عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور العباسي
الخليفة المأمون
تاريخ الولادة | 170 هـ |
تاريخ الوفاة | 218 هـ |
العمر | 48 سنة |
مكان الوفاة | طرسوس - تركيا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
المأمون:
الخَلِيْفَةُ أبي العَبَّاسِ عَبْدُ اللهِ بنُ هَارُوْنَ الرشيد بن محمد المهدي بن أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَرَأَ العِلْمَ وَالأَدَبَ وَالأَخْبَارَ، وَالعَقْلِيَّاتِ وَعُلُوْمَ الأَوَائِلِ، وَأَمَرَ بِتَعْرِيْبِ كُتُبِهِم وَبَالَغَ وَعَمِلَ الرَّصَدَ فَوْقَ جَبَلِ دِمَشْقَ، وَدَعَا إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ، وَبَالَغَ نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ.
وَسَمِعَ مِنْ: هُشَيْمٍ، وَعُبَيْدِ بنِ العَوَّامِ وَيُوْسُفَ بنِ عَطِيَّةَ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَطَائِفَةٍ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ الفَضْلُ، وَيَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، وَجَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ، وَدِعْبِلٌ الشَّاعِرُ وَأَحْمَدُ بنُ الحَارِثِ الشِّيْعِيُّ.
وَكَانَ مِنْ رِجَالِ بَنِي العَبَّاسِ حَزْماً، وَعَزْماً وَرَأْياً وَعَقْلاً، وَهَيْبَةً وَحِلْماً وَمَحَاسِنُهُ كَثِيْرَةٌ فِي الجُمْلَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ أَبْيَضَ رَبعَةً حَسَنَ الوَجْهِ تَعلُوهُ صُفْرَةٌ قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ طَوِيْلَ اللِّحْيَةِ أَعْيَنَ ضَيِقَ الجبينِ عَلَى خَدِّهِ شَامَةٌ.
أَتَتْهُ وَفَاةُ أَبِيْهِ وَهُوَ بِمَرْوَ سَائِراً لغَزْوِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، فَبايعَ مَنْ قِبَلَهُ لأَخِيهِ الأَمِيْنِ ثُمَّ جَرَتْ بينهُمَا أُمُورٌ وَخُطُوبٌ، وبلاء وحروب تشيب النواصي. إِلَى أَنْ قُتِلَ الأَمِيْنُ، وَبَايعَ النَّاسُ المَأْمُوْنَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ الخُطَبِيُّ: كُنْيَتُهُ أبي العَبَّاسِ فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ اكتنَى بِأَبِي جَعْفَرٍ، وَاسمُ أُمِّهِ: مرَاجلُ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا بِهِ.
قَالَ: وَدُعِيَ لَهُ بِالخِلاَفَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِيْنَ إِلَى أَنْ قُتِلَ الأَمِيْنُ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَاسْتعملَ عَلَى العِرَاقِ الحَسَنَ بنَ سَهْلٍ ثُمَّ بايعَ بِالعهدِ لِعَلِيِّ بنِ مُوْسَى الرِّضَى وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَنَبَذَ السَّوَادَ وَأَبدَلَهُ بِالخُضْرَةِ فَهَاجَتْ بَنو العَبَّاسِ، وَخلعُوا المَأْمُوْنَ ثُمَّ بايعُوا عَمَّهُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ المَهْدِيِّ، وَلَقَّبُوهُ المُبَارَكَ وَعَسْكَرُوا فَحَارَبَهُم الحَسَنُ بنُ سَهْلٍ فَهَزمُوهُ فَتَحَيَّزَ إِلَى وَاسِطٍ ثُمَّ سَارَ جَيْشُ المَأْمُوْنِ عَلَيْهِم حُمَيْدٌ الطُّوْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ هِشَامٍ فَالتَقَوا إِبْرَاهِيْمَ فَهَزمُوهُ فَاخْتَفَى زَمَاناً وَانقطعَ خبرُهُ إِلَى أَنْ ظُفِرَ بِهِ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِيْنَ فَعَفَا عَنْهُ المَأْمُوْنُ.
وَكَانَ المَأْمُوْنُ عَالِماً فَصِيْحاً مُفَوَّهاً، وكان يقول: معاوية بن أبي سُفْيَانَ بِعَمْرِهِ، وَعَبْدُ المَلِكِ بِحَجَّاجِهِ وَأَنَا بنفسِي وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ أَنَّ المَنْصُوْرَ قَالَهَا.
وَعَنِ المَأْمُوْنِ أَنَّهُ تَلاَ فِي رَمَضَانَ ثَلاَثاً وَثَلاَثِيْنَ خَتْمَةً.
الحُسَيْنُ بنُ فَهْمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: أُرِيْدُ أَنْ أُحَدِّثَ. قلت: ومن
أَوْلَى بِهَذَا مِنْكَ؟ قَالَ: ضَعُوا لِي مِنْبَراً ثُمَّ صَعِدَ قَالَ: فَأَوَّلُ مَا حَدَّثَنَا عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي الجَهْمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعاً: "امرُؤُ القيسِ صَاحِبُ لوَاءِ الشُّعرَاءِ إِلَى النَّارِ". ثُمَّ حَدَّثَ بنحوٍ مِنْ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً، وَنَزَلَ فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتَ أَبَا يَحْيَى مَجْلِسَنَا؟ قُلْتُ: أَجلُّ مَجْلِسٍ تَفَقَّهَ الخَاصَّةُ، وَالعَامَّةُ قَالَ: مَا رَأَيْتُ لَهُ حَلاَوَةً إِنَّمَا المَجْلِسُ لأَصْحَابِ الخُلْقَانِ وَالمحَابرِ.
