ابن سلامة ( ... - 1266 هـ) ( .... 1850 م)
محمد بن محمد الطيب ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ علي بن سلامة الطرابلسي الأصل، ومن أسرة فقهاء فوالده كان عدلا موثقا، وجده درّس على ما يبدو، الفقيه، الشاعر المؤرخ.
اعتنى بتربيته جده الفقيه الشيخ أحمد وشارك في تكوينه.
طلب العلم بجامع الزيتونة فأخذ عن المشايخ: ابراهيم الرياحي، وأحمد الآبي، والشاذلي بن صالح، ومحمد الشاذلي المؤدب ولازمه، ومحمد البحري بن عبد الستار، ومحمد بيرم الثالث، ومحمد بن ملوكة، ومحمد المنّاعي، وغيرهم.
وبعد تحصيله تصدر للتدريس مدة، ثم تخلى عنه ومارس خطة الاشهاد «فاختص بالقاضي الشيخ محمد البحري بن عبد الستار، فتخرج في علم الوثيقة بطول ممارسة كتب الاحكام وتسجيل المرافعات، وكان من خواص سماره وتلامذته. وقد كان الشيخ البحري أول من جمع المتفقهين من الطلبة وغيرهم للنظر معه ليلا في النوازل المنشورة على بساط المرافعة من قضاة الحاضرة لتحرير النصوص المنطبقة عليها، فكان صاحب الترجمة في زمرتهم، ولما ضرب الدهر ضرباته تولى خطة قضاء الجماعة جرى في ذلك السبيل، فألّب المتخرجين من فقهاء الطلبة والعدول وربما ضم إليهم بعض المفتين والمدرسين لتحرير النصوص الفقهية بتتبع دواوين المذهب، كل واحد يتكفل بمطالعة ديوان منها، ويخلص زبدة ما مخضوه من المسألة،
ويتحفهم بلذيذ المأكولات وروائق المشروبات، وسلك ذلك حتى في تآليفه كحاشية التاودي على التحفة، وغيرها وغيرها من رسائله
تولى مشيخة المدرسة المستنصرية وفترة التردد بين الخطط المختلفة للبحث عن خطة رابجة كانت في ظروف صعبة ترجع إلى عهد الباي حسين الثاني المتوفي في 1251/ 1835، وفي عهد خلفه مصطفى باي تحسنت وضعيته شيئا ما، ولمعت شهرته سريعا في عهد المشير الأول أحمد باشا باي الذي تولى في 10 رجب 1253/ 10 أكتوبر 1837، فتولى قضاء المحلة في العشر الأخيرة من رمضان /1253 نوفمبر ديسمبر 1837 عوضا عن الشيخ محمد الخضار الذي سمي مفتيا وتولى قضاء باردو بعد وفاة شيخه قاضي الجماعة محمد البحري بن عبد الستار المتوفي في 21 ربيع الأول 1254، 14 جوان 1836 حيث يستطيع التلاقي مع الأمير أحمد باشا باي المشير الأول الذي كان مستشاره ومحل ثقته قبل أن يتولى الامارة. وفي آخر شعبان /1255 أول أفريل 1839 سمي قاضي الجماعة بتونس، وفي غرة محرم 1261/ 10 جانفي 1845 تولى كاهية باش مفتي نقله الأمير إليها وتخطى بها المفتين قبله.
