خليل بن أسعد بن أحمد بن كمال الدين الصديقي

تاريخ الولادة1098 هـ
تاريخ الوفاة1173 هـ
العمر75 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةاستانبول - تركيا
أماكن الإقامة
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • بلاد الروم - بلاد الروم
  • استانبول - تركيا
  • دمشق - سوريا
  • القدس - فلسطين

نبذة

خليل بن أسعد بن أحمد بن كمال الدين الصديقي الدمشقي نزيل قسطنطينية الحنفي قاضي القضاة الصد الجسور المقداد الألمعي كان من أفراد الزمان فقيهاً عالماً فاضلاً أديباً بارعاً نبيهاً حاذقاً عارفاً فطناً ذيقاً ذهن وقاد وهمة دونها الثريا وطلاقة لم تدع لقاتل مجالاً مع النطق الحسن.

الترجمة

خليل بن أسعد بن أحمد بن كمال الدين الصديقي الدمشقي نزيل قسطنطينية الحنفي قاضي القضاة الصد الجسور المقداد الألمعي كان من أفراد الزمان فقيهاً عالماً فاضلاً أديباً بارعاً نبيهاً حاذقاً عارفاً فطناً ذيقاً ذهن وقاد وهمة دونها الثريا وطلاقة لم تدع لقاتل مجالاً مع النطق الحسن حيث إذا تكلم تعشق الآذان لسماع نوادره وطلاقته وله النظم والنثر البديعان ولد بدمشق في سنة ثمان وتسعين وألف ونشأ بها في كنف والده وتنبل وحضر الدروس وقرأ على جماعة في العلوم والأدب وتخرج على يد الشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وقرأ عليه وكذلك على الشيخ عبد الجليل ابن أبي المواهب الحنبلي وأنتفع به وعلى والده والشيخ عثمان بن محمود القطان وعلى الشيخ علي الشمعة والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ محمد الكاملي وتفوق ومهر بالعلوم وجالس الأفاضل والأدبا وازدان به وجه الزمان وظهرت عليه علامات الرشد والفلاح ثم لما قدم جده قاضياً إلى مكة كما أسلفنا ذكر ذلك في ترجمته اصطحبه معه للحج مع والده وأقاربه وكان جده يرى فيه الرشد ويوصي والده به ثم لم يزل مستضياً ظلال نعم والده متنعماً في بلهنية العيش الهنية إلى أن مات والده فارتحل بعده إلى اسلامبول في زمن الوزير رجب باشا ثم انه عاد إلى دمشق واستقام بها ففي أثناء استقامته توفي مفتي الحنفية بدمشق المولى الهمام محمد بن إبراهيم العمادي وذلك في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف فانعقد الاجماع من أهالي دمشق على أن يصيروا مفتياً الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فذهبوا لعنده وأبرموا عليه في ذلك فلم يرتضي وأبى فلم يزل يلحون عليه ويبرمون جميعهم إلى أن قبلها فكتبوا العروض للدولة العلية بذلك وصار الاستاذ النابلسي يكتب على الاسئلة الفقيهة فما استقام الخبر الا وجاءت الأخبار بورود الفتيا لصاحب الترجمة ثم انه ندم على فعله مع الشيخ النابلسي في ذلك لكونهم محبتهم معه قديمة وكان الاستاذ مرة فدا والد المترجم بعينه لأمر أوقع فيه بالهلاك وصار الاستاذ بعين واحدة إلى أن مات ثم لما كان مفتياً باشر بالهمة العلية وكأنت في تلك الأوقات دمشق الشام مشحونة بالظلم والعدوان وواليها الوزير عثمان باشا الشهير بأبي طوق فلما وجهت حكومة دمشق إلى الوزير إسماعيل باشا ابن العظم اصطلحت الفتن وكان المترجم الساعي في هذه الحيرية وتمهيد الفساد وقتل أربعة أنفار من المعلومين منهم صالح بن سليمان شيخ الأرض والصوباشي واهينت العوانية الذين تمردوا في زمن أبي طوق وخلت دمشق من الفساد ونظمت محاسنها بعدما كأنت منتشرة ثم ان المترجم ما استقام بدمشق وذهب إلى دار الخلافة قسطنطينية بالروم ثانياً واستقام بها إلى أن مات وكأنت له ملازمة في الأصل من شيخ الاسلام المولى فيض الله حسن جان زاده ولازم على طريقة قاعدة الموالي الرومية وسلك طريقهم وتنقل بالمدارس حتى وصل إلى رتبة الصحن فلما كان شيخ الاسلام المولى أبو الخير أحمد دامات زاده مفتياً بالدولة كان المترجم من المنتمين إليه فلما عزل وتولى مكانه افتاء الدولة شيخ الاسلام المولى اسحق كان المترجم بدمشق فارتحل عند وصول خبر صيرورته للروم ولما وصل بعد أيام قلائل أرسل له الأمر بقضاء طرابلس الشام وأخرجه من طريق الموالي إلى طريق الموالي الأوسط لكونه منتمياً لداماد زاده وكان المولى اسحق المذكور بينه وبين داماد زاده عدأوة كلية فرجاه برفعه ووقع عليه فلم يكن إلى أن وصل إلى السليمانية فدرس بها في الهداية ثم في سنة ثمان وخمسين ومائة وألف ولي قضا القدس الشريف وقدم دمشق وارتحل