محمد بن عبد الملك بن محمد الكرجي

تاريخ الولادة458 هـ
تاريخ الوفاة532 هـ
العمر74 سنة
أماكن الإقامة
  • أصبهان - إيران
  • همذان - إيران
  • بغداد - العراق
  • الكرج - جورجيا

نبذة

مُحَمَّد بن عبد الْملك بْن مُحَمَّد، أَبُو الْحسن ابْن أبي طَالب الكرجي، بِالْجِيم، من الكرج: بَلْدَة أبي دلف، إِحْدَى بِلَاد الْجَبَل. من فضلاء وقته الْمُفْتِينَ. أَخذ من أهل بَلَده عَن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ ثمَّ الكرجي، الْفَقِيه الزَّاهِد، وَأخذ أَيْضا عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ. ذكره شيرويه فَقَالَ: كَانَ ثِقَة فَاضلا.

الترجمة

مُحَمَّد بن عبد الْملك بْن مُحَمَّد، أَبُو الْحسن ابْن أبي طَالب الكرجي، بِالْجِيم، من الكرج: بَلْدَة أبي دلف، إِحْدَى بِلَاد الْجَبَل.
من فضلاء وقته الْمُفْتِينَ.
أَخذ من أهل بَلَده عَن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ ثمَّ الكرجي، الْفَقِيه الزَّاهِد، وَأخذ أَيْضا عَن الشَّيْخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ.
ذكره شيرويه فَقَالَ: كَانَ ثِقَة فَاضلا.
قَالَ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ: سمع بالكرج: مكي بن مَنْصُور الكرجي، وجده أَبَا مَنْصُور عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحسن، وبهمذان: أَبَا بكر مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن فَنْجَوَيْهِ الدينَوَرِي، وَغَيره، وبأصبهان، أَبَا الْخَيْر ابْن ررا، وَغَيره. وببغداد:

أَبَا الْحسن العلاف، وَأَبا عَليّ ابْن نَبهَان، وَغَيرهمَا، وبمكة: أَبَا الْوَفَاء إِسْمَاعِيل بن عبد الْعَزِيز العكي، وَغَيره، وَحدث.
كتب عَنهُ أَبُو سعد السَّمْعَانِيّ الْكثير، وَكَانَ حسن المجالسة، مليح المعاشرة.
ولد فِي ذِي الْحجَّة، سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبع مئة، وَتُوفِّي فِي شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخمْس مئة.
قَالَ أَبُو سعد: أَنْشدني أَبُو الْحسن ابْن أبي طَالب لنَفسِهِ:
(تناءت دَاره عني وَلَكِن ... خيال جماله فِي الْقلب سَاكن)

(إِذا امْتَلَأَ الْفُؤَاد بِهِ فَمَاذَا ... يضر إِذا خلت مِنْهُ المساكن)

وَأَيْضًا:
(وَالْعلم مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدثنَا ... وَمَا سواهُ أغاليط وأظلام)

 

(دعائم الدّين آيَات مبينَة ... وبينات من الْأَخْبَار أَعْلَام)

(قَول الْإِلَه وَقَول الْمُصْطَفى وهما ... لكل مُبْتَدع قهر وإرغام)

وَمن شعره أَيْضا:
(أَلا إِن فِي غسْلي لَطِيفَة حِكْمَة ... أغشى بِنور يَوْم ألْقى إِلَّا هيا)

(وَفِي فرض أَعْضَاء الْوضُوء لطائف ... سيحظى بهَا من كَانَ للطف راجيا)

(فغسلي لوجهي كي أرَاهُ معاينا ... كفاحا وكي أَلْقَاهُ فِي الْخلد خَالِيا)

(وغسلي يَدي كي أخذت كتابيا ... بيمنى يَدي دون الشمَال ورائيا)

(وَأعْطى خلودا ثمَّ ملك مقامة ... بيمناي أعْطوا ذَا وَذَا بشماليا)

(ومسحي جَمِيع الرَّأْس تَاج كَرَامَة ... من الرب يعطيني بقالب فماليا)

