محمد بن الحسن أبي بكر ابن فورك
محمد بن الحسن ابن فورك
تاريخ الوفاة | 406 هـ |
مكان الوفاة | حيرة-نيسابور - إيران |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
محمد بن الحسن أبي بكر ابن فُورك
ومحمد بن الحسن، أبي بكر، المتكلم، الأصولي، الأديب، النحوي، الواعظ، الأصبهاني.
بلغت مصنفاته في أصول الدين، والفقه، ومعاني القرآن، قريبًا من مائة مصنف. ذكره الخطيب، وغيره.
وكانت وفاته في سنة ست وأربعمائة.
تاج التراجم - لأبي الفداء زين الدين أبي العدل قاسم بن قُطلُوبغا السودوني.
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَوْرَكٍ، بَلَغَ تَصَانِيفُهُ قَرِيبًا مِنَ الْمِائَةِ أَوْ أَكْثَرَ، دُعِيَ إِلَى غَزْنَةَ فَسُمَّ فِي الطَّرِيقِ وَمَضَى وَنُقِلَ إِلَى نَيْسَابُورَ وَدُفِنَ بِالْحِيرَةِ، سَمِعَ بِبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ، وَمِنَ الدَّيْبُلِيِّ بِمَكَّةَ، وَسَمِعَ مُسْنَدَ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الأَصْبَهَانِيِّ وَحَدَّثَ بِهِ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ وَلَمْ يُخَلِّفِ ابْنًا، وَبَقِيَتْ لَهُ أَعْقَابٌ مِنْ جِهَةِ الْبَنَاتِ، أَخْبَرَنَا بِالْحَدِيثِ عَنْهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَفٍ، وَأَبُو صَالِحٍ الْمُؤَذِّنُ.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور - تَقِيُّ الدِّيْنِ، أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ الصَّرِيْفِيْنِيُّ، الحَنْبَلِيُّ.
مُحَمَّد بن الْحسن بْن فورك، أَبُو بكر ابْن فرك الْأَصْبَهَانِيّ، نزيل نيسابور.
ذكره الْحَاكِم فِي " تَارِيخه " فَقَالَ: الأديب، الْمُتَكَلّم، الأصولي، الْوَاعِظ، النَّحْوِيّ، أَقَامَ أَولا بالعراق إِلَى أَن درس بهَا على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ، ثمَّ لما ورد الرّيّ قصدته المبتدعة، فعقد عبد الله بن مُحَمَّد الثَّقَفِيّ مَجْلِسا، وَجمع أهل السّنة، وتقدمنا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي الْحسن مُحَمَّد بن الْحسن، والتمسنا مِنْهُ المراسلة فِي تَوْجِيهه إِلَى نيسابور، فَفعل، وَورد نيسابور، فَبنى لَهُ الدَّار والمدرسة، فأحيى الله بِهِ فِي بلدنا أنواعا من الْعُلُوم، وَظَهَرت بركته على جمَاعَة من المتفقهة وتخرجوا بِهِ.
سمع عبد الله بن جَعْفَر وأقرانه، وَكثر سَمَاعه بِالْبَصْرَةِ وبغداد، وَحدث بنيسابور.
روى عَنهُ الْحَاكِم، حكى عَنهُ أَنه قَالَ: كَانَ سَبَب اشتغالي بِعلم الْكَلَام، أَنِّي كنت بأصبهان أختلف إِلَى فَقِيه، فَسمِعت أَن الْحجر يَمِين الله فِي الأَرْض، فَسَأَلت ذَلِك الْفَقِيه عَن مَعْنَاهُ، فَكَانَ لَا يُجيب بِجَوَاب شاف، وَيَقُول: أيش تُرِيدُ من هَذَا؟ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يعرف حَقِيقَة ذَلِك، فَقيل لي: إِن أردْت أَن تعرف هَذَا فَمن حَقك أَن تخرج إِلَى فلَان فِي الْبَلَد، وَكَانَ يحسن الْكَلَام، فَخرجت إِلَيْهِ وَسَأَلته، فَأجَاب بِجَوَاب شاف، فَقلت: لَا بُد أَن أعرف هَذَا الْعلم، فاشتغلت بِهِ.
وَذكر ابْن حزم إِمَام ظاهرية الْمغرب فِي كتاب " النصائح " لَهُ؛ أَن السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين قتل أَبَا بكر ابْن فورك لقَوْله: إِن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ هُوَ رَسُول الله الْيَوْم، لكنه كَانَ رَسُول الله.
