أبي علي قوام الدين الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي

شيخ الشيوخ نظام الملك الحسن

تاريخ الولادة408 هـ
تاريخ الوفاة485 هـ
العمر77 سنة
مكان الولادةطوس-خراسان - إيران
مكان الوفاةنهاوند - إيران
أماكن الإقامة
  • بلخ - أفغانستان
  • غزنة - أفغانستان
  • أصبهان - إيران
  • الري - إيران
  • خراسان - إيران
  • طوس-خراسان - إيران
  • نهاوند - إيران
  • بغداد - العراق

نبذة

(408 - 485 هـ = 1018 - 1092 م) الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أبو علي، الملقب بقوام الدين، نظام الملك: وزير حازم عالي الهمة. أصله من نواحي طوس. تأدب بآداب العرب، وسمع الحديث الكثير، واشتغل بالأعمال السلطانية، فاتصل بالسلطان ألب أرسلان، فاستوزره، فأحسن التدبير وبقي في خدمته عشر سنين.

الترجمة

أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس الملقب نظام الملك قوام الدين الطوسي؛ ذكر السمعاني، في كتاب " الأنساب " في ترجمة الراذ كان، أنها بليدة صغيرة بنواحي طوس، قيل إن نظام الملك كان في نواحيها ، وكان من أولاد الدهاقين، واشتغل بالحديث والفقه، ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ - وكان يكتب له - فكان يصادره في كل سنة، فهرس منه وقصد داود بن ميكائيل بن سلجوق، والد السلطان ألب أرسلان فظهر له منه النصح والمحبة، فسلمه إلى ولده ألب أرسلان وقال له: اتخذه والداً ولا تخالفه فيما يشير به، فلما ملك ألب أرسلان دبر أمره فأحسن التدبير، وبقي في خدمته عشر سنين، فلما مات ألب أرسلان وازدحم أولاده على الملك وطد المملكة لولده ملك شاه فصار الأمر كله لنظام الملك، وليس للسلطان إلا التخت والصيد، وأقام على هذا عشرين سنة.
ودخل على الإمام المقتدى بالله، فأذن له في الجلوس بين يديه، وقال له: يا حسن، رضي الله عنك برضاء أمير المؤمنين عنك.
وكان مجلسه عامراً بالفقهاء والصوفية، وكان كثير الإنعام على الصوفية، وسئل عن سبب ذلك فقال: أتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء فوعظني وقال: اخدم من تنفعك خدمته ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غداً، فلم أعلم معنى قوله، فشرب ذلك الأمير من الغد إلى الليل وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل، فغلبه السكر فخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته، فعلمت أن الرجل كوشف بذلك، فأنا أخدم الصوفية لعلي أظفر بمثل ذلك.
وكان إذا سمع الأذان أمسك عن جميع ما هو فيه. وكان إذا قدم عليه إمام الحرمين أبو المعالي وأبو القاسم القشيري صاحب الرسالة بالغ في إكرامهما وأجلسهما في مسنده. وبنى المدارس والربط والمساجد في البلاد  ، وهو أول من أنشأ المدارس فأقتدى به الناس. وشرع في عمارة مدرسته ببغداد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، وفي سنة تسع وخمسين جمع الناس على طبقاتهم ليدرس بها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، رحمه الله تعالى، فلم يحضر، فذكر الدرس أبو نصر ابن الصباغ، صاحب " الشامل "، عشرين يوماً، ثم جلس الشيخ أبو إسحاق بعد ذلك. وهذا الفصل قد استقصيته في ترجمة أبي نصر عبد السيد بن الصباغ صاحب " الشامل " فلينظر هناك. وكان الشيخ أبو إسحاق إذا حضر وقت الصلاة خرج منها وصلى في بعض المساجد، وكان يقول: بلغني أن أكثر آلاتها غصب.
وسمع نظام الملك الحديث وأسمعه، وكان يقول: إني لأعلم أني لست أهلاً لذلك، ولكني أريد أربط نفسي في قطار  النقلة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويروى له من الشعر قوله:
بعد الثمانين ليس قوه ... قد ذهبت شره الصبوه
كأنني والعصا بكفي ... موسى ولكن بلا نبوه وقيل: إن هذين البيتين لأبي الحسن محمد بن أبي الصقر الواسطي .

[ويروى له أيضاً - أعني نظام الملك -:
تقوس بعد طول العمر ظهري ... وداستني الليالي أي دوس
فأمشي والعصا تمشي أمامي ... كأن قوامها وتر بقوس

وكانت ولادة نظام الملك يوم الجمعة الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة بنوقان، إحدى مدينتي طوس، وتوجه صحبة ملك شاه إلى أصبهان، فلما كانت ليلة السبت عاشر شهر رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة أفطر وركب في محفته ، فلما بلغ إلى قرية قريبة من نهاوند يقال لها سحنة، قال: هذا الموضع قتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم أجمعين، فطوبى لمن كان معهم، فاعترضه في تلك الليلة صبي ديلمي على هيئة الصوفية معه قصة، فدعا له وسأله تناولها، فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده، فحمل إلى مضربه فمات، وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب، فعثر في طنب خيمة فوقع، وركب السلطان إلى معسكره، فسكنهم وعزاهم، وحمل إلى أصبهان ودفن بها.
وقيل: إن السلطان دس عليه من قتله فإنه سئم طول حياته، واستكثر ما بيده من الاقطاعات، ولم يعش السلطان بعده سوى خمس وثلاثين يوماً، فرحمه الله تعالى لقد كان من حسنات الدهر.
ورثاه شبل الدولة أبو الهيجاء مقاتل بن عطية بن مقاتل البكري - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وكان ختنه فإن نظام الملك زوجه ابنته - فقال:
كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ... نفيسة صاغها الرحمن من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها ... فردها غيرة منه إلى الصدف
وقد قيل: إنه قتل بسبب تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسروفيروز المعروف بابن دارست، فإنه كان عدو نظام الملك، وكان كبير المنزلة عند مخدومه ملك شاه، فلما قتل رتبه موضعه في الوزارة، ثم إن غلمان نظام الملك وثبوا عليه فقتلوه وقطعوه إرباً إرباً في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم من سنة ست وثمانين وأربعمائة، وعمره سبع وأربعون سنة، وهو الذي بنى على قبر الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، رحمه الله تعالى.

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

(408 - 485 هـ = 1018 - 1092 م) الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أبو علي، الملقب بقوام الدين، نظام الملك: وزير حازم عالي الهمة. أصله من نواحي طوس. تأدب بآداب العرب، وسمع الحديث الكثير، واشتغل بالأعمال السلطانية، فاتصل بالسلطان ألب أرسلان، فاستوزره، فأحسن التدبير وبقي في خدمته عشر سنين. ومات ألب أرسلان فخلفه ولده ملك شاه، فصار الأمر كله لنظام الملك، وليس للسلطان إلا التخت والصيد. وأقام على هذا عشرين سنة، وكان من حسنات الدهر. قال ابن عقيل: كانت أيامه دولة أهل العلم. اغتاله ديلمي على مقربة من نهاوند، ودفن في أصبهان ومن المنشورات الحديثة (أمالي نظام الملك في الحديث - ط) .

-الاعلام للزركلي-

 

 

الْحسن بن عَليّ [408 - 485] 
ابْن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس الطوسي.
نظام الْملك، أَبُو عَليّ، وَزِير السُّلْطَان.
ذكره غير وَاحِد من رُوَاة الحَدِيث: ابْن مَاكُولَا، وَأَبُو شُجَاع شيرويه، وَأَبُو سعد عبد الْكَرِيم بن مُحَمَّد الْحَافِظ.
وَكَانَ منبع الْجُود والإفضال، ذَا معدلة وَأَمَانَة، وَصَلَاح وديانة، صَاحب صفح، وحلم، ووقار، وأناة، وَصمت، عَامر الْمجْلس بالعلماء وأعلام الدّين، مأهول الفناء بالأخيار وَالصَّالِحِينَ، عَالما، جدد بِنَاء الرَّبْط والمدارس، وَرغب فِي الْعلم كل النَّاس، وأجرى، ووقف على الطّلبَة والمدرسين، وصنف الْعلمَاء باسمه فِي أساليب الْفُنُون تصانيف تأنقوا فِيهَا فَأحْسنُوا، وَأحسن النّظر فِي أُمُور الرّعية، فصفا الْعَيْش، وانتفى العيث.
سمع الحَدِيث فَأكْثر، وروى وأملى بالعراق، وخراسان، وأصبهان، وأران، وَسَائِر الْبِلَاد.

