محي الدين بن مصطفى بن محمد المغربي الجزائري
تاريخ الولادة | 1190 هـ |
تاريخ الوفاة | 1249 هـ |
العمر | 59 سنة |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
السيد محي الدين بن السيد مصطفى بن السيد محمد المغربي الجزائري المالكي
الشيخ العالم العامل، والفرد الأوحد الفاضل، بقية السلف الصالحين، وقدوة الأولياء العارفين، روح مجمع أهل الكمال، ودوح أهل المعارف والأحوال، وتاج الأتقياء، وعلم الأصفياء، وسراج الأولياء، ومربي المريدين والفقراء، غيث الأنام وغوث الإسلام، وبقية السلف وعمدة الخلف، محيي معالم الطريق بعد دروسها. ومظهر آيات التوحيد بعد أفول أقمارها وشموسها، خلاصة أهل العرفان والمتخلق بمقام الإحسان، فريد أهل التحقيق في المعارف، ووحيد أهل التدقيق في العوارف، من تفجرت ينابيع الحكم على لسانه، وفاضت عيون الحقائق من خلال جنانه، وانبثت أشعة أنواره في الكائنات، وانبعثت جيوش أسراره في الموجودات، وتوالت هباته وتواصلت بركاته، وسطت شموس معارفه وزكت عروس عوارفه، فهو الذي خطف بيد مواهبه قلوب السالكين، فعكف بها في مساجد المشاهد ورقا بأرواح المريدين، العفيف الحسيب والشريف النسيب. ينتهي نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقدم نسبه مسلسلاً في ذكر ترجمة ولده الأمير السيد عبد القادر فارجع إليها إن أردتها.
ولد المترجم المرقوم سنة تسعين ومائة وألف، ونشأ في حجر والده وتفقه عليه، ثم رحل إلى مستفانم فأخذ عن علمائها، وحضر الكتب المطولة على فضلائها، وأجازوه بما تجوز لهم روايته، وحصلت لهم درايته، إلى أن صار مسموع الكلمة مهاباً مطاعاً، كثير الطاعة صادق اللهجة مطواعاً، ما نال أحد دعوته إلا رأى بركتها في نفسه وماله، ولا حصل امرؤ توجهه ورضاه إلا ورأى غاية الاستقامة في أحواله، ردد الاختلاف إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وكان رضي الله عنه مجاب الدعوة، عظيم الجاه رفيع السطوة، كم له من كرامة هي على علو مقامه أعظم علامة، منها ما جرى له مع حاكم وهران محمد بن عثمان، التركي الشهير ببوكأبيس، وذلك أن أربعة من رؤساء الحشم يعرفون بأولاد بونقاب، قصدهم الحاكم المذكور أن يفتك بهم فنفروا من وهران، والتجأوا للحماية عند المترجم المذكور فوضعهم في بيت الأضياف، ولما علم الحاكم بهم أرسل إليهم رجلاً معروفاً بالمرسلي آغة الزمالة، ومحمد بن داوود نائب آغة الدوائر في أربعمائة فارس، فوصلوا إلى بلدته المعروفة بالقيطنة وأحاطوا بمنزل الأضياف، وفيه أولئك الرؤساء الأربعة، وكان الشيخ المترجم قد صلى الصبح في مسجده ورجع إلى داره، فسمع ضجيج الناس وأصوات البارود وصهيل الخيل، فخرج مسرعاً من بيته، فوجد العسكر محيطاً بهم في بيت الأضياف، فتقدم إلى الباب وقال اخرجوا إليهم، ولا تخافوا فإن كل واحد منكم بمائة من هؤلاء الظلمة، فامتثل الرؤساء أمره وخرجوا، وفي أيديهم السيوف، فوقع الرعب في قلوب أولئك الفجرة، وانكشفوا عن البيت، فركب كل من الأربعة على فرس عري ولحقوهم، فقتلوا ابن داوود والمرسلي أثخنوه بالجراحات، وتفرق العسكر شذر مذر، لا يلوي أحد منهم على الآخر، واستمروا على وجوههم إلى وهران، وأخبروا سيدهم، وفي الحين أصيب في عينيه، ولما عجز الأطباء عن معالجته وعلم أنه إنما أصيب بانتهاكه حرمة الشيخ المرقوم وجرأته عليه، أرسل بعض خواصه إليه، يستعطفه ويستقيله من عثرته، ويستغفره من زلته، ويسأله العفو عنه والدعاء له، فدعا له وعفا عنه كما هو معلوم من حسن معاملته، ورقة طبيعته، فعافاه الله وشفاه، وأخبر ولد المترجم السيد عبد القادر أن والده المرقوم أخبره بعد هذه الواقعة أن هذا الحاكم مثل له في الرؤيا في صورة كبش فذبحه وسلخه، فكان الأمر كما قال، وذلك أن باشا الجزائر أمره بتجهيز الجيوش وسوقها إلى نواحي قسنطينة، وهناك يستكمل تعلقات القتال وينهض لقتال صاحب تونس، فلما خرج إلى هبره على مسافة مرحلتين من وهران، وتلاحقت الجموع، ورأى كثرتهم، سولت له نفسه نقض الطاعة لحكومة الجزائر، ودعته إلى الاستقلال، فجمع أعيان القبائل وأسر لهم ذلك، فأجأبيه لمطلوبه ظاهراً، لاستثقالهم السفر من وطنهم إلى تونس، وأصبح راجعاً إلى وهران حاضرة ولايته، وأمر بقتل من بهما من الجند التركي فقتلوا، وبعث إلى تلمسان وأم عسكر بقتل من بهما من الجند، وأعلن بالدعاء لنفسه، فاتبعه الدوار والرمالة والغرابة ومن والاهم، وامتنع الحشم جميعاً، فطار الخبر إلى باشا الجزائر، فبعث إليه جيشاً فدخلوا وهران وقبضوا عليه وذبحوه وسلخوه وملؤا جلده قطناً وبعثوا به إلى الجزائر، فوضع على سورها فكان عبرة لمن اعتبر، وإخافة لمن نظر.
وله رضي الله عنه كرامات كثيرة ويد طولى هي بنوال المطلوب حقيقة وجديرة، حج رضي الله عنه ثلاث مرات، وكان في طريقه يجتمع بالعلماء والأفاضل والسادات الأماثل، فيفيدهم ويستفيد، وكان قاصراً نفسه على ما يفيد من العلم والتقوى لا من الطارف والتليد، ومر في آخر حجاته على بغداد، فزار جده وأخذ الطريق عن شيخ السجادة القادرية ونال أقصى المراد، ثم رجع إلى الوطن وقد أفرغ الله عليه حلة المنن، ولم يزل يعلو مقامه ويسمو احترامه، ويزكو علاه ويعم نداه، إلى أن دعاه داعي المنية للتوجه للمقامات العلية، يوم الأحد ثالث ربيع الأول سنة تسع وأربعين ومائتين وألف من الهجرة.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.