للقدس ثم عاد وارتحل لقسطنطينية واستقام بها إلى سنة خمس وستين ففيها ولي قضاء دمشق وقدم اليها وامتدح عند وروده بالقصائد الغر ونقل مجلس الحكم إلى داره في قرب المارستان النوري كما فعل جده حين ولي قضاء دمشق ثم بعد مضي مدته سافر إلى الروم وتولى قضاء مكة رتبة ثم صار قاضياً في دار الملك مع رتبة قضاء عسكر اناطولي فشاع صيته وذاع إلى أن وصل خبره للسلطان الأعظم مصطفى خان رحمه الله تعالى حتى انه ألبسه في حضرته فروة من السمور وضبطها ضبطاً لم يسبق إليه ولم تطل مدته بها حتى توفي وترجمه الشيخ السمان في كتابه وقال في وصفه ماجد وضعته العلياء في مفرقها اكليلاً وأطلعته بدراً في أفق مشرقها واكليلاً فاعتام زهر المجد اعتياما واقتعد منه سماء لم تقبل خرقاً ولا التئاماً بهمة تركت الأفلاك لحشدها قبيلاً والنيرين وسعانها لثماً وتقبيلاً حتى فاز من المعالي بالقدح المعلى وازدان به جيداً الليالي وتحلى إلى تيقظ يستزل النهى ويستنزل من الأفق السهى وشهامة تأنف أن يكون الدوار لها عبداً وتستكبر ان يتخذ عندها يداً وعهداً وناهيك بمن لم يفعم أطرافه من القوى حتى على نوابغ السؤدد احتوى وعلى منصة المحامد استوى ففاق بفياقته الأول وأسرعت لطاعته الدول وتفيات بابه الفتوى وتاهت به عجباً وهوا فاستقام له أمرها ولم  يطل عمرها فطلب مقر الملك ومنداه والتحف برد السرى وارتداه فحل منه بين ذراعي الأسد وجبهته وبشرت بنجح مطالبه مطالع وجهته فحيته بالداخل والخارج وعرت به في تلك المعارج حتى تأرج ثالث الحرمين بأحكامه وأريج باب الرشوة في أيامه ثم تولى من الشام القضاء ونار منهج الشريعة بوجوده وأضاء حتى أقلع عنها غمامه الساكب وسار إلى الروم مسير الكواكب ولي معه علاقة مورثه وقصايد في مدحه مبثوثه لم ينازعني فيها معنى ولا رقم ولا تلعثم بها لسان ولا قلم ولما حللت قسطنطينية أحلني حماه وأمدني برأفته ورحماه وقد سقطت منه على الخير من غور يدك له ثبير وفضل ولسن ومنطق حسن إذا تكلم لم يدع لقائل مجالاً وأفحم كل منطق استرسالاً وإذا أنتسب فدون سلسلة فخر المجره أو أنتهى وافت له النجوم منجره مع أدب مستودع قلائد العقيان ونظم ونثرهما سحر البيان وسأتلو عليك منهما نوادر بهز الأريب لها عطفه ويجعل نحوها البليغ التفاته وعطفه أنتهى مقاله وقد امتدحه الشيخ أحمد الكردي الدمشقي بهذه القصيدة حين ولي الافتاء بدمشق وهي أجود ما امتدح به من القصائد في ذلك الوقت ولحسنها ذكرتها برمتها وهي قولهاعتام زهر المجد اعتياما واقتعد منه سماء لم تقبل خرقاً ولا التئاماً بهمة تركت الأفلاك لحشدها قبيلاً والنيرين وسعانها لثماً وتقبيلاً حتى فاز من المعالي بالقدح المعلى وازدان به جيداً الليالي وتحلى إلى تيقظ يستزل النهى ويستنزل من الأفق السهى وشهامة تأنف أن يكون الدوار لها عبداً وتستكبر ان يتخذ عندها يداً وعهداً وناهيك بمن لم يفعم أطرافه من القوى حتى على نوابغ السؤدد احتوى وعلى منصة المحامد استوى ففاق بفياقته الأول وأسرعت لطاعته الدول وتفيات بابه الفتوى وتاهت به عجباً وهوا فاستقام له أمرها ولم يطل عمرها فطلب مقر الملك ومنداه والتحف برد السرى وارتداه فحل منه بين ذراعي الأسد وجبهته وبشرت بنجح مطالبه مطالع وجهته فحيته بالداخل والخارج وعرت به في تلك المعارج حتى تأرج ثالث الحرمين بأحكامه وأريج باب الرشوة في أيامه ثم تولى من الشام القضاء ونار منهج الشريعة بوجوده وأضاء حتى أقلع عنها غمامه الساكب وسار إلى الروم مسير الكواكب ولي معه علاقة مورثه وقصايد في مدحه مبثوثه لم ينازعني فيها معنى ولا رقم ولا تلعثم بها لسان ولا قلم ولما حللت قسطنطينية أحلني حماه وأمدني برأفته ورحماه وقد سقطت منه على الخير من غور يدك له ثبير وفضل ولسن ومنطق حسن إذا تكلم لم يدع لقائل مجالاً وأفحم كل منطق استرسالاً وإذا أنتسب فدون سلسلة فخر المجره أو أنتهى وافت له النجوم منجره مع أدب مستودع قلائد العقيان ونظم ونثرهما سحر البيان وسأتلو عليك منهما نوادر بهز الأريب لها عطفه ويجعل نحوها البليغ التفاته وعطفه أنتهى مقاله وقد امتدحه الشيخ أحمد الكردي الدمشقي بهذه القصيدة حين ولي الافتاء بدمشق وهي أجود ما امتدح به من القصائد في ذلك الوقت ولحسنها ذكرتها برمتها وهي قوله
سقاها وان لم يطف حر غليلي ... ملث الحيا من أربع وطلول
وحاك لها كف الثريا مطارفا ... تسدي بأيدي شمأل وقبول

