إسماعيل بن عباد بن العباس أبي القاسم الطالقاني
الصاحب ابن عباد
تاريخ الولادة | 326 هـ |
تاريخ الوفاة | 385 هـ |
العمر | 59 سنة |
مكان الولادة | اصطخر - إيران |
مكان الوفاة | الري - إيران |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقانيّ:
وزير غلب عليه الأدب، فكان من نوادر الدهر علما وفضلا وتدبيرا وجودة رأي. استوزره مؤيد الدولة ابن بويه الديلميّ ثم أخوه فخر الدولة. ولقب بالصاحب لصحبته مؤيد الدولة من صباه، فكان بدعوه بذلك.
ولد في الطالقان (من أعمال قزوين) وإليها نسبته، وتوفي بالري ونقل إلى أصبهان فدفن فيها. له تصانيف جليلة، منها (المحيط - خ) منه نسخة في مكتبة المتحف العراقي، ببغداد، في مجلدين في اللغة، وكتاب (الوزراء) و (الكشف عن مساوئ شعر المتنبي - ط) و (الإقناع في العروض وتخريج القوافي - خ) و (عنوان المعارف وذكر الخلائف - ط) رسالة، و (الأعياد وفضائل النيروز) وقد جمعت رسائله في كتاب سمي (المختار من رسائل الوزير ابن عاد - ط) وله شعر في (ديوان - ط) وتواقيعه آية الإبداع في الإنشاء. ولمحمد حسن آل ياسين، كتاب (الصاحب بن عباد، حياته وأدبه - ط) ولخليل مردم بك (الصاحب بن عباد - ط) مدرسي.
-الاعلام للزركلي-
الصاحب ابن عباد
الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن أبي الحسن عباد بن العباس بن عباد بن احمد ابن إدريس الطالقاني؛ كان نادرة الدهر وأعجوبة العصر في فضائله ومكارمه وكرمه، أخذ الأدب عن أبي الحسين أحمد بن فارس اللغوي صاحب كتاب " المجمل " في اللغة، وأخذ عن ابي الفضل ابن العميد، وغيرهما.
وقال أبو منصور الثعالبي في كتابه اليتيمة في حقه: ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب، وجلالة شأنه في الجود والكرم، وفرده بالغيات في المحاسن، وجمعه أشتات المفاخر، لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه، وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه.
ثم شرع في شرح بعض محاسنه وطرف من أحواله.
وقال أبو بكر الخوارزمي في حقه: الصاحب نشأ من الوزراة في حجرها، ودب ودرج من وكرها، ورضع أفاويق درها، وورثها عن آبائه كما قال أبو سعيد الرستمي في حقه:
ورث الوزارة كابراً عن كابرٍ ... موصلة الإسناد بالإسناد
يروي عن العباس عباد وزا ... رته وإسماعيل عن عباد وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء لأنه كان يصحب أبا الفضل ابن العميد، فقيل له: صاحب ابن العميد، ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة وبقي علماً عليه. وذكر الصابىء في كتاب التاجي أنه إنما قيل له الصاحب لأنه صحب مؤيد الدولة بن بويه منذ الصبا وسماه الصاحب، فاستمر عليه هذا اللقب واشتهر به، ثم سمي به كل من ولي الوزارة بعده.
وكان أولاً وزير مؤيد الدولة أبي منصور بويه بن ركن الدولة بن بويه الديلمي تولى وزارته بعد أبي الفتح علي بن أبي الفضل ابن العميد المذكور في ترجمة أبيه محمد، فلما توفي مؤيد الدولة في شعبان سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة بجرجان استولى على مملكته أخوه فخر الدولة أبو الحسن علي، فأقر الصاحب على وزارته، وكان مبجلاً عنده ومعظماً نافذ الأمر. وأنشده أبو القاسم الزعفراني يوما أبياتا نونية من جملتها :
أيا من عطاياه تهدي الغنى ... إلى راحتي من نأى أو دنا
كسوت المقيمين والزائرين ... كسا لم نخل مثلها ممكنا
وحاشية الدار يمشون في ... صنوف من الخز إلا أنا فقال الصاحب: قرأت في أخبار معن بن زائدة الشيباني أن رجلاً قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية، ثم قال: لوعلمت أن الله سبحانه وتعالى خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه، وقد أمرنا لك من الخزبجية وقميص وعمامة ودراعة وسراويل ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس، ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه.
واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره، ومدحوه بغرر المدائح
وكان حسن الجوبة [سريعها] ، رفع الضرابون من دار الضرب إليه رقعة في مظلمة مترجمة بالضرابين، فوقع تحتها في حديد بارد. وكتب بعضهم إليه ورقة أغار فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظه فوقع فيها هذه بضاعتنا ردت إلينا. وحبس بعض عماله في مكان ضيق بجواره، ثم صعد السطح يوماً فاطلع عليه فرآه فناداه المحبوس بأعلى صوته فاطلع فرآه في سواء الجحيم فقال الصاحب اخسأوا فيها ولا تكلمون ونوادره كثيرة.
وصنف في اللغة كتاباً سماه المحيط وهو في سبع مجلدات، رتبه على حروف المعجم، كثر فيه الألفاظ وقلل الشواهد فاشتمل من اللغة على جزء متوفر، وكتاب الكافي في الرسائل وكتاب الأعياد وفضائل النيروز وكتاب الإمامة يذكر فيه فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويثبت إمامة من تقدمه، وكتاب الوزراء وكتاب الكشف عن مساوئ شعر المتنبي وكتاب أسماء الله تعالى وصفاته وله رسائل بديعة ونظم جيد، فمنه قوله :
وشادن جماله ... تقصر عنه صفتي
أهوى لتقبيل يدي ... فقلت قبل شفتي وله في رقة الخمر :
رق الزجاج ورقت الخمر ... وتشابها فتشاكل المر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر وله يرثي كثير بن أحمد الوزير وكنيته أبو علي :
يقولون لي أودى كثير بن أحمدٍ ... وذلك مرزوء علي جليل
فقلت دعوني والعلا تبكه معا ... فمثل كثير في الرجال قليل وحكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي أن نوح بن منصور أحد ملوك بني سامان كتب إليه ورقة في السر يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير أمر مملكته، فكان من جملة أعذاره إليه أنه يحتاج لنقل كتبه خاصة إلى أربعمائة جمل، فما الظن بما يليق بها من التجمل.
وفي هذت القدر من اخباره كفاية.
وكان مولده لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سن ست وعشرين وثلثمائة يإصطخر، وقيل: بالطالقان، وتوفي ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة خمس وثمانين وثلثمائة بالري، ثم نقل إلى أصبهان، رحمه االه تعالى، ودفن في قبة بمحلة تعرف بباب دزيه، وهي عامرة إلى الآن، وأولاد بنته يتعاهدونها بالتبييض.
قال أبو القاسم بن أبي العلاء الشاعر الأصبهاني: رأيت في المنام قائلا يقول لي: لم لم ترث الصاحب مع فضلك وشعرك فقلت: ألجمتني كثرة محاسنه فلم أدر بم أبدأ منها، وقد خفت أن أقصر وقد ظن بي الاستيفاء لها، فقال: أجز ما أقوله، فقلت: قل، فقال:
ثوى الجود والكافي معاً في حفيرة ... فقلت:
ليأنس كل منهما بأخيه ... فقال:
هما اصطحبا حيين ثم تعانقا ... فقلت:
ضجيعين في لحدٍ بباب دزيه ... فقال:
إذا ارتحل الثاوون عن مستقرهم ...
فقلت:
أقاما إلى يوم القيامة فيه ... ذكر هذا البياسي في حماسته.
ورأيت في أخباره أنه لم يسعد أحد بعد وفاته كما كان في حياته غير الصاحب فإنه لما توفي أغلقت له مدينة الري واجتمع الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، وحضر مخدومه فخر الدولة المذكور أولا وسائر القواد وقد غيروا لباسهم، فلما خرج نعشه من الباب صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة وقبلوا الأرض، ومشى فخر الدولة أمام الجنازة مع الناس وقعد للعزاء أياماً.
