حسن بن علي قويدر الخليلي

تاريخ الولادة1204 هـ
تاريخ الوفاة1262 هـ
العمر58 سنة
مكان الولادةالقاهرة - مصر
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • القاهرة - مصر

نبذة

حسن بن علي قويدر الخليلي: فاضل، له شعر وأدب. أصله من المغرب، ومولده ووفاته في القاهرة. كان يحترف التجارة كأبيه.

الترجمة

حسن بن علي قويدر الخليلي:
فاضل، له شعر وأدب. أصله من المغرب، ومولده ووفاته في القاهرة. كان يحترف التجارة كأبيه. وله كتب، منها (نيل الأرب في مثلثات العرب - ط) في اللغة، على نسق مثلثات قطرب نظما وقد ترجم إلى الإيطالية، و (زهر النبات) في الإنشاء والمراسلات، و (الأغلال والسلاسل في مجنون اسمه عاقل - خ) في الخزانة التيمورية، وقعت لي نسخة منها ناقصة الآخر، وفي طرّتها أنها للشيخ حسن قويدر (الخليلي) فرجعت إلى مصادر ترجمته، فعرفت منها أن والده عليّا كان من أهل الخليل - بفلسطين - انتقل إلى القاهرة. وهو مغربي الأصل .

-الاعلام للزركلي-
 

 

 

