مكي بن محمد سعيد بن يس الجوخي الحلبي الدمشقي

تاريخ الوفاة1192 هـ
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا

نبذة

مكي الجوخي ابن محمد سعيد بن يس بن سليمان بن طه بن سليمان الجوخي الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المولد الفاضل البارع الأديب اللغوي الضابط كان أحد البارعين في الأدب وفنونه وله شعر حسن واطلاع تام في اللغة مع ضبطها وكان يتفحص عن النكات والأحاسن من الأشعار والفوائد.

الترجمة

مكي الجوخي ابن محمد سعيد بن يس بن سليمان بن طه بن سليمان الجوخي الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المولد الفاضل البارع الأديب اللغوي الضابط كان أحد البارعين في الأدب وفنونه وله شعر حسن واطلاع تام في اللغة مع ضبطها وكان يتفحص عن النكات والأحاسن من الأشعار والفوائد ويضبطها مع باع في النحو والفقه وغيره ذا ثروة مشتغلاً بالمتاجرة والاكتساب من ذلك قدم جده يس من حلب إلى دمشق في حدود سنة ستين وألف ونزل في خان الجوخية بدمشق في تجارة فلما بلغ الخبر إلى مفتي دمشق العلامة المولى أحمد المهمنداري الحلبي أرسل بعض خدمه إليه وأنزله عنده وكان يتردد إلى الخان المذكور ويعود يبيت عنده ثم بعد مدة اشترى داراً في محلة مدرسة الباذرائية وتوطن بها وتزوج وصار له أولاد منهم محمد سعيد والد المترجم ثم ولد لمحمد سعيد أولاد منهم المترجم وهو أنجبهم ونشأ في حجر والده وقرأ القرآن على الشيخ حسين البيتماني وأخذ عن غيره ثم طلب العلم واجتهد في تحصيله فقرأ على الشيخ محمد الغزي وهو أول شيخ أخذ عنه ورباه وأخذ عن غيره من جماعة أفاضل أجلاء وارتحل إلى حلب وأخذ عن عالمها الشيخ طه الجبريني والشيخ محمد المواهبي ولما حج في سنة ثمانين ومائة وكان والدي في تلك السنة حاجاً وكنت مع والدي وكان سني دون البلوغ فأخذ عن علماء الحرمين وصار له تآليف فاختصر شرح الأذكار للنووي واختصر شرح الصدور وله مجاميع وشعر وفوائد وله ضبط في اللغة والأدبيات وغير ذلك وله ديوان شعر وبالجملة فقد كان من أدباء ذلك القرن ومن شعره الباهر ما مدح به الجناب الرفيع صلى الله عليه وسلم بقوله
بك يا سيد الأنام التجائي ... وعياذي من طارق اللأواء
يا ضياء الوجود يا رحمة الل ... هـ التي ترتجي لكشف البلاء
يا نبيّ الهدى وخير البرايا ... من حباه الآله بالاسراء
يا مغيث الملهوف يا من بعليا ... هـ التجأنا في البؤس والضراء
أنت شمس العلوم بحر العطايا ... منبع الفضل سيد الأنبياء
أنت مصباح كل جود وتهدى ... كل سار إلى الطريق السواء
فنداك المأمول في كل ضيق ... ومرجي بشدّة ورخاء
لك أشكو من ضعف حالي إني ... أرتجي لمحة تزيل عنائي
كن ملاذي في النائبات مغيثي ... من صروف الزمان والبلواء
فعليك الصلاة بعد سلام ... معآل وصحبك النجباء
ما تغنت حمائم الروض صبحاً ... أو سرى البرق في دجى الظلماء
وقوله من نبوية أيضاً
ويح قلبي من غزال شردا ... من جفاه كم أرى عيش ردى
