مخلوف (حوالي 1280 - 1360 هـ) (1864 - 1941 م).
محمد بن محمد بن عمر بن قاسم مخلوف الشريف المنستيري، الفقيه الأديب، المؤرخ، ومن هذا الفريق الشيخ مخلوف الشرياني الذي قبره بشريانة القريبة من صفاقس (شجرة النور الزكية 2/ 197، 198).
توفي والده في غرة شعبان سنة 1302، والمترجم لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره. كان والده من كبار تجار الزيت بالمنستير، وكوّن ثروة حسنة، وكان - لحفظه القرآن العظيم - ميالا إلى العلماء والأدباء، ويتقرب إلى المنسوبين للصلاح.
اعتنى والده بتهذيبه وتربيته وتوجيهه إلى التعلّم، ويؤثره على إخوته لما ظهر من نجابته. حفظ القرآن العظيم برواية ورش على عمر خفشة في زاوية الولي الصالح عمر القلال، وكان يعرض أحزابه ليلا على الشيخ علي الخيري، وحفظ كثيرا من المتون العلمية. وتعلم الحساب والفرائض ونبغ فيهما على العدل الشيخ حسن لاز، كما قرأ توحيد المرشد المعين، والعمل بالربع المجيب على العدل الموثق الشيخ علي زهرة، ثم حدث بعد ذلك غير الحال، وعاقه عن متابعة العلم أربع سنوات ولما تقشعت الغيوم وتجلى كابوس الأزمة تحسنت الأمور فزوده والده بالدعاء الصالح والمال بقصد الترحال إلى الحاضرة تونس لمواصلة طلب العلم بجامع الزيتونة، فوصل تونس في جمادى الأولى سنة 1291/ 1882، وقرأ على المشايخ، محمود بيرم، ومحمود بن الخوجة، ومحمود بن محمود، وأحمد بن مراد وسالم بو حاجب، وحسين بن حسين، وحمودة تاج، وفي سنة 1306/ 1889 أجازه الشيخ عمر بن الشيخ في رواية كتب على ما أجاز به الشيخ محمد الشريف، وأحرز على شهادة التطويع في سنة 1307/ 1890 ودرّس بجامع الزيتونة كتبا خاصة بالمرحلة الابتدائية في العقائد والفقه والنحو
وفي سنة 1313/ 1896 أسند إليه التدريس بالمنستير وفي نفس السنة أسندت إليه الفتوى بمدينة قابس، ثم القضاء بها، وفي سنة 1319/ 1902 أسندت إليه خطة القضاء بالمنستير والخطابة بجامعها الكبير وكان في مدة ولايته القضاء معروفا بالنزاهة، وفي شهر شوال سنة 1355/ 1936 أسندت إليه خطة باش مفتي بالمنستير ورئاسة مجلسها الشرعي إلى أن توفي يوم الأحد في 20 جمادى الأولى سنة سنة 1360/ 15 جوان 1941
وكان غاية في حسن الخلق يضرب بكرمه المثل لا سيما كرمه لأهل العلم، فإن بستانه بسقانص (من ضواحي المنستير) كعبة القصاد، ومثابة الرواد، ومنتدى العلماء، وكان يعتني بضيوفه ويكرمهم.
وكان كاتبا لامعا يميل إلى السجع، وكان يقرض الشعر في أيام دراسته بجامع الزيتونة، ثم تركه عند ما نهاه الشيخ أحمد بن موسى المنستيري، ذكر ذلك في ترجمة الشيخ المذكور فقال: «وقد كنت ميالا
للأدب ونظم الشعر وتتبع كلام العرب ثم اجتمعت به (أي أحمد بن موسى) وسألني - رحمه الله - عند دروسي فأجبته عنها ومنها الأدب وقول الشعر، فأجابني: دع الشعر فإن سوقه غير نافقة، واجتهد في العلوم الشرعية المفيدة دنيا وأخرى، فوقع مني كلامه موقعا، وتركت الشعر بتاتا»
ومن شيوخه أحمد بو خريص، ومحمد الصادق الشاهد، وعلي بن الحاج، ومحمد العربي المازوني، ومحمد البشير التواتي، وبلحسن النجار الذي أجازه بمروياته وبما حوته فهرسته، ومحمد الطيب النيفر وأجازه الشيخ عبد الحي الكتاني لمّا حلّ بالمنستير لزيارة الإمامين ابن يونس والمازري سنة 1340 وأجازه الشيخ المهدي الوزاني إجازة عامة بما حوته فهرسته قرآنا وحديثا وأصولا وفقها وعقائد.
وشعره جار على طريقة تقليدية يقوله في ختم بعض الكتب على مشايخه حسب العادة الجارية في ذلك العصر. وابتدأ في النظم منذ المرحلة الابتدائية في التعلم بالزيتونة، فمن ذلك القصيدة التي أنشدها عند ختم رسالة ابن أبي زيد القيرواني على شيخه حسين بن حسين ومطلعها:
أحن إلى الأوطان والدمع سائل … وأبحث عن ذاك الحمى وأسائل
ومنها:
وجئت بها والقلب فيه صبابة … إلى من غدا بحرا وما له ساحل
ومنها بيت الختم والتاريخ:
ودونك قولي يوم ختم مؤرخا … (حسين فريد العصر برّ حلاحل)
وتساوي حروف هذا العجز بحساب الجمل سنة 1302.
