محمود شلتوت:
فقيه مفسر مصري. ولد في منية بني منصور (بالبحيرة) وتخرج بالأزهر (1918) وتنقل في التدريس إلى أن نقل للقسم العالي بالقاهرة (1927) وكان داعية إصلاح نير الفكرة، يقول بفتح باب الاجتهاد. وسعى إلى إصلاح الأزهر فعارضه بعض كبار الشيوخ وطرد هو ومناصروه، فعمل في المحاماة (1931 - 1935) وأعيد إلى الأزهر، فعين وكيلا لكلية الشريعة ثم كان من أعضاء كبار العلماء (1941) ومن أعضاء مجمع اللغة العربية (1946) ثم شيخا للأزهر (1958) الى وفاته. وكان خطيبا موهوبا جهير الصوت.
له 26 مؤلفا مطبوعا، منها (التفسير) أجزاء منه في مجلد، ولم يتم، و (حكم الشريعة في استبدال النقد بالهدي) و (القرآن والمرأة) رسالة، (والقرآن والقتال) و (هذا هو الإسلام) و (عنصر الخلود في الإسلام) و (الإسلام والتكافل الاجتماعي) و (فقه السنة) الأول منه، و (أحاديث الصباح في المذياع) و (فصول شرعية اجتماعية) و (حكم الشريعة الإسلامية في تنظيم النسل) محاضرة، و (الدعوة المحمدية) رسالة، و (فقه القرآن والسنة) الجزء الأول، و (الفتاوى) و (توجيهات الإسلام) و (الإسلام عقيدة وشريعة) و (الإسلام والوجود الدولي) .
-الاعلام للزركلي-
فضيلة الشيخ محمود شلتوت
ولد الإمام الشيخ سنة 1893م في منية بني منصور من أعمال مركز إيتاي البارود وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني سنة 1906م وكان أول فرقته في جميع مراحل دراسته، ونال شهادة العالمية سنة 1918م، وكان أول الناجحين فيها، وهو إمام جليل، وفقيه كبير، ومصلح اجتماعى عظيم، ويمتاز بثقافاته الواسعة وشخصيته الفريدة وأسلوبه البليغ وحجته البالغة القوية.
عين بعد ذلك مدرسا بمعهد الإسكندرية أوائل سنة 1919م، وفي هذا العام قامت الثورة الشعبية بقيادة سعد زغلول ضد الإنجليز، فقام الشيخ شلتوت بواجبه الديني والوطني، وشارك بقلمه ولسانه وجرأته المعهودة فيه، ولما عين الإمام المراغي شيخا للأزهر رأى الانتفاع بمواهبه، وثقافته الواسعة فنقله إلى القاهرة مدرسا بالقسم العالي.
ولما تقدم الإمام المراغي بمذكرته لإصلاح الأزهر، كان الشيخ شلتوت في مقدمة المستجيبين له، بل كان أول صوت أزهري ارتفع بتأييد هذه المذكرة، ولم يكتف بالتأييد الشفوي بل أسرع بكتابة عدة مقالات في جريدة السياسة اليومية يدعو فيها إلى تأييد هذه المذكرة.
كان رجال الأزهر جميعهم يؤيدون فكرة الإصلاح، ولكن الملك فؤاد لا يرتاح إلى هذه الحركة، فقامت العقبات في طريقها مما جعل الشيخ المراغي يقدم استقالته، وولي بعده الشيخ الظواهري، الذي كان يرى التأني ومراعاة الظروف، والتفاهم مع ولاة الأمر في عملية الإصلاح، وقابله كثير من الطلبة والعلماء بثورةعاتية، فقابل ثورتهم بالشدة والعنف، وفصل الشيخ شلتوت من منصبه، وفصل عشرات من صفوة علماء الأزهر.
وبعدها اشتغل الشيخ شلتوت بالمحاماه، وفي سنة 1935م، أعيد إلى عمله بالأزهر مع إخوانه المفصولين، وعين مدرسا بكلية الشرعية والقانون، ولما عاد الإمام المراغي للمشيخة عينه وكيلا للكلية.