بعت روحي في هواه رغبة ... ذبت من شوقي عليه كمدا
كيف أسلو وهواه قاتلي ... وجفوني شابهت قطر الندى
قلت يا من بالجفا أتلفني ... جد بوصل ولك الروح فدا
وأبحني نظرة أشفي بها ... كبد أذاق العنا والنكدا
أنا راض بالذي يفعله ... جوره عذب وإن لج العدا
وبأكناف الحمى لي جيرة ... حبهم فرض على طول المدى
قمت ليلاً في روابي شعبهم ... كي أرى نحو حماهم منجدا
أنشد الحيّ فلم ألف به ... من مجيب مسعد إلا الصدى
قلت هل أبصرت ظبياً شرداً ... قال هل أبصرت ظبياً شردا
يا لقومي إنني ذو شغف ... في هواه وهوى الغيد ردى
ومنها
ثم عرّج نحو وادي طيبة ... لحمى طه التهامي أحمدا
إن لي قلباً لدى أطلاله ... شجا في حلل الوجد ارتدى
سيد الأكوان ذو المجد ومن ... نرتجي منه لنا فيض الندى
يا رسول الله يا غوث الورى ... يا سراجاً للمعالي والهدى
أدرك أدرك مستهاماً دنفا ... لك شوقاً ليس يحصي عددا
قد وردنا نرتجي فيض الرضا ... ومن الجدوى طلبنا المددا
فعليك الله صلى دائماً ... ما حدا الحادي وما الطير شدا
ولصاحب الترجمة
ويلاه من رشأ تهفو النفوس له ... حلو الشمائل يسبينا بطلعته
نسج بعارضه أم أحرف رقمت ... فوق اللجين فراقت حسن بهجته
كأنما نملة مشت أناملها ... على مداد فدبت فوق وجنته
هو من قول الشيخ عبد الرحمن الموصلي
أنبت عذار أم شقائق روضة ... مشى فوقها نمل بأرجله حبر
وهو ناظر إلى قول العارف الشيخ أيوب
انظر إلى السحر يجري في لواحظه ... وانظر إلى دعج في طرفه الساجي
ر انظر إلى شعرات فوق وجنته ... كأنما هن نمل دبّ في عاج
ومن ذلك قول بعضهم
كأن عارضه والشعر عارضه ... آثار نمل بدت في صفحة العاج
توحلت في لطيم المسك أرجلها ... فعدن راجعة من غير منهاج
وما أحسن قول البارع أحمد الشاهيني
دب العذار بخدّه ثم انثنى ... فكأنه في وجنتيه مروّع
نمل يحاول نقل حبة خاله ... فتمسه نار الخدود فيرجع
وللمترجم متغزلاً
أقسمت بالدر من ثغر وما نسقا ... والخال من خدّه الباهي وما عبقا
وليل شعر على الأجياد منجدل ... وبارق من ثناياه لقد برقا
ما شمت قط لباهي حسنه شبهاً ... بين الظباء فسبحان الذي خلقا
هو الغزال فما أحلى تلفته ... كم عاشق هام فيه مذله عشقا
يسبي العقول إذا ما ماس في حلل ... من الجمال وكم قلب به علقا
مقسم الوجه منه البدر مفتضح ... أنى يضاهيه بدر تمّ واتسقا
فاق الحسان سنى من نور غرّته ... فلاح في بدر تم فوق غصن نقا
أفديه ذا هيف يرنو لعاشقه ... كالظبي ملتفتاً كالغصن ممتشقا
ذو مبسم برد قد راق منهله ... والمسك من طيبه الفوّاح قد نشقا
أعيذ طلعته من شرّ حاسده ... وغاسق وعذول لومه غسقا
قد ماس في حسنه يختال متشحاً ... ومال في تيهه عجباً وما رمقا
وراش لي أسهماً من هدب مقلته ... أصمت فؤاد المعنى عندما رشقا
يا ويح قلبي مما قد لقيت أسى ... في حبه زاد وجدي والحشا خفقا
يا أيها المعرض المسبي بقامته ... رفقاً بقلب كئيب زدته حرقا
