محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين

ابن عابدين

تاريخ الولادة1198 هـ
تاريخ الوفاة1252 هـ
العمر54 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • دمشق - سوريا

نبذة

محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقيّ: فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره. مولده ووفاته في دمشق.

الترجمة

ترجمة خاتمة المحققين ابن عابدين رحمه الله :

فقيه الحنفية وخاتمة المحققين

محمد أمين عابدين

حياته وآثاره

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد قائد الغر الميامين ، وعلى آله وأصحابه نجوم الورى وأهل التّقى، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذه ترجمة الإمام محمد أمين عابدين نقلتها عن كتاب الشيخ محمد مطيع الحافظ والتي اعتمد فيها على كتاب: ابن عابدين وأثره في الفقه للدكتور : محمد عبد اللطيف فرفور مع بعض التصرف والاختصار ، ثم رجعت للأصل الذي نقل منه بعد أن تسنى لي الحصول عليه (ابن عابدين وأثره في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة بالقانون/ دار البشائر ط2/2006) سائلا المولى أن ينفع بها.

 

لؤي الخليلي الحنفي

إمامُ الحنفية في الشام - صاحب الحاشية المشهورة -

1748_ 1836 م

1189- 1252 هـ

محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم بن محمد صلاح الدين بن نجم الدّين بن محمد صلاح الدين بن نجم الدين بن كمال بن تقي الدين المدرس بن مصطفى الشهابي بن حسين بن رحمة الله بن أحمد الفاني بن علي بن أحمد بن محمود بن أحمد بن عبدالله بن عز الدين بن عبدالله بن قاسم بن حسن بن اسماعيل بن حسين النتيف بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الأعرج ابن الإمام جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي رضوان الله عليهم جميعا.

وعرف المترجم بابن عابدين، وهي شهرة تعود إلى جدّه محمد صلاح الدين الذي أطلق عليه اللقب لصلاحه.

ووالده الشيخ محمد أمين من ذرية الحافظ محمد عبد الحي الداودي صاحب التآليف المشهورة ، وجدته لأبيه بنت الشيخ محمد أمين المحبي صاحب (خلاصة الأثر )

ولد الشيخ محمد أمين بدمشق بزقاق المبلط في حي القنوات سنة1198هـ ونشأ في رعاية أبوين معروفين بالصلاح والتقوى ، وكان والده تاجرا.

قرأ القرآن الكريم وجوده وحفظه على الشيخ سعيد الحموي شيخ القرّاء بدمشق. وكان سبب تلقيه القرآن وحرصه عليه أنَّه جلس مرة في دكان والده يقرأ ، فمرّ به شيخ سمعه فقال له : لايَحسن أن تقرأ القرآن الكريم هنا لأنك تبتذله في مكانٍ لاينصت إليك فيه النّاس ، وقراءتك ملحونة أيضا ، فيجب يابنيّ أنْ تتعلم القرآن الكريم صحيحاً .

فلزم على أثر ذلك الشيخ سعيداً ، وقرأ عليه مع القرآن القراءات بوجوهها وطرقها ، وحفظ عليه الميدانية والجزرية والشاطبية وأتقنها وتعلمها ، وتلقى عنه طرفاً من النّحو والصّرف والفقه الشافعي وحفظ (متن الزّبد ) ثمّ لزم الشيخ شاكر العقاد وبذلك تنتهي مرحلته الأولى التي تلقّى فيها ثلاث إجازات وتبدأ مرحلته الثانية.

بقي ابن عابدين يتردد على الشيخ العقاد سبع سنوات قرأ فيها عليه المعقولات ، وألزمَه التَّحول إلى المذهب الحنفي ، وتفقه عليه وأخذ عنه الفرائض والحساب والأصول والحديث والتفسير ، وقرأ عليه من الفقه : الملتقى والكنز والبحر لابن نجيم والوقاية لصدر الشريعة والهداية والدِّراية وغير ذلك، وأخذ عنه الطريقة القادريّة والتّصوف.

وكان شيخه العقاد يتفرس فيه الخير ويحبه حباً جماً ويكرمه ويقول له : أنت أعزّ عليّ من أولادي وقـال فيـه :

 

حبيب لقد أهدى إليَّ مدائحـا ألذّ على قلبي وأشهى من الشهـد

عقود صاغها فكر بـــارع خبير بتنظيم الفرائد في العقــد

أديب أريب ألمعي سميــدع نبيل نبيه لوذعي عطر النّـــد

فصن ذاته من حاسد ومعانـد ويمم به سبل المسرة والمجــد

وحين رجا مني القبول تخضعا تلقيتها بالشكر منه وبالحمـــد

 

 

وكان ابن عابدين رحمه الله قد مدحه بقصيدة مطلعها :

 

لو سناء من جبينك مشرق ما ضاء طراً مغرب أو مشرق

 

وأحضره الشيخ العقاد دروس أشياخه ، فصحبه إلى درس شيخه العلامة محمد الكزبري واستجاز له فأجازه سنة 1216هـ ، وكذلك أحضره مرّة درس شيخه العلامة أحمد العطار واستجازه له فأجازه في السنة ذاتها ، وقرأ على الشيخ أحمد العطار الأربعين العجلونية إلى الحديث الثلاثين ثم أتمّها على الشيخ شاكر سنة 1218هـ، واستجاز له من الشيخ نجيب القلعي يوم عيد الفطر سنة 1220هـ فأجازه ، وأحضره عند الشيخ محمد عبد الرسول الهندي النقشبندي خليفة الشيخ عبدالله الدهلوي واستجازه له فأجازه مع أخيه الشيخ عبد الغني عابدين.

واصطحبه الشيخ العقاد مرة لزيارة الشيخ محمد عبد النّبي الذي قدم من الهند زائرا ، فلما دخلا عليه وجلس الشيخ العقاد وبقي ابن عابدين في العتبة واقفا بين يدي شيخه حاملاً نعله بيده كما هي عادته مع شيخه. فقال الشيخ للعقاد : مُرّ هذا الغلام السيد فليجلس فاني لا أجلس حتى يجلس ، فإنّه ستقبَّـلُ يده وينتفع بفضله في سائر البلاد ، وعليه نور آل بيت النّبوة.

عرض عليه الشيخ العقاد أن يزوجه ابنته ولكن أباه عارض وقال : أخاف عليك من غضب شيخك وعقوقه إن أغضبت ابنته يوما.

