الْآيَات الَّتِي يخْتَلف فِيهَا تَفْسِير أهل السّنة، وَتَفْسِير الْمُعْتَزلَة، وُجُوهًا يسردها، يمزج فِيهَا أقاويلهم، من غير تعرض مِنْهُ لبَيَان مَا هُوَ الْحق مِنْهَا، فَأَقُول: لَعَلَّ قَصده إِيرَاد كل مَا قيل من حق وباطل، وَلِهَذَا يُورد من أقاويل المشبهة أَشْيَاء مثل هَذَا الْإِيرَاد، حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْمَوَاضِع قَول الْمُعْتَزلَة وَمَا بنوه على أصولهم الْفَاسِدَة، وَمن ذَلِك مصيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف إِلَى أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان. وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} [الْأَنْعَام: 112] : فِي قَوْله تَعَالَى: جعلنَا، وَجْهَان أَحدهمَا مَعْنَاهُ: حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء، وَالثَّانِي: تركناهم على الْعَدَاوَة، فَلم نمنعهم مِنْهَا.
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله: " وَتَفْسِيره " عَظِيم الضَّرَر، لكَونه مشحوناً بِكَثِير من تأويلات أهل الْبَاطِل، تدسيساً وتلبيساً، على وَجه لَا يفْطن لتمييزها غير أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق، مَعَ أَنه تأليف رجل لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى الْمُعْتَزلَة حَتَّى يحذر، وَهُوَ يجْتَهد فِي كتمان مُوَافَقَته لَهُم فِيمَا هُوَ لَهُم فِيهِ مُوَافق، ثمَّ لَيْسَ هُوَ معتزلياً مُطلقًا، فَإِنَّهُ لَا يوافقهم فِي جَمِيع أصولهم، مثل خلق الْقُرْآن على مَا دلّ عَلَيْهِ " تَفْسِيره " فِي قَوْله عز وَجل: (مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم

مُحدث} [الْأَنْبِيَاء: 2] ، وَغير ذَلِك
ويوافقهم فِي الْقدر، وَهِي البلية الَّتِي غلبت على الْبَصرِيين وعيبوا بهَا قَدِيما، وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر} [الْقَمَر: 49] . يَعْنِي: بِحكم سَابق، وَهُوَ نَحْو مَا تقدم، وَالله أعلم.
وَمن غرائب الْمَاوَرْدِيّ أَنه رأى أَن إجَازَة الرِّوَايَة لَا يَصح التَّحَمُّل وَالرِّوَايَة بهَا، وَذكر أَنه مَذْهَب الشَّافِعِي. قَالَ: وَلَو جَازَت الْإِجَازَة لبطلت الرحلة، وَكَذَا قَالَ فِي الْمُكَاتبَة: إِنَّهَا لَا تصح، ذكر ذَلِك فِي " الْحَاوِي " فِي أَوله، وَفِي الْأَقْضِيَة.
وَمن تفرداته أَنه ذكر فِي وَقت الْمغرب أَنه يدْخل بِسُقُوط القرص وَسُقُوط حَاجِب الشَّمْس وَهُوَ الضياء المستعلي عَلَيْهَا، وَهَذَا شذوذ مِنْهُ، وَقد نقل غَيره إِجْمَاع الْعلمَاء بخلافة، وَالله أعلم.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين صَاحب الْكتاب: أَخْبرنِي بِدِمَشْق بِقِرَاءَتِي الشَّيْخ الْأَصِيل المؤرخ عز الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشَّيْبَانِيّ الْجَزرِي ثمَّ الْموصِلِي ابْن الْأَثِير من أصل سَمَّاعَة قَالَ: أخبرنَا الْخَطِيب مجد الدّين أَبُو الْفضل عبد لله بن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن الطوسي بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مئة قَالَ: أخبرنَا الشَّيْخ الْجَلِيل أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن بدران الْحلْوانِي قَالَ: أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْبَصْرِيّ الْمَعْرُوف بالماوردي قِرَاءَة عَلَيْهِ قَالَ: أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ الْجبلي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن أَحْمد الْأَثْرَم قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب، حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الْأسود بن قيس أَنه سمع جندباً وَهُوَ ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ يَقُول: كُنَّا مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فنكبت إصبعه فَقَالَ:
(هَل أَنْت إِلَّا إِصْبَع دميتي ... وَفِي سَبِيل الله مَا لقيتي)
هَذَا حَدِيث صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم

وروى الشَّيْخ أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ أَنه أنْشد لأبي بكر ابْن دُرَيْد:
(جهلت وعاديت الْعُلُوم وَأَهْلهَا ... كَذَاك يعادي الْعلم من هُوَ جاهله)
(وَمن كَانَ يهوى أَن يرى متصدراً ... وَيكرهُ لَا أَدْرِي أُصِيبَت مقاتله)
قَالَ: وَقَالَ صَاحب " الْحَاوِي ": كتب إِلَيّ أخي من الْبَصْرَة - وَقد اشْتَدَّ شوقه إِلَيّ لمقامي بِبَغْدَاد - شعرًا، فَقَالَ فِيهِ:

(طيب الْهَوَاء بِبَغْدَاد يشوقني ... قدماً إِلَيْهَا وَإِن عاقت مقادير)
(فَكيف صبري عَنْهَا الْآن إِذْ جمعت ... طيب الهواءين مَمْدُود ومقصور)
آخر مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُصَنف الْكتاب رَحمَه الله.
قَوْله: الصَّيْمَرِيّ، هُوَ بِفَتْح الصَّاد وَالرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ.
والجبلي: بِفَتْح الْجِيم، وَالْبَاء الْمُوَحدَة.
والمنقري: بِكَسْر الْمِيم، وَإِسْكَان النُّون، وَفتح الْقَاف، وَالرَّاء الْمُهْملَة.
وَابْن خيرون: بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة.
وكادش: بِكَسْر الدَّال، وبالشين الْمُعْجَمَة.
وَمِمَّا يُوَافق الْمَاوَرْدِيّ فِيهِ أهل السّنة وَيُخَالف الْمُعْتَزلَة خلق الْجنَّة، فَيَقُول: إِنَّهَا مخلوقة كَمَا قَالَ أهل السّنة، قَالَ فِي سُورَة الْأَعْرَاف: الْجنَّة الَّتِي أَمر آدم عَلَيْهِ السَّلَام بسكناها جنَّة الْخلد.
وَقَوله " طيب الهواءين، لحن عِنْد النَّحْوِيين، لَا يجيزون تَثْنِيَة الْمُخْتَلِفين فِي الصِّيغَة، إِلَّا فِي أَلْفَاظ سَمِعت من الْعَرَب بالتغليب، كالأبوين، والعمرين، وَشبه ذَلِك من المسموع.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