وفي سنة 1941م تقدم الشيخ شلتوت برسالته (المسئولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية) إلى جماعة كبار العلماء لنيل عضويتها، وقد فاز بها بإجماع الأعضاء.
وكان أول نشاط قام به في هذه الجماعة أن تقدم إليها باقتراح إنشاء مكتب علمي للجماعة، تكون مهمته معرفة ما يهاجم به الدين الإسلامي والرد عليه وبحث المعاملات التي جدت وتجد، ووضع مؤلفاً في بيان ما تحتوي عليه كتب التفسير المتداولة من الإسرائيليات، وتنقية كتب الدين من المبدع والخرافات، وقد ألفت لجنة لهذا الغرض برياسة الشيخ عبد المجيد سليم، وكانت هذه اللجنة إرهاصا بإنشاء مجمع البحوث الإسلامية فيما بعد، وكان للشيخ شلتوت الفضل في اقتراحه ومتابعة المطالبة بإنشائه حتى تم له النجاح، وظهر المجمع إلى الوجود في عهد مشيخته.
في سنة 1946م صدر قرار بتعيين فضيلته عضوا بمجمع اللغة العربية وانتدبته جامعة فؤاد (القاهرة) لتدريس فقه القرآن والسنة لطلبة دبلوم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، فأدى مهمته خير أداء.
في سنة 1950م عين مراقبا عاما لمراقبة البحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر واستطاع في الفترة الوجيزة التي أشرف فيها على هذه المراقبة أن ينهض بها، وأن يوثق صلاتها بالعالم الإسلامي في مختلف القارات
وكان عضوا في اللجنة العليا للعلاقات الثقافية الخارجية وعضوا في مجلس الإذاعة الأعلى، ورئيسا للجنة العادات والتقاليد بوزارة الشؤون الاجتماعية، وعضوا في اللجنة العليا لمعونة الشتاء كما كان من كبار المؤسسين لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي قامت لإزالة الجفاء وتوثيق الصلات بين الطوائف الإسلامية، وبخاصة بين طائفة السنة وطائفة الشيعة، وكان له مكان الصدارة في كل هيئة يشترك فيها بما يبذله من أراء قيمة، وجهود مضنية، ودراسات علمية عميقة.
وكان - مع هذا كله - يتحدث في الإذاعة صباحاً، يحاضر في شتى الجمعيات الثقافية مساء ويكتب في الصحف والمجلات، ويشارك في مختلف الندوات في العاصمة والأقاليم، ويخطب الجمعة في كل أسبوع ويرد على الرسائل، ويفتي في المشكلات، ويلتقي بزعماء المسلمين، ويحاضر في الكليات ثم يتابع تأليف الكتب والأبحاث.
في الثالث عشر من شهر أكتوبر سنة 1958م صدر القرار الجمهوري تعيينه شيخا للأزهر، وما كاد يلي هذا المنصب الكبير حتى ركز جهوده في إنشاء مجمع البحوث الإسلامية الذي كان يتطلع إلى إنشائه، ويرى فيه رابطة علمية وروحية وثيقة، تشد أزر المسلمين جميعاً، وتزيل ما بينهم من خلافات بثها الاستعمار.
