سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب التجيبي القرطبي الذهبي أبي الوليد الباجي
تاريخ الولادة | 403 هـ |
تاريخ الوفاة | 474 هـ |
العمر | 71 سنة |
مكان الولادة | باجة - الأندلس |
مكان الوفاة | المرية - الأندلس |
أماكن الإقامة |
|
- أحمد بن عبد الملك بن موسى أبي العباس بن أبي جمرة
- عبد الله بن فرج بن غزلون اليحصبي أبي محمد "ابن العسال"
- أحمد بن سليمان بن خلف الباجي أبي القاسم "أبي القاسم أحمد"
- محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان بن أيوب الفهري أبي بكر "ابن أبي رندقة محمد الطرطوشي"
- علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهب الجذامي الأندلسي "أبي الحسن"
- عيسى بن محمد بن عبد الله بن عيسى الزهري الشنتريني "أبي الأصبغ"
- هشام بن أحمد بن هشام الهلالي الغرناطي "أبي الوليد"
- عبد الله بن طلحة اليابري الإشبيلي
- منصور بن الخير بن يعقوب بن يملا المغراوي الأندلسي "ابن يملا الأحدب"
- الحسين بن محمد بن فيره بن حيون الصدفي السرقسطي الأندلسي أبي علي "ابن سكرة"
- الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني الأندلسي أبي علي
- سفيان بن العاص بن أحمد بن العاص بن سفيان بن عيسى الأسدي المربيطري "أبي بحر"
- محمد بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي أبي بكر "ابن مفوز"
- عبد الله بن محمد الخشني
- عبد الله بن علي بن أحمد بن علي اللخمي الأندلسي الشاطبي
- سليمان بن نجاح بن أبي القاسم الأموي أبي داود
- طاهر بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي أبي الحسن "ابن مفوز"
نبذة
الترجمة
- القاضي أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف التميمي: الفقيه الحافظ النظار العالم المتفنن المؤلف المتقن المتفق على جلالته علماً وفضلاً وديناً. أخذ عن أبي الأصبغ بن شاكر ومحمد بن إسماعيل وأبي محمد مكي والقاضي يونس بن عبد الله بن مغيث، رحل للمشرق سنة 426 هـ وحجّ أربع حجج وأقام بمكة أربعة أعوام مع أبي ذر الهروي وأكثر نسخ البخاري الصحيحة بالمغرب إما رواية الباجي عن أبي ذر بسنده وإما رواية أبي علي الصدفي بسنده، وأقام ببغداد ثلاثة أعوام يدرس ويقرىء الحديث، وسمع من ابن المطوعي وابن محرز وابن الوراق وابن عمروس، وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب وهو روى عنه فكل روى عن صاحبه، وسمع من الطبري والدامغاني وعنه روى ابن عبد البر ومما يفتخر به أنه روى عنه حافظا المشرق والمغرب أبو بكر الخطيب وابن عبد البر ومما أسن منه. تفقه به جماعة منهم ابنه أحمد وأبو عبد الله الحميدي وعلي بن عبد الله الصقلي وأحمد بن غزلون وأبو بكر الطرطوشي والحافظان أبو علي الجياني الصدفي وأبو القاسم المعافري وابن أبي جعفر والقاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن بشير المتوفى سنة 453 هـ ومن لا يعد كثرة وبينه وبين ابن حزم الظاهري مناظرات ومجالس مدونة، وكان ابن حزم يقول: لو لم يكن لأصحاب المذهب المالكي إلا عبد الوهاب والباجي لكفاهم، صنف كتباً كثيرة نافعة منها: التسديد إلى معرفة التوحيد وسنن المنهاج وفي نسخة السراج، وترتيب الحاج، وأحكام الفصول في أحكام الأصول، والتعديل والتجريح لما خرج عنه البخاري في الصحيح، وشرح الموطأ وهو نسختان: إحداهما