ربيع بن محمود بن هبة الله المارديني أبي الفضل

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة602 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةبيت المقدس - فلسطين
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • ماردين - تركيا
  • حلب - سوريا
  • حماة - سوريا
  • دمشق - سوريا

نبذة

ربيع بن محمود بن هبة الله: أبو الفضل المارديني أحد الأولياء المعروفين بالكرامات، ورد حلب مرارا، وكان له مع عمي أبي غانم ووالدي صحبة، وكان اذا قدم حلب نزل بالمسجد المعروف بنا، الذي أنشأه جد أبي أبو غانم محمد، وعمر له والدي زاوية الى جانب هذا المسجد كان ينزلها اذا قدم حلب.

الترجمة

ربيع بن محمود بن هبة الله:
أبو الفضل المارديني أحد الأولياء المعروفين بالكرامات، ورد حلب مرارا، وكان له مع عمي أبي غانم ووالدي صحبة، وكان اذا قدم حلب نزل بالمسجد المعروف بنا، الذي أنشأه جد أبي أبو غانم محمد، وعمر له والدي زاوية الى جانب هذا المسجد كان ينزلها اذا قدم حلب، وآخر قدمه قدم حلب قبل الستمائة أو فيها، وخرج والدي وعمي الى لقائه وأنا معهما، فالتقيناه خارج باب الأربعين بالقرب من خان مجد الدين، وكنت إذ ذاك صبيا لم أبلغ الحلم، وسمع الملك الظاهر غازي بقدومه فخرج الى لقائه، فوصل طاردا فرسه الينا ونحن معه شرقي مسجد السبرير  فترجل له عن فرسه، ومشى اليه وتبرك به، ودخل ونحن معه الى الشيخ علي بن الصكاك أبي الحسن الفاسي وأحضرني والدي بين يديه بحضرة الشيخ أبي الحسن واستقرأني شيئا من القرآن العظيم فقرأته، ودعالي رحمه الله، وسمعته في ذلك اليوم يقول للشيخ أبي الحسن: يا شيخ مت حتى نموت فاتفق أن الشيخ أبا الحسن توفي سنة إحدى وستمائة ثم توفي ربيع في أوائل سنة اثنتين وستمائة ثم إن الشيخ ربيع انفصل من زاوية الشيخ علي الفاسي ودخل معنا الى المسجد، فأقام به عندنا مدة، ثم سافر.
وكان الشيخ ربيع حنفي المذهب، وسمع الحديث من الحافظ أبي محمد القاسم بن علي ابن الحسن، وروى عنه وعن ابن أبي الضيف المكي، روى لنا عنه أبو الفضل محمد بن هبه الله بن أحمد بن قرناص، وعمى أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة، وحكى لي عنه أبو موسى عيسى بن سلامة الحضرمي وأبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر الجزري الكردي، والأمير علي بن سليمان بن ايداش أمير الحاج الشامي، والقاضي أبو عبد الله محمد بن شيخنا أبي محمد عبد الرحمن بن الاستاذ، وعمي أبو المعالي عبد الصمد بن هبة الله والشيخ أبو القاسم الأسعردي نزيل البيت المقدس وأبو عبد الله محمد بن أبي سعد.
أخبرنا أبو الفضل محمد بن هبة الله بن أحمد بن قرناص بحلب قال: أخبرنا الشيخ الصالح أبو الفضل ربيع بن محمود بن هبة الله المارديني بحماة، وقد قدم علينا سنة إحدى وتسعين وخمسمائة.
