أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي

تاريخ الولادة528 هـ
تاريخ الوفاة607 هـ
العمر79 سنة
مكان الولادةجماعيل - فلسطين
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • دمشق - سوريا
  • جماعيل - فلسطين
  • مصر - مصر

نبذة

الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ البَرَكَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ الزَّاهِدُ، وَاقِفُ المَدْرَسَةِ. مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِقَرْيَةِ جَمَّاعِيْلَ مِنْ عَمَلِ نَابُلُسَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَأَخُوْهُ وَقَرَابَتُهُ مُهَاجِرِيْنَ إِلَى اللهِ، وَتَرَكُوا المَالَ وَالوَطَنَ لاسْتِيْلاَءِ الفِرَنْجِ، وَسَكَنُوا مُدَّةً بِمَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ بِظَاهِرِ بَابِ شَرْقِي ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ صَعَدُوا إلى سفح قاسيون، وبنوا الدير المبارك وَالمَسْجِدَ العَتِيْقَ، وَسَكَنُوا ثَمَّ، وَعُرِفُوا بِالصَّالِحِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى ذَاكَ المَسْجِد.

الترجمة

مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن قدامَة بن مِقْدَام بن نصر الجماعيلى الْمَقْدِسِي الدِّمَشْقِي الصَّالِحِي الزَّاهِد العابد الشَّيْخ أبي عمر مولده سنة ثَمَان وَعشْرين وَخَمْسمِائة بجماعيل هَاجر بِهِ وَالِده وبأخيه الشَّيْخ الْمُوفق وأهليهم إِلَى دمشق ونزلوا بِمَسْجِد أبي صَالح ظَاهر بَاب شَرْقي فأقاموا بِهِ مُدَّة نَحْو سنتَيْن ثمَّ انتقلوا إِلَى الْجَبَل قَالَ الشَّيْخ أبي عمر فَقَالَ النَّاس الصالحية الصالحية فنسبونا إِلَى مَسْجِد أبي صَالح لَا أَنا صَالِحُونَ
حفظ الْقُرْآن وقرأه بِحرف أبي عَمْرو وَسمع الحَدِيث من وَالِده وَأبي المكارم ابْن هِلَال وَأبي تَمِيم سلمَان ابْن الرجبي وَغَيرهم وبمصر من الشريف سعيد بن الْحسن المأموني وَأبي مُحَمَّد بن بري النَّحْوِيّ وَخرج لَهُ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ أَرْبَعِينَ حَدِيثا من رواياته وَحدث بهَا وَسمع مِنْهُ جمَاعَة مِنْهُم الضياء وَالْمُنْذِرِي وَحفظ مُخْتَصر الحرقى وتفقه فِي الْمَذْهَب وَقَرَأَ النَّحْو على ابْن بَرى وَكتب بِخَطِّهِ كثيرا من ذَلِك الْحِلْية لأبي نعيم تَفْسِير الْبَغَوِيّ والمغنى لِأَخِيهِ الْمُوفق والإبانة لِابْنِ بطة وَكتب مصاحف كَثِيرَة لأَهله وَكتب الخرقى للنَّاس وَالْكل بِغَيْر أُجْرَة وَكَانَ سريع الْكِتَابَة وَرُبمَا كتب فِي الْيَوْم كراسين بِالْقطعِ الْكَبِير وَكَانَ الله تَعَالَى قد جمع لَهُ معرفَة الْفِقْه والفرائض والنحو مَعَ الزّهْد وَالْعَمَل وَقَضَاء حوائج النَّاس وَكَانَ لَا يسمع دُعَاء إِلَّا حفظه ودعا بِهِ وَلَا يسمع ذكر صَلَاة إِلَّا صلاهَا وَلَا يسمع حَدِيثا إِلَّا عمل بِهِ وَكَانَ لَا يتْرك قيام اللَّيْل ويسرد الصَّوْم فِي آخر عمره وَكَانَ لَا يكَاد يسمع بِجنَازَة إِلَّا حضرها وَلَا مَرِيض إِلَّا عَاده وَلَا جِهَاد إِلَّا خرج فِيهِ وَكَانَ يقْرَأ فِي الصَّلَاة كل لَيْلَة سبعا مرتلا وَيقْرَأ فِي النَّهَار سبعا بَين الظّهْر وَالْعصر فَإِذا صلى الْفجْر قَرَأَ آيَات الحرس بعد أَن يفرغ من التَّسْبِيح ثمَّ يُصَلِّي الضُّحَى صَلَاة طَوِيلَة وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ طويلتين إِحْدَاهمَا فِي اللَّيْل وَالْأُخْرَى فِي النَّهَار وَيُصلي بعد أَذَان الظّهْر قبل سنتها فِي كل يَوْم رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فِي الأولى أول الْمُؤْمِنُونَ وَفِي الثَّانِيَة آخر الْفرْقَان وَكَانَ يُصَلِّي بَين الْمغرب وَالْعشَاء أَربع رَكْعَات يقْرَأ فِيهِنَّ السَّجْدَة (وَيس) وَالدُّخَان وتبارك وَيُصلي كل لَيْلَة جُمُعَة بَين العشاءين صَلَاة التَّسْبِيح وَيُصلي الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ بِمِائَة (قل هُوَ الله) وَكَانَ يُصَلِّي فِي كل يَوْم وَلَيْلَة اثْنَتَيْنِ وَسبعين رَكْعَة نَافِلَة ويزور الْقُبُور كل جُمُعَة بعد الْعَصْر وَلَا ينَام إِلَّا على وضوء وَكَانَ يَقُول بَين سنة الْفجْر وَالْفَرْض أَرْبَعِينَ مرّة (يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا إنت) وَكَانَ لَا يتْرك غسل الْجُمُعَة وَلَا يخرج إِلَيْهَا إِلَّا وَمَعَهُ شَيْء يتَصَدَّق بِهِ وَكَانَ يحمل هم أَصْحَابه ويساويهم وَرُبمَا تصدق بالشَّيْء وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ

قَالَ الضياء سَمِعت الإِمَام مُحَمَّد بن أبي بكر بن عمر يَقُول دَعَاني الشَّيْخ مرّة وَكنت أَخَاف من ضَرَر الْأكل فابتدأني وَقَالَ إِذا قَرَأَ الْإِنْسَان قبل الْأكل (شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ) (ولإيلاف قُرَيْش) ثمَّ أكل فَإِنَّهُ لَا يضرّهُ وَقَالَ وَسمعت عبد الله بن الْحسن ابْن النّحاس يَقُول كَانَ وَالِدي يحب الشَّيْخ أَبَا عمر فَقَالَ لي يَوْم جُمُعَة أَنا أُصَلِّي خلف الشَّيْخ ومذهبي أَن بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من الْفَاتِحَة ومذهبه أَنَّهَا لَيست من الْفَاتِحَة وأخاف أَن يكون فِي صَلَاتي شَيْء فمضينا إِلَى الشَّيْخ فَقَالَ يَا أخي صل وَأَنت طيب الْقلب فإنني مَا تركتهَا فِي فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة مُنْذُ أممت النَّاس وَله آثَار جميلَة مِنْهَا مدرسة بِالْجَبَلِ وَهِي وقف على الْقُرْآن وَالْفِقْه وَقد حفظ الْقُرْآن فِيهَا أُمَم لَا يُحصونَ
وَذكر جمَاعَة أَن الشَّيْخ أَبَا عمر قطب وَأقَام قطب الْوَقْت قبل مَوته بست سِنِين قَالَ أبي المظفر كَانَ على مَذْهَب السّلف الصَّالح حسن العقيدة متمسكا بِالْكتاب وَالسّنة والْآثَار الموية وَكَانَ يمرها كَمَا جَاءَت من غير طعن على أَئِمَّة الدّين وعلماء الْمُسلمين وَينْهى عَن صُحْبَة المبتدعين وَيَأْمُر بِصُحْبَة الصَّالِحين وَأمر الْجَمَاعَة بِقِرَاءَة يس وَكَانَ آخر كَلَامه (إِن الله اصْطفى لكم الدّين فَلَا تموتن إِلَّا وَأَنْتُم مُسلمُونَ) وَتُوفِّي يَوْم الْإِثْنَيْنِ ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وسِتمِائَة