وشجعه الشيخ العقاد على تحرير المسائل وجمع الرسائل ليتقوى على الممارسة في التأليف فكتب حاشية على شرح الشيخ سعيد الأسطواني أحد زملائه في الطلب على نبذة الإعراب ، وشرح أيضاً الكافي في العروض والقوافي وكان عمره يومئذ سبع عشرة سنة.

وأجازه الشيخ العقاد نظما ونثرا ومنها قوله :

 

وكان ممن جدّ في ذا الشـأن السيد المفضـال ذو الإتقـان

محمـد أميـن بن عمــرا من جـده بعابديـن اشتهـرا

لازمني فـي مـدة مديـدة قــراءة لكتــب عديــدة

ما بين فقه وحديث شافي وعلـم نحو وبيان صافـــي

ومنطق وعلـم آداب حـلا وضع عروض والقوافي قد تلا

 

ثم شرع في قراءة ( الدّر المختار )على الشيخ العقاد مع جماعة منهم الشيخ سعيد الحلبي ، وتوفي الشيخ العقاد سنة1222هـ ولم تتم قراءة الكتاب . فأتمّه على الشيخ سعيد الحلبي أكبر طلاب الحلقة .وبذلك تبدأ المرحلة الثالثة من حياته وهي الأخيرة.

قرأ على الشيخ سعيد ولزمه واستجازه فأجازه بخطه وختمه ، ونظم ابن عابدين قصائد في مدحه ومنها قصيدته التي مطلعها :

 

ركبنـا جواد الفكر في مهمة البر وخضنا بفلك العمر في لجج البحـر

وغصنـا بصافي اللبّ تيارعمقه إلى أن تحلّينا من الكنز بالــــدّر

وعدنا وقد أوفى لنا الدّهر وعده وزاحت سحاب الهم عن أفق الصدر

ورعيا لشيخ العصر سيدنا الذي رقى ذروة التحقيق أوحد العصــر

وفاق على أهل الفضائل كلّهـم بخفض جناح النّفس مع رفعة القدر

 

وفي حياة هذا الشيخ شرح ابن عابدين الدّر المختار (حاشية ابن عابدين) ، ولمّا مات أسِفَ عليه أسفاً شديداً .

واتصل ابن عابدين رحمه الله بالشيخ خالد النقشبندي فلقَّنه الطريقة وأجازه ، ودافع عنه ضدّ خصومه وكتب في ذلك رسالة بعنوان ( سلّ الحسام الهندي في نصرة مولانا خالد النقشبندي ) ورثاه بقصيدة مطلعها:

أي ركن من الشريعـــــة مــــــالا .............................. ..............

وبالإضافة إلى الإجازات السابقة ، إجازه الشيخ إبراهيم وعبد القادر حفيدا الشيخ عبد الغني النّابلسي، وصالح الزجّاج ، وهبة الله البعلي ، وصالح الأمير المصري ، وصالح الفلّاني المدني ، وهذان الأخيران أجازاه كتابة .

تولى رحمه الله أمانة الفتوى في عهد المفتي حسين المرادي، وحج سنة 1235هـ ، وتحرَّى في حجه الطعام غاية التَّحري مع قلة تناوله له .

ولابن عابدين رحمه الله شعرٌ حسنٌ جميل ، منه قصيدة في مدح النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال في مطلعـها :

لبيك يا قمرية الأغصان فلقد صدعت القلب بالألحان

لبيك يا من بالبكا أشبهتني لكن بلا فقد من الخلان

نوحي فنوحي في بحار مدامعي تعلو سفينته لدى الطوفان

وترنَّمي وأحبي فؤاد معذب بتذكر الأحباب في نيران

إن رمت كتمان الهوى متكلفاً هيَّجت مني بالبكاء أشجاني

حتى حكت مني الدموع سوافحاً غيثاً همى بدعاء ذي عرفان

 

 

يا صاحبي أليس يعذر بالبكا صبٌّ كئيب نازح الأوطان

 

يقضي الليالي بالهموم وبالأسى مكسور قلب زائد الأحزان

إي والذي هو عالم بضمائري لَيَحِقُّ لي أن أبكي مدى الأزمان

فلقد مضى عمري القصير ولم أفز بزيارتي أرض اللوى والبان

بالله هل تريانِ أسعد لحظة وأخوض رمل أولئك القيعان

وأشم نفح الطيب من أرض الحبيب وترجع الأرواح للأبدان

 

 

وقال في وصف الربيع :

 

مرّت مواشط نسمة الأسـحار كيما ترِجّلَ جُمّةَ الأشجــار

والقطر جللها بسنـدس برده وتزينت بلآلىء الأزهـــار

والنهر صفق والطيور ترنمت في غصنها من نغمة الأوتار

 

 

* مؤلفـاته :

* الكتب المطبوعة :

 

• الحاشية: وتسمى (ردّ المحتار على الدّر المختار شرح تنوير الأبصار)

بدأه من باب الإجارة حتى أتمها ثم عاد من أولها فتوفي في أثناء ذلك فبقيت مخرومة من أول ثلثها الأخير تقريبا . والذي أكمله ولده .

وسبب تأليفها أنّ الشيخ سعيد الحلبي بحث مع تلاميذه بحوثاً متعددة مُشكلة فكان ابن عابدين يتفوق في الإجابة دوماً ، وكان من أبرز المسائل مسألة المتحيرة في باب المستحاضة ، وأُعجب الشيخ الحلبي بتقريره للمسألة فأمره بوضع حاشية على كتاب الدُّر المختار الذي كان الشيخ الحلبي يقرره .

وعندما بدأ بالتأليف كان شيخه يدعوه بين الآونة والأخرى ليطلَّع على عمله بنفسه وعلمه ، ولكنه كان عندما يقرأ ما كتب يسرّ سروراً عظيماً ولا يفصح عمّا في نفسه ويقول : اللهم افتح عليه ويسر له .

• حاشية منحة الخالق على البحر الرائق :

لزين الدين بن نجيم شرح فيها كنز الدقائق للنسفي ، شرح فيها ابن عابدين ما انتهى إليه ابن نجيم من الإجارة الفاسدة.

وقد طبعت في سبع مجلدات والثامن لتكملة الطوري للبحر / المطبعة العلمية بمصر سنة 1311 .