علي بن محمد حبيب، أبو الحسن الماوردي:
أقضى فضاة عصره. من المعلماء الباحثين، أصحاب التصانيف الكثيرة النافعة. ولد في البصرة، وانتقل إلى بغداد. وولي القضاء في بلدان كثيرة، ثم جُعل " أقضى القضاة " في أيام القائم بأمر الله العباسي. وكان يميل إلى مذهب الاعتزال، وله الكانة الرفيعة عند الخلفاء، وربما توسط بينهم وبين الملوك وكبار الأمراء في ما يصلح به خللا أو يزيل خلافا. نسبته إلى بيع ماء الورد، ووفاته ببغداد.
من كتبه " أدب الدنيا والدين - ط " و " الأحكام السلطانية - ط " والنكت والعيون - خ " ثلاث مجلدات كما في تذكرة النوادر 22، في تفسر القرآن، و " الحاوي - خ " في فقه الشافعية، نيف وعشرون جزءا، و " نصيحة الملوك - خ " و " تسهيل النظر - خ " في سياسة الحكومات، و " أعلام النبوة - ط " و " معرفة الفضائل - خ " و " الأمثال والحكم - خ " و " الإقناع " فقه، و " قانون الوزارة " لعله المطبوع بعنوان " أدب الوزير " قاله عبيد. و " سياسة الملك " وغير ذلك .

-الاعلام للزركلي-


 

 عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الإِمَام الْجَلِيل الْقدر الرفيع الشان أَبُي الْحسن الْمَاوَرْدِيّ

صَاحب الْحَاوِي والإقناع فِي الْفِقْه وأدب الدّين وَالدُّنْيَا وَالتَّفْسِير وَدَلَائِل النُّبُوَّة وَالْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة وقانون الوزارة وسياسة الْملك وَغير ذَلِك
روى عَن الْحسن بن عَليّ الْجبلي صَاحب أبي خَليفَة وَمُحَمّد بن عدي الْمنْقري وَمُحَمّد ابْن المعلي الْأَزْدِيّ وجعفر بن مُحَمَّد بن الْفضل الْبَغْدَادِيّ
روى عَنهُ أَبُو بكر الْخَطِيب وَجَمَاعَة آخِرهم أَبُو الْعِزّ بن كادش

وتفقه بِالْبَصْرَةِ على الصَّيْمَرِيّ ثمَّ رَحل إِلَى الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني بِبَغْدَاد
وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا رفيع الشَّأْن لَهُ الْيَد الباسطة فِي الْمَذْهَب والتفنن التَّام فِي سَائِر الْعُلُوم
قَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق درس بِالْبَصْرَةِ وبغداد سِنِين كَثِيرَة وَله مصنفات كَثِيرَة فِي الْفِقْه وَالتَّفْسِير وأصول الْفِقْه والآداب وَكَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب
انْتهى
وَقَالَ الْخَطِيب كَانَ من وُجُوه الْفُقَهَاء الشافعيين وَله تصانيف عدَّة فِي أصُول الْفِقْه وفروعه وَغير ذَلِك قَالَ وَجعل إِلَيْهِ ولَايَة الْقَضَاء ببلدان كَثِيرَة
وَقَالَ ابْن خيرون كَانَ رجلا عَظِيم الْقدر مقدما عِنْد السُّلْطَان أحد الْأَئِمَّة لَهُ التصانيف الحسان فِي كل فن من الْعلم بَينه وَبَين القَاضِي أبي الطّيب فِي الْوَفَاة أحد عشر يَوْمًا
وَقيل إِنَّه لم يظْهر شَيْئا من تصانيفه فِي حَيَاته وَجَمعهَا فِي مَوضِع فَلَمَّا دنت وَفَاته قَالَ لمن يَثِق بِهِ الْكتب الَّتِي فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ كلهَا تصنيفي وَإِنَّمَا لم أظهرها لِأَنِّي لم أجد نِيَّة خَالِصَة فَإِذا عَايَنت الْمَوْت وَوَقعت فِي النزع فَاجْعَلْ يدك فِي يَدي فَإِن قبضت عَلَيْهَا وعصرتها فَاعْلَم أَنه لم يقبل مني شَيْء مِنْهَا فاعمد إِلَى الْكتب وألقها فِي دجلة وَإِن بسطت يَدي وَلم أَقبض على يدك فَاعْلَم أَنَّهَا قد قبلت وَأَنِّي قد ظَفرت بِمَا كنت أرجوه من النِّيَّة
قَالَ ذَلِك الشَّخْص فَلَمَّا قاربت الْمَوْت وضعت يَدي فِي يَده فبسطها وَلم يقبض على يَدي فَعلمت أَنَّهَا عَلامَة الْقبُول فأظهرت كتبه بعده

قلت لَعَلَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَاوِي وَإِلَّا فقد رَأَيْت من مصنفاته غَيره كثيرا وَعَلِيهِ خطه وَمِنْه مَا أكملت قِرَاءَته عَلَيْهِ فِي حَيَاته
وَمن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ الدَّال على دينه ومجاهدته لنَفسِهِ مَا ذكره فِي كتاب أدب الدّين وَالدُّنْيَا فَقَالَ وَمِمَّا أنذرك بِهِ من حَالي أَنِّي صنفت فِي الْبيُوع كتابا جمعته مَا اسْتَطَعْت من كتب النَّاس وأجهدت فِيهِ نَفسِي وكددت فِيهِ خاطري حَتَّى إِذا تهذب واستكمل وكدت أعجب بِهِ وتصورت أَنِّي أَشد النَّاس اطلاعا بِعِلْمِهِ حضرني وَأَنا فِي مجلسي أَعْرَابِيَّانِ فسألاني عَن بيع عقداه فِي الْبَادِيَة على شُرُوط تَضَمَّنت أَربع مسَائِل وَلم أعرف لشَيْء مِنْهَا جَوَابا فأطرقت مفكرا وبحالي وحالهما مُعْتَبرا فَقَالَا أما عنْدك فِيمَا سألناك جَوَاب وَأَنت زعيم هَذِه الْجَمَاعَة فَقلت لَا فَقَالَا إيها لَك
وانصرفا ثمَّ أَتَيَا من قد يتقدمه فِي الْعلم كثير من أَصْحَابِي فَسَأَلَاهُ فأجابهما مسرعا بِمَا أقنعهما فانصرفا عَنهُ راضيين بجوابه حامدين لعلمه
إِلَى أَن قَالَ فَكَانَ ذَلِك زاجر نصيحة ونذير عظة تذلل لَهما قياد النَّفس وانخفض لَهما جنَاح الْعجب
قَالَ الْخَطِيب كَانَ ثِقَة مَاتَ فِي يَوْم الثُّلَاثَاء سلخ شهر ربيع الأول سنة خمسين وَأَرْبَعمِائَة وَدفن من الْغَد فِي مَقْبرَة بَاب حَرْب
قَالَ وَكَانَ قد بلغ سِتا وَثَمَانِينَ سنة