قال أخبرنا الحافظ أبو محمد القاسم بن الامام أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي الدمشقي قال: أخبرنا الامام أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن الفتح السلمي- قراءة عليه- قال: أخبرنا أبو نصر الحسين بن محمد ابن أحمد بن طلاب الخطيب- قراءة عليه- قال: أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن جميع الغساني بصيدا- قراءة منه علينا في داره- قال: حدثنا أبو سعيد الأذني قال: مكتوب على حاشية التوراة: اثنين وعشرين حرفا يجتمعون إليها علماء بني اسرائيل يقرءونها كل يوم، أولها: لا كنز أنفع من العلم، ولا مال أربح من الحلم، ولا حسب أربح من الأدب، ولا نسب أوضع من الغضب، ولا قدر أزين من العقل، ولا قرين أشين من الجهل، ولا شرف أكبر من التقوى، ولا كرم أجود من ترك الشهوات، ولا عقل أفضل من التقى، ولا حسنة أعلى من الصبر، ولا سيئة أسوأ من الفقر، ولا دواء ألين من الرفق، ولا داء أوجع من الحزن، ولا دليل أوضح من الصدق، ولا غناء أسمى من الحق، ولا فقر أذل من الطمع، ولا عبادة أحسن من الخشوع، ولا زهد خير من القنوع، ولا حياة أطيب من الصحة، ولا حارس أحرس من الصمت، ولا معيشة أهنأ من العافية، ولا غائب أقرب من الموت.
حدثني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة وكتبه لي بخطه قال: قال لي الشيخ ربيع بن محمود: كنت مع فقراء في البرية في طريق مكة فتمشيت معهم وأبعدنا أمام الحاج، فقال بعضنا: والله كنا نشتهي في هذا الموضع رطبا، فقال فقير من الجماعة: وتريدون ذلك؟ فقلنا: نعم، فمضى وتوارى عنا فجاءنا برطب رطب وما على الارض رطبة واحدة فأكلنا.
أنشدني أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر بن علي الجزري قال: سمعت الشيخ ربيع ينشد هذين البيتين، ونحن سائرون من مكة الى المدينة ولم نسمعه ينشد غيرهما، وكان لا يرى إنشاد الشعر ولا سماعه وإذا سمع أحدنا ينشد بيتا ينكر عليه والبيتان.
ليال وأيام تمر حواليا ... من الوصل ما فيها لقاء ولا وعد
إذا قلت هذي مدة قد تصرمت ... أتت مدة أخرى تطول وتمتد
أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي سعد الحلبي قال: كان الشيخ ربيع من أهل ماردين وحكى لي أنه مضى الى البيت المقدس ليزوره وهو اذ ذاك في يد الفرنج، قال: وكنت أعيش من عمل الفاعل، وكنت أعرف بماردين جماعة من النصارى، فنزلت عندهم في القدس وكنت أعمل عند الرهبان لأنهم لا يمنعوني من الصلاة وكنت أقتات مما يحصل لي من الأجرة، وآخذ ما يفضل لي من الأجرة وأزور به الصخرة، وأزن للذي  على باب الصخرة لأخذ الجعل من المسلمين قرطسيا في كل مرة، وكلما فضل لي شيء فعلت به هكذا، ودخلت الى الصخرة وزرت وصليت، فكنت في بعض الأوقات لا أجد شيئا فجئت إليه يوما وليس معي شيء فقال: هات فقلت: ما معي شيء، فقال: ادخل، فأنكر عليه النصارى وقالوا له: كيف تترك هذا الرجل يدخل ولا تأخذ منه شيئا؟ قال: انه كان يؤدي الذي يؤديه من وسط قلبه، فلو كان معه شيء لأداه فلهذا تركته.

أخبرني أبو موسى عيسى بن سلامة بن سليم بن عبد الوارث الحضرمي الحميري قال: كنت سمعت أن الشيخ ربيع بن محمود أمي لا يعرف الخط، وأنه يقرأ القرآن في المصحف فجئت يوما الى موضعه الذي يقرأ فيه القرآن فتواريت عنه فسمعته يقرأ سورة الفتح ويؤدي أداء حسنا كأنه مارس القراءة ومهر فيها، فسلمت عليه، وقلت: على من قرأت؟ فقال لي: على الذي أنزله، فقلت: هذا أجدر أن تخبرني به، فأطبق المصحف وقال لي: كنت بالمدينة على ساكنها السلام أعمل بالفاعل، وأسقي بالقربة، وما يحصل لي في النهار أعمل به جفنة للفقراء مدة اثنتي عشرة سنة ولما كان بعد ذلك جعلت أرى كل من ألقاه يكلمني بكلام حكمة من الطير والدواب والجماد والحيطان وغيرها فشق علي ذلك وقلت لا اطيق حمل هذا لأنني لا أحسن الكتابة، فوقع لي أن آتي النبي صلى الله عليه وسلم وأشكو اليه ما نزل بي فجئته وشكوت اليه ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال لي: يا ربيع ادع الله تعالى أن يسهل عليك قراءة القرآن في المصحف فهي أفضل العبادة، فقمت وتوضأت وجئت الى النبي صلى الله عليه وسلم وصليت ركعتين عنده ودعوت الله بما أمرني به الرسول صلى الله عليه وسلم ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي يا ربيع افتح المصحف واقرأ، فأخذت مصحفا كان عندي ففتحته وجعلت أتبع سوره ويقع لي أن هذه الكلمة الحمد والأخرى لله، وما بعدها كذلك الى أن ختمت القرآن جميعه. قال: وصارت عبادته بعد ذلك الى أن مات رحمه الله.
حدثني الشيخ أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر بن علي الجزري المعروف بالملقن قال: كان الشيخ ربيع بن محمود الماردي قدس الله روحه لا يدخر لغداء من عشاء، ولا لعشاء من غداء، وكان لا يفطر في كل شهر غير يوم أو يومين، ويؤثر أصحابه على نفسه ولا يأكل من مال سلطان ولا جندي ولا من له قطيعة على وقف وصحبناه مدة طويلة في البلاد مثل مكة والمدينة، ودمشق، وغيرها.
قال: وصليت معه ليلة العشاء الآخرة في الحرم الشريف بمكة، فلما فرغ من الصلاة قال لنا: قوموا بنا الى العمرة، وكنا معه أربعة نفر، وهو، فلما وصلنا الى التنعيم وأحر منا بالعمرة وأقبلنا الى مكة ووصلنا الى متكأ النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا ساعة تتبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا متوجهين الى مكة فلما قربنا من موضع يقال له الشبيكة قال لنا الشيخ ربيع: قفوا مكانكم فوقفنا، ثم أخذ على يسار الطريق ومشى متياسرا الى أننا ما بقينا نرى منه في ظلام الليل إلّا شبحه، فسمعناه يقول: سلام عليكم ورحمة الله وبركاته فتأملنا واذا بانسان واقف معه، فصافحه ووقف معه ساعة ثم عاد الينا فقال لنا: امضوا فصافحوه، فجئنا فسلمنا عليه وصافحناه فوجدنا يده على غاية من اللين والترف، وقلنا له: ادع لنا، فقال لنا: غفر الله لكم، ثم جذب يده منا ومشى على حاله متوجها الى العمرة، فلما جئنا الى الشيخ ربيع سألناه عنه فقال: هذا اسمه عبد المجيد اليمني من أهل اليمن يصلي الخمس الصلوات في الحرم ولا يرأه أحد.
قال لي يوسف الملقن: ومضيت مع الشيخ ربيع ليلة الى عمرة الحديبية وصلينا بها المغرب فلما أفطرنا أحرمنا وتوجهنا الى مكة وكان الطريق وعرا فتهنا عن الطريق فقال لنا الشيخ ربيع: قفوا فان الطريق قد اشتبه علينا في ظلام الليل فوقفنا على على عزيز أن نقف مكاننا الى الصباح، ثم نمضي ثم بدا للشيخ رأي فقال: سيروا بنا، فما أحسسنا بأنفسنا إلّا في مكة حرسها الله، فسألناه- بعد أن طفنا بالبيت وسعينا- عن ذلك وقلنا: ان هذا لعجب قلت لنا: بيتوا فقد تهنا، ثم بدا لك فسرت بنا فجئنا على العادة ولم نته عن الطريق؟ فقال: لما قلت لكم قفوا اشتبه علي الطريق، فقلت لكم ذلك، فبعد ساعة رفع الله البيت لي حتى علا على جميع الجبال فوقع نظري عليه فقصدته ولم أزل أؤمه حتى وصلنا.