(وَفِي غسْلي رجْلي الْقيام لسيدي ... وأرجوه أَن يرضى وينعم بَالِيًا)

(وَفِي سنة التَّطْهِير أتلو رَسُوله ... لأحيى حميدا ثمَّ أكْرم بَالِيًا)

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

 

 

مُحَمَّد بن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن عمر بن مُحَمَّد الكرجي بِالْجِيم أَبُي الْحسن بن أبي طَالب

ولد سنة ثَمَان وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع الحَدِيث من مكي بن عَلان الكرجي وَأبي الْقَاسِم عَليّ بن أَحْمد بن بَيَان الرزاز وَأبي عَليّ مُحَمَّد بن سعيد بن نَبهَان الْكَاتِب وَأبي الْحسن بن العلاف وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْن السَّمْعَانِيّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَجَمَاعَة

وصنف تصانيف فِي الْمَذْهَب وَالتَّفْسِير
ووقفت لَهُ على كتاب الذرائع فِي علم الشَّرَائِع وسأذكر مِنْهُ مسَائِل إِن شَاءَ الله تَعَالَى
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِيهِ أَبُو الْحسن من أهل الكرج رَأَيْته بهَا إِمَام ورع عَالم عَاقل فَقِيه مفت مُحدث شَاعِر أديب لَهُ مَجْمُوع حسن
أفنى طول عمره فِي جمع الْعلم ونشره
وَكَانَ شَافِعِيّ الْمَذْهَب إِلَّا أَنه كَانَ لَا يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح
وَكَانَ يَقُول إمامنا الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فاتركوا قولى وخذوا بِالْحَدِيثِ وَقد صَحَّ عِنْدِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح
قلت وَكَذَلِكَ رَأَيْته قَالَ فِي كِتَابه الذرائع الْقُنُوت فِي الصُّبْح غير ثَابت فِي الحَدِيث بل مَنْهِيّ عَنهُ
وَلم أرتض أَنا مِنْهُ ذَلِك فَإِنَّهُ يصنف الْكتاب على مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ يُفْتِي فِيهِ بِخِلَاف مذْهبه ظنا مِنْهُ صِحَة الحَدِيث وأمامه عقبتان فِي غَايَة الصعوبة صِحَة الحَدِيث وهيهات إِن الْوُصُول إِلَى ذَلِك لشديد عَلَيْهِ عسير وَكَونه يصير مذهبا للشَّافِعِيّ وَهُوَ أَيْضا صَعب
وَقد جاريت الشَّيْخ الإِمَام الْوَالِد فِي هَذَا وَكَانَ سَببا لتصنيفه مُصَنفه الْمُسَمّى بِمَعْنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي وَذكر كَلَام مُحَمَّد بن عبد الْملك هَذَا وَأَنه ترك لأَجله قنوت الصُّبْح ثمَّ تبين لَهُ عدم صِحَّته وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتْرك قنوت الصُّبْح وَإِنَّمَا ترك الْقُنُوت على رعل وذكوان
وَأطَال الشَّيْخ الإِمَام فِيهِ وأطاب فلينظره من أَرَادَهُ
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَحكى لي الكرجي قَالَ رَأَيْت لَيْلَة الشَّيْخ أَبَا إِسْحَاق فِي النّوم فَسلمت عَلَيْهِ وَأَرَدْت أَن أقبل يَده فَأَعْرض عني وَامْتنع فَقلت لَهُ يَا سيدنَا أَن من جملَة غلمانك وأذكر الْمُهَذّب من تصنيفك فِي الدَّرْس
فَقَالَ لي لم تركت الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح
فَقلت لَهُ إِن الشَّافِعِي قَالَ إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي
وشرعت مَعَه فِي شرح الحَدِيث وَهُوَ يصغي إِلَيّ إِلَى أَن تَبَسم فِي وَجْهي
انْتهى
قلت وَقد حكى الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطى هَذِه الْحِكَايَة وَذكر أَن هَذَا الكرجي من أكَابِر أَصْحَاب الشَّيْخ أَبى إِسْحَاق وَلَعَلَّه أَخذ ذَلِك من قَوْله أَنا من غلمانك وَالْمَذْكُور لم يصحب أَبَا إِسْحَاق وَلَا رَآهُ وَإِنَّمَا اعتزى إِلَيْهِ لتدريسه كِتَابه

