الشيخ الحافظ، سراج الدين شيخ المحدثين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن حِمْير بن تُبع بن يوسف بن فضل الهمداني العرشاني مات في ذي القعدة سنة سبع وخمسين وخمسمائة، وهو ابن نيف وستين سنة في عرشان في الظَهَابي وقبر هنالك.
وروى عن أسعد بن خير، وعن يحيى بن محمد، وعن زيد بن الحسن، وعن ابني الخطيب: عبد الرحمن بن عثمان وأبي بكر بن أحمد - (وروى عن هذين الفقيهين ابني الخطيب الفروع الفقهية) - وغيرهم. وكان حافظاً.
روى عنه الإمام يحيى بن أبي الخير «صحيح البخاري» و «سنن أبي داود» فاجتمع أصحابه في ذي أشرق، في سنة خمس وخمسين في شهر ربيع الأول فسمعوا منه ما ذكرته، وقد كان تقدم هذا الشيخ الحافظ مجلس لسماع «صحيح البخاري» في إبّ في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، رواه عنه جماعة كثيرة من مشايخ أصحابنا مع «رحلة معاذ» و «فضل صلاة الرغائب». وكان إماماً في الحديث متقناً للرواة، عالماً بصحيحه ومعلوله، وعنه أخذ شيخي القاضي طاهر بن يحيى، وقاضي عدن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي سالم القريظي، مع جماعة في عدن من المعرسين وسواهم وله تصنيف مليح محقق يعرف بكتاب «الزلزال والأشراط» قال فيه الإمام يحيى بن أبي الخير: ما رأيت أحفظ من هذا الشيخ - يعني علي بن أبي بكر بن حمير - في الحديث ولا أَعْرَف منه. قيل له ولا في العراق قال: ما سمعت. وإليه يسند أكثر أصحابنا وعنه يروي جلّة مشايخنا، وسمع عليه خلق كثير في الظهابي وعدن والجند وغير ذلك رحمه الله ونفع به [وحكيت له فضائل: منها أنه كان يسمع في الجعامي بأحاظة ولا يمسي إلا بمنزله بعرشان، يسرح ليلاً ثم يعود ليلاً، يقطع هذه المسافة البعيدة، حكى من يوثق بقوله عن الفقيه أبي السعود بن أحمد: أن جماعة رصدوه بنجد الجباني في الطريق الذي يمر فيه، لتكراره في ذلك ليقعوا فيه، فبصروا به مقبلاً، فتهيأوا ليقعوا فيه، فلم يشعروا أن فاتهم، ووجدوه على مسافة بعيدة منهم، فلم يزالوا كذلك يجدونه مقبلاً ثم يفوتهم، فعلموا أنه محروس عنهم، فأجمعوا على أنهم يستعطفونه، فظفروا به واستعطفوه.
ومنها أنه لما مرض وصار في النزع، سمع بعض ولده ومن كان حاضراً عنده يقول: لبيك لبيك. فقالوا له: من تجيب؟ قال: الله دعاني. ارفعوني إلى الله، إرفعوني إلى السماء، ثم مات عقب قوله.
طبقات فقهاء اليمن، تأليف: عمر بن علي بن سمرة الجعدي ص: 171-172