أخبرني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة والأمير علي بن سليمان ابن ايداش ابن السلار قالا: قال لنا الشيخ ربيع: كنت بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا وجاء رجل تركي من أتراك المدينة الى فقير في المسجد يستفتيه فقال له ذلك الفقير: امض الى الشيخ ربيع فهو على مذهبك، يريد أنه حنفي المذهب فجاء إليّ فقال ان رجلا من الزيدية له بنت، وقد سافر عنها زوجها أو غاب وهم يريدون يفسخون النكاح ويزوجوني بها فهل يجوز ذلك لي؟ فقال له الشيخ ربيع: قد ذكر أبو الحسين القدوري في مختصره أنه لا يحل ذلك حتى يبلغ مائة وعشرين سنة من يوم ولد وبعد ذلك تزوج فقال: فأنا أفعل ذلك، قال الشيخ ربيع: فلما انفصل عني أخذني حياء وخجل من النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: من أنا حتى أفتي بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن الفقهاء أنا أم من المفتين، والله ما هذا إلّا جرأة عظيمة وأخذني حياء عظيم وخجل فنمت وأنا قاعد فرأيته صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: أفلحت دنيا وآخرة، لو لم تعرف من العلم إلّا هذه المسألة لكفتك، قال: فاستيقظت فسمعته يقول لي وأنا مستيقظ: أفلحت دنيا وآخرة لو لم تعرف من العلم إلّا هذه المسألة لكفتك، قال: فطاب قلبي وزال عني ما كنت أجده.
قال لي عمي أبو غانم: قال لي الشيخ ربيع: كنت في طريق مكة ولحق الناس عطش شديد، وكان معي أداوة ملأى من الماء فرأيت اثنين من الصوفية وهما ماشيان وقد اسودت وجوههما من شدة العطش فقلت لهما: تريدان الماء؟ فقالا:
نعم فناولتهما الإداوة وقلت: اشربا منها وخليا لي منها فأخذاها فشربا ما كان فيها جميعه ثم دفعاها إليّ فأخذتها وربطتها على الجمل فلما نزل الحاج أخذتها وحللتها فاذا هي ملأى من الماء.
أخبرني أبو موسى عيسى بن سلامة الحضرمي قال: سافرت سنة سبع وتسعين وخمسمائة الى بلاد المغرب فأقمت بها سنة، ثم خرجت الى الاسكندرية فلما قربت من الاسكندرية رأيت في المنام كأن الشيخ ربيع في الاسكندرية، وقد فتح طاقا على البحر فدعا وقال في أثناء دعائه: كتب الله سلامتك يا عيسى فبعد يومين أو ثلاثة وصلت الى الاسكندرية وسمعت أن الشيخ ربيع فيها، فخرجت اليه، وسلمت عليه، وقلت له: رأيتك في المنام البارحة الاولى وقد فتحت الطاق ودعوت بكذا وكذا؟ فقال لي: نعم كذا جرى، ثم قدم لنا طعاما فيه سمك، ولم يكن له عادة بأكل السمك، فقلت له: أراك تأكل السمك ولم يكن لك بذلك عادة؟ فقال لي: كنت في هذا العام بالبيت المقدس فخرج على قلبي طلوع، ولم يزل يكبر الى أن صار قدر الأترجة الصغيرة فضيق عليّ فنمت فرأيت قائلا يقول لي: ان أردت أن يزول هذا عن قلبك فكل السمك، رأيت ذلك مرتين أو ثلاثة، فعزمت على أكل السمك، وقلت: لا أسأل أحدا فيه، ان قدم بين يدي أكلته والا فلا أسأله فأقمت شهرين بالبيت المقدس الى أن وصل رجل صالح فعزم عليّ بالتوجه الى الديار المصرية فرحلت معه الى الديار المصرية، ونزلت عند ابن السكري ومن عادتهم أن