كسوت جسمي نحولاً في هواك ولم ... يدع صدودك والهجران لي رمقا
كم ذا أقاسيه من فرط الغرام ومن ... تلوّع واصطباري عنك قد نفقا
عطفاً على صبك المضني الشجي كرما ... قد طلق النوم جفني واكتسى أرقا
وجد بوصل فدتك الروح يا أملي ... وارحم حشاء بنيران الجوى احترقا
وله مخمساً
قفا ننشد الأحباب علّ الندا يجدي ... بسفح اللوى والبان من علمي سعدي
وقولاً إذا ما هيمنت نسمة الرند ... ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجداً على وجدي
إذا ما وميض البرق لاح وأوضحا ... وأبدى حديث الشوق عني وصرحا
أهيم بذكراهم وجسمي قد انمحى ... وإن هتفت ورقاء في رونق الضحى
على فنن غض النبات من الرند
أحن إلى الأوطان من ذلك اللوى ... وقلبي بنار الهجر وجداً قد اكتوى
فأوّاه من وجدي ومن لوعة النوى ... بكيت فأبكاني الذي بي من الجوى
ومن شدة البلوى ومن ألم الفقد
أهيل الحمى ظهري لبعدكم انحنى ... نأيتم فبات القلب يشكو من الضنى
وقلتم بأن الصبر يعقبه المنى ... بكل تداوينا فلم يشف ما بنا
على أن قرب الدار خير من البعد
رحلنا عن الأوطان رحلة طامع ... وقلنا حداة العيس جدّوا بوالع
عسى ندرك المأمول من غير مانع ... على أن قرب الدار ليس بنافع
إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ
ومن نثره وقد أرسل بها إلى بعض أصحابه لأمر اقتضى ذلك حرس الله تعالى جناب سيدنا نتيجة الزمان ومعدن الفضائل والعرفان ومحير أرباب اللسن بطلاقة اللسان والسالب برقة ألفاظه كل انسان الرفيق الكامل الذي تعقد على مثله الخناصر وتشد الأنامل من قلد جيد الزمان بالأيادي وأخرس بفصاحته سحبان وقسا الأيادي وأخجل سحب الغمام بالأيادي وأروي بمورده العذب كل صادي أما بعد فمتى غابت شمس الود حتى اكفهر ليل المقاطعة واسود ومتى تقشع سحاب المحبة حتى لم ينبت في رياضها حبه ومتى كان هذا الجرح حتى اندمل ومتى سل حسام المحاربة حتى كل وفل ولكن إذا كان المحب قليل الحظوظ فكل ما يبديه بعين السخط ملحوظ
إذا كان المحب قليل حظ ... فما حسناته إلا ذنوب
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيا والذي أمره الأمرما صاحبتك طمعاً فيما في يديك ولا واخيتك للاعتماد عليك والاحتياج إليك ولا تقربت إليك لتنقذني من المهالك ولا واددتك لتواسيني بمالك ولكني كنت أعدك عدة للأعدا وأعدك إذا عدت الأصدقاء فرداً وأفزع إليك إذا اشتد الكرب وأشكو إذا أعضل الخطب أموراً يتوجع منها القلب
ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة ... يواسيك أو يسليك أو يتوجع
من غص داوي بشرب الماء غصته ... فكيف يفعل من قد غص بالماء
كنت في كربتي أفرّ إليهم ... فهم كربتي فأين الفرار
على أنني ما أنكرت ودك المستطاب ومعروفك الذي هو أصفى من الشراب ولا جحدت ما أثقلت كاهلي به من الأيادي بل ذكرتها ونشرتها في كل نادي
إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر
شعر