الشيخ حسن بن الشيخ علي بن قويدر الأزهري الخليلي
الأديب الناظم الناثر، ذو الفضائل والمآثر، من رقى أوج المعارف، وانتقى برج العوارف، وخاض بحور العلوم، ونزه صائب فكره في رياض المنطوق والمفهوم، فلا ريب أنه كامل المقاصد، جيد القصائد، شعره المنسجم السهل، يزري بشعر الأخطل وابن سهل، ونثره البليغ البديع، يحاكي مقامات الحريري والبديع، وهو ثقة فيما يؤخذ عنه من النقول، وحجة في علمي المعقول والمنقول، كثير المعارف والفنون، غزير اللطائف قليل المجون، لم يتخذ الشعر حرفة، ولا سكن من بيوته غرفة، بناء على أنه جل صناعته، أو أجل متاعه وبضاعته، وإنما دعاه إليه حب الأدب، ولواه إليه ما اشتمل عليه من طوية العرب، وكان رحمه الله، وأحسن مقره ومثواه، غاية في الزهد والديانة، آية في العفة والأمانة، كثير الود للإخوان، مهيباً بين الأحبة والأقران، لا تمل وإن طالت مجالسته، ولا تعل وإن زادت مفاكهته، لما كانت تشتمل على الفوائد، العائدة على محبيه بالصلات والعوائد، وكانت له صدقات وفية، مستورة عن الإظهار خفية. وقصارى الكلام، في هذا الفرد الهمام، إنه كان حسنة من حسنات عصره، وجوهرة يتيمة في جيد مصره.
ولد بمصر سنة ألف ومائتين وأربع، وتربى في حجر والده على الرحب والسعة، وإن أصوله من المغرب من ذرية ولي ذي مقام روحاني، يعرف بسيدي عبد الله الغزواني، وإن علامة من كان من ذرية هذا الولي المعروف بالهدى والصلاح، أنه إذا جاء لزيارته أحد يفتح له الباب من غير مفتاح، وإن بعض ذرية هذا الولي انتقل إلى مدينة سيدنا الخليل عليه صلاة المنان، وتناسل بالمدينة المذكورة واشتهرت تسمية نسله بالمغاربة، وهم معروفون بذلك هنالك إلى الآن، ثم إن والد المترجم انتقل إلى مصر القاهرة، وأقام بها وكان ذا تجارة وافرة، وبها رزق بصاحب الترجمة المذكورة، صاحب الشمائل المأثورة، فلما أن بلغ أشده، وجه عنان همته للطلب بكل إقبال وشدة، فقرأ على جملة من العلماء، والسادة الفضلاء، منهم العلامة الشيخ حسن الأبطح، والفهامة شيخ الأزهر الشيخ حسن العطار ذو الأرج الأفيح، والمرحوم الشيخ إبراهيم الباجوري شيخ الإسلام، والشيخ إبراهيم السقا عمدة الأنام، وغيرهم من مشايخ العصر، المتصدرين للإفادة في أزهر مصر، وكان شافعي المذهب، خلوتي الطريقة، قد أخذها عن الأستاذ معدن السلوك والحقيقة، العارف بالله تعالى صاحب الإمداد، السيد الشيخ أحمد الصاوي أبي الإرشاد. ومن تآليفه المفيدة، وتصانيفه العديدة، شرحه على منظومة شيخه الشيخ حسن العطار في علم النحو، وقد أجاد به أحسن إجادة ونحا ألطف نحو، وقد قال في شرحه عليها، موجهاً جميل مدحه إليها:
منظومة الفاضل العطار قد عبقت ... منها القلوب بريا نكهة عطرة
لو لم تكن روضة في النحو يانعة ... لما جنى الفكر منها هذه الثمرة
في ظلمة الجهل لو أبدت محاسنها ... والليل داج أرانا وجهها قمره
قالوا جواهر لفظ قلت لا عجب ... بحر البلاغة قد أهدى لنا درره
ثم قال: ومن شغفي بتلك العرائس الخواطر، حملتني بواعث الخواطر، على أن أكتب عليها شرحاً، وأبني على دعائمها صرحا، وأشد بنطاق البلاغة لها كشحا، فوقفت على أقدامي، متردداً في تأخري وإقدامي. إلى أن قال بعد كلام طويل، ليس له في البلاغة مثيل: فشددت نطاق العزم، وتقلدت بصارم الحزم، وقومت سنان يراعي، وبسطت في حومة هذا الميدان باعي، وإني لأرى التوفيق يقوم أمامي، والعناية تقود زمامي
وإذا العناية صادفت عبد الشرا ... نفذت على ساداته أحكامه
فاجتفيت من رياض العلوم الأثمار، واجتليت بنات الأفكار، وافتضضت من المعاني الأبكار، ورصدت من بين النجوم الأقمار، وأتيت بمؤلف يهزأ بقلائد النحور، ويعبث بألحاظ الحور، تتألف نجوم المعارف من مطالع أفلاكه، وتتناثر درر اللطائف من قلائد أسلاكه، جعلته تاجاً لتلك العروس، ونزهة لنفائس النفوس، ونمقته تنميقاً عجيبا، وسبكته سبكاً غريبا، وشحنت زورقه بالدرر، وأثقلت أغصانه بالثمر، وجعلت لشرح أبيات الغزل خواتم، كأنها في أصابع الدهر خواتم، بينت فيها معاني ألفاظه المنظومة اللغوية من كتب صحاح، كقاموس البلاغة والصحاح، وضمنتها سجعاً مأثورا، ودراً منظوماً منثوراً، ونوادر أدبية يرشفها السمع مداما، وتميل الأذاق السليمة إلى محاسنها غراما، لتكمل المناسبة بين الأصل وفرعه، ويحتلب الطالب در الأدب من ضرعه، ويكون ذلك ترويحاً للنفس وتنشيطاً للبدن، بالانتقال من فن إلى فنن.
تنقل فلذات الهوى بالتنقل ... ورد كل صاف لا تقف عند منهل
ولا تتبع قول امرىء القيس إنه ... ضليل ومن ذا يهتدي بمضلل
إلى آخر ما قال، وأجاد في المقال، وهذا الشرح في نحو ثلاثين كراساً قد أحكمه فرعاً وأساساً، ومنها شرح مزدوجته، وقد تناولته أيدي الضياع قبل انتقاله إلى مبيضته، وهو يزيد على مائة كراس، قد أودعها ما يزري باللؤلؤ والماس، ومنها رسالة الأغلال والسلاسل، في مجنون اسمه عاقل، ومنها زهر النبات، في الإنشاء والمراسلات، ومنها نيل الأرب في مثلثات العرب، الذي مدحه محمد أفندي فني بقوله:

يا صاح إن رمت النشب ... ورغبت في أعلى الرتب
وأردت سفراً نافعاً ... من در ألفاظ العرب
فمثلثات قويدر ... هي كاسمها نيل الأرب
هي روضة مطلولة ... منها صبا الآداب صب
يا حسنها من حلية ... تزري بأطواق الذهب
أهدى لئالئها لنا ... بحر خضم في الأدب
أمثلثات قويدر ... سعداً لمن لك قد كتب
قد كاد فني أن يهيم ... بحسن طبعك من عجب
أبدى محاسنها لنا ... بالطبع في الشهر الأصب
الأسعد المولى الذي ... زبد الفنون قد انتخب
ذو الهمة العليا التي ... منها المعارف تكتسب
رحم الإله له أباً ... هو للفضائل خير أب
يا حبذا من عارف ... كل مآثره أحب
يا طالما عن قاصديه ... أزاح بأساء الكرب
وأراحهم مما ألم ... من المشقة والتعب
للحمد والشكر اجتنى ... ولموجب الذم اجتنب
وله غير هذه من التآليف، وجميل التصانيف. ومن أشعاره الفائقة، وأفكاره الرائقة، قصيدته التي مطلعها:
يا طالب النصح خذ مني محبرة ... تلقى إليها على الرغم المقاليد
عروسة من بنات الفكر قد كسيت ... ملاحة ولها في الخد توريد
كأنها وهي بالأمثال ناطقة ... طير لها في صميم القلب تغريد
احفظ لسانك من لغط ومن غلط ... كل البلاء بهذا العضو مرصود

واحذر من الناس لا تركن إلى أحد ... فالخل في مثل هذا العصر مفقود
بواطن الناس في ذا الدهر قد فسدت ... فالشر طبع لهم والخير تقليد
هذا زمان لقد سادت أراذله ... قلنا لهم هذه أيامكم سودوا
وهي قصيدة طويلة، وله قصيدة ثانية، أرسلها إلى بعض الناس أولها:
يا من له خلق كنفحة عنبر ... بالله كف سهام لومك عن بري
وله أيضاً قصيدة قال في براعة استهلالها:
لو كان أمر فؤادي دائماً بيدي ... لما وضعت يدي اليمنى على كبدي
وله مزدودة جميلة متداولة مشهورة. وله غير ذلك من القصائد الطنانة، والمقاطيع الرنانة:
تلك آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار
ومات ولم يدون شعره في ديوان، كما جرت بذلك عادة الشعراء من غابر الأزمان، ومع اشتغاله بالعلم ليلاً ونهاراً، كان يشتغل بالتجارة متعففاً عما في أيدي الناس سراً وجهاراً، ولم يزل في زيادة نعم مع كمال الاحترام، رفيع القدر بين الخاص والعام، حتى انتقل إلى دار السلام، في شهر رمضان سنة ألف ومائتين واثنتين وستين.
ومن العجائب أن محمود أفندي الساعاتي الشاعر المصري المشهور قبل وفاة المترجم بثلاث ليال، رأى في منامه أن الشيخ المترجم توفي، وكان ذلك في مرض موته فانتبه قائلاً:
رحمة الله على حسن قويدر ... فحسب هذه الجملة فكانت تاريخا للسنة التي وقعت فيها الرؤيا. ثم توفي المترجم بعد ذلك بثلاث ليال، فكانت تاريخاً أيضاً لوفاته. ثم إن محمود أفندي المرقوم أشار إلى ذلك في قصيدته الطنانة، التي رثى بها المترجم المرقوم بقوله:
بكت عيون العلا وانحطت الرتب ... ومزقت شملها من حزنها الكتب

ونكست رأسها الأقلام باكية ... على القراطيس لما ناحت الخطب
وكيف لا وسماء العلم كنت بها ... بدراً تماماً فحالت دونك الحجب
يا شمس فضل فدتك الشهب قاطبة ... إذ عنك لا أنجم تغني ولا شهب
لما أصابك لا قوس ولا وتر ... سهم المنية كاد الكون ينقلب
ما حيلة العبد والأقدار جارية ... العمر يوهب والأيام تنتهب
لو افتدتك المنايا عندما فتكت ... بخيرنا لفدتك العجم والعرب
سقى ضريخك غيث العفو منسجماً ... ولا ارتوت بعدك الأغصان والعذب
ولا استهلت عيون القطر باكية ... إلا عليك وإن حلت بك النوب
أمست لفقدك عين العلم سائلة ... ترجو الشفاء وأنى ينجح الطلب
بكت عليك السما والأرض واضطربت ... كأنما نالها من حزنها طرب
ما كنت أحسب قبل الموت أن لدى ... نصف النهار ضياء الشمس يحتجب
لو كان يدري فؤادي يوم نكبته ... كان الفداء وهذا بعض ما يجب
بالرغم مني حياتي بعد مصرعه ... سيان فرقة من أحببت والعطب
قل للذي يدعي من بعده أدباً ... هيهات والله مات العلم والأدب
قضى الذي كان يزهو سيف فكرته ... بشاردات المعاني حين يقتضب
لو كانت السمر من اقلامه اشتبكت ... على المنية ما اهتزت لها قضب
وافاه صرف القضا يسعى وفي يده ... كأس عليها المنايا والردى حبب
لا تطلبن من الأيام مشبهه ... عز الدواء وأنى يشتفى الوصب
فما تريك الليالي مثله أبداً ... قد ينقضي العمر والآمال ترتقب
حلم وعلم وجود في الوجود له ... فضل وفيض سحاب دونه السحب
ليث المنام الذي في صدقه غصص ... قد حال من دونه في اليقظة الكذب
وليث أحكام أحلامي التي نفذت ... قضت بحتف أناس حلمهم غضب
أين المنايا وأين الشامتون به ... والمظهرون نفاقاً أنهم نكبوا
إن الكآبة لا تخفي سرائرهم ... قد يعرفون بسيماهم وإن ندبوا

إن يظهروا الجد من حزن فإنهم ... إذا خلوا بشياطين الهوى لعبوا
لا يشمتوا إن للأيام منقلباً ... عليهم والليالي أمنها رهب
ألم يروا كم أباد الدهر قبلهم ... من القرون وهم من بعدهم ذنب
آمالهم خيمت فيهم وما علموا ... إن المنايا لها في حيهم طنب
لكنهم قوم سوء طال عمرهم ... وقصروا في العلا هذا هو السبب
لو لم يكن خيهم والله يرحمه ... ما عاجلته المنايا وانقضى النحب
إنا فقدنا البقايا الصالحات به ... والصبر عز وجل الويل والحرب
من للقوافي التي كانت محجبة ... إذا بدت وهي بالأحزان تنتقب
لقد سبتها المراثي في مناقبه ... ودمعها في انسجام هامل سرب
كأن كهف المعالي لم يكن أبداً ... للناس عوذاً إذا ما حلت الكرب
لم يبق في الأرض شيء بعده حسن ... إلا خلال له تعزى وتنتسب
لما دعاه إلى الفردوس خالقه ... لباه شوقاً وكادت مهجتي تثب
طافت عليه بها الولدان حاملة ... من اللجين كؤوساً ملؤها ضرب
والحور مذ جاءها قالت مؤرخة ... بشرى فقد جاءنا المقصود والأرب
وقال فيه أيضاً وقد سئل رثاه:
قالوا قضى حسن المناقب فارثه ... فأجبتهم ومدامعي تتحدر
لا أستطيع رثاء من لمصابه ... أضحى لساني في فمي يتعثر
وكانت وفاة هذا الهمام العلي القدر في رمضان كما تقدم سنة ألف ومائتين واثنتين وستين بداء الصدر رحمة الله عليه.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.