أبي العَبَّاسِ السَّرَّاجُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَهْلِ بن عسكر قال: تقدم رَجُلٌ غَرِيْبٌ بِيَدِهِ مِحْبَرَةٌ إِلَى المَأْمُوْنِ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! صَاحِبُ حَدِيْثٍ مُنْقَطِعٌ بِهِ فَقَالَ: مَا تَحْفَظُ فِي بَابِ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً فَقَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَحَدَّثَنَا يَحْيَى وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ حتَّى ذَكَرَ البَابَ، ثُمَّ سأَلَهُ عَنْ بَابٍ آخرَ فَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئاً فَقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ، وَحَدَّثَنَا فُلاَنٌ ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: يَطْلُبُ أَحَدُهُم الحَدِيْثَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، أعطوه ثلاثة دراهم.
قلت: وكان جواد مُمَدَّحاً مِعَطَاءً وَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي جلسَةٍ سِتَّةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ أَلفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ يَشْرَبُ نَبِيْذَ الكُوْفَةِ. وَقِيْلَ: بَلْ يَشْرَبُ الخَمْرَ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ أَعْطَى أَعْرَابِيّاً مَدَحَهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ.
مَسْرُوْقُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الكِنْدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ المُنْذِرِ الكِنْدِيُّ جَارٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ قَالَ: حَجَّ الرَّشِيْدُ فَدَخَلَ الكُوْفَةَ فَلَمْ يتَخَلَّفْ إلَّا ابْنُ إِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى بنُ يُوْنُسَ فَبَعَثَ إِلَيْهِمَا الأَمِيْنَ، وَالمَأْمُوْنَ فَحَدَّثَهُمَا ابْنُ إِدْرِيْسَ بِمائَةِ حَدِيْثٍ فَقَالَ المَأْمُوْنُ: يَا عمّ! أَتَأَذنُ لِي أَنْ أُعِيْدَهَا حِفْظاً؟ قَالَ: افعلْ فَأَعَادَهَا فَعَجِبَ مِنْ حِفْظِهِ، وَمَضَيَا إِلَى عِيْسَى فَحَدَّثَهُمَا فَأَمَرَ لَهُ المَأْمُوْنُ بشعرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَأَبَى وَقَالَ: وَلاَ شربَةَ مَاءٍ عَلَى حَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رَوَى مُحَمَّدُ بنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: أَنَّ المَأْمُوْنَ جلسَ فَجَاءتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: مَاتَ أَخِي وَخَلَّفَ سِتَّ مائَةِ دِيْنَارٍ فَأَعْطَوْنِي دِيْنَاراً واحدًا، وقالوا: هذا ميراثك. فحسب
المَأْمُوْنُ وَقَالَ: هَذَا خَلَّفَ أَرْبَعَ بنَاتٍ. قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: لَهُنَّ أَرْبَعُ مائَةِ دِيْنَارٍ. قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: وَخَلَّفَ أُمّاً فلهَا مائَةُ دِيْنَارٍ، وَزَوْجَةً لَهَا خَمْسَةٌ وَسَبْعُوْنَ دِيْنَاراً بِاللهِ أَلَكِ اثْنَا عَشرَ أَخاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: لِكُلِّ وَاحِدٍ دِيْنَارَان وَلكِ دِيْنَارٌ.
قَالَ ابْنُ الأَعْرَابِيِّ: قَالَ لِي المَأْمُوْنُ: خَبِّرْنِي عَنْ قَوْلِ هندٍ بِنْتِ عُتْبَةَ:
نَحْنُ بنَاتُ طَارِق ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ
مَنْ هُوَ طَارِقٌ؟ فَنَظَرْتُ فِي نَسَبِهَا فلَمْ أَجِدْهُ فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُ قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَتْ النَّجْمَ انتسَبَتْ إِلَيْهِ لِحُسْنِهَا ثُمَّ دَحَا إلي بعنبرة بعتها بخمسة آلاف درهم.
عَنِ المَأْمُوْنِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكتبَ كِتَاباً سِرّاً فَلْيَكْتُبْ بِلَبَنٍ حُلِبَ لِوَقْتِهِ، وَيُرْسِلُهُ فَيَعمَدُ إِلَى قِرْطَاسٍ فَيُحْرِقُهُ، وَيَذُرُّ رَمَادَهُ عَلَى الكِتَابَةِ فَيُقرَأُ لَهُ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: اقتَرَحَ المَأْمُوْنُ فِي الشِّطْرَنْجِ أَشْيَاءَ، وَكَانَ يُحِبُّ اللَّعِبَ بِهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَقُوْلُ: نَلعَبُ بِهَا بَلْ نَتَنَاقَلُ بِهَا.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ قَالَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يَجْلِسُ لِلْمُنَاظَرَةِ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، فَجَاءَ رَجُلٌ قَدْ شَمَّرَ ثِيَابَهُ، وَنَعلُهُ فِي يَدِهِ فَوَقَفَ عَلَى طَرَفِ البِسَاطِ، وَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم فَرَدَّ المَأْمُوْنُ فَقَالَ: أَتَاذَنُ لِي فِي الدُّنُوِّ قَالَ: ادْنُ وَتَكَلَّمْ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا المَجْلِسِ الَّذِي أنت فيه جلسته باجتماع الأمة أم الغلبة وَالقَهْرِ؟ قَالَ: لاَ بِهَذَا وَلاَ بِهَذَا بَلْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرَ الأُمَّةِ مَنْ عَقَدَ لِي وَلأَخِي، فَلَمَّا صَارَ الأَمْرُ إِلَيَّ عَلِمْتُ أَنِّي مُحْتَاجٌ إِلَى اجْتِمَاعِ كَلمَةِ المُسْلِمِيْنَ عَلَى الرِّضَى بِي، فَرَأَيْتُ أَنِّي مَتَى خَلَّيتُ الأَمْرَ اضْطَرَبَ حَبْلُ الإِسْلاَمِ، وَمَرِجَ عَهْدُهُم وَتَنَازَعُوا وَبَطَلَ الحَجُّ وَالجِهَادُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فَقُمْتُ حِيَاطَةً لِلْمُسْلِمِيْنَ إِلَى أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى مَنْ يَرْضَوْنَهُ فَأُسْلِمُ إِلَيْهِ. فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، وَذَهَبَ فَوَجَّهَ المَأْمُوْنُ مَنْ يَكْشِفُ خَبَرَهُ فَرَجَعَ فَقَالَ: مَضَى إِلَى مَسْجِدٍ فِيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِي هَيْئَتِهِ فَقَالُوا: لَقِيتَ الرَّجُلَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَخْبَرَهُم بِمَا جَرَى فَقَالُوا: مَا نَرَى بِمَا قَالَ بَأْساً، وَافْتَرَقُوا. فَقَالَ المَأْمُوْنُ: كُفِيْنَا مُؤْنَةَ هَؤُلاَءِ بِأَيسَرِ الخطْب.
وَقِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ اسْتَخْرَجَ كُتُبَ الفلاسفة واليونان من جزيرة قُبْرُسَ وَقَدِمَ دِمَشْقَ مَرَّتَينِ.
قَالَ أبي مَعْشَرٍ المُنَجِّمُ: كَانَ أَمَّاراً بِالعَدْلِ مَحْمُوْدَ السِّيْرَةِ مَيْمُوْنَ النَّقِيْبَةِ، فَقِيْهَ النَّفْسِ يُعَدُّ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ.
وَرُوِيَ عَنِ الرَّشِيْدِ قَالَ: إِنِّيْ لأَعْرِفُ فِي عبد الله بن حَزْمَ المَنْصُوْرِ، وَنُسُكَ المَهْدِيِّ وَعِزَّةَ الهَادِي وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَنْسِبَهُ إِلَى الرَّابِعِ يَعْنِي: نَفْسَه لَفَعَلتُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ مُحَمَّداً عَلَيْهِ وَإِنِّيْ لأَعْلَمُ أَنَّهُ مُنْقَادٌ إِلَى هَوَاهُ مُبَذِّرٌ لِمَا حَوَتْهُ يَدَاهُ يُشَارِكُ فِي رَأْيِهِ الإِمَاءُ، وَلَوْلاَ أُمُّ جَعْفَرٍ وَمَيلُ الهَاشِمِيِّينَ إِلَيْهِ لَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ عَبْدَ اللهِ.
عَنِ المَأْمُوْنِ قَالَ: لَوْ عَرَفَ النَّاسُ حُبِّي لِلْعفْوِ لَتَقَرَّبُوا إِلَيَّ بِالجَرَائِمِ، وَأَخَافُ أَنْ لاَ أُوجَرَ فِيْهِ.
وَعَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ: كَانَ المَأْمُوْنُ يَحْلُمُ حَتَّى يُغِيْظَنَا. قِيْلَ: مَرَّ مَلاَّحٌ فَقَالَ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا يَنْبُلُ عِنْدِي، وَقَدْ قَتَلَ أَخَاهُ الأَمِيْنَ؟ فَسَمِعَهَا المَأْمُوْنُ فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: مَا الحِيلَةُ حَتَّى أَنْبُلَ فِي عَينِ هَذَا السَّيِّدِ الجَلِيْلِ؟.
قِيْلَ: أَهدَى مَلِكُ الرُّوْمِ لِلْمَأْمُوْنِ نَفَائِسَ، مِنْهَا مائَةُ رَطْلِ مِسْكٍ، وَمائَةُ حُلَّةٍ سَمُّورٍ فَقَالَ المَأْمُوْنُ: أَضْعِفُوهَا لَهُ لِيَعْلَمَ عز الإسلام.
وَقِيْلَ: أُدْخِلَ خَارِجِيٌّ عَلَى المَأْمُوْنِ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الخِلاَفِ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} [المائدة: 44] ، قَالَ: أَلَكَ عِلْمٌ بِأَنَّهَا مُنْزَلَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَمَا دَلِيْلُكَ؟ قَالَ: إِجْمَاعُ الأُمَّةِ قَالَ: فَكَمَا رَضِيتَ بِإِجْمَاعِهِم فِي التَّنْزِيلِ فَارْضَ بِإِجْمَاعِهِم فِي التَّأْوِيْلِ. قَالَ: صَدَقْتَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ!.
الغَلاَبِيُّ: حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بنُ سَابِقٍ قَالَ: دَخَلَ المَأْمُوْنُ دِيوَانَ الخَرَاجِ فَرَأَى غُلاَماً جَمِيْلاً عَلَى أُذُنِهِ قَلَمٌ فَأَعْجَبَهُ جَمَالُهُ فَقَالَ: من أنت؟ قال: الناشىء فِي دَوْلَتِكَ، وَخِرِّيجُ أَدَبِكَ وَالمُتَقَلِّبُ فِي نِعْمَتِكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ حَسَنُ بنُ رَجَاءَ فَقَالَ: يَا غُلاَمُ! بِالإِحْسَانِ فِي البَدِيْهَةِ تَفَاضَلَتِ العُقُوْلُ. ثُمَّ أَمَرَ بِرَفْعِ رُتْبَتِهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِمائَةِ أَلفٍ.