لست أشكو من امتناعك عني ... يا منى القلب حين عز الاياب
سوء حظي أنالني منك هذا ... فعلى الحظ لا عليك العتاب
فإذا كان هذا الأمر اقتضاه الحال فحلمكم أوسع وإن اتسع المجال والصديق هو الذي يعد للشدة والضيق والرفيق هو الذي يكون بالرفيق رفيق
أعلى الصراط تكون منك مودّة ... أم في المعاد تكون من خلاني
إني قصدتك للشدائد فانتبه ... والأمر في الأخرى إلى الرحمن
فيا سيدي ما هذا التجني والأعراض والتسخط والانقباض فبعض هذا الجفاء يا مولاي مقنع وأقل ما رأيته منك للقلب مؤلم وموجع
فلا خير فيمن غير البعد قلبه ... ولا في وداد غيرته العوامل
ولقد أكثرت في الالحاح والطلب وأزعجت نفسك غاية الازعاج وأتعبتها غاية التعب وحملتها ما لا تطيق وأوقعتها في أشد الضيق فإذا كان هذا الأمر سريع الفرج فلا يكن في صدرك حرج
وخفض عليك فإن الأمور ... بكف الآله مقاديرها
شعر
غصص الحياة كثيرة ولقد ... تنسى الحوادث بعضها بعضاً
ولقد بلغنا من بعض الأحباب إنك أكثرت من الملامة والعتاب فسبحان الله ما هذا القلق والاضطراب كإنما تقطعت بيننا العلائق والأسباب أم هل سمعت إنها ضاقت بنا المذاهب أم قصرت يدنا عن درك هاتيك المطالب أم أخبرت اننا على جناح سفرأم جحدنا حقاً في قبلنا اشتهر أم عرفنا بالمطل والافلاس أم اشتهرنا بأكل أموال الناس وذكرت أن أباك وبخك على صحبتنا لهذا الأمر الخطير وعيرك بمودتنا غاية التعيير كأنه ظن أننا انتسبنا إليك لتواسينا بمالك أما علم إننا بفضل الله غنيون عن ذلك وقد اعتذرت عن ذلك بأعذار لا تقبل بناؤها أو هي من بيت العنكبوت لا يستقر لها حقيقة ولا ثبوت ولكن لما رأيتك ألححت غاية الالحاح في الطلب وأبديت ما كمن من الغضب وأظهرت من النفرة ما فيه نهاية العجب وقطعت للمودة كل سبب ورأيت أن تركنا أولى وأنسب فلذلك اقتحمت هذه الأخطار وتعللت بنسج الأعذار لأنظر انتهاء هذا الأمر وأطلع على مكنون هذا السر وأتحقق حقيقة صحبتك وأنتهي إلى نهاية مودتك فإن في هذا الباب تذكرة لأولي الألباب وفي التتبع والاستحضار تبصرة لأولي الأبصار
الشيء يظهر في الوجود بضده ... لولا الحصى لم يبد فضل الجوهر
ألم تر أن العقل زين لأهله ... وأن تمام العقل حسن التجارب
وأن النقود تظهر ما كمن للوجود وتنقد الرجال وتترجم عن حقيقة المال وتفرق بين الصويحب والصاحب وتبين الصادق في محبته من الكاذب كما قال من جاء بالحجة البيضاء فيمن مدح عنده هل عاملته بالصفراء والبيضاء هذا والمرجو عدم المؤاخذة بما نطق به لسان اليراع وأودعه في سطور الطروس على أكمل ابداع وإن أخطأنا فالصفح من جنابكم مأمول والعذر عند أمثالكم مقبول والسلام فأجابه عنها بقوله
رسالة ودّ من محب لقد أتت ... من الفضل والآداب خالصة السبك
حوت حكماً أبدت نهاية فحره ... وسؤدده بين الأنام بلا شك
فكم مفخر في طيها غير مفترى ... به ضاع نشر الروض والطيب والمسك
وكم نطقت عتباً نشا عن ديانة ... وأفصح لوم عن سماحته تحكي