وَحضر جنَازَته الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء والأمراء والأعيان وحزر من حضرها فَكَانُوا عشْرين ألفا وَدفن بجبل قاسيون

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

 

(528 - 607 هـ = 1134 - 1210 م) محمد بن أحمد بن محمد، أبو عمر ابن قدامة الجماعيلي الأصل الدمشقي الدار: فقيه حنبلي. توفي بدمشق. خرَّج له الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي " أربعين حديثا " من رواياته .

-الاعلام للزركلي-

 

 

محمد بن أحمد بنِ محمدِ بنِ قدامةَ بنِ مقدام، الجماعيليُّ، المقدسيُّ الدمشقيُّ، المحدثُ، الصالح، الزاهد والعابد، أبو عمر.
مولده سنة 528. حفظ القرآن، وسمع الحديث من جماعة من حفاظ الزمان، وحدث وسمع منه جماعات، منهم: الضياء، والمنذري، وكان سريع الكتابة، وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير. قال الضياء: وكان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه، وعمل به، مات وهو عاقد على أصبعه يسبح، وكان لا يكاد يسمع بجنازة إلا حضرها، ولا بمريض إلا عاده، ولا جهادٍ إلا خرج فيه، وكان يزور القبور كلَّ جمعة بعد العصر، ولا ينام إلا على وضوء، ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه، ولا يترك غُسل الجمعة، ويلبس الخشن، وينام على الحصير، وكان ثوبه إلى نصف ساقه، وكُمُّه إلى رُسْغِه، وكان له هيبة عظيمة في القلوب، واستسقى، ودعا مرة، فجاء المطر حينئذ، وجرت الأودية، وله كرامات كثيرة يطول ذكرها. قال سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان": كان معتدل القامة، حسن الوجه، عليه أنوار العبادة، لم يَنْهَر أحدًا، ولم يوجع قلب أحد، وكان يقول: أنا زاهد، لكن في الحرام.
بنى المدرسة والمصنع بعلو همته، وكان مجاب الدعوة، وما كتب لأحد ورقة للحُمَّى إلا وشفاه الله تعالى، وفضائله غزيرة. وقال غيره: له آثار جميلة. قال أبو المظفر: كان على مذهب السلف الصالح، حسنَ العقيدة، متمسكًا بالكتاب والسنة والآثار المروية، ويُمِرُّها كما جاءت، من غير طعن على أئمة الدين، وعلماء المسلمين، وينهى عن صحبة المبتدعين، ويأمر بصحبة الصالحين، وأنشد لنفسه:
أَلَم يكُ ملهاةً عن اللهوِ أنني ... بدا في شيبُ الرأس والضعفُ والألمُ
ولما كان - عشية الاثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة 607، جمع أهله، واستقبل القبلة، ووصاهم بتقوى الله ومراقبته، وأمرهم بقراءة يس، وكان آخر كلامه: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] وتوفي رح. ولما خرجوا بجنازته، وكان يومًا شديد الحر، أقبلت غمامة، فأظلت الناسَ إلى قبره، وكان يُسمع منها دوي كدوي النحل، ولم يخلف دينارًا ولا درهمًا، لا قليلاً ولا كثيرًا، وحزر من حضر جنازته فكانوا عشرين ألفًا، وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف، فسمع من القبر يقول: "لا إله إلا الله"، وذكر له عدة منامات، ورأى بعض الصلحاء الإمام الشافعي في المنام، فسأله: إلى أين تمضي؟ فقال أزور أحمدَ بن حنبل، فاتبعته أنظر ما يصنع، فدخل دارًا؛ فسألت: لمن هي؟ فقيل: للشيخ أبي عمر. ورثاه الأديب العلامة محمد بن سعد المقدسي بقصيدة منها:
أَبَعْدَ أَن فقدت عيني أَبا عمرٍ ... يَضُمُّني في بقايا العُمر عُمرانُ
ما للمساجدِ منه اليوم مقفرةً ... كأنها بعدَ ذاك الجمع قِيعانُ
ما للمحاريبِ بعدَ الأُنس موحِشة ... كأن لم يُتْلَ فيها الدهرَ قرآنُ
تبكي عليه عيونُ الناس قاطبةً ... إذ كان في كلَّ عينٍ منه إنسانُ
وكان في كلِّ قلبٍ منه نورُ هُدًى ... فصار في كلِّ قلبٍ منه نِيرانُ
لا زالَ يسقي ضريحًا أنت ساكنُهُ ... وكلُّ ميت رآه فهو فرحانُ
وكلَّ حيّ رأينا فهو ذو أَسَفٍ ... سحائبٌ غيثُها عفوٌ وغفرانُ
كم مَيَّتٍ ذكرُه حيٌّ، ومتصفٌ ... بالحيِّ مَيْتٌ، له الأثوابُ أكفانُ
قال ابن الحنبلي: سمعت والدي يقول: لو كان نبي يُبعث في زمان الشيخ أحمد بن قدامة، كان هو.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 