الاستيفاء كتاب مفيد كثير العلم ثم انتقى منها فوائد سماها المنتقى في سبع مجلدات وهو أحسن كتاب ألف في مذهب مالك شاهد له بالتبحر في العلوم، وله الاملاء مختصر المنتقى قدر ربعه، ومختصر المختصر في مسائل المدونة، واختصار الموطآت وكتاب الإشارة في أصول الفقه، وكتاب الحدود، وكتاب سنن الصالحين وفهرست وغير ذلك وهي ثلاثون مؤلفاً. مولده سنة 403 هـ وتوفي سنة 474 هـ[1081 م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ الْعَلامَة الْحَافِظ ذُو الْفُنُون سُلَيْمَان بن خلف بن سعيد بن أَيُّوب التجِيبِي الْقُرْطُبِيّ الذَّهَبِيّ صَاحب التصانيف
ولد سنة ثَلَاث وَأَرْبَعمِائَة
ورحل ولازم أَبَا ذَر الْحَافِظ وتفقه بِالْقَاضِي أبي الطّيب الطَّبَرِيّ وَابْن عمروس الْمَالِكِي
وبرع فِي الحَدِيث وَعلله وَرِجَاله وَالْفِقْه وغوامضه وَالْكَلَام ومضايقه
وتفقه بِهِ الْأَصْحَاب وروى عَنهُ خلائق وصنف فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل وَالتَّفْسِير وَالْفِقْه وَالْأُصُول مَاتَ بالمرية تَاسِع عشر رَجَب سنة أَربع سبعين وَأَرْبَعمِائَة
طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.
سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي، أبو الوليد الباجي:
فقيه مالكي كبير، من رجال الحديث. أصله من بطليوس (Badajoz) ومولده في باجة (Beja) بالأندلس. رحل إلى الحجاز سنة 426 هـ فمكث ثلاثة أعوام. وأقام ببغداد ثلاثة أعوام، وبالموصل عاما، وفي دمشق وحلب مدة. وعاد إلى الأندلس، فولي القضاء في بعض أنحائها. وتوفي بالمرية Almeria من كتبه (السراج في علم الحجاج) و (إحكام الفصول، في أحكام الأصول - خ) منه نسخة في مجلد ضخم، في خزانة القرويين بفاس، كتبت سنة 681 هـ (الرقم 40 / 621) و (التسديد إلى معرفة التوحيد) و (اختلاف الموطّآت) و (شرح فصول الأحكام، وبيان ما مضى به العمل من الفقهاء والحكام - خ) و (الحدود) و (الإشارة - خ) رسالة في أصول الفقه، و (فرق الفقهاء) و (المنتقى - ط) كبير، في شرح موطأ مالك و (شرح المدونة) و (التعديل والتجريح لمن روى عنه البخاري في الصحيح).
-الاعلام للزركلي-
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، ذُو الفُنُوْنِ، القَاضِي، أَبُو الوليد، سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفِ بنِ سَعْدِ بنِ أَيُّوْبَ بنِ وَارِث التَّجيبي، الأَنْدَلُسِيُّ، القُرْطُبِيُّ، البَاجِيُّ، الذَّهَبِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.
أَصلُهُ مِنْ مدينَة بَطَلْيَوس، فَتحوّل جَدُّه إِلَى باجَة -بُليدَة بِقُرْبِ إِشبيليَة- فَنُسب إِلَيْهَا، وَمَا هُوَ مِنْ باجَةَ المَدِيْنَةِ الَّتِي بِإِفْرِيْقِيَّةَ، الَّتِي يُنسب إِلَيْهَا الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيّ البَاجِيّ، وَابْنه الحَافِظ الأَوحدُ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ البَاجِيّ، وَهُمَا مِنْ عُلَمَاء الأَنْدَلُس أَيْضاً.
وَلد أَبُو الوَلِيْدِ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَأَخَذَ عَنْ: يُوْنُسَ بنِ مُغِيْث، وَمَكِّي بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدِ بن إِسْمَاعِيْلَ، وَأَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَبْدِ الوَارِثِ.