• العقود الدُّرية في تنقيح الفتاوى الحامدية :

وهو (مغني المستفتي عن سؤال المفتي ) وهي تنقيح لفتاوى حامد بن علي العمادي المتوفى رحمه الله سنة 1171هـ ، اختصر فيها ابن عابدين الأسئلة والأجوبة ، وحذف ما اشتهر منها والمكرر ، ولخَّص الأدلة وزاد ما لا بدّ منه مع بعض التَّحريرات التي نقَّحها من كتبه ورسائله .

وقد طبعت بمصر سنة 1280 ، وفي بولاق سنة 1300 ، وبهامشه الفتاوى الخيريَّة ، وفي المطبعة الميمنية سنة 1310 .

• عقود اللآلي في الأسانيد العوالي :

طبع بمطبعة المعارف سنة 1302 بولاية سورية بإشراف الشيخ محمد أبو الخير عابدين، وطبع في استانبول سنة 1287 .

• نسمات الأسحار على إفاضة الأنوار على كتاب المنار : في أصول الفقه

طبعت سنة 1328 نسمات الأسحار بالمطبعة الميمنية بمصر ، وسنة 1300 بالأستانة ،

وبمطبعة مصطفى البابي الحلبي سنة 1399 ، وعليها تقييدات الشيخ محمد أحمد الطوخي .

 

• مقامات في مدح الشيخ شاكر العقاد:

طبعت في آخر عقود اللآلي في الأسانيد العوالي .

 

• نزهة النَّواظر على الأشباه والنَّظائر :

طبع بدمشق على هامش كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم ، بتحقيق محمد مطيع الحافظ سنة 1403 وثانية سنة 1406 .

 

* الرَّسائل المطبوعة :

 

1. العلو الظاهر في نفع النّسب الطاهر.

2. شرح الرسالة المسماة بعقود رسم المفتي

3. الفوائد المخصصة بأحكام كي الحمصة

4. منهل الواردين من بحار الفيض على ذخر المتأهلين في مسائل الحيض

5. رفع التردد في عقد الأصابع عند التشهد مع ذيلها

6. تنبيه ذوي الأفهام على أحكام التبليغ خلف الإمام

7. شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل

8. تنبيه الغافل والوسنان على أحكام هلال رمضان

9. اتحاف الذكي النبيه بجواب ما يقول الفقيه

10. الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة

11. تحرير النقول في النفقة على الفروع والأصول

12. رفع الانتفاض ودفع الاعتراض على قولهم: الأيمان مبنية على الألفاظلا على الأغراض

13. رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه

14. تنبيه الولاة على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام عليه وعليهم الصلاة والسلام

15. الأقوال الواضحة الجلية في تحرير مسألة نقض القسمة ومسألة الدرجة الجعلية

16. العقود الدرية في قولهم على الفريضة الشرعية

17. غاية المطلب في اشتراط الواقف عود النصيب إلى أهل الدرجة الأقرب فالأقرب

18. غاية البيان في أن وقف الاثنين على نفسهما وقف لا وقفان

19. تنبيه الرقودعلى على مسائل النقود من رخص وغلاء وكساد وانقطاع

20. تحبير التحرير في ابطال القضاء بالفسخ بالغبن الفاحش بلا تعزير

21. تنبيه ذوي الأفهام على بطلان الحكم بنقض الدعوى بعد الابراء العام

22. إعلام الأعلام بأحكام الإقرار العام

23. نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف

24. تحرير العبارة فيمن هو أولى بالإجارة

25. أجوبة محققة على أسئلة متفرقة

26. مناهل السرور لمبتغي الحساب بالكسور

27. الرحيق المختوم شرح قلائد المنظوم

28. إجابة الغوث ببيان حال النقباء والنجباء والأبدال والأوتاد والغوث.

29. سل الحسام الهندي لنصرة مولانا خالد النقشبندي .

30. الفائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة.قلت:وهي حول اعراب (كائنا ما كان )

31. بغية الناسك في أدعية المناسك.

مخطوطات لم تطبع :

• حاشية على شرح التقرير والتحبير لابن أمير الحاج

• حاشية رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدّر المختار

• حاشية فتح رب الأرباب على لبّ الألباب نبذة الإعراب لابن هشام

• الدّرر المضيّة في شرح نظم الأبحر الشعرية.

• فتاوى في الفقه الحنفي تبلغ مايقارب المائة ، موجودة في مكتبة آل عابدين .

كتب مفقودة :

• حاشية على شرح الملتقى للحصكفي

• نظم كنز الدقائق. وهو في نحو 800 بيت لم يكمله رحمه الله .

• حاشية كبرى على إفاضة الأنوار شرح كتاب المنار

• حاشية على تفسير القاضي البيضاوي .

• شرح الكافي في العروض والقوافي.

• مجموع النفائس والنوادر .

• قصة المولد النبوي.

• حاشية على المطوَّل.

• ذيل سلك الدُّرر للمرادي.

 

انتفع بعلمه خلق كثيرون منهم أخوه عبد الغني عابدين وابن أخيه أحمد بن عبد الغني أمين الفتوى بدمشق وابن عمه صالح ومحمد جابي زاده ويحيى سردست وعبد الغني الغنيمي الميداني ، وحسن البيطار ، وأحمد الإسلامبولي ، وحسين الرسامة ، ويوسف المغربي ، وعبد القادر الخلاصي ، وعلي المرادي ، ومحمد الأتاسي ، ومحمود الألوسي . . وغيرهم كثيرون.

واستجازه شيخ الإسلام عارف حكمت بالمكاتبة فأجازه ، كما أجاز غيره .

 

عالم مطاع مهاب ، عذب التقرير والعبارة ، وهو المرجع في عصره عند اختلاف الآراء والفتاوى .

كان طويل القامة شثن الأعضاء والأنامل ، أبيض اللون أسود الشعر مقرون الحاجبين جميل الصورة حسن السريرة دائم البشر والابتسام نظيف الثوب والبدن يلبس لباس علماء زمانه (الجبة والعمامة البيضاء المكورة على طربوش أحمر والقفطان) ويتوسط في حاله .

متواضعاً جم التواضع لم يقبل التولي على وقف جدّه لأم أبيه العلامة المحبي الذي كان شرط نظره للأرشد من ذريته وسلم ذلك لأخيه .

عرف ببره لوالديه ومشايخه ، ورعاً في أحواله كلها ، قليل الطعام يأكل رغيفا واحداً كل يوم ، وقد تطعمه أمه وهو مشغول في كتابته وتأليفه .

