الإمام الأكبر، الحجة الجليل، المتفق على جلالته، حائز المنقبتين، وصاحب المنصبين، ومجمع البحرين، شيخ الأزهر ومفتي الديار معا: الإمام الشيخ محمد العباسي بن محمد أمين بن محمد المهدي الكبير الحنفي: مفتي الديار المصرية، وأول من تولى مشيخة الأزهر من فقهاء الحنفية، وأصغر من تولى رتبة الإفتاء، وأصغر من تولى مشيخة الأزهر.
ولد بالإسكندرية سنة 1243ه، ونزل إلى الأزهر الشريف سنة 1255ه، فأتم حفظ القرآن، وحضر على البرهان السقا، وخليل الرشيدي، والشيخ البلتاني الذي توفي أثناء قراءة شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك، وغيرهم من العلماء.
وتولى الإفتاء سنة 1264ه. وأضيف إليه مشيخة الأزهر سنة 1287ه، وقد تولى مشيخة الأزهر وهو في نحو الرابعة والأربعين من عمره، وهو بذلك أصغر من تولى المشيخة، كما كان أصغر من تولى منصب الإفتاء.
وأما مؤلفاته فله: (الفتاوى المهدية، في الوقائع المصرية) طبع في سبعة أجزاء، وجددت دار الإفتاء المصرية خدمته وطباعته، فخرج في عشرين مجلدا، وهو مجموع فتاواه المشتملة على تحريراته، والمشتملة على رصد مهم لأحوال المجتمع وعقوده ومعاملاته وعلاقاته الاجتماعية، من خلال الفتاوى المرفوعة إليه.
ومن مؤلفاته أيضا: (رسالة في تحقيق ما اشتهر من التلفيق، احتيالا لمنع وقوع الطلاق الثلاث)، ورسالة في مسألة الحرام المشهورة على مذهب الحنفية)، و(رسالة من محكمة دمياط الشرعية إلى محكمة مصر بسبب اختلاف بین قاضي دمياط ومفتيها)، والرسائل الثلاثة مخطوطاتها موجودة في مكتبة الأزهر، وحبذا لو تطبع في كتاب
وقد توفي مساء الأربعاء، 13 رجب، سنة 1315ه، الموافق 8 ديسمبر سنة 1897م، فارتجت الدنيا الموته، وحضر جنازته والصلاة عليه نحو الخمسة آلاف، وتليت المراثي، ودفن بزاوية سيدي أبي الأنوار الحفني بالمجاورین، وامتد موكب العزاء إلى نحو الثامنة مساء، مؤلفا من نحو الأربعين ألفا).
أنظر كامل الترجمة في كتاب : جمهرة أعلام الأزهر الشريف في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين للشيخ أسامة الأزهري.
محمد (العباسي) بن محمد أمين ابن محمد المهدي الكبير:
مفتي الديار المصرية، وأول من تولى مشيخة الأزهر، من فقهاء الحنفية. ولد بالإسكندرية. وتعلم بالقاهرة. وتولى الإفتاء سنة 1264هـ وأضيف إليه مشيخة الأزهر (1287) ولما قام (عر أبي باشا) بثورته (1298) عزل المهدي لامتناعه عن التوقيع على عزل الخديوي توفيق (1299) وكافأه الخديوي بعد الثورة، بإعادته شيخا للأزهر مع الإفتاء. وقيل للخديوي (سنة 1304) ان جماعة من الوجوه والتجار يجتمعون للسمر في منزل المهدي ويتكلمون في الأمور السياسية ويظهرون أسفهم لوجود الانجليز بمصر وانقياد الحكومة المصرية إلى رغباتهم، فعاتبه على ذلك، فاستقال من منصبيه، وقد استمر في الإفتاء أربعين سنة. ثم أعيد إليه قبيل وفاته. وفلج وتوفي بالقاهرة.
له (الفتاوى المهدية، في الوقائع المصرية - ط) سبعة أجزاء، وهو مجموع فتاواه .
-الاعلام للزركلي-
الإمام الشيخ المهدي
إنه الإمام الشيخ محمد بن محمد أمين بن محمد المهدي العباسي، كان جده مسيحياً وأعلن إسلامه على يد الشيخ محمد الحفني الأمر الذي جعل الشيخ الحفني يتعهده بالرعاية ويضمه إلى أسرته، ومن هنا أقبل جد المهدي على حفظ القرآن ودراسة العلوم الإسلامية كما تتلمذ على الشيخ الحفني صاحب الفضل في إسلامه، وعلى يد أخيه وعلى يد كبار علماء المسلمين في ذلك الوقت.