ورثاه أبو سعيد الرستمي بقوله:
أبعد ابن عباد يهش إلى السرى ... أخو أمل أو يستماح جواد
أبى الله إلا يموتا بموته ... فما لهما حتى المعاد معاد وتوفي والده أبو الحسن عباد بن العباس في سنة أربع - أو خمس - وثلاثين وثلثمائة ، رحمه الله تعالى؛ وكان وزير ركن الدولة بن بويه، وهو والد فخر الدولة المذكور، ووالد عضد الدولة فناخسرو ممدوح المتنبي.
وتوفي فخر الدولة في شعبان سنة سبع وثمانين وثلثمائة، رحمه الله تعالى، ومولده في سنة إحدى وأربعين وثلثمائة.
والطالقاني - بفتح الطاء المهملة وبعد الألف لام مفتوحة ثم قاف وبعد الألف الثانية نون - هذه النسبة إلى الطالقان، وهو اسم لمدينتين: إحداهما بخراسان والأخرى من أعمال قزوين، والصاحب المذكور أصله من طالقان قزوين، لا طالقان خراسان
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي
تتمات..
حكى بديع الزمان أبو الفضل الهمذاني قال: لما أدخلني والدي إلى الصاحب ووصلت إلى مجلسه، واصلت الخدمة بتقبيل الأرض، فقال لي: يا بني أقعد كم تسجد كأنك هدهد.
ويقرب من هذا ما حكى ابن بسام قال: رأيت الفكيك بين يدي الأمير أبي القاسم محمد بن عباد وهو ينشد من قصيدة مطولة:
وأنت سليمان في ملكه ... كما أنا قدامك الهدهد وينشده ويعيده ويسجد، وفعل ذلك مراراً، وضحك أبو القاسم وأمر له بجائزة سنية.
وحكى أبو الفتح عبدوس بن محمد الهمذاني حين قدم البصرة حاجاً سنة نيف وستين وأربعمائة أن الصاحب أبا القاسم ان عباد رأى أحد ندمائه متغير السحنة فقال له: ما الذي بك قال: حما، قال له الصاحب: قه، فقال له النديم: تعقيب لفظة حما بما صارت به " حماقة " ولطف النديم في صلة تعقيبه بما جعلت " قهوة " وكذا فلتكن مداعبة الفضلاء ومفاكهة الأدباء الأذكياء.
واستؤذن عليه [أي] يوماً لإنسان طرسوسي فقال: الطر في لحيته والسوس في حنطته.
وحكى أبو منصور الربيع قال: دخلت يوماً على الصاحب وطاولته الحديث فلما أردت القيام قلت: لعلي طولت فقال: بل تطولت.
وأهدى العميدي قاضي قزوين إلى الصاحب كتباً وكتب معها:
العميدي عبد كافي الكفاة ... وإن اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب ... مغنمات من حسنها مترعات فوقع تحتها:
قد قبلنا من الجميع كتاباً ... ورددنا لوقتها الباقيات
لست أستغنم الكثير فطبعي ... قول خذ ليس مذهبي قول هات قال: وكتب إليه بعض العلوية يخبر بأنه رزق مولوداً وسأله أن يسميه ويكنيه، فوقع في رقعته: أسعدك الله بالفارس الجديد، والطالع السعيد، فقد ملأ والله العين قرة والنفس مسرة، والاسم علي ليعلي الله ذكره، والكنية أبو الحسن ليحسن الله أمره، فإني أرجو له فضل جده وسعادة جده، وقد بعثت إليك لتعويذه ديناراً من مائة مثقال، قصدته به مقصد الفال، رجاء أن يعيش مائة عام، ويخلص خلاص الذهب الإبريز من نوب الأيام، والسلام.
رفع الضرابون من دار الضرب رقعة إلى الصاحب في ظلامة له مترجمة بالضرابين، فوقع تحتها: في حديد بارد.
وقال الصاحب يوماً: ما أفحمني أحد كالبديهي فإنه كان عندي يوماً وأتينا بفاكهة ومشمش فأمعن فيه، فاتفق أن قلت: إن المشمش يلطخ المعدة، فقال: لا يعجبني من يطب على مائدته .
ووقع في رقعة أبي محمد الخازن، وكان ذهب مغاضباً ثم كتب إليه يستأذنه لمعاودة حضرته: (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت) .
ورفع إليه بعض منهي الأخبار أن رجلاً غريب الوجه يدخل داره ويتلطف لاستراق السمع، فوقع تحتها: دارنا هذه خان يدخلها من وفى ومن خان .
وحبس بعض عماله لحاجة في نفسه فأشرف على دار الضرب فلما رآه ناداه
كلانا إلى آدم نعتزي ... وتجمعنا آصرات الرحم
ولكن له الفضل في أنه ... يصول بقرن وأني أجم واتفق أن أحضر مجلس الصاحب فقال له: من تكون فقال: الخادم المأموني الأبهري الشاعر، فقال: الأقرن أم الأجم فاستحيا وخجل.
وقال الصاحب بن عباد: ما أخجلني [قط] غير ثلاثة منهم أبو الحسن البديهي، فإنه كان في نفرٍ من جلسائي فقلت له وفد أكثر من أكل المشمش: لا تأكله فإنه يلطخ المعدة، فقال: ما يعجبني من يطب على مائدته؛ وآخر قال لي وقد خرجت من دار السلطان وأنا ضجر من أمرٍ عرض لي: من أين أقبلت يا مولانا فقلت: من لعنة الله، فقال: رد الله غربتك وأحسن على إساءته الأدب؛ وصبي مستحسن داعبته فقلت: ليتك تحتي، فقال: مع ثلاثة آخرين، يعني في الجنازة، فأخجلني .
ودخل أبو بكر الخوارزمي على الصاحب في أول لقائه إياه فارتفع على الحاضرين في مجلسه من العلماء والأدباء، والجماعة لا تعرفه، فتساءلوا عنه وغاظهم ما رأوا منه، وقال أحدهم: من ذا الكلب قولاً سمعه أبو بكر فالتفت إليه وقال: الكلب من لا يعرف للكلب مائة اسم ويحفظ في مدحه مائة مقطوعة وفي ذمه مثلها، فقال الصاحب: فأنت أبو بكر الخوارزمي، قال: نعم عبدك، قال له: حق لك، وقدمه وقربه.
وصنع الصاحب لأصحابه دعوة وأعرض عن غيرهم، فصنع سديد الدولة أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الأنباري فيه:
إن آثر الصاحب ذا ثروة ... وعاف ذا فقر وإفلاس
لا غرو فالله إلى بيته ... دعا المياسير من الناس وذكر بعض الفقهاء عن وعد وعده إياه فقال: وعد الكريم ألذ من دين الغريم.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي
ووقع في رقعة من يعتذر من ترك حضوره لخوف الثقل على حضرته فقال: متى يثقل الجفن على العين..
وله جواب كتاب: وصل كتاب مولاي، فكانت فاتحته أحسن من كتاب الفتح، وواسطته أنفس من واسطة العقد، وخاتمته أشرف من خاتم الملك.
ورثاه أيضاً أبو القاسم غانم بن محمد الأصبهاني بقوله:
ما مت وحدك بل كل الذي ولدت ... حواء طراً بل الدنيا بل الدين
تبكي عليك العطايا والصلات كما ... بكت عليك الرعايا والسلاطين
قام السعاة وكان الخوف أقعدهم ... واستيقظوا بعدما مت الملاعين
لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا ... مضى سليمان فانحل الشياطين
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ العَلاَّمَةُ, الصَّاحِبُ, أَبُو القَاسِمِ إِسْمَاعِيْلُ بن عبَّاد بن عَبَّاسٍ الطَّالقَانِيُّ, الأَدِيبُ الكَاتِبُ, وَزِيْرُ الملكِ مُؤَيّدِ الدولة بويه ابن ركن الدولة.
صحب الوزير إلى أَبَا الفَضْلِ بنَ العَمِيْدِ، وَمِنْ ثَمَّ شُهِرَ بِالصَّاحِبِ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ فَارس بِأَصْبَهَانَ، وَمِنْ أَحْمَدَ بنِ كَامِلٍ القَاضِي, وَطَائِفَةٍ بِبَغْدَادَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو العَلاَءِ مُحَمَّدُ بنُ حسُّولَ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي عَلِيٍّ الذَّكْوَانِيُّ, وَأَبُو الطَيِّبِ الطَّبَرِيُّ, وَأَبُو بَكْرٍ بنُ المُقْرِئِ شَيْخُهُ.
وَلَهُ تَصَانِيْفٌ مِنْهَا فِي اللُّغَةِ "المحيطُ" سَبْعَةُ أَسفَارٍ، وَ"الكَافِي" فِي التَّرَسُّلِ, وَكِتَابُ "الإِمَامَةِ" وَفِيْهِ منَاقبُ الإِمَامِ عَلِيٍّ, وَيثبتُ فِيْهِ إِمَامَةَ مَنْ تَقَدَّمَهُ.
وَكَانَ شِيْعِيّاً مُعْتَزِلِيّاً مُبْتَدِعاً تيَّاهًا صلفاً جبَّاراً, قِيْلَ: إِنَّهُ ذُكرَ لَهُ البُخَارِيُّ فَقَالَ: وَمَن البُخَارِيُّ?!! حَشَوِي لاَ يُعَوَّل عَلَيْهِ.
وَقَدْ نُكِبَ ونُفِيَ, ثُمَّ رُدَّ إِلَى الوَزَارَةِ, وَدَامَ فِيْهَا ثمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَافتَتَحَ خَمْسِيْنَ قلعَةً لمخدومه فخر الدولة.
وَقَدْ طوَّل ابْنُ النَّجَّارِ تَرْجَمَتَهُ.
وَكَانَ فَصِيْحاً متقعِّرًا, يَتَعَانَى وَحْشِيَّ الأَلفَاظِ فِي خِطَابِهِ, وَيمقُتُ التيه, وَيَتِيْهُ وَيغضبُ إِذَا نَاظرَ, قَالَ مرَّةً لفَقِيْهٍ: أَنْتَ جَاهلٌ بِالعِلْمِ, وَلذَلِكَ سوَّد اللهُ وَجهَكَ.
وله كتاب "الوزراء"، وَكِتَابُ "الكشفِ عَنْ مَسَاوِئِ شعرِ المُتَنَبِّي"، وَكِتَابُ "الأَسمَاءِ الحُسْنَى".
وَهُوَ القَائِلُ:
رقَّ الزُّجَاجُ وَرَقَّتِ الخَمْرُ ... وَتَشَابَهَا فَتَشَاكَلَ الأَمْرُ
فَكَأَنَّمَا خَمْرٌ وَلاَ قَدَحٌ ... وَكَأَنَّمَا قَدَحٌ وَلاَ خَمْرُ
قيل: جمعَ الصَّاحِبُ مِنَ الكُتُبِ مَا يحتَاجُ فِي نَقْلِهَا إِلَى أَرْبَعِ مائَةِ جَمَلٍ، وَلَمَّا عَزَمَ عَلَى التَّحْدِيْثِ تَابَ, واتَّخذ لِنَفْسِهِ بَيْتاً سمَّاه بَيْتَ التَّوبَةِ, وَاعتكَفَّ عَلَى الخَيْرِ أُسبوعاً، وَأَخذَ خُطُوطَ جَمَاعَةٍ بصحَّةِ توبَتِهِ, ثُمَّ جَلَسَ للإِمْلاَءِ، وَحضرَهُ الخَلْقُ, وَكَانَ يتفقَّد عُلمَاءَ بَغْدَادَ فِي السَّنَةِ بخمسَةِ آلاَفِ دِيْنَارٍ, وَأُدَبَاءهَا، وَكَانَ يُبْغِضُ مَنْ يَدخلُ فِي الفَلْسَفَةِ.
وَمَرِضَ بِالإِسهَالِ, فَكَانَ إِذَا قَامَ عَنِ الطِّسْتِ تَرَكَ إِلَى جَنْبِهِ عَشْرَةَ دَنَانِيْرَ للغُلاَمِ، وَلَمَّا عُوِفَي تصدَّق بخَمْسِيْنَ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ صَاحِبَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ نُوْحَ بنَ مَنْصُوْرٍ كتبَ إِلَيْهِ يَسْتَدعِيهِ لِيُوَلِّيَهُ وَزَارتَهُ, فاعتلَّ بَأَنَّهُ يحتَاجُ لِنَقْلِ كُتُبِهِ خَاصَّةً أَرْبَعَ مائَةِ جَمَلٍ, فَمَا الظَّنُّ بِمَا يليقُ بِهِ مِنَ التَّجَمُّلِ.
وَكَانَ قَدْ لُقِّبَ كَافِيَ الكُفَاة.
مَاتَ بِالرَّيِّ, وَنُقلَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَلَمَّا أبرز تابوته ضجَّ الخلق بالبكاء.
يُقَالُ: إِنَّهُ قَالَ: ثَلاَثَةٌ خَجَّلُونِي: البَنْدَهِيُّ حضَرَ المَجْلِسَ, فَقَدَّمتُ فَوَاكِهَ مِنْهَا مشمشٌ فَائِقٌ, فَأَكلَ وَأَمعنَ, فَقُلْتُ: إِنَّهُ مُلطّخُ المعدَةِ, فَقَالَ: لاَ يعجبني الرئيس إذا تطبّب، والفرندي قال: قد جِئْتُ مِنْ دَارِ السَّلْطَنَةِ وَأَنَا ضَجِرٌ مِنْ أَينَ أَقبلَ مَوْلاَنَا? قُلْتُ: مِنْ لَعْنَةِ اللهِ, قَالَ: رَدَّ اللهُ غُرْبَةَ مَوْلاَنَا. وَالثَّالِثُ: المَافرُّوخيُّ أَيَّامَ حُسنِهِ دَاعبتُهُ, فَقُلْتُ: رأَيتُكَ تَحْتِي, قَالَ: مَعَ ثَلاَثَةٍ مِثْلِي.
وَللبُستِيِّ فِي الصَّاحِبِ:
يَا من أعاد رميم الملك منشورا ... وضمَّ بالرأي أَمْراً كَانَ مَنْشُوْراً
أَنْتَ الوَزِيْرُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتِ مَنْشُوْراً ... وَالمُلْكُ بَعْدَكَ إِنْ لَمْ يُؤْتَمَنْ شُوْرَى
مَاتَ الصَّاحِبُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ, عَنْ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً.
ووزر أبوه لركن الدولة.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
وأما الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد، فإنه كان غزير الفضل، متفنناً في العلوم، أخذ عن أبي الحسين بن فارس، وأبي الفضل بن العميد.
ويحكى أنه لما رجع من بغداد دخل على الأستاذ أبي الفضل بن العميد، فقال له: كيف وجدت بغداد؟ قال: بغداد في البلاد، مثل الأستاذ في العباد.
وأنشده الصاحب:
أفاضل الدنيا وإن برزوا ... لم يبلغوا غاية أستاذها
أما ترى أمصارها جمة ... ولا ترى مصراً كبغداذها
وكان بين الصاحب وبين أبي بكر الخوارزمي شيء، فبلغ الصاحب عنه أنه هجاه بقوله:
لا تمدحن ابن عباد وإن هطلت ... كفاه بالجود سحاً يخجل الديما
فإنها خطرات من وساوسه ... يعطي ويمنع، لا بخلاً ولا كرما
وظلمه بهذا القول، فلما بلغ الصاحب موت أبي بكر أنشد:
سألت بردياً من خراسان جائياً ... أمات خوارزميكم؟ قال لي: نعم
فقلت: اكتبوا بالجص من فوق قبره ... ألا لعن الرحمن من كفر النعم
وصنف تصانيف كثيرة: كالوقف والابتداء، والعروض، وجوهرة الجمهرة، والأخذ على أبي الطيب المتنبي، وكتاب الرسائل، إلى غير ذلك.
ويحكى عنه أنه لما صنف كتاب الوقف والابتداء كان ذلك في عنفوان شبابه، فأرسل إليه أبو بكر بن الأنباري وقال له: إنما صنفت كتاب الوقف والابتداء بعد أن نظرت في سبعين كتاباً تتعلق بهذا العلم، فكيف صنعت هذا الكتاب مع حداثة سنك؟ فقال الصاحب للرسول: قل للشيخ: نظرت في النيف وسبعين التي نظرت فيها، ونظرت في كتابك أيضاً.
وكان الصاحب صاحب بلاغة وفصاحة، سمح القريحة؛ يحكى أنه دخل رجل فجعل يكرر السجود، فقال له: تسجد كأنك هدهد! ويحكى أيضاً أنه دخل عليه رجل فقال له: من أين أنت! فقال: من "بنج ده"، وهي بالفارسية خمس قرى، فقال له الصاحب: يحمق من كان من قرية واحدة، فكيف من كان من خمس قرى! ويحكى أنه رأى أحد ندمائه متغير اللون، فقال له: ما الذي بك؟ قال: حمى! فقال له الصاحب: "قه"، فقال النديم: "ده"، فاستحسن الصاحب ذلك منه، وخلع عليه.
وكان الصاحب يذهب إلى مذهب أهل العدل، وفي ذلك يقول:
تعررفت بالعدل في مذهبي ... ودان بحسن جدالي العراق
فكلفت في الحب ما لم أطق ... فقلت بتكليف ما لا يطاق
وتوفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، في خلافة العادل بالله تعالى.
نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.
فخر الوزراء أبو القاسم إسمعيل بن عَبَّاد بن أحمد بن إدريس، الشهير بالصَّاحب الوزير الأديب ابن الوزير الطّالقاني، المتوفى بالرَّي في رابع عشري صفر سنة خمس وثمانين وثلاث مائة، عن تسع وخمسين سنة.
كان أبوه وزير ركن الدولة بن بُويه مات سنة 335. ولد الصَّاحب بإصطخر سنة 336 وأخذ الأدب عن ابن فارس وأبي الفضل بن العميد الوزير وسمع من أبيه وغيره، فَمَهَرَ وفاق على أهل زمانه، فاستوزره مؤيد الدولة بن ركن الدولة، ثم أخوه فخر الدولة وكان معظمًا عنده نافذ الأمر وأخذ لهما نحو خمسين قلعة بجودة رأيه فدام في الوزارة ثماني عشرة سنة، فعزل بأبي الفتح، ثم أعيد وبقي إلى آخر عمره. وكانت حضرته مجمع العلماء والشعراء وروي عنه أنه قال: ومدحت بمائة ألف قصيدة ما سرني شاعر كأبي سعيد الرستمي الأصفهاني بقوله: ورث الوزارةَ كابرًا عن كابر ... موصولة الإسْناد بالإسنادِ
يروي عن العباس عبادٌ وزا ... رته وإسمعيل عن عبّادِ
وله من التصانيف "المحيط باللغة" سبع مجلدات و"الكافي في الرسائل" و"جوهرة الجمهرة" وكتاب "الأعياد" و"فضائل النيروز" وكتاب "الإمامة" كتاب "الوزراء" و"الكشف عن مساوئ شعر المتنبي" وكتاب "الأسماء الحسنى" ورسائل بديعة. ومن شعره:
رقّ الزُّجَاجُ ورقّت الخمرُ ... فتشابها وتشاكَلَ الأمرُ
فكأنّما خمرٌ ولا قدحٌ ... وكأنّما قدحٌ ولا خمرُ
ذكره ابن خلِّكان.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.