لئن حال رسم الدار عما عهدته ... فعهد الهوى في الدار غير محيل
اذ لدار من لمياء غير طروحة ... وشعب اللقا لم ينصدع برحيل
خليلي قد هاج الغرام وشاقني ... سنا بارق بالرقمتين كليل
يلوح خفي الومض حتى كأنه ... تكلف بشر في جبين تخيل
فميلا بأعناق المطي لعلها ... تقيل بظل في الاراك ظليل
فدون الكثيب الفرد بيض عقائل ... لعبن بأهواء لنا وعقول
وفي الكلة الحمراء بيضاء أصبحت ... أسيرة حسن في قيود حجول
من البابليات العيون كأنما ... تدير لنا باللحظ كأس شمول
محجبة يحمون ورد رضابها ... بسمر رماح أو ببيض نصول
لها فتكات الأسد في كل مهجة ... وطرف مهاة بالصريم خذول
عدت مقلتي فاحمر منها مدامع ... بخد لها مثل الشقيق أسيل
إذا قلت قد انحلت جسمي صبابة ... تقول وهل صب بغير نحول
وحتى م استشفى بسقم جفونها ... وهل في عليل من شفا لعليل
وليلة ودعت الرقاد مسامرا ... شجوني كما شاء الهوى ونحولي
طرقت حمى لمياء والنسر في الدجى ... صليب لجين في مسوح أبيل
ولا بد من خوض الفتى دون حبها ... مدامع صب أو دماء قتيل
فما أنا بالناسي الحياة مقالها ... وقد راعها للخدر وشك دخولي
أعنترة العبسي أنت فلم ترع ... باسد الشرى من اسرتي وقبيلي
فقلت لها ما خفت مذاناً عاشق ... طعان رماح أو نزال رعيل
ولا هبت صرف الدهر مذاناً منتم ... إلى ركن عز من جناب خليل
أخي الرتبة القعساء والأروع الذي ... يحدث جيلاً عن علاه لجيل
فذاك الفتى لا جوده بممنع ... ولا جاره في ظله بذليل
غنى عن الايضاح أصلاً ونسبة ... وهل أحوجت شمس الضحى لدليل
سما بمعال سار في الأرض ذكرها ... وفخر على هام الزمان أثيل
ورأى كصدر السمهري مثقف ... وعزم كمتن المشرقي صقيل