ذاعت شهرة الإمام في ربوع العالم الإسلامي، فانهالت عليه الدعوات الرسمية لزيادةالأقطار الإسلامية ففى الثامن من مارس سنة 1960م قررت الحكومة الأندونيسية دعوته لزيادة المؤسسات الثقافية في جزر الجمهورية الأندونيسية، ثم كررت الدعوة له وألحت عليه وزارة الخارجية المصرية في قبول هذه الدعوة، تأكيدا للروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين، فأظهر الإمام قبوله للدعوة ووعد بها، على الرغم من أن موضوع تطوير الأزهر كان يشغلجميع أوقاته، وما لبث أن تلقى دعوة أخرى من حكومة اتحاد الملايو لينزل في ضيافتها ثلاثة أيام، ثم تلقى دعوة ثالثة من السيد أحمد النتو زعيم المسلمين في الفلبين وعضو مجلس الشيوخ فيها لزيارة المسلمين والمنشآت الإسلامية، فرأى الأستاذ الإمام أن يجمع الزيارات الثلاث في رحلة واحدة، وكون بعثة سافرت معه في الثامن عشر من يناير سنة 1961م ولقيت البعثة استقبالا حماسيا من الحكام والزعماء وطبقات الشعب وتهافتت الجماهير على أعضاء البعثة تغمرهم بالحب والمودة وتمنحهم التكريم والتبجيل.
وكما زار فضيلته كثيرا من الدول الإسلامية، فقد استقبل طائفة من رؤساء هذه الدول بمصر، وغمرهم بالتبجيل والتكريم، ومنح بعضهم شهادات فخرية من جامعة الأزهر مما جذبهم إلى مصر، وربط بين شعوبهموبين الشعب المصري بأعظم الروابط وأقوى الصلات.
ولقد تلقى دعوات عديدة من شتى الدول، لم تمكنه ظروفه من تلبيتها جميعا، مثل المغرب والهند وأمريكا وألمانيا ويوغوسلافيا والبرازيل، وكانت آخر دعوة تلقاها من الباكستان لافتتاح معهد البحوث الإسلامية في كراتشي، وكان في نيته أن يلبي هذه الرغبات لولا ظروف المرض ومشقة السفر ومشاغل وأعباء الأعمال.
نال فضيلة الإمام درجة الدكتوراه الفخرية من دول عديدة، مما يدل على منزلته الرفيعة ومكانته السامية في شتى أنحاء العالم، فقد منحته هذه الدرجة كل من جامعة شيلي بأمريكا اللاتينية، والجامعة الإسلامية بأندونيسيا، وجامعة سومطرا الشمالية، وكلية كامل الإسلامية بالفلبين.
ومنحه وسام الشرف كل من الملك محمد الخامس ملك المغرب، والملك محمد طاهرشاه ملك أفغانستان، والفريق إبراهيم عبود رئيس المجلس الأعلى للقوات السودانية ورئيس جمهورية السودان، كما منحه أحمد أهيدجو رئيس جمهورية الكاميرون لقب مواطن فخري.
مؤلفاته:
ترك الإمام الأكبر ثروة طائلة من الأبحاث والدراسات والقيمة لايزال بعضها مخطوطا ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:
- فقه القرآن والسنة.
- مقارنة المذاهب.
- يسألونك: وهو إجابة عن أسئلة تلقاها عن طريق الإذاعة، وقد طبعتها وزارة الثقافة.
- منهج القرآن في بناء المجتمع، نشرته إدارة الثقافة بالأوقاف.
- المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية وهي الرسالة التي ألقاها الإمام في مؤتمر القانون الدولي المقارن في لاهاي، وقد نال بها عضوية جماعة كبار العلماء.
- القرآن والقتال.
- القرآن والمرأة.
- تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام.
- الإسلام والوجود الدولي للمسلمين.
- تنظيم النسل.
- رسالة الأزهر.
- إلى القرآن الكريم.
- الإسلام عقيدة وشريعة.
- من توجيهات الإسلام.
وفاته:
مرض الإمام الشيخ شلتوت مرضاً شديداً استدعى إجراء عملية جراحية تمت بنجاح، ولكن منيته قد حانت بعد هذا الشفاء مساء ليلة الجمعة - ليلة الإسراء والمعراج - في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1383هـ، وقد صلى عليه الآلاف وودعه الكثيرون عرفاناً بفضله في إصلاح الأزهر ومشيخته.
انظر كامل الترجمة في كتاب شيوخ الأزهر تأليف سعيد عبد الرحمن ج/4 – ص 43 – 77.