يحيى المفتي
نجله المفتي السيد يحيى
لا أدركت تلك الأهلة دهرها ... نقصا ولا تلك النجوم أفولا
يحيى بن فخر الدين المفتي. ترجم له المرادي في سلك الدرر 4: 233، وقال عنه:
يحيى الموصلي بن فخر الدين الموصلي، مفتي الحنفية، الشيخ الفاضل النبيل، المفنن البارع، ولد بالموصل سنة اثنتي عشرة ومائة والف، ونشأ بها، وترجمه السيد محمد امين الموصلي، وقال في حقه: ربيع الفضل والمحاسن، صاحب الفضائل والكمال، مرجع الطلاب وارباب المعالي، وبالجملة فهو بالشرف كالنار على العلم، وبالكرم كذوارف الديم. أصل طاهر، وفرع زكي، ونسب قرشي علوي، ليس في الموصل كصحة نسبه ونسب أبناء عمه الا نسبة السيادة التي في باب العراق ابناء السيد عيسى الطحاوي، ثم هذا السيد يتيمة زمانه. له صدقات جارية، وللفقراء في ماله رواتب ووظائف. فيقال انه في كل يوم يعطى زهاء ثلاثين راتبا، ومنزله ربيع الضيوف وابناء السيل، لا يمر به يوم الا وعنده ضيف واكثر.
وقد مهر في الفتوى والعلم والتقدم. وكان توجيه الفتوى اليه سنة ثلاث واربعين ومائة والف، ثم اخذت منه، ثم عادت اليه. وله الايادي المشهورة والمحاضرة المبرورة، والفضائل المعمورة.
وأخذ علمه عن جماعة منهم الشيخ احمد الجميلي فقيه وقته. وهو الآن يقرئ التفسير للقاضي، يقرأه على جماعة من الطلبة، ما بين فاضل، وزكي عاقل. وله الخبرة التامة في صناعة الفارسية، واللغة التركية، وبالاصطرلاب، والربع المجيب وغير ذلك من الفضائل، ونظمه احلى من القند.
وترجمه صاحب الروض ونقل المرادي بعض ما قاله فيه
ثم قال وحج سنة سبع وخمسين ومائة والف. وله شعر لطيف منه قوله مقرظا على الروض (وذكر خمسة ابيات سينية) وله غير ذلك من الاشعار.
وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة والف رحمه الله تعالى.
وترجم له محمد امين العمري في منهل الاولياء 1: 239. ولما كان بين ما نقله المرادي عنه وبين ما هو في المنهل بعض الاختلاف آثرنا نقله قال: السيد يحيى بن فخر الدين المفتي الزاهد التقي، كان عليما بالفتاوى، خبيرا بدقائق رموزها واسرارها، ماهرا في علم التفسير، يقرئ تفسير القاضي مع مراجعة الحواشي، ويحل لهم العبارات المغلقة، ويجتمع عليه الجم الغفير من أهل الفضل والمعرفة، فيلقي عليهم العبارات المنسجمة والفوائد المهمة.*
والمفتي هذا نجله الأمجد، فلك سما السها والفرقد واحد
هنا نقص في النص ويظهر ان المؤلف تكلم عن اسرته فسقطت من الكتاب المطبوع اذ قال: كان لهم اتصال بخدمة ملوك الموصل ثم بخدمة ملوك بغداد، فصارت لهم التقدمة، وحصلت لهم الرياسة التامة، وفاق من بينهم السيد يحيى واخوه عبد الله، فكانا قمري هذا الفلك وروضتي هذه الساحة. واستمرت الفتوى عليه مدة حياته، وكان رجلا صالحا يحب الاصلاح بين الخصوم فيمنعهم عن الوصول الى محل الحكم والقضاء، مع ان القضاء له. وكان قد نصب نفسه لقضاء حوائج الناس وانتصاف ارباب الظلامات والأخذ بايديهم.
وبعد موت والدي كانت لنا زيادة في معلوم الخطيب، فقطعت عني فراجعته فيها، فأصر على اعادتها علي. وكنت ازوره احيانا فاجد عنده اكراما تاما.
أخذ العلوم عن الشيخ عبد الله المدرس، والشيخ احمد الجميلي. وحج فاجتمع في حلب بعلمائها، وكذلك في الشام والحرمين.
وكان له الجاه الكبير، والشأن النبيه، والقول التام عند رجال الدولة، وملوك آل عثمان، واقبلت الدنيا عليه فكثرت صدقاته، وتواترت خيراته.
وكان الزهد شعاره، والعفاف دثاره، والتقوى رأس ماله، ومكارم الاخلاق كسبه. في لين عريكة، وشفقة وافرة، ومحافظة على السنن الشرعية ومجانبة كل ما يريب.
وكان قد اجاز الشيخ سليم الاردلاني الآتي ذكره برواية مسموعاته، واجازني الشيخ سليم بها، فعرضتها عليه، وسألته ان يكتب لي خطه بذلك. وان يجيزني فوعدني كذلك وأمرني ان اكتب صورة الاجازة ليضع عليها ختمه. فعرض لي شواغل عنها.
ومات رحمه الله فكان لي منه اذن واجازة ايضا والحمد لله.