وَعَنِ المَأْمُوْنِ قَالَ: أَعْيَانِي جَوَابُ ثَلاَثَةٍ:
صِرْتُ إِلَى أُمِّ ذِي الرِّيَاسَتَينِ الفَضْلِ بنِ سَهْلٍ أُعَزِّيهَا فِيْهِ، وَقُلْتُ: لاَ تَأْسَيْ عَلَيْهِ فَإِنِّي عِوَضُهُ لَكِ قَالَتْ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَكَيْفَ لاَ أَحزَنُ عَلَى وَلَدٍ أَكْسَبَنِي مِثْلَكَ.
قال: وأتيت بمتنبىء فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوْسَى بنُ عِمْرَانَ قُلْتُ: وَيْحَكَ! مُوْسَى كَانَتْ لَهُ آيَاتٌ فَائْتِنِي بِهَا حَتَّى أُومِنَ بِكَ قَالَ: إِنَّمَا أَتَيْتُ بِالمُعجِزَاتِ فِرْعَوْنَ فَإِنْ قُلْتَ: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى كَمَا قَالَ أَتَيْتُكَ بِالآيَاتِ.
وَأَتَى أَهْلُ الكُوْفَةِ يَشْكُوْنَ عَامِلَهُم فَقَالَ خَطِيْبُهُم: هُوَ شَرُّ عامل أَمَّا فِي أَوَّلِ سَنَةٍ، فَبِعْنَا
الأَثَاثَ وَالعَقَارَ، وَفِي الثَّانِيَة بِعْنَا الضِّيَاعَ، وَفِي الثَّالِثَةِ نَزَحْنَا وَأَتَيْنَاكَ. قَالَ: كَذَبْتَ بَلْ هُوَ مَحْمُودٌ وَعَرَفْتُ سَخَطَكُمْ عَلَى العُمَّالِ قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! وَكَذَبْتُ قَدْ خَصَصْتَنَا بِهِ مُدَّةً دُوْنَ بَاقِي البِلاَدِ فَاسْتَعْمِلْهُ عَلَى بَلَدٍ آخَرَ. لِيَشْمَلَهُم مِنْ عَدْلِهِ وَإِنصَافِهِ مَا شَمِلَنَا فَقُلْتُ: قُمْ فِي غَيْرِ حِفْظِ اللهِ قَدْ عَزَلْتُهُ.
أَوَّلُ قُدُومِ المَأْمُوْنِ مِنْ خُرَاسَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَمائَتَيْنِ فَدَخَلَ بَغْدَادَ فِي مَحْمِلٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَكَى دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى بنِ أَكْثَمَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ المَأْمُوْنِ، وَعِنْدَهُ قُوَّادُ خُرَاسَانَ، وَقَدْ دَعَا إِلَى القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ فَقَالَ لَهُم: مَا تَقُولُوْنَ فِي القُرْآنِ؟ فَقَالُوا: كَانَ شُيُوْخُنَا يَقُوْلُوْنَ: مَا كَانَ فِيْهِ مِنْ ذِكْرِ الحَمِيرِ، وَالجِمَالِ وَالبَقَرِ فَهُوَ مَخْلُوْقٌ فَأَمَّا إِذْ قَالَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ: هُوَ مَخْلُوْقٌ فَنَحْنُ نَقُوْلُ: كُلُّهُ مَخْلُوْقٌ فَقُلْتُ لِلْمَأْمُوْنِ: أَتَفرَحُ بِمُوَافَقَةِ هَؤُلاَءِ?
قُلْتُ: وَكَانَ شِيْعِيّاً.
قَالَ نِفْطَوَيْه: بَعَثَ المَأْمُوْنُ مُنَادِياً فَنَادَى فِي النَّاسِ بِبَرَاءةِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ تَرَحَّمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، أَوْ ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ، وَكَانَ كَلاَمُهُ فِي القُرْآنِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَمائَتَيْنِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ وَاضْطَربُوا، وَلَمْ يَنَلْ مَقْصُودَهُ فَفَتَرَ إِلَى وَقْتٍ.
وَعَنِ المَأْمُوْنِ قَالَ: النَّاسُ ثَلاَثَةٌ: رجل منهم مثل الغذاء لا بد منه، وَمِنْهُم كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي حَالِ المَرَضِ، وَمِنْهُم كَالدَّاءِ مَكْرُوهٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَعَنْهُ قَالَ: لاَ نُزْهَةَ أَلَذُّ مِنَ النَّظَرِ فِي عُقُوْلِ الرِّجَالِ.
وَعَنْهُ: غَلَبَةُ الحُجَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ غَلَبَةِ القُدْرَةِ.
وَعَنْهُ: المَلِكُ يَغتَفِرُ كُلَّ شَيْءٍ إلَّا القَدْحَ فِي المُلْكِ وَإِفشَاءَ السِّرِّ وَالتَّعَرُّضَ لِلْحُرَمِ.
وَعَنْهُ: أَعْيَتِ الحِيلَةُ فِي الأَمْرِ إِذَا أَقبَلَ أَنْ يُدْبِرَ وَإِذَا أَدْبَرَ أَنْ يُقْبِلَ.
وَقِيْلَ لَهُ: أَيُّ المَجَالِسِ أَحسَنُ؟ قَالَ: مَا نُظِرَ فِيْهِ إِلَى النَّاسِ فَلاَ مَنْظَرَ أَحسَنُ مِنَ النَّاسِ.
