حسين أحمد بن حبيب الله الفيض آبادي
المدني حسين
تاريخ الولادة | 1296 هـ |
تاريخ الوفاة | 1377 هـ |
العمر | 81 سنة |
مكان الولادة | الهند - الهند |
مكان الوفاة | ديوبند - الهند |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
مولانا حسين أحمد الفيض آبادي المشهور بالمدني
الشيخ العالم الصالح المحدث حسين أحمد بن حبيب الله الحنفي الفيض آبادي ولد في التاسع عشر من شوال سنة ست وتسعين ومائتين وألف بقرية بانكر مئو من أعمال أناؤ وتلقى مبادي العلوم في ثانده وسافر سنة تسع وثلاثمائة وألف وهو في الثالثة عشرة من عمره إلى المدرسة العربية بديوبند ومكث سبع سنين وقرأ فاتحة الفراغ وأخذ الحديث عن العلامة محمود حسن الديوبندي، وتفقه عليه ولازمه مدة طويلة، وقصد كنكوه وبايع الإمام العلامة المحدث رشيد أحمد الكنكوهي، وهاجر والده إلى المدينة المنورة مع عياله سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف فرافقه، ولقي بمكة الشيخ الأجل إمداد الله التهانوي المهاجر إلى مكة المباركة، وهو شيخ شيخه واستفاد منه واحتظ بصحبته، ودخل المدينة وأقام هناك على قدم صدق وإخلاص وتوكل وتقشف، وطلبه شيخه العلامة رشيد أحمد إلى كنكوه سنة ثمان عشرة وثلاثمائة وألف، ومكث سنتين، وأجازه الشيخ، ثم رجع إلى الحجاز سنة عشرين وثلاثمائة وألف، وتصدر للتدريس في مدينة الرسول - صلى الله عليه وعلى صاحبها وسلم - محتسباً متطوعاً، يدرس في الحديث والتفسير والفقه، يشتغل به من بعد العشاء إلى قيام الليل، ومكث إلى سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف، يزور في خلالها الهند، ويحضر دروس شيخه العلامة محمود حسن، ويعود إلى المدينة المنورة، إلى أن سافر شيخه محمود حسن سنة ثلاث وثلاثين للحج والزيارة، ودخل المدينة سنة أربع وثلاثين، فلازمه الشيخ حسين أحمد، وقدم مكة المباركة معه، وكان ذلك في أثناء الحرب العالمية، وخروج الشريف حسين، وبغيه على الدولة المتبوعة العثمانية، ومعه المولوي حسين أحمد، والمولوي عزيز كل، والحكيم نصرة حسين الكوروي وغيرهم من أصحابه، وأسرهم ولاة الأمر في الحجاز، وأسلموهم إلى الحكومة الإنكليزية، فنقلتهم إلى مصر، ثم إلى مالطه،
حيث وصلوا سلخ ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين، ولبثوا فيها ثلاث سنين وشهرين، ومات الحكيم نصرة حسين بمالطه وجد الشيخ حسين أحمد في خدمة أستاذه، وفي العبادة والمطالعة، وحفظ القرآن الكريم، وصدر الأمر باطلاق سراحهم لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف، وعادوا إلى الهند مكرمين، ومرض الشيخ محمود حسن مرضه الأخير، فكان بجانبه يخدمه ويسهر عليه وأمره الشيخ بالتوجه إلى كلكته ليشتغل أستاذاً في المدرسة التي أسسها مولانا أبو المكارم، وقد سأله أن يرسل أحد خاصته، فآثر الشيخ حسين أحمد رضا شيخه على هوى نفسه، فلم يسافر بعيداً، إلا وفوجىء بنبأ وفاته، فعاد إلى ديوبند وقد دفن الشيخ، وتوجه إلى كلكته واشتغل مدة في هذه المدرسة، ثم انتقل إلى سلهث عاصمة ولاية آسام ومكث ست سنين يدرس الحديث الشريف، ويربي النفوس، وينفخ في الناس روح الأنفة والإباء وحب الحرية، وانتفع به خلائق لا تحصى. وحميت حركة التحرير والثورة السياسية في الهند، فخاض فيها وأفتى بحرمة العدل في الجيش الإنجليزي وسجن في منتصف المحرم سنة أربعين وثلاثمائة وألف، وحوكم في كراجي محاكمة مشهورة، وحكم عليه بسجن سنتين مع الاشتغال بالأعمال الشاقة، وأطلق سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف.
