محمد العزيز جعيط:
من علماء تونس. كان شيخ الإسلام للمذهب المالكي. ثم وزيرا للعدلية، فمفتيا عاما. له عناية بالحديث.
صنف (مجالس العرفان ومواهب الرحمن - ط) الجزء الأول منه، شرح فيه بعض أحاديث البخاري ومسلم .
-الاعلام للزركلي-
جعيط (1303 - 1389 هـ) (1886 - 1970 م)
محمد العزيز ابن الوزير الشيخ يوسف جعيط، العلامة الكبير المحقق، من اعلام تونس المعاصرين.
ولد بمدينة تونس في آخر شعبان سنة /1303 أوائل ماي 1886.
تلقى مبادئ العلوم بمنزله وبالكتاب الكائن بسوق البلاغجية ثم التحق بجامع الزيتونة في سنة 1318/ 1901 فأخذ عن كبار أعلامه المرموقين كسالم بو حاجب، وعمر بن الشيخ وغيرهما، ومن زملائه في الدراسة الشيخ صالح الهمامي الذي كان قاضيا في المجالس العدلية، واستمرت الصلة بينهما بعد أن بارح الشيخ صالح الهمامي جامع الزيتونة، وعند ما يحل الشيخ صالح الهمامي تونس يحضر مجلس درس المترجم له فيرحب به وتجري بينهما مناقشات وذكريات عن دروس شيخهما سالم بو حاجب. وتخرج من جامع الزيتونة محرزا على شهادة التطويع سنة 1325/ 1907، وباشر خطة الاشهاد (التوثيق) في نفس السنة لأن شهادة التطويع تخول لحاملها مباشرة هذه الخطة بعد ترخيص من السلطة التي تتأنى مدة في إسناد الخطة ريثما يتم البحث عن سلوكه وبالخصوص السياسي المناهض للسلطة، وفي سنة 1328/ 1910 اجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الثانية، وبعد سنة نجح في مناظرة التدريس من الطبقة الأولى، وخاتمة الوظائف التدريسية بجامع الزيتونة أن سمي استاذا به عند احداث هذه الخطة في 10 ذي القعدة 1353/ 14 فيفري 1935.
تخرج عليه طبقات عديدة من رجال التدريس والقضاء وسائر طلبة العلم، وقد اشتهر عنه في دروسه أنه غزير العلم، واسع المعرفة متفتح الفكر، ونقلوا عنه أنه كثيرا ما يردد في دروسه «نحن أبناء الدليل نميل حيث يميل» ولذلك كان لا يجمد على أقوال الفقهاء التي لا يؤيدها دليل، ولعله متأثر بشيخه العلامة سالم بو حاجب وكان لا يتعصب لكتب معينة في المذهب، كما شاع عن بعضهم أنهم يقولون نحن خليليون (أي من اتباع خليل بن إسحاق صاحب المختصر).
وعين مدرسا بالمدرسة الصادقية في سنة /1332 غرة جانفي 1914 وتخرج عليه أجيال من طلبة هذه المدرسة يحفظون له أجمل الذكريات.
ومما له علاقة بالوظائف العلمية التي تقلدها أنه سمي عضوا بلجنة اصلاح التعليم الزيتوني في ذي القعدة 1348/ 13 افريل 1930، كما انتخب عضوا بلجنة تنظيم كتب مكتبة جامع الزيتونة وفهرستها في 2 ربيع الأول 1331/ 8 فيفري 1913، وسمي مفتيا مالكيا في 11 شعبان 1337/ 12 ماي 1919، وبعد سنوات تولى الامامة والخطابة بجامع الحلق في 2 رمضان 1341/ 13 افريل 1923 وكلف بادارة مشيخة جامع الزيتونة وفروعه في 21 ديسمبر 1939، ثم عاد إلى محكمة الديوان (المحكمة الشرعية العليا) بصفته مفتيا في 15 محرم 1362/ 21 جانفي 1943 وكلف بمشيخة الإسلام والنيابة عن صاحبها في 4 رجب 1363/ 26 جوان 1944، ثم استقل بهذه الخطة فسمي شيخ الإسلام للمذهب المالكي في 16 صفر /1364 غرة فيفري 1945، وما زال يتدرج في سلم الترقي إلى أن تولى وزارة العدل في 8 رمضان 1366/ 26 جويليه 1947 مع الاحتفاظ بمشيخة الإسلام في وزارة الأستاذ مصطفى الكعاك تلك الوزارة التي كايد بها الاستعمار الوطنيين ومطالبهم، وفي سنة 1369/ 1950 استقال من وزارة العدل، واكتفى بمنصب مشيخة الإسلام.
وعند ما جاء الاستقلال ووقع توحيد القضاء وألغيت المحاكم الشرعية، أحيل على الراحة بطلب منه في سنة 1376/ 1956، وفي نفس السنة شعبان/غرة مارس سمي مفتيا للجمهورية التونسية عند ما أحدثت هذه الخطة في النظام الجديد على يد أول حكومة للاستقلال، ثم أحيل على عدم المباشرة في سنة 1379/ 1960.