أبي دَاوُدَ المَصَاحِفِيُّ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى المَأْمُوْنِ فَقَلْتُ: إِنِّيْ قُلْتُ اليَوْمَ هَذَا:
أَصْبَحَ دِيْنِي الَّذِي أَدِيْنُ بِهِ ... وَلَسْتُ مِنْهُ الغَدَاةَ مُعْتَذِرَا
حُبُّ عَلِيٍّ بَعْدَ النَّبِيِّ وَلاَ ... أَشْتُمُ صِدِّيقَهُ ولا عمرا
وَابْنُ عَفَّانَ فِي الجِنَانِ مَعَ ال ... أَبْرَارِ ذَاكَ القَتِيلُ مُصْطَبِرَا
وَعَائِشُ الأُمُّ لَسْتُ أَشْتُمُهَا ... من يفتريها فنحن منه برا
قِيْلَ: إِنَّ المَأْمُوْنَ لِتَشَيُّعِهِ أَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِإِبَاحَةِ المُتْعَةِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ، فَذَكَرَ لَهُ حَدِيْثَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِتَحْرِيْمِهَا، فَلَمَّا عَلِمَ بِصِحَّةِ الحَدِيْثِ رَجَعَ إِلَى الحَقِّ، وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِتَحْرِيْمِهَا.
أَمَا مَسْأَلَةُ القُرْآنِ فَمَا رَجَعَ عَنْهَا، وَصَمَّمَ عَلَى امْتِحَانِ العُلَمَاءِ فِي سَنَةِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَشَدَّدَ عَلَيْهِم فَأَخَذَهُ اللهُ.
وَكَانَ كَثِيْرَ الغَزْوِ وَفِي ثَانِي سَنَةٍ مِنْ خِلاَفتِهِ: خَرَجَ عَلَيْهِ بِالكُوْفَةِ مُحَمَّدُ بن طباطبا العلوي يدعو إلى الرضا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ وَالعَمَلِ بِالسُّنَّةِ، وَكَانَ مُدِيرَ دَولَتِهِ أبي السَّرَايَا الشَّيْبَانِيُّ، وَيُسْرِعُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَبَادَرَ إِلَيْهِ الأَعرَابُ. فَالتَقَاهُ عَسْكَرُ المَأْمُوْنِ عَلَيْهِم زُهَيْرُ بنُ المُسَيَّبِ فَانهَزَمُوا، وَقَوِيَ أَمرُ العَلَوِيِّ ثُمَّ أَصْبَحَ مَيتاً فَجأَةً فَقِيْلَ: سَمَّهُ أبي السَّرَايَا، وَأَقَامَ فِي الحَالِ مكَانَهُ أَمرَدَ عَلَوِيّاً ثُمَّ تَجَهَّزَ لِحَرْبِهِم جَيْشٌ فَكُسِرُوا، وَقُتِلَ مُقَدَّمُهُم عَبْدُوْسٌ المَرْوَرُّوْذِيُّ، وَقَوِيَ الطَّالِبِيُّونَ، وَأَخَذُوا وَاسِطاً وَالبَصْرَةَ، وَعَظُمَ الخَطْبُ ثُمَّ حُشِدَ الجَيْشُ عَلَيْهِم هَرْثَمَةُ وَجَرَتْ فُصُولٌ طَوِيْلَةٌ، وَالتَقَوْا غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ هَرَبَ أبي السَّرَايَا وَالطَّالِبِيُّونَ مِنَ الكُوْفَةِ، ثُمَّ قُتِلَ أبي السَّرَايَا سَنَة مائَتَيْنِ وَهَاجَتِ العَلَوِيَّةُ بِمَكَّةَ وَحَارَبُوا، وَعَظُمَ هَرْثَمَةُ بنُ أَعْيَنَ وَأُعْطِيَ إِمْرَةَ الشَّامِ، فَلَمْ يَرْضَ بِهَا وَذَهَبَ إِلَى مرو فقتلوه.
ثُمَّ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَمائَتَيْنِ: جَعَلَ المَأْمُوْنُ ولي عهده عليا الرضا، وَلَبِسَ الخُضْرَةَ، وَثَارَتِ العَبَّاسِيَّةُ، فَخَلَعُوهُ، وَفِيْهَا تَحَرَّكَ بابك الخرمي بأذربيجان وقتل وسبى، وذكر الرضا لِلْمَأْمُوْنِ مَا النَّاسُ فِيْهِ مِنَ الحَرْبِ وَالفِتَنِ مُنْذُ قَتْلِ الأَمِيْنِ، وَبِمَا كَانَ الفَضْلُ بنُ سَهْلٍ يُخْفِيهِ عَنْهُ مِنَ الأَخْبَارِ، وَأَنَّ أَهْلَ بيتِهِ قَدْ خَرَجُوا وَنَقَمُوا أَشْيَاءَ، وَيَقُوْلُوْنَ: هُوَ مَسْحُوْرٌ، وَهُوَ مَجْنُوْنٌ قَالَ: وَمَنْ يَعْرِفُ هَذَا؟ قَالَ: عِدَّةٌ مِنْ أُمَرَائِكَ فَاسْأَلْهُم. فَأبيا أَنْ يَنطِقُوا إلَّا بِأَمَانٍ مِنَ الفَضْلِ فَضَمِنَ ذَلِكَ فَبَيَّنُوا لَهُ، وَأَنَّ طَاهِرَ بنَ الحُسَيْنِ قَدْ أَبلَى فِي طَاعَتِكَ وَفَتَحَ الأَمصَارَ، وَقَادَ إِلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ الخِلاَفَةَ ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَصُيِّرَ فِي الرَّقَّةِ وَلَوْ كَانَ عَلَى العِرَاقِ حَاكماً لَضَبَطَهَا بِخلاَف الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ. وَقَالُوا لَهُ: فَسِرْ إِلَى العِرَاقِ فَلَو رَآكَ القُوَّادُ لأَذْعَنُوا بِالطَّاعَةِ فَقَالَ: سِيْرُوا فَلَمَّا عَلِمَ الفَضْلُ ضَرَبَ بَعْضَهُم وَحَبَسَ آخَرِيْنَ وَمَا أَمكَنَ المَأْمُوْنَ مُبَادَرَتُهُ، فَسَارَ مِنْ مَرْوَ إِلَى سَرْخَسَ فَشَدَّ قَوْمٌ عَلَى الفَضْلِ، فَقَتَلُوهُ فِي حَمَّامٍ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَمائَتَيْنِ عَنْ سِتِّيْنَ سَنَةً، فَجَعَلَ المَأْمُوْنُ لِمَنْ جَاءَ بِقَاتِلِيهِ عَشْرَةَ آلاف
دِيْنَارٍ وَكَانُوا أَرْبَعَةً مِنْ مَمَالِيْكِ المَأْمُوْنِ فَقَالُوا: أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِهِ فَأَنْكَرَ، وضَرَبَ أَعْنَاقَهُم.
وَضَعُفَ أَمرُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ بَعْدَ مُحَاربَةٍ وَبَلاَءٍ.
وفي سنة 203: مات الرضى فجأة.
وفِي سَنَةِ أَرْبَعٍ: وَصَلَ المَأْمُوْنُ فَتَلَقَّاهُ إِلَى النَّهْرَوَانِ بَنُوَ العَبَّاسِ، وَبَنُو أَبِي طَالِبٍ، وَعَتَبُوا عَلَيْهِ فِي لُبْسِ الخُضْرَةِ فَتَوَقَّفَ ثُمَّ أَعَادَ السَّوَادَ.
وَفِيْهَا: التَقَى يَحْيَى بنُ مُعَاذٍ أَمِيْرُ الجَزِيْرَةِ بَابَكَ الخُرَّمِيَّ، وَوَلِيَ طَاهِرٌ جَمِيْعَ خُرَاسَانَ، وَأَمَرَ لَهُ بِعَشرَةِ آلاَفِ أَلفِ دِرْهَمٍ.
وَفِيْهَا -أَعْنِي: سَنَةَ 205: نُصِرَ المُسْلِمُوْنَ عَلَى بَابَكَ وَبَيَّتُوهُ.
وَفِي سَنَةِ سَبْعٍ: خَرَجَ بِاليَمَنِ عَلَوِيٌّ فَأَمَّنَهُ المَأْمُوْنُ وَقَدِمَ.
وَمَاتَ طَاهِرٌ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ قَدْ قَطَعَ دَعْوَةَ المَأْمُوْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَخَرَجَ فَقَامَ بَعْدَهُ ابْنُهُ طَلْحَةُ فَوَلاَّهُ المَأْمُوْنُ خُرَاسَانَ، فَبَقِيَ سَبْعَةَ أَعْوَامٍ وَمَاتَ فَوَلِيَهَا أَخُوْهُ عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِرٍ.
وَكَانَتِ الحُرُوبُ شَدِيْدَةً بَيْنَ عَسْكَرِ الإِسْلاَمِ، وَبَيْنَ بَابَكَ وَظَهَرَ بِاليَمَنِ الصَّنَادِيْقِيُّ، وَقَتَلَ وَسَبَى وَادَّعَى النُّبُوَّةَ ثُمَّ هَلَكَ بِالطَّاعُونِ.
وَخَرَجَ حَسَنٌ أَخُو طَاهِرِ بنِ الحُسَيْنِ بِكَرْمَانَ فَظَفِرَ بِهِ المَأْمُوْنُ وَعَفَا عَنْهُ.
وَكَانَ المَأْمُوْنُ يُجِلُّ أَهْلَ الكَلاَمِ، وَيَتَنَاظرُوْنَ فِي مَجْلِسِهِ وَسَارَ صَدَقَةُ بنُ عَلِيٍّ لِحَرْبِ بَابَكَ فَأَسَرَهُ بَابَكُ، وتمرد، وعتا.
وَفِي سَنَةِ عشرٍ: دَخَلَ المَأْمُوْنُ بِبُوْرَانَ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ سَهْلٍ بِوَاسِطَ وَأَقَامَ عِنْدَهَا بِجَيْشِهِ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْماً فَكَانَتْ نَفَقَةُ الحَسَنِ عَلَى العُرْسِ، وَتَوَابِعِهِ خَمْسِيْنَ أَلفَ أَلفِ دِرْهَمٍ فَمَلَّكَهُ المَأْمُوْنُ مَدِينَةً، وَأَعْطَاهُ مِنَ المَالِ خَمْسَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ: قَهَرَ بن طَاهِرٍ المُتَغَلِّبِيْنَ عَلَى مِصْرَ وَأَسَرَ جَمَاعَةً.
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ: سَارَ مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ الطُّوْسِيُّ لِمُحَاربَةِ بَابَكَ، وَأَظهَرَ المَأْمُوْنُ تَفْضِيْلَ عَلِيٍّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ، وَأَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ، وَاسْتَعمَلَ عَلَى مِصْرَ وَالشَّامِ أَخَاهُ المُعْتَصِمَ، فَقَتَلَ طَائِفَةً وَهَذَّبَ مِصْرَ وَوَقَعَ المَصَافُّ مَعَ بَابَكَ مَرَّاتٍ.
وَفِي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ: سَارَ المَأْمُوْنُ لِغَزْوِ الرُّوْمِ وَمِنْ غَزْوَتِهِ عَطَفَ إِلَى دِمَشْقَ.
وَفِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ: كَرَّ غَازياً فِي الرُّوْمِ، وَجَهَّزَ أَخَاهُ المُعْتَصِمَ فَفَتَحَ حُصُوناً. وَدَخَلَ
سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِصْرَ وَقَتَلَ المُتَغَلِّبُ عَلَيْهَا عَبْدُوْساً الفِهْرِيَّ ثُمَّ كَرَّ إِلَى أَذَنَةَ، وَسَارَ فنازل لؤلؤة وحاصرها مائة يوم وترحل.
وَأَقبَلَ تُوفِيلُ طَاغيَةُ الرُّوْمِ ثُمَّ، وَقَعَتِ الهُدْنَةُ بَعْدَ أَنْ كَتَبَ تُوفِيلُ فَبَدَأَ بِنَفْسِهِ، وَأَغلَظَ فِي المُكَاتِبَةِ فَغَضِبَ المَأْمُوْنُ، وَعَزَمَ عَلَى المَسِيْرِ إِلَى قُسْطَنْطِيْنِيَّةَ فَهَجَمَ الشِّتَاءُ.
وَفِيْهَا: وَقَعَ حَرِيْقٌ عَظِيْمٌ بِالبَصْرَةِ أَذهَبَ أَكْثَرَهَا.
وَفِي سَنَةِ 218:اهتَمَّ المَأْمُوْنُ بِبِنَاءِ طُوَانَةَ، وَحَشَدَ لَهَا الصُّنَّاعَ وَبنَاهَا ميلًا في ميل، وهي وراء طرطوس، وَافتَتَحَ عِدَّةَ حُصُوْنٍ وَبَالَغَ فِي مِحْنَةِ القُرْآنِ، وَحَبَسَ إِمَامَ الدِّمَشْقِيِّينَ أَبَا مُسْهِرٍ بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ فِي النِّطْعِ لِلْقَتلِ، فَتَلَفَّظَ مُكْرَهاً.
وَكَتَبَ المَأْمُوْنُ إِلَى نَائِبِهِ عَلَى العِرَاقِ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخُزَاعِيِّ كِتَاباً يَمتَحِنُ العُلَمَاءَ يَقُوْلُ فِيْهِ: وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الجُمْهُوْرَ الأَعْظَمَ وَالسَّوَادَ مِنْ حَشوِ الرَّعِيَةِ وَسَفِلَةِ العَامَّةِ مِمَّنْ لاَ نَظَرَ لَهُم، وَلاَ رَوِيَّةَ أَهْلُ جَهَالَةٍ وَعَمَىً عَنْ أن يعرفوا الله كنه معرفته ويقدروه حتى قَدْرِه، وَيُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ فَسَاوَوْا بَيْنَ اللهِ، وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَطبَقُوا عَلَى أَنَّ القُرْآنَ قَدِيْمٌ لَمْ يَخْتَرِعْهُ اللهُ، وَقَدْ قَالَ: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا} [الزخرف: 3] ، فُكُلُّ مَا جَعَلَهُ فَقَدْ خَلَقَهُ كَمَا قَالَ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} [الأنعام: 1] ، وَقَالَ: {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَق} [طه: 99] فأخبر أنه قصص لأمور أحدثه بعدها. وقال: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود: 1] وَاللهُ مُحْكِمٌ لَهُ فَهُوَ خَالِقُهُ وَمُبْدِعُهُ. إِلَى أَنْ قَالَ: "فَمَاتَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ السَّمْتِ الكَاذِبِ وَالتَّخَشُّعِ لِغَيرِ اللهِ إِلَى مُوَافَقَتِهِم، فَرَأَى أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ أَنَّهُم شَرُّ الأُمَّةِ وَلَعَمْرُو أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِنَّ أَكذَبَ النَّاسِ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَوَحْيِهِ وَلَمْ يَعْرِفِ اللهَ حقَّ مَعْرِفَتِهِ، فَاجمَعِ القُضَاةَ وَامتَحِنْهُم فِيْمَا يَقُوْلُوْنَ، وَأَعْلِمْهُم أَنِّي غَيْرُ مُسْتَعِينٌ فِي عَمَلٍ وَلاَ وَاثِقٌ بِمَنْ لاَ يُوثَقُ بِدِيْنِهِ فَإِنْ وَافقُوا، فَمُرْهُم بِنَصِّ مَنْ بِحَضْرَتِهِم مِنَ الشُّهُودِ وَمَسْأَلَتِهِم عَنْ عِلْمِهِم فِي القُرْآنِ، وَرَدِّ شَهَادَةَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ أَنَّهُ مَخْلُوْقٌ".
وَكَتَبَ المَأْمُوْنُ أَيْضاً فِي أَشْخَاصٍ سَبْعَةٍ: مُحَمَّدِ بنِ سَعْدٍ، وَابْنِ مَعِيْنٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ، وَأَبِي مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ دَاوُدَ وأحمد الدورقي، فامتحنوا فأجوا قَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ: جَبُنَّا خَوْفاً مِنَ السَّيْفِ، وَكَتَبَ بِإِحضَارِ مَنِ امتَنَعَ مِنْهُم: أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَبِشْرِ بنِ الوَلِيْدِ وَأَبِي حَسَّانٍ الزِّيَادِيِّ وَالقَوَارِيْرِيِّ وَسَجَّادَةَ، وَعَلِيِّ بنِ الجَعْدِ وَإِسْحَاقَ بنِ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَعَلِيِّ بنِ أَبِي مُقَاتِلٍ، وَذَيَّالِ بنِ الهَيْثَمِ وَقُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، وَسَعْدُوَيْه فِي عِدَّةٍ فَتَلَكَّأَ طَائِفَةٌ، وَصَمَّمَ أَحْمَدُ وَابْنُ نُوْحٍ فَقُيِّدَا وَبَعَثَ بِهِمَا فَلَمَّا بَلَغَا الرَّقَّةَ تَلَقَّاهُم موت
المَأْمُوْنِ وَكَانَ مَرِضَ بِأَرْضِ الثَّغْرِ. فَلَمَّا احْتُضِرَ طَلَبَ ابْنَهُ العَبَّاسَ لِيَقْدَمَ فَوَافَاهُ بآخِرِ رَمَقٍ، وَقَدْ نُفِّذَتِ الكُتُبُ إِلَى البُلْدَانِ فِيْهَا: مِنَ المأمون، وأخيه أبي إسحاق الخليفة مِنْ بَعْدِهِ فَقِيْلَ: وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِ المَأْمُوْنِ وَقِيْلَ: بَلْ بِأَمرِهِ.
وَأَشهَدَ عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ المَوْتِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ هَارُوْنَ أَشهَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللهَ وَحدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَأَنَّهُ خَالِقٌ، وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوْقٌ وَلاَ يَخلُو القُرْآنُ مِنْ أَنْ يَكُوْنَ شَيْئاً لَهُ مِثْلٌ وَاللهُ لاَ مِثْلَ لَهُ وَالبَعْثُ حَقٌّ، وَإِنِّيْ مُذْنِبٌ أَرْجُو وَأَخَافُ، وَلْيُصَلِّ عَلَيَّ أَقرَبُكُم وَلْيُكَبِّرْ خَمْساً فَرَحِمَ اللهُ عَبداً اتَّعَظَ وَفَكَّرَ فِيْمَا حَتَمَ اللهُ علَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ مِنَ الفَنَاءِ، فَالحَمْدُ للهِ الَّذِي تَوَحَّدَ بِالبَقَاءِ ثُمَّ لْيَنْظُرِ امْرُؤٌ مَا كُنْتُ فِيْهِ مِنْ عِزِّ الخِلاَفَةِ، هَلْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئاً إِذْ نَزَلَ أَمْرُ اللهُِ بِي؟ لاَ وَاللهِ لَكِنْ أُضْعِفَ بِهِ عَلَيَّ الحِسَابُ فَيَا لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً. يَا أَخِي! ادْنُ مِنِّي، وَاتَّعِظْ بِمَا تَرَى وَخُذْ بِسِيْرَةِ أَخِيْكَ فِي القُرْآنِ، وَاعْمَلْ فِي الخِلاَفَةِ إِذْ طَوَّقَكَهَا اللهُ عَمَلَ المُرِيْدِ للهِ الخَائِفِ مِنْ عِقَابِهِ، وَلاَ تَغْتَرَّ فَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكَ المَوْتُ. وَلاَ تُغْفِلْ أَمرَ الرَّعِيَّةِ الرَّعِيَّةَ الرَّعِيَّةَ فَإِنَّ المُلْكَ بِهِم اللهَ اللهَ فِيْهِم وَفِي غَيْرِهِم. يَا أَبَا إِسْحَاقَ عَلَيْكَ عَهْدُ اللهِ لَتَقُومَنَّ بِحَقِّهِ فِي عِبَادِهِ، وَلَتُؤْثِرَنَّ طَاعَتَهُ علَى مَعْصِيَتِهِ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ هَؤُلاَءِ بَنُو عَمِّكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَحْسِنْ صُحْبَتَهُم، وَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيْئِهِم.
ثُمَّ مَاتَ فِي رَجَبٍ فِي ثَانِي عَشَرِهِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَأَرْبَعُوْنَ سَنَةً تُوُفِّيَ: بِالبَذَنْدُوْنَ فَنَقَلَهُ ابْنُه العَبَّاسُ وَدَفَنَهُ بطرسوس في دار خاقان خادم أبيه.
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ نَقَشَ خَاتَمَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ.
وَلَهُ مِنَ الأَوْلاَدِ: مُحَمَّدٌ الكَبِيْرُ وَالعَبَّاسُ، وَعَلِيٌّ وَمُحَمَّدٌ وَعُبَيْدُ اللهِ، وَالحَسَنُ وَأَحْمَدُ وَعِيْسَى وَإِسْمَاعِيْلُ، وَالفَضْلُ وَمُوْسَى وَإِبْرَاهِيْمُ وَيَعْقُوْبُ وَحَسَنٌ وَسُلَيْمَانُ، وَهَارُوْنُ وَجَعْفَرٌ وَإِسْحَاقُ وَعِدَّةُ بَنَاتٍ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي
عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، ابو العباس:
سابع الخلفاء من بني العباس في العراق، وأحد أعاظم الملوك، في سيرته وعلمه وسعة ملكه. نفذ أمره من إفريقية إلى أقصى خراسان وما وراء النهر والسند. وعرّفه المؤرخ ابن دحية بالإمام " العالم المحدّث النحويّ اللغوي ". ولي الخلافة بعد خلع أخيه الأمين (سنة 198 هـ فتمم ما بدأ به جده المنصور من ترجمة كتب العلم والفلسفة. وأتحف ملوك الروم بالهدايا سائلا أن يصلوه بما لديهم من كتب الفلاسفة، فبعثوا إليه بعدد كبير من كتب أفلاطون وأرسطاطاليس وبقراط وجالينوس وإقليدس وبطليوس وغيرهم، فاختار لها مهرة التراجمة، فترجمت. وحض الناس على قراء تها، فقامت دولة الحكمة في أيامه. وقرب العلماء والفقهاء والمحدثين والمتكلمين وأهل اللغة والأخبار والمعرفة بالشعر والأنساب. وأطلق حرية الكلام للباحثين وأهل الجدل والفلاسفة، لولا المحنة بخلق القرآن، في السنة الأخيرة من حياته. وكان فصيحا مفوها، واسع العلم، محبا للعفو. من كلامه: لو عرف الناس حبي للعفو لتقربوا إليّ بالجرائم. وأخباره كثيرة جمع بعضها في محلد. مطبوع صفحاته 384 من " تاريخ بغداد " لابن أبي طيفور، وكتاب " عصر المأمون - ط " لأحمد فريد الرفاعيّ. وله من التواقيع والكلم ما يطول مدى الإشارة إليه.
توفي في " بذندون " ودفن في طرسوس .
-الاعلام للزركلي-