ولما اعتزل الشيخ العلامة أنور شاه الكشميري شياخة الحديث في ديوبند وانتقل إلى ذابهيل وقع الاختيار على الشيخ حسين أحمد رئيساً للمعلمين وشيخاً للحديث في دار العلوم، فانتقل إلى ديوبند سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، واستقل بتدريس الحديث ورئاسة المدرسة، فحافظت على شهرتها ومركزها وثقة الناس بها، وشمر عن ساق الجد والاجتهاد في تدريس الحديث الشريف وفي بث روح النخوة والإباء في المسلمين، وجمع بين التدريس والعمل في المجال السياسي بهمة نادرة وقوة إرادة، وجال في الهند طولاً وعرضاً يحضر الحفلات، ويلقي الخطب والمحاضرات، ويتحمل مشاق السفر، ويسهر الليالي، وهو محافظ على أوقاته وأوراده، يجهد نفسه ويحى ليله في المطالعة والتدريس مع بشاشة دائمة وتواضع مفرط وإكرام للوافدين وقضاء لحق الزائرين والسائلين.
وصرف همته إلى تأبيد القضية الوطنية ومساعدة جمعية العلماء التي كان من أكبر أعضائها، فقاد حركة العصيان المدني سنة إحدى وخمسين، وسجن لستة أشهر ثم أطلق، ورأس عدة حفلات سنوية لجمعية العلماء، وفي سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف قامت الحركة الوطنية على قدم وساق، وغلى مرجلها، وطلب المؤتمر الوطني من الإنجليز أن يغادروا البلاد، وألقى الشيخ حسين أحمد خطباً حماسية، فألقى القبض عليه لثمان خلون من جمادى الأولى سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف، وبقي معتقلاً نحو ثلاث سنوات وهو صابر محتسب، متحمل للأذى، مشتغل بالعبادة والإفادة في السجن، حتى جاء الأمر بالإطلاق في السادس من رمضان سنة ثلاث وستين، فعاد إلى ما كان عليه من كفاح وجهاد، وتعليم وإرشاد، وخدمة للعباد والبلاد، وقويت حركة العصبة الإسلامية التي تنادي بتقسيم لهند وتطالب بباكستان ودانت بها الجماهير من المسلمين بحماسة وتفان، وكان الشيخ حسين أحمد يرى في هذه الفكرة الضرر العظيم على المسلمين، ويعتقد أنها تفقدهم مركزهم السياسي ووحدتهم الملية، وأنها من وحي الدهاء السياسي الإنجليزي، فعارضها بإيمان وإخلاص، وذعر الهند جولة ورحلة، وجهر بعقيدته، لا يخاف فيها لومة لائم، ولا إهانة مهين، فتعرض لسخط المتحمسين والثائرين من أتباع العصبة الإسلامية وأصحاب فكرة التقسيم، ولقي منهم الشيء الكثير من الأذى والإهانة وهو صابر محتسب، لا يفتر في عمله، ولا يكف عن نشاطه، يرشد المسلمين وأهل البلاد، إلى ما يرى فيه الخير والسداد، غير مدفوع بطمع، ولا مبال بثناء أو نقد، حتى أعلن التقسيم في رمضان سنة ست وستين وثلاثمائة وألف، فانفجرت الحروب الطائفية، ووقعت المذابح العظيمة في مدن الهند وقراها، وافترس المسلمون في الهند الشمالية الغربية وحول دهلي ووقع ما كان يخافه الشيخ وأصحابه، ونزج من نزح منهم إلى باكستان وبقي من بقي في اضطراب حال وتشتت بال، وأصبحت المراكز الدينية والثقافية في الهند في خطر الزوال، وأصبحت البقية الباقية من المسلمين في خطر الاستسلام أمام الأكثرية، فانقلب الشيخ واعظاً دينياً، يثير في المسلمين الإيمان والثقة بالله والاعتزاز بالدين، ويدعوهم إلى الصبر والثبات والتوكل على الله، ومقاومة المهاجمين والمغيرين بالإيمان واليقين، فقوت مواعظه وجولاته القلوب المنخلعة، وأرسخت الأقدام المتزلزلة، وزال الخطر، وانقشع السحاب، وبقيت المراكز الثقافية والدينية على حالتها الأولى، وبدأ المسلمون يزاولون حياتهم ونشاطهم باعتدال وثقة.