وَحضر مَجْلِسه الْحفاظ وَغَيرهم، وَرغب فِي السماع مِنْهُ، والراويه عَنهُ.
روى عَن أبي مُسلم مُحَمَّد بن عَليّ الأديب صَاحب ابْن الْمُقْرِئ، وَأبي حَامِد أَحْمد بن الْحسن الْأَزْهَرِي، وَأبي سهل الحفصي وَغَيرهم.
كَانَ أَولا من أَوْلَاد الدهاقين ببيهق وطوس، فَلَمَّا نَشأ علق بِشَيْء من اللُّغَة الْعَرَبيَّة، وَشرع بواسطتها فِي رسوم الِاسْتِيفَاء، وَلم يزل يطوف والدهر يَعْلُو بِهِ وينخفض إِلَى أَن اتَّصل بِالْملكِ ألب أرسلان، ووزر لَهُ، ثمَّ لما انْتَهَت السلطنة إِلَيْهِ بوفاة عَمه طغرلبك صفى لوزيره الْورْد، وَصَارَ سيد الوزراء، إِلَيْهِ مسَائِل الْحل والإمضاء، وَذَلِكَ من سنة خمس وَخمسين وَأَرْبع مئة، ثمَّ لما انْقَضتْ أَيَّام ألب أرسلان سنة خمس وَسِتِّينَ على تِلْكَ الصُّورَة الهائلة قَامَ نظام الْملك بتقرير المملكة على وَلَده ملكشاه، فَصَارَ الْملك لنظامه حَقِيقَة وَمعنى، وللملك اسْما ورسما، وَجَرت على ذَلِك أُمُور الممالك والاستعلاء بالسعد عشْرين سنة إِلَى أَن بَدَت عِنْد الْكَمَال مبادي الزَّوَال؛ فوجئ فِي شهر رَمَضَان بَين بَغْدَاد وأصبهان سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبع مئة، فانحل النظام، وثارت الْفِتَن، وَلم يجر بعده جَار على ذَلِك السّنَن.
ولد سنة ثَمَان وَأَرْبع مئة.
وَحكى القَاضِي أَبُو الْعَلَاء الغزنوي فِي كتاب " سر السرُور " أَن نظام الْملك صَادف فِي سفر رَاجِلا فِي زِيّ الْعلمَاء قد مَسّه الكلال؛ فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الشَّيْخ، عييت أم أعييت؟ فَقَالَ: أعييت يَا مَوْلَانَا، فَتقدم إِلَى حَاجته بِتَقْدِيم بعض الجنائب إِلَيْهِ، الْإِصْلَاح من شَأْنه، وَأخذ فِي اصطناعه.
وَإِنَّمَا أَرَادَ بسؤاله اختباره، فَإِن عيي: فِي اللِّسَان، وأعيى: كل وتعب.
وَقَالَ الْحسن بن الْحُسَيْن الأندقي، يَحْكِي عَن عبد الله الساوجي أَن نظام الْملك اسْتَأْذن السُّلْطَان ملكشاه فِي الْحَج فَأذن لَهُ، وَهُوَ إِذْ ذَاك بِبَغْدَاد، فَعبر دجلة، وعبروا بالآلات والأقمشة، وَضربت الْخيام على شط دجلة.
قَالَ: فَأَرَدْت يَوْمًا أَن أَدخل عَلَيْهِ، فَرَأَيْت بِبَاب الْخَيْمَة فَقِيرا تلوح على جَبينه سِيمَا الْقَوْم، فَقَالَ لي: يَا شيخ، أَمَانَة توصلها إِلَى الصاحب قلت: نعم، فَأَعْطَانِي رقْعَة مطوية، فَدخلت بهَا، وَلم أنظر فِيهَا حفظا للأمانة، ووضعتها بَين يَدي الْوَزير، فَنظر فِيهَا، فَبكى بكاء كثيرا حَتَّى نَدِمت، وَقلت فِي نَفسِي: لَيْتَني نظرت فِيهَا، فَإِن كَانَ فِيهَا شَيْء يسوؤه لم أدفعها إِلَيْهِ، ثمَّ قَالَ لي: يَا شيخ، أَدخل عَليّ صَاحب الرقعة، فَخرجت، فَلم أَجِدهُ، وطلبته، فَلم أظفر بِهِ، فَأخْبرت الْوَزير بذلك، فَدفع إِلَيّ الرقعة، فَإِذا فِيهَا: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام، وَقَالَ لي: اذْهَبْ إِلَى الْحسن، وَقل لَهُ: أَيْن تذْهب إِلَى مَكَّة؟ ! حجك هَا هُنَا، أما قلت لَك: أقِم بَين يَدي هَذَا التركي، وأغث أَصْحَاب الْحَوَائِج من أمتِي، فَرجع نظام الْملك، فَكَانَ يَقُول لي: لَو رَأَيْت ذَلِك الْفَقِير حَتَّى نتبرك بِهِ.

قَالَ: فرأيته على شط دجلة وَهُوَ يغسل خريقات لَهُ، فَقلت لَهُ: إِن الصاحب يطلبك، فَقَالَ: مَالِي وللصاحب؟ إِنَّمَا كَانَ عِنْدِي أَمَانَة فأديتها.
قَالَ عُثْمَان - هُوَ ابْن الصّلاح -: هَذَا معنى مَا قَالَ، فَإِنِّي أبدلت بعض لَفظه.
والساوجي هَذَا كَانَ خيرا، كثير المعروق، يعرف ب: شيخ الشُّيُوخ، وَيقف على نظام الْملك حَتَّى أنْفق عَلَيْهِ وعَلى الْفُقَرَاء باقتراحه فِي مُدَّة يسيرَة قَرِيبا من ثَمَانِينَ ألف دِينَار تَامَّة كَامِلَة.
وحكاية الأندقي لذَلِك عَنهُ يزيدها قبولا.
وَحكى أَبُو سعد، عَن أَبِيه - بِمَا وجده بِخَطِّهِ - أَنه سمع الْفَقِيه أَبَا الْقَاسِم أَخا نظام الْملك يَحْكِي أَنه كَانَ عِنْده لَيْلَة على أحد جانبيه، والعميد خَليفَة على الْجَانِب الآخر، وبجنبه فَقير مَقْطُوع الْيُمْنَى، قَالَ: فشرفني الصاحب بالمؤاكلة، وَشرع يلحظ العميد خَليفَة كَيفَ يؤاكل الْفَقِير. قَالَ: فتنزه خَليفَة من مؤاكلة الْفَقِير لما رَآهُ يَأْكُل بيساره، فَقَالَ لخليفة: تحول إِلَى هَذَا الْجَانِب، وَقَالَ للْفَقِير: إِن خَليفَة رجل كَبِير فِي نَفسه، يستنكف من مؤاكلتك، فَتقدم إِلَيّ، وَأخذ يؤاكله رَحمَه الله.
وَعَن الْفَقِيه الْأَجَل أَيْضا أَنه كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْخُرُوج إِلَى عَرَفَات، فتوقف لمَيت من الخراسانية، مَاتَ فِي بعض الزوايا ليقوم بتجهيزه، قَالَ: فرآني بعض من كَانَ يأتمنه الصاحب نظام الْملك على أُمُور الْحَاج، فَقَالَ: مَا وقوفك هَا هُنَا وَالْقَوْم قد ذَهَبُوا؟ فَقلت: أَنا وَاقِف لكذا وَكَذَا، فَقَالَ: اذْهَبْ، وَلَا تهتم لأمر هَذَا الْمَيِّت، فَإِن عِنْدِي خمسين ألف ذِرَاع من الكرباس لتكفين الْمَوْتَى من جِهَة الصاحب.

وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق: حكى لي بعض من رَآهُ فِي الْمَنَام فَسَأَلَهُ عَن حَاله، فَقَالَ: لقد كَاد يعرض عَليّ جَمِيع عَمَلي لَوْلَا الحديدة الَّتِي أصبت بهَا، رَحمَه الله تَعَالَى.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

الوزير نظام الملك أبو علي حسن بن علي بن إسحق بن العَبَّاس الطُّوسي الشافعي، المتوفى شهيداً بنَهَاوَنْد في رمضان سنة خمس وثمانين وأربعمائة وله سبع وسبعون سنة.
كان من أولاد الدّهاقين بنواحي طوس، حفظ القرآن وتفقّه في صغره، ثم خرج من عند أبيه إلى غَزْنَة وخدم في الديوان واختصّ بأبي علي بن شَاذَان، فأوصى ألب أرسلان به وذكر له كفايته وأمانته، فنصَّبه مكانه في الوزارة بعد وفاته. ولم يزل السعد يخدمه والأمور تجري على حسب مُراده. واتفق في أيامه من محاسن الأفعال ونشر العدل وضبط الأحوال، ما سارت به الركبان وصار بابه محطّ الرِّحال ومنتهى الآمال، وأخذ في بناء المدارس والمساجد والرِّباطات، إلى أن انقضت دولة ألب أرسلان، فملك بعده ملكشاه بتدبير نظام الملك، فازدادت حرمته وقدم بغداد مراراً معه، وبنى مدرسة ورِبَاطاً وغزا معه إلى بلاد الروم، ثم عاد إلى خراسان ومات. وكانت مدة وزارته ثلاثين سنة إلا أنها ليست وزارة بل فوق السلطنة بأضعاف. وسمع الحديث وحدَّث ببغداد وحضر أملاء الأئمة، ثم تغيَّر السلطان عليه ورَتب من قتله.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