يعملوا لي طعاما ليس فيه سمك ولا لحم فصنعوا لي أرزا بلبن، فلما جاء صاحب المنزل بعد العشاء الآخرة طلب الأرز، وكان قد جاء الى المرأة هدية زبدية فيها سمك مطبوخ فوضعتها الى جانب زبدية الشيخ التي فيها الأرز فطفىء السراج فأرادت أن تدفع اليه الأرز فدفعت اليه زبدية السمك، فلما دخل الى الشيخ وضعها بين يديه، فكشفها فاذا فيها السمك فخجل صاحب البيت وقال: والله ما تعمدت ذلك ولا علمت أن في الدار سمكا وأراد أن يأخذ زبدية السمك ويرفعها فقال له الشيخ: دعها وامض وارفع الخبز ووجد فيها السمك فأكله وشرب مرفته؟؟؟ ونام.
قال الشيخ: فرأيت ذلك الشخص الذي رأيته في بيت المقدس في النوم وقال: يا شيخ ربيع ألم أقل لك انك اذا أكلت السمك برىء هذا الداء فانتبهت فأمررت يدي على صدري فلم أجد شيئا.
قال لي أبو موسى الحضرمي: ثم سألت الشيخ ربيع: ما رأيت في خلوتك هذه وكان في الخلوة خارج الاسكندرية أربعين يوما؟ فقال لي: كنت يوما جالسا اقرأ القرآن في المصحف واذا بغلام صاحب الموضع قد دخل عليّ بطبق فيه مشموم نارنج وليمون وريحان فنظرت اليه، وتركت النظر في المصحف فعميت ولم أر شيئا، وكان زمن الصيف فبقيت كذلك من بكرة ذلك اليوم الى الزوال، وما علمت من أين أتيت فلما كان عند الزوال وقع لي أن ذلك عقوبة ترك النظر الى المصحف والنظر الى ذلك الطبق وكشفت رأسي وسجدت وجعلت أتضرع الى الله تعالى فأبصرت ورفعت رأسي فرأيت الشمس زالت فتوضأت وصليت.
سمعت القاضي جمال الدين أبا عبد الله محمد بن شيخنا الامام عبد الرحمن ابن عبد الله بن علوان يقول: سمعت الشيخ ربيع يقول لي: لا شك أن طبع البشرية يغلب الانسان في كثير من الأحوال، فانني أحكي لك أنني كنت نائما بمكة فرأيت كأنني راكب في البحر على ساحل الشام أقصد زيارة بعض الاماكن وكأن المركب الذي كنا به قد انكسرت رجله، ولم يكن معنا رجل فخفنا وكدنا نغرق ودعونا الله تعالى، وغلب الناس علينا، واذا بمركب قد لاح لنا وأقبل وجاء نحونا يمشي مسرعا حتى وصل الينا فأخرجوا لنا رجلا فعملناها لمركبنا فسلمنا، قال: وانتبهت وقلت: لأركبن البحر حتى أنظر ما يكون من هذه الرؤيا قال: فجئت الى ساحل جدة وطلبت الركوب في بعض المراكب فجعل أصحاب المراكب يطلبونني، وكل منهم يطلب أن أركب معهم لحسن عقيدتهم فيّ، فركبت في بعض المراكب واذا به ذلك المركب الذي عاينته في المنام بعينه قال: فسرنا في البحر فانكسرت رجل المركب على ما رأيته في النوم ودخل الماء في المركب وخفنا من الغرق واستولى اليأس علينا، وكنت كأحدهم، ولحقني من الجبن والخوف كما لحق الباقين، مع ما ظهر لي من أوائل الامر الذي شاهدته في المنام قال: وجعلت أصيح لصاحب المركب وهو على الصاري انظر الى هذه الجهة وأنا أنتظر الفرج كما شاهدت في النوم قال: فجعل ينظر الى تلك الجهة ثم صاح بعد ساعة جاء الفرج قد لاح لنا مركب، قال: فجاء المركب الذي شاهدته في النوم على الصفة التي شاهدتها وساق نحونا حتى وصل الينا، وقد كدنا نهلك وكان معهم رجل دفعوها الينا فأصلحنا بها مركبنا وسلمنا ولله الحمد.