ذكر الْبَحْث عَمَّا رمي بِهِ الْمَاوَرْدِيّ من الاعتزال
قَالَ ابْن الصّلاح هَذَا الْمَاوَرْدِيّ عَفا الله عَنهُ يتهم بالاعتزال وَقد كنت لَا أتحقق ذَلِك عَلَيْهِ وأتأول لَهُ وأعتذر عَنهُ فِي كَونه يُورد فِي تَفْسِيره فِي الْآيَات الَّتِي يخْتَلف فِيهَا أهل التَّفْسِير تَفْسِير أهل السّنة وَتَفْسِير الْمُعْتَزلَة غير متعرض لبَيَان مَا هُوَ الْحق مِنْهَا وَأَقُول لَعَلَّ قَصده إِيرَاد كل مَا قيل من حق أَو بَاطِل وَلِهَذَا يُورد من أَقْوَال المشبهة أَشْيَاء مثل هَذَا الْإِيرَاد حَتَّى وجدته يخْتَار فِي بعض الْمَوَاضِع قَول الْمُعْتَزلَة وَمَا بنوه على أصولهم الْفَاسِدَة وَمن ذَلِك مصيره فِي الْأَعْرَاف إِلَى أَن الله لَا يَشَاء عبَادَة الْأَوْثَان وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} وَجْهَان فِي جعلنَا أَحدهمَا مَعْنَاهُ حكمنَا بِأَنَّهُم أَعدَاء وَالثَّانِي تركناهم على الْعَدَاوَة فَلم نمنعهم مِنْهَا
وَتَفْسِيره عَظِيم الضَّرَر لكَونه مشحونا بتأويلات أهل الْبَاطِل تلبيسا وتدسيسا على وَجه لَا يفْطن لَهُ غير أهل الْعلم وَالتَّحْقِيق مَعَ أَنه تأليف رجل لَا يتظاهر بالانتساب إِلَى الْمُعْتَزلَة بل يجْتَهد فِي كتمان موافقتهم فِيمَا هُوَ لَهُم فِيهِ مُوَافق ثمَّ هُوَ لَيْسَ معتزليا مُطلقًا فَإِنَّهُ لَا يوافقهم فِي جَمِيع أصولهم مثل خلق الْقُرْآن كَمَا دلّ عَلَيْهِ تَفْسِيره فِي قَوْله عز وَجل {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم مُحدث} وَغير ذَلِك ويوافقهم فِي الْقدر وَهِي البلية الَّتِي غلبت على الْبَصرِيين وعيبوا بهَا قَدِيما
انْتهى
شرح حَال الْفتيا الْوَاقِعَة فِي زمَان الْمَاوَرْدِيّ فِيمَن لقب بشاهنشاه
وَهِي من محَاسِن الْمَاوَرْدِيّ وَقد سَاقهَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ أبي الْفضل عبد الْملك

ابْن إِبْرَاهِيم الهمذاني فِي ذيله الَّذِي ذيله على تَارِيخ أبي شُجَاع مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْوَزير الْعَالم وَأَبُو شُجَاع أَيْضا مذيل على تَارِيخ مُتَقَدم
وحاصلها أَنه فِي سنة تسع وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة فِي شهر رَمَضَان أَمر الْخَلِيفَة أَن يُزَاد فِي ألقاب جلال الدولة ابْن بويه شاهنشاه الْأَعْظَم ملك الْمُلُوك وخطب لَهُ بذلك فَأفْتى بعض الْفُقَهَاء بِالْمَنْعِ وَأَنه لَا يُقَال ملك الْمُلُوك إِلَّا لله وتبعهم الْعَوام ورموا الخطباء بالآجر
وَكتب إِلَى الْفُقَهَاء فِي ذَلِك فَكتب الصَّيْمَرِيّ الْحَنَفِيّ أَن هَذِه الْأَسْمَاء يعْتَبر فِيهَا الْقَصْد وَالنِّيَّة
وَكتب القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ بِأَن إِطْلَاق ملك الْمُلُوك جَائِز وَمَعْنَاهُ ملك مُلُوك الأَرْض قَالَ وَإِذا جَازَ أَن يُقَال قَاضِي الْقُضَاة جَازَ أَن يُقَال ملك الْمُلُوك
وَوَافَقَهُ التَّمِيمِي من الْحَنَابِلَة
وَأفْتى الْمَاوَرْدِيّ بِالْمَنْعِ وشدد فِي ذَلِك وَكَانَ الْمَاوَرْدِيّ من خَواص جلال الدولة فَلَمَّا أفتى بِالْمَنْعِ انْقَطع عَنهُ فَطَلَبه جلال الدولة فَمضى إِلَيْهِ على وَجل شَدِيد فَلَمَّا دخل قَالَ لَهُ أَنا أتحقق أَنَّك لَو حابيت أحدا لحابيتني لما بيني وَبَيْنك وَمَا حملك إِلَّا الدّين فَزَاد بذلك محلك عِنْدِي
قلت وَمَا ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب هُوَ قِيَاس الْفِقْه إِلَّا أَن كَلَام الْمَاوَرْدِيّ يدل لَهُ حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (أخنع اسْم عِنْد الله تَعَالَى يَوْم الْقِيَامَة رجل يُسمى ملك الْأَمْلَاك)
رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد
وَقَالَ سَأَلت أَبَا عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أخنع فَقَالَ أوضع
والْحَدِيث فِي صَحِيح البُخَارِيّ

وَفِي حَدِيث عَوْف عَن خلاس عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (اشْتَدَّ غضب الله على من قتل نَفسه وَاشْتَدَّ غضب الله على رجل تسمى بِملك الْمُلُوك لَا ملك إِلَّا الله تَعَالَى)
قلت وَلم تمكث دولة بني بويه بعد هَذَا اللقب إِلَّا قَلِيلا ثمَّ زَالَت كَأَن لم تكن وَلم يَعش جلال الدولة بعد هَذَا اللقب إِلَّا أشهرا يسيرَة ثمَّ ولي الْملك الرَّحِيم مِنْهُم وَبِه انقرضت دولتهم
وَمن الرِّوَايَة عَن الْمَاوَرْدِيّ
أخبرنَا الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنا أسمع أخبرنَا إِسْحَاق بن أبي بكر الْأَسدي سَمَاعا أَنبأَنَا أَبُو الْبَقَاء يعِيش بن عَليّ النَّحْوِيّ حَدثنَا الْخَطِيب أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الطوسي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن بدران الْحلْوانِي أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن حبيب الْمَاوَرْدِيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ أخبرنَا أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن مُحَمَّد الْجبلي حَدثنَا أَبُو خَليفَة الْفضل بن الْحباب الجُمَحِي حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق قَالَ سَمِعت الْبَراء رَضِي الله عَنهُ يَقُول كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعنا التُّرَاب يَوْم الْأَحْزَاب وَقد وارى التُّرَاب بَيَاض بَطْنه وَهُوَ يَقُول
(اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)

 (فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(إِن الألى قد بغوا علينا ... إِذا أَرَادوا فتْنَة أَبينَا)
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس بن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن عُثْمَان القارىء إجَازَة أخبرنَا هبة الرَّحْمَن بن عبد الْوَاحِد الْقشيرِي إملاء حَدثنَا الإِمَام ركن الْإِسْلَام وَالِدي إملاء أخبرنَا أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد الْمَاوَرْدِيّ بِبَغْدَاد حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم جَعْفَر بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ بِالْبَصْرَةِ حَدثنَا أَبُو الفوارس الْعَطَّار بِمصْر أخبرنَا الْمُزنِيّ حَدثنَا الشَّافِعِي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أروا لَيْلَة الْقدر فِي الْمَنَام فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَقَالَ إِنِّي أرى رؤياكم قد تواطأت فِي السَّبع الْأَوَاخِر فَمن كَانَ مِنْكُم متحريا فليتحرها فِي السَّبع الْأَوَاخِر
وَمن الْفَوَائِد عَن الْمَاوَرْدِيّ
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الشَّهَادَات من الْحَاوِي فِي الْكَلَام على قَول الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَإِن كَانَ يديم الْغناء كتب إِلَى أخي من الْبَصْرَة وَقد اشْتَدَّ شوقه إِلَى لقائي بِبَغْدَاد شعرًا
(طيب الْهَوَاء بِبَغْدَاد يشوقني ... قدما إِلَيْهَا وَإِن عاقت مقادير)
(فَكيف صبري عَنْهَا الْآن إِذْ جمعت ... طيب الهواءين مَمْدُود ومقصور)
قَالَ النَّوَوِيّ قَوْله طيب الهواءين لحن عِنْد النَّحْوِيين لأَنهم لَا يجيزون تَثْنِيَة الْمُخْتَلِفين فِي الصِّيغَة إِلَّا فِي أَلْفَاظ سَمِعت من الْعَرَب كالأبوين والعمرين وَشبهه من المسموع

قلت فِي الْمَسْأَلَة مَذَاهِب للنحاة فَمن قَائِل يمْتَنع مُطلقًا ويؤول مَا ورد من ذَلِك وَهُوَ اخْتِيَار شَيخنَا أبي حَيَّان وَمن قَائِل يجوز مُطلقًا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن مَالك وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِن اتفقَا فِي الْمَعْنى الْمُوجب للتسمية كالأحمرين لِلذَّهَبِ والزعفران والأطيبين للشباب وَالنِّكَاح وَإِلَّا فَلَا
ولي على هَذِه الْمَسْأَلَة كَلَام مُفْرد فِي جَوَاب سُؤال سألنيه صاحبنا الإِمَام الأديب صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي على قَول الحريري صَاحب المقامات
(جاد بِالْعينِ حِين أعمى هَوَاهُ ... عينه فانثنى بِلَا عينين)
وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي لحنه المانعون فِيهِ ولعلنا نتكلم على ذَلِك فِي تَرْجَمَة الحريري إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ
قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة يجوز أَن يكون وَزِير التَّنْفِيذ ذِمِّيا بِخِلَاف وَزِير التَّفْوِيض وَفرق بِأَن وَزِير التَّفْوِيض يولي ويعزل ويباشر الحكم ويسير الْجَيْش ويتصرف فِي بَيت المَال بِخِلَاف وَزِير التَّنْفِيذ
وَقَالَ إِذا استسقى كَافِر تخير الْأَمِير بَين سقيه وَمنعه كَمَا يتَخَيَّر بَين قَتله وَتَركه
وَقَالَ إِذا غَابَ إِمَام الْمَسْجِد وَلم يستنب استؤذن الإِمَام فَإِن تعذر اسْتِئْذَانه تراضى أهل الْبَلَد يؤمهم فَإِذا حضرت صَلَاة أُخْرَى وَالْإِمَام على غيبته فقد قيل المرتضى فِي الصَّلَاة الأولى أولى فِي الثَّانِيَة وَمَا بعد إِلَى أَن يحضر الإِمَام وَقيل بل يخْتَار

للثَّانِيَة ثَان يرتضى غير الأول لِئَلَّا يصير هَذَا الِاخْتِيَار تقليدا سلطانيا
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ ورأيي أَن يُرَاعِي حَال الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة فَإِن حضرها من حضر فِي الأولى كَانَ المرتضى فِي الأولى أَحَق وَإِن حضرها غَيرهم كَانَ الأول كأحدهم واستأنفوا اخْتِيَار إِمَام
قلد السُّلْطَان إمامين فِي مَسْجِد وَلم يخص أَحدهمَا بِزَمن وَلَا صلوَات فَأَيّهمَا سبق كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ وَلَيْسَ للْآخر أَن يؤم فِي تِلْكَ الصَّلَاة بِقوم آخَرين لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تُقَام فِي الْمَسَاجِد السُّلْطَانِيَّة جماعتان فِي صَلَاة وَاحِدَة وَاخْتلف فِي السَّبق الَّذِي يسْتَحق بِهِ التَّقَدُّم على وَجْهَيْن أَحدهمَا سبقه بالحضور إِلَى الْمَسْجِد وَالثَّانِي بِالْإِمَامَةِ فِيهِ فَإِن حضرا مَعًا وَلم يتَّفقَا على تَقْدِيم أَحدهمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقرع وَالثَّانِي يخْتَار أهل النَّاحِيَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِيمَا إِذا قَالَ قارضتك على أَن لَك سدس عشر تسع الرِّبْح وَالأَصَح فِيهِ الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَعْلُوم من الصِّيغَة يُمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهِ غير أَنا نستحب لَهما أَن يعدلا عَن هَذِه الْعبارَة الغامضة إِلَى مَا يعرف على البديهة من أول وهلة لِأَن هَذِه عبارَة قد توضح للإخفاء والإغماض قَالَ الشَّاعِر
(لَك الثُّلُثَانِ من قلبِي ... وَثلثا ثلثه الْبَاقِي)
(وَثلثا ثلث مَا يبْقى ... وَثلث الثُّلُث للساقي)
(وَتبقى أسْهم سِتّ ... تقسم بَين عشاقي)
فَانْظُر إِلَى هَذَا الشَّاعِر وبلاغته وتحسين عِبَارَته كَيفَ أغمض كَلَامه وَقسم قلبه وَجعله مجزأ على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا هِيَ مَضْرُوب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة ليَصِح مِنْهَا مخرج ثلث ثلث الثُّلُث فَجعل لمن خاطبه أَرْبَعَة وَسبعين جُزْءا من قلبه وَجعل للساقي جُزْءا وَبَقِي السِّتَّة الْأَجْزَاء ففرقها فِيمَن يحب
وَلَيْسَ للإغماض فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات وَجه مرضِي وَلَا حَال يسْتَحبّ غير أَن العقد

لَا يخرج بِهِ عَن حكم الصِّحَّة إِلَى الْفساد وَلَا عَن حَال الْجَوَاز إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يؤول بهما إِلَى الْعلم وَلَا يجهل عِنْد الحكم
انْتهى كَلَام الْمَاوَرْدِيّ
وَقد أورثه حب الْأَدَب إِدْخَال هَذِه الأبيات الغزلية فِي الْفِقْه
وَقَوله جزأ قلبه على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا وَجهه ظَاهر وَقد أعطَاهُ فِي الأول أَرْبَعَة وَخمسين وَهِي ثلثا الْقدر الْمَذْكُور ثمَّ ثلثى الثُّلُث الثَّالِث وَهِي ثَمَانِيَة عشر وَبقيت تِسْعَة فَأعْطَاهُ ثلثى ثلثهَا وَهُوَ اثْنَان وَيبقى سَبْعَة وَاحِد وَهُوَ ثلث الثُّلُث الْبَاقِي للساقي وَسِتَّة مقسومة
وَقَوله لَيْسَ للإغماض فِي الْمُعَاوَضَات حَال مرضِي فَمَمْنُوع فقد يقْصد المتعاقدان إخفاء مَا يتعاقدان عَلَيْهِ عَن سامعه لغَرَض مَا وَمثله مَذْكُور فِي بِعْتُك مثل مَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي يجب فِي سلخ جلد ابْن آدم حُكُومَة لَا تبلغ دِيَة النَّفس
ذكره قبل بَاب اصطدام الفارسين بأوراق
وَهُوَ خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه تجب الدِّيَة فِيهِ
وَفِي الْحَاوِي فِي بَاب كَيْفيَّة اللّعان لَو قَالَ لِابْنِهِ أَنْت ولد زنا كَانَ قَاذِفا لأمه
انْتهى
وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة تعم بهَا الْبلوى ذكرهَا ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ بحثا من قبل نَفسه وَكَأَنَّهُ لم يطلع فِيهَا على نقل وَزَاد ابْن الصّلاح أَنه يعزز للمشتوم
وَقَالَ عِنْد كَلَامه على إِمَامَة العَبْد إِمَامَة الْحر الضَّرِير أولى من إِمَامَة العَبْد الْبَصِير لِأَن الرّقّ نقص
انْتهى
وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ فَإِنَّهُ قطع بِأَن الْبَصِير أولى من الْأَعْمَى كَمَا يَقُول صَاحب التَّنْبِيه فَهَذِهِ صُورَة تقع مُسْتَثْنَاة من ذَلِك
وَقيد فِي بَاب اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم الصَّبِي الَّذِي يَصح أَن يؤم الْبَالِغين بالمراهق وَلم أر لَفْظَة الْمُرَاهق لغيره إِنَّمَا عبارَة الْأَصْحَاب الْمُمَيز فَإِن أَرَادَ بالمراهق الْمُمَيز وَهُوَ الظَّاهِر فقد وضع الْمُقَيد مَوضِع الْمُطلق لِأَن التَّمْيِيز أَعم من سنّ الْمُرَاهق وَإِلَّا فَلَا أعرف لَهُ قدوة فَإِن كل من أجَاز إِمَامَة الصَّبِي قنع بالتمييز
قَالَ فِي الْحَاوِي قبيل بَاب قتل الْمحرم صيدا فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة منذورة لَو اُسْتُؤْجِرَ رجلَانِ ليحجا عَنهُ فِي عَام وَاحِد أَحدهمَا يحرم بِحجَّة الْإِسْلَام وَالْآخر بِحجَّة النّذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لِأَن حج الْأَجِير يقوم مقَام حجه وَهُوَ لَا يقدر على حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد فَكَذَا لَا يَصح أَن يحجّ عَنهُ رجلَانِ فِي عَام وَاحِد
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن ذَلِك جَائِز لِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يَصح مِنْهُ حجتان فِي عَام لِاسْتِحَالَة وقوعهما مِنْهُ والأجيران قد يَصح مِنْهُمَا حجتان فِي عَام فاختلفا فعلى هَذَا أَي الأجيرين سبق بِالْإِحْرَامِ كَانَ إِحْرَامه مُتَعَيّنا لحجة الْإِسْلَام وإحرام الَّذِي بعده مُتَعَيّنا لحجة النّذر فَإِن أحرما مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا الآخر احْتمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَالَّذِي بعده بِحجَّة النّذر
وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر
انْتهى
وَقد تضمن اسْتِحَالَة حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد من رجل وَاحِد وَأَنه مفروغ مِنْهُ وَهُوَ حق وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ومتوهم خِلَافه مخطىء كَمَا قَرَّرَهُ الْوَالِد الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله
وَمن الْعجب أَن صَاحب الْبَحْر أهمل فِيهِ مَعَ كَثْرَة تتبعه للحاوي أول هَذَا الْفَصْل وَاقْتصر على قَوْله مَا نَصه فرع لَو كَانَت عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة النّذر فاستأجر رجلَيْنِ فِي عَام وَاحِد وأحرما عَنهُ فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا

الآخر يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَمَا بعده بِحجَّة النّذر
وَالثَّانِي يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر
انْتهى
ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَو أسلم إِلَيْهِ فِي جَارِيَة بِصفة فَأَتَاهُ بهَا على تِلْكَ الصّفة وَهِي زَوجته لم يلْزمه قبُولهَا لِأَنَّهُ لَو قبلهَا بَطل نِكَاحه فَيدْخل عَلَيْهِ بقبولها نقض
قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا أسلمت فأحضر إِلَيْهَا زَوجهَا لم يلْزمهَا الْقبُول لما فِيهِ من فسخ النِّكَاح
وَاعْتَرضهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن الزواج عيب فِي الزَّوْج وَالْأمة فَعدم إِيجَاب الْقبُول لوُجُود الْعَيْب لَا لخوف الضَّرَر بِفَسْخ النِّكَاح
قلت وَهُوَ اعْتِرَاض صَحِيح إِن لم تكن صُورَة الْمَسْأَلَة أَنه أسلم فِي أمة ذَات زوج وَالَّذِي يظْهر وَعَلِيهِ جرى الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج أَن الْمَسْأَلَة مصورة بِمن أسلم فِي أمة ذَات زوج
ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِذا كَانَ كَذَلِك أمكن أَن يُقَال إِذا قبض الْمحْضر وَلم يعرف الْمُسلم الصُّورَة فَإِن لم يرد انْفَسَخ النِّكَاح وَلَو رد وَلم يرض بِهِ يكون فِي انفساخه خلاف مَبْنِيّ على أَن الدّين النَّاقِص هَل يملك بِالْقَبْضِ ويرتد بِالرَّدِّ أَو لَا يملك إِلَّا بِالرِّضَا بعده فعلى الأول يَنْفَسِخ النِّكَاح وعَلى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخ
وَقد يُجَاب بِأَن النِّكَاح لما كَانَ يرْتَفع بِالتَّسْلِيمِ وَإِن كَانَ عَيْبا قدر عَدمه فِي الْحَال نظرا لما جعل الْمُحَقق الْوُقُوع كالواقع والمشرف على الزَّوَال كالزائد وَيشْهد لذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه إِذا اشْترى جَارِيَة وَزوجهَا وَقَالَ لَهَا الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت

طَالِق فَإِن للْمُشْتَرِي ردهَا بِمَا اطلع عَلَيْهِ من عيبها لِأَن الزَّوْجِيَّة تَزُول بِالرَّدِّ وقدرت كالمعدومة
وَالثَّانِي أَنه لَو قتل أمة مُزَوّجَة يلْزمه قيمتهَا خلية عَن الزَّوْج
قلت والفرعان المستشهد بهما ممنوعان
أما قَول الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت طَالِق فَهُوَ شَيْء قَالَه وَالِد الرَّوْيَانِيّ وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ
وَقد قَالَ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج الْأَقْرَب خِلَافه
وَأما من قتل أمة مُزَوّجَة فَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا يلْزمه قيمتهَا ذَات زوج
وَحكى الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ الرَّوْيَانِيّ وَجْهَيْن فِيمَا لَو أسلم إِلَيْهِ فِي عبد فَأَتَاهُ بأَخيه أَو عَمه وَجْهَيْن فِي أَنه هَل لَهُ الِامْتِنَاع من قبُوله لِأَن من الْحُكَّام من يحكم بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فَيكون قبُوله ضَرَرا أما لَو أَتَاهُ بِأَبِيهِ أَو جده فَلَا يلْزمه الْقبُول قطعا فَإِن قَبضه وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم فَفِي صِحَة الْقبُول وَجْهَان
قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَذكر فِي الْيَمين الْغمُوس أَنَّهَا أوجبت الْكَفَّارَة وَهِي محلولة غير منعقدة وَبِه جزم ابْن الصّلاح فِي شرح مُشكل الْوَسِيط وَقَالَ إِنَّمَا وَجَبت الْكَفَّارَة بِمُجَرَّد العقد وَهُوَ كَونه حلف والحنث وَهُوَ كَونه كذب
وَالَّذِي صرح بِهِ صَاحب الْبَحْر أَنَّهَا منعقدة وَهُوَ قَضِيَّة تَصْرِيح صَاحب التَّنْبِيه والرافعي وَغَيرهمَا وَهُوَ الْأَشْبَه واللائق لمن يُوجب الْكَفَّارَة
وَكَلَام ابْن الصّلاح يؤول إِلَى أَنه لَا يلْزم من عقد انْعِقَاد وَفِيه نظر
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فِي كَلَامه على الْيَمين الْغمُوس فِي أثْنَاء الْحجَّاج أَن الْحلف بالمخلوق حرَام وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام أَن الْأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ غير محرم وَإِنَّمَا هُوَ مَكْرُوه
وَعبارَة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أخْشَى بِأَنَّهُ يكون الْحلف بِغَيْر الله مَعْصِيّة
وَقد اقْتصر الْمَاوَرْدِيّ عِنْد كَلَامه فِي هَذَا النَّص على الْكَرَاهَة كَمَا فعله الْمُعظم
نقل الرَّافِعِيّ أَن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة إِن للْقَاضِي أَن يحكم على عدوه بِخِلَاف الشَّهَادَة عَلَيْهِ لِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الْعَدَاوَة خافية وَهُوَ كَمَا نَقله فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة لكنه أطلق فِي الْمَسْأَلَة فِي الْحَاوِي عِنْد الْكَلَام فِي التَّحْكِيم ثَلَاثَة أوجه ثَالِثهَا الْفرق بَين الحكم والتحكيم فَيجوز على الْعَدو لاختياره وَالْحكم بِولَايَة الْقَضَاء فَلَا يجوز وَلم يرجح فِيهَا شَيْئا وَقيد الْمَسْأَلَة قبل ذَلِك وَهَذِه عِبَارَته قَالَ قبل بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَيجوز أَن يحكم لعَدوه على عدوه وَجها وَاحِدًا وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ بِخِلَاف الْوَالِدين والمولودين لوُقُوع الْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَسبَاب الْعَدَاوَة طارئة تَزُول بعد وجودهَا الْحَادِث بعد عدمهَا وَأَسْبَاب الْأَنْسَاب لَازمه لَا تَزُول وَلَا تحور فغلظت هَذِه وخففت تِلْكَ
الثَّانِي أَن الْأَنْسَاب محصورة متعينة والعداوة منتشرة مُبْهمَة فيفضي ترك الحكم مَعهَا إِلَى امْتنَاع كل مَطْلُوب بِمَا يَدعِيهِ من الْعَدَاوَة
انْتهى
غير أَن هذَيْن الفرقين يقتضيان جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ وَإِذا تَأَمَّلت الفرقين عرفت اندفاع قَول الشَّافِعِي مشككا عَلَيْهِ وَهَذَا يشكل بالتسوية بَينهمَا فِي حق الأبعاض وَغَيره وَعرفت أَيْضا أَنه إِن لم يكن الْأَمر كَمَا نَقله من جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا وَإِلَّا فالعلة عَامَّة وَالدَّعْوَى خَاصَّة فَإِنَّهُ قد يُقَال يقْضِي لعَدوه

على عدوه كَمَا يقْضِي لِلْأُصُولِ على الْفُرُوع وَبِالْعَكْسِ على الْخلاف فِيهِ وَإِن لم يقْض عَلَيْهِ مُطلقًا وَاقْتصر الرَّافِعِيّ فِي الْقَضَاء لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع على وَجْهَيْن وَفِي الْحَاوِي وَجه ثَالِث أَنه يقْضى لَهُم بِالْإِقْرَارِ لبعد التُّهْمَة فِيهِ وَلَا يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض فِي أواخره وَلَو لم يذكر القَاضِي فِي كِتَابه سَبَب حكمه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق
وَسَأَلَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عَن السَّبَب الَّذِي حكم بِهِ عَلَيْهِ نظر فَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لم يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَيَمِين الطَّالِب يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِن كَانَ الحكم بِحَق فِي الذِّمَّة لم يلْزمه ذكره لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعهَا بِمِثْلِهَا وَإِن كَانَ الحكم بِعَين قَائِمَة لزمَه أَن يذكرهَا لِأَنَّهُ يقدر على مقابلتها بِمِثْلِهَا وتترجح بَيِّنَة الْيَد فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام
انْتهى
وَقد أَخذ صَاحب الْبَحْر قَوْله فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَقَالَ وَإِن لم يذكر القَاضِي مَا حكم بِهِ مِنْهَا فِي كِتَابه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق فَهَل يجوز وَجْهَان
قلت وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بعد الْجَوَاز هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ عِنْد قَوْله فِي الرُّكْن الثَّالِث فِي كَيْفيَّة إنهاء الحكم إِلَى قَاض آخر وَفِي فحوى كَلَام الْأَصْحَاب مَانع من إِبْهَام الْحجَّة لما فِيهِ من سد بَاب الطعْن والقدح على الْخصم وَبِهَذَا الْوَجْه يتسلق إِلَى منازعته فِي جزمه قبل ذَلِك قَالَ القَاضِي لَو قَالَ على سَبِيل الحكم نسَاء هَذِه الْقرْيَة طَوَالِق من أَزوَاجهنَّ يقبل وَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة
ذكره فِي آخر الثَّالِثَة من الْفَصْل الثَّانِي فِي الْعَزْل ثمَّ قَالَ مَسْأَلَة عِنْد الْكَلَام فِي الْقَضَاء

بِالْعلمِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَجَابُوا عَن معنى التُّهْمَة قَالَ القَاضِي لَو قَالَ ثَبت عِنْدِي وَصَحَّ لدي كَذَا لزم قبُوله وَلم يبْحَث عَمَّا صَحَّ وَثَبت
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي تَسْمِيَة القَاضِي الشُّهُود الَّذين حكم بِشَهَادَتِهِم فِيهِ للنَّاس خلاف قديم بَين الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَحْر وَغَيرهمَا
كَانَ الشَّافِعِيَّة يَقُولُونَ الأولى التَّسْمِيَة وَذَاكَ أحوط للمحكوم عَلَيْهِ
وَكَانَ الْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ الأولى تَركه وَهُوَ أحوط للْمَشْهُود عَلَيْهِ
وَالْمَاوَرْدِيّ ذكر الْمَسْأَلَة فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَحكى فِي بَاب مَا على القَاضِي فِي الْخُصُوم وَالشُّهُود أَن أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج كَانَ يخْتَار مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك
قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فَإِن لم يسمهما قَالَ شهد عِنْدِي رجلَانِ حران عرفهما بِمَا يجوز بِهِ قبُول شَهَادَتهمَا وَإِن سماهما قَالَ شهد عِنْدِي فلَان وَفُلَان وَقد ثَبت عِنْدِي عدالتهما
قلت فيجتمع من الْكَلَامَيْنِ فِي التَّسْمِيَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تَركه أولى وَهُوَ رَأْي ابْن سُرَيج
وَالثَّانِي أَن ذكره أولى وَلَكِن لَا يجب
وَالثَّالِث أَنه وَاجِب وعَلى الْوُجُوب لَا يخفى إِيجَابه إبداء الْمُسْتَند إِذا طُولِبَ بِهِ وعَلى عدم الْوُجُوب هَل يجب إبداؤه إِذا سُئِلَ فِيهِ مَا تقدم من تَفْصِيل الْمَاوَرْدِيّ غير أَن قَوْله فِي الْيَمين الْمَرْدُودَة يبْنى على أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَو كالبينة فَهِيَ لَا تخرج عَنْهُمَا وَإِن كَانَ الْإِقْرَار فِيهَا ضمنا
وَقد سبق فِي تَرْجَمَة ابْن سُرَيج مَا إِذا ضم إِلَيْهِ هَذَا صَار كلَاما فِي الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة
الْمُرْتَد يعود إِلَى الْإِسْلَام هَل تقبل شَهَادَته بِمُجَرَّد عوده أَو يحْتَاج إِلَى الِاسْتِبْرَاء كالفاسق يَتُوب وَهِي مَسْأَلَة مهمة وللنظر فِيهَا وَقْفَة فَإِنَّهُ قد يستصعب عدم استبرائه مَعَ كَون مَعْصِيَته أغْلظ الْمعاصِي ويستصعب استبراؤه وَالْإِسْلَام يجب مَا قبله
وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَام فقهائنا قاطبة الْجَزْم بِعَدَمِ استبرائه وَأَنه يعود بِالشَّهَادَتَيْنِ إِلَى حَاله قبل ردته وَادّعى ابْن الرّفْعَة نفي الْخلاف فِي ذَلِك وَحكى عَن الْأَصْحَاب أَنهم فرقوا بِأَنَّهُ إِذا أسلم فقد أَتَى بضد الْكفْر فَلم يبْق بعده احْتِمَال وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا أظهر التَّوْبَة بعد الزِّنَا وَالشرب لِأَن التَّوْبَة لَيست مُقَيّدَة بالمعصية بِحَيْثُ ينفيها من غير احْتِمَال فَلهَذَا اعْتبرنَا فِي سَائِر الْمعاصِي صَلَاح الْعَمَل وَحكى هَذَا الْفرق عَن القَاضِي أبي الطّيب وَغَيره
قلت وَالْحَاصِل أَن الْمُرْتَد بِإِسْلَامِهِ تحققنا أَنه جَاءَ بضد الرِّدَّة وَلَا كَذَلِك التائب من الزِّنَا وَنَحْوه
وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا الْفرق الشَّيْخ أَبُو حَامِد فَقَالَ فِي تعليقته فِي الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف مَا نَصه فَإِن قيل مَا الْفرق بَين الْقَاذِف وَالْمُرْتَدّ حَتَّى قُلْتُمْ الْقَاذِف يُطَالب بِأَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل وَالْمُرْتَدّ لَا يُطَالب بِأَن يَقُول الْكفْر بَاطِل أجَاب بِأَنَّهُ لَا فرق فِي الْمَعْنى وَذكر نَحْو ذَلِك وَقد قدمنَا عِبَارَته عَن هَذَا فِي تَرْجَمَة الْإِصْطَخْرِي فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة
وَمَا نَقله ابْن الرّفْعَة عَن القَاضِي أبي الطّيب رَأَيْته فِي تعليقته كَمَا نَقله
وَلَفظه فَإِن قيل فَكيف اعتبرتم صَلَاح الْعَمَل فِي التَّوْبَة الَّتِي هِيَ فعل وَلم تعتبروه هَاهُنَا فَالْجَوَاب أَنه إِذا