الوَزِيْر الكَبِيْر، نِظَام المُلْك، قِوَامُ الدِّين، أَبُو علي الحسن بن علي ابن إِسْحَاقَ الطُّوْسِيُّ، عَاقلٌ، سَائِسٌ، خَبِيرٌ، سَعِيْدٌ، مُتَدَيِّنٌ، مُحتَشمٌ، عَامِرُ المَجْلِس بِالقُرَّاء وَالفُقَهَاء.
أَنشَأَ المدرسَة الكُبْرَى بِبَغْدَادَ، وَأُخْرَى بِنَيْسَابُوْرَ، وَأُخْرَى بِطُوْسَ، وَرغَّب فِي العِلْمِ، وَأَدرَّ عَلَى الطلبَة الصِّلاَت، وَأَملَى الحديث، وبَعُدَ صيته.
وَكَانَ أَبُوْهُ مِنْ دَهَاقين بَيْهَقَ، فَنشَأَ وَقرَأَ نَحْواً، وَتعَانَى الكِتَابَة وَالدِّيْوَان، وَخدم بِغَزْنَةَ، وَتَنَقَّلَتْ بِهِ الأَحْوَالُ إِلَى أَنْ وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ أَلب آرسلاَن، ثُمَّ لابْنِهِ مَلِكْشَاه، فَدبَّر مَمَالِكَه عَلَى أَتمِّ مَا يَنْبَغِي، وَخفف المظَالِمَ، وَرَفَقَ بِالرعَايَا، وَبَنَى الوُقُوْفَ، وَهَاجرت الكِبَارُ إِلَى جَنَابه، وَازدَادت رفعتُهُ، وَاسْتمرَّ عِشْرِيْنَ سَنَةً.
سَمِعَ مِنَ القُشَيْرِيّ، وَأَبِي مُسْلِمٍ بن مِهْرَبْزُدَ، وَأَبِي حَامِد الأَزْهَرِيّ.
رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بنُ طرادٍ الزَّيْنَبِيّ، وَنَصْرُ بنُ نَصْرٍ العُكبري، وَجَمَاعَة.
وَكَانَ فِيْهِ خَيْرٌ وَتَقْوَى، وَمَيْلٌ إِلَى الصَّالِحِيْنَ، وَخُضوعٌ لِمَوعِظتهم، يُعْجِبُهُ مَنْ يُبَيِّنُ لَهُ عيوبَ نَفْسه، فَيَنكسِرُ وَيَبْكِي.
مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَع مائَة، وَقُتِلَ صَائِماً فِي رَمَضَانَ، أَتَاهُ باطنِي فِي هيئَة صُوْفِي يُنَاوله قِصَّة، فَأَخَذَهَا مِنْهُ، فَضَرَبَه بِالسِّكينِ فِي فُؤَاده، فَتَلِفَ، وَقَتلُوا قَاتِلَه، وَذَلِكَ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، بِقُرْبِ نُهَاوَنْدَ، وَكَانَ آخِرُ قَوْلِهِ: لاَ تَقتلُوا قَاتلِي، قَدْ عَفْوتُ، لاَ إِلَهَ إلَّا الله.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: قَدْ دَخَلَ نِظَامُ الْملك عَلَى المقتدي بالله، فَأَجْلَسَهُ، وَقَالَ لَهُ: يَا حَسنُ، رَضِيَ اللهُ عنك، كرضى أمير المؤمنين عنك.

وَللِنِّظَامِ سيرةٌ طَوِيْلَة فِي "تَارِيخ ابْن النَّجَّار"، وَكَانَ شَافِعياً أَشعرِيّاً.
وَقِيْلَ: إِنَّ قتلَه كَانَ بتدبِيرِ السُّلْطَان، فَلَمْ يُمْهَلْ بَعْدَهُ إلَّا نَحْوُ شَهْرٍ.
وَكَانَ النِّظَامُ قَدْ خَتَمَ وَلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَاشْتَغَل بِمَذْهَب الشَّافِعِيّ، وَسَارَ إِلَى غَزْنَة، فَصَارَ كَاتِباً نَجيباً، إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي الحسَاب، وَبَرَعَ فِي الإِنشَاء، وَكَانَ ذكيّاً، لبِيْباً، يَقظاً، كَامِلَ السُّؤْدُدِ.
قِيْلَ: إِنَّهُ مَا جلس إلَّا عَلَى وُضوء، وَمَا تَوضَّأَ إلَّا تَنفَّل، وَيَصُوْمُ الاثْنَيْنَ وَالخَمِيْس، جدَّدَ عِمَارَة خُوَارِزْم، وَمشهدَ طُوْس، وَعَمِلَ بيمَارستَاناً، نَابه عَلَيْهِ خَمْسُوْنَ أَلْفَ دِيْنَار، وَبَنَى أَيْضاً بِمَرْوَ مدرسَةً، وَبِهرَاةَ مدرسَةً، وَبِبَلْخ مدرسَةً، وَبِالبَصْرَةِ مدرسَةً، وَبِأَصْبَهَانَ مدرسَةً، وَكَانَ حَليماً رزِيناً جَوَاداً، صَاحِبَ فتوَة وَاحتمَال وَمَعْرُوْف كَثِيْر إِلَى الغَايَة، وَيُبَالغ فِي الْخُضُوع لِلصَّالحين.
وَقِيْلَ: كَانَ يَتَصَدَّق كُلَّ صبَاح بِمائَةِ دِيْنَارٍ.
قَالَ ابْنُ عَقِيْلٍ: بَهَرَ العُقُوْلَ سيرَةُ النِّظَام جُوْداً وَكَرَماً وَعدلاً، وَإِحيَاءً لِمعَالِم الدِّين، كَانَتْ أَيَّامُهُ دَوْلَةَ أَهْل العِلْمِ، ثُمَّ خُتِمَ لَهُ بِالقَتل وَهُوَ مارٌّ إِلَى الحَجِّ فِي رَمَضَانَ، فَمَاتَ مَلِكاً فِي الدُّنْيَا، مَلِكاً فِي الآخِرَةِ، رَحِمَهُ الله.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

 الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق بن الْعَبَّاس الطوسي

الْوَزير الْكَبِير الْعَالم الْعَادِل أَبُو عَليّ الملقب نظام الْملك
وَزِير غالى الْمُلُوك فِي سَمعتهَا وغالب الضراغم وَكَانَت لَهُ النُّصْرَة مَعَ شدَّة منعتها وضاهى الْخُلَفَاء فِي عطائها وباهى الفراقد فَكَانَ فَوق سمائها ملك طَائِفَة الْفُقَهَاء بإحسانه وسلك فِي سَبِيل الْبر مَعَهم سَبِيلا لم يعْهَد قبل زَمَانه هُوَ أشهر من بنى لَهُم الْمدَارِس وشيد أركانهم ولولاه خيف أَن يكون كالطلال الدارس
كَانَ جوادا يخجل لَدَيْهِ كل ذِي جبين وضاح ويتنافس على أريج ثنائه مسك اللَّيْل وكافور الصَّباح طمس ذكر من كُنَّا نسْمع فِي المكارم من الْمُلُوك خَبره وغرس فِي الْقُلُوب شجرات إحسانه المثمرة
دولته كلهَا فضل وأيامه جَمِيعهَا عدل وَوَقته وابل بالسماح مغدق ومجلسه بِجَمَاعَة الْعلمَاء صباح مشرق
كل يَوْم من أَيَّامه مِقْدَاره ألف سنة وكل معدلة من أَحْكَامه أنامت الْأَنَام فأمن كل واستطاب وسنه
لَو هدد الدَّهْر بعدله لما تعدى بصروفه وَلَو عرض نداه فِي كل نَاد من الْخُلَفَاء لعرف من بَينهم بمعروفه

إِن جلس بَين الْعلمَاء جلس وَعَلِيهِ سِيمَا الْوَقار وَله من التأدب مَعَهم مَا شهِدت بِهِ فِي التواريخ الْأَخْبَار
يتضاءل بَين الْعلمَاء ويتنازل وَإِن كَانَ منزله أعلا من نجم السَّمَاء
خلق أرق من النسيم ومحيا تعرف فِيهِ نَضرة النَّعيم
(تنبي طلاقة بشره عَن جوده ... فيكاد يلقى النجح قبل لِقَائِه)
(وضياء وَجه لَو تَأمله امْرُؤ ... صادي الجوانح لارتوى من مَائه)
وَإِن قعد للمظالم أَقَامَ بِالْكتاب وَالسّنة وأخاف فِي الله ببطشه كل ذِي يَد عَادِية تَغْدُو بعْدهَا النُّفُوس مطمئنة حَتَّى أقرَّت لَهُ بِالْعَدْلِ عُظَمَاء السلاطين واستقرت فِي أَيَّامه بالأمن النَّاس لَا يَخْشونَ نازلة المتعالين
وَإِن أَفَاضَ جوده أخجل الْغَمَام وأجزل كل عَطاء جزل لم تره النَّفس إِلَّا فِي آمال الْيَقَظَة أَو أَحْلَام الْمَنَام
(لَيْسَ التَّعَجُّب من مواهب مَاله ... بل من سلامتها إِلَى أَوْقَاتهَا)
وَإِن ركب الهيجاء لم يكن لَهُ حَاجِب إِلَّا مواضي الصفاح وَلَا طَلِيعَة إِلَّا شهب الأسنة على رُءُوس الرماح
(وَلَا كتب إِلَّا المشرفية عِنْده ... وَلَا رسل إِلَّا الْخَمِيس العرمرم)
(وَلم يخل من نصر لَهُ من لَهُ يَد ... وَلم يخل من شكر لَهُ من لَهُ فَم)
(وَلم يخل من أَسْمَائِهِ عود مِنْبَر ... وَلم يخل دِينَار وَلم يخل دِرْهَم)
يرفع لِوَاء الْإِسْلَام وَيسمع نوح الْحمام على أُمَم أنزل بهم الْحمام وَيقوم فيقعد كل كمى ويرعف أنف كل مشرفي وسمهري