وكان منهجه في الحياة العلم والتعليم ، جعل يومه للصيام وليله للقيام، وكان من عادته أن يختم كل ليلة ختمة في شهر رمضان، ولا يدع وقتاً يكون فيه على غير طهارة ، وخصص الليل للتأليف فلا ينام إلا القليل .

وكان كسبه من تجارة له يأكل منها بمباشرة شريك له من غير أن يتعاطى ذلك بنفسه.

أُغرم بالكتب وجمع مكتبة عظيمة وكتب بخطه الكثير ، وكان والده يشتري له مايريد من الكتب ، ويقول له اشتر ما بدا لك وعليّ الثمن فانك أحييت ما أمَته أنا من سيرة سلفي ، ووهبه مكتبته التي ورثها عن آبائه.

توفي رحمه الله ضحوة الأربعاء 21 ربيع الثاني سنة 1252هـ وصلِّي عليه في جامع سنان باشا ودفن في مقبرة الباب الصغير وكانت وفاته في حياة والدته التي صبرت واحتسبت وعاشت بعده سنتين، وجعلت تقرأ كل أسبوع مئة ألف مرة سورة الإخلاص وتهب له ثوابها.

حزن الناس لوفاته وخرجت جنازته حافلة حاشدة وشيعه علماء دمشق ورؤساؤها ، وكان شيخه سعيد الحلبي يتأسف لموته ويقول في الجنازة " يامحمد والله كنت مخبيك لهذه اللحية " ، فإنه كان يطمع أن يكون خليفة بعده على الفقه . وبقي مواظبا على حضور درس شيخه سعيد حتى آخر عمره.

وكان ابن عابدين قبل وفاته بعشرين يوما اشترى القبر الذي دفن فيه وأوصى بذلك محبة في جوار عالمين جليلين هما علاء الدين الحصكفي صاحب الدر المختار ، وصالح الجنيني المحدث المشهور

 

وكتب على لوحة قبره :

 

قفوا واغبطوا قبراً تسامى بعالم وقولوا له هنيت وافاك سيد

هو الحبر من أضحى بعلمه عالما هو العابد بن عابدين محمد

لقد بكت الأملاك حزنا لموته فحقا نعاه روض درس ومسجد

على العفو والغفران تحمل روحه إلى غرفات في النعيم فتسعد

دعاه مقام شامخ – قلت أرخو - يروم وملك لا يضاهى مؤبد

 

ورثاه الشيخ داود البغدادي النقشبندي بقصيدة منها :

 

يا إماماً في حلبة العلم جالا أورث القلب فقده أوجالا

كنت بحر العلوم تقذف درّاً فطما بعده الوجود وسالا

أنت شمس غربت في مغرب الأرض ولكن أنوارها تتلالا

 

 

سائلا المولى الكريم أن يتغمده برحمته ، وأن يجعل مداد قلمه حجة له لا عليه ، وأن يجمعنا ومحبيه في مستقر رحمته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

 

* أقوال أهل العلم من المترجمين في ابن عابدين:

- علاء عابدين في التكملة:

(وكان رحمه الله فقيه النّفس، انفرد به في زمنه)

وقال: (كان بحاثاً ما باحثه أحد إلا وظهر عليه)

وقال: (وقلّ أن تقع واقعة مهمة أو مشكلة مدلهمة في سائر البلاد أو بقية المدن الإسلامية أو قراها، إلا ويستفتى فيها مع كثرة العلماء الأكابر والمفتين في كل مدينة)

- أبو الخير عابدين في الثبت(ذيل الثبت):

وقال مترجم الثبت: ( لا سيما وهو المرجع للفتوى التي هي من أعظم البلوى، وعلى الخصوص في ذاك الزمن الذي كان مرجع الأحكام فيه إليه من سائر البلاد من كل حاضر وباد)ص/245 وما بعدها.

- البيطار في حلية البشر:

( هو الشيخ الإمام العالم العلامة والجهبذ الفهامة، قطب الديار الدمشقية وعمدة البلاد الشامية والمصرية، المفسر المحدث الفقيه النحوي اللغوي البياني العروضي الذكي النبيه، الدمشقي الأصل والمولد، الحسيب النسيب الشريف الذات..... إمام الحنفية في عصره والمرجع عند اختلاف الآراء في مصره، صاحب التآليف العديدة والتّصانيف المفيدة).3/1230 وما بعدها.

وقال أيضاً: (فإن سيرة المرحوم السيد محمد عابدين وما حصّله من الشهرة والمنقبة والفضل لا تخفى على أحد).2/720.

-الشّطي في روض البشر:

( وجملة القول في صاحب التّرجمة أنه علامة فقيه فهامة نبيه، عذب التقرير، متفنن في التّحرير، لم ينسج عصره على منواله، ولو لم يكن له من الفضل سوى حاشيته المنوه بها التي سارت بها الركبان، وتنافست فيها الناس زماناً بعد زمان لكفته فضيلة تُذكر ومزية تشكر). ص/252.

- الحصني في منتخبات التواريخ لدمشق:

( محمد أمين بن السيد عمر عابدين: شاع صيته في الأمصار واشتهر فضله كالشمس في رابعة النهار، صاحب الحاشية الشهيرة والتآليف المفيدة الكثيرة، أحد أفراد زمانه وزينة دهره وأوانه، إمام السادة الحنفية في عصره والمرجع عند اختلاف الآراء في الفتوى في مصره... وهو المؤسس لمجد هذه الأسرة الكريمة المباركة... وله اليد الطولى في جميع العلوم والفنون والمنقول والمعقول، انتفع به وبمؤلفاته خلق كثير من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتخرّج عليه كثير من العلماء الأعلام)2/680

- عبد الحيّ الكتاني في فهرس الفهارس والأثبات:

( فقيه الشام ومفتيه، صاحب التآليف العديدة، والفتاوى المجيدة، والمجموعات المفيدة) ثم قال: ( وهو عند فقهاء المشرق كالرهوني عندنا في فقهاء المغرب)2/216.

- كرد علي في خطط الشام:

(ومحمد عابدين واسع المادة صاحب التآليف والرسائل المتقنة) 4/68.

- سركيس في معجم المطبوعات:

( وقرأ عليه0أي على شيخه العقاد- كتب الفقه وأصوله حتى برع وصار علامة زمانه) وقال: ( وكان زرعاً ديناً عفيفاً عالماً صالحاً) 1/150، 41، 52، وما بعدها.

