عبد الرزاق بن علي بن خلف

تاريخ الولادة1341 هـ
تاريخ الوفاة1441 هـ
العمر100 سنة
مكان الولادةأبو حمام - سوريا
مكان الوفاةالمدينة المنورة - الحجاز
أماكن الإقامة
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • أبو حمام - سوريا
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا

نبذة

وُلِدَ رحمه الله تعالى في قريةٍ تُسَمَّى «أبو حمام» تابعةٍ للبوكمال في الرِّيف الشَّرقيِّ من مدينة دير الزور, وسنَةُ ولادته ـ كما ذَكَرَ هو ـ رحمه الله تعالى نقلًا عن أهله, حيث كان النَّاس في تلك البلاد يُسَمُّون السِّنين بما يجري فيها من أحداثٍ, فيقولون: سنَة الجوع, وسنة المطر, وسنة الثَّلج, وسنة الرَّحيل, ونحو ذلك, فَوُلِدَ رحمه الله في سنةٍ تُسَمَّى «سَنَة لوفة» وهي سنة جوعٍ شديدٍ وقحطٍ ومحلٍ لَفَّتْ أي: أَكَلَتِ الأخضر واليابس وأتتْ عليه( ), فسُمِّيتْ كذلك, وهي سنة (1923)م

الترجمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد ،وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ترجمةٌ موجزةٌ لسيِّدي الشَّيخ عبد الرَّزَّاق بن علي الخلف -رحمه الله تعالى-

وُلِدَ رحمه الله تعالى في قريةٍ تُسَمَّى «أبو حمام» تابعةٍ للبوكمال في الرِّيف الشَّرقيِّ من مدينة دير الزور وسنَةُ ولادته ـ كما ذَكَرَ هو ـ رحمه الله تعالى نقلًا عن أهله حيث كان النَّاس في تلك البلاد يُسَمُّون السِّنين بما يجري فيها من أحداثٍ فيقولون: سنَة الجوع وسنة المطر وسنة الثَّلج وسنة الرَّحيل ونحو ذلك فَوُلِدَ رحمه الله في سنةٍ تُسَمَّى «سَنَة لوفة» وهي سنة جوعٍ شديدٍ وقحطٍ ومحلٍ لَفَّتْ أي: أَكَلَتِ الأخضر واليابس وأتتْ عليه فسُمِّيتْ كذلك وهي سنة (1923)م وهي غير ما أُثْبِتَ في الأوراق الرَّسميَّة من أنَّ ولادته في سنة (1929)م حيث كان يُسَجَّل حَزْرًا وظنًّا وتقديرًا وحين كان صغير السِّنِّ تُوُفِّيَ والده رحمه الله تعالى.

وأمَّا عن نسبه رحمه الله تعالى فهو من عشيرة السَّادة المراسمة الحسينيَّة فهو: عبد الرَّزَّاق بن عليٍّ بن خلف بن شحاذة بن شلش بن محمَّد بن محل بن علي بن جاسم بن وليد بن سالم بن مرسوم الَّذي ينتهي نسبه إلى الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما.

ويسَّر الله للشَّيخ رحمه الله تعالى ـ في بيئةٍ فقيرةٍ في العلوم الشَّرعيَّة ـ  تعلُّمَ القرآن الكريم في «الكُتَّاب» على يد رجلٍ يُدْعى «مُلَّا عُبَيْد» وهو رجلٌ من بلدةٍ تُسمَّى «العشارة» جاء ليعلِّم النَّاس القرآن في بلدة شيخنا رحمه الله ولقبُ «مُلَّا» يُطْلَقُ على معلِّم القرآن والمتديِّن ولمَّا ختمَ القرآن الكريم وصار مؤهَّلًا لتعليمه أقامَ لنفسه كُتَّابًا فصار يعلِّم فيه القرآن ومنذ ذلك الحين صار يُسَمَّى «مُلَّا عبد الرَّزَّاق». وكان يذكرُ رحمه الله تعالى أنه في صغره كان يرى رجالاً يلبسون عمائمَ بيضاء، وكانت صورهم تستهويه، ويسعد بذلك حتى ذهب الى حلب وأخذ يجالس العلماء هناك، يقول رحمه الله تعالى :فتذكرت تلك الصور التي كنت أراها في صغري .

واشتغلَ رحمه الله تعالى ـ مع عمله في تعليم القرآن ـ بالزِّراعة، كما هو عمل أهل تلك البلاد جميعًا، واشتغل كذلك بالاتِّجار بين العراق وسورية.

ثمَّ طُلِبَ رحمه الله تعالى إلى الخدمة الإلزاميَّة مع أنَّه كان في سنٍّ تجاوزت الحدَّ القانونيَّ للخدمة الإلزاميَّة ولكنَّها مشيئة الله تعالى فقد طُلِبَ للخدمة باسم رجلٍ آخر من قريته يحمل نفس الاسم وهذه هي الَّتي نراها محنةً ولكنَّها في باطنها تحمل منحةً هو في الظَّاهر دُعِيَ إلى الخدمة العسكريَّة ولكنَّه في الحقيقة دُعِيَ إلى الخدمة الدِّينيَّة فقد تمَّ فرزه في «ثُكْنَة هنانو» في حلب.                      ولأمانته رحمه الله تعالى عيَّنه الضَّابط المسؤول عنه أمينًا لمستودع الأسلحة وفي أثناء خدمته العسكريَّة في حلب كان يتردَّد إلى مساجدها ومجالس علمائها فقد كان يحضر دروس الشيخ محمد نجيب سراج الدين رحمه الله تعالى في جامع (بانقوسة)، وكذلك الشَّيخ عبد الله سراج الدِّين رحمه الله تعالى في جامع نبيِّ الله زكريَّا عليه السَّلام وكان يحضر دروس ومجالس الشَّيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى في جامع العادليَّة.

وأنهى الخدمة الإلزاميَّة ولكنَّه لم يسلك في الطَّريقة وعاد إلى قريته ودخل بضعة شبابٍ من منطقته قَبْلَهُ في الطَّريقة الشَّاذليَّة على يد العارف بالله سيِّدي الشَّيخ عبد القادر عيسى الحلبيِّ رحمه الله تعالى وكان عندهم أجزاءٌ من كتاب «حقائق عن التَّصوُّف» ـ حيث كان يُطْبَعُ أجزاءً قبل أن تتمَّ طباعته كاملًا ـ فوصلتْ هذه الأجزاء إلى الشَّيخ عبد الرَّزَّاق رحمه الله تعالى وصار الشَّيخ يقرأ فيها عن التَّصوُّف والطَّريقة والبيعة والمريد والأوراد ولكنَّه لم يرغب في الدُّخول في الطَّريقة لأنَّه كان يظنُّ أنَّ الدُّخولَ في الطَّريقة والبيعةَ يعني العصمة عن الذُّنوب وأنَّى يكون ذلك؟! ثمَّ سافر إلى حلب بقصد التسوُّق والعمل، فمرَّ في سفرته تلك بجامع العادليَّة، وحضر مجلس الذِّكر والعلم فيها فلمَّا رآه الشَّيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى ناداه وقال له: كنتُ أراك كثيرًا هنا ثمَّ فقدْتُكَ زمنًا؟! فأخبرَهُ الخبر فقال له: لمَ لا تدخل في الطَّريقة وتبايع؟! فأخبرَه السَّبب فأرشدَه الشَّيخ إلى الفهم الصَّحيح للطَّريقة وبفضل الله تعالى تمَّت البيعة.

وهنا بدأت مرحلةٌ جديدةٌ في حياة الشَّيخ عبد الرَّزَّاق رحمه الله تعالى مرحلة الدَّعوة إلى الله تعالى في بيئةٍ ومجتمعٍ فقيرٍ جدًّا في العلوم الدينيَّة الشرعيَّة عداك عن علوم الطَّريقة والحقيقة والأذواق ولكن بفضل الله تعالى ثمَّ ببركة أهل الله وورَّاث رسوله تهون الصِّعاب وظهرَ للشيخ سِرُّ ولاية سيِّدنا العارف بالله الشَّيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى.

 في توجيهه الأوَّل له فقد أمره بأمرٍ لعلَّه أثقل من الجبال في ذلك الحين فقد أمَرَهُ بأن يحجِّب زوجاته وبناته وأخواته وألَّا يختلطن بالأجانب يقول رحمه الله تعالى: فشقَّ ذلك عليّ كيف أُقْنِعُهم بهذا؟! وما موقف إخواني وأقاربي والنَّاس منِّي؟! فذكرتُ ذلك لشيخي فقال: قل لهم: يسلِّمُ عليكم الشيخ عبد القادر ويوصيكم بالحجاب الشَّرعيِّ وعدم الاختلاط وحمَّلَهُ هَدَايا لهم فلمَّا وصلَ إليهم بلَّغهم سلام الشَّيخ ووصيَّته فأذعنَ الجميع بالقبول دون أيِّ اعتراضٍ ولكن ظهر الاستنكار في المجتمع اختبارًا وابتلاءً وامتحاناً من الله تعالى إلى أن صار الحجاب الشَّرعيُّ سمةً لتلك المنطقة ثمَّ في زيارةٍ أخرى أمَرَه بإقامة مجلس الصَّلاة على رسول الله ﷺ فقال له: سيِّدي ليس عندنا منشدون فقال له شيخه رحمه الله تعالى: أولادك سينشدون فكان كما قال الشيخ قدَّس الله سرَّه. وقد انتشرت مجالس الطريقة في تلك المنطقة على حدٍ سواء للرجال والنساء،يتعلمون فيها الفقه والعقيدة والقرآن الكريم بالإضافة إلى علوم الطريقة.
وبدأ الشيخ بتوجيهاتٍ من شيخه ومرشده بالسَّير في تلك البلاد للدَّعوة إلى الله تعالى وتعليم النَّاس شعائر وأركان دينهم فكان يمشي في تلك القرى ويدعو أهلها إلى الله تعالى وربَّما مرَّ بالقرية لا يوجد فيها من يعرف الوضوء والصَّلاة ولا الصَّيام ولا الزَّكاة فكان يعلِّمهم ذلك وكان يؤسِّس ويشيِّد لهم المساجد حتَّى فاق عدد المساجد الَّتي أسَّسها في تلك القرى والبلاد الثمانين مسجداً ومن طريف ما يُذْكَرُ أنَّه مرَّ هو وأحَدُ إخوانه في الطَّريقة بقريةٍ من القرى فاجتمع أهلها فعرضوا عليهم الأمر فردُّوا عليهما بأسوأ ردٍّ وقالوا لهما: إنَّما أنتما متسوِّلان وطردوهما من القرية فلمَّا انصرفا وجدا السَّاقية الَّتي تسقي زروع تلك القرية قد انصدعت صدعًا كبيرًا فقال الشَّيخ لصاحبه: تعال كي نصلح السَّاقية ونسدَّ هذا الصَّدع فقال له: أَبَعْدَ أن قابلونا بأبشع ردٍّ نصلح لهم ساقيتهم؟! فقال الشِّيخ: أمَّا أنا فسأصلح هذا الصَّدع فلا تضيع مياههم هدرًا وشمَّر عن ساقيه وخاض في الماء وبدأ بوضع الطين بيديه فلمَّا رأى صاحبه الجدَّ منه لم يجد بدًّا من مساعدته فلمَّا أحسَّ أهل القرية بانقطاع الماء جاؤوا يتتبَّعُون السَّاقية فرأوا الرَّجلين وهما يصلحان الخلل ويسدَّانه فقالوا لهما: إنَّ عملكما هذا ليس من شأن المتسوِّلين أو المشعوذين الدَّجَّالين فما قصَّتكما؟ فأخبراهم الخبر وعرضا عليهم الأمر فما تركا القرية حتَّى أسَّسا فيها مسجدًا يُذْكَرُ فيه اسم الله تعالى.

وكان الشيخ رحمه الله تعالى له دور بارز في حل النزاعات التي تحصل بين أبناء تلك المنطقة، فقد بذل جهوداً كبيرة للإصلاح بين المتخاصمين وكان ذلك يتطلبُ منه رحمه الله تعالى جهوداً مضنية لكنه كان يستصغرُ ذلك امتثالاً لقول الله تعالى" لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"  (النساء 114).

ولأنَّ الطَّريقة الَّتي أكرم الله تعالى بها شيخنا هي طريقة علمٍ وعمل فقد أمره شيخه بطلب العلم الشَّرعيِّ وإن كان بعد كِبَرٍ في السِّنِّ فأمره هو وبعضَ إخوانه من منطقته بالالتحاق بمعهد الرَّوضة الهدائيَّة في حماه ليتعلَّموا فيه مبادئ وأساسيَّات العلوم الشَّرعيَّة والعربيَّة.

وشرَّف الله تعالى تلك المنطقة في سنة ( 1976 ) بزيارةٍ مباركةٍ ميمونةٍ من سيِّدي الشَّيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى بقصد الدَّعوة إلى الله تعالى وتفقُّد ذلك الزَّرع الَّذي زرعه فكان في تلك الزِّيارة شدُّ الهمَّة وتجديد العهد في السَّير على هذا النَّهج النُّورانيِّ وممَّا أكرمَ الله تعالى به شيخنا حجُّ بيت الله الحرام مرَّاتٍ عديدة برفقة شيخه رحمه الله تعالى وكان يحجُّ معه في كلِّ عامٍ من أبناء قريته الكثير وهذه إحدى شعائر الدِّين الَّتي أُحْيِيَت في تلك المنطقة ببركة الطَّريقة.

وبقي الشَّيخ ملازمًا لشيخه المرشد العارف بالله سيِّدي عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى حتَّى وفاة المرشد ولحوقه بالرَّفيق الأعلى سنة ( 1991 ) فالتزمَ السَّير والسُّلوك عند خليفة شيخه ووارثه الأوحد سيِّدي العارف بالله أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى وقد ذكرَ مرارًا أن سيِّدنا الشِّيخ عبد القادر رحمه الله تعالى أخبرهم قبل وفاته بزمنٍ أنَّه أجازَ سيِّدنا الشَّيخ أحمد حفظه الله تعالى وأذِنَ له إذنًا عامًّا وخاصًّا وأمرهم بزيارته في إحدى رحلات الحجِّ فالتقى به اللِّقاء الأوَّل في حياة سيِّدي الشِّيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى  وذلك في المدينة المنوَّرة ورأى عجبًا في ذلك اللِّقاء وتمسُّكًا شديدًا بتوجيهات المرشد يقول: في أثناء لقائنا معه حصل نزاعٌ بينه وبين الوفد الَّذين معه ولكن لم نفهم ما يجري لأنَّهم كانوا يتكلمون باللُّغة التُّركيَّة فلمَّا انصرفوا من عنده أخبرنا أنَّه اتَّصل بسيِّدنا الشَّيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى وأعلمَه بالطَّريق الَّتي سلكوها قادمين إلى الحجِّ وأنَّهم مرُّوا بالعراق ثمَّ إلى الحجاز فقال له: هل زرتم الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه؟ فقال: لا، فقال: كيف تمرُّون ببغداد ولا تزورونه ينبغي أن تزوره في العودة فرفض مَن معه ذلك إذ يطول عليهم طريق العودة ولكنَّ الشَّيخ أبى إلَّا العمل بوصيَّة شيخه فزار الحضرة القادريَّة ووصل إلى بلده قبل وصول القوم الَّذين رجعوا قبله.                                

وبقي شيخنا كذلك ملازمًا لسيِّدي العارف بالله أحمد فتح الله جامي حفظه الله تعالى إلى أن تُوفِّي الشَّيخ عبد الرَّزَّاق رحمه الله تعالى في المدينة المنوَّرة وقد أكرمه الله تعالى بهذا الجوار المبارك بعد أن وقعتِ الفتنة في بلاده فخرجَ مهاجرًا إلى الشَّام واستقرَّ في الشَّام زمنًا ثمَّ سافرَ إلى المدينة المنوَّرة وجاورَ هناك إلى أن توفَّاه الله تعالى في ثاني أيَّام التَّشريق 12/ذو الحجَّة/1441 هـ  ودُفِنَ بالبقيع أكرمنا الله وإيَّاه بشفاعة الشَّفيع صلى الله عليه وسلم.

وتوجد قصيدة ممَّا رثاه به أحد أولاده مرفقة في قسم الكتب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين والحمد لله رب العالمين.

المصادر :  ( بيد الشيخ عبد الوهاب العلي، أبن الشيخ عبد الرزاق -رحمه الله تعالى- ).