(على عاتق الْملك الْأَعَز نجاده ... وَفِي يَد جَبَّار السَّمَوَات قائمه)
يُقَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا ويناضل فَلَا يدع فِي حَيّ الْأَعْدَاء حَيا ويبارز حَيْثُ تتأخر الْجِيَاد السنابك ويجاوز فَلَا تسمع إِلَّا من يَقُول وَمَا النَّاس إِلَّا هَالك وَابْن هَالك
(فِي جحفل ستر الْعُيُون غباره ... فَكَأَنَّمَا يبصرن بالآذان)
(قد سودت روس الْجبَال شُعُورهمْ ... فَكَأَن فِيهِ مسفة الْغرْبَان)
(إِن السيوف مَعَ الَّذين قُلُوبهم ... كقلوبهم إِذا التقى الْجَمْعَانِ)
(يلقى الحسام على جَرَاءَة حَده ... مثل الجبان بكف كل جبان)
أسنة مسنونة وَسنة مسنونة وَأَيَّام بعدله مَأْمُونَة وزمن بالنعماء مشحون وَفَوق الزَّمن السالف إِذا اعْتبرت السنون وَأجل وَكَيف وَفِي ذَلِك فَرد أَمِين ومأمون وكل أحد فِي زمن هَذَا أَمِين ومأمون
(فَلَا عقرب إِلَّا بخد مليحة ... وَلَا جور إِلَّا فِي ولَايَة سَاق)
وَملك هُوَ نظامه وسلك هُوَ واسطته إِذا عدت أَيَّامه وإفك هُوَ ماحيه إِذا دجى ظلامه

بَطل شُجَاع وَرجل يخافه على صافناتها الْأَبْطَال وَفَوق سريرها الْمُلُوك وَفِي أجماتها السبَاع
مقدم العساكر ومقدامها وَأسد الممالك وضرغامها وَأسد الْأَبْطَال رَأيا وهمامها
لَا تضع الْحَرْب عِنْده أَوزَارهَا حَتَّى يضع العصاة أَوزَارهَا وَترجع إِلَى الله تَعَالَى رَجْعَة نفوس لَا تبالي ولى عَنْهَا شيطانها أَوزَارهَا
ولد نظام الْملك سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ من أَوْلَاد الدهاقين الَّذين يعْملُونَ فِي الْبَسَاتِين بنواحي طوس فحفظه أَبوهُ الْقُرْآن وشغله فِي التفقه على مَذْهَب الشَّافِعِي
ثمَّ خرج من عِنْد أَبِيه إِلَى غزنة وخدم فِي الدِّيوَان السلطاني ورقت بِهِ الْأَحْوَال سفرا وحضرا
وخدم فِي الدَّوَاوِين بخراسان وغزنة واختص بِأبي عَليّ بن شَاذان وَزِير السُّلْطَان ألب رسْلَان فَلَمَّا حانت وَفَاة ابْن شَاذان أوصى ألب أرسلان بِهِ وَذكر لَهُ كفاءته وأمانته فنصبه مَكَانَهُ فِي الوزارة
وَلم يزل السعد يَخْدمه والأمور تجْرِي على وفْق مُرَاده وَاتفقَ فِي أَيَّامه من محَاسِن الْأَفْعَال وَنشر الْعدْل وَضبط الْأَحْوَال مَا سَارَتْ بِهِ الركْبَان وتناقلته الْأَلْسِنَة وَصَارَ بَابه محط الرّحال ومنتهى الآمال
وَأخذ فِي بِنَاء الْمَسَاجِد والمدارس والرباطات وَفعل أَصْنَاف الْمَعْرُوف بتنوع أقسامه وَاخْتِلَاف أَنْوَاعه واشتدت مَعَ ذَلِك وطأته وعظمت مكانته وتزايدت هيبته
إِلَى أَن انْقَضتْ دولة ألب أرسلان فَملك بعده السُّلْطَان الْكَبِير ملكشاه بتدبير نظام الْملك وكفايته فازدادت حرمته وتصاعدت مرتبته

وَقدم بَغْدَاد مرَارًا مَعَ السُّلْطَان وقوبل من الْخَلِيفَة بنهاية الإجلال والتعظيم وَبنى بِبَغْدَاد مدرسة ورباطا
وَتوجه مَعَ السُّلْطَان ملكشاه إِلَى الْغُزَاة بِبِلَاد الرّوم وَفتح عدَّة بِلَاد من ديار بكر وَرَبِيعَة والجزيرة وحلب ومنبج ثمَّ عَاد إِلَى خُرَاسَان وَمَا وَرَاء النَّهر
وَجَرت أُمُوره على السداد نَافِذَة أُمُوره فِي أقطار الأَرْض إِلَيْهِ يرجع النَّاس بأمورهم وَهُوَ الْحَاكِم لَا كلمة لغيره ومجالسه معمورة بالعلماء
مأهولة بالأئمة والزهاد لم يتَّفق لغيره مَا اتّفق لَهُ من ازدحام الْعلمَاء عَلَيْهِ وتردادهم إِلَى بَابه وثنائهم على عدله وتصنيفهم الْكتب باسمه يحضر سماطه مثل أبي الْقَاسِم الْقشيرِي وَأبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهم
وَذكر النقلَة أَنه لم يكن فِي زَمَانه أكفأ مِنْهُ فِي صناعَة الْحساب وصناعة الْإِنْشَاء ووصفوه بسداد الْأَلْفَاظ فيهمَا عَرَبِيَّة وفارسية
وَكَانَ من أخلاقه أَنه مَا جلس قطّ إِلَّا على وضوء وَلَا تَوَضَّأ إِلَّا وتنفل وَيقْرَأ الْقُرْآن وَلَا يتلوه مُسْتَندا إعظاما لَهُ ويستصحب الْمُصحف مَعَه أَيْنَمَا توجه وَإِذا أذن الْمُؤَذّن أمسك عَن كل شغل هُوَ فِيهِ وأجابه ويصوم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس
وَلَا يمْنَع أحدا من الدُّخُول عَلَيْهِ لَا وَقت الطَّعَام وَلَا غَيره إِذا جلس
وهجمت امْرَأَة عَلَيْهِ مرّة وَقت الطَّعَام وَمَعَهَا قَضِيَّة فزبرها بعض الْحجاب فحانت مِنْهُ التفاتة إِلَيْهِ فَلَقِيَهُ بالْكلَام الصعب وَقَالَ إِنَّمَا أريدك وأمثالك لإيصال مثل هَذِه وَأما المحتشمون فهم يوصلون نُفُوسهم
وَبنى مدرسة بِبَغْدَاد ومدرسة ببلخ ومدرسة بنيسابور ومدرسة بهراة ومدرسة بأصبهان ومدرسة بِالْبَصْرَةِ ومدرسة بمرو ومدرسة بآمل طبرستان ومدرسة بالموصل
وَيُقَال إِن لَهُ فِي كل مَدِينَة بالعراق وخراسان مدرسة وَله بيمارستان بنيسابور ورباط بِبَغْدَاد

قلت وَشَيخنَا الذَّهَبِيّ زعم أَنه أول من بنى الْمدَارِس وَلَيْسَ كَذَلِك فقد كَانَت الْمدرسَة البيهقية بنيسابور قبل أَن يُولد نظام الْملك والمدرسة السعدية بنيسابور أَيْضا بناها الْأَمِير نصر بن سبكتكين أَخُو السُّلْطَان مَحْمُود لما كَانَ واليا بنيسابور ومدرسة ثَالِثَة بنيسابور بناها أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن الْمثنى الإستراباذي الْوَاعِظ الصُّوفِي شيخ الْخَطِيب ومدرسة رَابِعَة بنيسابور أَيْضا
بنيت للأستاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقد قَالَ الْحَاكِم فِي تَرْجَمَة الْأُسْتَاذ لم يبن بنيسابور قبلهَا يَعْنِي مدرسة الْأُسْتَاذ مثلهَا
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنه بني قبلهَا غَيرهَا وَقد أدرت فكري وَغلب على ظَنِّي أَن نظام الْملك أول من قدر المعاليم للطلبة فَإِنَّهُ لم يَتَّضِح لي هَل كَانَت الْمدَارِس قبله بمعاليم للطلبة أَو لَا وَالْأَظْهَر أَنه لم يكن لَهُم مَعْلُوم
ونقلت من خطّ إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي خطْبَة الغياثي مَا قَالَه يصف نظام الْملك سيد الورى ومؤيد الدّين وَالدُّنْيَا ملاذ الْأُمَم مستخدم للسيف والقلم وَمن ظلّ ظلّ الْملك بيمن مساعيه ممدودا ولواء النَّصْر معقودا فكم بَاشر أوزار الْحَرْب وأدار رحى الطعْن وَالضَّرْب فَلَا يَده ارْتَدَّت وَلَا طلعته البهية أربدت وَلَا عزمه انثنى وَلَا حَده نبا قد سدت مسالك المهالك صوارمه وحصنت الممالك صرائمه وحلت شكائم العدى عَزَائِمه وتحصنت المملكة بنصله وتحسنت الدُّنْيَا بأفضاله وفضله وَعم ببره آفَاق الْبِلَاد وَنفى الغي عَنْهَا بالرشاد وجلى ظلام الظُّلم عدله وَكسر فقار الْفقر بذله وَكَانَت خطة الْإِسْلَام شاغرة وأفواه الخطوب إِلَيْهَا فاغرة فَجمع الله بِرَأْيهِ الثاقب شملها وَوصل بيمن نقيبته حبلها وأصبحت الرعايا فِي رعايته وَادعَة وأعين الْحَوَادِث عَنْهَا هاجعة وَالدّين يزهى بتهلل أساريره وإشراق جَبينه وَالسيف يفخر فِي يَمِينه يرجوه الآيس البائس فِي أدراج أنينه ويركع لَهُ تَاج كل شامخ بعرنينه ويهابه اللَّيْث المزمجر فِي عرينه انْتهى

وَهَذَا من هَذَا الإِمَام الْجَلِيل وَإِن لم يخل عَن بعض الْمُبَالغَة شَاهد عدل لعلو مِقْدَار نظام الْملك عِنْد هَذَا الحبر الَّذِي يحْتَج بكلماته المتقدمون والمتأخرون وَعنهُ انتشرت شَرِيعَة الله أصولا وفروعا
وَحكى الْأَمِير أَبُو نصر بن مَاكُولَا قَالَ حضرت مجْلِس نظام الْملك وَقد رمى بعض أَرْبَاب الْحَوَائِج رقْعَة إِلَيْهِ فَوَقَعت على دواته وَكَانَ مدادها كثيرا فنال المداد عمَامَته وثيابه فاسودت فَلم يقطب وَلم يتَغَيَّر وَمد يَده إِلَى الرقعة فَأَخذهَا وَوَقع عَلَيْهَا فتعجبت من حلمه فحكيت لأستاذ دَاره فَقَالَ الَّذِي جرى فِي بارحتنا أعجب كَانَ فِي نوبتنا أَرْبَعُونَ فراشا فَهبت ريح شديده أَلْقَت التُّرَاب على بساطه الْخَاص فَالْتمست أحدهم ليكنسه فَلم أَجِدهُ فاسودت الدُّنْيَا فِي عَيْني وَقلت أقل مَا يجْرِي صرفي وعقوبتهم فأظهرت الْغَضَب فَقَالَ نظام الْملك لَعَلَّ أسبابا لَهُم اتّفقت منعتهم من الْوُقُوف بَين أَيْدِينَا وَمَا يَخْلُو الْإِنْسَان من عذر مَانع وشغل قَاطع يصده عَن تأدية الْفَرْض وَمَا هم إِلَّا بشر مثلنَا يألمون كَمَا نألم ويحتاجون إِلَى مَا نحتاج إِلَيْهِ وَقد فضلنَا الله عَلَيْهِم فَلَا نجْعَل شكر نعْمَته مؤاخذتهم على ذَنْب يسير
قَالَ فعجبت من حلمه
ويحكى عَنهُ من هَذَا الْبَاب لطائف كَثِيرَة

قلت وَفِي هَذِه الْحِكَايَة أَيْضا دلَالَة على كَثْرَة مَا كَانَ فِيهِ من الحشمة لدلالتها على أَن نوبَة الفراشين عِنْده أَرْبَعُونَ نفسا فَإِن كَانَ يعْمل النوب ثَلَاثًا كعادة السلاطين فِي بِلَادنَا فَيدل على أَن لَهُ مائَة وَعشْرين فراشا وَإِن كَانَ يعملها نوبتين كعادة نواب السلطنة والأمراء الْكِبَار فَيدل على أَن لَهُ ثَمَانِينَ فراشا وَهَذَا أَمر عَظِيم فنائب الشَّام وَهُوَ أعظم نواب سُلْطَان الْإِسْلَام فِي هَذَا الزَّمَان لَيْسَ لَهُ غير سِتَّة عشر فراشا كل نوبَة ثَمَانِيَة هَذَا حَاله وَحَال من قبله من زمَان تنكز إِلَى الْآن لَا يزِيدُونَ على هَذَا الْقدر وَأَكْثَرهم ينقص عَنهُ وَكَانَ من قبل تنكز دونه
وَمِمَّا يدل أَيْضا على عَظمته وحشمته مَعَ ديانته مَا حُكيَ أَن الْأُسْتَاذ أَبَا الْقَاسِم الْقشيرِي دخل عَلَيْهِ مرّة فَوجدَ بَين يَدَيْهِ الجمدارية قد اصطفت ميمنة وميسرة وَكَانُوا ثَمَانِينَ جمدارا ملبسين أحسن الملابس وَكلهمْ مرد ملاح فقطب الْأُسْتَاذ ففهم نظام الْملك أَن الْأُسْتَاذ أنكر هَذِه الْحَالة فَقَالَ لَهُ يَا أستاذ مَا فِي هَؤُلَاءِ المماليك الثَّمَانِينَ إِلَّا من شِرَاؤُهُ فَوق الثَّمَانِينَ ألفا وَمَعَ ذَلِك وَالله مَا حللت سراويلي على حرَام قطّ وَلَكِن حُرْمَة الوزارة وَالْملك تَقْتَضِي هَذَا
فَهَذِهِ الْحِكَايَة تدل على أَن لَهُ إِمَّا مائَة وَسِتِّينَ جمدارا إِن كَانَ يعْمل نوبتين أَو أَكثر إِن كَانَ أَكثر من نوبتين وَإِن كَانَ هَذَا عدد الجمدارية وهم عبارَة عَن مماليك مردان يكونُونَ مَعَ الْمُلُوك فِي غَالب أَحْوَالهم فَمَا يكون عدد مماليكه الَّذين يعدهم للحرب وكل ذَلِك خَارج عَن أجناده المجندة فَإِن أُولَئِكَ مضافون إِلَى السُّلْطَان لَا إِلَيْهِ وَإِن كَانُوا فِي خدمته ومؤتمرين بأَمْره
وَقد كَانَت حَالَته تَقْتَضِي أَكثر من ذَلِك فَإِنَّهُ مكث فِي الوزارة ثَلَاثِينَ سنة وَلم تكن وزارته وزارة بل فَوق السلطنة فَإِن السُّلْطَان جلال الدولة ملكشاه بن ألب أرسلان اتسعت ممالكه فَكَانَت تَحت ملكه بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر وبلاد الهياطلة وَبَاب الْأَبْوَاب وخراسان وَالْعراق وَالشَّام وَالروم والجزيرة فمملكته من كاشغر وَهِي أقْصَى مَدَائِن التّرْك إِلَى بَيت الْمُقَدّس طولا وَمن قرب قسطنطينية إِلَى بَحر الْهِنْد عرضا وَلم يكن مَعَ ذَلِك لملكشاه مَعَ نظام الْملك غير الِاسْم والأبهة والتنوع فِي اللَّذَّات وَكَانَ مَشْغُولًا بالصيد واللذة ونظام الْملك هُوَ الْآمِر الْمُتَصَرف لَا يجْرِي جليل وَلَا حقير إِلَّا بأَمْره مستبدا بذلك

وَيُقَال إِن نظام الْملك أول من فرق الإقطاعات على الْجند وَلم يكن عَادَة الْخُلَفَاء والسلاطين من لدن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا أَن الْأَمْوَال كلهَا تجبى إِلَى الدِّيوَان ثمَّ تفرق العطايا على الْأُمَرَاء والأجناد على حسب الْمُقَرّر لَهُم فَلَمَّا اتسعت مملكة نظام الْملك رأى أَن يسلم إِلَى كل مقطع قَرْيَة أَو أَكثر أَو أقل على قدر إقطاعه
قَالَ فَإِن فِيهِ أَنه إِذا تسلمها وَلَيْسَ لَهُ غَيرهَا عمرها واعتنى بهَا بِخِلَاف مَا إِذا شَمل الْكل ديوَان وَاحِد فَإِن الْخرق يَتَّسِع فَفعل ذَلِك فَكَانَ سَبَب عمَارَة الْبِلَاد وَكَثْرَة الغلات وتناقلته الْمُلُوك بعده واستمرت إِلَى الْيَوْم فِي بِلَاد الْإِسْلَام وَأما بِلَاد الْعَجم وممالك نظام الْملك كلهَا الْآن فَمَا أظنها على هَذَا الْوَجْه بل تَغَيَّرت أحوالها لِكَثْرَة التغيرات
وَحكى أَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ بن إِسْحَاق أَنه كَانَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْخُرُوج إِلَى عَرَفَات فَأخْبرهُ رجل أَن إنْسَانا من الخراسانية مَاتَ بِبَعْض الزوايا وَأَنه انتفخ وَفَسَد وَلزِمَ الْقيام بِحقِّهِ

قَامَ فَمَكثت لذَلِك فرآني بعض من كَانَ يأتمنه نظام الْملك على أُمُور الْحَاج فَقَالَ لي مَا وقوفك هَا هُنَا وَالْقَوْم قد رحلوا فحكيت لَهُ الْقِصَّة فَقَالَ اذْهَبْ وَلَا تهتم لأمر هَذَا الْمَيِّت فَإِن عِنْدِي خمسين ألف ذِرَاع من الكرباس لتكفين الْمَوْتَى من جِهَة الصاحب نظام الْملك قَالَ وَكَانَ أخي نظام الْملك يملي الحَدِيث بِالريِّ فَلَمَّا فرغ قَالَ إِنِّي لست أَهلا لما أتولاه من الْإِمْلَاء لكني أُرِيد أَن أربط نَفسِي على قطار نقلة حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت وَقد سمع الحَدِيث بأصبهان من مُحَمَّد بن عَليّ بن مهريزد الأديب وَأبي مَنْصُور شُجَاع بن عَليّ بن شُجَاع
وبنيسابور من الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي
وببغداد من أبي الْخطاب بن البطر وَغَيره
وأملى بِبَغْدَاد مجلسين أَحدهمَا بِجَامِع الْمهْدي بالرصافة وَالْآخر بمدرسته وَحضر إملاءه الْأَئِمَّة
وروى عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم نصر بن نصر العكبري وَعلي بن طراد الزَّيْنَبِي وَأَبُو مُحَمَّد الْحسن بن مَنْصُور السَّمْعَانِيّ وَغَيرهم
قَالَ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل فِي الْفُنُون أَيَّامه الَّتِي شاهدناها تربي على كل أَيَّام سمعنَا بهَا وصدقنا بِمَا رَأَيْنَاهُ مَا سمعناه وَإِن كُنَّا قبل ذَلِك مستبعدين لَهُ ناسبين مَا ذكر فِي التواريخ إِلَى نوع تَحْسِين من الْكَذِب فأبهرت الْعُقُول سيرته جودا وكرما وعدلا وإحياء لمعالم الدّين بنى الْمدَارِس ووقف الْوُقُوف ونعش من الْعلم وَأَهله مَا كَانَ خاملا مهملا فِي أَيَّام من قبله وَفتح طَرِيق الْحَج وعمره وَعمر الْحَرَمَيْنِ واستقام الحجيج وابتاع الْكتب بأوفر الْأَثْمَان وأدر الجرايات للخزان

وَكَانَت سوق الْعلم فِي أَيَّامه قَائِمَة وَالنعَم على أَهله دارة وَكَانُوا مستطيلين على صُدُور أَرْبَاب الدولة أرفع النَّاس فِي مَجْلِسه لَا يحجبون عَن بَابه بتوسل بهم النَّاس فِي حوائجهم
هَذَا بعض كَلَام ابْن عقيل
وَحكى عبد الله الساوجي أَن نظام الْملك اسْتَأْذن السُّلْطَان ملكشاه فِي الْحَج فَأذن لَهُ وَهُوَ إِذْ ذَاك بِبَغْدَاد فَعبر دجلة وعبروا بالآلات والأقمشة وَضربت الْخيام على شط دجلة
قَالَ فَأَرَدْت يَوْمًا أَن أَدخل عَلَيْهِ فَرَأَيْت بِبَاب الْخَيْمَة فَقِيرا يلوح عَلَيْهِ سِيمَا الْقَوْم فَقَالَ لي يَا شيخ أَمَانَة توصلها إِلَى الصاحب
قلت نعم
فَأَعْطَانِي رقْعَة مطوية فَدخلت بهَا وَلم أنظر فِيهَا حفظا للأمانة ووضعتها بَين يَدي الْوَزير فَنظر فِيهَا وَبكى بكاء شَدِيدا حَتَّى نَدِمت وَقلت فِي نَفسِي لَيْتَني نظرت فِيهَا فَإِن كَانَ مَا فِيهَا يسوءه لم أدفعها إِلَيْهِ

ثمَّ قَالَ لي يَا شيخ أَدخل عَليّ صَاحب هَذِه الرقعة
فَخرجت فَلم أَجِدهُ وطلبته فَلم أظفر بِهِ فَأخْبرت الْوَزير بذلك فَدفع إِلَيّ الرقعة فَإِذا فِيهَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لي (اذْهَبْ إِلَى الْحسن وَقل لَهُ أَيْن تذْهب إِلَى مَكَّة حجك هَا هُنَا أما قلت لَك أقِم بَين يَدي هَذَا التركي وأعن أَصْحَاب الْحَوَائِج من أمتِي) فَرجع نظام الْملك
وَكَانَ يَقُول لَو رَأَيْت ذَلِك الْفَقِير حَتَّى أتبرك بِهِ قَالَ فرأيته على شط دجلة وَهُوَ يغسل خريقات لَهُ فَقلت لَهُ إِن الصاحب يطلبك
فَقَالَ مَا لي وللصاحب إِنَّمَا كَانَت عِنْدِي أَمَانَة فأديتها
قَالَ ابْن الصّلاح الساوجي هَذَا كَانَ خيرا كثير الْمَعْرُوف يعرف بشيخ الشُّيُوخ
وَحكى الْفَقِيه أَبُو الْقَاسِم أَخُو نظام الْملك أَنه كَانَ عِنْده لَيْلَة على أحد جانبيه والعميد خَليفَة على الْجَانِب الآخر وبجنبه فَقير مَقْطُوع الْيُمْنَى
قَالَ فشرفني الصاحب بالمواكلة وَجعل يلحظ العميد خَليفَة كَيفَ يُلَاحظ الْفَقِير
قَالَ فتنزه خَليفَة من مواكلة الْفَقِير لما رَآهُ يَأْكُل بيساره فَقَالَ لخليفة تحول إِلَى هَذَا الْجَانِب

وَقَالَ للْفَقِير إِن خَليفَة رجل كَبِير فِي نَفسه مستنكف من مواكلتك فَتقدم إِلَيّ وَأخذ يواكله
وَحكي عَنهُ أَنه كَانَ بهمذان وَقدم عَلَيْهِ ابْنه مؤيد الْملك من بَلخ فَإِنَّهُ كَانَ استقدمه لينفذه إِلَى بَغْدَاد حِين زوجه فَدخل عَلَيْهِ ووقف بَين يَدَيْهِ سَاعَة وَقضى للنَّاس حوائجهم فَلَمَّا أذن الْمُؤَذّن لصَلَاة الظّهْر وتفرق النَّاس نظر إِلَى ابْنه واستدناه فَجعل يقبل الأَرْض وَيَدْنُو فضمه إِلَيْهِ وَقبل بَين عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا بني توجه إِلَى بَيْتك إِلَى بَغْدَاد فِي ساعتك هَذِه
فودعه وَقبل يَده وَسَار من سَاعَته
والتفت نظام الْملك إِلَى من عِنْده وَقد تغرغرت عينه بالدموع وَقَالَ إِن عَيْش أحد البقالين أصلح من عيشي يخرج إِلَى دكانه غدْوَة وَيروح عَشِيَّة وَمَعَهُ مَا قسم لَهُ من الرزق فيجتمع هُوَ وَأَوْلَاده على طَعَامه وَيسر بقربهم مِنْهُ وحضورهم مَعَه وَهَذَا وَلَدي مَا رَأَيْته مُنْذُ ولد غير أَوْقَات يسيرَة وَقد نَشأ هَذَا المنشأ وَمَا يظْهر على مَا عِنْدِي من الحنو والشفقة فنهاري بَين أخطار وتكلف ومشاق وليلى بَين سهر وفكر تَارَة لتدبير الممالك والبلدان وَمن أرتب فِي كل صقع وَمَكَان وَمَا يخرج لكل وَاحِد من الْعَطاء وَالْإِحْسَان وَكَيف أرْضى هَذَا السُّلْطَان حَتَّى يمِيل إِلَيّ وَلَا يتَغَيَّر عَليّ وَبِأَيِّ أَمر أدفَع شَرّ من يقصدني فَمَتَى يكون لي زمَان ألتذ فِيهِ بنعمتي وأستدرك أفعالي بِمَا يَنْفَعنِي عِنْد لِقَاء رَبِّي وَبكى بكاء شَدِيدا
وَقَالَ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْملك الهمذاني قدم نظام الْملك إِلَى بَغْدَاد مرَّتَيْنِ وَكَانَ يباكر دَار السُّلْطَان وَيعود من الدِّيوَان إِذا أضحى النَّهَار فيخلو بِنَفسِهِ إِلَى وَقت الظّهْر وَيُصلي فيجلس ويحضر النَّاس وَيقْرَأ بَين يَدَيْهِ جُزْء من الحَدِيث على شيخ كَبِير عالي السَّنَد ويكرمه ويجلسه إِلَى جَانِبه وَيتَكَلَّم الْفُقَهَاء فِي الْمسَائِل وَيقْعد نظام الْملك مطأطأ الرَّأْس وَهُوَ يسمع جَمِيع مَا يجْرِي فِي الْمجْلس وَيسْأل الْحَوَائِج فِي أثْنَاء ذَلِك الْوَقْت ويجيب عَنْهَا وينعم بالأموال الطائلة والهبات الجزيلة

وَيُقَال كَانَ يتَصَدَّق فِي بكرَة كل يَوْم بِمِائَة دِينَار
وَلم تَبْرَح أُمُوره على مَا شرحناه وَفَوق مَا وصفناه إِلَى أَن خرج مَعَ السُّلْطَان من بَغْدَاد إِلَى أَصْبَهَان فِي شهر ربيع الأول سنة خمس وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة فَأَقَامَ بهَا شهورا فَلَمَّا انْقَضى الْحر توجها إِلَى بَغْدَاد فِي شهر رَمَضَان وَقد تغير السُّلْطَان على نظام الْملك بِأُمُور مِنْهَا مَا هُوَ من محَاسِن نظام الْملك وَهُوَ تَعْظِيمه لأمر الْخَلِيفَة وَكَانَ نظام الْملك يتَقرَّب بذلك إِلَى الله تَعَالَى
وَلما دخل على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمُقْتَدِي بِاللَّه أذن لَهُ فِي الْجُلُوس بَين يَدَيْهِ وَقَالَ لَهُ يَا حسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْك بِرِضا أَمِير الْمُؤمنِينَ عَنْك
وَكَانَ نظام الْملك يستبشر بِهَذَا ويفرح وَيَقُول أَرْجُو أَن الله تَعَالَى يستجيب دعاءه
وانضم إِلَى ذَلِك أَن تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم استولى على قلب السُّلْطَان وتوصل إِلَى أَن حظي بالمنزلة الرفيعة عِنْده وَلم يكن للسُّلْطَان من الْقُدْرَة أَن يعْزل نظام الْملك لشدَّة اسْتِيلَاء نظام الْملك على السلطنة
فَلَمَّا انفصلوا عَن نهاوند وعسكروا بجانبها فِي يَوْم الْخَمِيس عَاشر شهر رَمَضَان وحان وَقت الْإِفْطَار اتّفق فِي ليلته قتل نظام الْملك

شرح حَال مقتل نظام الْملك رَحمَه الله تَعَالَى
صلى نظام الْملك الْمغرب فِي هَذِه اللَّيْلَة وَجلسَ على السماط وَعِنْده خلق كثير من الْفُقَهَاء والقراء والصوفية وَأَصْحَاب الْحَوَائِج فَجعل يذكر شرف الْمَكَان الَّذِي نزلوه من أَرض نهاوند وأخبار الْوَقْعَة الَّتِي كَانَت بِهِ بَين الْفرس وَالْمُسْلِمين فِي زمَان أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَمن اسْتشْهد هُنَاكَ من الْأَعْيَان وَيَقُول طُوبَى لمن لحق بهم
فَلَمَّا فرغ من إفطاره خرج من مَكَانَهُ قَاصِدا مضرب حرمه فبدر إِلَيْهِ حدث ديلمي كَأَنَّهُ مستميح أَو مستغيث فعلق بِهِ وضربه وَحمل إِلَى مضرب الْحرم
فَيُقَال إِنَّه أول مقتول قتلته الإسماعيلية المسمون عندنَا بالفداوية فانبث الْخَبَر فِي الْجَيْش وصاحت الْأَصْوَات وَجَاء السُّلْطَان ملكشاه حِين بلغه الْخَبَر مظْهرا الْحزن والنحيب والبكاء وَجلسَ عِنْد نظام الْملك سَاعَة وَهُوَ يجود بِنَفسِهِ حَتَّى مَاتَ فَعَاشَ سعيدا وَمَات شَهِيدا فقيدا حميدا
وَكَانَ قَاتله قد تعثر بأطناب الْخَيْمَة فَلحقه مماليك نظام الْملك وقتلوه
وَقَالَ بعض خُدَّامه كَانَ آخر كَلَام نظام الْملك أَن قَالَ لَا تقتلُوا قاتلي فَإِنِّي قد عَفَوْت عَنهُ وَتشهد وَمَات
قَالَ فمضيت أَنا فَإِذا هُوَ قد قتل وَلَو قلت لما قبل قولي
ثمَّ اخْتلفت الْأَقَاوِيل فِي الْجَيْش فَمن قَائِل إِن الباطنية جهزوا إِلَيْهِ من قَتله فَإِن ابْن صباح رَأس الباطنية فِي ذَلِك الْوَقْت دخل على الْمُسْتَنْصر صَاحب مصر فَأكْرمه وَأمره أَن يَدْعُو إِلَى إِمَامَته فَعَاد إِلَى خُرَاسَان ونواحي الشرق يضل النَّاس وَأقَام بقلعة ألموت بِنَاحِيَة قزوين وَأظْهر الزّهْد إغواء للنَّاس وتسلم القلعة الْمَذْكُورَة بِالْجَبَلِ فَبلغ نظام الْملك فَأرْسل لَهُ عسكرا ضايقوه فَبعث هُوَ لما علم أَنه لَا قبل لَهُ بنظام الْملك من قتل نظام الْملك وَصَارَ الْإِقْدَام على الْقَتْل سنة للباطنية واستفحل أَمرهم بعد الصاحب وَهَذَا القَوْل هُوَ الْأَقْرَب عِنْدِي إِلَى الصِّحَّة

وَمن قَائِل إِن السُّلْطَان هُوَ الَّذِي دس عَلَيْهِ هَذَا الْقَاتِل وَذكروا لذَلِك أسبابا ظَهرت على السُّلْطَان حاصلها أَنه كَانَ بَينهمَا وَحْشَة من قبل أَن نظام الْملك كَانَ يعظم أَمر الْخَلِيفَة كَمَا قدمْنَاهُ وَكلما أَرَادَ السُّلْطَان نزع الْخَلِيفَة مَنعه النظام وَأرْسل فِي الْبَاطِن إِلَى الْخَلِيفَة ينبهه ويرشده إِلَى استمالة خاطر السُّلْطَان وَلم يكن النظام يفعل ذَلِك إِلَّا تدينا وذبا عَن حَرِيم الْخلَافَة وَإِلَّا فقد كَانَت حَالَته وحشمته إضعاف أَحْوَال الْخُلَفَاء
وَفِي حُدُود سنة سبعين لما فهم النظام التَّغَيُّر من السُّلْطَان على الْخَلِيفَة أرسل إِلَى الْخَلِيفَة وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَن يخْطب ابْنة السُّلْطَان لينسج الود بَينهمَا فَخَطَبَهَا وَكَانَ السفير بَينهمَا الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ صَاحب التَّنْبِيه فَتزَوج بهَا وَدخل بهَا فِي أول سنة ثَمَانِينَ وَكَانَ عرسا هائلا تناقل أخباره المؤرخون فاستمرت مَعَه إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ أرْسلت إِلَى والدها تَشْكُو من الْخَلِيفَة كَثْرَة اطراحه لَهَا فَأرْسل يطْلب بنته مِنْهُ طلبا لَا بُد مِنْهُ فأرسلها الْخَلِيفَة وَمَعَهَا وَلَدهَا جَعْفَر فَذَهَبت فَمَاتَتْ بأصبهان فِي ذِي الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ
فَلَمَّا كَانَ شهر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ توجه السُّلْطَان من أَصْبَهَان إِلَى بَغْدَاد عَازِمًا على تَغْيِير الْخَلِيفَة وَعرف أَن ذَلِك لَا يتم لَهُ ونظام الْملك فِي الْحَيَاة فَعمل على قَتله قبل الْوُصُول إِلَى بَغْدَاد حَسْبَمَا شرحناه

وَكَانَ من ذنُوب نظام الْملك عِنْده غير مَا ذَكرْنَاهُ اسْتِيلَاء أَوْلَاده على الممالك وَشدَّة وطأته وَأَنه بِالآخِرَة ولى ابْن ابْنه مرو فَتوجه إِلَيْهَا وَمَعَهُ شحنة السُّلْطَان فَجرى بَين شحنة السُّلْطَان بمرو وَبَين ولد نظام الْملك مَا أغضبهُ عَلَيْهِ فَعمل ابْن نظام الْملك وَقبض على الشّحْنَة فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان الْخَبَر غضب وَبعث جمَاعَة إِلَى نظام الْملك يعتبه ويوبخه وَيَقُول إِن كنت شَرِيكي فِي الْملك فَلذَلِك حكم وَهَؤُلَاء أولادك قد استولى كل وَاحِد مِنْهُم على إقليم كَبِير وَلم يَكفهمْ حَتَّى تجاوزا أَمر السياسة
فأدوا الرسَالَة إِلَى نظام الْملك
فَيُقَال إِنَّه قوى نَفسه وَأخذ يُجيب بِأُمُور وَأَنه قَالَ فِي آخر كَلَامه إِن كَانَ لم يعلم أَنِّي شَرِيكه فِي الْملك فَليعلم
فَاشْتَدَّ غضب السُّلْطَان وَعمل عَلَيْهِ الْحِيلَة سِنِين حَتَّى تمت لَهُ فِي هَذِه السّنة
وَيُقَال إِن أول تَغْيِير خاطره عَلَيْهِ من سنة سِتّ وَسبعين وَمِمَّنْ كَانَ غير خاطره عَلَيْهِ فِي هَذِه السّنة سيد الرؤساء أَبُو المحاسن ابْن كَمَال الدّين ابْن ابي الرِّضَا وَهُوَ رجل تقرب إِلَى خاطر السُّلْطَان فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ أَبوهُ كَمَال الْملك يكْتب الْإِنْشَاء للسُّلْطَان وَكَانَ أَبُو المحاسن هَذَا عِنْده جَرَاءَة فَقَالَ للسُّلْطَان أَيهَا الْملك سلم إِلَيّ نظام الْملك وَأَنا أُعْطِيك ألف ألف دِينَار فَإِنَّهُم قد أكلُوا الْبِلَاد
فَبلغ ذَلِك نظام الْملك فَمد سماطا وَأقَام عَلَيْهِ مماليكه وهم أُلُوف من الأتراك وَأقَام سِلَاحهمْ وخيلهم ودعا السُّلْطَان فَلَمَّا حضر قَالَ لَهُ إِنِّي خدمتك وخدمت أَبَاك وَجدك ولي حق خدمَة وَقد بلغك أخذي لأموالك وَصدق الْقَائِل أَنا آخذ المَال وأعطيه لهَؤُلَاء الغلمان الَّذين جعلتهم لَك وأصرفه أَيْضا فِي الصَّدقَات وَالْوُقُوف والصلات الَّتِي مُعظم ذكرهَا لَك وأجرها لَك وأموالي وَجَمِيع مَا أملكهُ بَين يَديك وَأَنا أقنع بمرقعة وزاوية فصفا لَهُ السُّلْطَان وَأمر أَن تسمل عينا أبي المحاسن ونفذه إِلَى قلعة ساوة فَسمع أَبوهُ كَمَال الْملك الْخَبَر فَاسْتَجَارَ بنظام الْملك وَحمل مِائَتي ألف دِينَار وعزل عَن الطغراء يَعْنِي كِتَابَة السِّرّ ووليها مؤيد الْملك بن نظام الْملك

وَمن قَائِل لم يصف لَهُ السُّلْطَان بَاطِنا وَلَكِن عرف عَجزه عَنهُ
وَهَذِه الْحِكَايَة حَكَاهَا ابْن الْأَثِير وأظن نظام الْملك كَانَ أعظم من أَن يطْلب مِنْهُ ألف ألف دِينَار وَلَعَلَّ هَذَا الْمبلغ يسير مِمَّا يصل إِلَيْهِ كل عَام
ثمَّ لم يمتع السُّلْطَان بعد قتل نظام الْملك وَلم يلذ لَهُ عَيْش بل تنكدت أَحْوَاله وتعكست أُمُوره
وَأما نظام الْملك فَحمل مَيتا إِلَى أَصْبَهَان وَدفن هُنَاكَ بمحلة لَهُ
فَأَما السُّلْطَان فاستمر ذَاهِبًا إِلَى بَغْدَاد واستوزر تَاج الْملك أَبَا الْغَنَائِم وَقدم بَغْدَاد متمرضا وَهِي الْمُقدمَة الثَّالِثَة فَإِنَّهُ لم يعبرها غير ثَلَاث مَرَّات وَوجد المقتدى قد جعل وَلَده المستظهر بِاللَّه ولي الْعَهْد فألزمه أَن يعزله وَيجْعَل ابْن بنته جعفرا ولي الْعَهْد وَكَانَ طفْلا وَأَن يسلم بَغْدَاد لَهُ وَيخرج إِلَى الْبَصْرَة تكون دَار خِلَافَته فشق ذَلِك على الْخَلِيفَة وَبَالغ فِي استعطاف ملكشاه واستنزله عَن هَذَا الرَّأْي فَلم يفعل فاستمهله عشرَة أَيَّام ليتجهز فَقيل إِن الْخَلِيفَة جعل يَصُوم ويطوي وَإِذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فقوي مَرضه وَمَات

وَالْحَاصِل أَنه بعد نظام الْملك لم يمتع بِملكه وَلم يَعش غير شهر وَاحِد وَأَن الْوَزير تَاج الْملك أَيْضا وَكَانَ رجلا خيرا كَمَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته لم يمتع
وَيُقَال من سَعَادَة ذِي المنصب أَلا يَلِيهِ بعده كفو لَهُ فصادف أَنه ولي مَكَان نظام الْملك فمقته الْخلق مَعَ جودته وَجرى لَهُ مَا سنشرحه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته
وَوصل الْخَبَر إِلَى بَغْدَاد بوفاة نظام الْملك فَجَلَسَ الْوَزير عميد الدولة للعزاء وَحضر النَّاس على اخْتِلَاف طبقاتهم
وَرَأى صَاحب الْعدة الْحُسَيْن الطَّبَرِيّ فِي مَنَامه حِين توفّي نظام الْملك مَكْتُوبًا على أَدِيم السَّمَاء بالنجوم رفع الْعدْل عَن أهل الأَرْض
وَرَآهُ آخر فِي الْمَنَام وَهُوَ متوج بتاج مرصع بجوهر قَالَ فَقلت لَهُ بِأَيّ شَيْء بلغت هَذِه الْمنزلَة فَقَالَ بِفضل الله وَحده
وَمَات نظام الْملك وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة
وَمن الرِّوَايَة والفوائد عَن نظام الْملك
أخبرنَا عبد الْغَالِب بن مُحَمَّد بن عبد القاهر الماكسيني بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ بِدِمَشْق أخبرنَا عبد الْمُنعم بن يحيى بن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ الْخَطِيب أخبرنَا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي الْمَعَالِي عبد الله بن جَامع الْبناء الصُّوفِي فِي سنة ثَمَان وسِتمِائَة أخبرنَا نصر بن نصر العكبري أخبرنَا نظام الْملك أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق الْوَزير أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن مَنْصُور بن خلف أخبرنَا أَبُو طَاهِر بن خُزَيْمَة حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السراج حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا مَالك بن أنس عَن عَامر بن عبد الله بن الزبير عَن عَمْرو بن سليم الْأنْصَارِيّ عَن أبي قَتَادَة السّلمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ (إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَسْجِد فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس)
قَالَ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ قَرَأت فِي كتاب سر السرُور لصديقنا القَاضِي أبي الْعَلَاء مُحَمَّد بن مَحْمُود الغزنوي أَن نظام الْملك صَادف فِي سفر رجلا فِي زِيّ الْعلمَاء قد مَسّه الكلال فَقَالَ لَهُ أَيهَا الشَّيْخ أعييت أم أعييت فَقَالَ أعييت
فَتقدم إِلَى حَاجِبه بِتَقْدِيم بعض الجنائب إِلَيْهِ والإصلاح من شَأْنه وَأخذ فِي اصطناعه
وَإِنَّمَا أَرَادَ بسؤاله اختباره فَإِن عيى فِي اللِّسَان وأعيى كل وتعب
قَالَ أَبُو الْخَيْر دلف بن عبد الله بن مُحَمَّد التبَّان الْبَغْدَادِيّ سَمِعت الإِمَام عبد الرَّحِيم ابْن الشَّافِعِي الْقزْوِينِي بقزوين يَقُول دخل أَبُو عَليّ القومساني على نظام الْملك أبي عَليّ الْوَزير فِي مرضة مَرضهَا يعودهُ فَأَنْشَأَ يَقُول
(إِذا مرضنا نوينا كل صَالِحَة ... فَإِن شفينا فمنا الزيغ والزلل)
(نرجو الْإِلَه إِذا خفنا ونسخطه ... إِذا أمنا فَمَا يزكو لنا عمل)
فَبكى نظام الْملك وَقَالَ هُوَ كَمَا يَقُول

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

يوجد له ترجمة في كتاب: (بغية الطلب في تاريخ حلب - لكمال الدين ابن العديم)