وقال في شيخه حمودة تاج وقد ختم شرح القطر قصيدة منها:
وقد همت وجدا حين فارقته فلم … أجد غير تاج فخره متوافر
ومنها:
وكم من عويصات تحلى بحلها … فشاهدتها من فيه وهي جواهر
وكم عنده من الشعر حسن براعة … وفي النثر سحبان بيانه ساحر
وقال عند ما ختم شيخه محمود بيرم شرح القطر قصيدة مطلعها:
حباني على عمد بوعد وهجران … غزال رخيم الدل من أهل نجران
وأحرق أحشائي بنار تأجّجت … ففاضت دموع العين من حر نيران
فصرت أناجي الأفق من شدة الجوى … فأرعى له مسرى النجوم ويرعاني
ومنها:
غزال سبى عقلي وأدهش فكرتي … ومزّق أحشائي بأحور فتّان
ترى البدر حقا من سناه إذا بدا … ومن وجنتيه الورد نثرا ببرهان
ومنها:
طفقت أطوف الأرض عن خيرهم فلم … أجد غير محمود وما له من ثان
هو الأوحد الحاوي لعلم وهيبة … ومجد ربا عن مجد أقيال غسّان
وأعني بذاك البيرمي الذي غدا … ككوكب شمس شع في الأنس والجان
ومنها:
فيا علم الأعلام والمصقع الذي … محبته سرّي وشكره إعلاني
إليك عقيلات تجر ذيولها … تثني بعطفها فتزهو على البان
تؤمل منكم مهرها وهو الرضى … ولا تبتغي يوما سواكم من ثان
بقيت كما تبغي ودمت مهنأ … يختم فتساقينا بروح وريحان
ومن نظمه أرجوزة ذيل بها السلسلة الذهبية في نظم سند الطريقة العروسية للشيخ عبد السلام بن سليم الأسمر والتي أثبتها في كتابه «مواهب الرحيم».
رسالة في ترجمة شيخه سالم بو حاجب أرسلها إلى ابنه الوزير الأكبر خليل بو حاجب.
شرح أربعين حديثا من ثنائيات الموطأ، وهو شرح شامل لفوائد جمة، حشد فيه من القرآن والحديث والفقه والتوحيد والأدب والتاريخ، يقع في أكثر من 400 ص.
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ابتدأه بفوائد تاريخية عامة، ثم ابتدأ التراجم بسيد الوجود صلّى الله عليه وسلم، ثم بسادات من الصحابة، ثم بجماعة من التابعين ثم بالإمام مالك بن أنس، ثم بطبقات أعلام مذهب مالك إلى الزمان الذي أدركه وهو سنة 1344/ 1926، ورتب الطبقات حسب الأقطار مبتدئا بالأقطار المشرقية، ثم تونس والأندلس وفاس، وختمه بخاتمة في تاريخ علوم السنة، وهو جزء ضخم يدل على اطلاع واسع ومجهود، والجزء الثاني وهو تتمة للجزء الأول وأصغر منه وقسمه إلى طبقات علماء إفريقية وخلاصة الأدوار والأطوار التي وقعت لهم، وخاتمته خصصها للكلام على مدينة المنستير. طبع بالمطبعة السلفية بالقاهرة سنة 1350/ 1932، ووقف على طبعه الشيخ محمد الخضر حسين، وأعيد طبعه طبعة مصورة في بيروت في السنوات القريبة الماضية.
المازرية، عهد بطبعها ونشرها للأستاذ عبد الله الزنّاد عام 1356/ 1937، وطبعت بمطبعة شكلونة بصفاقس، وهي رسالة في 100 ص من القالب المتوسط اقتطفها من كتاب ابن أبي أصيبعة عيون الأنباء في طبقات الأطباء، وهي تبحث في الطب والمستشفيات، وبها تراجم فائقة حسنة لمن اشتغلوا بالطب من العرب. ألّفها بمناسبة تأسيس مستشفى المنستير، وسماها المازرية نسبة إلى الإمام المازري دفين
المنستير الذي كان يفزع إليه في الطب كما يفزع إليه في الفقه، عبّر عن فصوله بالإشارات مرتبة على 125 إشارة تكلم في الاثنتين والعشرين الأولى منها على معلومات عامة في تاريخ الطب وما يتعلق به، وجمع في الإشارة الثالثة والعشرين تراجم بعض علماء الطب، فترجم ل 84 طبيبا رتبهم على حروف المعجم، ثم ختم الرسالة بأجوبة كبار علماء مصر على استفتاء وجه إليهم صورته: هل تجب المبادرة إلى معالجة الأمراض من أول ظهورها أم تهمل المعالجة ويترك الشأن للطبيعة.
مواهب الرحيم في مناقب الشيخ عبد السلام بن سليم، وهو اختصار لكتاب «روضة الأزهار ومنية السادات الأبرار في جمع بعض مناقب صاحب الطار» تأليف الشيخ عبد الكريم بن ناصر البرموني (ت 998/ 1590) والقسم الثاني ذكر فيه مجموعة من القصائد والأذكار التي يتغنى بها أتباع الطريقة السلامية في خلواتهم واحتفالاتهم العامة والخاصة، وهو أول مؤلف له ألّفه أثناء وجوده بقابس، ط. قديما بتونس، وأعيد طبعه بالمطبعة اليوسفية بالقاهرة على ذمة مكتبة النجاح بليبيا في سنة 1386/ 1966.
وكان اشتغاله بالتحبير والتأليف لا يقل عن اشتغاله بالبحث والتنقيب ومطالعة نفائس الكتب وقيم الأسفار، فقد كان شغوفا بجمع المصنفات النادرة حتى تحصل له منها جملة لا يستهان بها كلها أمهات في مختلف العلوم
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الرابع - من صفحة 257 - الى صفحة 262 - للكاتب محمد محفوظ