يونس إِمَامُ النَّحْوِ. هُوَ: أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُوْنُسُ بن حبيب الضبي مولاهم، البصري.
أَخَذَ عَنْ: أَبِي عَمْرٍو بنِ العَلاَءِ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.
وَعَنْهُ: الكَسَائِيُّ، وَسِيْبَوَيْه، وَالفَرَّاءُ، وَآخَرُوْنَ.
وَعَاشَ ثَلاَثاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً.
أَرَّخَ خَلِيْفَةُ بنُ خَيَّاطٍ مَوْتَهُ: فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَقَدْ لَقِيَ عَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، فَسَأَلَهُ عَنْ لَفْظَةٍ، وَكَانَ لِيُوْنُسَ حَلْقَةٌ يَنْتَابُهَا الطَّلَبَةُ وَالأُدَبَاءُ، وَفُصَحَاءُ الأَعْرَابِ.
وذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ، فَقَالَ: جَاوَزَ المائَةَ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ، وَلاَ تسرى.
وله تواليف في القرآن واللغات.
سير أعلام النبلاء - لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي
يونس بن حَبِيب
(94 - 182 هـ = 713 - 798 م)
يونس بن حبيب الضبي بالولاء، أبو عبد الرحمن، ويعرف بالنحوي:
علامة بالأدب، كان إمام نحاة البصرة في عصره. وهو من قرية " جبّل " بفتح الجيم وضم الباء المشددة، على دجلة، بين بغداد وواسط. أعجمي الأصل. أخذ عنه سيبويه والكسائي والفراء وغيرهم من الأئمة. قال ابن النديم: كانت حلقته بالبصرة، ينتابها طلاب العلم وأهل الأدب وفصحاء الأعراب ووفود البادية.
وقال أبو عبيدة: اختلفت إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه. وقال ابن قاضي شهبة: هو شيخ سيبويه الّذي أكثر عنه النقل في كتابه.
من كتبه " معاني القرآن " كبير، وصغير، و " اللغات " و " النوادر " و " الأمثال " ومن كلامه: ليس لعييّ مروءة ولا لمنقوص البيان بهاء .
-الاعلام للزركلي-
من أخبار يونس بن حبيب النحوي
هو أبو عبد الرحمن مولى بني ضبة، وقيل: مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة من كنانة، وقيل: مولى بلال بن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة، قيل: إنه من أهل جبل. ولد يونس سنة تسعين، ومات سنة أثنتين وثمانين ومائة وهو ابن اثنتين وتسعين سنة، وقيل: مات وله مائة وسنتان. ومات هو وابو يوسف القاضي وعلي بن يقطين ومروان بن أبي حفصة الشاعر في يوم واحد.
وقال يونس: اشتهي أن أعاتب في الجنة ثلاثة: آدم عليه السلام فأقول: أبي رضي الله عنك، أدخلك الله الجنة وأباحها لك كلها إلا شجرة واحدة، فأكلتها وأشقيتنا وأخرجتنا من الجنة! ويوسف عليه السلام فأقول: رضي الله عنك، تركت أباك وبينك وبينه مسيرة كذا وكذا، فتركته كذا وكذا من الدهر لم تكتب إليه كتاباً ولم ترسل إليه رسولاً حتى ذهب بصره من الحزن! وطلحة والزبير فأقول: رضي الله عنكما، بايعتما علياً بالحجاز ثم خلعتماه وجئتما تقاتلانه من غير حدث أحدث.
سأل رجلُ عن بني المحبل: من هم من العرب؟ فلم يعرف ذلك أحد، فلم يترك بالحجاز والشأم والكوفة أحداً إلا سأله. فأتى البصرة فلم يعرفهم أحد، فقيل له: إيت يونس بن حبيب! فأتاه فسأله، فضحك فقال: هؤلاء قوم من كندة عرفوا بأبيهم، وكان من قضيته أنه قال " من الوافر ":
أكرم جارتي وأصون عرضي … وأفرغ في مزادتها سقائي
فأتركها وإن كانت عقيما … كناز البطن من مذخور مائي
فقيل له: المحبل وتجنب الناس جواره.
ومن حكمه ومستحسن ألفاظه، كان يقول: إنما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر من تأليف الكلام ونظمه ما لايشعر له غيره؛ الحمية طابع الصحة؛ الكبر وكل عيب، العزل وكلّ ذنب، الولاية وكل مدح، الشباب وكل صحة، اليسار وكل فضيلة، الفقر وكل لؤم؛ أعلم الناس بالزمان من لم يتعجب من أحداثه؛ ليس لمعجب رأي ولا لمتكبر صديق. - وكان يشرب الصبر كثيرا، فقيل له في ذلك، فقال: إنه يصفي البشرة ويذهب بالبثور وينقي الأعصاب. - وكان يقول: حسن الوجه يجذب أعنة الأبصار؛ ويقول: ليس لناقص البيان بهاء ولو حك بأنفه عنان السماء.
وسمع يونس رجلاً ينشد " من البسيط ":
استودع العلم قرطاساً فضيعه … وبئس مستودع العلم القراطيس
فقال: قاتله الله ماأشد صبابته بالعلم وأحسن صيانته للعلم، ثم قال: مالك من بدنك وحفظك من روحك: فحفظ علمك حفظ روحك وحفظ مالك حفظ بدنك. وأخذ محمد بن بشير هذا المعنى فقال " من المنسرح ":
قل لبغاة الآداب: ماوقعت … منها إليكم فلا تضيعونها
وضمنوا علمها الدفاتر … والحبر بحسن الكتاب أوعوها
وإن دعتكم إلى القراطيس … والأنقاس نفس فلا تطيعوها
وقال يونس: اختلفنا في أن الشعر ينقض الوضوء أم لا، فرأيت محمد ابن سبرين قد دخل المسجد، فبعث إليه رجلا فسأله، فأنشأ يقول " من الطويل ":
ألا تلكم عرس الفرزدق ناشزا … ولو رضيت رمح استه لاستقرت
ثم استقبل القبلة فقال: الله أكبر.
استأذن أبو سفيان على رسول الله ﷺ، فأذن لرجال قبله ثم أذن له، فقال: يارسول الله، كدت تأذن لحجارة الجهلتين قبلي. فقال رسول الله ﷺ: إنما مثلك في ذلك، ياأبا سفيان، ما قال الأول: كل الصيد في جوف الفرلء. - قال خلاد: فحدثت يونس، فقال: والله لقد جود له رسول الله ﷺ! أتدري ماهذا؟ خرج رجال فتصيدوا، فاصطاد رجل منهم حمار وحش، واصطاد الآخرون من بين ظبي وأرنب، فاجتمعت نساؤهم، فجعلت المرأة تقول: اصطاد زوجي كذا، فيقول صاحب الحمار: كل الصيد في جوف الفراء.
وسئل يونس عن قوله تعالى: (فاليوم ننجيك ببدنك) وقد أغرق الله فرعون ولم ينجه، فقال: يعني نلقيك بنجوة البحر، وهي شاطئه وكذلك نجوة الوادي شفير الوادي، وتمثل بقول الشاعر " من البسيط ":
دان مسف فويق الأرض هيدبه … يكاد يمسكه من قام بالراح
فمن بنجوته كمن بعقوته … والمستكن كمن يمشي بقرواح
يقول: المستكن كمن يمشي بالفضاء.
قال أبو حنيفة ليونس: ياأبا عبد الرحمان، علمت أن الزمان ليس من الفاكهة؟ قال: لم؟ قال: لقول الله ﷻ: (فيهما فاكهة ونخل ورمان) . فقال يونس: فجبريل وميكائيل إذا ليسا من الملائكة لقوله تعالى: (من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل) . قال: فكيف ذاك؟ قال: إن الله ﷻ إذا خص الشيء بالفضل أدخله في الجملة ثم أبانه بالاستثناء وأفرد ذكره.
وقال يونس: من أمثال العرب: المرء يعجز لا المحالة، يريد أن العجز يأتي من قبله. فأما الحيلة فواسعة غير ضيقة، وأنشد " من الكامل ":
أعصيت أمر ذوي النهى … وأطعت أمر ذوي الجهاله
واحتلت حين عصيتني … والمرء يعجز لا المحاله
وسئل عن مثل: مجير أم عامر، فقال: خرج فتيان من العرب إلى الصيد فأثاروا ضبعا، فانفلتت من أيديهم ودخلت خباء بعض الأعراب، فخرج إليهم فقال: والله لاتصلون إليها وقد استجارت بي! فخلوا بينه وبينها. فلما أنصرفوا عمد إلى خبز ةلبن وسمن فثرده وقربه إليها، فأكرلت حتى شبعت، وتمددت في جانب الخباء، وغلب الأعرابي النوم، فلما استثقل وثبت عليه، فقرضت حلقه وبقرت بطنه وأكلت حشوته وخرجت تسعى، وجاء أخُ للأعرابي، فلما نظر إليها أنشد يقول " من الطويل ":
ومن يصنع المعروف في غير أهله … يلاق الذي لاقى مجير أم عامر
أعد لها لما أستجارت ببيته … قراها من ألبان اللقاح البهازر
فأشبعها حتى إذا ما تمطرت … فرته بأنياب لها وأظافر
فقل لبني المعروف هذا جزاء من … يجود بمعروف إلى غير شاكر
وقال: لم يقل لبيد في الإسلام إلا بيتاً واحداً وهو " من البسيط ":
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي … حتى لبست من الإسلام سربالا
وقال: إن علماء البصرة كانوا يقدمون أمرء القيس، وإن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وإن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرا والنابغة. - وكان يفضل الفرزدق على جرير، وكان يقول: ماتهاجى شاعران قط في جاهلية ولا إسلام إلا غلب أحدهما على صاحبه غيرهما، فإنهما تهاجيا نحوا من ثلاثين سنة، فلم يغلب أحد منهما على صاحبه. - وقال: لو تمنيت أن أقول الشعر لما تمنيت أن أقول إلا مثل قول عدي بن زيد " من الخفيف ":
أيها الشامت المعير بالمو … ت أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيام … أم أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون عزين أم من … ذا عليه من أن يضام خفير
وقال: أشعر بيت قالت العرب قول دريد بن الصمة في مرثيته أخاه عبد الله " من الطويل ":س
صبا ماصبا حتى إذا شاب رأسه … وأحدث حلماً قال للباطل: أبعد
قليل التشكي للمصيبات حافظ … من اليوم أدبار الأحاديث في غدِ
وقال: أتينا خالد بن صفوان نعزيه في ابنه، فانتهينا إليه وهو يقول " من الطويل ":
وهون ما ألقى من الوجد أنني … أجاوره في داره اليوم أو غدا
قال الاصمعي: قلت ليونس: ما - أراد ذو الرمة بقوله " من الطويل ":
وليلٍ كجلباب العروس ادَّرعتهُ … بأربعةٍ والشخص في العين واحدُ
فقال يونس: لاأحسب الجنَّ تقع على ماوقع عليه وفطن له، قوله: " وليلٍ كجلباب العروس " يقول: ليلٌ كقميص العروس في الطول لأن العروس تجرُ أذيالها، " ادرعته ": لبسته، " بأربعة ": يعني نفسه وناقته وسيفه وظله يعني خيمته، " والشخص في العين واحد " يقول: والإنسان واحدُ.
ودخل المهلَّبُ على الحجاج بعد فراغه من أمر الخوارج، فأجلسه إلى جانبه وقال: أنت والله كما قال لقيط الإيادي " من البسيط ":
فقلدوا أمركم، لله درُّكم … ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعا
لامترفاً إن رخاء العيش ساعده … وليس إن عضَّ مكروه به خشعا
وقال: كنت في حلقة أبي عمرو بن العلاء، فجاءه شبيل بن عزرة الضُبَعّيُّ، فتزحزح له أبو عمرو ورفعه، فقال لأبي عمرو: ألا تعجبون لرؤبتكم هذا؟! سألته مم اشتقاق اسمه فلم يعرفه! قال يونس: فما تمالكت أن قمت فجلست بين يديه، وقلت له: لعلك تظن أن معَّد بن عدنان كان أفصح من رؤبة! فأنا غلام رؤبة، فما الروبة والروبة والروبة والروبة والرؤبة إحداهن مهموز! فقام مغضباً، فقال لي أبو عمرو: ماأردت بهذا؟ رجلٌ شريف أتانا في مجلسنا، فسؤته - أو قال: فأَذَّيته وأبسته -! قال: هو مثل التهكم! فقلت: والله ما تمالكت إن ذكر رؤبة أن قلت ما قلت. ثمّ فسّر لنا يونس ذلك فقال: الروُبة الحاجة، يقال: قمتُ بروبة أهلي، أي بحاجتهم؛ والروبة: ما يلقى في اللبن الحليب من اللبن الحامض حتى يروب؛ والروبة: جمام الفحل، يقال: أعرني روبة فحلك؛ والروبة: القطعة من الليل؛ والرؤبة القطعة من الخشب يشعب بها القعب ويرقع بها العُسُّ وما أشبه ذلك، يقال: رأبت الشئ أرابه رأباً إذا أصلحته، والعمل الرأب وكلّ شئ أصلحته فقد رأبته، ومنه اشتقاق اسم رئاب، ومنه قولهم: اللهم أرأب ثأينا، أي أصلح فسادنا! ومن ذلك اشتقاق اسم رؤبة إن كان مهموزاً. - والروبة: من النوم ومنه " من المقارب ":
فأما تميم تميمُ بنُ مُرٍ … فألفاهمُ القومُ روبى نياما
ويقال: مازال على روبة واحدة، أي طريقة واحدة؛ قال: روبة البحر: وسطه ومعظمه، والمهموز منه: رأبت، من القطعة التي يرأب بها القَدَحُ. - قال: وقلت لرؤبة: مامعنى قوله عليه السلام: لاعدوى ولاطيرة ولا صفر، مالصفر؟ قال: داءٌ يأخذ الإبل، يعدي فيهم يخافون إعداءه.
وقال يونس: إني جالس إذ أقبلت جارية من أحسن الناس، ثم طلع فتىً في نحو هيئتها؛ فوقف علينا وسلم ودهش وخفي عليه مسلكها، فقلت له: أخذت ههنا! فاتبعها وهو يقول " من الطويل ":
إذا سلكت قصد السبيل سلكته … وتعدلُ أحياناً بنا فنحيد
ويروى " فنميل "، ويروى: " وإن هي جارت جرت حيث تجور ".
وقال الشعبي: وجد في خزائن عادٍ سهم ريشه ريش نسر مكتوب فيه " من الطويل ":
فليس إلى أكناف صبح بذي اللوى … لوى الرمل فأعذرن النفوس معاد
بلاد بها كنا وكنا نحبها … إذا الناس ناس والبلاد بلاد
وقال يونس: ماصحَ عندنا ولابلغنا أنّ علياً قال شعرا إلا هذين البيتين " من البسيط ":
تلكم قريش تمنتني لتقتلني … فلا وربك مابروا وما ظفروا
فإن هلكت فرهن ذمتي لهم … بذات روقتين لايعفو لها أثر
قال ثعلب: يقول أترك فيهم آثاراً لاتذهب.
وقال: الظل من طلوع الفجر إلى زوال الشمس، والفيء من زوال الشمس إلى الليل، وأنشد لابن سلاّم " من الطويل ":
لعمري لأنت البيت أكرم أهله … وأقعد في أفيائه بالأصائل
وأنشد " من الطويل ":
فلا ظلٌ من برد الضحى تستطيعه … ولا الفيء من برد العشي تطيق
قيل ليونس: قد بلغت سن الشيخوخة، فقال: هذا الذي كنت أتمنى. أخذ هذا المعنى محمد بن عبد الملك الزيات فقال " من البسيط ":
وعائبٍ عابني بشيبٍ … لم يعد لما ألمَّ وقته
فقلت: إذ عابني بشيبي … يا عائب الشيب لا بلغته
من كتاب نور القبس - أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري (ت 673هـ).