وَزعم ابْن حزم أَن هَذَا قَول جَمِيع الأشعرية، وَلَيْسَ كَمَا زعم، وَإِنَّمَا هُوَ تشنيع عَلَيْهِم أثارته الكرامية فِيمَا حَكَاهُ الْقشيرِي قَالَ: تناظر ابْن فورك وَأَبُو عُثْمَان المغربي فِي الْوَلِيّ، هَل يعرف أَنه ولي؟ فَكَانَ ابْن فورك يُنكر أَن يعرف ذَلِك لزوَال الْخَوْف، وَأَبُو عُثْمَان يُحَقّق ذَلِك، وَهَذِه مَسْأَلَة خلاف بَين الصُّوفِيَّة، فَأَنْشد أَبُو عُثْمَان:
(يعرفهُ الباحث عَن جنسه ... وَسَائِر النَّاس لَهُ مُنكر)
قَالَ الإِمَام - يَعْنِي: الْقشيرِي -: نعني أَن هَذِه الْحَالة من حَيْثُ الْحَال والذوق، لَا من حَيْثُ المناظرة والنطق، وَذكر أسعد أَنه سَمعه يَحْكِي عَن الْأُسْتَاذ الشَّهِيد يَعْنِي: ابْن فورك - قَالَ: كل مَوضِع نرى فِيهِ اجْتِهَادًا، وَلم يكن ثمَّ نور، فَاعْلَم أَن ثمَّ بِدعَة خُفْيَة.
-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-
الإمام العلامة الصالح، شيخ المتكلمين، أبو بكر محمد بن الحَسَنِ بنِ فُوْرَكَ الأَصْبَهَانِيّ.
سَمِعَ مُسْنَد أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ فَارِسٍ، وَسَمِعَ مِن ابْنِ خُرَّزَاذ الأَهْوَازِيّ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَف، وَآخَرُوْنَ.
وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ الكَثِيْرَة.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي "سيَاق التَّارِيْخ": الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ قَبْرُهُ بِالحِيرَة يُسْتَسقَى بِهِ.
وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَان فِيْهِ: أَبُو بَكْرٍ الأُصُوْلِيّ، الأَدِيْبُ النَّحْوِيُّ الوَاعِظُ، دَرَّسَ بِالعِرَاقِ مُدَّةً، ثُمَّ تَوَجَّه إِلَى الرَّيّ، فسعَتْ بِهِ المبتدعَةُ يَعْنِي الكَرَّامِيَّة فَرَاسلهُ أَهْلُ نَيْسَابُوْر، فوردَ عَلَيْهِم، وَبنَوا لَهُ مَدْرَسَةً وَدَاراً، وَظهرت بَرَكَتُهُ عَلَى المُتَفَقّهَة، وَبلغت مُصَنَّفَاتُه قَرِيْباً مِنْ مائَة مصَنّف، وَدُعِي إِلَى مدينَة غَزْنَة، وَجرتْ لَهُ بِهَا مُنَاظَرَات، وَكَانَ شَدِيدَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ كرَّام، ثُمَّ عَادَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فسُمَّ فِي الطَّرِيْق، فَمَاتَ بقُرْبِ بُسْت، وَنُقِلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، ومشهده بالحيرة يزار، ويستجاب الدعاء عنده.
قُلْتُ: كَانَ أَشْعَريّاً، رَأْساً فِي فَنِّ الكَلاَم، أَخَذَ عَن أَبِي الحَسَنِ البَاهِلِيّ صَاحِبِ الأَشْعَرِيّ.
وَقَالَ عَبْدُ الغَافِرِ: دَعَا أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ فِي مَجْلِسه لطَائِفَةٍ، فَقِيْلَ: إلَّا دعوتَ لابْنِ فُوْرَك؟ قَالَ: كَيْفَ أَدْعُو لَهُ، وَكُنْتُ البَارِحَة أُقْسِمُ عَلَى اللهِ بِإِيْمَانِهِ أَنْ يَشْفينِي ?.
قُلْتُ: حُمِلَ مُقَيَّداً إِلَى شيرَاز للعقَائِد.