وَقد حكى لي وَالِدي رَحمَه الله عَن شَيْخه الدمياطي هَذَا فَقلت لَهُ لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك وَلم يكن وَالِدي يعرف تَرْجَمَة هَذَا الكرجي فَكتب عني هَذَا فِي كِتَابه معنى قَول الإِمَام المطلبي إِذا صَحَّ الحَدِيث فَهُوَ مذهبي
وَقَالَ قَالَ لي ابْني عبد الْوَهَّاب إِنَّه لَيْسَ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي إِسْحَاق وَلَكِن من أَصْحَاب أَصْحَابه وَكَانَ يدرس كِتَابه
وَكَانَ الْوَالِد رَحمَه الله يعْتَمد مَا أقوله فَلذَلِك يعز إِلَيّ غَالِبا فِي تصانيفه مَا كَانَ يسمعهُ مني وَيَقَع مِنْهُ موقع الِاسْتِحْسَان أحسن الله جزاءه
وَقد ذكر هَذَا الشَّيْخ فِي كِتَابه الذرائع أَنه أَخذ الْفِقْه عَن أبي مَنْصُور مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ عَن الإِمَام أبي بكر عبد الله بن أَحْمد الزاذقاني عَن الشَّيْخ أبي حَامِد الإسفرايني
ثمَّ قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَله قصيدة بائية فِي السّنة شرح فِيهَا اعْتِقَاده واعتقاد السّلف تزيد على مِائَتي بَيت قرأتها عَلَيْهِ فِي دَاره بالكرج

