محمد سعيد بن قاسم بن صالح الحلاق القاسمي

تاريخ الولادة1259 هـ
تاريخ الوفاة1317 هـ
العمر58 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • دمشق - سوريا
  • بيت المقدس - فلسطين

نبذة

السيد سعيد بن قاسم بن صالح بن اسماعيل بن أبي بكر القاسمي الشهير بالحلاق الدمشقي الشافعي. سلالة مجد أشرقت أنواره، ونفحت في رياض الأدب أنواره، فصيح ألبسه المولى حلة الكمال، وبليغ نسج القريض على أبدع منوال، فأخذ برقاب القوافي، وورد منها المنهل الصافي.

الترجمة

السيد سعيد بن قاسم بن صالح بن اسماعيل بن أبي بكر القاسمي الشهير بالحلاق الدمشقي الشافعي
سلالة مجد أشرقت أنواره، ونفحت في رياض الأدب أنواره، فصيح ألبسه المولى حلة الكمال، وبليغ نسج القريض على أبدع منوال، فأخذ برقاب القوافي، وورد منها المنهل الصافي، فحاول رقيقه وجزله، وأجاد جده وأحكم هزله، بنظر نقاد، وخاطر وقاد، يقضي حق البيان، ويملك رق الحسن والإحسان، يترقرق به ما الطبع، ويرتفع له حجاب القلب والسمع، مع حسن المحاضرة، ولطف المذاكرة، فلا جرم قد طابق اسمه مسماه، وكاد أن ينطق بلفظه معناه، ولد في دمشق الشام، في أوائل المحرم الحرام، عام تسعة وخمسين ومائتين وألف، ونشأ في حجر والده بركة عصره، وفقيه قطره، فتأدب بفضائله وتهذيبه، وكساه من الفنون الرداء المذهب، فاقتفى واقتدى، وراح في الحلبة واغتدى، حتى نبل وشدا، وبلغ في المعارف الندى، ولما توفي والده عام أربعة وثمانين ومائتين وألف قام مقامه في إمامة جامع السنانية، وإحياء دروسه الليلية والنهارية، وله أخذ وسماع وتحصيل، عن غير والده الجليل، من أساتذة محققين، وأفاضل كاملين، منهم الشيخ محمد الطنطاوي والشيخ سليم العطار والشيخ محمد المنير والشيخ عمر العطار وغيرهم بواهم الله دار السلام. واجتمع بفضلاء الحرمين الشريفين وبيت المقدس الشريف عام زيارته لهما سنة إحدى وثلاثمائة وألف. وله إقبال عظيم على شانه، وانزواء شديد عن أكابر زمانه، والقلوب على مودته متطابقة، والألسن بالثناء عليه ناطقة، وله مصتفات أدبية، ومجموعات بهية، منها بدائع الغرف، في الصنائع والحرف، ومنها الثغر الباسم، في ترجمة والده الشيخ قاسم، ومنها سفينة الفرج، فيما هب ودب ودرج، ومنها ديوان شعر لطيف جمع فيه جملة من درره، وشذرة من محاسن غرره، وأكثر ن ابتكار النوادر، وتلطف في المجون بكل معنى بديع نادر، راضياً بعفو الطبع، وما يخف على السمع، فمن لؤلؤه الرطب، ورشح قلمه العذب، قوله مطلع قصيدة متغزلاً:
أما وعيون فاتكات فواتر ... فعلن كأفعال المواضي البواتر
وصبح جبين فوق بدر يزينه ... شقائق ورد بين ليل الغدائر
وعنبر خال حول ثغر مدامة ... حماه ورود الرشف سيف المحاجر
وبلور جيد إن تنازل ريقه ... يريك بريقاً من خلال الحناجر
ورقة خصر فوق طود كثيبة ... تميد بموج فوق بحر الجزائر
وخطيّ قدّ كم ترى عند هزه ... طريح غرام لا جريح خناجر
وهيكل جسم إن تراءى لناظر ... فما هو إلا قطعة من جواهر
بأن الهوى مني وإني من الهوى ... وإن هيولى العشق سار بسائري