- القساطلي في الروضة الغنّاء في دمشق الفيحاء:

( وانتفع به خلق كثير لم يزل بعضهم أحياء.. وكان له ذوق في حل مشكلات العلوم.. وله التآليف الكثيرة التي تبلغ الخمسين، وكان عالماً فقيهاً يضيق كتابنا عن ذكر مآثره الحميدة.) ص141.

- شيخو في الآداب العربية في القرن التاسع عشر:

( أما بلاد الشام فاشتهر من علمائها الشيخ محمد أمين..عابدين، برز بين أبناء وطنه وأخذ عنه علماء الشام)/49

- البستاني في دائرة المعارف:

( علم أسرة دمشقية من أعيان الفقهاء... فكان من أشهرهم محمد أمين ... الشهير بابن عابدين)3/324.

- مردم بك في أعيان القرن الثالث عشر:

( حتى برع وتمكن فكان دائباً على إلقاء الدروس ونشر العلم، يحل المشكلات بشكل ثاقب حتى صار مرجعاً للفتوى، وقد بلغ من الشهرة مبلغاً عظيماً، وعمّ نفعه وأخذ الناس عنه منهم شيخ الإسلام عارف حكمة بك استجازه بالمكاتبة فأجازه)/36 وما بعدها.

- الزركلي في الأعلام:

( فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره)3/866.

- البغدادي في هدية العارفين:

(ابن عابدين المفتي العلامة)

- كحالة في معجم المؤلفين:

( فقيه أصولي له أربعون مؤلفاً) 9/77.

- سكر في أعلام الإسلام:

( ولم يبق عالم من أعلام المسلمين في بلدة من بلاد الإسلام إلا وحاشية ابن عابدين أول كتاب في خزانته)/20 وما بعدها.

- عبدالله مصطفى المراغي في طبقات الأصوليين:

- ( ونبغ في علوم شتى حتى أصبح علامة زمانه... وما زال مجداً في نشر العلم بالتدريس والتصنيف حتى صار يشار إليه بالبنان، وعنه أخذ كثير من العلماء الأجلاء.... وقد عرف ابن عابدين بالتدين والعفة والعلم والصلاح والتقوى) 2/147 وما بعدها.

- التنوخي في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق 35/424:

( حجة المذهب الحنفي في عصره السيد محمد أمين عابدين صاحب الحاشية المشهورة)

آخر مواضيعي في منتديات احباب الكلتاوية

 

 

ابن  عابدين

رد: علامة زمانه حجة المذهب الحنفي في عصره السيد محمد أمين عابدين صاحب الحاشية المشهورة سرة آل عابدين أقدم أسرة علمية دمشقية على الإطلاق فقد أتى جدهم الأعلى إسماعيل بن حسين الحراني الحسيني (347هـ/958م ) من بغداد إلى دمشق، وتولى نقابة الأشراف فيها سنة 330هـ/941م ، ويرجع اسم الأسرة إلى جدهم صلاح الدين بن نجم الدين الملقب بعابدين تشبيهاً له بجده الإمام علي زين العابدين رضي الله عنه وكثرة عبادته وصلاحه.

 

ينتهي نسب الأسرة إلى الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم جميعاً) زوج السيدة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتلتقي أسرتا عابدين والحمزاوي في جدهما الأعلى السيد حسين النتيف رحمه الله.

 

آل عابدين من أعرق أسر العلم في الشام ومنهم العلامة الفذ محمد أمين (1252هـ/1836م) صاحب الحاشية المشهورة والتصانيف النادرة، ومنهم العلامة علاء الدين (1306هـ/1888م) صاحب الهدية العلائية ، ومنهم مفتي الشام علامة زمانه حجة المذهب الحنفي في عصره محمد أبي اليسر (1401هـ/1981م) الطبيب والفقيه والمؤرخ والمجاهد ، وشقيقه العلامة القاضي الشيخ محمد مرشد بن مفتي الشام أبي الخير عابدين ... وهو مسك ختام تلك الدوحة العلمية الباسقة في بلاد الشام ، والتي نرجو الله أن يجعل من أبنائها خلف الخير لسلف العلم والفتيا والفضل والمجد.

 

 

محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقيّ:
فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره. مولده ووفاته في دمشق.
له (رد المحتار على الدر المختار - ط) خمس مجلدات، فقه، يعرف بحاشية ابن عابدين، و (رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار) و (العقود الدرية في تنقيح الفتاوي الحامدية - ط) جزان، و (نسمات الأسحار على شرح المنار - ط) أصول، و (حاشية على المطول) في البلاغة، و (الرحيق المختوم - ط) في الفرائض، و (حواش على تفسير البيضاوي) التزم فيها أن لا يذكر شيئا ذكره المفسرون، و (مجموعة رسائل - ط) مجلدان، وهي 32 رسالة، و (عقود اللآلي في الأسانيد العوالي - ط) وهو ثبته .

-الاعلام للزركلي-
       

 

السيد محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم عابدين الدمشقي
هو الشيخ الإمام العالم العلامة، والجهبذ الفهامة، قطب الديار الدمشقية، وعمدة البلاد الشامية والمصرية. المفسر المحدث الفقيه النحوي اللغوي البياني العروضي الذكي النبيه. الدمشقي الأصل والمولد، الحسيب النسيب الشريف الذات والمحتد، ابن السيد عمر الشهير بابن عابدين الحسيني إمام الحنفية في عصره، والمرجع عند اختلاف الآراء في مصره. صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة، منها حاشيته الشهيرة رد المحتار على الدر المختار، التي اشتهرت في سائر الأقطار، في خمس مجلدات كبار. ومنها ثبته المشهور الفائق. ومنها منحة الخالق على البحر الرائق، وحواشيه على شرح الملتقى للعلائي، وحواشيه على النهر الفائق، وحواشي على القاضي البيضاوي التزم أن لا يذكر فيها شيئاً ذكره المفسرون. وحواشي على حاشية الحلبي على الدر تتبع فيها المحشي المذكور، سماها رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار. والعقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية. وحاشية على المطول. والرحيق المختوم شرح قلائد المنظوم في الفرائض، وتنبيه الولاة والحكام في حكم شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه الكرام. وشرح على رسالة البركوي سماها ذخر المتأهلين، وشرح على منظومة رسم المفتي.
وله من الرسائل في تحرير المسائل نيف وثلاثون رسالة معلومة في ثبته فمن أرادها فليراجعها. وله قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسلها ضمن مكتوب للحضرة الشريفة النبوية صحبة ركب الحاج الشريف سنة عشرين ومائتين وألف، لكي تقرأ أمام الحضرة الشريفة المحمدية، وهي:
لبيك يا قمرية الأغصان ... فلقد صدعت القلب بالألحان