وَارْتَحَلَ سَنَةَ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ، فَحجَّ، ولو مدها إلى العراق وَأَصْبَهَان؛ لأَدْرَكَ إِسْنَاداً عَالِياً، وَلَكِنَّهُ جَاور ثَلاَثَة أَعْوَام، مُلاَزِماً لِلحَافظ أَبِي ذَرٍّ، فَكَانَ يُسَافِرُ مَعَهُ إِلَى السَّرَاة، وَيَخدمُه، فَأَكْثَرَ عَنْهُ، وَأَخَذَ علمَ الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ وَالكَلاَم.
ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ، فَسَمِعَ مِنْ: أَبِي القَاسِمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الطُّبَيز، وَالحَسَنِ بن السِّمْسَار، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْع، وَمُحَمَّدِ بن عَوْفٍ المُزَنِيّ.
وَارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، فَسَمِعَ: عُمَرَ بن إِبْرَاهِيْمَ الزُّهْرِيّ، وَأَبَا طَالبٍ مُحَمَّدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ غَيْلاَنَ، وَأَبَا القَاسِمِ الأَزْهَرِيّ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بن عَلِيٍّ الأَزَجِيّ، وَمُحَمَّدَ بن عَلِيٍّ الصُّوْرِيّ الحَافِظ، -وَصَحِبَه مُدَّة-، وَمُحَمَّدَ بن عبد الوَاحِدِ بن رزمَة، وَالحَسَنَ بن مُحَمَّدٍ الخلاَّل، وَخَلْقاً سِوَاهُم.
وَتَفَقَّهَ بِالقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبرِيّ، وَالقَاضِي أَبِي عَبْدِ اللهِ الصَّيْمَرِيّ، وَأَبِي الفَضْلِ بن عَمْروس المَالِكِيّ.
وذهبَ إِلَى المَوْصِل، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً عَلَى القَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ السِّمنَانِيّ المُتَكَلِّم، صَاحِبِ ابْنِ البَاقِلاَّنِيّ، فَبرَّز فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْه وَالكَلاَم والأصول والأدب.
فَرَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ بَعْد ثَلاَثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِعِلْمٍ غزِيْر، حصَّله مَعَ الفَقْر وَالتَّقَنُّعِ بِاليَسِيْر.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ، وأبو محمد بن حزم، وأبو بكر الخَطِيْبُ، وَعَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّقَلِّيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الحُمَيْدِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ غَزْلُوْنَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة الصَّدَفِيّ، وَأَبُو بَكْرٍ الفِهْرِيُّ الطُّرطوشي، وَابْنُه الزَّاهِد أَبُو القَاسِمِ بنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ سَهْل السَّبْتِيّ، وأبو بحر سفيان بن العاص، ومحمد بن أَبِي الخَيْرِ القَاضِي, وَخَلْقٌ سِوَاهُم.
وَتَفَقَّهَ بِهِ أَئِمَّةٌ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ النَّفِيسَة.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: آجرَ أَبُو الوَلِيْدِ نَفْسَه بِبَغْدَادَ لحرَاسَة درب، وَكَانَ لَمَّا رَجَعَ إِلَى الأَنْدَلُسِ يَضربُ وَرق الذَّهَبِ لِلغَزْل، وَيَعقدُ الوثَائِق قَالَ لِي أَصْحَابُه: كَانَ يَخْرُجُ إِلَيْنَا لِلإِقْرَاءِ وَفِي يَدِهِ أَثَرُ المِطرقَة، إِلَى أَنْ فَشَا علمُه، وَهَيَّتَتِ الدُّنْيَا بِهِ، وَعَظُمَ جَاهُهُ، وَأُجزلت صِلاَتُه، حَتَّى تُوُفِّيَ عَنْ مَالٍ وَافرٍ، وَكَانَ يَسْتَعْمَلُهُ الأَعيَانُ فِي تَرَسُّلهُم، وَيَقْبَلُ جَوَائِزهُم، وَلِيَ القَضَاءَ بِموَاضِع مِنَ الأَنْدَلُس، وَصَنَّفَ كِتَاب المنتقَى فِي الفِقْه، وَكِتَاب المَعَانِي فِي شرح المُوَطَّأ، فَجَاءَ فِي عِشْرِيْنَ مُجلَّداً، عديمَ النّظير.
