الحسين بن محمد أبو القاسم الهبيري:
الفزاري الحلبي، من ولد عمر بن هبيرة ومن مذكوري التناء بحلب وأرباب النعم المشهورة بجند قنسرين والعواصم، وأهل بيته يقال لهم الهبيريون، بيت قديم من بيوت حلب ومن أهل المروءة والمعروف والتقدم عند الخلفاء والوزراء والملوك، وولوا ولايات بالعراق والشام، وقد ذكر أبو القاسم ذلك في رسالة من رسائله وقفت عليها، وكان أبو القاسم هذا شاعرا مجيدا وكاتبا بليغا وله معرفة تامة باللغة والأدب، وكان بينه وبين أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه مكاتبة ومشاعرة، وله الى الامير سيف الدولة أبي الحسن علي بن عبد الله ابن حمدان رقاع حسنة تشتمل على نثر ونظم، طالعت ذلك في مجلدة وقعت إلي من رسائله. روى عنه أبو عبد الله بن خالويه.
قرأت بخط أبي الفتح أحمد بن علي بن النخاس المدائني الحلبي في مجموع وهبنيه والدي رحمه الله: حدثنا الشيخ ابو الحسين أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي أسامة رحمه الله قال: أملى علينا ابن خالويه قال: كتب أبو القاسم الهبيري الى وكيل له في القرية: إذا قرأت كتابي هذا فاحمل إليّ حنزابا هنديا تختبره وتنتضيه أو قبرسيا تختاره وترتضيه، أبيض عاجيا، أو أسود دجوجيا، فإن لم تجده أسود حالكا، ولا أبيض يققا فليكن موشحا بلقا، ذا خلق مدمج وجنب كنفج، مبرنس الرأس متوجه، مدبّج الظهر مخرفجه، بادي المنقار مونّفه، زمّجي الوجه مفوّفه، مد ملك الهامة محدرج الحلقوم، مستجاف الحوصلة والبلعوم، رحيب المبرج والمنخرين، بارز الصماخين، مقلّص الرعثين كأنهما قرطان معلقان أو مصباحان يقدان، أو مدهنتا عقيق، أو وردتا شقيق، ذا عنق أغلب أعنق، وعرف قانىء أفرق، كأن ملكا ألحفه ديباجه وألبسه تاجه، فهو يزفّ عليه مائلا، ويشف ماثلا، تحسبه المريخ إذا طلع، أو الرطب إذا أينع أو سطور جلّنار، أو لهيب النار، أو حماض البراري، فإذا نظر برشم وجمّح من مقلة خدره المحجّج يطرف عن فصوص الياقوت الأحمر ونور الرياض الأزهر، له زور مولع رحيب، وجؤجؤ تارّ غير سليب، وجناح مؤجّد التركيب، مؤزّر الزفّ والانبوب كهيئة الطيلسان، أو رياط العصب اليمان، أو رياض البستان، كأنما حفت قوادمه بقواطع الأقلام أو حواشي الأعلام، أو مصاريب العيدان، أو رخص البنان، وذنب ناشر شايل، وسروال ضاف سائل، وركبه مركبة في ساق درماء كأنها قناة خط صماء أصفر الظنبوب والشراك محسر الصيصة عند العراك شر نبث شوك الرجل، ششن الأصابع كأنها براثن ضبع أو مخالب سبع إن بحث نبث أو ركل ضبث، كأنما ينقر بنيازك الرماح، أو يناضل بنضال القداح، حسن الاشراف والايفاد والزيفان عند السفاد، ولا يكون أشغى ولا أورق، ولا أضجم ولا أجوق ولا أحص الجناح، ولا أبح الصياح، إن صاح خلت جوادا صهل، أو زاف قلت سترا سدل يزهي على الطاووس شكلا وحسنا، ويوفي عليه قدرا ووزنا، إن قاتل عترفانا بذّه وفاقه، أو رآه ناظر أعجبه وراقه، يتوقد زغلا وذكاء، ويجري لونه ماء وضياءا حتى إذا انتصب فاخزأل، وصفق فاستقل، وارتاح فأعجب، وصوت فأجلب، وعلا الجدار خاطبا وسبح معلنا، وقام مؤذنا أيقظ الى الصلاة غابقا، وأذكر ناسيا، وبشر بهجة الإصباح وحث على الصبوح، ومعاطاة الأقداح فيعجب ويروق من رآه فيسبح ويقول «فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» فإذا جئت به ملائما لهذه الهيئة حويت قصب السبق وحققت مخيلة الظن، واستوجبت حسن النظر إن شاء الله.
فأجابه الوكيل:
بسم الله الرحمن الرحيم قرات كتابك وفهمت بعضه وأكثره لم أفهمه، والصواب أن تطلب هذه الصفة من ربك فعسى أن يعطيك ديك العرش «إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
وبخط المدائني تفسير الغريب عن ابن خالويه: الحنزاب: الديك، وتنتضيه:
تختاره، أبيض عاجيا: شديد البياض يضرب الى الصفرة، وأسود دجوجيا: شديد السواد، وكذلك الحالك، واليقق: الشديد البياض، والمومج: المفتول الخلق، والكنفج المنتفخ، والمبرنس: كأنه لابس برنس، والمدبج: كأنه لابس ديباج، والمخرفج: السمين المحسن الغذاء، والبادي: الظاهر.
قلت: وهذا في رواية ابن خالويه، ووقع إلي في غير هذه الرواية بازي المنقار، أي شبيه بمنقار البازي.
عدنا الى كلام ابن خالويه: مونف: مرتفع، وقوله زمجي الوجه أي شبيه بالزمج ، كما تقول وجه متترك يشبه الأتراك، ومفوفه: فيه سواد وبياض، مدملك: مدور، ومحدرج الحلقوم: أملس، مستجاف الحوصله: واسع، رحيب المبرج: واسع البرج، يعني نظر عينيه، وبارز الصماخين أي ظاهر الأذنين، والرعثان ماتدلى من حنكه ومذابحه، شبهه بقرطين، لأن القرط يقال له الرعثة، وقوله عنق أغلب، يعني غليظ، وأعنق: طويل، وقانىء: شديد الحمرة، والمائل: القائم، والمريخ: نجم، وأينع: نضج، والحماض: نبات أحمر شبه به عرفه، برشم وحمج:
أدام النظر، وخدرة: غليظة، والمحجج من الحجاجين وهي عظام المقلة، ويطرف:
من فصوص الياقوت: شبه حمرة حدقته بذلك، والزور والجؤجؤ: الصدر، مولع:
منقش، والتار: السمين، والمؤجد: الشديد، والزف: الريش، والعصب: ثياب اليمن، والرباط: البيض، وقوادمه: ريشه، والسروال يعني الريش الذي على ساقه شبهه بالسروال، والضافي: السابغ، والدرماء: الكثيرة اللحم، وقناة الخط منسوب الى الخط وهي قرية على شاطىء البحر، والظنبوب: عظم الساق، عند العراك: يعني القتال، والشرنبث والششن يعني الغليظ، ونبث: أخرج التراب، وخبث: علق، والنيازك: الرماح القصار، وأصله بالفارسية، والايفاد: الاشراف والارتفاع، والأشغى: المختلف المنقار، والأورق الطويل، والأجوق: المعوج، وكذلك الأضجم، والأحص: القليل الريش، وسدل: أسبل، والعترفان: الديك، وبذه: سبقه، وراقه: أعجبه، والرغل. النشاط، واحزأل: ارتفع، وارتاح: نشط، والغابق: الذي يشرب الغبوق، وهو شرب العشي ومعاطاة: مناولة، وناولته وعاطيته واحد.
وقد وقع إلي في بعض مطالعاتي هذه الرسالة لأبي القاسم الهبيري، وذكر أن ابن خالويه اقترح عليه انشاءها.
قرأت في جزء وقع إلي من كلام أبي القاسم الهبيري نظما ونثرا أبياتا له كتبها الى أبي عبد الله بن خالويه وقد سار الى ميافارقين:
على أن صبري أضيق ساحة ... وأقصر خطوا عن مصاحبة البعد
عزيز على عيني وقد غبت لحظها ... وإن كان مطوي الجفون على السهد
وان رحيلا حال دون لقائنا لأقسى ... بنا قلبا من الحجر الصلد
لقد كان قلبي من يد الشوق مطلقا ... فأوقعته في قبضة الشوق والوجد
وقد كنت في دولة القرب سلوة ... عن السكن الجافي والأمل المكدي
بمن أعد الايام برء سقامها ... الى من على الأفهام بعدك أستعدي
وما زال قلبي مذ صحبت الهوى عالقا ... على طرق الهجران والبين والصد
ومن عادة الايام إخلاف وعدها ... فهل تنجز الايام فيك من وعد
ومما قرأته من شعره في هذا الجزء، وكتبه الى الأمير سيف الدولة:
وكيف احتمالي للزمان ظلامة ... وأنت على عين الزمان رقيب
وفي كل أرض من سمائك صيب ... وفي كل روض من نداك جنوب
وكل غريب في جنابك آهل ... وكل قريب لم تصله غريب
إذا مرضت حال امرئ لم يكن ... لها سوى فضل إنعام الأمير طبيب
ومنه أيضا وكتبها الى بعض اخوانه:
لو سلمنا من فرقة الاخوان ... لسمحنا لنائبات الزمان
أعلن البين كل سرو أبدى ... خفرات الدموع للأجفان
ما فراق الأحباب عندي إلا ... كفراق الأرواح للأبدان
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)
الحسين بن أحمد بن خالويه أبو عبد الله النحوي الهمداني الحلبي الدار.
روي عن ابن الأنباري، وأبي بكر بن مجاهد، وابن دريد، ونفطويه، إمام في اللغة، وكان يلقب ذا النورين، وله تصانيف كثيرة منها: شرح المقصورة الدريدية" و"البديع في القرآن الكريم" و"حواشي البديع". في القرءات، و"شرح شعر أبي نواس".
ودخل اليمن، ونزل ذمار، واقام بها، وشرح ديوان ابن الحائك اليمني.
مات بحلب سنة سبعين وثلاثمائة 370ه.
البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة للمؤلف الفيروز آبادي ص121.