أخبرني يوسف بن أبي طاهر المنبجي قال: ورد الشيخ ربيع بن محمود من مكة الى حلب وأقام بمسجد جمال الدين عمك أياما ثم خطر للشيخ أبي الحسن علي الفاسي والشيخ ربيع وعمك أبي غانم أن يمضوا لزيارة الشيخ أبي زكريا الى دير النقيرة فقاموا وخرجوا وخرجت معهم ونحن أربعة نمشي حتى بتنا بأقذار قرية والدك، ثم قمنا منها وصلينا الظهر بحاضر طيء وأقمنا بها الى العصر ثم جئنا الى تل باجر وقت المغرب وكنت أنا والشيخ ربيع صائمين لاني قد آليت على نفسي أن لا أفطر حتى أختم القرآن، ولم أكن ختمته بعد فأتانا الفلاحون بطعام وجاؤوا في جملته بصحن كبير فيه بطة وهم فرحون كيف قدموا لنا بطة حتى نأكلها فقال الشيخ ربيع: كلوا ولا تأكلوا من هذه البطة شيئا فامتثلنا أمره ولم نأكل منها وأنفسنا تشتهيها فقال الفلاحون: يا مشايخ كلوا فما هو لمن جني بل هو لمن رزق، والتفت الفلاح الذي جاء بها الى رفيقه وقال: يا فلان انظر الى فعل ذلك الظالم كيف ألزمنا وكلفنا عمل هذه البطة وأحوجا الى أن نحتال في ثمنها فلم يجعلها الله في رزقه وكانت في رزق هؤلاء السادة، فلما سمعنا منه نظر كل منا الى صاحبه وسكت وحمدنا الله تعالى على  ذلك وعلمنا أن الشيخ ربيع كوشف بذلك.
قال لي يوسف المنبجي: وحججت في بعض السنين قبل أن يفتح البيت المقدس بسنة وكنت قد حججت ماشيا في ذلك العام واجتمعت بالشيخ ربيع بمكة، ولم يشعر بي إلّا وأنا نائم على باب قبة الشراب وكنت قد قيل لي إنه ساكن بها، فرحب بي وقال لي: أنت رفيقي الى الشام بعد الوقفة في هذه السنة فان في هذه السنة الآتية يفتح الله البيت المقدس وبلاد الفرنج ولا تعلم بذلك أحدا، فخرجت بعد قضاء الحج في صحبته فلما أشرفنا على دمشق نزلنا من المحارة وقال للجمال: أنت في حل مما فيها وكان فيها له أشياء مما يحتاج اليه وأقمنا في دمشق أياما ثم صعدنا الى طبرية وقدر الله أن فتحت القدس والساحل في تلك السنة، وحضرت معه فتوح البلاد كلها.
قال لي يوسف المنبجي: وكنت مجاورا مع الشيخ ربيع في بعض السنين وأنا إذ ذاك صبي فاشتقت الى أهلي وقلت: هذه السنة أخرج الى أهلي إن جاءني من أعرف منهم، فلما قضى الحج ولم أر أحدا من أهلي ولا ممن أعرف من البلاد جئت في بعض الايام وطفت بالبيت، وتقدمت الى الركن اليماني وأنا آيس من العود الى البلاد في تلك السنة ففتح الله عليّ أن قلت: يا رب ان رزقتني جملا أركب، وخبزا آكل وماء أشرب عدت الى أهلي في هذه السنة وإلا أقمت بمكة، وكان ذلك ضحوة ذلك النهار، وصليت الظهر في ذلك النهار عند الشيخ ربيع، فالتفت إليّ وقال لي: يا يوسف قد حصلت لك جملا تركب، وخبزا تأكل وماء تشرب، ولم أعلمه بقولي، والتفت الى بعض الجمالين وقال له: هذا الصبي الذي قلت لك في معناه، واكترى لي معه بأربعة دنانير مكفّا والخبز والماء عليه.
أخبرني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله قال: قال لي الشيخ ربيع حججت في بعض السنين ورجعت الى البلاد فلما كنت في بعض الطريق نفد ما كان معي ولم يبق إلّا الناقة فقلت لبعض الجمالين: احملني الى الكوفة وخذا الناقة، ففعل فلما وصلت الى الكوفة قلت لصاحب لي: إيش قعودنا نمضي الى بغداد فمضيت أنا وصاحبي الى بغداد وما أقمنا بها ومضينا منها على البوازيج  ووصلنا الى الموصل وما وصل خبر الحاج الى الموصل فوجدنا قضيب البان على باب الموصل فقلنا له: ادع لنا، فقال: أنتم دعاؤكم مستجاب الى أربعين يوما، وكنا إذا قلنا إننا جئنا من الحج لم نصدق.
قال لي عمي: قال لي الشيخ ربيع: كنت مرة مع الحاج من الموصل الى بغداد فنزلت وتمشيت أمام القافلة فرأيت رجلا، فمشيت معه قليلا، فقال لي: امش معي فمشيت معه ساعة، فقال لي: تدري أين أنت؟ قلت: نعم فودعني ومضى فبقيت في ذلك الموضع تلك الليلة وذلك اليوم الى العشاء الآخرة من الغد حتى وصلت الى قافلة الحاج.
أخبرني أبو موسى عيسى بن سلامة صاحب الشيخ ربيع قال: كنت مجاورا بمكة في سنة احدى وستمائة في صحبة الشيخ ربيع فقال لي: أريد أن أنفرد في هذه الأشهر يعني شهر رجب وشعبان، وشهر رمضان، بنفسي ولا يقربني أحد ففعل ذلك، فلما كان يوم العيد جئت الى بابه فأردت الدخول اليه للسلام عليه، فضربت الباب فخرج إليّ وسلم عليّ وسلمت عليه، وجاء الناس يسلمون عليه، فقال: مات الشيخ أبو الحسن الفاسي؟ فقلت له: نعم من أخبرك بهذا، وكنت قد سمعت بموته من مراكب جاءت في البحر، فقال لي: رأيت في المنام كأن ثنيتي العليا قد سقطت، فقلت له: يؤوّل هذا بالأخوة والآباء؟ فقال: أي أب وأخ أعظم من الشيخ أبي الحسن، ثم قال لي: قد قرب الموت يا أصحابنا ما بقينا نجتمع بعد هذه الوقفة إلّا في الدار الآخرة إن شاء الله، ثم قال لي: كنت قد عزمت على أني لا أخرج وأن أصوم الستة أيام أتبع شهر رمضان، وما كنت فعلت هذا قبل ذلك لأن مذهبي وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يكره صومها متتابعا، فرأيت الشيخ أبا الحسن الفاسي في المنام وقال: لأي شيء رجعت عن مذهبك، وعادتك، قم فاخرج الى الناس فقمت وخرجت لما سمعت ضربك الباب.
قال لي عمي أبو غانم: سمعت الشيخ ربيع يقول: رأيت الشيخ أبا زكريا رحمه الله في المنام فقال لي: يا ربيع أول من يموت منا أنا، ثم الشيخ علي الفاسي، ثم أنت، فمضى لذلك قليل فمات الشيخ أبو زكريا، ثم ان الشيخ ربيع قدم حلب فوجد الشيخ أبا الحسن مريضا، فكان يقول له: يا شيخ مت حتى أموت أنا، فبقي الشيخ علي بعد ذلك مدة ثم مات بحلب، ثم مات بعده الشيخ ربيع بعد مدة قريبة بالبيت المقدس رحمهم الله تعالى.