غدا مغرماً بالمكرمات فلم يطع ... بها قول واش أو ملام عذول
وكم كحلت من مهرها مقلة العلى ... مرأود أقلام لديه مثول
تكاد ترى خضراً إذا هو مسها ... بغيث ندى من اصبعيه همول
أنجل رفيق الغار بل سبط أحمد ... وأكرم فرع ينتمي لأصول

تهن بفتوى بل فتاه مهرتها ... نصيحة اسلام وحسن قبول
ببابك قد حلت فحليت جيدها ... وجرت بفضل منك فضل ذيول
وأنت الفتى مذ كان منك اشتقاقها ... فعادت لأصل في الكمال أصيل
فدمت تنال النجم عزا وسؤددا ... بباع على طول الزمان طويل
تلوذ بك الراجون هدياً ونائلاً ... ويغشى حماك الرحب كل نبيل
وغفرا لعبد زلة من قصوره ... بموقف مدح بالفحول ذليل
على أنني للكرد والشعر فيهم ... أقل وجوداً من وفاء مطول
ولكن معانيك البديعة صيرت ... إلى المكن بل للعجم أفصح قيل
وبقيت وطرف النجم يا من سموته ... لذاتك لما يكتحل بمثيل
مدى الدهر ما ورقاء غنت بروضة ... وسارت بنص في الفلا وذميل
وكان للمترجم نظم باهي باهر ونثر زاهي فمن نظمه قوله من قصيدة نبوية مطلعها
أي دمع لا يسحوشبح في الحب يصحومن ملام فتت الاح
شاء والشوق ملحكيف أصحو من غرامفيه للعشاق نحج
يا عذولي دع ملاميفدوام اللوم قبحان قلبي فيه من نار الجوى قدح ولفح
ومنها
يا نداماى وهل للدهر بعد البين صفحان قلبي طير شوق
دابه نوح وصدحبعت روحي منه في سوق الهوى والسقم ربح

ولسلواني بابماله بالعدل فتحيا حبيبي صل معنى
من هيام ليس يصحووترفق بفؤادفيه من قدك رمح
ودع الهجر فقلبيآن أن يثنيه مدحلرسول جاء بالان
وار ليل الشك يمحومنقذ الناس إذا ماهالهم في الحشر رشح
سيد الكونين من ذكراه لي طيب ونفحواسع الصدرا إذا ضاق بأهل الأرض فسح
منها
وبه الأكدار زلت ... حين مس القوم قرح
وبه الآفاق ضاءتوانجلى للكون جنحوهو غوث وغياث
وبه السقم يصحوله القدح المعلىويداه لا تشح
مدحه فرض ولكنليس يحصى ذاك شرحيا نبي الله يا من
أنت للراجين نحجعجل البرء لداعدمعه بالبين سفح
فعسى تشفي عليلاًشقه ضعف وكدححيث لي فيكم وفي الصد

ديق أنساب تصحفعليك الله صلىما غدا للطرف لمح
وعلى آل وصحبمن لهم في الدين نصحسيما الصديق من مد
حي له كسب وربحوعلى الفاروق من أيديه بالخير تسح
وعلى عثمان من زين به للدين قدحوعلى الكرار من تم
به للآل مدحأمد الدهر دواماًما بدا في الأفق صبح
ومن شعره الباهر يمدح ادباء دمشق بقوله
سمح الدهر باغتنام ليال ... طاب فيها السرور بالندمان
فاجتنينا ثمار دوح وصال ... واقتطفنا أزهار روض الأماني
وسمعنا صوت الأناشيد تتلى ... ببديع الغناء والالحان

وشممنا عبيرود صحاب ... كل شهم سما على كيوان
سيما الصادق الحبيب ومن قد ... بهر الناس فضله كل آن
شمس أفق الكمال بدر سماء ال ... فضل والعلم قدوة الأعيان
وكذا الكامل الشريف خدين ال ... مجد والسعد مصطفى الاخوان
فخر أهل الآداب انسان عين ال ... علم أنعم بذلك الانسان
والمفدى الفريد عاصم رأى ... من تسامى بنوره النيران
ثم فتح الزمان قرة عيني ... ووحيد الأوان والخلان
فهما في سما السعود كنجمين ... ينبران أو هما بدران
وسعيد شقيق روحي وخلي ... فهو لا شك زهر روض المعاني
فتراه كالمسك يهدي عبيراً ... أو كبحر أضاء بالعقيان
ثم ذخري محمد وملاذي ... كنز بحر العلوم والتبيان
وهو خدن الكمال غيث سحاب ال ... فضل والجود زائد العرفان
وشريف الخصال سعدي وفخري ... عقد جيد الفهوم والاتقان
فكره ثاقب كصبح تبدي ... فيريك الخفي مثل العيان
وكذاك الوحيد أسعد صحب ... ليس تلقى للطفه من يداني
قد تباهت به الفضائل فخراً ... فهو لا بدع سعد هذا الزمان
والزهيري أحمد المقوم من حا ... ز فخاراً يسمو على الأقران
سيد ساد قدره وتسامى ... نسبة في الورى إلى العدناني
يا سقي عهدهم بمربع أنس ... حيث كنا من الردى في أمان
وأدام المهيمن الحق فيهم ... كل بيت مشيد الأركانوحباهم مراتب الغر والسعد ... دواماً ونيل كل تهاني
ما نعمنا بمجمع الشمل منهم ... وحظينا من قربهم بالأماني
فأجابه الشيخ سعدي العمري بقوله
درر القطر في طلي الأفنان ... نظمت أم قلائد العقيان
أم أسارير غرة قد تجلت ... تحت ديجور فاحم فينان
أم سطور من البلاغة جرت ... ذيل آياتها على سحبان
وأدارت على المسامع منا ... كاس فضل متوج ببيان
يالها أسطر حبست عليها ... جمر فكري وناظري ولساني
فنظمت المديح منها عقوداً ... لوحيد الكمال والعرفان
من حوى في ذرى العلاء محلاً ... وقفت دون منتهاه الأماني
وارتقى في معارج الفضل حتى ... قد غدا منه في أعز مكان
فاق في نثره البديع كما قد ... تاه في نظمه على حسان
فهو البارع الذي حاز فضلاً ... قصب السبق يوم عقد الرهان
واغتدى الغر في حماه وضحى ... يتحامى سطاه ريب الزمان
يا وحيداً به المفاخر تهفو ... هدب أعلامها على كيوان
هاك مني خريدة أبدعتها ... فكرة تملأ الطروس معاني
وابق في دوحة السرور بعز ... يتوالى بالبر والاحسان
ما تبدت عقودك الغر تحكي ... درر القطر في طلى الأفنان
ثم كتب المترجم جواباً بقوله
وافت عروسة فكر تزدهي شرفاً ... في حلة الحسن تهدي فرط احسان
جواهر قلدت جيد الزمان وقد ... فاقت فصاحة قس ثم سحبان
عقودها حيرت سمعي ومذ ظهرت ... خلنا اللآلئ في أسلاك عقيان

لله در فريد ناظم درراً ... تزري بنظم فصيح العرب حسان
فهو الهمام البليغ الشهم من بهرت ... منه الكمالات في علم واتقان
لساسانه سايح في بحر فكرته ... فينظم الشعر من در ومرجان
آدابه روضة والفضل رونقها ... ولفظه زهر يبدو كتيجان
فيا وحيداً لقد فاق الأنام علا ... ونال مجداً أثيلاً جل عن ثاني
اليك غيداء قد أهديت غانية ... تسبي الأنام بقد ماس كالبان
فأسبل عليها رداء الستر منك كما ... يعفو الكريم بلا من عن الجاني

وأسلم بعز وريف ما الرياض زهت ... برونق الزهر من ورد وريحان
فأجابه الشيخ سعدي العمري ثانياً بقوله
سلافة الفضل في أقداح عرفان ... دارت علينا بها آيات حسان
حلت بماء بلاغات وقد عقدت ... تاج الفصاحة مشمولاً باتقان
ألقت على السمع نوراً من أشعتها ... فهز فكري به أعطاف نشوان
ونافحت مهجة لا الورد يعطفها ... عنها ولا نسمات الشبخ والبان
فبت أنظم من شمائلها ... بدائعاً ما احتواها فكر سحبان
لمن أعار الربا أنار شيمته ... فرأوحت بشذا رند وريحان
مولى كأن الأماني غرس راحته ... حتى غدا من رباها القاطف الجاني
من لم يدع لصروف الدهر غير يد ... شلا بهمته عن قرع انسان
يا واحداً لم يزل ووض الكمال به ... معللاً بندا من واحسان
اليك عذارا في أثواب تهنية ... بخير عام حليف اليمن جذلان
ودم بأسنى المعالي ما أدرت لنا ... سلافة الفضل في أقداح عرفان
وكتب اللوذعي السيد مصطفى الصمادي للمترجم

يوم أغر وليلة غراء ... نعم الصباح وحبذا الامساء
أحبب به يوماً تلته ليلة ... حسدت سناً اشراقها الأضواء
بتنا وعين الحظ يقطى لم تنم ... والدهر ملء جفونه اغفاء
والشمل مجتمع بصحب نظموا ... عقداً عليه بهجة وبهاء
وخليل وسطى العقد كنز المجد في ... جيد الزمان يتيمة عصما
فخر الأكارم من بني الصديد من ... فاقت به آباءها الابناء
البارع الندب المجيد بدائعاً ... تنمو فليس يحدها الاحصاء
سحر البلاغة في فصاحة لفظه ... سحبان عند بيانه فافاء
في الطرس ينثر من عقود أوشكت ... تهوي لتلقط درها الجوزاء
ملك الكمال كساه برد وقاره ... ان الملوك لها الوقار كساء
يقظ الجنان ولوذعي الفكر لم ... تسبق بوادي رأيه الآراء
ينبي بأعقاب الأمور كأنما ... تبدي حقائقها له الأشياء
رقت شمائله كما بكرت على ال ... روض الشمال تبلها الانداء
لو جاء في العصر القديم لانبا ... بعظم أخلاق له الانباء
مولاي يا بن أجل من وطئ الثرى ... بعد النبي وحسبك العلياء

خذها خريدة خدر فكرا قلت ... تسعى اليك وحليها اسحياء
والعفو عن تأخير مدحك مهرها ... وبمهرها تستملك الحسناء
فامنن وقابل بالقبول قصورها ... عن بعض وصفك تعجز البلغاء
واسلم ودام ما رأوحتك وباكرت ... تتلى عليك مدائح وثناء
فأجابه المترجم بقوله
بدر الفصاحة لاح منه ضيآ ... أم زهر طرس أفقها الآراءأم تلك أنوار بدت من غادة ... سكرت بنشر حديثها الندماء
مياسة الأعطاف يخجل حسنها ... بدر السماء وهكذا الحسناء
فتانة الألحاظ ملء جفونها ... غمز بها لقتالنا ايماء
فجبينها اللاهي وطرة شعرها ... تعم الصباح وحبذا الامساء
أم زهر روض الفضل فتح نوره ... فتارجت بشميمه الأدباء
أم هذه الأقمار من فلك العلى ... ضاءت بها الأكوان والأرجاء
بل هذه آيات سحر بلاغة ... من سيد دأنت له الفصحاء
الماجد الفرد الذي أخلاقه ... لطف النسيم بها ورق الماء
مولى أعار أولى الفضائل برده ... فتمسكت بذيوله البلغاء
ذو نسبة لا الزهر في اشراقها ... كلا ولا الأنوار والأضواء
كم قد شهدنا من بدائع لفظه ... درراً تضئ بحسنها الجوزاء
يختال في حلل العلوم كأنما ... هزت معاطف فضله صهباء
فهو الذي اتخذ الكمال سجية ... وعلت بطيب أصله العلياء
وهو ابن خير المرسلين المصطفى ... من أشرقت بجبينه الظلماء
يا أيها المولى الذي أفكاره ... سجدت لعقد نظامها الشعراء
خذ بنت فكر بالحياء توشحت ... ان الغواني طبعهن حياء
وأسبل عليها ثوب عفوك انما ... يعفو ويسمح سادة كرماء
لا زلت في عز مدا الأزمان ما ... أهدى لذاتك يا مليك ثناء
وللمترجم قوله
لقد قال الحبيب وقد رآني ... أردد في محاسنه عيوني
إلى كم أنت تولع بالتصأبي ... ألم تحفظ فؤادك من جفوني

فقلت وقد أصابتني سهام ... أذاقت مهجتي كاس المنون
فكيف أرد طرفي عن محيا ... به أجلو صدى قلبي الحزين

وقوله
من لي بطرف سقيم قد كسى بدني ... ثوباً من السقم لما زدته نظرا
يومي بقتلي بأهداب الجفون لذا ... غدا فؤادي لوقع السهم منتظرا
هو من قول إبراهيم السفرجلاني
وراشق لم يطش سهم لمقلته ... ولم أكن عن هواه قط منصرفا
فكلما فوقت سهما عرضت له ... كيلا يكون سوى قلبي له هدفا
وأحسن منه قوله أيضاً
ريم تصدى للرماية طرفه ... بعض القلوب ولا جناح عليه
فإذا رمت سهماً إلى جفونه ... جاراه قلبي بالمسير إليه
وللمترجم
عاتبت من أهوى فأطرق مغضباً ... والبدر يبدو من عرى ازراره
فأردت هصر منه عساه ان ... يلوى على فضاع من زناره
هو من قول أبي العباس البغدادي من شعراء الخريدة
رقت معاقد خصره فكأنها ... المعنى الخفي يجول في أفكاره
والبيت الأول مأخوذ من قول بعضهم
لا تعجبوا من بلا غلالته ... قد زرا زراره على القمر
وللمترجم
قبلته ليلاً فألوى جيده ... فنظرت فوق العاج منه عنبرا
فسألته ماذا فقال لي اتئد ... هذا سواد اللحظ فيه أثرا

وله
نام الحبيب بلا ضوء يؤانسه ... والورد في خده باد تفتحه
فرام أيقاظه بالضوء خادمه ... فقلت أخشى خيال الهدب يجرحه
وله
ومريض الجفون أصبح يمشي ... فوق جفني القريح بالتعظيم
لست أدري أذاك سرعة خطو ... منه تبدي أم ذاك مر النسيم
وله
من لي بظبي نحيل الخصر قامته ... تزري بسمر القنا بالميل والغيد
جفون عينيه سهم الحتف قد رشقت ... عن حاجبيه فسل الروح عن جسدي

وله
غزال انس كبدر تم ... تزيد نوراً به العيون
بديع حسن يتيه عجباً ... فكل حسن لديه دون
لو تابع الخطو فوق هدب ... لما أحست به الجفون
وله مضمناً
ومذ شمنا سواد اللحظ يدعو ... لشرب مدامة منه تدار
وقام صباح ذاك الجيد يومي ... لتقبيل وشط بنا المزار
أشار الخد بالثاني ونادى ... كلام الليل يمحوه النهار
وللأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي في ذلك مضمناً
توعدنا سواد الطرف منه ... بقتل مالنا منه فرار
فقال بياض ذاك الخد منه ... كلام الليل يمحوه النهار
ومن ذلك تضمين البديعيوفي الاحشاء من ذكراك نارتبسم ضاحكاً من غير ضحككلام الليل يمحوه النهار
وقال أبو نواس وأجاد
وليلة أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زين السكر الوقار
وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التخميش وانحل الأزار
وهز الريح أرداقاً ثقالاً ... وغصنا فيه رمان صغار
فقلت ها عديني منك وعداً ... فقالت في غد منك المزار
ولما جئت مقتضيا أجابت ... كلام الليل يمحوه النهار
فقال الرشيد قاتلك الله يا أبا نواس كأنك كنت ثالثنا وأمر لكل واحد بخمسة آلاف درهم وأمر لأبي نواس بعشرة آلاف وخلعة سنية وللمترجم في تشبيه الشقيق
هذا الشقيق يروق منظر حسنه ... في وسط روض بالجمال أنيق
يحكي زنود زمرد من غادة ... تهدي إلى الندمان كأس عقيق
وللشريف الرضي في تشبيهه
جام تكون من عقيق أحمر ... ملئت دوائر بمسك اذفر
خلط الربيع قوامه فأقامه ... بين الرياض على قضيب أخضر
ومن ذلك قول الخالدي
وصنع شقائق النعمان يحكي ... يواقيتاً نظمن على اقتران
وأجيانا نشبهها خدوداً ... كساها الراح ثوباً ارجواني
شقائق مثل أقداح ملاء ... وخشخاش كفارغة القناني
ولما غازلتنا الريح خلنا ... بها جيشي وغى يتقاتلان
ومن ذلك قول أبي الفضل الميكالي
تصوغ لنا أيدي الربيع حدائقاً ... كعقد عقيق بين سمط لآلي
وقال الخبز أرزي
وفيهن أنوار الشقائق قد حكت ... خدود عذاري نقطت بغواليومن ذلك في التشبيه قول القاضي عياض
انظر إلى الزرع وحاماته ... تحكي وقد ماست أمام الرياح
كتيبة خضراء مهرومة ... شقائق النعمان فيها جراح
وله في تشبيه الخشخاش
كأنما الخشخاش في روضه ... اذ لاح مبيضاً ومحمرا
كاسات در بعضها فارغ ... والبعض منها قد ملى تبرا
من ذلك تشبيه عز الدين الموصلي حيث قال في الأحمر منه
وزهر خشخاش بدا أحمرا ... كأنه في رونق وابتهاج
أقداح بلور وقد أترعت ... من خمرة لم تختلط بالمزاج
وقال ابن وكيع
وخشخاش كأنا منه تعرى ... قميص زبرجد عن جسم در
كأقداح من البلور صيغت ... بأغشية من الديباج خضر
وقال آخر
ولما بدا الخشخاش في الروض مزهراً ... وقد نظرت شزراً إليه الخلائق
حكى قلعة أبراجها مستديرة ... مشرفة دارت عليها الصناجق
وللمترجم مخمساً
خليلي اني لست أرضى بذلة ... إذا ما دعا داعي المعالي لرفعة
ولست بغير العزا سعي لرتبة ... ولا أقبل الدنيا جميعاً بمنة
ولا أشتري عز المراتب بالذل
وأنفق في العلياء روحي جملة ... والارتضى الا الصدور محلة
وأبذل في نيل المفاخر همة ... وأعشق كحلاء المدامع خلقة

لئلا أرى في عينها منة الكحل
وله في مليح ينظر في المرآه
نظرت إلى المراة وأنت شمس ... فكنت إذا نظرت لها مراتا
وقد أكسبت صفحتها شعاعا ... فأحرقت القلوب لها التفاتا
وله في تشبيه الورد
وكأنما ورد الرياض تميله ... أيدي النسائم بكرة وأصيلا
وجنات غلمان حسان أقبلت ... لتروم من أمثالها تقبيلا
هو من قول ابن تميم مضمنا
سبقت اليك من الحدائق وردد ... وأتتك قبل أوانها تطفيلا

طمعت بلثمك اذراتك فجعمت ... فمها اليك كطالب تقبيلا
ومثله قول الآخر
دوح روض تميس فيه غصون ... فتحاكى مهفهفات القدود
زهرها فوق ما تفتح منها ... كشفاه ضمت للثم الخدود
ويضارعه قول صاعد الاندلسي
ورد تفتح ثم انضم منطبقاً ... كما تجمعت الأفواه للقبل
وقول الآخر
ووردة تحكي أمام الورد ... طليعة سابقه للجند
قد ضمها في الغصن قوس البرد ... ضم فم لقبلة من بعد
وفي هذا المعنى قول بعضهم
أرى الورد عند الصبح قد ضم لي فما ... يشر إلى التقبيل في ساعة اللمس
وبعد زوال الصبح ألقاه وجنة ... وقد أثرت في وسطها قبلة الشمس

وللمترجم في تشبيه البنفسج
هزا البنفسج قد زهافي روضه الباهي المزاروعلته أوراق له
مثل انزبرجد في اخضرارفكأنه أثار لثم تحت حاشية العذار
هو من قول بعضهم
بنفسج يانع زكي ... يزهو على حسن كل ورد
كأنه عند ناظريه ... أثار قرص بصحن خد
وقد غيره الآخر فقال
وقد لاح في الزهر البنفسج مائلاً ... ترنحه القضب الضعاف الذوابل
كآثار لطم في خدود ثواكل ... مهتكة قد أحرقتها الأنامل
ومن المشبهات في البنفسج قول النامي
جاء البنفسج فاشرب كل صافية ... والزم مقالة أصحاب المقاييس
كأنه حين وافاك الربيع به ... منضد من أكاليل الطوأويس
وقال الآخر
كأن البنفسج مع ما حوى ... من الطيب أنفاسك المشرقة
يلوح فتحسب أوراقه ... فصوصاً من الفضة المحرقة
وقال ابن الرومي
وبنفسج غض القطاف كأنما ... نثرت عليه محاسن المازينج
لا شيء يحكي غير زرقة أثمد ... أو دمعة قطرت على فيروزج
وأحسن من ذلك كله قول أبي العتاهية

ولا زورديه تزهو بزرقتها ... بين الرياض على زرق اليواقيت
كأنها فوق قامات ضعفن بها ... أوائل النار في أطراف كبريتوللمترجم
وكأنما نهر الربا لما ازدهت ... في صفحتيه من الغصون ظلال
وجه تدلى فوق باهر حسنه ... من فرعه في عارضيه خيال
وللأديب سعدي العمري في ذلك
تأمل في صفاء النهر وانظر ... رقيق الظل من تلك العروش
كمعصم غادة هيفاء لاحت ... على طرفيه آثار النقوش
وهو من قول زين العجمي
وحديقة ينساب فيها جدول ... طرفي برونق حسنه مدهوش
يبد وظلال غصونها في مائة ... فكأنما هو معصم منقوش
وقول الآخر
لما تبدى النهر عند عشية ... والروض يخضع للصبا والشمأل
عاينته مثل الحسام وظله ... يحكي الصدى ولريح مثل الصيقل
وللمترجم غير ذلك من أحاسن الشعر والنثر وكأنت وفاته بقسطنطينية في غرة جمادي الثانية سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب أدرنة وأولاده الذكور الذين خلفهم هم المولى اسعد والمولى عبد الله والمولى عبد الرحمن والمولى سعد الدين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر - محمد خليل بن علي الحسيني، أبو الفضل.