قَالَ: وَقَدْ صَنَّفَ كِتَاباً كَبِيْراً جَامِعاً، بلغَ فِيْهِ الغَايَةَ، سَمَّاهُ "الاسْتيفَاء"، وَلَهُ كِتَاب "الإِيمَاء فِي الفِقْه" خَمْس مُجَلَّدَات، وَكِتَابُ "السّراج فِي الخلاَف" لَمْ يَتم، وَ"مُخْتَصَر المُخْتَصَر فِي مَسَائِل المدوّنَة"، وَلَهُ كِتَابٌ فِي اخْتِلاَف الْمُوَطَّآت، وَكِتَابٌ فِي الجرح وَالتعديل، وَكِتَابُ "التّسَدِيْد إِلَى مَعْرِفَة التَّوحيد"، وَكِتَاب "الإِشَارَة فِي أُصُوْل الفِقْه"، وَكِتَابُ "إِحكَام الْفُصُول في أحكام لأصول"، وَكِتَاب "الحُدُوْد"، وَكِتَابُ "شَرْح المنهَاج"، وَكِتَابُ "سنَن الصَّالِحِيْنَ وَسنن العَابِدين"، وَكِتَابُ "سُبل الْمُهْتَدِينَ"، وَكِتَابُ "فِرق الفُقَهَاء"، وَكِتَاب "التَّفْسِيْر" لَمْ يَتمه، وَكِتَابُ "سَنن المنهَاج وَتَرْتِيْب الحجَاج".
قَالَ الأَمِيْر أَبُو نَصْرٍ: أَمَا البَاجِيّ ذُو الوزَارَتَيْنِ فَفَقيهٌ متكلّم، أَديبٌ شَاعِر، سَمِعَ بِالعِرَاقِ، وَدرّس الكَلاَم، وَصَنَّفَ ... إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ جَلِيْلاً رفِيعَ الْقدر وَالخَطَر، قَبْرُهُ بِالمَرِيَّة.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيّ: مَا رَأَيْتُ مِثْل أَبِي الوَلِيْد البَاجِيّ، وَمَا رَأَيْتُ أَحَداً عَلَى سِمَته وَهيئته وَتوقيرِ مَجْلِسه. وَلَمَّا كُنْتُ بِبَغْدَادَ قَدِمَ وَلدُه أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ، فَسرتُ مَعَهُ إِلَى شَيْخنَا قَاضِي القُضَاة الشَّامِيّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَدَامَ اللهُ عِزَّكَ، هَذَا ابْنُ شَيْخ الأَنْدَلُس. فَقَالَ: لَعَلَّهُ ابْن البَاجِيّ? قُلْتُ: نَعم. فَأَقْبَل عَلَيْهِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاض: كَثُرَتِ القَالَةُ فِي أَبِي الوَلِيْد لِمُدَاخلته لِلرُؤِسَاء، وَوَلِيَ قَضَاءَ أَمَاكن تَصغُر عَنْ قدره كَأُورِيُولَة، فَكَانَ يَبعث إِلَيْهَا خُلَفَاءهُ، وَرُبَّمَا أتَاهَا المَرَّةَ وَنَحْوهَا، وَكَانَ فِي أَوّل
أَمره مُقِلاًّ حَتَّى احْتَاجَ فِي سَفَره إِلَى القَصْدِ بِشعرِهِ، وَإِيجَار نَفْسِه مُدَّة مُقَامه بِبَغْدَادَ فيما سمعته، مُسْتفِيضاً لحرَاسَةِ دربٍ، وَقَدْ جمع وَلدُه شعرَه، وَكَانَ ابْتدَأَ بِكِتَابِ "الاسْتيفَاء" فِي الفِقْه، لَمْ يَضع مِنْهُ سِوَى كِتَاب الطّهَارَة فِي مُجَلَّدَات. قَالَ لِي: وَلَمَّا قَدِمَ مِنَ الرّحلَة إِلَى الأَنْدَلُسِ وَجَد لَكَلاَم ابْن حَزْمٍ طَلاَوَةٌ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ خَارِجاً عَنِ المَذْهَب، وَلَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ مَنْ يَشتغِلُ بِعِلْمه، فَقَصُرَتْ أَلسَنَةُ الفُقَهَاء عَنْ مُجَادلته وَكَلاَمِه، وَاتَّبعه عَلَى رَأْيه جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الجَهْل، وَحلَّ بجَزِيْرَة مَيُورقَة، فَرَأَسَ فِيْهَا، وَاتَّبَعه أَهْلُهَا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو الوَلِيْدِ؛ كلَّمُوْهُ فِي ذَلِكَ، فَدَخَلَ إِلَى ابْنِ حَزْم، وَنَاظره، وَشهرَ بَاطِله. وَلَهُ مَعَهُ مَجَالِس كَثِيْرَة. قَالَ: وَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو الوَلِيْدِ فِي حَدِيْث الكِتَابَةِ يَوْم الحُدَيْبِيَة الَّذِي فِي صَحِيْح البُخَارِيّ. قَالَ بِظَاهِرِ لَفظه، فَأَنْكَر عَلَيْهِ الفَقِيْهُ أَبُو بَكْرٍ بنُ الصَّائِغ، وَكَفَّرهُ بِإِجَازته الكَتْبَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ، وَأَنَّهُ تَكذِيبٌ لِلقُرْآن، فَتَكَلَّم فِي ذَلِكَ مِنْ لَمْ يَفهم الكَلاَمَ، حَتَّى أَطلقُوا عَلَيْهِ الفِتْنَةَ، وَقبَّحُوا عِنْد العَامَّة مَا أَتَى بِهِ، وَتَكلّم بِهِ خُطَبَاؤُهم فِي الجُمَع، وَقَالَ شَاعِرهُم:
بَرِئْتُ مِمَّنْ شَرَى دُنْيَا بآخرةٍ ... وَقَالَ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَدْ كَتَبَا
فَصَنَّف القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ "رِسَالَةً" بَيَّنَ فِيْهَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادحٍ فِي المُعجزَة، فَرَجَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ.
قُلْتُ: يَجوز عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمه لَيْسَ إِلاَّ، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه أُمِّياً، وَمَا مَنْ كَتب اسْمَه مِنَ الأُمَرَاء وَالوُلاَة إِدمَاناً لِلعلاَمَةِ يُعَدُّ كَاتِباً، فَالحكمُ لِلغَالِب لاَ لِمَا نَدَرَ، وَقَدْ قال عليه السلام: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمَيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ" . أَي لأَنَّ أَكْثَرهم كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِم الكَتَبَةُ قَلِيْلاً. وَقَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا} [الجمعة: 2] . فقوله -عليه الصلاة- السلام: "لاَ نَحْسُبُ" حَقٌّ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَعرف السنين والحساب، وقسم الفيء، وقسمة لمواريث بِالحسَاب العَربِي الفِطرِي لاَ بحسَاب القِبط وَلاَ الجَبْر وَالمُقَابلَة، بِأَبِي هُوَ وَنَفْسِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدَ الأَذكيَاء، وَيَبْعُد فِي العَادَة أَنَّ الذّكيَّ يُمْلِي الوحِي وَكُتُبَ المُلُوْكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ عَلَى كُتَّابه، وَيَرَى اسْمَه الشَّرِيْف فِي خَاتِمه، وَلاَ يَعرفُ هيئَةَ ذَلِكَ مَعَ الطُّول، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أُمِّيَّته، وَبَعْضُ العُلَمَاء عدَّ مَا كَتَبَهُ يَوْم الحُدَيْبِيَة مِنْ مُعجزَاته، لِكَوْنِهِ لاَ يَعرِفُ الكِتَابَة وَكَتَبَ، فَإِنَّ قِيْلَ: لاَ يَجُوْزُ عَلَيْهِ أَنْ يَكتب، فَلَو كتب؛ لارتَاب مُبطل، وَلقَالَ: كَانَ يُحْسِنُ الخَطّ، وَنظر فِي كتب الأَوَّلين. قُلْنَا: مَا كَتَبَ خَطّاً كَثِيْراً حَتَّى يَرتَاب بِهِ المُبطلُوْنَ، بَلْ قَدْ يُقَالَ: لَوْ قَالَ مَعَ طول مدة كتابة الكتاب بين يديه: لا أَعْرفُ أَنْ أَكْتُب اسْمِي الَّذِي فِي خَاتِمِي، لارتَاب المبطلُوْنَ أَيْضاً، وَلقَالُوا: هُوَ غَايَةٌ فِي الذَّكَاء، فَكَيْفَ لاَ يَعْرِفُ ذَلِكَ? بَلْ عَرفه، وَقَالَ: لاَ أَعْرف. فَكَانَ يَكُوْنُ ارْتيَابهم أَكْثَرَ وَأَبلغَ فِي إِنْكَاره، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الحَافِظُ أبو القاسم بن عَسَاكِرَ، فَذَكَر أَنَّ أَبَا الوَلِيْدِ قَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ باجَةِ القَيْرَوَان، تَاجراً يَخْتلِف إِلَى الأندلس.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا هُوَ وَأَبُو عُمَرَ بنُ البَاجِيّ وَآلُه كُلُّهم مِنْ باجَة القَيْرَوَان، فَاللهُ أَعْلَم.
وَمِنْ نَظْمِ أَبِي الوَلِيْد:
إِذَا كُنْتُ أَعْلَمُ عِلْماً يَقِيْنَا ... بِأَنَّ جَمِيْعَ حَيَاتِي كَسَاعَه
فَلِمَ لاَ أَكُوْنُ ضَنِيْناً بِهَا ... وَأَجْعَلُهَا فِي صلاحٍ وَطَاعَهْ
أَخْبَرْنَا ابْنُ سَلاَمَةَ كِتَابِهِ، عَنِ القَاسِمِ بنِ عَلِيّ بنِ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبِي، أَخْبَرَنَا رَزِيْنُ بنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا الفَقِيْهُ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الصَّقَلِّيّ بِمَكَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيْدِ القَاضِي، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القُرْطُبِيّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ بِالبَطْحَاءِ الَّتِي بذِي الحُلَيْفَةِ، وَصَلَّى بِهَا1.
كَذَا رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِر.
أَنْبَأَنَا ابْنُ عَلاَّن وَجَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي طَاهِر الخُشُوْعِيّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بن الوَلِيْدِ الفِهْرِيّ "ح" وَأَخْبَرَنَا عبدُ المُؤْمِن بنُ خَلَفٍ الحَافِظ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيْزِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الزُّهْرِيّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو الطَّاهِرِ بنُ عَوْفٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الفِهْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ سُلَيْمَانُ بنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ مُنَاولَةً، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ اللَّيْثِيّ، أَخْبَرَنَا عَمّ أَبِي عُبيدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبِي، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرُ: إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ".
وَسَمِعتُهُ عَالِياً مِنْ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنِ المُؤَيَّدِ بنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بن سهل، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَب، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بِهَذَا.
وَسَمِعنَاهُ فِي جُزءٍ أَبِي الجَهْمِ مِنْ حَدِيْثِ اللَّيْث، عَنْ نَافِع.
قَالَ أَبُو عَلِيٍّ بنُ سُكَّرَة: مَاتَ أَبُو الوَلِيْدِ بِالمَرِيَّة فِي تَاسع عشر رَجَب، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَة، فَعُمُرُهُ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً سِوَى أَشهرٍ، فَإِنَّ مَوْلِدَهُ فِي ذِي الحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِ مائَة.