مخدرة يهدي بها كل عاقل ... مهذبة تستوجب النسخ بالصك
يلين لها الطبع الشديد لأنها ... محببة إذ تنتمي لذوي الملك
تراكيبها محمودة فلذا غدت ... مسهلة لكنها من سنامكي
فيالها من رسالة تنبئ عن قصارى أمر منشيها ومطمح نظر مبديها ومنشيها فكم أطنب فيها لنيل مناه وأبدى حكماً هي نهاية شرفه وعلاه فهي تنادي بأفصح عباره لا بالطف اشاره
ظلم الذي يعزي التجار إلى العلا ... حسب التجار دفاتر الحسبان
همم لهم بين النقود وصرفها ... والسعر والمكيال والميزان
ولقد أمسكت عما به أطنبت وأغربت وأعرضت عن جواب ما أبديت وأعربت واخترت الايجاز على الاطناب لأن الوقت غير مستطاب والمحل غير قابل للخطاب على أن ترك الجواب أولى من الجواب وفي هذا القدر كفاية وفي امساك عنان اليراع صواب انتهى ومن شعر المترجم ما كتبه إلي مادحاً بقوله
يا تائهاً ببديع لفظ كلامه ... وبنثر درّ من جمان نظامه
وبحسن آداب ورونق منطق ... وبما حواه من ذكا أفهامه
خضعت مصاقع عصره لما رأوا ... فضفاض فضل فاض من انعامه
فغدا الفصيح لديه أبكم عاجزاً ... وتبين الملسان من تمتامه
وانقادت الفصحاء طوع يمينه ... وغدت له منقادة بزمامه
وأهاله من أروع وسميذع ... أربت فضائله على أقوامه
لما رأوه فاق كل مهذب ... كل أطاع بلفظه وبهامه
فاق الألى ورقى العلا بشهامة ... فغدا لعمرك شامة في شامه
وإذا ثوى في مجمع أو محفل ... فتراه بدراً كاملاً بتمامه
لا بدع فهو الشهم نخبة دهرنا ... وخليلنا المفضال في اعظامه
نجل الكرام إلا مجدين بلا مرا ... من قد سموا كالبدر مع أنجامه
ورث الفضائل كابراً عن كابر ... بل نال فخر المجد يوم فطامه
من عمني من فضله بهدية ... من جوده بل من ندى انعامه
يمضي الزمان ولا أقوم بشكره ... حسبي بذاك سموّه بمقامه
فالله يوليه الجزاء من فضله ... ويعمه بالفيض من اكرامه
وتدوم رفعته على أقرانه ... بمزيد عز شامخ بدوامه
مولاي إني قد أتيتك زائراً ... ومهنئاً بالعيد في أيامه
تحيا وتبقى في سرور عائداً ... في طيب عيش في مدى أعوامه
ما بلبل الأفراح قام مغرّداً ... فوق الغصون الملد في ترنامه
وكتب إلي يطلب مني مبراة أقلام
يا سيداً حاز من كل الفنون ومن ... بديع خط كذا آلات أرقام
أرجوك مولاي مبراة تساعدني ... على الكتابة في اصلاح أقلامي
وكتب إلي أيضاً مرة قوله وقد عاقه المطر عن زيارتنا
أيا مولى له شوقي ... ومالي عنه مصطبر
مرادي أن أزوركم ... ولكن عاقني المطر
ومثل ذلك جرى لي لما كنت في الروم حصل في بعض الأيام مطر وثلج وكان قد دعاني أحد مواليها إليه فكتبت إليه معتذراً عن الزيارة بقولي
أمولاي يا شمس المحامد والبها ... ويا واحداً حاز المعالي مع الفخر
إلى بابك العالي أروم زيارة ... فتمنعني الأقدار بالثلج والقطر
فلا تك للداعي المرادي مؤاخذاً ... فمثلك من يعفو عن الذنب والوزر
وكتب المترجم إلي أيضاً ضمن رسالة قوله
أما والله يا بدر المعالي ... ومن قد جاد لي ببديع حبك
ومن أولاك مكرمة ومنا ... وصير جنتي بنعيم قربك