وعرضت عليه نسبنا الى الامام عمر رضي الله عنه فامضاه وكتب خطه عليه بصحته وكان بيته مأوى ارباب الحوائج، والمنقطعين، والغرباء، والمسافرين، والاكابر والاصاغر. وله شعر متوسط، وذكر الابيات التي سيذكرها المؤلف.
كانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة والف، فخرجنا للصلاة عليه، فكان معه خلق عظيم لا يحصى لهم عدد لكثرتهم. انتهى.
وله كتاب كبير في الفتاوى اسمه فتاوى يحيى افندي منه نسخة خطية في خزانة المرحوم الحاج أمين بك بن أيوب الجليلي. ونسخة اخرى في خزانة المرحوم محمد نوري أفندي الفخري بن الشيخ عبد الله الفخري. ونسخة ثالثة في مكتبة جامع الباشا، ورابعة في مدرسة يحيى باشا بن نعمان باشا الجليلي (انظر مخطوطات الموصل ص 63، 239).
وترجم له أيضا صاحب العلم السامي: 18، 299 وشمامة العنبر.
الفضل ومرجعه، ومنبع العلم وموضحه. الذي عقدت عليه الخناصر، وتوارث الفضل كابرا عن كابر. فهو الذي أورق غصن شبابه في ساحة المجد والفتوة، حيث ناداه قلم الإفتاء من أعلى هامات الفضل يا يحيى خذ الكتاب بقوة. قد عقدت رايات الكمال عليه وانتشرت، وضمخت جوانبه بعبير المعارف وانتثرت.
سطعت أنوار الإفادة من جانبه في كل مقام، فأشرقت شمس أفضاله على رءوس الربى وهامات الآكام. فاسترق بلفظه الرائق أبناء الزمن، فكان أدبه ألذ للعيون من معاطاة الوسن. فهو المستعذب الأدب والعرفان، والماجد الذي يكل عن وصفه اللسان، ويمل عن حصر نعوته ووصفه البيان. فكم له في الأدب من فنون تبهر العيون، وتحير الظنون. وكيف لا وهو من بيت الوحي والرسالة الحائزين لأصناف الحزم وأصناف البسالة. لهم سطور أدب منقوشة على صحايف الدهور، ونظم شعر يشاكل العبير ويشاكه المنثور وهم كما قيل:
لهم شعر كشعر أبي نواس ... على روض كنظم أبي فراس
فهم الحائزون قصب السبق في مضمار الأدب، الراقون من المجد والفضل والجود إلى أعلى الرتب. وهذا السيد عمود
هذا البيت ووتده، الذي عليه في المهمات معوله ومعتمده. وكنت أشاهده في مجلسه، وقد عبق الدهر من عبير ملاطفته وتأنسه.
ولله من ناد قد زفته أيدي الزمان بكل فضيلة، وحفته بنادر مكارم هي في ذاتها جميلة. غزلت به يد المعارف أحرف الفضل فزهت بقماشه، وبسطت به اللطائف على غواشي تلك الحواشي فسمت بارتياشه. وحاكت على تولي الشكر والثناء أنواع تلك المكارم، ونسجت بألفاظ ذات صفاء من مكارمه فجعلته لباساً للأعياد والمواسم. وألبسته عرايا أدب. ما ارتاشوا إلا بلباسه، وكسته منهوبي أرب ما اعتاشوا إلا بطيب أنفاسه. فنبتت تلك الفضائل براحتهم وأورقت أغصانا، وسادت تلك المحافل ففاخرت اعصرا وزمانا. فرعت سائمة العفاة تلك الدوحة، واهتصرت أيدي الوافدين أنواع المكارم من تلك الرشحة. فهي كعبة جود تلاقى باديه وعاكفه، وقلعة كرم انحدر بناديه وأكفه.
وروضة علم يتفيأ بظلال ازهارها، وحديقة حكم تزهو على النيرين بإشراق أنوارها. فهو المجلس العاطر الزاهر الانفس، والمحل الباهر العامر الأقدس. والمشار إليه بدره الكثير الإشراق، المصون عن الكسوف والمحاق.
وليس غريباً أن ينال غرائبا ... من المجد فرد في الزمان غريب
فضل هذا السيد لم يحط به كتاب، ولم يؤد باسهاب واطناب
وقد أتيت بوصفه القليل، ومن نظمه بالنادر المعجب الجزيل.
وأثبت منه ما هو الباهر العطر والشائع بكل قطر.
وكل له فضله والحجول ... يوم التفاخر دون الغرر
فمن نظمه البهيج، ومنظومه الأريج، قوله حين اطلع على بعض فصول هذا الكتاب، ووقف منه خاصة على هذا الباب.
ولله دره من قائل أنسى ذكر الأواخر والأوائل، وهي:
عقود وشحت صدر الطروس ... أم السكر المخامر للنفوس
ومنثور فصيح راق معنى ... بروض مثل صهباء الكؤوس
شطور سطوره تزهو وتنمو ... برونقه على العقد النفيس
صحايفه لا عين ناظريه ... تضيء بلاغة مثل الشموس
فتهنا إذ وجدناه كانا ... ثملنا من حساء الخندريس
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الاول-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمر-ص257