قلت ثَبت لنا بِهَذَا الْكَلَام إِن ثَبت أَن ابْن السَّمْعَانِيّ قَالَه أَن لهَذَا الرجل قصيدة فِي الِاعْتِقَاد على مَذْهَب السّلف مُوَافقَة للسّنة وَابْن السَّمْعَانِيّ كَانَ أشعري العقيدة فَلَا نعترف بِأَن القصيدة على السّنة واعتقاد السّلف إِلَّا إِذا وَافَقت مَا نعتقد أَنه كَذَلِك وَهُوَ رأى الْأَشْعَرِيّ
إِذا عرف هَذَا فَاعْلَم أَنا وقفنا على قصيدة تعزى إِلَى هَذَا الشَّيْخ وتلقب بعروس القصائد فِي شموس العقائد نَالَ فِيهَا من أهل السّنة وباح بالتجسيم فَلَا حَيا الله معتقدها وَلَا حيى قَائِلهَا كَائِنا من كَانَ وَتكلم فِيهَا فِي الْأَشْعَرِيّ أقبح كَلَام وافترى عَلَيْهِ أَي افتراء
ثمَّ رَأَيْت شَيخنَا الذَّهَبِيّ حكى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ الَّذِي حكيته ثمَّ قَالَ قلت أَولهَا
(محَاسِن جسمي بدلت بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب)
وَمِنْهَا
(عقائدهم أَن الْإِلَه بِذَاتِهِ ... على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب)
وَمِنْهَا
(فَفِي كرج الله من خوف أَهلهَا ... يذوب بهَا البدعي يَا شَرّ ذائب)
(يَمُوت وَلَا يقوى لإِظْهَار بِدعَة ... مَخَافَة حز الرَّأْس من كل جَانب)
انْتهى مَا حَكَاهُ الذَّهَبِيّ
وَكَانَ يتَمَنَّى فِيمَا أعرفهُ مِنْهُ أَن يحْكى الأبيات الْأُخَر ذَات الطَّامَّات الْكبر الَّتِي سأذكرها لَك وَلَكِن يخْشَى صولة الشَّافِعِيَّة وَسيف السّنة المحمدية
وَأَقُول أَولا أَنِّي ارتبت فِي أمره هَذِه القصيدة وَصِحَّة نسبتها إِلَى هَذَا الرجل وَغلب على طني أَنَّهَا إِمَّا مكذوبة عَلَيْهِ كلهَا أَو بَعْضهَا وَالَّذِي يرجح أَنَّهَا مكذوبة عَلَيْهِ كلهَا أَن ابْن الصّلاح ترْجم هَذَا الرجل وَحكى كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ إِلَّا فِيمَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ القصيدة فَلم يذكرهُ فَيجوز أَن يكون ذَلِك قد دس فِي كتاب ابْن السَّمْعَانِيّ ليصحح بِهِ نِسْبَة القصيدة إِلَى الكرجي وَقد جرى كثير مثل ذَلِك وَيُؤَيّد هَذِه أَيْضا أَن ابْن السَّمْعَانِيّ سَاق كثيرا من شعره وَلم يذكر من هَذِه القصيدة بَيْتا وَاحِدًا وَلَو كَانَ قد قَرَأَهَا عَلَيْهِ لَكَانَ يُوشك أَن يذكر وَلَو بَعْضهَا
وَيحْتَمل أَن يكون لَهُ بَعْضهَا وَلَكِن زيدت الأبيات الْمُقْتَضِيَة للتجسيم وللكلام فِي الأشاعرة وَيُؤَيّد ذَلِك أَن القصيدة الْمشَار إِلَيْهَا تزيد على الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَابْن السَّمْعَانِيّ قَالَ تزيد على الْمِائَتَيْنِ وَظَاهر هَذِه الْعبارَة أَنَّهَا تزيد بِدُونِ عقد وَأَنَّهَا لَو كَانَت مِائَتَيْنِ وأزيد من أَرْبَعِينَ لقَالَ نزيد على الْمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا أَن أبياتها غير متناسبة فَإِن بَعْضهَا شعر مَقْبُول وَأَظنهُ شعره وَبَعضهَا وَهُوَ الْمُشْتَمل على القبائح فِي غَايَة الرداءة لَا يرضى بِهِ من يحسن الشّعْر
وَهَا أَنا أحكي لَك بَعْضهَا
فأولها يَقُول
(محَاسِن جسمي شانها بالمعايب ... وشيب فودي شوب وصل الحبائب)
(وَأَقْبل شيبي والشبيبة أَدْبَرت ... وَقرب من أحزاننا كل غارب)
وَمِنْهَا أَيْضا
(وَلَيْسَ يرد الْعُمر مَا قلت آهة ... وَلَا الْحزن يدني قاصيات الشبائب)

وَهَذَا كُله شعر مَقْبُول لَا يصل إِلَى دَرَجَة الْحسن وَلَا ينزل إِلَى دَرَجَة الرَّد كَمَا يعرف ذَلِك من يَذُوق الْأَدَب
مِنْهَا أَيْضا
(عقائدهم أَن الْإِلَه بِذَاتِهِ ... على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب)
وَهَذَا من أسهل مَا فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُنكر مَعْنَاهُ إِلَّا قَوْله بِذَاتِهِ وَهِي عبارَة سبقه إِلَيْهَا ابْن أبي زيد الْمَالِكِي فِي الرسَالَة إِلَّا أَنه بَيت سمج مَرْدُود فَإِن قَوْله على عَرْشه مَعَ علمه بالغوائب كَلَام لَا ارتباط لبعضه بِبَعْض فَإِنَّهُ لَا ارتباط لعلم الْغَيْب بِمَسْأَلَة الاسْتوَاء
وَقَوله بالغوائب إِن أَرَادَ جمع غيب فَهُوَ لحن فَإِن الْغَيْب لَا يثني وَلَا يجمع لِأَنَّهُ اسْم جنس وَلَئِن جمع فَجَمعه غيوب وَإِن أَرَادَ جمع غَائِبَة لحن عَلَيْهِ
ثمَّ سَاق أبياتا فِي الْيَدَيْنِ والكيف وَالصَّوْت والضحك وَوضع الْقدَم والأصابع وَالصُّورَة والغيرة وَالْحيَاء وأنحاء ذَلِك
وَلَيْسَ فِيهِ كَبِير أَمر إِلَّا أَن جمعهَا دَلِيل مِنْهُ على محاولة التجسيم فَإِنَّهَا لم ترد فِي الشَّرِيعَة مَجْمُوعَة بل مفرقة وَفِي كل مَكَان قرينَة ترشد إِلَى المُرَاد فَإِذا جمعهَا جَامع أضلّ ضلالا مُبينًا
ثمَّ ذكر التجسيم والتجهم والاعتزال والرفض والإرجاء وَجمع الْكل فِي بَيْتَيْنِ فَقَالَ