توفي في 27 شوال 1389/ 5 جانفي 1970 بعد حياة نافعة حافلة بجليل الأعمال وتقلد أسمى الوظائف.
مؤلفاته:
إرشاد الأمة ومنهاج الأيمة، نشر الشركة التونسية للتوزيع، تونس سنة 1978 في 289 ص من القطع المتوسط، وهو عبارة عن مجموعة خطب جمعية في مواضيع مختلفة من أخلاق، ومعالجة لسقيم الأحوال الاجتماعية، وسياسية لها مساس بسياسة البلاد أو بالأجوار الاقربين قال عن هذه الخطب كاتب مقدمة الكتاب ص 6: «وبالجملة فقد تناولت هذه الخطب الناحية العقائدية والدنياوية، والرذيلة كما تعرضت إلى ما حدث من اضطرابات عظيمة، وأحداث خطيرة في حقلي السياسة والاجتماع لا سيما أيام الفتنة، وفترات المحنة، وكذلك تناولت مشاكل الأمة في عهديها عهد الاستعمار والمذلة وعهد الاستقلال والكرامة والعزة، وبحث في الأمراض الاجتماعية والخلقية على اختلافها وأسبابها وطرق علاجها، وبذلك كانت هذه المجموعة دروس وعظ وإرشاد كما كانت توجيها رشيدا لمجتمعنا في نهضتنا المباركة إلى ما يسايرها ويتماشى مع أغراضها وأهدافها».ويبدو أن اسم التأليف أطلقه عليه كاتب المقدمة لأنه قال في ختام التقديم: «ولما اشتملت عليه هذه الخطب من تحقيق السعادتين والفوز بالحسنيين سميناها بارشاد الأمة إلى منهاج الأيمة».
الطريقة المرضية في الاجراءات الشرعية على مذهب المالكية، فرغ من تأليفه في 17 ربيع عام 1360 ألفه لطلبة التعليم العالي بجامع الزيتونة (شعبة الشريعة وأصول الدين) طبع مرتين بتونس، والطبعة الثانية مزيدة ومنقحة.
مجالس العرفان ومواهب الرحمن، ط الدار التونسية للنشر بتونس في 2 جزءين الجزء الأول ط سنة 1972 والجزء الثاني سنة 1973، الجزء الأول في 248 ص والثاني في 278 ص من القطع المتوسط قال المؤلف في تقديم الجزء الأول: «أما بعد فقد كنت في عهد غابر، وزمن دابر عقدت مجالس علمية، لشرح بعض الأحاديث النبوية مما أخرجه الإمامان محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحاج القشيري النيسابوري أو أحدهما في صحيحيهما، وكان المجلس يضم ثلة من شيوخنا ويحضره من العلماء الأعيان المحرزين قصب السبق في ميادين العلوم والفضل والاحسان من اجتمعنا بهم في حلق الدراسة، أو ضمنا اتحاد أو تقارب الزمان، ومن أخذوا عنا، وصاروا في المعارف ذوي شأن، وتجري مذكرات وبحوث أرق من النسيم البليل تسفر عن تحقيقات نفيسة، وتحل مشاكل جد عويصة، يشهدها جمع من الجمهور حريص على الاستفادة والتبرك بحضور مجالس الحديث النبوي.
ولما بلغت من الكبر عتيا وكان أكثر الجيل الحاضر لم يدرك هذه المجالس وكانت مشتتة الشمل مبعثرة الأجزاء لا تجمعها صلة قرابة، ولا رابطة تأليف، ولم تمسها يد الترتيب والترصيف خشيت أن يصيبها ضياع أو إغفال، فيتركها قابعة في زوايا الاهمال، فعزمت على لمّ شتاتها، وترتيبها وزيادة تهذيبها، وجمع فوائدها وتنسيق جواهرها وفرائدها».
وهو يعطي لكل مجلس عنوانا خاصا يحتفل في صياغته بالسجع والجناس مثاله: المجلس الأول الموسوم بقلائد الدر والعقيان في شرح باب بدء الأذان من صحيح البخاري العظيم الشان.
ويحتوي الجزءان على عشرين مجلسا، وفي كل مجلس يتبسط في شرح معاني الحديث، ويجره الكلام إلى تناول تحقيقات أصولية وتفسيرية ونحوية، ويناقش أحيانا بعض من لا يوافقهم في رأيهم من قدامى ومحدثين كالسعد التفتازاني، وابن قيم الجوزية، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وناهيك بمن يناقش هؤلاء الجلة المحققين، والظاهر أن هذه المجالس كان يعقدها في شهر رمضان بجامع الحلق، ومن المعروف أنه يقع ختم هاته المجالس أو الدروس في العشر الأواخر من رمضان، وكانت مجالس الحديث الشريف تعقد في كثير من مساجد العاصمة في شهر رمضان، ويكون لكل مسجد ليلة معينة للختم، وإذا كان صاحب هذه المجالس عالما مشهورا من رجال المجلس الشرعي فإنه ربما يحضر الباي ورجال دولته مجلس درسه ليلة الختم وتعرف هذه الأختام بأختام الحديث الشريف وقد ألمّ بطرق من أخبارها ابن أبي دينار في «المونس»
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة 37 - للكاتب محمد محفوظ