لبيك يا من بالبكا أشبهتني ... لكن بلا فقد من الخلان
نوحي فنوحي في بحار مدامعي ... تعلو سفينته لدى الطوفان
وترنمي واحيي فؤاد معذب ... بتذكر الأحباب في نيران
إن رمت كتمان الهوى متكلفاً ... هيجت مني بالبكا أشجاني
حتى حكت مني الدموع سوافحا ... غيثاً همى بدعاء ذي عرفان
يا صاحبي أليس يعذر بالبكا ... صب كئيب نازح الأوطان
يقضي الليالي بالهموم وبالأسى ... مكسور قلب زائد الأحزان
أي والذي هو عالم بضمائري ... ليحق لي أبكي مدى الأزمان
فلقد مضى عمري القصير ولم أفز ... بزيارتي أرض اللوى والبان
بالله هل تريان أسعد لحظة ... وأخوض رمل أولئك القيعان
وأشم نفح الطيب من أرض الحبي ... ب وترجع الأرواح للأبدان
وأخب في أرض الحجاز ويا رعى ... مولاي عهد أولئك الكثبان
أرض من المسك العبير تكونت ... والنور جللها كما الهيمان
وازم مع حادي المطي قلائصا ... إشراقها تغني عن الأرسان
سكرت بترنام الحداة فما درت ... كم مهمه قطعت من الوجدان
عنقاً فسيحاً سيرها من وجدها ... وتحنّ باكية بدمع قان
وتكاد تستبق الهوادي أرجل ... منها تسير بسيرة العجلان
لم تعرف الإدلاج والتعريس مذ ... كانت تئن بأنة اللهفان
حتى طوت أرض الحجاز وشاهدت ... أنوار طيبة مورد الظمآن
وأتت إلى أرض السفوح ترومها ... وتطيبت بالروح والريحان
يا نوق سبحان الذي أدناك من ... أرض الحبيب وجل من أقصاني
في كل عام تبلغين مقاصداً ... وتشاهدين منازل القرآن

والحظ يقعدني وسوء الفعل ير ... ميني بإشراك الزمان الجاني
أواه من جور الزمان وظلمه ... فلقد تجاوز غاية الطغيان
كيف السبيل إلى النجاة ونيلها ... من شر دهر غادر خوان
مالي من الأهوال حسن تخلص ... إلا بمدحي المصطفى العدنان
خير الخلائق سيد الرسل الكرا ... م وما له في فضله من ثاني
يا خير من ركب المطي وأكرم ال ... كرما ببذل الجود والإحسان
يا منبع الأنوار يا شمس العلا ... يا منبع الإسلام والإيمان
يا من رقى أوج السما وعلا على ... أعلا العلى بترفع جثماني
ودنا الرحمن عز وجل قر ... ب مكانة من غير قرب مكان
والجذع حن تشوقاً لفراقه ... والضب جاء مسلماً بلسان
تالله مثلك ما رأت عين ولا ... أذن وعت في حادث الأزمان
قد كان جيد الدهر قبلك عاطلاً ... حيناً وقد حليته بجمان
قد جئت فرداً والأعادي جمة ... وأتيت بالتمييز والرجحان
لم تخش في التبليغ لومة لائم ... حاشاك من زيغ ومن نقصان
وترى إذا حمي الوطيس مشمراً ... عن ساق عزم فارس الفرسان
أطدت أركان الشريعة بعد ما ... هدمت فعادت أعدل الأركان
وبنيت بنياناً رصيناً محكماً ... وهدمت أس عبادة الأوثان
وهديت أهل الأرض بعد ضلالة ... كانوا بها من نزغة الشيطان
وجليت سحب الفكر عن أفق الهدى ... ومحوت ليل الزور والبهتان
تالله ما الشمس المنيرة في الضحى ... والبدر ليلة سبعة وثمان
بأجل هدايا أو سنا مما به ... قد جئت أو يدنوه بالبرهان
لا تدرك الألفاظ منك مدى ولو ... أبدى الثناء عليك كل لسان
هل تدرك المداح وصف من الذي ... أثنى عليه الله في القرآن
هذا الكريم بن الكريم بن الكر ... يم بن الكريم عطية المنان

هذا نبي الله خير عباده ... زين الخلائق نخبة الأعيان
هذا شفيع المذنبين ملاذهم ... يوم القيمة صفوة الرحمن
وبه تلوذ الأنبياء جميعهم ... حتى الكليم ومكرم الضيفان
كن لي مغيثاً يا شفيعاً بالورى ... يوم الزحام وخفة الميزان
إن لم تكن لي يوم لا مال ولا ... ولد ولا من والد يرعاني
فلباب من آتي وليس مشفعاً ... إلا جنابك يا مغيث العاني
فلأنت باب الله واسطة الرجا ... أنت الوسيلة والقريب الداني
أنت الملاذ لنا وأنت عياذنا ... أنت المشفع بالمسيء الجاني
أشكو إليك قساوة القلب الذي ... كالصخر في لج الردى أرساني
أرجوك تلحظني ختام الأنبيا ... ء بلحظة أغدو بها بأمان
وكذاك لي أبيان مع شيخ غدا ... لي ناصحاً بالجهد قد رباني
يرجون منك تسامحاً وشفاعة ... تنجيهم من لاعج النيران
وصلاة باريك المهيمن والسلا ... م كما الغيوث عليك كل أوان
مع آلك الغر الكرام وحزبهم ... من قد علوا شرفاً على كيوان
وعلى ضجيعيك الإمامين الجلي ... لين اللذين هما لنا شمسان
السيد الصديق ذي الفضل الذي ... ترك اللذائذ في رضى الديان
والأشجع الفاروق قهار العدا ... ليث الحروب وقامع العدوان
وعلى ابن عفان الذي حاز العلى ... حاوي الفضائل جامع القرآن
وعلى علي ذاك عالي القدر من ... قد كان بحر العلم والعرفان
وعلى بقية صحبك الغر الكرا ... م وتابعيهم في مدى الأكوان
وأبي حنيفة ذي الفخار ومالك ... والشافعي وأحمد ذي الشان
ولاتابعين لهم وأقطاب الوجو ... د وصاحب الوقت القريب الداني
لا سيما ختم الولاية من به ... فاز الوجود معطر الأردان
واختم لناظمها إلهي بالرضى ... والعفو والإحسان والغفران