وَمَاتَ مَعَهُ فِي العَامِ: مُسْنِدُ العِرَاق أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ البُسْرِيّ البُنْدَار، وَشيخُ المَالِكِيَّة بِسَبْتَة أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ العَجُوْز الكُتَامِيّ، وَمُحَدِّث نَيْسَابُوْر أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ المزكِّي، وَمَعْمَّر بَغْدَاد أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ صَدَقَة الدَّبَّاس. وَكَانَ يَذكر أَنَّ أُصُوْله عَلَى أَبِي الحُسَيْنِ بنِ سَمْعُوْنَ وَالمُخَلِّص ذَهَبت فِي النَّهب.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْم المُقْرِئ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ سَنَة خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّاهِرِ إِسْمَاعِيْلُ بنُ مَكِّيّ الزُّهْرِيّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَة "572"، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الفِهْرِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيّ، أَخْبَرَنَا يُوْنُسُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيْسَى يَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عمِّ أَبيهِ عُبيدِ اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ مَالِكٌ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُوْلُ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ البَائِنِ وَلاَ بِالقَصِيْر، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلاَ بِالآدَمْ، وَلاَ بِالجَعْدِ القَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ، بَعَثَهُ الله عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِيْنَ، وَتوَفَّاهُ الله عَلَى رَأْسِ سِتِّيْنَ سَنَةً، وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُوْنَ شَعْرَةً بَيْضَاء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
أَبو الوليد، سليمانُ بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي المالكي الأندلسيُّ الباجيُّ.
كان من أكابر علماء الأندلس وحفاظها، سكن شرق الأندلس، ورحل إلى المشرق سنة ست وعشرين وأربع مئة ونحوها، فأقام بمكة مع أبي ذر الهروي ثلاثة أعوام، وحج فيها أربع حجج، ثم رحل إلى بغداد، فأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه، ويقرأ الحديث، ولقي بها سادة من العلماء؛ كأبي الطيب الطبري الفقيه الشافعي، والشيخ أبي إسحق الشيرازي صاحب "المهذب"، وأقام بالموصل مع أبي جعفر السمناني عامًا يدرس عليه الفقهَ، وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة عشر عامًا، وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب، وروى الخطيب أيضًا عنه، قال: أنشدني أَبو الوليد الباجي - رحمه الله - لنفسه:
إذا كنتُ أعلمُ علمًا يقينًا ... بأنَّ جميعَ حياتي كساعَه
فَلِمْ لا أكونُ ضَنينًا بِها ... وأَجعلُها في صلاحٍ وطاعهْ
وصنف كتبًا كثيرة، منها: كتاب "المنتقى"، وكتاب "التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في "الصحيح"، وغير ذلك، وهو أحد أئمة المسلمين، وكان يقول: سمعت أبا ذر عبدَ بنَ أحمد الهروي يقول: لو صحت الإجازة، لبطلت الرحلة.
وكان قد رجع إلى الأندلس، وولي القضاء هناك.
ومولده يوم الثلاثاء النصف من ذي القعدة سنة 403 بمدينة بَطْلَيَوْسَ.
وتوفي بالمَرِيَّة ليلة الخميس بين العشاءين تاسع عشر رجب سنة 474، ودفن بالرباط على ضفة البحر، وصلَّى عليه ابنه القاسم.
وأخذ عنه أَبو عمرو بنُ عبد البَرِّ صاحبُ كتاب "الاستيعاب"، وبينه وبين أبي محمد بن حزم المعروفِ بالظاهري مجالسُ ومناظراتٌ وفصول، يطولُ شرحُها.
والباجي: نسبة إلى باجة، وهي مدينة بالأندلس، وثمَّ باجةٌ أخرى، وهي مدينة بأفريقية، وباجةُ أخرى، وهي قرية من قرى أصبهان.
وذكر له المَقَّرِيُّ في "نفح الطيب" ترجمةً حافلة جليلة، وقال: ولعمري! إنه لم يوفَّ القاضي الباجيُّ حقَّه الواجبَ المفترض، ووددتُ أنه مُدَّ النفسُ في ترجمته بعبارة يعترف ببراعتها من سلَّم له ومن اعترض، قال: ومن تواليفه:
"المنتقى في شرح الموطأ" ذهب فيه مذهبَ الاجتهاد وإيرادِ الحجج، وهو مما يدلُّ على تَبَحُّره في العلوم والفنون.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.