واعتزل الشيخ السياسة العملية بعد استقلال البلاد، وعكف على الدرس والإفادة، والدعوة إلى الله، وتربية النفوس، لا يتصل بالحكومة ورجالها، حتى أنعم عليه رئيس الجمهورية في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف برتبة فخرية، فرفض ذلك قائلاً: إنه لا ينسجم مع طريقة أسلافه، وبقي في ديوبند يدرس الحديث الشريف، ويتجول في الهند يدعو المسلمين إلى التمسك بالدين، واتباع الشريعة الغراء، واقتفاء السنن النبوية، وإصلاح الحال، والإكثار من ذكر الله، وقد عطف الله عليه القلوب والنفوس، وغرس حبه في أهل الخير، فأقبلوا عليه زرافات ووحدانا، وتقاطر عليه الناس من كل صوب، وانهالت عليه الدعوات، وهو يتقبلها بقلب طيب، ويتحمل في سبيلها المشاق، حتى اعتراه مرض القلب وضغط الدم، فانقطع عن الأسفار مدة قليلة ولزم بيته وهو ملتزم للأوراد، جاد في التربية والإرشاد، وإكرام الضيوف ولقاء الزوار، قد تغلب عليه الخشوع والرقة، والابتهال إلى الله تعالى، والتهيؤ للقائه، حتى وافاه الأجل في الثالث عشر من جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وثلاثمائة وألف وصلى عليه الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في جمع حاشد لا يحصى، ودفن بجوار أستاذه الشيخ محمود حسن الديوبندي والإمام محمد قاسم النانوتوي.
كان الشيخ حسين أحمد من نوادر العصر وأفراد الرجال صدقاً وإخلاصاً، وعلو همة وقوة إرادة، وشهامة نفس، وصبر على المكاره ومسامحة للأعداء، يشفع لهم ويسعى في قضاء حوائجهم، وثبات على المبدأ ورحابة ذرع سعة صدر، وجمع للأشتات من الفضائل والمتناقضات من الأعمال، له نزاهة لا ترتقي إليها شبهة، وهمة لا تعرف الفتور والكسل، واشتغال دائم لا يتطرق إليه الملل.
كانت له أوقات مشغولة منظمة، كان إذا صلى الصبح أفطر مع الضيوف الذين يكثر عددهم، ثم توجه إلى دار الحديث، وقرأ درسين: درساً في صحيح البخاري، ودرساً في جامع الترمذي، وكان يقرأ هو بنفسه في غالب الأيام بلحن عربي، وصوت واضح قوي، ويفيض في الشرح والإلقاء، ثم ينصرف ويتغدى مع ضيوفه ويقيل، وبعد أن يصلي الظهر يجلس للوافدين ويشرب معهم الشاي، ويكتب الرسائل والردود، ويقضي حاجة الزائرين والسائلين، وإذا صلى العصر جلس للضيوف والزائرين يحدثهم ويؤنسهم، وإذا كان في آخر السنة قرأ درساً كذلك إلى صلاة المغرب، فإذا صلى المغرب قام للنوافل وأطال القراءة والقيام ويتفرغ للمسترشدين وأصحاب السلوك، فإذا صلى العشاء، قرأ درساً في صحيح البخاري إلى أن يمضي من الليل ثلثه أو نصفه، ثم دخل البيت وأخذ حظه من الراحة، ثم قام يتطوع ويطيل القيام، ويشتغل بالذكر والمراقبة، ويكثر الدعاء والابتهال، وقد ينشد الأبيات الرقيقة المرققة في المناجاة والعبودية إلى أن يصبح فيصلي، وإذا صلى إماماً في سفر وحضر التزم السنن وقرأ من السور ما صح في الحديث وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لا يخل بذلك، وكان في آخر عمره غلبت عليه الحمية الدينية والغيرة للشرع والسنة النبوية، فكان لا يتحمل تفريطاً فيها، وقد تعتريه الحدة في ذلك ويعلو صوته، ويشدد الإنكار على من خالف السنة أو استخف بشعائر الإسلام، وكان شديد الحب لأساتذته ومشايخه، شديد الغيرة فيهم، وكانت له
ملاحظات في بعض آراء شيخ الاسلام ابن تيمية وما تفرد به في بعض المسائل والآراء.
كان مربوع القامة، كبير الهامة، عريض الجبهة واسع العينين، أسمر اللون، جسيماً مفتول الذراعين، قوي البنية، وقوراً مهيباً في غير عبوس أو فظاظة، طلق الوجه دائم البشر، وكان يلتزم الملابس الثخينة من النسج الوطني، وكان شديد البغض للإنجليز كشيخه محمود حسن، شديد الحب والبغض في الله، وكان قد راض نفسه على النوم والانتباه، ينام إذا شاء وينتبه متى أراد، وكان شديد العبادة والاجتهاد في رمضان، وكان يؤمه مئات من المريدين، ويصومون معه ويقومون، ويتحول المكان الذي يقضي فيه رمضان إلى زاوية عامرة بالذكر والتلاوة، والسهر والعبادة.
كان قليل التصنيف، له الشهاب الثاقب......... وسفرنامة مالطه في وصف آيامه في أسر مالطه وأخبار أستاذه شيخ الهند...... ونقش حياة في مجلدين، أكثره في التاريخ السياسي، وقد جمعت رسائله في ثلاثة مجلدات.
الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام المسمى بـ (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)