وقوله أيضاً يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
أشكو إلى الله ما ألقاه من نصب ... مستشفعاً بشفيع الخلق كلهم
محمد من محا المولى ببعثته ... ليل الضلال يصبح طارد الغسم
فقام يدعو بأمر الله مبتدراً ... بالنصر متزراً في أرفع الهمم
حتى غدت ملة الإسلام ظاهرة ... ظهور نار بدت ليلاً على علم
مؤيداً بكتاب باهر عجزت ... عنه ذوو اللسن مثل الدر منتظم
ومعجزات توالت قبل مبعثه ... فكان يبصرها بالعين كل عمي
فالضب كلمه والجذع حن له ... والبدر شق له من باهر الحكم
والشمس قد وقفت من بعد ما غربت ... والسحب قد وكفت لما دعا بفم
والماء من كفه قد طاب منبعه ... فكان أعظم ماء سائغ شبم
بتفلة لعلي مذ شكا رمداً ... لم يشك من بعدها في العين من ألم
وقد كفى الألف من صاع الشعير وقد ... حلا وزاد بتفل ماء بئرهم
أروى ثلاثين ألفاً في تبوك بما ... ء ليس يروي سوى شخص من الأدم
سراقة خلفه ساخت قوائمه ... وكم أباد من الأعداء كل كمي
وفي حنين رمى بالترب أعينهم ... ففر جحفلهم مع جملة الريم
كذا رمى ملأ راموا المحال فمن ... أصيب كان ببدر آخر العصم
ومذ حكى بعضهم بالهزؤ مشيته ... ما زال مرتعشاً للموت ذا ندم
ومذ أوى الغار والصديق صاحبه ... فالعنكبوت غدا بالنسج ذا همم
وبين قوم ذراع الشاة حدثه ... عن سمه بكلام غير منبهم
وعن مصارعهم في القتل أخبر في ... بدر فكان كما قد قال ذو العصم
وعاش فرداً أبي ذر ومات كذا ... طبقاً لأخباره الخالي عن التهم
نعى النجاشي وكسرى يوم موتهما ... وقد كفى عدداً من كف تمرهم
وقد رأى أنس طبقاً لدعوته ... مالاً وعمراً وأولاداً من الخدم

قتادة عينه من بعد ما سالت ... عادت بأحسن ما كانت من القدم
كذاك عين علي مذ شكت رمداً ... بالتفل في دهرها لم تشك من ألم
ورب كف له فيها الطعام غدا ... مسبحاً والحصا من أعظم الشيم
وكم له معجزات غيرها ظهرت ... تربو على النجم في عد وفي عظم
فاق النبيين في علم وفي عمل ... لذا غدا بينهم كالمفرد العلم
من مثله وإله الخلق خاطبه ... فوق الطباق وجبريل من الخدم
ولا يفي عشر ما قد حاز من شرف ... ذوو المديح وما قد نال مكرم
كالدهر في همم والطود في عظم ... والبحر في كرم والدر في كلم
منيع حصن ولو البدر استجار به ... في ليلة التم بالنقصان لم يضم
لو كان في فضله شخص يشابهه ... لقلت مثل كذا للسائل الفهم
يكاد من يمنه يجلي الظلام به ... ولو من الدهر من ضر ومن نقم
فليس بعد الذي في النجم من عظم ... ومبعد ما في الضحى مع نون والقلم
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم
فيا رسولاً به الرحمن أنقذنا ... وقد حمانا بركن غير منهدم
يا خاتم الأنبياء الغر يا سندي ... يوم الزحام إذا ما الخلق في غمم
يا من إذا لاذ مأسور الذنوب به ... غداً، غدا آمناً كالصيد في الحرم
وإنني بت في كرب بنازلة ... غدت بكلكلها تسطو على سقمي
ألم بي بأسها الضاري فآلمني ... وجل صبري غدا من أوهن الرمم

والدهر جار على ضعفي ولا جلد ... به يكون اتقاء الحادث العمم
قرعت بابك أرجو الله يرحمني ... فأنت غوث الندا حصن لمعتصم
وقد رجوتك في التفريج من كرب ... فأنت بر رؤوف ظاهر الشيم
وأنت أقبل من ترجى شفاعته ... عند الإله وأرعى الناس للذمم
حاشا يخيب رجائي من جنابك يا ... من عم بعثك جوداً سائر الأمم
أعطيت جاهاً عريضاً لا مرام له ... وعم بعثك جوداً سائر الأمم
والكون من أجلك الرحمن أبرزه ... وجعل جودك فينا غير منفصم
إني محب وإن قصرت من طمعي ... وحسن ظني برب واسع الكرم
وقد غدوت من الزلات في خجل ... وقد قرعت عليه السن من ندم
بلغت جهدي بمدح فيك أنظمه ... أرجو شفاعتك العظمى بمزدحم
عساك تحنو على ضعفي إذا نشرت ... صحيفتي عند ربي بارئ النسم
حيث النبيون في رعب وفي وجل ... جثوا على ركب من بطش منتقم
وأنت تسجد حتى أن يقال فقم ... سل تعط واشفع تشفع نافذ الكلم
فتخرج الناس من حر الزحام ومن ... حر السعير وقد صاروا كما الحمم
إقبل هدية نجل العابدين فقد ... غدا بمدحك معدوداً من الخدم
صلى عليك إله الخلق ما كشفت ... بك الكروب وزاحت ظلمة الغمم
وآلك الغر والأصحاب أجمعهم ... من ارتجي بنداهم حسن مختتم
وله معمى في عبد الغني
يا بديع الجمال يا ذا التثني ... لحظك الجؤزري سبا العقل مني
إنني فيك لم أزل ذا هيام ... وأنا رقك الغ هجري وصلني
وله في سعيد
رب حسناء ما لها من شبيه ... حين ترنو بالعارض المصقول
أسعدت أرباب الهوى بوصال ... يوم عيد من بعد سلب العقول
وله في نار
سباني كحيل المقلتين بلحظه ... وما زال من حظي بوصلي ضنينا