 (طرائق تجسيم وطرق تجهم ... وسبل اعتزال مثل نسج العناكب)
(وَفِي قدر والرفض طرق عمية ... وَمَا قيل فِي الإرجاء من نعب ناعب)
ثمَّ قَالَ
(وخبث مقَال الْأَشْعَرِيّ تخنث ... يضاهي تلويه تلوي الشغازب)
(يزين هَذَا الْأَشْعَرِيّ مقاله ... ويقشبه بالسم ياشر قاشب)
(فينفي تفاصيلا وَيثبت جملَة ... كناقصه من بعد شدّ الذوائب)
يؤول آيَات الصِّفَات بِرَأْيهِ ... فجرأته فِي الدّين جرْأَة خارب)
(ويجزم بالتأويل من سنَن الْهدى ... ويخلب أَغْمَارًا فأشئم بخالب)
وَهَذَا كَلَام من لَا يستحيي من الله وَالْغَرَض على كَلَامه لائح فَإِن أهل الْبدع الَّذين هم أهل الْبدع حَقًا بِلَا خلاف بَين الْمُحدثين وَالْفُقَهَاء هم المجسمة والمعتزلة والقدرية وهم المجسمة والجهمية والرافضة والمرجئة لم يشْتَغل بهم إِلَّا فِي بَيْتَيْنِ وَأطَال فِي الأشاعرة وَلَا يخفى أَن الأشاعرة إِنَّمَا هم نفس أهل السّنة أَو هم أقرب النَّاس إِلَى أهل السّنة
ثمَّ إِن قَوْله مقَال الْأَشْعَرِيّ تخنث من ردىء الْكَلَام وَمن أعظم الافتراء
ويعجبني من كَلَام الشَّيْخ كَمَال الدّين بن الزملكاني فِي رده على ابْن تَيْمِية قَوْله إِن كَانَت الأشاعرة الَّذين فيهم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني والأستاذ أَبُو إِسْحَاق الإسفرايني وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ وهلم جرا إِلَى الإِمَام فَخر الدّين مخانيث فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فَحل
وَأَقُول إِن كَانَ هَؤُلَاءِ أَغْمَارًا والأشعري يخلبهم فَلَيْسَ بعد الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة فطن فيالله وَالْمُسْلِمين
ثمَّ قَالَ يَعْنِي الْأَشْعَرِيّ
(وَلم يَك ذَا علم وَدين وَإِنَّمَا ... بضاعته كَانَت مخوق مداعب)
وَفِي هَذَا الْبَيْت من الْكَذِب مَا لَا يخفى على لَبِيب فَإِن أحدا من الطوائف لم يُنكر علم الْأَشْعَرِيّ بل اتَّفقُوا على أَنه كَانَ أوحد عصره لَا يخْتَلف فِي ذَلِك لَا من ينْسبهُ إِلَى السّنة وَلَا من ينْسبهُ إِلَى الْبِدْعَة
وَأما دينه فاتفقوا على زهده وورعه
ثمَّ قَالَ
(وَكَانَ كلاميا بالاحساء مَوته ... بِأَسْوَأ موت ماته ذُو السوائب)
وَهَذَا أَيْضا كذب وَلم يبلغنَا أَنه مَاتَ إِلَّا كَمَا مَاتَ غَيره من الصَّالِحين وَلم يمت بالأحساء
ثمَّ قَالَ
(كَذَا كل رَأس للضلالة قد مضى ... بقتل وصلب باللحى والشوارب)
كجعد وجهم والمريسي بعده ... وَذَا الْأَشْعَرِيّ الْمُبْتَلى شَرّ دائب)