حدثني عمي أبو المعالي عبد الصمد بن هبة الله بن أبي جرادة- وكان قد حج سنة احدى وستمائة- قال: لما وصلت مكة حرسها الله وجدت الشيخ ربيع في أواخر مرض أشفى فيه على الموت أيس منه أصحابه فرآهم منزعجين بسببه، وبكوا حوله، فقال لهم: لا تشغلوا قلوبكم فأني لا أموت إلا في البيت المقدس، فلما قضينا حجنا وكنت قد حججت على العراق، عرضت على الشيخ ربيع أن أحمله الى الشام، وعدت على طريق أيلة، وكان أكثر رغبتي في العود على طريق أيلة صحبة الشيخ ربيع، فصحبته وأصابه الذرب وقوي عليه في الطريق، وجئت الى عقبة أيلة وهي عقبة مشقة لا يركب فيها أحد فلم يمكن الشيخ ربيع النزول وصعد راكبا على الجمل والجمل الذي تحته في العقبة يصعد به كأنه يمشي في أرض سهلة، قال: ووصلنا الى قبر الخليل عليه السلام وزرناه، ووصلنا الى البيت المقدس واشتد به المرض وفارقته منه فلما وصلت دمشق وصلني خبر وفاته، أنه توفي بالبيت المقدس في أواخر صفر أوائل شهر ربيع من سنة اثنتين وستمائة.
قال لي عمي أبو غانم: وبلغني أن الشيخ ربيع أوصى بأن يتولى غسله علي بن السلار، وكان ابن السلار بدمشق فتعجب أصحابه وقالوا: ابن السلار بدمشق، فكيف يغسله؟ فبينما هم على ذلك وصل ابن السلار من دمشق قبيل موته، قال: ولما احتضر خرج أصحابه من عنده فسمعوه من داخل وهو يقول بانزعاج: ألمثلي يقال هذا؟ ثم سكت، ثم قال: «لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ»  فدخلوا اليه فوجدوه قد قضى نحبه.
وقال لي الامير علي بن سليمان بن ايداش بن السلار، أمير الحاج الشامي: أوصى الشيخ ربيع إليّ في غسله وتجهيزه ودفنه، وكنت بدمشق ولم أعلم بذلك، فبلغني خبر وصوله الى البيت المقدس فعزمت على قصده وجذبني اليه جاذب فركبت من دمشق الى البيت المقدس واجتهدت في السير، وأظنه قال لي: وصلت في ثلاثة أيام فلحقته قبل أن يموت فتوليت غسله وتجهيزه ودفنه رحمه الله.
أخبرني الشيخ أبو القاسم الأسعردي بالمنحنى في طريق الحج، وكان حج في السنة التي حججت فيها على طريق تبوك في سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وكان رجلا صالحا خيارا، قد صحب المشايخ، وتأدب بهم، وجاور البيت المقدس مدة، وكان له زاوية بالحرم مما يلي باب الرحمة، قال: دخل الشيخ ربيع البيت المقدس وهو مريض، وقوي مرضه فسألناه من يغسله فقال لنا: الساعة يقدم من دمشق من يتولى ذلك، فقدم هذا شجاع الدين علي بن سليمان بن السلار أمير الحاج، وأشار اليه، قال أبو القاسم: وسمعته يقول وقت موته «لمثل هذا فليعمل العاملون» .
قلت: ودفن بمقبرة البيت المقدس الغربية المعروفة بمامليّ، وزرت قبره عند مروري بالبيت المقدس، وقبره ظاهر معروف في تربة فيها جماعة من الصالحين، رحمه الله.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)