فيا نفس صبراً من قساوة قلبه ... فبدري بلا يد عسى أن يلينا
وله في غلام
بأبي أحور اللواحظ ألمى ... ما روى لي من الوصال غليلا
مال بالقلب بعد لثغة راء ... تيمتني وصيرتني عليلا
وله في دخان قهوة
بعذار له وخال سباني ... وسقاني فوق الضنا كأس صده
عم دون العذار بالند خالا ... فهو بالخال حاز غاية قصده
وله:
يا ذا القوم السمهري ومن ... قد زال من شغفي به رسمي
أمنن علي بضم خصرك إذ ... ضمي له يحيا به جسمي
جسمي كخصرك في النحول وذي ... جنسية هي علة الضم
وله
مرت مواشط نسمة الأسحار ... كيما ترجل جمة الأشجار
والقطر جللها بسندس برده ... وتزينت بلآلئ الأزهار
والنهر صفق والطيور ترنمت ... في غصنها من نغمة الأوتار
وله ملغزاً
فما اسم ثلاثي إذا عد لفظه ... قريب بعيد يختفي ثم يظهر
له رتبة علياء عزّ ارتقاؤها ... وحسن بلا غين له العين تبصر
وفي محكم القرآن قد جاء ذكره ... بوصف به قد جاء يزهو ويزهر
ومن ضل عن رشد له كان هادياً ... ويسلو به ذو لوعة حين يسمر
ويسحب ذيلاً حين يسطو على العدا ... كرمح به نار الحشاشة تسعر
إذا ما تهجيت الحروف فصدره ... ومبدؤه عن عجزه متأخر
ويبدو لنا من قلبه جنة العدا ... بها نتقي المكروه منهم وننصر
ويبدو لنا أيضاً حديث عن الذي ... غدا لا يبالي بالذي منه يصدر

وإن كنت يوماً طارحاً ثلث أصله ... ففي غور نجد ما بقي منه ينظر
وإن قلب الباقي تراه حديث من ... به لعب الشيطان أو كان يسخر
ويبدو إذا صحفته فعل من غدا ... عطوفاً على صب له كان يهجر
ومن أصله إن كان قد بال صدره ... تراه أتى جما من الناس يكثر
وله
ومن عادة الأيام رفعة جاهل ... وما حقت العلياء إلا لعارف
عفونا عن الأيام عن كل ما مضى ... بعصمة أفعال تسامت بعارف
وله غير ذلك من النظم والمراثي والتهاني والمديح والقواعد والضوابط رحمه الله تعالى آمين ولنكتف بهذا المقدار وإن كان قطرة من بحر أو شذرة من عقد نحر.
ولد رحمه الله تعالى سنة ثمان وتسعين ومائة وألف بدمشق ونشأ بها وقرأ القرآن ثم جوده على الإمام القدوة الشيخ سعيد الحموي شيخ القراء بها، وقرأ عليه الميدانية والجزرية والشاطبية بعد ما حفظها قراة تدبر وإمعان وبحث وإتقان، وحفظ القرآن العظيم عن ظهر قلب، وتلقى منه القراءات بأوجهها وطرقها حتى جمع عليه. وقرأ عليه طرفاً من النحو والصرف وفقه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، وحفظ متن الزبد وكان شافعي المذهب وقتئذ، ثم لزم شيخه الشيخ شاكر العقاد رحمه الله تعالى وقرأ عليه في المعقولات، وألزمه شيخه المذكور بالتحول لمذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان عليه الرحمة والرضوان، فتفقه عليه، وقرأ عليه الفرائض والحساب حتى مهر في فن الأصول والحديث والتفسير والتصوف والمعقول، وقرأ عليه في الفقه الملتقى والكنز والبحر لابن نجيم وصدر الشريعة، والدراية والهداية وبعض شروحها وغير ذلك، ثم شرع في قراءة الدر المختار على شيخه المذكور مع جماعة، من جملتهم علامة زمانه وفقيه عصره وأوانه الشيخ سعيد الحلبي، وبقي ملازماً له إلى أن اخترمته المنية رحمه الله، ولم تتم قراءة الدر فأتمه مع بعض من حضر معه من إخوانه على الشيخ سعيد الحلبي المذكور، ضاعف الله تعالى لنا وله الأجور، وقرأ على الشيخ سعيد غير ذلك من الفقه وغيره من الفنون. وحين أتم الدر عليه استجازه فأجازه. هذا وكان شيخه السيد شاكر يتفرس فيه الخير ويأخذه معه ويحضره دروس أشياخه ويستجيزهم له فيجيزونه، وكان ذلك بإشارة حصلت له من الشيخ عبد النبي أحد علماء الهند وصلحائها المشاهير حين قدم إلى دمشق، فذهب مع شيخه لزيارته، ولما دخلا عليه جلس شيخه وبقي المترجم واقفاً بين يدي شيخه كما هو دأبه معه، فطلب الشيخ عبد النبي من شيخ سيدي المترجم أن يأمره بالجلوس، وقال له: إني لا أجلس إلا أن يجلس هذا الغلام، وقال إني أشم منه رائحة أهل البيت، وأنه ستقبل يده ويظهر فضله بين الناس وينتفع بفضله. فأمره شيخه حينئذ بالجلوس، فجلس، ومن وقتئذ زاد اعتناء شيخه به. وأحضره مرة درس شيخه العلامة شيخ الحديث الشيخ محمد الكزبري واستجازه له فأجازه، وكتب له الإجازة، وكذلك حضر دروس الشيخ أحمد العطار مع شيخه فاستجازه له فأجازه عام ستة عشر وألف ومائتين.
وفضائله لا تنكر وشمائله لا تحصى ولا تحصر، وعباداته وورعه وإقباله على الله، يقضي له بالسعادة والفوز عند مولاه. توفي رضي الله تعالى عنه سنة اثنتين وخمسين ومائتين وألف، عن أربع وخمسين سنة، وأقيمت عليه صلاة الموت في جامع سنان باشا، وتقدم للصلاة عليه إماماً العلامة الهمام والعمدة النخبة الإمام، علامة العصر وفرد القطر، الشيخ حامد العطار رحمه الله تعالى. ودفن بمقبرة باب الصغير بالتربة الفوقية إلى جانب قبر الإمام أبي حنيفة الصغير، العمدة العلائي صاحب الدر المختار، وقبره مشهور هناك، عليه جلالة يقصد لطلب الحوائج ويزار. رحمه الله تعالى.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.