ولد الشيخ محمد بن محمد أمين المهدي بالإسكندرية عام 1243هـ، وحفظ فيها القرآن الكريم، وحضر إلى القاهرة عام 1255هـ، ليلتحق بالأزهر ويحصل العلم، فتعلم على يد الشيخ خليل الرشيدي الحنفي، والشيخ البياتي، والشيخ إبراهيم السقا الشافعي وغيرهم من العلماء الأفاضل.
كان الشيخ المهدي ذا عقلية فذة يتمتع بذكاء شديد وذاكرة فذة، عمل - طيلة وقته - على تحصيل العلم وسبر أغواره، ومعرفة ما غمض منه، لذا فقد أصدر إبراهيم باشا والي مصر مرسوماً عام 1264 نص على أن يتولى الشيخ محمد المهدي منصب الإفتاء في مصر، وكان عمر الشيخ المهدي حينذاك واحداً وعشرين سنة.
تذكر بعض المصادر أن إبراهيم باشا فعل ذلك ليرضي عارف بك شيخ الإسلام الذي أوصاه بأبناء المهدي خيراً وكان ذلك في القسطنطينية، فلما عاد إبراهيم باشا إلى مصر استدعى محمد المهدي وخلع عليه منصب الإفتاء على أن يقوم الشيخ خليل الرشيدي بشؤون الفتوى حتى يتأهل الشيخ المهدي لهذا المنصب الكبير والخطير ويباشر شؤونه بنفسه.
انكب الشيخ المهدي على القراءة والبحث حتى وصل إلى مرتبة العلماء الكبار، وأصبحت له الصدارة بينهم بعلمه وثقافته، وجلس للإفتاء، ومع ذلك كان يلقي دروسه على طلبة الأزهر الذي التفوا حوله لسعة علمه وحسن تناوله، وقرأ عليهم كتاب [الدر المختار] في الفقه الحنفي.
التزم الشيخ المهدي العفة والأمانة والدقة والصدق في فتاواه واشتهر بذلك بين الناس مع حزمه وعدم خشيته للحكام أو ممالأتهم، وكانت له مواقف شديدة الصعوبة وقف فيها ضد الحكام في سبيل إحكام الحق وإثباته، وفي كل مرة كان يخرج منتصراً مرفوع الرأس، محبوباً من العامة والخاصة لحرصه على إرضاء الله ونصرة المظلوم؛ وحينما عزل الخديوي إسماعيل الشيخ مصطفى العروسي من مشيخة الأزهر، تطلع إليها العديد من الشيوخ إلا أن الخديوي وولاة الأمر لم يجدوا خيراً من الشيخ المهدي، ورشحوه لهذا المنصب مع احتفاظه بمنصب الإفتاء ليكون أول من جمع بين هذين المنصبين في آن واحد ويكون أيضاً أول حنفي يتولى منصب مشيخة الأزهر.
بدأ الشيخ الإمام عهداً جديداً في التنظيم والإدارة لشؤون الأزهر فنظم الأمور المادية فيه وأحكم الرقابة على القائمين في أمور الأزهر المادية، وأعد خطة جديدة لتشريع قانون للراغبين في التدريس بالأزهر ليتم ذلك وفق منهج محدد، وعلى الراغب في الالتحاق بالتدريس أن يجتاز ما به من اختبارات وامتحانات، واستطاع الشيخ الإمام أن يحصلعلى موافقة الخديوي وتأييده لهذا القانون الذي راعى الشيخ في صياغته الأخذ بالعلومالتقليدية بالإضافة إلى العلوم الحديثة مع مراعاة الدقة والحزم والأمانة في الامتحان، على أن يقوم ستة من أفاضل العلماء المعروفين بالأمانة والدقة ليصبحوا أعضاء لجنة الامتحان، ويتم اختيارهم من كل مذهب اثنان عدا المذهب الحنبلي لقلة طلابه، ويكون الامتحان في أحد عشر فرعاً من العلوم المعروفة بالأزهر وهي [التفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه، وأصول الفقه، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق] وعلى الطالب لدخول الامتحان أن يتقدم بطلب لشيخ الأزهر يشرح فيه ما درس وعلى أيدى مَنْ مِنَ العلماء، وعلى شيخ الأزهر أن يتأكد من صحة ما جاء في هذا الطلب بالإضافة إلى التأكد من أخلاق المتقدم وحسن سيره وآداب سلوكه ...ثم تأتي موافقة شيخ الأزهر بعد أن يشهد ثمانية - على الأقل - من أساتذة المتقدم له بالعلم والخلق الحسن، ويحدد شيخ الأزهر موعداً للامتحان، ويعين لكل علم من العلوم مدرساً يناقش المتقدم؛ ثم يتحدد بعد ذلك الدرجة والتقدير للمتقدم وعليها تتحدد المكانة التي سيصبح عليها في مستقبله مع مهنة التدريس بالجامع الأزهر.
ووضع الشيخ المهدي قواعد صارمة لا يستطيع أحد تجاوزها مهما كانت مكانته تلك الأمور التي أعادت للمدرس بالأزهر مكانته وهيبته، في الوقت نفسه أعطته كل حقوقه المادية والأدبية.
لم يسلم الشيخ المهدي من النيل به والكيد له، فقد قامت الثورة العرابية، ولم يؤيدها الشيخ المهدي مما أثار غضب أحمد العرابي زعيم الثورة وطلب من الخديوي عزل الشيخ المهدي من منصب المشيخة ووافقه الخديوي على ذلك في شهر المحرم 1299هـ، وأقام مكانه الشيخ الإنبابي في منصب المشيخة، واحتفظ الشيخ المهدي بمنصب الإفتاء.
اشتدت ثورة عرابي وطلبوا من الشيخ المهدي أن يصدر فتوى بعزل الخديوي من منصبه لكنه رفض هذا الطلب، وأوضح أن هذا الأمر ليس من اختصاصات المفتي وأن الخليفة وحده هو صاحب الحق في ذلك.
أخمدت الثورة العرابية بعد أن حدد قاداتها إقامة الشيخ المهدي في داره ومنعوا عنه الزيارات وعلم الخديوي بموقفه فيما بعد فأعاده إلى منصب المشيخة بعد استقالة الشيخ الإنبابي منه، وجاء قرار العودة كالتالى: [إنه بناء على استعفاء الشيخ محمد الانبابي من وظيفة مشيخة الجامع الأزهر، ووثوقونا بفضائل وعالمية حضرة الأستاذ الشيخ محمد العباسي المهدي، قد اقتضت إرادتنا توجيه هذه الوظيفة لعهدته كما كانت علاوة على وظيفة السادة الحنفية المتحلي بها من السابق[الإفتاء] وصدر أمرنا في 2 أكتوبر سنة 1882 م الموافق 18 ذي القعدة سنة 1299هـ.
استمر الشيخ في تولي مهام مشيخة الأزهر حتى عام 1314هـ، وكان عدد من المفكرين والساسة يجتمعون عنده في داره ويتحدثون في أمور الدولة وعلم الخديوي بذلك ووجه تعنيفاً للشيخ المهدي في إحدى المناسبات فما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته من وظيفتي مشيخة الأزهر والإفتاء، لكنه أعيد بعد فترة لمنصب الإفتاء، وظل فيه حتى أصيب بالشلل الذي أقعده بيته ليصبح أول من استمر في هذا المنصب مدة اثنين وخمسين عاماً كما ظل في المشيخة ثمانية عشر عاماً حفلت بالإنجازات والتطور في كل أمور الأزهر.
وللشيخ المهدي مؤلفات رائعة، منها على سبيل المثال:
- الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية (ثمانية أجزاء).
- رسالة في مسألة الحرام على مذهب الحنفية.
- رسالة في تحقيق ما استتر من تلفيق في الفقه الحنفي.
وفاضت روحه الطاهرة ليلة الأربعاء 13 من رجب عام 1315 هـ، ودفن بقرافةالمجاورين إلى جوار أبيه وجده.
ورثاه عظماء الشعراء والعلماء بأبيات امتلأت بالمعاني البليغة في حياة الشيخ الذي عاش حياته للعلم ورفع شأنه ... ومن هذه الأبيات:
عليه دمع الفتاوى بات منحدراً وللمحابر حزن ضاق عن حد
فيها المسائل قد باتت تؤرخه مات المجيب الإمام المفتدى المهدى
رحم الله الإمام الذي نصر الحق في حياته، ورسم منهجاً لحياة الآخرين ساروا عليه بعد مماته، فكان من السهل عليه تجرده مما يملك وما ورث عن آبائه وأجداده على أن يعلن أنه حكم بغير ما أنزل الله، وأنه حابى بدينه، أو راعه تهديد فراعى جانباً لمخلوق أو أخذتهفي الدين والحق لومة لائم.
شيوخ الأزهر تأليف أشرف فوزي صالح ج/2 – ص 60 – 63.