الصفائحي (1269 - 1337 هـ) (1853 - 1918 م)
إسماعيل بن محمد حمدة بن حسن ابن الحاج إسماعيل بن محمد القائمي البوسنوي.
ورد جده الأعلى محمد القائمي على تونس أواسط القرن الحادي عشر فيما ورد عليها من مآمير السلطنة العثمانية، وكان يدعى بمحمد بوشناق، ومحمد الزكي، توفي وترك ولديه الحاج سلمان والحاج إسماعيل جد صاحب الترجمة.
صاهر الحاج إسماعيل عائلة تونسية تدعى بعائلة الكفيف لها اتصال بملوك تونس الحفصيين فولدت له ابنه الوحيد حسن الذي لقب بالكفيف كعائلة والدته ثم غلبت عليه نسبته إلى حرفته فصار يدعى الصفائحي، وترك ثلاثة أولادهم: محمد حمدة، وصالح، وحمودة وهم من أم واحدة هي ابنة حمودة بو غازلي، وهي من البيوتات التركية النازحة إلى تونس.
وكان محمد حمدة أب المترجم أكبر أخوته سنا حسن السيرة طيب السريرة.
بعد تجاوز سني الطفولة الأولى أرسله أبوه إلى الكتاب فعني به مؤدبه الشيخ صالح الرباحي بتأديبه وأكب على تلقينه وتدريبه إلى أن استظهر القرآن في بضع سنين.
ولم يكن لعمه صالح أولاد فوجه كل عنايته إلى ابن أخيه المترجم الذي لم يفقد شيئا من عناية أبيه. وفي سنة 1285/ 1868 انخرط في سلك تلامذة جامع الزيتونة وأهم مشايخه الذين لازمهم حتى انتفع بهم شيخ الجماعة سالم بو حاجب، والشاذلي بن القاضي، ومحمد بيرم، ومصطفى رضوان وغيرهم، ومن أقرانه الشيخ محمد بن يوسف، وعلي الشنوفي، وحمودة وعبد العزيز تاج، تخرج عليه غالب مشايخ جامع الزيتونة ورجال الدولة منهم محمد بن القاضي القاضي الحنفي، وإبراهيم المارغني المفتي المالكي وممن حضر دروسه في الأستانة الوزير الطاهر خير الدين وأمثاله.
أحرز على شهادة التطويع سنة 1297/ 1879 فبدأ بالتدريس في جامع الزيتونة متطوعا مستمرا على الحضور بدروس شيوخه إلى أن أتمّ قراءة الكتب التي شرع في دراستها عليهم. وكان قبل ذلك قد صدر له أمر في مباشرة الإشهاد بتاريخ 29 ربيع الأنور فلم يشغله ذلك عن المثابرة في طلب العلم. وفي سنة 1298/ 1880 عين للنيابة عمن يعرض له عذر في التخلف عن التدريس من أساتذة المدرسة الصادقية فأظهر من الاستقامة في عمله ما أوجب تعيينه بالأصالة في سنة 1309/ 1890.وقد كان عين قبل ذلك شاهدا على أوقاف الديوان (المحكمة الشرعية العليا) في سنة 1302/ 1884، ثم اجتاز بنجاح مناظرة التدريس من الطبقة الثانية بجامع الزيتونة وذلك في نفس السنة. واختاره المستشرق مدير المعارف مشويل لإدارة المدرسة العصفورية التي أنشأها لتخريج المؤدبين (المعلمين) وصدر له أمر بذلك في 10 رجب سنة 1312/ 1893 فأبان في إدارته عن كفاءة ومقدرة وفي السنة بعدها أحرز على الطبقة الأولى من التدريس بجامع الزيتونة. وهو في جميع وظائفه اعتناء زائد وكفاءة بحيث كان أكبر من الوظيف الذي يعهد إليه مما جعل الحكومة ترفعه إلى مقام أعلى. فصدر له الأمر بولاية القضاء الحنفي في غرة صفر سنة 1315/ 1896 رغما عن كونه لم يتجاوز العامين في الطبقة الأولى بينما جرت العادة بالاختيار من قدماء المدرسين.
وسافر إلى الحج في أواخر شعبان سنة 1324/ 1905 بعد أن رخصت له الحكومة في التخلف عاما عن مباشرة وظيفته، وقصد الشام حيث عاقته عن الحج أمور عائلية بحتة، ومن هناك أرسل استقالته إلى تونس، وتوجه إلى الأستانة حيث نوى العزلة والانقطاع عن الدنيا وانتظار الأجل. ووظفته الحكومة التركية وظائف علمية لما رأت له من المقدرة النادرة في البيان فعين مدرسا بمدرسة الخطباء التي أنشئت لتخريج خطباء حقيقيين يقومون بوظيفة الخطابة الشرعية والإرشاد ورغما عن كون هذه المادة لم تكن فيها مؤلفات من قبل مع عدم انضباطها بقواعد، ولم يعتن بها السابقون، فقد اجتهد المترجم في حصر مباحثها وتقريرها بصورة دراسية، وبعد أن أشبع ابنه الشيخ محمد بفكرته أمره بكتابة كتاب في المادة أطلق عليه اسم «الفصول المستطابة في أصول الخطابة» فجاء كتابا حافلا بالمباحث الفنية، وتعين مع ذلك مدرسا للحديث الشريف بجامع أم السلطان بالأستانة فعمل جهده في تفهيم العامة مغازي كلمة صلّى الله عليه وسلم، ولم يترك الزي التونسي في الأستانة.
مات في ربيع الأول عام 1337 بعد هدنة الحرب العالمية الأولى بقليل تاركا ما تركه بتونس من الذكر الجميل وترك هناك ابنه المفرد الشيخ محمد فولي بعده مدرسا بمدرسة الخطباء، ومدرسا للحديث الشريف بجامع أم السلطان.
من تأليفه إيقاظ الإخوان لدسائس الأعداء وما يقتضيه حال الزمان، ذكر فيه حقيقة الملك وأصنافه، ومعنى الخلافة والإمامة، ط. باستانبول مط عسكرية سنة 1333 هـ
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثالث - صفحة 233 - للكاتب محمد محفوظ