وَنَقَلَ أَبُو الوَلِيْدِ البَاجِيُّ أَنَّ السُّلْطَانَ مَحْمُوْداً سأَله عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ، وَأَمَّا اليَوْم فَلاَ. فَأَمر بِقَتْلِهِ بِالسُّمّ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْم: كَانَ يَقُوْلُ: إِنَّ روحَ رَسُوْلِ اللهِ قَدْ بطلت، وَتلاشَتْ، وَمَا هِيَ فِي الجَنَّةِ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الحَاكِم حَدِيْثاً، وَتُوُفِّيَ قبلَه بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك
الْأُسْتَاذ أَبُو بكر الْأنْصَارِيّ الْأَصْبَهَانِيّ
الإِمَام الْجَلِيل والحبر الَّذِي لَا يجارى فقها وأصولا وكلاما ووعظا ونحوا مَعَ مهابة وجلالة وورع بَالغ
رفض الدُّنْيَا وَرَاء ظَهره وعامل الله فِي سره وجهره وصمم على دينه
(مصمم لَيْسَ تلويه عواذله ... فِي الدّين ثَبت قوي بأسه عسر)
وحوم على الْمنية فِي نصْرَة الْحق لَا يخَاف الْأسد فِي عرينه
(وَلَا يلين لغير الْحق يتبعهُ ... حَتَّى يلين لضرس الماضغ الْحجر)
وشمر عَن سَاق الِاجْتِهَاد
(بهمة فِي الثريا إِثْر أخمصها ... وعزمة لَيْسَ من عاداتها السأم)
وَدَمرَ ديار الْأَعْدَاء ذَوي الْفساد
(وَعمر الدّين عزم مِنْهُ معتضد ... بِاللَّه تشرق من أنواره الظُّلم)
وصبر وَالسيف يقطر دَمًا
(وَالصَّبْر أجمل إِلَّا أَنه صَبر ... وَرُبمَا جنت الأعقاب من عسله)
وَبدر بجنان لَا يخادعه حب الْحَيَاة وَلَا تشوقه الحاظ الدمى
(لكنه مغرم بِالْحَقِّ يتبعهُ ... لله فِي الله هَذَا مُنْتَهى أمله)
أَقَامَ أَولا بالعراق إِلَى أَن درس بهَا مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ على أبي الْحسن الْبَاهِلِيّ ثمَّ لما ورد الرّيّ وشت بِهِ المبتدعة وَسعوا عَلَيْهِ
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فتقدمنا إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدولة أبي الْحسن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم والتمسنا مِنْهُ المراسلة فِي توجهه إِلَى نيسابور فَبنى لَهُ الدَّار والمدرسة من خانقاه أبي الْحسن البوشنجي وَأَحْيَا الله بِهِ فِي بلدنا أنواعا من الْعُلُوم لما استوطنها وَظَهَرت بركته على جمَاعَة من المتفقهة وتخرجوا بِهِ
سمع عبد الله بن جَعْفَر الْأَصْفَهَانِي وَكثر سَمَاعه بِالْبَصْرَةِ وبغداد وَحدث بنيسابور
هَذَا كَلَام الْحَاكِم وروى عَنهُ حَدِيثا وَاحِدًا
قَالَ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل سَمِعت أَبَا صَالح الْمُؤَذّن يَقُول كَانَ الْأُسْتَاذ أوحد وقته أَبُو عَليّ الدقاق يعْقد الْمجْلس وَيَدْعُو للحاضرين والغائبين من أَعْيَان الْبَلَد وأئمتهم فَقيل لَهُ يَوْمًا قد نسيت ابْن فورك وَلم تدع لَهُ
فَقَالَ كَيفَ أَدْعُو لَهُ وَكنت أقسم على الله البارحة بإيمانه أَن يشفي علتي وَكَانَ بِهِ وجع الْبَطن تِلْكَ اللَّيْلَة
وَلما حضرت الْوَفَاة وَاحِد عصره وَسيد وقته أَبَا عُثْمَان المغربي أوصى بِأَن يُصَلِّي عَلَيْهِ الإِمَام أَبُو بكر بن فورك وَذَلِكَ سنة ثَلَاث وَسبعين وثلاثمائة
وَذكر الإِمَام الشَّهِيد أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن دوناس الفندلاوي الْمَالِكِي المدفون خَارج بَاب الصَّغِير بِدِمَشْق وقبره ظَاهر مَعْرُوف باستجابة الدُّعَاء عِنْده أَنه رُوِيَ أَن الإِمَام أَبَا بكر بن فورك مَا نَام فِي بَيت فِيهِ مصحف قطّ وَإِذا أَرَادَ النّوم انْتقل عَن الْمَكَان الَّذِي فِيهِ إعظاما لكتاب الله عز وَجل نقلت هَذِه الْحِكَايَة من خطّ شَيخنَا الْحَافِظ أبي الْعَبَّاس بن المظفر
قَالَ عبد الغافر بلغت تصانيفه فِي أصُول الدّين وأصول الْفِقْه ومعاني الْقُرْآن قَرِيبا من الْمِائَة
وَحكى عَن ابْن فورك أَنه قَالَ كَانَ سَبَب اشتغالي بِعلم الْكَلَام أَنِّي كنت بأصبهان أختلف إِلَى فَقِيه فَسمِعت أَن الْحجر يَمِين الله فِي الأَرْض فَسَأَلت ذَلِك الْفَقِيه عَن مَعْنَاهُ فَلم يجب بِجَوَاب شاف فأرشدت إِلَى فلَان من الْمُتَكَلِّمين فَسَأَلته فَأجَاب بِجَوَاب شاف فَقلت لَا بُد من معرفَة هَذَا الْعلم فاشتغلت بِهِ
وَقد سمع ابْن فورك من عبد الله بن جَعْفَر الْأَصْبَهَانِيّ الْمَذْكُور فِي كَلَام الْحَاكِم جَمِيع مُسْند الطَّيَالِسِيّ
وَسمع أَيْضا من ابْن خرزاذ الْأَهْوَازِي
روى عَنهُ الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ والأستاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي وَأَبُو بكر أَحْمد ابْن عَليّ بن خلف
ودعي إِلَى مَدِينَة غزنة وَجَرت لَهُ بهَا مناظرات وَلما عَاد مِنْهَا سم فِي الطَّرِيق فَتوفي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة حميدا شَهِيدا
وَنقل إِلَى نيسابور وَدفن بِالْحيرَةِ وقبره ظَاهر
قَالَ عبد الغافر يستسقى بِهِ ويستجاب الدُّعَاء عِنْده
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي تِلْمِيذه سَمِعت الإِمَام أَبَا بكر بن فورك يَقُول حملت مُقَيّدا إِلَى شيراز لفتنة فِي الدّين فوافيت بَاب الْبَلَد مصبحا وَكنت مهموم الْقلب فَلَمَّا أَسْفر النَّهَار وَقع بَصرِي على محراب فِي مَسْجِد على بَاب الْبَلَد مَكْتُوب عَلَيْهِ {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} وَحصل لي تَعْرِيف من باطني أَنِّي أكفى عَن قريب فَكَانَ كَذَلِك
وَكَانَ شَدِيد الرَّد على أبي عبد الله بن كرام وأذكر أَن سَبَب مَا حصل لَهُ من المحنة من شغب أَصْحَاب ابْن كرام وشيعتهم المجسمة بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَالصَّلَاة على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وصحابته أَجْمَعِينَ
ذكر شرح حَال المحنة الْمشَار إِلَيْهَا
اعْلَم أَنه يعز علينا شرح هَذِه الْأُمُور لوَجْهَيْنِ
أَحدهمَا أَن كتمانها وسترها أولى من إظهارها وكشفها لما فِي ذَلِك من فتح الأذهان لما هِيَ غافلة عَنهُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي التفطن لَهُ
وَالثَّانِي مَا يَدْعُو إِلَيْهِ كشفها من تَبْيِين معرة أَقوام وكشف عوارهم وَقد كَانَ الصمت أزين وَلَكِن لما رَأينَا المبتدعة تشمخ بآنافها وتزيد وتنقص على حسب أغراضها وأهوائها تعين لذَلِك ضبط الْحَال وكشفه مَعَ مُرَاعَاة النصفة فَنَقُول كَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر بن فورك كَمَا عرفناك شَدِيدا فِي الله قَائِما فِي نصْرَة الدّين وَمن ذَلِك أَنه فَوق نَحْو المشبهة الكرامية سهاما لَا قبل لَهُم بهَا فتحزبوا عَلَيْهِ ونموا غير مرّة وَهُوَ ينتصر عَلَيْهِم وَآخر الْأَمر أَنهم أنهوا إِلَى السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين أَن هَذَا الَّذِي يؤلب علينا عنْدك أعظم منا بِدعَة وَكفرا وَذَلِكَ أَنه يعْتَقد أَن نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ نَبيا الْيَوْم وَأَن رسَالَته انْقَطَعت بِمَوْتِهِ فَاسْأَلْهُ عَن ذَلِك فَعظم على السُّلْطَان هَذَا الْأَمر وَقَالَ إِن صَحَّ هَذَا عَنهُ لأقتلنه وَأمر بِطَلَبِهِ وَالَّذِي لَاحَ لنا من كَلَام المحررين لما ينقلون الواعين لما يحفظون الَّذين يَتَّقُونَ الله فِيمَا يحكون أَنه لما حضر بَين يَدَيْهِ وَسَأَلَهُ عَن ذَلِك كذب النَّاقِل وَقَالَ مَا هُوَ مُعْتَقد الأشاعرة على الْإِطْلَاق أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ فِي قَبره رَسُول الله أَبَد الآباد على الْحَقِيقَة لَا الْمجَاز وَأَنه كَانَ نَبيا وآدَم بَين المَاء والطين وَلم تَبْرَح نبوته بَاقِيَة وَلَا تزَال وَعند ذَلِك وضح للسُّلْطَان الْأَمر وَأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إِلَى وَطنه فَلَمَّا أَيِست الكرامية وَعلمت أَن مَا وشت بِهِ لم يتم وَأَن حيلها ومكايدها قد وهت عدلت إِلَى السَّعْي فِي مَوته والراحة من تَعبه فسلطوا عَلَيْهِ من سمه فَمضى حميدا شَهِيدا هَذَا خُلَاصَة المحنة
وَالْمَسْأَلَة الْمشَار إِلَيْهَا وَهِي انْقِطَاع الرسَالَة بعد الْمَوْت مكذوبة قَدِيما على الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ نَفسه وَقد مضى الْكَلَام عَلَيْهَا فِي تَرْجَمته إِذا عرفت هَذَا فَاعْلَم أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ ذكر فِي النصائح أَن ابْن سبكتكين قتل ابْن فورك بقوله لهَذِهِ الْمَسْأَلَة ثمَّ زعم ابْن حزم أَنَّهَا قَول جَمِيع الأشعرية
قلت وَابْن حزم لَا يدْرِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَلَا يفرق بَينهم وَبَين الْجَهْمِية لجهلهم بِمَا يَعْتَقِدُونَ
وَقد حكى ابْن الصّلاح مَا ذكره ابْن حزم ثمَّ قَالَ لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعم بل هُوَ تشنيع على الأشعرية أثارته الكرامية فِيمَا حَكَاهُ الْقشيرِي
قلت وَقد أسلفنا كَلَام الْقشيرِي فِي ذَلِك فِي تَرْجَمَة الْأَشْعَرِيّ
وَذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَلَام ابْن حزم وَحكى أَن السُّلْطَان أَمر بقتل ابْن فورك فشفع إِلَيْهِ وَقيل هُوَ رجل لَهُ سنّ فَأمر بقتْله بالسم فسقي السم
ثمَّ قَالَ وَقد دَعَا ابْن حزم للسُّلْطَان مَحْمُود أَن وفْق لقتل ابْن فورك
وَقَالَ وَفِي الْجُمْلَة ابْن فورك خير من ابْن حزم وَأجل وَأحسن نحلة
وَقَالَ قبل ذَلِك أَعنِي شَيخنَا الذَّهَبِيّ كَانَ ابْن فورك رجلا صَالحا
ثمَّ قَالَ كَانَ مَعَ دينه صَاحب فلتة وبدعة
انْتهى
قلت أما السُّلْطَان أَمر بقتْله فشفع إِلَيْهِ إِلَى آخر الْحِكَايَة فأكذوبة سمجة ظَاهِرَة الْكَذِب من جِهَات مُتعَدِّدَة مِنْهَا أَن ابْن فورك لَا يعْتَقد مَا نقل عَنهُ بل يكفر قَائِله فَكيف يعْتَرف على نَفسه بِمَا هُوَ كفر وَإِذا لم يعْتَرف فَكيف يَأْمر السُّلْطَان بقتْله وَهَذَا أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي أخص النَّاس بِابْن فورك فَهَل نقل هَذِه الْوَاقِعَة بل ذكر أَن من عزى إِلَى الأشعرية هَذِه الْمَسْأَلَة فقد افترى عَلَيْهِم وَأَنه لَا يَقُول بهَا أحد مِنْهُم
وَمِنْهَا أَنه بِتَقْدِير اعترافه وَأمره بقتْله كَيفَ ترك ذَلِك لسنه وَهل قَالَ مُسلم إِن السن مَانع من الْقَتْل بالْكفْر على وَجه الشُّهْرَة أَو مُطلقًا ثمَّ لَيْت الحاكي ضم إِلَى السن الْعلم وَإِن كَانَ أَيْضا لَا يمْنَع الْقَتْل وَلكنه لبغضه فِيهِ لم يَجْعَل لَهُ خصْلَة يمت بهَا
غير أَنه شيخ مسن فيا سُبْحَانَ الله أما كَانَ رجلا عَالما أما كَانَ اسْمه مَلأ بِلَاد خُرَاسَان وَالْعراق أما كَانَ تلامذته قد طبقت طبق الأَرْض فَهَذَا من ابْن حزم مُجَرّد تحامل وحكاية لأكذوبة سمجة كَانَ مِقْدَاره أجل من أَن يحكيها
وَأما قَول شَيخنَا الذَّهَبِيّ إِنَّه مَعَ دينه صَاحب فلتة وبدعة فَكَلَام متهافت فَإِنَّهُ يشْهد بالصلاح وَالدّين لمن يقْضِي عَلَيْهِ بالبدعة ثمَّ لَيْت شعري مَا الَّذِي يَعْنِي بالفلتة إِن كَانَت قِيَامه فِي الْحق كَمَا نعتقد نَحن فِيهِ فَتلك من الدّين وَإِن كَانَت فِي الْبَاطِل فَهِيَ تنَافِي الدّين
وَأما حكمه بِأَن ابْن فورك خير من ابْن حزم فَهَذَا التَّفْضِيل أمره إِلَى الله تَعَالَى ونقول لشَيْخِنَا إِن كنت تعتقد فِيهِ مَا حكيت من انْقِطَاع الرسَالَة فَلَا خير فِيهِ أَلْبَتَّة وَإِلَّا فَلم لَا نبهت على أَن ذَلِك مَكْذُوب عَلَيْهِ لِئَلَّا يغتر بِهِ
وَمن الرِّوَايَة عَنهُ من حَدِيثه عَن ابْن خرزاذ
أخبرنَا الْحَافِظ أَبُو الْعَبَّاس ابْن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ أخبرنَا الشَّيْخَانِ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد السَّلَام بن المطهر بن أبي عصرون وَأَبُو الْفضل أَحْمد بن هبة الله بن عَسَاكِر سَمَاعا عَلَيْهِمَا قَالَا أخبرنَا أَبُو روح عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الْهَرَوِيّ إجَازَة أخبرنَا أَبُو الْقَاسِم زَاهِر بن طَاهِر الشحامي أخبرنَا الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم عبد الْكَرِيم بن هوَازن الْقشيرِي أخبرنَا الإِمَام أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن فورك أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن خرزاذ الْأَهْوَازِي بهَا حَدثنَا أَحْمد بن سهل بن أَيُّوب حَدثنَا خَالِد يَعْنِي ابْن يزِيد حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ وَشريك بن عبد الله وسُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن سُلَيْمَان عَن خَيْثَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (لَا ترْضينَ أحدا بسخط الله وَلَا تحمدن أحدا على فضل الله وَلَا تذمن أحدا على مَا لم يؤتك الله فَإِن رزق الله لَا يَسُوقهُ حرص حَرِيص وَلَا يردهُ عَنْك كَرَاهَة كَارِه وَإِن الله بعدله وقسطه جعل الرّوح والفرح فِي الرِّضَا وَالْيَقِين وَجعل الْهم والحزن فِي الشَّك والسخط وَمن حَدِيثه عَن عبد الله بن جَعْفَر وَبِه إِلَى ابْن فورك
أخبرنَا عبد الله بن جَعْفَر حَدثنَا يُونُس بن حبيب حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ حَدثنَا همام عَن قَتَادَة سمع أنسا يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ)
وَمن كَلَام الْأُسْتَاذ أبي بكر
قَالَ كل مَوضِع ترى فِيهِ اجْتِهَادًا وَلم يكن عَلَيْهِ نور فَاعْلَم أَنه بِدعَة خُفْيَة
قلت وَهَذَا كَلَام بَالغ فِي الْحسن دَال على أَن الْأُسْتَاذ كثير الذَّوْق وَأَصله قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (الْبر مَا اطمأنت إِلَيْهِ النَّفس)
وَمن الْفَوَائِد والمسائل عَنهُ
قيل تناظر هُوَ وَأَبُو عُثْمَان المغربي الَّذِي ذكرنَا أَنه أوصى عِنْد مَوته أَن ابْن فورك يصلى عَلَيْهِ فِي أَن الْوَلِيّ هَل يجوز أَن يعرف أَنه ولي فَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو بكر لَا يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ يسلبه الْخَوْف وَيُوجب لَهُ الْأَمْن
قيل وَكَانَ أَبُو عُثْمَان يَقُول بِجَوَازِهِ
قلت وَالَّذِي نَقله الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم فِي الرسَالَة أَن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا هُوَ بَين الأستاذين أبي بكر بن فورك وَأبي عَليّ الدقاق وَأَن الدقاق قَالَ بِالْجَوَازِ
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ الَّذِي نؤثره ونختاره ونقول بِهِ
قَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم وَلَا يجب ذَلِك فِي جَمِيع الْأَوْلِيَاء بل يجوز أَن يعلم بَعضهم وَيكون علمه كَرَامَة زَائِدَة لَهُ وَألا يعلم آخَرُونَ
ثمَّ رد قَول ابْن فورك إِن الْعلم بذلك يسْقط الْخَوْف بِأَن الَّذِي يجدونه من الهيبة والإجلال يزِيد ويربي على كثير من الْخَوْف
قلت وَمَا ذكره أَبُو الْقَاسِم هُوَ الْحق الَّذِي لَا مرية فِيهِ وَالْعلم بِالْولَايَةِ لَا يُنَافِي الْخَوْف بل وَلَا النُّبُوَّة أَلا ترى أَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أَشد النَّاس خوفًا لرَبهم تَعَالَى وهم يعلمُونَ أَنهم أَنْبيَاء فمقالة ابْن فورك ضَعِيفَة شَاذَّة وَالْوَلِيّ مَا دَامَ إحساسه حَاضرا وَهُوَ غير مصطلم يخَاف الْمَكْر وَذَلِكَ من أعظم الْخَوْف
وَذكر الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم بعد ذَلِك أَنه يجوز أَن يعلم أَنه مَأْمُون الْعَاقِبَة
قلت وَمَعَ ذَلِك لَا يزايله الْخَوْف كَمَا قُلْنَا فِي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَإِنَّهُم يعلمُونَ أَنهم مأمونو العواقب وهم أَشد خوفًا وَالْعشرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ كَذَلِك وَقد قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لَو أَن رجْلي الْوَاحِدَة دَاخل الْجنَّة وَالْأُخْرَى خَارِجهَا مَا أمنت مكر الله
طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي
محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الأصبهاني، أبو بكر:
واعظ عالم بالأصول والكلام، من فقهاء الشافعية. سمع بالبصرة وبغداد. وحدث بنيسابور، وبنى فيها مدرسة. وتوفي على مقربة منها، فنقل إليها. وفي النجوم الزاهرة: قتله محمود بن سبكتِكين بالسم، لقوله: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم رسولا في حياته فقط، وإن روحه قد بطل وتلاشى. له كتب كثيرة، قال ابن عساكر: بلغت تصانيفه في أصول الدين وأصول الفقه ومعاني القرآن قريبا من المئة.
منها (مشكل الحديث وغريبه - ط) و (النظامي - خ) في أصول الدين، ألفه لنظام الملك، و (الحدود - خ) في الأصول، وأسماء الرجال - خ) و (التفسير - خ) الجزء الثالث منه، في خزانة فيض الله، باستنبول، الرقم 50 و (حل الآيات المتشابهات - خ) في 74 ورقة، بخزانة عاطف باستنبول، الرقم 433 و (غريب القرآن - خ) في 139 ورقة، في خزانة سليم آغا اسكيدار باستنبول، الرقم 227 وهذه الكتب الثلاثة في مذكرات الميمني (خ) و (رسالة في علم التوحيد - خ) في تذكرة النوادر (64) و (الإملاء في الإيضاح والكشف عن وجوه الأحاديث الواردة إلخ - خ) رأيت منه نسخة نفيسة في الفاتيكان (1406 عربي) .
-الاعلام للزركلي-