لأنت أعز من طرفي وقلبي ... فسل عما أقول شهود قلبك
ويوم لا أرى ذاك المحيا ... يلوح فذاك يوم عند ربك
وكان بدمشق غلام عراقي بغدادي أسفر وجهه المنير وراق رونق جماله النضير فأنشد المترجم فيه مخبراً عما في الضمير قوله
أفدي عراقياً تملك مهجتي ... باهي الجمال كبدر تمّ مشرق
فنحوت غرباً أبتغيه مموّهاً ... عن عاذلي والقصد نحو المشرق
وأنشد فيه غيره من أدباء دمشق فمنهم السيد حسين بن حمزة الدمشقي الحسيني فقال
أرنو إلى وجهك من غاية ... قصوى وأرضى بقليل النظر
ويقبل الليل فيخفى سني ... وجهك عن عيني ويعشى البصر
فلم ترى يخفيه وهو الذي ... من شآنه اظهار نور القمر
وللمترجم في مدح باب السلام
يا حبذا باب السلام فإنها ... هي جنة تجري بها الأنهار
فاقت على نزه الشآم نضارة ... وبوصفها قد حارت الأفكار
يترقرق الماء الزلال بها كأعم ... دة الرخام طفا عليه غبار
وكأنما الأمواج حين تتابعت ... سفن جرت وتسوقها الأقدار
سلسالها عند الهواء نخاله ... كالثلج يصعد قد علاه نضار
يا حسنها من روضة وغصونها ... قد غرّدت من فوقها الأطيار
ونسيمها وخرير صوت مياهها ... تجلي بها الأحزان والأكدار
لا سيما زمن الربيع وزهره ... تهفو النفوس إليه والخطار
من أمها يبغي التنزه قائل ... لو كان لي قصر بها أو دار
لكنها بمكاره حفت لذا ... يأتونها في خلسة أخيار
أنعم بها من نزهة أنست بها ال ... أحباب والخلان والسمار
يا صاح عرّج نحوها مستأنساً ... ما تشتهي فيها وما تختار
وزاره صاحبه الشيخ عبد الله الطرابلسي المتقدم ذكره في هذا الكتاب وذلك نهار عيد الأضحى وكان يوماً ممطراً فقال المترجم في ذلك
زارنا معدن الفنون صباحاً ... فحبينا به الأماني صباحا
كان عيدان من تلاقيه عيد ... وبعيد الأضحى ألا عم صباحا
خلت شمساً في حيناً قد أضاءت ... أو كبدر التمام في الأفق لاحا
أدهش الناظرين نور سرور ... من لقاه وجدّد الأفراحا
ياله من نهار أنس منير ... قد وقينا من لطفه الأتراحا
زارنا الغيث حين زار ووافى ... بسرور فأنعش الأرواحا
وسحاب الهناء أمطر درّاً ... حيث حوض السرور كان طفاحا
هو عبد الله المحب الذي قد ... بلغ القلب في هواه نجاحا
ماجد وابن ماجد قد تسامى ... بمعان منها رأينا الفلاحا
ياله من مهذب وأديب ... لم يزل طيبه لنا فوّاحا
ذي نظام يفوق عقد اللآلي ... لنحور الحسان كان وشاحا
ففؤادي بحبه ذو امتزاج ... وبه عنبر المحبة فاحا
يا أديب الزمان لطفاً ويا من ... لفظه جوهر يفوق الصحاحا
هاك أبيات مدحة من محب ... فيك بالحب قلبه قد باحا
فعليها أسدل ثياب التغاضي ... ثم بالعفو كن لها مناحا
ثم سامح أخاك بالصفح فضلا ... حيث ألقى لديك منه السلاحا
وابق في نعمة وطيب حبور ... ما هزار في روضة قد صاحا
فكتب إليه الطرابلسي المذكور الجواب بقوله
مسك دارين قد شممناه فاحا ... أم خزامى أم عنبرا أم أقاحا
ولآل تنظمت أم نجوم ... أم شموس ضياؤها قد لاحا