فقبحه الله مَا أجرأه على الله أَي بلية ابتلى بهَا الْأَشْعَرِيّ وَقد مَاتَ فرَاشه حتف أَنفه وَمَات يَوْم بعد يَوْم مَاتَ والمسلمون باكون وَأهل السّنة ينوحون وَأي صلب أَو قتل كَانَ وَكَيف يجمع بَينه وَبَين جعد وجهم والمريسي وَهَؤُلَاء ثَلَاثَة لَا يخْتَلف فِي بدعتهم وَسُوء طريقتهم وَمَا أبرد هَذَا الشّعْر وأسمجه
ثمَّ قَالَ هَذَا الْبَيْت
(معايبهم توفّي على مدح غَيرهم ... وَذَا الْمُبْتَلى الْمفْتُون عيب المعايب)
فقبحه الله جعل شيخ السّنة شرا من هَؤُلَاءِ المبتدعين
فَهَذَا مَا أردْت حكايته مِنْهَا وَلَو أمكن إعدامها من الْوُجُود كَانَ أولى والأغلب على الظَّن أَنَّهَا ملفقة مَوْضُوعَة وضع مَا فِيهَا من الخرافات من لَا يستحي
ثمَّ أَقُول قبح الله قَائِلهَا كَائِنا من كَانَ وَإِن يكن هُوَ هَذَا الكرجي فَنحْن نبرأ إِلَى الله مِنْهُ إِلَّا أَنِّي على قطع بِأَن ابْن السَّمْعَانِيّ لَا يقْرَأ هَذِه الأبيات وَلَا يسْتَحل رِوَايَتهَا وَقد بيّنت لَك من الْقَرَائِن الدَّالَّة على أَنَّهَا مَوْضُوعَة مَا فِيهِ كِفَايَة
توفّي الكرجي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَأورد ابْن السَّمْعَانِيّ كثيرا من شعره وَكله لَا بَأْس بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا إِذا وقف عَلَيْهِ أديب وعَلى الأبيات القبيحة الَّتِي اشْتَمَلت عَلَيْهَا هَذِه القصيدة قضى بِأَن قَائِلهَا هَذَا غير قَائِل ذَاك
قَالَ أَبُو الْحسن الكرجي فِي كِتَابه الذرائع إِن خلاف المعاطاة فِي البيع جَار فِي الْإِجَارَة
وَهَذَا عزاهُ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب إِلَى الْمُتَوَلِي وَآخَرين وَأَنَّهُمْ قَالُوا خلاف المعاطاة يجْرِي فِي الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْهِبَة

قلت وَيَنْبَغِي أَن يكون الْأَصَح فِي الْإِجَارَة وَالرَّهْن وَالْمُخْتَار وَالرَّاجِح عدم الِاكْتِفَاء إِذْ لَا عرف فيهمَا وَلَا عَادَة بِخِلَاف البيع وَالْهِبَة
وَذكر فِي كتاب الذرائع أَنه يحرم أكل الشواء الَّذِي يغطى حارا فيحتبس بخارة فِيهِ لِأَنَّهُ سم قَاتل وكل مَا يستقذر فِي الْغَالِب إِلَّا المَاء الآجن وَاللَّحم المنتن
انْتهى
وَقد حكى فِي الرَّوْضَة وَجها أَيْضا أَنه يحرم أكل اللَّحْم المنتن أَيْضا وَأَن العمراني قَالَ إِنَّه نجس على هَذَا الْوَجْه
وَلم أر هَذِه الزِّيَادَة فِي كَلَام العمراني وَمَا ذكره الكرجي فِي الشواء إِن صَحَّ أَنه قَاتل فَظَاهر لَا شكّ فِيهِ

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي