أحمد الحارون بن أحمد بن غنيم الدمشقي الصالحاني

تاريخ الولادة1315 هـ
تاريخ الوفاة1382 هـ
العمر67 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا

نبذة

ولد الشيخ أحمد في حي الصالحية بدمشق (قرب جامع الحنابلة) عام خمسة عشر وثلاثمئة وألف للهجرة الموافق 1897م. لأب رفاعي الطريقة وأم شيبية دمشقية, كان أبوه يعمل في تقطير الورد والزهر, وهي مهنة دمشقية عريقة تجرى باستخدام الأنبيق, وقد مات وولده صغير لما يجاوز السابعة، فتعهدت الأم أن تكون أماً وأباً له.

الترجمة

العارف بالله فقيد الإسلام أحمد الحارون:
و ممن أدركناهم و استفدنا منهم فائدة نشهد بها أمام الله هو : العارف بالله فقيد الإسلام أحمد الحارون الحجار الذي اختاره الله لجواره في هذا الشهر، فكانت الفاجعة به أليمة ، و الخسارة فادحة لندرة مثل هذا الطراز من الرجال الذين يحيون القلوب، و ينعشون الأرواح و يلتزمون حدود الشريعة ، و يبتعدون عن استغلال التصوف لجمع المال و الشهرة.

نشأته الأمية و عمله بقطع الحجارة:
كان شيخنا الحارون رضوان الله عليه في أول أمره أميًا يشتغل بقطع الأحجار من الجبال و نحتها لتكون صالحة لبناء الدور ، و كان أحيانًا يعمل من هذه الأحجار أحواضًا للماء توضع في الحمامات في البيوت ، و كان من طموح الهمة و ذكاء البصيرة أن تعلم ـ و هو كبير السن ـ مبادئ القراءة و الكتابة.

منار المهتدين:
و كان من قوة الروح بحيث أصبح منارًا للمهتدين ، و مرشدًا للضالين ، و قد أنقذ بهدايته و روحانيته عددًا من أبناء البيوت المعروفة في دمشق ممن كانوا ينغمسون في الترف و اللهو ، فأصبحوا بعد ذلك من كرام الناس دينًا و أخلاقًا و استقامة، و بذلك أحبوه الحب الخالص لله، فلزموا مجالسه ، و استفادوا من أخلاقه و مواعظه ، و اعتبروه الأب الروحي لهم حتى اختاره الله لجواره.
و قد كنت أتردد عليه قبل مرضي و بعده، و بدأت أمري معه مختبرًا و مراقبًا، و انتهت إلى أن أصبحت محبًا و معجبًا و مريدًا.

تواضعه و زهده و سخاؤه:
كان من أهم ما حببه إلي تواضعه ، و حسن خلقه ، و تهربه من الشهرة ، و زهده في الدنيا مع إقبالها عليه، و سخاؤه الذي لا أعتقد أن له فيه مثيلًا أو قريبًا منه ، و فهمه للإسلام فهمًا صحيحًا صافيًا ، و إدراكه لمشكلات الحياة التي يحياها المسلمون اليوم.

فهمه الصحيح للإسلام:
قلت له ذات مرة و أنا غارق في القضايا العامة من سياسية و دينية : إنني متألم لحرماني من ساعات ففراغ أتهجد فيها ، أو أخلو فيها إلى نفسي ، أو أقرأ القرآن قراءة تدبر و تفهم ، فكيف السبيل إلى الجمع بين التعبد و بين العمل السياسي و الإصلاحي؟
فأجابني على الفور: و هل يقل أجر العمل الذي تقوم به عن أجر العبادة و التهجد و الخلوة؟ إنَّ ما أنت فيه عبادة من أكثر العبادات ثوابًا، فلا تندم على ما أنت عليه.
لم أكن أنتظر من شيخ متصوف مبتعد عن الدنيا و عن الجاه و الشهرة ، أن يقول لي مثل هذا الجواب ، فلما سمعته منه ازددت يقينًا بأنني إزاء رجل من الهداة الذين يفهمون الدين حق الفهم ، و يفهمون خطورة العمل الذي نؤدية حق الفهم ، فازددت به إعجابًا ، و ازددت له حبًا و تقديرًا.

عطاؤه الروحي و العلمي:
وكنت كلما شعرت بظمأ روحي إلى كلام الربانيين و هداتهم أذهب إليه ، فأملأ روحي من هدي كلامه ، و أملأ عقلي مما أفاض الله عليه في آخر عمره من فهم لمختلف العلوم ، بحيث استطاع أن يصنف فيها عشرات المجلدات التي ستظل أبدًا و دائمًا ناطقة بعظمة هذا الرجل و ربانيته و استعداده الروحي و العقلي ، حتى كان كبار العلماء يعترفون له بذلك ، و أذكر منهم على سبيل المثال : المصلح الإسلامي الكبير السيد أبا الحسن الحسني الندوي ، فقد اجتمع به أكثر من مرة حين كان يزور دمشق ، و اطلع على بعض مؤلفاته، و نقل منها أشياء ، حتى إذا عاد إلى الهند نشر عنه ثلاث مقالات في مجلة "البعث الإسلامي" التي تصدرها ندوة العلماء في لكهنو باللغة العربية.
و لما مرض شيخنا الحارون مرضه الذي أصبت بمثله قبله ، كنت أتردد عليه برغم المشقة التي تنالني من ذلك ، وكنت أراه طريح الفراش يعاني مثل فروعه فكان ـ و هو طريح الفراش ـ يناقش و يتكلم و يحضر بعض كتبه لنرى رأينا فيها ، مع استمراره على عادته في البشاشة و الدعابة التي عرف بها.
و انقطعت عنه في الفترة الأخيرة لشدة المرض عليَّ ، و كنت أشعر بأن ابتعادي عنه يحرمني كثيرًا من الخير ، و كثيرًا من العزاء ، حتى فوجئت بنعيه إثر مرض جديد أنشب أظفاره فيه رحمه الله.
إنني لأكتب هذه الكلمة و قد كتبت قبلها كلمتين عنه في الصحف اليومية ، و أشعر أنني في كل ما كتبت لم أوفه حقه، و لم أعبر عما في نفسي من لوعة لفقده، بعد أن كانت تمتلئ حبًا له و إعجابًا و إكبارًا.

المثل الصادق لروح الإسلام:
يا شيخ الصالحين الصادقين، و يا مرشد النفوس و الأرواح ، و يا من كان في حياته مثلًا صادقًا لروح الإسلام ، و استمرارًا مؤثرًا مثمرًا لأخلاق الرسول عليه الصلاة و السلام، يا من فقدته دمشق و بلاد الشام في وقت هي أشد ما تكون حاجة إليه و إلى هديه و إرشاده.
أيها المربي الحكيم ، و العالم النفسي الروحاني الكبير ، لقد أصبحت ـ إن شاء الله ـ في جنة الخلد ترتع فيها مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين، هنيئًا لك بما تركت وراءك من خير ، و بما لقيت أمامك من ثواب ، و عزاءً لنا بما فقدنا فيك من أثر مبارك من آثار النبوة الذي كان يبث الهدى و الخير و النور فيما حوله ومن حوله . 
يرحمك الله و يسبغ عليك رضوانه ، و يجزيك عمَّا تركت في نفوس من عرفك من طمأنينة تملأ النفوس ، ومن هداية تدل على الطريق، و من موعظة تستولي على العقول، فكنت بسيرتك و حياتك مثلًا صادقًا للهداة و المرشدين الذين عزَّ وجودهم مع تطلع الناس إليهم.
يا بركة الشام، وروحها الصافية، و نورها المشرق، و مرشدها الصادق الصالح.. رضي الله عنك، لقد أتعبت من وراءك ممن يحاولون أن يسلكوا طريق الهداة و المرشدين.
هيهات ! هيهات! إلا أن يكونوا مثلك زهدًا و ورعًا و عزوفًا عن الدنيا، ورغبة فيما عند اله..وإنا لله و إنا إليه راجعون.

توفي الشيخ الحارون ليلة الجمعة 19 جمادي الأولى سنة 1382هـ.

 

 

 

 

الشيخ أحمد الحارون الدمشقي
رحمه الله تعالى من كبار الأولياء رضي الله عنه
عندما رأى الشيخ عبد الله الحبشي رضي الله تعالى عنه عندما كان يقيم الشيخ عبد الله في دمشق قال له مرحباً بشيخ الأبدال هذا حصل منذ أكثر من أربعين سنة
رحم الله الشيخ أحمد الحارون ونفعنا به
العارف بالله الشيخ أحمد الحارون(سيرته)

ولادته:
عام 1315هجري الموافق 1900م ولد أحمد الحارون في منطقة الصالحية حي أبي جرش بجانب مسجد الحنابلة بدمشق في بيت من بيوت الصلاح من أبوين كريمين ينتسب أبوه لأبي العباس أحمد الرفاعي الحسيني وتنتسب الأم لبني شيبة رضي الله عنهم . أما البيت فهو بيت الحارون العسل.
والده :]كان والده العارف بالله الشيخ أحمد الحارون العسل يعمل في تقطير الزهور والورود وينفق ما يجنيه على عائلته التي تتألف من زوجته وأنجاله الأربعة وكريميته الأثنتين.
نشأته :]ما أن بلغ الطفل أحمد السابعة من عمره حتى انتقل والده إلى الرفيق الأعلى وتعهدته أمه التي كان يتردد على دارها المرحوم الشيخ مصطفى الكناني المشهود بتقواه والمعروف عند معاصريه أنه من أهل القلوب ويقوم بخدمة العائلة كثيرا ما كلن الكناني يُبشر الوالدة بأن نجلها سيكون له شأنه في المستقبل إن شاء الله .

في الكُتاب :
سجلت الوالدة اسم أحمد في الكُتاب المجاور لها ، والذي تديره المرحومة الحاجة راجحة وظل فيه عاما واحدا ثم التحق بكُتاب آخر في سوق الجمعة يشرف عليه المرحوم الشيخ عبده الأصفر ، وبقى فيه ثلاثة أعوام ، وكان الكتابان كغيرهما من الكتاتيب في ذلك الوقت لا يعنيان بغير تعليم القرآن الكريم .
وقد فاق الطفل أحمد جميع أقرانه لقوة حفظه فإنه كان يقرأ وتلو الشيء القليل في اليوم الأول ويقرأ الشيء الكثير في اليوم التالي ، حفظا عن ظهر قلب ، الأمر الذي كان له الأثر البالغ في تكويت هذا الطفل وفي تنشئته النشئة الصالحة .[
عمله:وما أن بلغ أحمد الثانية عشرة من عمره حتى أخذ يتعلم صناعة قطع الحجارة ليقتات مع والدته من كده وعرق جبينه ، وذهب إلى جبل قاسيون ليعمل حجارا سنين وسنين ، استعان بها على وعثاء الطريق بالصبر ، والرزق ليس هو الطعام والشراب فحسب ، بل الفهم والإدراك والعلم والجرأة والإلهام وما إليها من صنوف الرزق المادي
والروحي ومن صنوف الكرم الإلهي العظيم .
وانتظم الشاب أحمد في سلك النحت والى جانب قطع الحجارة في جبل قاسيون .
المرحلة الأولى :
ظل أحمد على هذا الحال سنوات وأعواما ، بدأ حياته الصوفية جاعلا علاقته مع الله عز وجل ناظرا إلى كل أمر من أموره بعيني الشريعة والحقيقة قائلا : إن الشريعة بؤبؤة العين وإن الحقيقة نورها ، ولا سبيل للعين أن ترى بدون نور .

في الحرب العالمية الأولى:
في عام 1917م سيق أحمد إلى الجندية ودخل ثكنة الشيخ بيرق في حلب ليحتل مكان الصدارة فيها كما احتله في جبل قاسيون ، إماما ومرشدا للجنود ويعمل بركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، على الصورة التي جعلت كل من الثكنة بحق أفندي .
كما كان الجنود يشنفون آذاناهم بتلاوة أحمد ااقرآن الكريم ويستمعون لقصائد التوحيد في شعر سلطان العرفين أحمد زروق المغربي والشيخ عبدالغني النابلسي والشيخ محي الدين بن عربي .ويشهد الجند أيضا إحياء أحمد لليل .
في الجبهة الفلسطينية :
ثم صدرت الأوامر إلى أحمد الحارون بالتحرك إلى الجبهة بالتحرك إلى جبهة فلسطين في القائمة فيها . وظن إخوان أحمد ومحبوه أن هذه المعركة قد تحد من انطلاقه نحو تعلم القرآن وحفظ الأحاديث .
غير أن الأمر كان عكس ذلك تماما ، فقد أعطى الله لأحمد عطاء رفيعا مع التأهيل وفتح أمامه آفاق العلم والمعرفة ، فكان له في الجبهة مثاما كان له في ثكنة حلب .
الزواج:
في عام 1346 هجري الموافق 1927 م أكمل الشاب أحمد نصف دنيه وتزوج من خديجة بنت أبي السعود الحداد ورزق بطفل اسمه عبدالفتاح الذي توفاه الله وهو في العقد الثاني من حياته وله ابنة اسمها سلمى .
بقلم: د.محمد فتحي راشد الحريري

 

 

 

إنه العارف بالله, العالم الرباني والصوفي المولّه أحمد الحارون بن أحمد بن غنيم الدمشقي الصالحاني (نسبة للصالحية) الرفاعي (طريقة) الحجّار مهنة, الشيبي خؤولة.
صاحب الكرامات والأحوال, الداعي إلى الله على بصيرة, الواعظ التي كانت ترق لموعظته أعتى النفوس وأقسى القلوب...

1- النشأة والتربية:
ولد الشيخ أحمد في حي الصالحية بدمشق (قرب جامع الحنابلة) عام خمسة عشر وثلاثمئة وألف للهجرة الموافق 1897م. لأب رفاعي الطريقة وأم شيبية دمشقية, كان أبوه يعمل في تقطير الورد والزهر, وهي مهنة دمشقية عريقة تجرى باستخدام الأنبيق, وقد مات وولده صغير لما يجاوز السابعة, فتعهدت الأم أن تكون أماً وأباً له.
أرسلته أمه للكتّاب فقرأ القرآن الكريم, ثم تعلم مهنة قطع ونحت الحجارة في جبل قاسيون قرب دمشق، لكن لم يتخل عن طلب العلم و التماسه من مظانة, وساعده جو الأسرة والتنشئة الكريمة التي حرصت أمه على تلقينه إياها فنشأ محافظاً على الصلاة والصلاح والبر وكرم الخلق ودماثته, مراقباً لله تعالى في كل حركاته وسكناته, ولذلك نظم نفسه في سلك التصوف.
والتصوف منحى تربوي ذوقي سلوكي يهدف إلى تهذيب النفوس والارتقاء فيها بين مقامي الخوف والرجاء, متخذة من الزهد والتوكل والحياء والصفاء والمحاسبة وسائل للوصول إلى الكمال بقدر الإمكان, والتشبه بمسالك الصالحين والسير على مدارجهم.
وقد انتظم في هذا السلك جل علماء المسلمين, وفي الفترة التي عاشها الشيخ أحمد يندر أن تجد واحداً من شيوخه فضلاً عن أقرانه خارج هذا المنحى...
لقد التزموا التصوّف طريقاً للصفاء والبعد عن وحر الماديات وزخرف الحياة الدنيا, وكان لكل واحد منهجه الخاص به متمثلاً في إلزام نفسه بأوراد خاصة وقسم من القرآن الكريم يتلوه كل يوم وأدعية وأذكار, وحلقة لعالم جليل أو عدة حلق يداوم عليها, دون أن ينسى حظه من الحياة الدنيا أو يشارك في الحياة العامة, فكان منهم الحجار والنحاس والساعاتي والحبّال والعطّار والخوّام والمزارع و... الخ, وكان منهم فوق ذلك المجاهد في سبيل الله الذي سجل أنصع صفحات الجهاد ضد المحتل الغاصب، هكذا كان التصوف، وهكذا فهمه الشيخ حارون جهاداً وتربيةً وتهذيباً وعملاً صالحاً وكسباً لقوته بعرق جبينه وليس كما يفهمه المتشنجون الذين يهرفون بما لا يعرفون, نسأل الله لنا ولهم الصلاح.

2- طلب العلم والعمل:
كان لالتزام الشيخ أحمد الحارون سلك التصوف السني الصافي بعيداً عن الشطحات والبدع والمهاترات أثر في توجيهه إلى طلب العلم, دون أن يقعد عن العمل, فكان حريصاً على كسب قوته والأكل من عمل يده, فعمل في مهنة شريفة هي قطع الحجارة والطوب للبناء ونحت الأجران الحجرية, ومارسها في جبل قاسيون بدمشق رغم خطورتها وقسوتها فهي تحتاج إلى همّة عالية وجد وقوة عضلية وشدة تحمل, وكان يجمع مع هذه المهنة القاسية حرصه على طلب العلم وحفظ القرآن الكريم وتعهده خشية أن يتفلت منه حفظه.
وهكذا تعرف على ثلة طيبة من مشايخ دمشق أمثال: المحدث الحافظ بدر الدين الحسني (ت1354)، والشيخ عبد المحسن الأسطواني(ت1383هـ)،والشيخ أمين تكريتي(ت حوالي1350)،والشيخ عبد المحسن التغلبي(ت1361)، والشيخ أمين كفتارو(ت1357)، والشيخ محمد بن جعفر الكتاني (ت1345)، والشيخ أمين سويد (ت1355)، والشيخ محمود أبو الشامات(ت1341)
وفي مرحلة لاحقة تعرّف على ثلة أخرى ولازمهم ينهل العلم على يديهم ويتحلى بمناقبهم, مضيفاً لذلك العمل بتوجيهاتهم ومطالعة الكتب التي يرشدونه إليها فحفظ كثيراً من المتون, وطالع كتب الفقه والتفسير والحديث والسيرة فضلاً عن تراجم السالكين في طريق الفضيلة نحو مراقي الفلاح.

من شيوخه بعد عام 1348هـ:
محمد عطا الكسم(ت1357هـ) و
شكري الاسطواني (ت1375هـ)، و
عزيز الخاني (ت1369هـ)، و
أمين زملكاني (ت1346هـ)، و
عبدالله المنجد(ت1357هـ)، و
توفيق الهبري(ت حوالي 1355) و
عبد الرحمن الخطيب (حوالي1360)،
 وهاشم الخطيب(1378).

وقد حبب إليه في جميع مراحل حياته حفظ القرآن والاستمتاع بتجويده وإسماعه لجلسائه, كما كان يحفظ بعض القصائد العرفانية لمحيي الدين بن العربي وأحمد زرُّوق المغربي، وعبد الغني النابلسي، وابن الفارض، ورابعة العدوية وغيرهم.

3-الدعوة وعلاقته بالعلماء:
كان للشيخ الحارون شبكة من العلاقات الاجتماعية مكنته من ممارسة الدعوة إلى الله على طريقته براحة تامة, وكانت تربطه بعلماء دمشق أطيب العلائق، فكان يجلهم وكانوا يحترمونه, ولم يزعم مرة أنه من العلماء، بل كان حريصاً أن يردد بأنه تلميذ سالك أو مريد للشيخ فلان, فكان لا يجد غضاضة في استفتاء من يثق بمشيختهم وينقل هذه الفتاوى لتلاميذه ومريديه.

حضور بديهيته:
مارس الدعوة أثناء عمله في نحت الحجارة فصدقت فيه مقولة الشيخ راشد الحريري(رحمه الله): ( كان ينحت القلوب قبل نحت الطوب).. نعم فقد كانت كلماته شفافة تلامس شفاف القلب وتنفذ إلى منطقة التأثر مباشرة, أوتي حجة بالغة فعلا، و كان حاضر البديهة, فقد حاول أحدهم مرة أن يتهكم الإسلام و المسلمين, فقال متنذرا: أعجب من كثرة سلامكم و صلاتكم على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فكيف تصله الصلاة و السلام على بعد المسافات و اختلاف النواميس بين الدنيا و الآخرة....؟؟
على الفور دون تلكؤ قال الحارون: ما اسمك يا أخي؟, فقال له اسمه، ثم سأله عن أبيه و جده و سلالته, فقال له: لو لعنت الآن أباك و جدك و جد جدك و سلالتك كلهم أتغضب ؟ فاكفهر وجه الرجل و قال: نعم أغضب ولا أسمح لك بذلك , قال الحارون: كيف ستصل الشتيمة إلى هؤلاء؟
عندها بهت الرجل أمام حجة الشيخ الحارون القاطعة: مثلما تعتقد حضرتك بوصول المسبة نعتقد نحن بوصول الصلاة والسلام إلى نبينا الكريم عليه أفضل الصَّلاة وأتم التسليم.

أسلوبه الدعوي:
أما أسلوبه الدعوي فكان عجيبا: يزور الناس و يستزيرهم، و يدعوهم في السوق و في المسجد و على المقبرة و لم يعقد حلقات ثابتة و إنما كانت حلقاته بحسب الدافع و الظرف الموائم, و في بيوت أحبائه يقرأ عليهم أو يستمع قراءتهم لبعض الكتب مثل (تفسير ابن كثير)، و رياض الصالحين، و الأذكار للنووي, وزاد المعاد لابن قيم الجوزية، و الرسالة للقشيري، ولطائف المنن، و الحلية، و الإحياء للغزالي، و الشفاء للقاضي عياض، و إضرابها.. و كان صاحب دعوة خاصة للأطفال و الشباب يتودد إليهم بالحسنى...
وكان حليما و صاحب دعابة دون استخفاف, محافظا على وقاره, يجذب إليه الخاصة و العامة بحديثه الماتع و ما آتاه الله من حجة فلم يخض نقاشا أو حوارا إلا أظهره الله.

ثقة الناس به:
وكان للناس فيه اعتقاد عظيم يتناقلون قصصه و حججه و كراماته بأسرع مما تتناقله وكالات الأنباء, حتى أنه هو كان ينسى كثيرا من المواقف التي تجري معه بينما لا تزال هذه المواقف عالقة في وجدان الناس و ذاكرتهم و مجالسهم.

4- جهاده:
يصنف الحارون مع المجاهدين في سبيل الله, جاهد بماله و نفسه و فكره و دعوته كما جاهد باعتباره قدوة للسالكين, ولم يكتف بالحث على جهاد الفرنساويين بل حمل السلاح بنفسه، و تشهد له بقاع غوطة دمشق الغناء مقاتلاً عنيداً وبطلاً صنديداً، وشارك في قطع الإمدادات عن الفرنسيين بنسف طريق دمشق بيروت، واستطاع مرة أن ينسف الخط الحديدي بين دمّر والفيجة مع أبناء عكا ش.
وكان يجمع التبرعات للثوار يمدهم ويمد بها عائلاتهم وكم من موقف عظيم له مع عائلات المجاهدين والشهداء يذكرنا بقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): " من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا".
ومن الجدير بالذكر أنه خدم في الجيش العثماني(الجندية الإلزامية) سنة1917 وأحبه الجنود, وكان يعرف بينهم بـ(خجا أفندي) لحرصه على نشر الدعوة في صفوفهم. كما شارك في القتال الفعلي في فلسطين مع العثمانيين، ومع نهاية الحرب عاد لجهاد النفس مع معترك الحياة فتزوج سنة 1346هـ وكون أسرة طيبة, كان حريصاً أن يظهر قدوة لها في كسب القوت وممارسة الدعوة... ولم ينقطع عن مهنة الحجارة إلاّ أواخر عمره.