وكانت له صلة متينة بالمشير الأول أحمد باشا باي وبوزيره مصطفى خزنه دار، وهو الذي نبه الأمير لازالة امتيازات خاصة برجال المذهب الحنفي نشأت منذ استيلاء الاتراك على تونس كاختصاص القاضي الحنفي بختم الحجج والأحكام، ومنها تقدم المجلس الحنفي بحيث يكون رئيس المفتين من المالكية خلفه ومنها تمييز الحنفية بجلوسهم على أسرة يمين الأمير، والمالكية يجلسون يساره بمقاعد بالأرض إظهارا للتمييز المبني على التعصب المذهبي فأبطل الأمير أحمد باشا جميع ذلك ولما اجرى الأمير أحمد باشا لشيوخ المجلس المالكي مرتبا مع الجند النظامي كما لشيوخ المجلس الحنفي دفعا لما يتوهم من الايثار والتمييز بين جملة الشريعة وهداة الأمة، فكان ذلك في 20 ذي الحجة /1255 الأحد 24 فيفرى 1840 فاجتمع علماء المذهبين أمام محراب جامع الزيتونة بإذن أميري بين الظهرين وأرسل إليهم كاتب السر الشيخ أحمد بن أبي الضياف بمكتوبه في إعلامهم بذلك، وقرأ المكتوب عليهم أمام المحراب الشيخ ابراهيم الرياحي فقال صاحب الترجمة مادحا للأمير على هذه المنحة:
نظمت القوم في سلك النظام … فثغر المالكية في ابتسام
واعززت الجماعة بانتساب … وليس العز في كسب الحطام
فسويت الورى في عدل قسم … نسخت بصلحه حيف الظلام
محال أن يظن الناس هذا … وكاد يكون من نوع الحرام
ولولا الله أرشد منك قلبا … لما لاقته حتى في المنام
ولكن الإله أراد خيرا … فأرشدك السبيل إلى القوام
فألفت القلوب بها جميعا … وواخيت البرية بالتمام
فأنت اليوم أعدل من رأينا … بك المبدا وخاتمة الختام
وكاتب الشيخ ابراهيم الرياحي الباي بما نصه
جبرت بإحسان لمذهب مالك … قلوبا كواها الكسر يا خير مالك
وما جبرها نيل الحطام وإنما … بتنوير ليل من دجى الحيف حالك
تداركت تفريطا من الناس غفلة … وكم لك من رأي عزيز المدارك
فسويت ما بين الأفاضل رتبة … فهم من بساط العدل فوق أرائك
أتيت بمقياس عزيز تباشرت … بفرحته الأرواح من كل ناسك
يمينا لو النعمان قرّر عنده … لقرّبه عينا ولست بآفك
جرى لبن من ثدي أحمد فارتوى … به حنفي في الاخاء ومالكي
بما أودع الرحمن فيه وما يرى … لسيدنا الباشا به من مشارك
أدام لنا المولى سعادة جدّه … بوجه وجيه باسم الثغر ضاحك
وأيامه يروى صحيح حديثها … عن العز عن نصر له متدارك
كان المترجم شديد الذكاء ومات بوباء الكوليرا في 11 شعبان 1266/ 20 جوان 1850 بضاحية سيدي أبي سعيد وأوصى أن يدفن بسيدي عبد العزيز المهدوي بالمرسى فدفن حذاءه.
مؤلفاته:
حاشية على تفسير القاضي البيضاوي إلى تفسير الفاتحة.
حاشية على شرح التاودي على تحفة ابن عاصم لم تكمل وبقيت في مسودتها، توجد بالمكتبة الوطنية، أصلها من المكتبة الأحمدية.
الدرة النفيسة في أمراء تونس الأنيسة، أرجوزة في تاريخ أمراء الدولة الحسينية، وأطول قسم فيها في مدح مخدومه المشير أحمد باشا باي، توجد في مكتبة العلامة الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله.
رسالة في معاوضة أرض القنديل.
جملة من الرسائل في مسائل خلافية.
شرح قصيدة الشيخ مصطفى البكري التي أولها:
ما أرسل الرحمن أو يرسل … من رحمة تصعد أو تنزل
شرحها - كما نقل عنه - للتحصن من الوباء الذي مات فيه.
كنش بالمكتبة الوطنية رقم 3332.
العقد المنضد في أخبار مولانا المشير الباشا أحمد، منه نسخة في مكتبة المرحوم ح. ح عبد الوهاب في 122 ورقة وهي الآن بالمكتبة الوطنية تحت رقم 18618، ومنه نسخة أخرى بالمكتبة الوطنية رقم 8618، وترك فراغا في بعض الأوراق لعله كان يريد إتمامها، وليس هو مسودة إذ لا شطب فيه، ولكنه غير تام على الأرجح، والغرض من تأليفه هو تقديمه لأحمد باشا باي ليقرأه في سهرات رمضان حيث كانت عادته التسلي بمحادثات ممزوجة بنكت فكرية، ويجد فيه مزاياه المعترف بها، وهكذا تتهيأ له الفرصة لشكر الله على هذه الفضائل التي منحه إياها.
والكتاب يشتمل على مقدمة طويلة تتحدث عن التاريخ بصفة عامة، وعن سلطة الأمير في مختلف وظائف الدولة، وأخيرا تقسيم العلوم وتعاريفها. واتساع هذه المقدمة وبعض الإحالات تذكرنا بابن خلدون الذي لم يخش من مقارنة نفسه به حيث قال: «إنها لعمري تربو على مقدمة ابن خلدون».
والفصول التاريخية تبتدأ بنسب أحمد باي، وبخلاصة موجزة لتاريخ الحسينيين إلى ولاية حمودة باشا، والأخبار أكثر اتساعا منذ عهد حمودة باشا. ورواية الأخبار بتفصيل نسبي عن هذا العهد وما والاه والباعث على ذلك هو تقدير حمودة باي وجمع أخبار عصره لم تدوّن في تأليف تاريخي معروف.
وفي عهد حسين باشا الثاني وقع حادثان ذكرهما بتفصيل ملاحظا أهميتهما وعاقدا مقارنة بينهما وهما: إنشاء الجيش النظامي، واحتلال الجزائر. وعند كلامه عن أحداث احتلال الجزائر يبدي عداء واضحا لداي الجزائر الذي يلفت النظر بفقدانه الديبلوماسية وحب الذات. وعند ما هاجمه الفرنسيون لم يفكر إلا في نجاة رأسه وماله، لكن المؤلف غير مؤيد للفرنسيين، ويرى أن هؤلاء تمكنوا من احتلال الجزائر بالتواطؤ والاتفاقات لا بتفوق الأسلحة، ووجودهم في الجزائر هو
خطر على تونس، وأحمد باي قسنطينة هزمهم طويلا لكن شراسته واستبداده أبعدا عنه طائفة من السكان، ومدح في غير تحفظ الأمير عبد القادر.
وخصص بعض الصفحات لأهم معاوني الباي وبالخصوص لوزيره مصطفى خزنة دار ومدحه.
وبوصفه قاضيا للمحلة سافر معها سنة 1254/ 1838 - 39 وذكر في تأليفه وصفا لقفصة وتوزر.
وسافر صحبة الأمير أحمد باي على رأس حملة عسكرية مسلحة إلى الشرق والجنوب الشرقي من البلاد في ربيع الأول /1256 ماي 1840 والاضطرابات التي برّرت هذا السفر وقمعها مرّ عنها بصمت، على أنه يذكر تفاصيل لا نجدها في مكان آخر كحديثه عن الاحتفال الذي حضره أحمد باي مع أعيان الساحل المجتمعين في المهدية، وعن سن ضريبة على الزيتون تعرف باسم القانون، وكلف الأمير أحمد باشا باي المترجم باقتبال هؤلاء الأعيان الذين كان منهم القضاة والعدول.
وفي وصف هذا السفر لم ينس وصف البلدان والقرى التي مرت بها المحلة. وإذا كانت الأحداث الداخلية تحتل أوسع مكان في العقد المنضد فإن الأحداث الخارجية ليست مهملة تماما.
والكتاب يحتوي على معلومات تكمل تكميلا مفيدا التواريخ المعاصرة له وبالخصوص تاريخ ابن أبي الضياف والباجي المسعودي
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثالث - صفحة 58 - للكاتب محمد محفوظ