أسلم فقد أَتَى بضد الْكفْر وَلم يبْق بعد ذَلِك احْتِمَال وَلَيْسَ كَذَلِك إِذا كَانَ قد زنى أَو سرق ثمَّ تَابَ لِأَن تَوْبَته لَيست مضادة لمعصيته بِحَيْثُ يَتْرُكهَا من غير احْتِمَال فَلهَذَا اعْتبرنَا فِيهِ صَلَاح الْعَمَل
انْتهى
ذكره فِي الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف فِي بَاب شَهَادَة الْقَاذِف وَهُوَ صَحِيح لَكنا نفيدك هُنَا أَن الْمَاوَرْدِيّ لم يسلم أَن الْمُرْتَد لَا يستبرأ مُطلقًا بل فصل فِيهِ فَقَالَ فِي الْحَاوِي فِي بَاب شَهَادَة الْقَاذِف مَا نَصه فَإِذا أَتَى الْمُرْتَد بِمَا يكون بِهِ تَائِبًا عَاد إِلَى حَاله قبل ردته فَإِن كَانَ مِمَّن لَا تقبل شَهَادَته قبل ردته لم تقبل بعد تَوْبَته حَتَّى يظْهر مِنْهُ شُرُوط الْعَدَالَة وَإِن كَانَ مِمَّن تقبل شَهَادَته قبل الرِّدَّة نظر فِي التَّوْبَة فَإِن كَانَت عِنْد اتقائه للْقَتْل لم تقبل شَهَادَته بعد التَّوْبَة إِلَّا أَن يظْهر مِنْهُ شُرُوط الْعَدَالَة باستبراء حَاله وَصَلَاح عمله وَإِن تَابَ من الرِّدَّة عفوا غير متق بهَا الْقَتْل عَاد بعد التَّوْبَة إِلَى عَدَالَته
انْتهى
وَذكره الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَيْضا بقريب من هَذَا أَبُو بِلَفْظِهِ سَوَاء
وقولهما عِنْد اتقائه للْقَتْل هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق أَي عِنْد إِسْلَامه تقية وَإِنَّمَا نبهت على ذَلِك لِأَنِّي وجدت من صحفه فَجعل مَوضِع التَّاء لاما وقرأه عِنْد إلقائه للْقَتْل ثمَّ فسره بالتقديم إِلَى الْقَتْل وَلَيْسَ كَذَلِك بل عِنْد الْإِسْلَام تقية من الْقَتْل سَوَاء كَانَ عِنْد التَّقْدِيم للْقَتْل أَو قبل
وَفِي أدب الْقَضَاء لشريح الرَّوْيَانِيّ مَا نَصه وَإِذا أسلم الْكَافِر هَل تقبل شَهَادَته فِي الْحَال من غير اسْتِبْرَاء قد قيل فِيهِ وَجْهَان وَقيل إِذا أسلم الْمُرْتَد لَا تقبل شَهَادَته إِلَّا بعد اسْتِبْرَاء حَاله وَغَيره إِذا أسلم تقبل شَهَادَته فِي الْحَال وَالْفرق أَن كفره مغلظ
انْتهى
فَتخرج من كَلَامه مَعَ مَا تقدم فِي الْمُرْتَد يسلم ثَلَاثَة أوجه فِي وجوب الِاسْتِبْرَاء ثَالِثهَا الْفرق بَين الْإِسْلَام تقية وَغَيره وَأما الْكَافِر الْأَصْلِيّ فالوجهان فِيهِ غَرِيبَانِ ويوافق مَا ذكره فِيهِ قَول الدَّارمِيّ فِي استذكاره بعد الْكَلَام على تَوْبَة الْقَاذِف وَكَذَلِكَ تختبر الْكفَّار إِذا أَسْلمُوا فقد أطلق اختبار الْكفَّار
مَسْأَلَة الْوَصِيَّة لسَيِّد النَّاس ولأعلمهم
قَالَ فِي الْحَاوِي قبل بَاب الْوَصِيَّة لَو قَالَ اعطوا ثُلثي مَالِي لأصلح النَّاس ولأعلمهم كَانَ مصروفا فِي الْفُقَهَاء لاضطلاعهم بعلوم الشَّرِيعَة الَّتِي هِيَ بِأَكْثَرَ الْعُلُوم مُتَعَلقَة
وَلَو أوصى بِثُلثِهِ لسَيِّد النَّاس كَانَ للخليفة
رَأَيْت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي الْمَنَام فَجَلَست مَعَه ثمَّ قُمْت أماشيه فَضَاقَ الطَّرِيق بِنَا فَوقف فَقلت لَهُ تقدم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإنَّك سيد النَّاس فَقَالَ لَا تقل هَكَذَا فَقلت بلَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَلا ترى أَن رجلا لَو أوصى بِثُلثِهِ لسَيِّد النَّاس كَانَ للخليفة أَنا أفتيكم بِهَذَا فَخط خطي بِهِ وَلم أكن سَمِعت هَذِه الْمَسْأَلَة قبل الْمَنَام وَلَيْسَ الْجَواب إِلَّا كَذَلِك لِأَن سيد النَّاس هُوَ الْمُتَقَدّم عَلَيْهِم والمطاع فيهم وَهَذِه صفة الْخَلِيفَة الْمُتَقَدّم على جَمِيع الْأمة
انْتهى
مَسْأَلَة الْجَهْر فِي قنوت الصُّبْح
وَأفَاد الْمَاوَرْدِيّ أَن الْجَهْر بقنوت الصُّبْح دون جهر الْقِرَاءَة وَهِي مَسْأَلَة نافعة مليحة فِي الِاسْتِدْلَال على مَشْرُوعِيَّة الْقُنُوت
وَهَذَا لفظ الْحَاوِي فِي الْقُنُوت وَإِن كَانَ إِمَامًا فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا يسر بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاء
إِلَى أَن قَالَ مَا نَصه وَالْوَجْه الثَّانِي يجْهر بِهِ كَمَا يجْهر بقوله سمع الله لمن حَمده
لَكِن دون جهر الْقِرَاءَة
انْتهى
والرافعي اقْتصر تبعا لغير وَاحِد على حِكَايَة الْوَجْهَيْنِ فِي الْجَهْر من غير تَبْيِين لكيفيته

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي