محمد بن القاسم بن محمد أبي بكر البغدادي

أبي بكر بن الأنباري محمد

تاريخ الولادة271 هـ
تاريخ الوفاة328 هـ
العمر57 سنة
مكان الولادةالأنبار - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • الأنبار - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

هو: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن أبي بكر بن الأنباري البغدادي الإمام الكبير والأستاذ الشهير. ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة الثامنة من حفاظ القرآن. كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.

الترجمة

 أبي بكر بن الأنباري
هو: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن أبي بكر بن الأنباري البغدادي الإمام الكبير والأستاذ الشهير.
ذكره «الذهبي» ت 748 هـ ضمن علماء الطبقة الثامنة من حفاظ القرآن.
كما ذكره «ابن الجزري» ت 833 هـ ضمن علماء القراءات.
ولد «ابن الأنباري» في يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين من الهجرة، ونشأ في بيت علم ومعرفة، لأن والده رحمه الله تعالى كان من العلماء بالقرآن الكريم، كما كان أديبا لغويا مصنفا.
تلقى «أبي بكر بن الأنباري» القرآن الكريم على خيرة علماء عصره، وفي مقدمتهم: والده القاسم بن محمد، واسماعيل بن إسحاق القاضي، والحسن بن الحباب، وأحمد بن سهل الأشناني، وسليمان بن يحيى الضبيّ، وعبيد الله بن عبد الرحمن الواقدي، ومحمد بن هارون التمار، وأحمد بن فرح وغيرهم كثير.
وقد تصدر «أبي بكر بن الأنباري» للتدريس وتعليم القرآن ولغة العرب في حياة والده وكان يملي في ناحية من المسجد وأبيه في ناحية أخرى. وقد تتلمذ على «أبي بكر بن الأنباري» عدد كثير، أذكر منهم ما يلي: عبد الواحد بن أبي هاشم، وأبا الفتح بن بدهن، وأحمد ابن نصر، وعبد الله بن الحسين السامري والحسين بن خالويه، وصالح بن ادريس، وأبا علي اسماعيل القالي، والدارقطني، وعبد العزيز بن عبد الله الشعيري، وغير هؤلاء كثير.
كما أن «أبا بكر الأنباري» أخذ حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن خيرة علماء عصره، فسمع: اسماعيل بن اسحاق القاضي، وأحمد بن الهيثم بن خالد البزاز، ومحمد بن يونس، وأبا العباس ثعلب، ومحمد بن النضر وغيرهم من هذه الطبقة.
وكما اشتهر «ابن الأنباري» بتعليم القرآن اشتهر أيضا برواية حديث الهادي البشير صلى الله عليه وسلم.
وقد روى عنه الحديث عدد كثير منهم: أبي عمر بن حيوية، وأبي الحسين بن البواب، وأبي الحسن الدارقطني، وأبي الفضل بن المأمون واحمد بن محمد بن الجراح، ومحمد بن عبد الله، وغيرهم كثير.
وقد وهب الله تعالى «أبا بكر بن الأنباري» حافظة قوية، وذاكرة فذة نادرة، وقد ذكر ذلك غير واحد من الذين أرخوا له. يقول الخطيب البغدادي:
ت 463 هـ. حدثني علي بن أبي علي البصري عن أبيه قال: أخبرني غير واحد ممن شاهد «أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري» أنه كان يملي من حفظه لا من كتاب، وان عادته في كل ما كتب عنه من العلم كانت هكذا. ما أملى قط من دفتر. ثم قال: وسمعت حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق يقول: «كان أبي بكر بن الأنباري يملي كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار والتفاسير، والأشعار، كل ذلك من حفظه.
ومن الأدلة على قوة حفظه ما يلي: قال «أبي علي القالي»: «كان «ابن الأنباري» يحفظ ثلاثمائة ألف بيت شاهدا في القرآن. وقال «محمد بن جعفر التميمي»: ما رأينا أحفظ من «ابن الأنباري» ولا أغزر من علمه.
حدثوني عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا». قال «التميمي»: وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله. ثم يقول: وحدثت أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها. وقيل: إن «ابن الأنباري» أملى كتاب «غريب الحديث» في خمسة وأربعين ألف ورقة.
وحكى «جعفر بن معاذ» أنه كان عند «أبي بكر بن الأنباري» في الجامع فسأله إنسان عن معنى آية فقال: فيها عشرة أوجه، فقال: هات ما حضر منها.
فقال كلها حاضرة . وذكر «القفطي» أن «أبا بكر بن الأنباري» مرض يوما مرضا شديدا فانزعج أبيه عليه انزعاجا شديدا، فلامه الناس على ذلك، فقال: كيف لا أجزع لعلة من يحفظ جميع ما ترون، وأشار لهم الى «حيرى» مملوءة كتبا. والحيرى: شبه الحظيرة.
وكان «أبي بكر الأنباري» أمينا في كل شىء، وبخاصة في علمه، فكان إذا أخطأ لا تمنعه مكانته العلمية عن أن يرجع عن خطئه، ويقول لتلاميذه: إني أخطأت، والصواب كذا. وحول هذا المعنى يحكي أبي الحسن الدارقطني أحد تلاميذه: أنه حضره في مجلس أملاه يوم جمعة. فصحف اسما أورده في إسناد حديث- إما كان حيّان أو حبّان فقال: (حبان)، قال الدارقطني: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته وهم، وهبته أن أقفه على ذلك، فلما انقضى الإملاء تقدمت الى المستملي وذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه وانصرفت، ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه. فقال «أبي بكر بن الأنباري» للمستملي: عرف جماعة الحاضرين أن صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب وهو كذا، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا الى الأصل فوجدناه كما قال اهـ. وهكذا يجب أن تكون أمانة العلماء وصدق الأساتذة مع تلاميذهم.
يقول «ابن النديم» ت 385 هـ: أخذ «أبي بكر الأنباري» النحو عن «ثعلب» وكان أفضل من أبيه وأعلم، كان في نهاية الذكاء والفطنة، وجودة القريحة، وسرعة الحفظ، وكان مع ذلك ورعا من الصالحين، لا تعرف له زلة، وكان يضرب به المثل في حضور البديهة وسرعة الجواب، وكان أكثر ما يمليه من غير دفتر ولا كتاب. وقال عنه «الإمام الداني» ت 444 هـ: «أبي بكر ابن الأنباري» إمام في صناعته مع براعته في فهمه وسعة علمه، وصدق لهجته.
ومن صفات «ابن الأنباري» أنه كان من الزهاد، لأنه أعطى كل وقته للعلم طلبا ودراسة وتعليما وتدوينا، ومن الأدلة على زهده ما رواه القفطي
ت 624 هـ حيث قال: «مضى ابن الأنباري يوما في النخّاسين ورأى جارية تعرض حسنة كاملة الوصف. قال «ابن الأنباري» فوقعت في قلبي ومضيت الى دار أمير المؤمنين «الراضي بالله». فقال لي: اين كنت الى الساعة؟ فعرفته، فأمر بعض أصحابه فمضى فاشتراها وحملها الى منزلي فجئت فوجدتها فعلمت الأمر كيف جرى، فقلت لها كوني فوق الى أن أستبرئك وكنت أطلب مسألة من العلم قد اختلت عليّ فاشتغل قلبي بالجارية فقلت للخادم: خذها وامض بها الى النخاس فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي فبلغ «الراضي بالله» أمره فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل».
وقد احتل «أبي بكر بن الأنباري» مكانة عظيمة بين العلماء وعامة الناس مما جعل العلماء يثنون عليه ويوثقونه، حول هذا المعنى يقول «الخطيب، البغدادي»: «كان «ابن الأنباري» من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا، وكان صدوقا فاضلا خيرا، دينا من أهل السنة، وصنف كتبا كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث، والمشكل، والوقف والابتداء، والرد على من خالف مصحف العامة».
وقد ترك «ابن الأنباري» ثروة علمية كبيرة في فنون متعددة انتفع بها المسلمون من بعده، من هذه المصنفات: كتاب «الوقف والابتداء»، وهذا الكتاب يعتبر من أقدم الكتب التي صنفت في هذا العلم ومن أوسعها وأجمعها.
وقد تم طبعه ولله الحمد. وفي الحديث عن قيمة هذا الكتاب العلمية يقول الإمام الداني: «سمعت بعض أصحابنا يقول عن شيخ له إن ابن الأنباري لما صنف كتابه في الوقف والابتداء جيء به الى «ابن مجاهد» فنظر فيه وقال: لقد كان في نفسي أن أعمل في هذا المعنى كتابا، وما ترك هذا الشاب لمصنف ما يصنف».
وعن مصنفات «ابن الأنباري» وأهميتها وقيمتها العلمية يقول القفطي: نقلا عن «محمد بن جعفر»: مات «ابن الأنباري» فلم نجد من تصنيفه إلا شيئا يسيرا، وذلك أنه كان يملي من حفظه، وقد أملى كتاب «غريب الحديث» قيل إنه خمسة وأربعون ألف ورقة، وكتاب شرح الكافي وهو نحو ألف ورقة، وكتاب الهاءات وهو نحو ألف ورقة وكتاب الأضداد وما رأيت أكبر منه. وكتاب الجاهليات سبعمائة ورقة. وكتاب المذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه، ورسالة المشكل ردا على ابن قتيبة، وأبي حاتم ونقضا لقولهما، وكتاب الزاهر في النحو، وكتاب المقصور والممدود. وكتاب الموضح في النحو. وكتاب نقض مسائل ابن شنبوذ، وكتاب اللامات، وكتاب شرح المفضليات، وكتاب السبع الطوال وعمل عدة أشعار ودواوين من أشعار العرب.
ومن الأدلة على فهم «ابن الأنباري» لكتاب الله تعالى، وكيف يكون الوقف عند تمام الكلام ما رواه أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله النحوي المؤدب حيث قال: حدثني أبي قال: سمعت «أبا بكر بن الأنباري» يقول: دخلت «المارستان» بباب المحول، فسمعت صوت رجل في بعض البيوت يقرأ: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ. فقال: أي «ابن الأنباري» أنا لا أقف إلا على قوله تعالى: كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ فأقف على ما عرفه القوم وأقروا به، لأنهم لم يكونوا يقرون بإعادة الخلق، وأبتدي بقوله: ثُمَّ يُعِيدُهُ فيكون خبرا. وأما ما قرأه «ابن شنبوذ» الأحمق إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم، فخطأ، لأن الله قد قطع لهم العذاب في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.أقول: وقراءة «ابن شنبوذ» هذه قراءة شاذة، والقراءة الصحيحة والمتواترة:وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
توفي أبي بكر بن الأنباري وهو دون الخمسين سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ببغداد ودفن في داره. رحم الله «أبا بكر بن الأنباري» رحمة واسعة، وجزاه الله أفضل الجزاء، إنه سميع مجيب.

معجم حفاظ القرآن عبر التاريخ 
 

 

مُحَمَّد بْن القاسم بْن مُحَمَّد بْن بشار بن الحسن بن بيان بن سماعة ابن فروة بن قطن بن دعامة، أبو بكر بن الأنباري النحوي:
كان من أعلم الناس بالنحو والأدب، وأكثرهم حفظا، ولد في يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من رجب سنة إحدى وسبعين ومائتين. حدثت بذلك عن إسماعيل ابن سعيد بن سويد عنه. وسمع إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأحمد بن الهيثم بن خالد البزاز ومحمد بن يونس الكديمي، وأبا العباس ثعلبا، ومحمد بن أحمد بن النضر، وغيرهم من هذه الطبقة.

وكان صدوقا فاضلا دينا خيرا من أهل السنة، وصنف كتبا كثيرة في علوم القرآن، وغريب الحديث، والمشكل، والوقف، والابتداء، والرد على من خالف مصحف العامة.
روى عنه أَبُو عُمَر بْن حيويه، وأبو الحسين بن البواب، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو الفضل بن المأمون، وأحمد بن محمد بن الجراح، ومُحَمَّد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي ميمي، وغيرهم. وبلغني أنه كتب عنه وأبوه حي، وكان يملى في ناحية من المسجد وأبوه في ناحية أخرى.
وَقَالَ أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي: كان أبو بكر بن الأنباريّ يحفظ فيما ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهد في القرآن.
حَدَّثَنِي علي بْن أَبِي علي البصري عَن أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِي غير واحد ممن شاهد أبا بكر محمّد بن القاسم بن الأنباري يملى من حفظه لا من كتاب وأن عادته في كل ما كتب عنه من العلم كانت هكذا، ما أملى قط من دفتر.
سمعت حمزة بْن مُحَمَّد بْن طاهر الدقاق يَقُولُ: كان أبو بكر بن الأنباري يملى كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار، والتفاسير والأشعار، كل ذلك من حفظه.
قَالَ حمزة وَحَدَّثَنِي أبي عن جدي أن أبا بكر بن الأنباري مرض، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فرأوا من انزعاج أبيه وقلقه عليه أمرا عظيما، فطيبوا نفسه ورجوا له عافيه أبي بكر، فقال لهم: كيف لا أقلق وأنزعج لعلة من يحفظ جميع ما تروون- وأشار لهم إلى حيري مملوء كتبا- قَالَ حمزة: وكان مع حفظه زاهدا متواضعا، حكى أبو الحسن الدارقطني أنه حضره في مجلس أملاه يوم الجمعة فصحف اسما أورده في إسناد حديث، إما كان حبان، فقال حيان، أو حيان فقال حبان. قَالَ أبو الحسن: فأعظمت أن يحمل عن مثله في فضله وجلالته، وهم وهبته أن أوقفه على ذلك، فلما انقضى الإملاء تقدمت إلى المستملي وذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه، وانصرفت، ثم حضرت الجمعة الثانية مجلسه فقال أبو بكر المستملي: عرف جماعة الحاضرين أنا صحفنا الاسم الفلاني لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، ونبهنا ذلك الشاب على الصواب، وهو كذا، وعرف ذلك الشاب، أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قَالَ.
أَخْبَرَنِي علي بن المحسن القاضي حَدَّثَنَا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المعدل قَالَ سمعت أبا جعفر مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْنِ عَبْد الله المقرئ يقول: قال لي أحمد ابن محمد بن يوسف الأصبهاني- وهو ابن أختي: رأيت النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النوم فقلت:
يا رسول الله! عمن آخذ علم القرآن؟ فقال: «عن أبي بكر بن الأنباري» قلت: فالفقه؟ قَالَ: «عن أبي إسحاق المروزيّ».

أَنْبَأَنَا الْقَاضِي أَبُو الْعَلاءِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يعقوب الواسطي قَالَ قَالَ محمد بن جعفر التميمي النحوي: فأما أبو بكر محمد بن القاسم بن الأنباري فما رأينا أحفظ منه ولا أغزر بحرا من علمه، وَحَدَّثَنِي عنه أبو الحسن العروضي. قَالَ: اجتمعت أنا وهو عند الراضي على الطعام- وكان قد عرف الطباخ ما يأكل أبو بكر فكان يسوى له قلية يابسة. قَالَ: فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطيابه وهو يعالج تلك القلية، ثم فرغنا وأتينا بحلواء فلم يأكل منها وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين، ونمنا نحن في خيش ينافس فيه، ولم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان مع العصر قَالَ لغلام: الوظيفة. فجاءه بماء من الحِبِّ، وترك الماء المُزَمَّل بالثلج، فغاظني أمره فصحت بصيحة، فأمر أمير المؤمنين بإحضاري. وَقَالَ: ما قصتك؟ فأخبرته، وقلت: هذا يا أمير المؤمنين يحتاج إلى أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها، ولا يحسن عشرتها.
قَالَ: فضحك وَقَالَ له: في هذا لذة، وقد جرت به العادة، وصار إلفا فلن يضره. ثم قلت: يا أبا بكر! لم تفعل هذا بنفسك؟ قَالَ أبقى على حفظي. قلت له: قد أكثر الناس في حفظك! فكم تحفظ؟ قَالَ: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا.
قَالَ محمد بن جعفر: وهذا ما لا يحفظ لأحد قبله ولا بعده، وكان أحفظ الناس للغة، ونحو، وشعر، وتفسير قرآن.
فحُدِّثْت أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير من تفاسير القرآن بأسانيدها.
وَقَالَ لنا أبو العباس بن يونس: كان آية من آيات الله في الحفظ.
وَقَالَ لنا أبو الحسن العروضي: كان يتردد ابن الأنباري إلى أولاد الراضي، فكان يوما من الأيام قد سألته جارية عن شيء من تفسير الرؤيا، فقال: أنا حاقن ثم مضى، فلما كان من غد: عاد وقد صار معبرا للرؤيا، وذاك أنه مضى من يومه فدرس كتاب الكرماني وجاء. قَالَ: وكان يأخذ الرطب يشمه ويقول: أما إنك لطيب، ولكن أطيب منك حفظ ما وهب الله لي من العلم.
قَالَ محمد بن جعفر: ومات ابن الأنباري فلم نجد من تصنيفه إلا شيئا يسيرا، وذاك أنه إنما كان يملي من حفظه، وقد أملي كتاب غريب الحديث، قيل إنه خمس وأربعون ألف ورقة، وكتاب شرح الكافي وهو نحو ألف ورقة، وكتاب الهاءات، نحو ألف ورقة، وكتاب الأضداد- وما رأيت أكبر منه- وكتاب المشكل أملاه وبلغ إلى طه
وما أتمة وقد أملاه سنين كثيرة، والجاهليات، سبعمائة ورقة، والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه، وعمل رسالة المشكل ردا على ابن قتيبة وأبي حاتم ونقضا لقولهما، وحُدِّثْتُ عنه أنه مضى يوما في النخاسين وجارية تُعرض حسنة كاملة الوصف، قَالَ: فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى أمير المؤمنين الراضي فقال لي: أين كنت إلى الساعة؟ فعرفته، فأمر بعض أسبابه فمضى فاشتراها وحملها إلى منزلي، فجئت فوجدتها، فعلمت الأمر كيف جرى فقلت لها: كوني فوق إلى أن أستبرئك، وكنت أطلب مسألة قد أحيلت علي فاشتغل قلبي، فقلت للخادم: خذها وامض بها إلى النخاس فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي، فأخذها الغلام، فقالت: دعني أكلمه بحرفين! فقالت: أنت رجل لك محل وعقل، وإذا أخرجتني ولم تعين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس في ظنا قبيحا، فعرفنيه قبل أن تخرجني. فقلت لها: مالك عندي عيب غير أنك شغلتني عن علمي! فقالت: هذا أسهل عندي. قَالَ فبلغ الراضي أمره فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل. ولما وقع في علة الموت أكل كل شيء كان يشتهى، وَقَالَ: هي علة الموت.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عبد الله النحوي المؤدب- مذاكرة من حفظه- قَالَ حَدَّثَنِي أبي قَالَ سمعت أبا بكر بن الأنباري يقول: دخلت البيمارستان بباب المحول فسمعت صوت رجل في بعض البيوت يقرأ: أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ
[العنكبوت 19] فقال: أنا لا أقف إلا على قوله: كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ، فأقف على ما عرفه القوم وأقروا به، لأنهم لم يكونوا يقرون بإعادة الخلق، وابتدئ بقوله: ثُمَّ يُعِيدُهُ* فيكون خبرا، وأما ما قرأه علي بن أبي طالب: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف 45] فهو وجه حسن، الأمة النسيان. وأما أبو بكر بن مجاهد فهو إمام في القراءة، وأما ما قرأه الحمق- يعني ابن شنبوذ- إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة 118] فخطأ، لأن الله تعالى قد قطع لهم بالعذاب في قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ*
[النساء 48] قَالَ: فقلت لصاحب البيمارستان: من هذا الرجل؟ فقال: هذا إبراهيم بن الموسوس محبوس. فقلت: ويحك هذا أبي بن كعب! افتح الباب عنه، ففتح الباب فإذا أنا برجل منغمس في النجاسة، والأدهم في قدميه، فقلت: السلام عليكم. فقال: كلمة مقولة، فقلت: ما منعك من رد السلام علي؟ فقال: السلام أمان وإني أريد أن أمتحنك، ألست تذكر اجتماعنا عند أبي العباس- يعني ثعلبا- يوم كذا في شهر كذا وعرفني ما ذكرته فعرفته، وإذا به رجل من أفاضل أهل العلم. فقال لي: هذا الذي تراني منغمسا فيه ما هو؟ فقلت الخرء يا هذا. فقال: وما جمعه؟ فقلت خروء. فقال لي صدقت. وأنشد:
كأن خروء الطير فوق رءوسهم
ثم قَالَ لي: والله لو لم تجبني بالصواب لأطعمتك منه، فقلت: الحمد لله الذي أنجاني منك. وتركته وانصرفت.
حدّثني على بن أبي على حَدَّثَنَا محمد بن العباس الخزاز قَالَ: ولد أبو بكر بن الأنباري سنة إحدى وسبعين ومائتين. وتوفي ليلة النحر من ذي الحجة من سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

ابن الأنباري :
الإِمَامُ الحَافِظُ اللُّغَوِيُّ ذُو الفنُوْنِ، أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ بنِ بَشَّارٍ بن الأَنْبَارِيِّ، المُقْرِئُ النَّحْوِيُّ. وُلِدَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَمِعَ فِي صِباهُ بَاعتنَاءِ أَبِيْهِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيِّ، وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَأَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ البَزَّاز، وَأَبِي العَبَّاسِ ثَعْلَبٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَحمل عَنْ وَالدِه، وَأَلَّفَ الدَّوَاوِيْنَ الكِبَارَ مَعَ الصدق والدين، وسعة الحفظ.
حدث عنه: أبي عمر بن حيويه، وأحمد بنُ نَصْرٍ الشَّذَائِيُّ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَبِي هَاشِمٍ، وَأبي الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله ابن أَخِي مِيمِي الدَّقَّاقِ، وَأَحْمَد بنُ مُحَمَّدِ بنُ الجَرَّاح، وَأبي مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ أبي عَلِيٍّ القَالِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا أبي بَكْرٍ يَحْفَظُ فِيْمَا قِيْلَ: ثَلاَث مائَة أَلْف بَيْت شَاهدٍ فِي القُرْآن.
قُلْتُ: هَذَا يَجِيْءُ فِي أَرْبَعِيْنَ مُجَلَّداً.
قَالَ أبي عَلِيٍّ التَّنوُخِيُّ: كَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ يُمْلِي مِنْ حِفْظِهِ، مَا أَمْلَى مِنْ دَفْتَرٍ قَطُّ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ: مَا رأَينَا أَحَداً أَحْفَظَ مِنِ ابْنِ الأَنْبَارِيِّ، وَلا أَغزرَ مِنْ عِلْمه. وَحدثونِي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَحفظُ ثَلاثَةَ عَشَرَ صُنْدوقاً.
وَقِيْلَ: كَانَ يَأْكُل القَليَّة، وَيَقُوْلُ: أَبقِي عَلَى حِفْظِي.
وَقِيْلَ: إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَحْفُوظه عشرين ومائة تفسير بأسانيدها.قَالَ أبي بَكْرٍ الخَطِيْبُ: كَانَ ابْنُ الأَنْبارِي صدوقًا دينًا من أهل السنة. صَنّفَ فِي عُلُوْمِ القُرْآنِ وَالغَريبِ وَالمُشْكِل وَالوَقْفِ وَالاَبتدَاء.
وَقَالَ غَيْرُهُ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ وَأَفْضَلِهُم فِي نَحْوِ الكُوْفِيّين، وَأَكْثَرِهُم حِفْظاً للُّغَةِ. أَخَذَ عَنْ: ثَعْلبٍ، وَأَخَذَ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شب فِي حُدُوْدِ سَنَةِ ثَلاَثٍ مائَة.
قَالَ أبي الحَسَنِ العَرُوْضِي: كُنْتُ أَنَا وَابْن الأَنْبَارِيّ عِنْد الرَّاضِي بِاللهِ، فَفِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ سأَلَتْه جَارِيَةٌ عَنْ تَفْسِيْرِ شَيْءٍ مِنَ الرُّؤْيَا، فَقَالَ: أَنَا حَاقِنٌ، وَمَضَى. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ، عَادَ، وَقَدْ صَارَ مُعبِّراً للرُّؤْيَا. مَضَى مِنْ يَوْمه، فَدَرَسَ كِتَابَ "الكِرْمَانِيّ فِي التعبِير" وَجَاءَ.
قُلْتُ: لَهُ كِتَابُ "الوَقْفِ وَالاَبتدَاء"، وَكِتَابُ "المُشْكل"، وَ"غَرِيْب الغَرِيْب النبوِي"، وَ"شَرْح المفضَّلِيَّات"، وَ"شَرْحُ السَّبْعِ الطِّوَال"، وَكِتَاب "الزَّاهر"، وَكِتَاب "الكَافي" فِي النَّحْوِ، وَكِتَابُ "اللاَّمَاتِ"، وَكِتَاب "شَرْحِ الكَافي"، وَكِتَابُ "الهَاءآت"، وَكِتَاب "الأَضْدَادِ"، وَكِتَاب "المذكَّر وَالمُؤنث"، وَكِتَاب "رسَالَة المُشْكِلِ" يَرُدُّ عَلَى ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَأَبِي حَاتِمٍ، وَكِتَابُ "الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالف مُصْحَفَ عُثْمَان" بِأَخْبَرَنَا وَحَدَّثَنَا، يقضِي بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِلْحَدِيْثِ، وَلَهُ أَمَالِي كَثِيْرَةٌ، وَكَانَ مِنْ أفراد العالم.
وَقَالَ حَمْزَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ طَاهِر: كَانَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ زَاهِداً مُتَوَاضعاً، حَكَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهُ حَضَرَه، فَصحف فِي اسْمٍ، قَالَ: فَأَعْظَمْتُ أَنْ يُحمل عَنْهُ وَهُمٌ وَهِبْتُهُ، فَعَرَّفْتُ مُسْتَمْلِيْهِ. فَلَمَّا حَضَرْتُ الجُمُعَة الأُخْرَى، قَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيِّ لمُسْتَمْلِيْهِ: عَرِّفِ الجَمَاعَةَ أَنَّا صحَّفنَا الاسْمَ الفُلاَنِيَّ، وَنَبَّهنَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّابُّ عَلَى الصَّوَاب.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ الأَنْبَارِيِّ -عَلَى مَا بَلَغَنِي- أَمْلَى "غَرِيْبَ الحَدِيْث" فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ أَلف وَرقَة. فَإِنْ صَحَّ هَذَا، فَهَذَا الكتَابُ يَكُوْن أَزيدَ مِنْ مائَةِ مُجَلَّد. وَكِتَاب "شَرْحِ الكَافي" لَهُ ثَلاَثُ مُجَلَّدَات كِبَار. وَلَهُ كِتَاب "الجَاهِليَات" فِي سَبْع مائَة وَرقَة.
وَقَدْ كَانَ أبيهُ القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْبَارِيُّ مُحَدِّثاً أَخْبَارِيّاً عَلاَّمَةً مِنْ أَئِمَةِ الأَدَبِ.
أَخَذَ عَنْ: سَلَمَة بنِ عَاصِم، وَأَبِي عكرمة الضبي.
وَله كِتَاب "خَلْقِ الإِنْسَانِ"، وَكِتَاب "خَلْق الفَرَس"، وَكِتَابُ "الأَمثَالِ"، وَ"المقصورُ وَالمَمْدُوْد"، وَ"غَرِيْب الحَدِيْث" وَأَشيَاء عِدَّة. مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
وَمَاتَ ابْنه العَلاَّمَةُ أبي بَكْرٍ فِي لَيْلَةِ الأَضْحَى بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ عَنْ سَبْعٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةًوَفِيْهَا مَاتَ العَلاَّمَةُ أبي عُمَرَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ رَبِّهِ القُرْطُبِيُّ صَاحِبُ "كِتَابِ العِقْدِ" عَنِ اثنينِ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَكبِيرُ الشَّافِعِيَّة أبي سَعِيْدٍ الحَسَنُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَزِيْدَ الإِصْطَخْرِيُّ بِبَغْدَادَ عَنْ بِضْعٍ وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَمُقْرِئ العِرَاقِ أبي الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ شَنَبُوذ، وَشَيْخُ الصُّوْفِيَّةِ أبي مُحَمَّدٍ المُرْتَعِش بِبَغْدَادَ، وَالوَزِيْر أبي عَلِيٍّ بنُ مُقْلَةَ. وَمُسْنِدُ نَيْسَأبيرَ أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الشَّرْقِيّ، وَمُسْنِدُ دِمَشْقَ أبي الدَّحْدَاح أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَسْمَاعِيلَ التَّمِيْمِيُّ، وَمُسْنِدُ بَغْدَادَ أبي عَبْدِ اللهِ أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ العلاء الجَوْزَجَانِيُّ عَنْ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ سَنَةً، وَعَالِمُ نَيْسَأبير وَقُدْوَتهُا أبي عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِيّ، وَالحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيْدِ بنِ المُطبقِيِّ بِبَغْدَادَ مِنْ شُيُوْخِ ابْن جُمَيْعأَخْبَرَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ العَلاَّنِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُهْتَدِي بِاللهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ القَاسِمِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا أبي عتَّاب الدلال، حدثنا المختار بن نافع، حدثنا أبي حَيَّان التَّيْمِيّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَلِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَحِمَ اللهُ أَبَا بَكْرٍ، زوجنِي ابْنَتَه، وَنَقَلَنِي إِلَى دَار الهِجْرَةِ وَأَعْتَقَ بِلالاً، رَحِمَ اللهُ عُمَرَ يَقُوْلُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مرّاً، تركَه الحَقُّ وَمَا لَهُ مِنْ صَدِيْقٍ، رَحِمَ اللهُ عُثْمَانَ تَسْتحييه المَلاَئِكَةُ، رَحِمَ اللهُ عَلِيّاً، اللَّهُمَّ أَدِر الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دار".

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 


وأما أبو بكر محمد بن القاسم بشار الأنباري النحوي، فإنه كان من أعلم الناس وأفضلهم في نحو الكوفيين، وأكثرهم حفظاً للغة؛ وكان زاهداً متواضعاً. أخذ عن أبي العباس ثعلب.
وكان ثقة صدوقاً، من أهل السنة، حسن الطريقة.
وألف كتباً كثيرة في علوم القرآن والحديث واللغة والنحو؛ فمنها الوقف والابتداء، وكتاب المشكل وغريب الحديث، وشرح المفضليات وشرح السبع الطوال، وكتاب الزاهر، وكتاب الكافي في النحو، وكتاب اللامات. وله الأمالي، وغير ذلك من المؤلفات.
وكان يكتب عنه وأبوه حي، وكان يملي في ناحية المسجد وأبوه في ناحية أخرى.

وقال أبو علي إسماعيل بن القاسم: كان أبو بكر الأنباري يحفظ - فيما ذكر - ثلثمائة ألف بيت شاهد في القرآن.
وقال حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: كان أبو بكر الأنباري يملي كتبه المصنفة ومجالسه المشتملة على الحديث والأخبار والتفاسير والأشعار؛ كل ذلك من حفظه. وأملى كتاب غريب الحديث، قيل إنه خمس وأربعون ألف ورقة، وكتاباً في شرح الكافي، وهو نحو ألف ورقة، وكتاب الهاءات نحو ألف ورقة، وكتاب الأضداد؛ وما ألف في الأضداد أكبر منه، وشرح الجاهليات، وسبعمائة ورقة، والمذكر والمؤنث؛ ما عمل أحدٌ أتم منه. وعمل رسالة المشكل ردّاً على ابن قتيبة وأبي حاتم السجستاني وتقصى قولهما، وكتاب المشكل، أملاه وبلغ فيه إلى "طه" وما أتمه، وقد أملاه سنين كثيرة.
وقال أحمد بن يوسف الأصبهاني: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المنام فقلت: يا رسول الله، عمن أخذ علم القرآن؟ فقال: عن أبي بكر الأنباري.
وقال محمد بن جعفر التميمي: فأما أبو بكر بن القاسم الأنباري، فما رأينا أحفظ منه، ولا أغزر منه في علمه.
وقال أبو الحسن العروضي: اجتمعت أنا وهو عند الراضي بالله على الطعام، وكان قد عرف الطباخ ما يأكل، فكان يسوي له قلية يابسة. قال: فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطايبه، وهو يعالج تلك القلية، ثم فرغنا وأتينا بحلوى، فلم يأكل منها، فقام وقمنا إلى الخيش، فنام بين يدي الخيش، ونمنا في خيش ينافس فيه، فلم يشرب ماء إلى العصر، فلما كان بعد العصر، قال: يا غلام الوظيفة! فجاءه بماء من الحب، وترك الماء المزمل بالثلج ، فغاظني أمره، فصحت صيحة: يا أمير المؤمنين! فأمر بإحضاري، وقال: ما قصتك؟ فأخبرته، وقلت: يا أمير المؤمنين، يحتاج [هذا] إلى أن يحال بينه وبين تدبير نفسه، لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها، فضحك وقال: له في هذه لذة، وقد جرت له به عادة، وصار آلفاً لذلك فلن يضره. ثم قلت: يا أبا بكر، لم تفعل هذا بنفسك؟ فقال: أبقي على حفظي، قلت له: قد أكثر الناس في حفظك، فكم تحفظ؟ فقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقاً.
وقال محمد بن جعفر: وهذا مما لم يحفظه أحد قبله ولا بعده، وكان أحفظ الناس للغة والشعر والتفسير. وحدث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً من تفاسير القرآن بأسانيدها.
وقال أبو سعيد بن يونس: كان أبو بكر آية من آيات الله تعالى في الحفظ.
وحكى أبو الحسن العروضي، قال: كان ابن الأنباري يتردد إلى أولاد الراضي بالله، فكان يوماً من الأيام قد سألته جارية عن تفسير شيء من الرؤيا، فقال: إني حاقن ثم مضى، فلما كان من الغد عاد وقد صار معبراً للرؤيا، وذلك أنه مضى من يومه، فدرس كتاب الكرماني.
ويحكى أنه كان يأخذ الرطب ويشمه، ويقول: أما إنك طيب، ولكن أطيب منك ما وهب الله عز وجل لي من العلم.
ويحكة أنه مر يوماً في النخاسين، وجارية تعرض، حسنة الصورة، كاملة الوصف؛ قال: فوقعت في قلبي، ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي بالله تعالى، فقال: أين كنت إلى الساعة؟ فعرفته، فأمر فاشتريت وحملت إلى منزلي ولم أعلم، فجئت فوجدتها، فعلمت كيف جرى الأمر، فقلت لها: كوني فوق إلى أن أستبرئك -وكنت أطلب مسألة قد اختلت علي- فاشتغل قلبي، فقلت للخادم: خذها وامض بها إلى النخاس، فليس يبلغ قدرها أن يشغل قلبي عن علمي - فأخذها الغلام، فقالت: دعني حتى أكلمه بحرفين، فقالت: أنت رجل لك محل وعقل، فإذا أخرجتني ولم تبين لي ذنبي، لم آمن من أن يظن الناس في ظناً قبيحاً، فعرفنيه قبل أن تخرجني. فقلت: مالك عندي عيب، غير أنك شغلتني عن علمي، فقالت: هذا سهل عندي. قال: فبلغ الراضي بأمره، فقال: لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في قلب هذا الرجل.

وقال أبو بكر: دخلت البيمارستان بباب المحول، فسمعت صوت رجل في بعض البيوت، يقرأ:] أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده [، فقال: أنا لا أقف إلاّ على قوله تعالى:] كيف يبدئ الله الخلق [، فأقف على ما عرفه القوم [وأقروا به، لأنهم لم يكونوا يقرون بإعادة الخلقٍ، وابتدئ بقوله:] ثم يعيده [ليكون خبراً، وأما قراءة علي بن أبي طالب عليه السلام:] وادَّكر بعد أمة [فهو وجه حسن، والأمة: النسيان. وأما أبو بكر بن مجاهد فهو إمام في القراءة، وأما قراءة ابن شنبوذ:] إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم [فخطأ، لأن الله تعالى قد قطع لهم بالعذاب، في قوله تعالى:] إن الله لا يغفر أن يشرك به [؛ قال: فقلت لصاحب البيمارستان: من هذا الرجل؟ قال: إبراهيم الموسوس، مجنون، فقلت: ويحك! هذا أبي بن كعب، افتح الباب عنه، ففتحه عنه، فإذا أنا برجل منغمس في النجاسة والأدهم في رجليه، فقلت: السلام عليكم، فقال: كلمة مقولة، فقلت: ما منعك من رد السلام علي؟ قال: السلام أمان، وإني أريد أن امتحنك، ألست تذكر اجتماعنا عند أبي العباس -يعني ثعلباً- في يوم كذا- وعرفني ما ذكرته، وإذا به رجل من أفاضل أهل العلم، فقال: هذا الذي تراني فيه منغمساً، ما هو؟ قلت: الخرء. قال: وما جمعه؟ قلت: خروء، قال: صدقت، وأنشد:
كأن خروء الطير فوق رؤوسهم
ثم قال: أما والله لو لم تخبرني بالصواب لأطعمتك منه، فقلت: الحمد لله الذي أنجاني منك. وتركته وانصرفت.
ويحكى أن أبا بكر بن الأنباري حضر مع جماعة من العدول؛ ليشهدوا على إقرار رجل، فقال أحدهم للمشهود عليه: ألا نشهد عليك؟ فقال: نعم، فشهد عليه الجماعة، وامتنع ابن الأنباري، وقال: إن الرجل منع أن يشهد عليه بقوله: نعم؛ لأن تقديره جوابه: "لا تشهدوا علي"، لأن حكم "نعم" أن يرفع الاستفهام، ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى:] ألست بربكم قالوا بلى [، ولو أنهم قالوا: "نعم" لكفروا، لأن حكم "نعم" أن يرفع الاستفهام، فلو قالوا: "نعم"، لكان التقدير: نعم لست ربنا، وهذا كفر، وإنما دل على إيمانهم قولهم: "بلى"، لأن معناها يدل على رفع النفي، فكأنهم قالوا: أنت ربنا، لأن "أنت" بمنزلة التاء التي في "ألست".

وقال أبو الحسن الدارقطني: حضرت أبا بكر الأنباري في مجلس إملائه يوم الجمعة، فصحف اسماً أورده في إسناد حديث؛ إما كان "حيان" فقال: "حبان" أو "حبان"، فقال: "حيان"، قال أبو الحسن: فأعظمت أن ينقل عن مثل مع فضله وجلاله وهم، وهبت أن أوقفه على ذلك. فلما انقضى الإملاء تقدمت إلى المستملي، وذكرت له وهمه، وعرفته صواب القول فيه وانصرفت. ثم حضرت الجمعة الثانية، فقال أبو بكر للمستملي: عرف الجماعة الحاضرين، أنا صحفنا الاسم الفلاني، لما أملينا حديث كذا في الجمعة الماضية، نبهنا ذلك الشاب على الصواب وهو كذا، وعرف ذلك الشاب أنا رجعنا إلى الأصل فوجدناه كما قال.
ويحكى أن أبا بكر بن الأنباري قال في اسم الشمس: "بوح" بالباء بنقطة من تحت، فرد عليه أبو عمر الزاهد، وقال: إنما هو "يوح" بالياء المعجمة بنقطتين من تحت، كذلك سمعته من أبي العباس ثعلب، والصحيح ما قال أبو عمر، والعالم من عدت سقطاته.
ويحكى أن أبا بكر بن الأنباري مرض، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فرأوا من انزعاج والده عليه أمراً عظيماً، فطيبوا نفسه، ورجوا عافية أبي بكر، فقال: كيف لا انزعج وأقلق لعلة من يحفظ جميع ما ترون - وأشار إلى حاري مملوء كتباً.
ويحكى أنه لما وقع في مرض الموت أكل كل ما كان يشتهي، وقال: هي علة الموت.
وقال محمد بن العباس الخراز: ولد أبو بكر سنة إحدى وسبعين ومائتين، وتوفي ليلة النحر من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين وثلثمائة في خلافة الراضي بالله تعالى.

نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

- أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن بشار الْأَنْبَارِي
أَخذ النَّحْو عَن أبي الْعَبَّاس ثَعْلَب.

وَلأبي بكر مصنفات، مِنْهَا: كتاب فِي النَّحْو، يُعرف ب " الْكَافِي "، وَله الْكتاب " الزَّاهِر "، و " كتاب فِي الْمَقْصُور والممدود ".
وَله علم، وَرِوَايَة.

عمره ثَمَان وَخَمْسُونَ سنة.
تُوفي سنة سبع وَعشْرين ثَلَاثمِائَة.
* * *
وَلم يكن بعده إِمَام فِي علم نَحْو الْكُوفِيّين،مثل

تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم-لأبو المحاسن المفضل التنوخي المعري

 

 

ابْن الْأَنْبَارِي الْحَافِظ الْعَلامَة شيخ الْأَدَب أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْقَاسِم ابْن مُحَمَّد بن بشار النَّحْوِيّ
صَاحب ثَعْلَب

صنف التصانيف الْكَثِيرَة وأملى من حفظه وَكَانَ من أَفْرَاد الدَّهْر فِي سَعَة الْحِفْظ مَعَ الصدْق وَالدّين من أهل السّنة وَكَانَ يحفظ ثَلَاثمِائَة ألف بَيت شَاهدا فِي الْقُرْآن وَعنهُ أحفظ ثَلَاثَة عشر صندوقاً مَاتَ لَيْلَة عيد النَّحْر بِبَغْدَاد سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة عَن سبع وَخمسين سنة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن بشار الْأَنْبَارِي النَّحْوِيّ كَانَ من أعلم النَّاس بالنحو وَالْأَدب وَأَكْثَرهم عَطاء لَهُ سمع إِسْمَاعِيل بن إِسْمَاعِيل وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَغَيرهمَا حدث وروى عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأبي عبد الله ابْن بطة وَكَانَ صَدُوقًا فَاضلا دينا خيرا من أهل السّنة وصنف كتبا كَثِيرَة فِي عُلُوم الْقُرْآن والمشكل وَالْوَقْف والابتدا وَالرَّدّ على من خَالف مصحف الْعَامَّة وغريب الحَدِيث وَسُئِلَ عَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان فَقَالَ نَحن نستثنى فَنَقُول نَحن مُؤمنُونَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَرَاجعه فَأَجَابَهُ بِأَن هَذَا مَذْهَب إمامنا أَحْمد بن حَنْبَل وَقيل عَنهُ كَانَ يحفظ ثَلَاثمِائَة ألف شَاهد فِي الْقُرْآن قَالَ أبي الْعَبَّاس ابْن يُونُس كَانَ آيَة فِي كتاب الله تَعَالَى فِي الْحِفْظ مَاتَ فِي ذِي الْحجَّة لَيْلَة عيد النَّحْر سنة ثَمَان وَعشْرين وثلاثمائة

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، أبو بكر الأنباري:
من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظا للشعر والأخبار، قيل: كان يحفظ ثلثمائة ألف شاهد في القرآن. ولد في الأنبار (على الفرات) وتوفي ببغداد. وكان يتردد إلى أولاد الخليفة الراضي باللَّه، يعلمهم.
من كتبه (الزاهر - خ) في اللغة، و (شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات - ط) و (إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عزوجل - ط) و (الهاآت - خ) و (عجائب علوم القرآن - خ) و (شرح الألفات - ط) رسالة نشرت في مجلة المجمع بدمشق، و (خلق الإنسان) و (الأمثال) و (الأضداد - ط) وأجل كتبه (غريب الحديث) قيل إنه 45000 ورقة. وله (الأمالي) اطلعت على قطعة منها كتبت في المدرسة النظامية، وعليها خط الحافظ عبد العزيز ابن الأخضر، سنة 609 هـ  .

-الاعلام للزركلي-

أبو بكر، محمدُ بنُ أبي محمدٍ القاسمِ بنِ محمدِ بنِ بشارِ بنِ الحسنِ، الأنباريُّ النحويُّ.
كان علامة وقته في الأدب، وأكثر الناس حفظًا له، وكان صدوقًا، ثقة، دَيِّنًا، خيرًا، من أهل السنة، صنف كتبًا كثيرة.
قال أبو علي القالي: كان أبو بكر الأنباري يحفظ فيما ذكر ثلاثَ مئة ألف بيت شاهد في القرآن الكريم، وقيل: إنه كان يحفظ مئة وعشرين تفسيرًا للقرآن بأسانيدها، وكتابه "غريب الحديث" قيل: خمسة وأربعون ألف ورقة.
ولد سنة إحدى وسبعين ومئتين، وتوفي سنة سبع وعشرين وثلاث مئة - رحمه الله –

التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.