وضروب الألحان ما قد سمعنا ... أم تغني طير الرياض وصاحا
أم مدام قد أشرقت بكؤس ... عطرت من شميمها الأقداحا
أم نظام كالدر أشرق حسنا ... فغدا للنفوس منا وشاحا
من معان تفوق سحر المعاني ... ومبان تهيج الأرواحا
لا عد مناك من أديب أريب ... ولبيب يجلي اللآلي الصحاحا
صغت عقداً يفوق حلي العذارى ... أم نظاماً يبدي المعاني الصحاحا
فأضاءت منها شموس المباني ... حيث أمسى نظامها وضاحا
فأقبل الآن مدحة من محب ... بنظام لم يقبل الاصلاحا
وابق في العز ما تغنت حمام ... حيث يبدي الهنا لك الأفراحا
وكتب المترجم إلى الشيخ سعيد الجعفري الدمشقي بعد عتاب جرى بينهما لأمر كان بقوله
عتابك لي أشهى من المنّ والسلوى ... لقلبي وأحلى في المذاق من الحلوى
بنظم كسلك الدرّ بل هو جوهر ... يلوح على القرطاس من رصفه أضوا
أرق من الصهباء في الكاس إذ صفت ... فبت بها نشوان لا أعرف الصحوا
أتى من ذوي الأفضال والمجد والتقى ... وحاوي كمال السبق في العلم والتقوى
فسرّحت هذا الطرف في طيّ نشره ... فدلت خوافيه عليه من الفحوى
فإني وأيم الله منذ عرفتكم ... مقيم على صدق الوداد بلا دعوى
وقد غرست أصل المحبة بيننا ... وغصن ثمار الود رطب فلا يذوى
فلا زلت يا ذا الفضل تسمو برفعة ... تدوم مع الاقبال تحبوك ما تهوى
فكتب إليه الجعفري المذكور الجواب بقوله
فداؤك مني الروح ذا الفضل والتقوى ... جوابك لي أحلى من المن والسلوى
بلى هو أمياه الحياة لوامق ... على رمق أبقاه بالصد من يهوى
فما اللؤلؤ المنضود ما الجوهر الذي ... تنوب مناب النيرين به الأضوا
وما الخمر ما برد اللمى ما عذيبه ... ترشفه الولهان من رشا أحوى
بأشهى وأحلى من عذوبة لفظه ... حباني بخمار اعتذاراته الصحوا
وأخبر أن الودّ ما شاب صفوه ... سلوّ ففيه القلب لا يقبل الرشوا
أجل ففؤاد العاشقين محرر ... صفاء لميزان المعاملة الأقوى
وما الغرّ يا بدر العلا مثل أروع ... بمضمار حسن الودّ قد أدرك الشأوا
وإنك في العيوق عندي رفعة ... ولا غرو إذ حزت العلا أنت لا غروا
وإني يا خدن المودّة جازم ... بأنك في ذا الود ذو الرتبة القصوى
وإني ما أثبت أمراً مخيلاً ... وإن يك ذا فالآن أستجلب العفوا
بلى إنني بادرت للمنهج الذي ... نهجت على التحقيق ما كان ذا سهوا
وحاولتكم حسن التقاضي وللادا ... بحسن لقد طالبت نفسي بالنجوى
فدم في ذرا العز المؤبد راقيا ... تقرطق آذان الفهوم بما تهوى
وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف وجاء تاريخها نال الرضى مكي ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل

 


مَكِّي الْجُوَخي
(000 - 1192 هـ = 000 - 1778 م)
مكي بن محمد سعيد بن ياسين بن سليمان، الجوخي:
شاعر، من الأدباء الكتاب في عصره. أصله من حلب، ومولده ووفاته في دمشق.
له (ديوان شعر) و (مجاميع) و (مختصر شرح الأذكار للنووي) وغير ذلك. نسبته إلى خان (الجوخية) في دمشق، نزل به جده ياسين قادما من حلب .
-الاعلام للزركلي-