ومن منظوماته الحماسية قوله من أبيات:
شموس الرضا دوما علينا بوازغ ... وآلاءُ ستر الله فينا سوابغ
وفي يدنا اليمنى غدا اليمن مغدقا ... بشعر وآداب فنحن النوابغ
لنا في العلا نفس تعز بربها ... وقلب بغير الفكر والشكر فارغ
وقال في مدح دمر:
يا صاح إن رمت المسير لمنزه ... فاقصد بسيرك نحو روضة دمر
فهواؤها محيي الجنان وأرضها ... مثل الجنان وماؤها كالكوثر
ومن لطائفه قوله:
ذهب الربيع بورده وبلينه ... وأتى الشتاء ببرده وبطينه
أما الفقير ففي الشتاء هلاكه ... من همه في فحمه وعجينه
وبسقف بيت عياله من دلفه ... وبرجفه من برده وأنينه
وقال في باب التوكل:
كل من يبغي سوى المولى نقص ... واعتراه من ذوي الدنيا غصص
وإذا أمل منهم حاجة ... نغص المسؤول عنها ونكص
مكفهر الوجه لو أبصرته ... قلت من أين له داء البرص
وعلى السائل فرضا لو سخا ... مرة ألقاه في ذل القفص
فاترك العالم طرا ثم سل ... ملكاً يرغب أن تؤتى الرخص
منعماً براً كريماً رازقاً ... ليس يرضى عن عبيد قد حرص
عالماً أجمال أحوال الورى ... فهو ادرى في تفاصيل القصص
وقال لبعض الشؤون:
نظر الزمان إليَّ من طرف قذي ... يوماً فقلت منادياً من منقذي
فنظرت من كل الجهات فلم أجد ... خلاً يغيث فقلت غب تعوذي
بالأمس لا يحصون أحبابي فهل ... محقوا بريح أصفر مستحوذ
أم هل تواروا في قبور بيوتهم ... سحقاً لهم من ذلك الفعل البذي
أين المودة والإخاء والاصطفا ... بل أين مَنْ مِنْ خير ثدي قد غذي
صدق اللبيب الشاعر الفطن الذي ... قد قال هذا البيت بالمعنى الذي
ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد القنفذ
ومن لطائفه قصيدتان نظمهما في عام تأخر برده عن وقته المعتاد صاغ الأولى في قالب السؤال من فصل الشتاء والثانية في جوابه واعتذاره المتضمن وعظ الموسرين ليتفقدوا أولي الفاقة. أما الأولى فهي قوله:
ما بال بردك ياشتاء تأخرا ... وبريق برقك خلب لن يمطرا
أقبلت يا فصل الشتاء ولم نجد ... من ماء مزنك قطرة بلت ثرى
فصل كأيام الحسوم يجيئنا ... فالآن في أبداننا ما أثرا
ما هكذا قد كنت تأتي للورى ... فارحم جشا بلظى هواك تسعرا
وإذا سألتك أن أراك حقيقة ... فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى
أين الرياح العاصفات بفصله ... لا تبقي في الأشجار عرقاً أخضرا
أين الجليد مجمدّ الأرض الذي ... مثل الزجاج تخاله متصورا
أين الصقيع المقصم الظهر الذي ... ترك الفتى من رجفه متحيرا
أين الضباب المظلم الجو الذي ... بظلامه يحكي قتاماً أغبرا
أين اسوداد الجوِّ أين عبوسه ... أين الغمام وغمه ومتى سرى
أين الزيادة في المياه إذا أتت ... تحكي لنا في اللون طيناً أحمرا
بل أين برد الزمهرير ولسعه ... للوجه لكن يستخير المنخرا
أين الرعود المزعجات بصوتها ... كمدافع يضربن جواً أقفرا
فإذا رأيت رأيت برداً خاطفاً ... وإذا سمعت سمعت صوتاً منكرا
أسفي لثلجك يا شتاء فإنه ... قد كان يبني أذرعاً أو أكثرا
أسفي على البَرَد الكبير وطبّه ... مذ كان ينزل جامداً مستحجرا
أسفي علينا ما رأت أبداننا ... برداً به نلتذ في لبس الفرا
فإلى متى والصحو عمَّ سماءنا ... والشمس في إشراقها لن تسترا
وبيوتنا أبيابها مفتوحة ... فكأن حرَّ الصيف لن يتغيرا
وننام لا مزَّملين بثوبنا ... كلا ولا احتجنا لآن نتدثرا
وسقوفنا جفت وقد كانت لنا ... يبكي بدمع الدلف ماء أصفرا
أسفي على يبس الميازيب التي ... طول الشتاء تصب ماء أغبرا
أسفي على تلك البلاليع التي ... كانت تسد بما يحاكي الأبحرا
أسفي على تلك المناقل لم تذق ... في صفوة فحماً وجمراً أحمرا
أسفي على تلك البرادي وهي في ... أجداثها ملفوفة لن تنشرا
أسفي على الأوحال في الطرقات إذ ... يبست وآن لها بأن تتخمرا
ومتى نرى الإنسان يمشي فوقها ... يغدو ويرجع خائضاً ومشمرا
ومزركشاً من طينها ومطرزا ... ومدبجاً من فرقه وإلى ورا
وبنعله قد شال من أوحالها ... أرطال طين كاد يحني الأظهرا
فلطالما قد قيل أيام الشتا ... زلق الحمار بوحلة فتفطرا
والناس يصطرخون هل من منقذ ... غرق الحمار بحمله وتكسرا
أسفي على الحمال لو أبصرته ... لرحمته لما بكى وتحسرا
فإلى متى لا تحمل العكاز بل ... لا يلبس القبقاب بل لا يشترى
ومتى نرى سطح السقوف مكلساً ... ومخمراً بالثلج أبيض نيرا
لو أنني جمعته وخزنته ... للصيف كنت عملت منه متجرا
فبمثل هذا الحال كان شتاؤنا ... أفلا يحق عليه أن نتقهرا
يا أجرد الكانون جئت معاكساً ... تدع الغصون ونحن ننبذ بالعرا
وكذا الأصم أخوه لا يبغي بأن ... ننطم في وسط البيوت ونقبرا
لو كان يسمع لا يضن ببرده ... لكن أصم فليس يسمع ما جرى
فعسى بآذار يجود بمالنا ... قد ضن فيه شتاؤنا إن أدبرا
وقال في القصيدة الثانية التي وقعت جواباً على لسان حاله فهي:
يا من تكلم في الشتاء بما درى ... ورأى بأن البرد فيه تأخرا
برد الشتاء لقد تحول عنكمو ... وأظنه قد ضل في إحدى القرى
جوبوا البلاد لعلكم تجدونه ... في قارة قد قرَّ فيها أو سرى
إن لم تروه بها فجدوا خلفه ... فلعله في حمص زار وزمهرا
أم في حماة أتى إليها يحتمي ... فعصى بعاصي نهرها وتسترا
أم راح نحو مدينة الشهباء أم ... رام الإقامة في ذرى أم القرى
ليريحهم من حرها في برده ... ويزمل الأبدان منهم بالفرا
أم أمَّ نحو الروم وهي بلاده ... منها نشا وبها استقر بلا امترا
فهناك تلقون الشتاء وبرده ... يمشي بمسقط رأسه متبخترا
وترون ما تبغون من آفاته ... وزيادة مما يقص الأظهرا
فإذا سمعتم أنه في بلدة ... ورأيتموه جامحاً مستنفرا
قولوا له يا ابن الحلال إلى متى ... ما آن أن تأتي وتنظر ما جرى
بينا نطوف لعلنا نحظى به ... في بعض تلك المدن أو بعض القرى
وإذا به بين الجبال مخيم ... إذ لا أنيس له هناك من الورى
قلنا له: يا بارداً في طبعه ... لكن قطر نداك يحكي السكرا
أنت الذي عاهدتنا من أدم ... والعهد منك على المدى لن يخفرا
تأتي ألينا كي تغيث زروعنا ... في كل عام مرة أو أكثرا
والآن في ذا العام قد قاطعتنا ... وفررت عنا ما الذي منا جرى
أرأيت منا ما يسوءك فعله ... من كل ذنب سيئ لن يغفرا
أم بعضنا يجني عليك بذنبه ... فأخذت باقي البعض ظلماً وافترا
هذا وقد جئناك بعد مشقة ... فابدي الجواب ولا تكن مستعذرا
نهض الشتاء وقال كلا فاسمعوا ... نصحاً يقال لمن يريد تبصرا
لما منعتم مالكم فقراءكم ... وعراهمو من فقرهم ما قد عرا
وغنيكم متنعم بطعامه ... وشرابه ولباس أنواع الفرا
وفقيركم لا تنظرون لحاله ... وترونه في عيشه متكدرا
وترونه بالسوق في وقت المسا ... يبتاع زيتوناً وخبزاً أسمرا
يغدو حزيناً باكياً وغنيكم ... يغدو ويرجع ضاحكاً مستبشرا
ويطوف حول الفاكهاني في المسا ... أو حول بياع الكنائف للشرا
وإن اشترى شيئاً غدا من بخله ... يخفيه تحت ثيابه متسترا
والمعدمون يبصبصون بأعين ... حول الغني ويرجعون القهقرى
وإذا الفقير أتاه يبكي كسرة ... أو جاء ضيفاً يبتغي منه القرى
ما كان إلا بالعصا إكرامه ... أو بالعطا أعطاه فلساً أحمرا
وكم تمنى الأغنياء بأن يروا ... في ساحة الفقراء ريحاً أصفرا
كي لا يروا أبداً فقيراً بل ولا ... يجدون مسكيناً وأشعث أغبرا
يا ويحهم ماذا يكون جوابهم ... في القبر حين يروا نكيراً منكرا
للأغنيا ويل من الفقرا غدا ... يوم القيامة إذ يرون المحشرا
إذ يقبضون عليهم في موقف ... منه الوليد يشيب من بين الورى
ويقول كل منهم يا ربنا ... خذ حقنا منهم فلن نتأخرا
يبقى الغني هناك لا مال له ... فيصير عما قد جنى متحسرا
فالآن أنتم يا ذوي الأموال إن ... واسيتموا الفقراء آتي ممطرا
وتزوركم رحمات رب لم يزل ... للمحسنين مساعداً وميسرا
وترون فصلي فصل خصب مقبل ... في كل خير بالرخاء مبشرا
ولتسمعن رعوده كمدافع ... ولتنظرن البرق فيه منورا
ولتبصرن هتون مزن سحابه ... فسيوله في الأرض تحكي الأبحرا
ولسوف ينزل ثلجه ببلادكم ... فهناك يبني أذرعاً أو أكثرا
ويروج سوق سويقكم في وقته ... فكلوا السويق مدبساً ومكسرا
وله من هذا الباب، ما تلذ به أولوا الألباب، مما يعترف له بحقه، ويعرف به مقدار سبقه، ثم أنه في ثاني وعشرين من شوال عام ألف وثلاثمائة وسبعة عشر بعد طلوع الشمس وكانت الساعة اثنتين من النهار صباحاً توفي المترجم فجأة وكان له مشهد عظيم، ومحفل جسيم، وكانت الصلاة عليه في جامع السنانية ودفن في مقبرة باب الصغير وراء قبر والده رحمه الله تعالى.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.

 


محمد سعيد بن قاسم بن صالح الحلاق القاسمي:
أديب متفنن، من علماء دمشق. كان عارفا بالصناعات الشامية،
له فيها كتاب (بدائع الغرف في الصناعات والحرف) رتبه على الحروف وبلغ فيه أواخر حرف السين، فأكمله ابنه الشيخ جمال الدين مشتركا مع خليل بن أسعد العظم وسمياه (قاموس الصناعات الشامية - ط) في مجلدين. وبقية كتبه المخطوطة ما زالت محفوظة في خزانة آل القاسمي بدمشق. وله مجموع سماه (سفينة الفرج فيما هبّ ودبّ ودرج) على نمط الكشكول، و (تنقيح الحوادث اليومية) نشرته كلية الآداب في جامعة عين شمس، باسم (حوادث دمشق اليومية - ط) و (الثغر الباسم) في ترجمة والده، و (ديوان) منظوماته. وهو والد الشيخ جمال الدين .
-الاعلام للزركلي-