الإِمَامُ العَالِمُ الفَقِيْهُ المُقْرِئُ المُحَدِّثُ البَرَكَةُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ محمد بنِ مِقْدَامِ بنِ نَصْرٍ المَقْدِسِيُّ الجَمَّاعِيْلِيُّ الحَنْبَلِيُّ الزَّاهِدُ، وَاقِفُ المَدْرَسَةِ.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِقَرْيَةِ جَمَّاعِيْلَ مِنْ عَمَلِ نَابُلُسَ، وَتَحَوَّلَ إِلَى دِمَشْقَ هُوَ وَأَبُوْهُ وَأَخُوْهُ وَقَرَابَتُهُ مُهَاجِرِيْنَ إِلَى اللهِ، وَتَرَكُوا المَالَ وَالوَطَنَ لاسْتِيْلاَءِ الفِرَنْجِ، وَسَكَنُوا مُدَّةً بِمَسْجِدِ أَبِي صَالِحٍ بِظَاهِرِ بَابِ شَرْقِي ثَلاَثَ سِنِيْنَ، ثُمَّ صَعَدُوا إلى سفح قاسيون، وبنوا الدير المبارك وَالمَسْجِدَ العَتِيْقَ، وَسَكَنُوا ثَمَّ، وَعُرِفُوا بِالصَّالِحِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى ذَاكَ المَسْجِد.
سَمِعَ: أَبَاهُ، وَأَبَا المَكَارِمِ بنَ هِلاَلٍ، وَسَلْمَانَ بنَ عَلِيٍّ الرَّحَبِيَّ، وَأَبَا الفَهْمِ بنَ أَبِي العَجَائِزِ، وَعِدَّةً، وَبِمِصْرَ: ابْنَ بَرِّيّ، وَإِسْمَاعِيْلَ الزَّيَّاتَ، وَكَتَبَ وَقَرَأَ، وَحَصَّلَ وَتَقَدَّمَ، وَكَانَ مِنَ العُلَمَاءِ العَامِلِيْنَ، وَمِنَ الأَوْلِيَاءِ المُتَّقِيْنَ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَخُوْهُ؛ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ، وَابْنَاهُ؛ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَالضِّيَاءُ، وَابْنُ خَلِيْلٍ، وَالزَّكِيُّ المُنْذِرِيُّ، وَالقُوْصِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الدَّائِمِ، وَالفَخْرُ عَلِيٌّ، وَطَائِفَةٌ.
وَقَدْ جَمَعَ لَهُ الحَافِظُ الضِّيَاءُ "سِيْرَةً" فِي جُزْءيْنِ، فَشَفَى وَكَفَى، وَقَالَ: كَانَ لاَ يَسْمَعُ دُعَاءً إلَّا وَيَحْفَظُهُ فِي الغَالِبِ، وَيَدْعُو بِهِ، وَلاَ حَدِيْثاً إلَّا وَعَمِلَ بِهِ، وَلاَ صَلاَةً إلَّا صَلاَّهَا، كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي النِّصْفِ مائَةَ رَكْعَةٍ وَهُوَ مُسِنٌّ، وَلاَ يَتْرُكُ قِيَامَ اللَّيْلِ مِنْ وَقْتِ شُبُوبِيَتِهِ. وَإِذَا رَافَقَ نَاساً فِي السَّفَرِ نَامُوا وَحَرَسَهُم يُصَلِّي.
قُلْتُ: كَانَ قُدْوَةً، صَالِحاً، عَابِداً، قَانِتاً للهِ، ربانيًا، خاشعًا، مخلصًا، عديم النظر، كَبِيْرَ القَدْرِ، كَثِيْرَ الأَوْرَادِ وَالذِّكْرِ، وَالمُرُوْءَةِ وَالفُتوّةِ والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون مِثْلَهُ. قِيْلَ: كَانَ رُبَّمَا تَهَجَّدَ، فَإِنْ نَعَسَ ضَرَبَ عَلَى رِجْلَيْهِ بِقَضِيْبٍ حَتَّى يَطِيْرَ النُّعَاسُ. وَكَانَ يُكْثِرُ الصِّيَامَ، وَلاَ يَكَادُ يَسْمَعُ بِجَنَازَةٍ إلَّا شَهِدَهَا، وَلاَ مَرِيْضٍ إلَّا عَادَهُ، وَلاَ جِهَادٍ إلَّا خَرَجَ فِيْهِ، وَيَتْلُو كُلَّ لَيْلَةٍ سُبعاً مُرَتَّلاً فِي الصَّلاَةِ، وَفِي النَّهَارِ سُبعاً بين الصلاتين، وإذا صلى الفَجْرَ تَلاَ آيَاتِ الحَرْسِ وَيس وَالوَاقِعَةَ وَتَبَارَكَ، ثُمَّ يُقْرِئُ وَيُلَقِّنُ إِلَى ارْتفَاعِ النَّهَارِ، ثُمَّ يُصَلِّي الضُّحَى، فَيُطِيْل وَيُصَلِّي طَوِيْلاً بَيْنَ العِشَائَينِ، وَيُصَلِّي صَلاَةَ التَّسْبِيْحِ كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ، وَيُصَلِّي يَوْمَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ بِمائَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فَقِيْلَ: كَانَتْ نَوَافِلُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيلَةٍ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ رَكْعَةً. وَلَهُ أَذْكَارٌ طَوِيْلَةٌ، وَيَقْرَأُ بَعْدَ العِشَاءِ آيَاتِ الحَرْسِ، وَلَهُ أَوْرَادٌ عِنْدَ النَّوْمِ وَاليَقَظَةِ، وَتَسَابِيْحُ، وَلاَ يَتْرُكُ غُسْلَ الجُمُعَةِ، وَيَنْسَخُ الخِرَقِيَّ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَهُ مَعْرِفَةٌ بالفقه وَالفَرَائِضِ. وَكَانَ قَاضِياً لِحَوَائِجِ النَّاسِ، وَمَنْ سَافَرَ مِنَ الجَمَاعَةِ يَتَفَقَّدُ أَهَالِيْهِم، وَكَانَ النَّاسُ يَأْتُوْنَهُ فِي القَضَايَا فَيُصْلِحُ بَيْنَهُم، وَكَانَ ذَا هَيْبَةٍ وَوَقْعٍ فِي النُّفُوْسِ.
قَالَ الشَّيْخُ المُوَفَّقُ: رَبَّانَا أَخِي، وَعَلَّمَنَا، وَحَرَصَ عَلَيْنَا، كَانَ لِلْجَمَاعَةِ كَالوَالِدِ يَحْرِصُ عَلَيْهِم وَيَقومُ بِمَصَالِحِهِم، وَهُوَ الَّذِي هَاجَرَ بِنَا، وَهُوَ سَفَّرَنَا إِلَى بَغْدَادَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقُوْمُ فِي بِنَاءِ الدَّيْرِ، وَحِيْنَ رَجَعْنَا زَوَّجَنَا، وَبَنَى لَنَا دُوْراً خَارِجَ الدَّيْرِ، وَكَانَ قَلَّمَا يَتَخَلَّفُ عَنْ غَزَاةٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الضِّيَاءُ: لَمَّا جَرَى عَلَى الحَافِظِ عَبْدِ الغَنِيِّ مِحْنَتَهُ، جَاءَ أَبَا عُمَرَ الخَبَرُ، فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ، فَلَمْ يُفقْ إلَّا بَعْدَ سَاعَةٍ، وَكَانَ كَثِيْراً مَا يَتَصَدَّقُ بِبَعْضِ ثِيَابِهِ، وَتَكُوْنُ جُبَّتُهُ فِي الشِّتَاءِ بِلاَ قَمِيْصٍ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِسَرَاوِيْلِهِ، وَكَانَتْ عامته قُطْعَةً بِطَانَةً، فَإِذَا احْتَاجَ أَحَدٌ إِلَى خِرقَةٍ، قَطَعَ لَهُ مِنْهَا، يَلْبَسُ الخَشِنَ، وَيَنَامُ عَلَى الحَصِيْرِ، وَرُبَّمَا تَصَدَّقَ بِالشَّيْءِ وَأَهْلُهُ مُحْتَاجُوْنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ ثَوْبُهُ إِلَى نِصْفِ سَاقِهِ، وَكُمُّهُ إِلَى رُسْغِهِ، سَمِعْتُ أُمِّي تَقُوْلُ: مَكَثْنَا زَمَاناً لاَ يَأْكُلُ أَهْلُ الدَّيْرِ إلَّا مِنْ بَيْتِ أَخِي أبي عمر، وكان يقول: إذا لم تَتَصَدَّقُوا مَنْ يَتَصَدَّقُ عَنْكُم، وَالسَّائِلُ إِنْ لَمْ تُعْطُوْهُ أَنْتُم أَعْطَاهُ غَيْرُكُم، وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي خَيْمَةٍ عَلَى حِصَارِ القُدْسِ فَزَارَهُ المَلِكُ العَادِلُ، فَلَمْ يَجِدْهُ، فَجَلَسَ سَاعَةً، وَكَانَ الشَّيْخُ يُصَلِّي فَذَهَبُوا خَلْفَهُ مَرَّتَيْنِ فَلَمْ يَجِئْ، فَأَحْضَرُوا لِلْعَادِلِ أقراصاُ فَأَكَلَ وَقَامَ وَمَا جَاءَ الشَّيْخُ.
قَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً قَطُّ لَيْسَ عِنْدَهُ تَكَلُّفٌ غَيْرَ الشَّيْخِ أَبِي عُمَرَ.
قَالَ الشَّيْخُ العِمَادُ: سَمِعْتُ أَخِي الحَافِظَ يَقُوْلُ: نَحْنُ إِذَا جَاءَ أَحَدٌ اشْتَغَلنَا بِهِ عَنْ عَمَلِنَا، وَإِنّ خَالِي أَبُو عُمَرَ فِيْهِ لِلدُّنْيَا وَالآخِرَة يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يُخلي أَوْرَادَهُ.
قُلْتُ: كَانَ يَخْطُبُ بِالجَامِعِ المُظَفَّرِيِّ، وَيُبْكِي النَّاسَ، وَرُبَّمَا أَلَّفَ الخُطْبَةَ، وَكَانَ يَقْرَأُ الحَدِيْثَ سَرِيعاً بِلاَ لَحْنٍ، وَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يَرْجِع مِنْ رِحلَتِه إلَّا وَيَقرَأُ عَلَيْهِ شَيْئاً مِنْ سَمَاعِه، وَكَتَبَ الكَثِيْرَ بِخَطِّه المَلِيْحِ كَـ "الحِلْيَةِ"، وَ"إِبَانَةِ ابْنِ بَطَّةَ"، وَ"مَعَالِم التَّنْزِيلِ"، وَ"المُغْنِي"، وَعِدَّة مَصَاحِف. وَرُبَّمَا كَتَبَ كرَّاسَينِ كِبَاراً فِي اليَوْمِ، وَكَانَ يَشفعُ بِرقَاع يَكتُبُهَا إِلَى الوَالِي المُعْتَمِد وَغَيْرِهِ. وَقَدِ اسْتَسقَى مَرَّة بِالمَغَارَةِ فَحِيْنَئِذٍ نَزَلَ غَيث أَجرَى الأَوديَة. وَقَالَ: مُذْ أَمَمْتُ مَا تركتُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.

وَقَدْ سَاق لَهُ الضِّيَاءُ كَرَامَاتٍ وَدَعَوَاتٍ مُجَابَاتٍ، وَذَكَرَ حِكَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ قُطِّبَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ. وَكَانَ إِذَا سَمِعَ بِمُنكَرٍ اجْتهدَ فِي إِزَالَتِه، ويكتب فيه إِلَى المَلِكِ، حَتَّى سَمِعنَا عَنْ بَعْضِ المُلُوْكِ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الشَّيْخُ شَرِيكِي فِي مُلكِي.
وَكَانَ لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ، صَبِيْحَ الوَجْهِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، نَحِيْفاً، أَبيضَ، أَزرقَ العَينِ، عَالِي الجَبهَةِ، حَسَنَ الثَّغْرِ، تَزَوَّجَ فِي عُمُرِه بِأَرْبَع، وَجَاءهُ عِدَّةُ أَوْلاَدٍ أَكْبَرهُم عُمَرُ، وَبِهِ يُكْنَى، وَأَصْغَرهُم عَبْد الرَّحْمَنِ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّيْنِ. وَمِنْ شِعْرِهِ:
أَلَمْ تَكُ مَنْهَاةً عَنِ الزّهو أَنَّنِي ... بَدَا لِي شَيْبُ الرَّأْسِ وَالضَّعْفُ وَالأَلَمْ
أَلَمَّ بِيَ الخَطْبُ الَّذِي لَوْ بَكَيْتُهُ ... حَيَاتِيَ حَتَّى يَنْفَدَ الدَّمْعُ لَمْ أُلَمْ
وَقَدْ مَاتَ ابْنُه عُمَرُ، فَرَثَاهُ بِأُرْجُوزَةٍ حَسَنَةٍ.
تُوُفِّيَ أَبُو عُمَرَ، فَقَالَ الصَّرِيْفِيْنِيُّ: حَزَرْتُ الجَمْعَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
قُلْتُ: وَرَثَاهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَأَحْمَدُ ابْنُ المَزْدَقَانِيِّ. وَتُوُفِّيَ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ: عَشِيَّةَ الاثْنَيْنِ، فِي الثَّامنِ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ سِيْرَتَهُ فِي "تَارِيْخِ الإِسْلاَمِ".

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.